|
عن دار فور
|
سعد المرء بأن قرأ وسمع إعلان رئيس الجمهورية انتهاء العمليات العسكرية في دارفور ودعوته لمؤتمر قومي لحل مشكلة دارفور سلما ولكن في نفس الوقت استمعت من ألبي بي سي BBC في نشرة الأخبار الصباحية محادثة عبر الأقمار الفضائية بين المذيع وبين عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان من جبل مرة بدار فور قال فيها انه بالرغم من إعلان رئيس الجمهورية فان قوات الحكومة وعصابات الجنجويد أحرقت 18قرية ،وارتفعت ألان إلى 200 قرية وفر آلاف المدنين إلى تشاد واصبح عدد اللاجئين اكثر من 000/600
عدا النازحين إلى المدن الكبيرة كالفاشر ونيالا،والمرء يميل إلى تصديق الرجل لأن التجارب علمتنا إن أصحاب هذه الحكومة يقولون ما لا يفعلون ويسرون غير ما يجهرون به،فقد ظلوا لثلاث سنوات منذ انقلابهم ينكرون انهم أخوان مسلمين أو جبهة إسلامية وهما سيان فهل(الشينة منكورة)كما يقول المثل السوداني؟! ولكن دعونا نتفاءل خيرا فهذا هو طريق العقل والحق..ولم أري أحمق من تصرفات هذه الحكومة-حكومة الجبهة-فهي كالفراش يتهافت في النور ولكن يرمي بنفسه في النار ليحترق، ويشهد على ذلك حرب الجنوب التي أشعلوها بضراوة لمدة أربعة عشر عاما بعد إن كنا قاب قوسين أو ادنى من السلام،فقد اتفق السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والدكتور العقيد جون قر نق قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان على وقف القتال وعقد المؤتمر الدستوري والجلوس إلى مائدة المفاوضات لحل قضية الجنوب سلما في 18 نوفمبر 1989ولكن جاء الأخوان المسلمون باسمهم الجديد وهو الجبهة الإسلامية القومية بانقلابهم المشئوم في 30 يونيو 1989،جاءوا باعصار مدمر من الشر واجهضوا مساعي الخير والسلام وزادوا نيران الحرب أوارا وكان شعارهم(اعطني بندقية أعطيك سلاما)،وزجوا بالشباب قسرا والطلبة بخاصة،ودفعوا بهم إلى الموت تحت دعوىالجهاد،واخذوا شبابا في زهرة العمر من مقاعد الدراسة إلى ميادين القتال بدون تأهيل أو استعداد كاف، فكان المجندون قسرا منهم يقضون ستة أسابيع في التدريب يطلقون خلالها ثلاث رصاصات فقط للواحد ثم يدفعون بهم إلى القتال ليواجهوا المدافع والرشاشات والدبابات وراجمات الصواريخ ويموتون موت الضأن في أول مواجهه!ويبقى السؤال وهو من يقاتلون وضد من يجاهدون؟!انهم يقاتلون أخوان لهم في الوطن فيهم المسلمون والمسيحيون أهل الكتاب الذين أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن نحسن إليهم ما داموا لم يقاتلوننا ويخرجوننا من ديارنا،وحتى المشركين امرنا الله إن نجيرهم حتى يسمعوا كلام الله،وحتى فرعون الذي طغى وتجبر وقال أنا ربكم الأعلى أمر الله بأن يقولوا له قولا لينا ..وابتدع زعيم الجبهة الترابي عرس الشهيد فزوجوا من قضى نحبه من الشباب من حور الجنه،أي جعلوا من أنفسهم أولياء على حور الجنه يزوجونهم بمعرفتهم!لكن القضية ليست قضية دينية كما صوروها زورا وبهتانا،وانما هي قضية سياسية اجتماعية لمواطنين سودانين يريدون حقهم في الحياة الكريمة مثلهم مثل بقية البشر بعد سنين طوال من
إهمالهم وازدرائهم والاستعلاء عليهم بعد استعبادهم في الماضي وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما قرر سيدنا عمر بن الخطاب..هؤلاء الحكام الحمقى ثابوا إلى رشدهم أخيرا مضطرين بعد إن انهالت عليهم الضربات والهزائم في الداخل بالرغم من إرهابهم للناس وقمعهم الشرس والبطش بهم،وتحرر معظم الجنوب من قبضتهم وانحصروا في المدن الكبيرة لا يخرجون منها،وكذلك انهالت عليهم الادانات من غالبية الشعب السوداني الذي لا يمثلونه هم حقا وصدقا بل هم شرذمة قليلة من الشعب السوداني تسلطوا عليه بالغدر والتضليل والدبابة والبندقية..