|
سرآب العمر قصة جديدة بقلم هلال زاهر الساداتى
|
كان عبد الله رجلا" فوق الخمسين من العمر واقرب الى الطول منه الى القصر ، عريض المنكبين يميل ظهره الى الأنحنآء قليلا" نتيجة لعمله الشاق فى حمل الأثقال فوقه ، فهو عتال يحمل اصنآف وانواع الجوالأت التى يحتوى داخلها على الذرة أو البصل أو الشطة أو صفق التنبا"ك ، وجوالآت السكر والبن وبكل ما يخطر على بال المرء من مواد يحتاجها فى معيشته ، وكان قدره أن يستنشق ما يفوح من داخل ما تحتويه هذه الجوالات ولا سبيل لتجنبها . وكان يبدأ يومه مع اطلالة الفجر والناس نيا"م ومع بقايا الندى البلورية الرقراقة واتتى تسقط قطرات على أديم الأرض كأنها دموع السما"ء المثقلة بالغمام تبكى حظ البؤسآء الكادحين الى ما لا نهاية فى حياتهم حتى يلاقوا الراحة الأبدية من بلآء وهموم الدنيا بالموت ! وربما يغيب الفجر فى بعض الاحيان فى عاصفة الهبوب المحمل بالأتربة فتسود الدنيا فى تلك المدينة الفريدة أمدرمان ! وكان عبد الله يسكن فى منزل قديم مبنى من الطين مكون من حجرتين يبدو وكان الدهر قد أكل منه وشرب ، فتشققت جدرانه ورقت وكانها انسان مريض هزيل ، ويعجب الواحد كيف انها لم تنهار على رؤوس ساكنيها وصمدت كل هذه المدة ! وعبد الله رجل يعمر قلبه الأيمان وقد درس القرا"ن فى الخلوة فى طفولته ، ويبدأ يومه بالصلاة ، وتصحو زوجته ايضا" وينتقلان الى الحجرة الصغيرة الأخرى اتى اتخذا منها مطبخا" فيشربان الشاى وتشعل المرأة النار تحت صاج ( الدوكة ) وتبدأ فى ( عواسة ) الكسرة ، ولها زبآئن من الحلة ومن خارجها ولكل واحد منهم نصيب يومى من الكسرة ، ويقصدونها فى منزلها مما وفر عليها مشقة الذهاب الى السوق لبيع كسرتها هناك ، وهى تقضى سحابة النهار فى منزلها فى عملها ذاك ، وعندما تفرغ منه تعد الطعام لزوجها وتنتظر أوبته الى المنزل فى اخر النهار . وكانت نورة زوجة عبد الله امرأة فى الاربعينات من عمرها معتدلة القوام ذات ارداف متكورة ولها عينان سوداوان جميلة وان كان قد اذهب نضارتهما طول التعرض للنار ودخان الحطب تحت الدوكة ، وصدرها متماسك وثدياها لم يتهدلا برضاعة لانها لم ترزق بأولاد ، وقبيل المغرب عاد زوجها باديا" عليه التعب والارهاق ، ولم تتمالك نفسها بشئ من الاعجاب به والحنين اليه وكثير من الأشتياق وان لم تصرح له بذلك على عادة النسآء السودانيات ، ولكن وهما يتناولان الطعام قالت له : ( يا أبو محمد انت ما بقيت زى عوايدك زمان ، انا ما بقيت مرتك ولا انت شايف ليك شوفة تانية ولا عايز تعرس على ؟ ) واجابها بحدة قأئلا" ( قولى بسم الله يا مرة ، انتى ياكى انتى بس الواحد ما عنده نفس ، لا اتحننتى وما ادخنتى وما شميت فيكى ريحة حلوة ، وحتى الكلام ما فيه غير الشكية وانا بشقى ليك من صباحى لمساى ) . وردت عليه بشئ من الغضب : ( طيب انت جبت لى الحاجات القلتها دى وانا أبيت ، طيب انا ما بشقى زيك من صباح الرحمن لليوم كله اعوس وانضف واسوى الملاح ، ولو ما القروش البلقاها من سواة الكسرة ما بنقدر نعيش بالقريشات البتدينى ليها دى ، وده بدل ما تشكرنى تقول لى شنو وشنو ؟! ) وتراجع عبد الله من قوله السابق وقال لها : ( والله الكلام القلته كان طالع من زهجى وحراق روحى وما قاصدك ، يعنى اعتل اليوم كله وينهد حيلى واخرتها شوية جنيهات لا يودو ولا يجيبن ، وامشى للجزار عشان اشترى لى حتة لحمة بقر، وفى الوكت ده السعر بنزل والجزارين دايرين يتخلصوا من اللحم الفاضل ، واقول للجزار ادينى ربع كيلو يقول لى ( تقصد مس كول ) ؟ اقول ليه انا ما بعرف كلامكم الجديد ده بس ادينى الربع ، وبعد داك أغشى سيد الخدار واشترى لى حبة بامية أو ربطة خدرة بالشى الفلانى والبندورة ما بقدر اشتريها لغلاتها ، وامشى للدكان اشترى حبة شاى وشوية سكر ، وباقى القريشات القليلة الباقيات ياهن البديك ليهن . والله يا نورة انا ما قاصد حاجة وانت مرتى وتاج راسى وان شا الله ربنا يعدل الحال وعمرنا الباقى لينا مايكون متل موية السرآب اللى حسة نجرى ورآه وما حصلنآه . هلال زاهر الساداتى 14ـ 5ـ 2014
|
|
|
|
|
|