|
عدو السودانيين رقم واحد/فيصل الدابي المحامي
|
دون أي مناسبة ، قال لي صديقي اللدود: هل تعرف من هو عدو السودانيين رقم واحد؟! قلت له: امانة عليك تقطع اضنيك دا ما باراك اوباما؟! رد باسماً: كضباً كاضب! قلت له مرةً أخرى: امانة عليك تقطع اضنيك دا ما الحكم العسكري؟! رد ضاحكاً: كضباً كاضب! قلت له مجدداً: امانة عليك تقطع اضنيك دا ما الفلس ؟! رد مقهقهاً: كضباً كاضب! شُطب رأسي إيجازياً على ثلاث مراحل ومن ثم أخذت أحدق في ملامحه المراوغة لعلي أنجح في سبر أغواره الغامضة لكن دون جدوى فصديقي من ذلك النوع الذي يتحول إلى يساري متطرف في الصباح وإلى يميني متعصب في وقت الظهيرة وإلى لامنتمي إذا حل المساء! قلت له بعد فترة من الصمت المزعج: خلاص ياخي قتا الروب، انا بنسحب ولا اريد الاستعانة بصـديق ولا اطلب مساعدة الجـمهور فليس المستعان به بأعلم من المستعين وليس المطلوب مساعدتهم بأعلم من طالب المساعدة! انبسطت أسارير صاحبي غريب الأطوار ثم حكى لي القصة التالية: منذ سنوات طويلة ، غادر أحد السودانيين بلاده وعاش حياته طولاً وعرضاً في عدد من الدول الأوربية ، تعلم ، عمل ، أحب ، كره ، تشاجر وتصالح بالأسلوب الاوربي حتى صار أوربياً أكثر من الأوربيين أنفسهم! ويحكى أن صاحبنا كان يتجول ذات يوم وحيداً وسط الآثار العريقة في العاصمة اليونانية أثينا مستمتعاً إلى أقصى حد بعزلته الفردية وبخصوصيته المقدسة، فجأة ودون أي مقدمات ، خرج أحد السودانيين من العدم وانقض عليه مفتوح الصدر والذراعين كبادرة للتعارف المفتوح الذي ينتهي عادةً باكتشاف علاقة قرابة بين أي سودانيين يلتقيان في أي مكان في العالم حتى لو كانا ينتميات إلى خارطتين وراثيتين متضادتي الوجهة والاتجاه ، ابتعد صاحبنا عن مسار الهجوم السوداني المباغت بحركة التفافية سريعة ثم صاح في وجه المندفع المجهول: يا زول غور كده والله كده ، ياخي خلينا ليكم السودان كلو كمان جايين لاحقننا هنا؟! فجأة ودون سبب واضح، عاد ذلك السوداني المتأورب إلى قريته المتواضعة في شمال السودان ومن ثم بدأت معاناته من الجميع ومعاناة الجميع منه ! ومع مرور الأيام وتعاقب الأحداث ثبت عملياً أن صاحبنا يمتلك نظرية متكاملة في كراهية السودانيين فهو لا يستطيع التعايش مع القيل والقال الصادر بحسن نية ولا التدخل في الشؤون الشخصية الذي يتم بعفوية ولا يقبل الزيارات العشوائية التي تتم دون سابق انذار ، وبالمقابل كون سكان القرية رأياً عاماً لا يرحب مطلقاً بذلك الدخيل غريب الأطوار، فما أن تذكر سيرته حتى يعلق بعضهم ساخراً: (نحنا هنا ماعندنا ساعات ولا نصيبة زمان، مواعيدنا الصباح الضهر والمسا ونزور بعضنا في أي وكت وما محتاجين لتصاريح للزيارات أصلو انحنا قاعدين في حلتنا والله في منطقة عسكرية؟! بعدين نحنا ماعندنا حاجة اسمها خصوصيات، خصوصيات بتاعت شنو على الطلاق لو أي واحد قال بغم جوا بيتو الحلة كلها تجيب خبرو تاني يوم، الافندي دا ما نصيح والله شنو؟!) أما البعض الآخر فقد كانوا يقلدون حركاته ويسخرون من سلوكه المتفرنج ويصفونه بالخواجة الأسود! ذات يوم دعى صاحبنا مجموعة من مثقفي القرية إلى وليمة عشاء في منزله العامر وحدد موعد الحضور عند الثامنة مساء، وعلى عادة سكان القرية ، قام السادة المدعويين بممارسة هواية التأخير ولم يصل موكبهم الميمون إلى بيت صاحبنا إلا بعد ساعتين من الموعد المـحدد ، عندها رفض صاحبنـا فتح باب منزله رغم القرع الـمستمر بقبضات الأيدي والعصي ولم يجدوا بداً في نهاية المطاف سوى العودة إلى ديارهم بخفيّ حنين وهم في غاية التعجب والدهشة من مسلكه غير المفهوم أما هو فقد تحصن في عقر داره متجاهلاً الطرقات اللحوحة ولسان حاله يقول: تباً لهؤلاء القوم الذين لا فرق بين متعلمهم وجاهلهم ، مـن لا يحترم المواعيد ليس جديراً بأي نوع من التقدير والاحترام ناهيك عن الترحيب والاكرام! ذات يوم ذهب صاحبنا إلى مطار الخرطوم لتوديع ابن اخته الذي كان يزمع السفر إلى أوربا بغرض الدراسة، احس صاحبنا بقدر كبير من الامتعاض والانزعاج عندما عثر على ابن اخته وبصحبته مجموعة من الطلبة السودانيين المسافرين معه لنفس الغرض، في غمرة الحماس الشبابي سأل ابن الاخت خاله بلهجة مرحة: يا خال إنتا طبعاً خبرة كبيرة في أوربا نصيحتك لي شنو؟! رد صاحبنا بسرعة البرق بعد أن أشار بيده إلى الوفد السوداني المرافق لإبن أخته: بنصحك نصيحة واحدة بس ، شفتا السودانيين المنططين عيونم ديل اكان ختيتم ما بتجيك أي عوجة تب!
فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
|
|
|
|
|
|