كما انهالت عليهم الادانات من المجتمع الدولي ممثلا في هيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم،وفرضت عليهم العقوبات من هيئة الأمم المتحدة ومن أمريكا،وفي نهاية الأمر اضطروا اضطرارا للجلوس إلى مائدة المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان،ولكن بعد أن دفعنا ثمنا باهظا وفقدا عزيزا من دماء آلاف شبابنا من الشماليين والجنوبيين،ومن تخريب الديار،ومن تدمير اقتصادنا،ومن عافيتنا،ومن أقواتنا ومن سمعتنا التي كانت كالذهب وصارت كالصفيح ووصم السوداني بالإرهاب،وحيثما حل في العالم
ينظر إليه بعين الشك والريبة!ومن أسف ارتكب هؤلاء الحكام نفس الأسلوب الخائب في دارفور فالجأوا إلى القوة المفرطة والوحشية من تقتيل المدنين الأبرياء بالقصف من الطائرات وحرق القرى وإبادة البشر والتطهير العرقي،وهرب الناجون إلى تشاد بمئات الآلاف كما شاهدناه على شاشة التلفاز ونقلته لنا كاميرا قناة الجزيرة من موقع الأحداث في دارفور فكان عقابها إن قفل مكتبها واعتقل مديرها في الخرطوم لكشفها للعالم ما يجري من مآسي في دارفور يرتكبها قوات الحكومة والعصابات المتحالفة معها..ففي عصر الاتصالات الحديثة صار كل شئ مكشوفا ولا يمكن التستر عليه أو الكذب والتدليس..وأهل دارفور الذين ثاروا على ظلم السنين الطوال البين،فهم يعيشون على هامش الحياة محرومين من كل شئ غذاء ودواء وتعليما ومن ابسط متطلبات الحياة وهو الماء الذي لا حياة بدونه كما في شمال دارفور في المالحة كمثال،ولما لم يجدوا آذنا صاغية لمطالبهم المتكررة أو نظرة عطف لمعاناتهم والامهم،أو استجابة لشكاتهم لم يجدوا بدا من اللجوء للسلاح لنيل مطالبهم،فوصفوهم بالعنصرية وقطاع الطرق ووصفوا حركتهم من أجل العدالة والإنصاف بالنهب المسلح تماما كما كانوا ينعتون الجنوبيين في الجيش الشعبي لتحرير السودان بالخوارج والخونة،فحكومة الجبهجية أساتذة في مجال تخوين الناس وفي التلفيق والكذب..كانوا يزعمون إن ما يقومون به من حرب في الجنوب جهادا،فماذا يا ترى يزعمون ما يقومون به في دارفور من حرب وتقتيل المواطنين المدنين وقصفهم بالطائرات وحرق منازلهم في قسوة اشد من قسوة ما يفعله الصهاينة بالفلسطينيين؟!هل يسمونه جهادا أيضا؟!وأهل دارفور منذ قرون أهل دين وحفظة قرأن من قبل أن يولد شيوخ وأيفاع الجبهة بل كانوا في عالم الغيب!وأهل دارفور هم من هم أصحاب سماحه ووداعة وبأس شديد في نفس الوقتوهم أصحاب رأى وحكمة،وهم أهل الدين والعلم فقد كان سلاطين الفور يهبون ألحوا كير(الأراضي الزراعية)للعلماء والفقهاء تكريما لهم واعترافا بفضلهم،وفاض خيرهم في ماضيهم الماجد إلى خارج ديارهم والى ارض الحرمين الشريفين،فكان سلاطين الفور يرسلون كسوة الكعبة المشرفة في كل عام وكانت زكوات دارفور تذهب لفقراء المسلمين حول الحرم الشريف،وتشهد آبار على القائمة علىمشارف المدينة المنورة وقد سميت على اسم السلطان علي دينار الذي حفرها وهي ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه للحج والعمرة اليوم وغدا والى أن يرث الله الأرض ومن عليها،كما كان السلاطين يبعثون الطلبة لتلقي العلم في الأزهر الشريف في مصر. إن القلب ليدمي والنفس لتحزن لما لاقاه ويلاقيه أهل دارفور،ويلعن الله من تسببوا في هذه الفتنه العمياء بين أهل دارفور بمختلف قبائلهم فقد عاشوا الدهور في سلام ووئام وان حدث خصام أو خلاف بينهم فهو كالذي يحدث بين الشقيق وأخيه ثم يعود الصفاء والود،وكانوا يحلون مشاكلهم في مجالس الصلح والجودية من حكماء القوم وكبارهم.. كل ما يود المرء من قلبه لدارفور هو العدل والإنصاف والتنمية وقبل ذلك وبعده السلام،وليحفظ الله دارفور وأهل دارفور..
هلال زاهر الساداتى
[email protected]
|
|
|
|
|
|