|
حضرة النآئب جادين قصة قصيرة جديدة لهلال زاهر الساداتى
|
كان جادين رجلا" تعدى الخمسين من عمره وان بدا عليه انه أكبر من ذلك فقد امتزج شعر رأسه الأسود بشعيرات بيض ، وغار خدآه وبرزت وجنتاه ونحل جسمه من الارهاق والتعب وسوء التغذية وقلة الغذآء المحتوى فى الغالب من الكسرة وملاح الويكة الغآئب منه اللحم ، وجآء جادين ممتطيا" حماره الذى يماثله فى الهزال والارهاق من قريته الصغيرة المغمورة الى المدينة فى طلب الرزق ببيع الحطب الذى يستخدم وقودا" للطهى ، وجد واجتهد فى عمله ، واخذ فى توفير ما يكسبه من نقود واضعا" القرش على القرش كما يقال حتى استطاع شرآء لورى قديم كان معروضا" للبيع ، وبعدها اتسعت تجارته فى بيع الحطب واضاف اليها بيع الفحم ايضا" ، وفتحت الدنيا ذراعيها مرحبة به والجا" عالم الاغنياء ، فاشترى منزلا" فى العاصمة وضم فيهاعائلته الصغيرة واستدعى للعمل لديه زملآءه القدامى فى بيع الحطب باجور حسنة ، واشترى طاحونة لطحن الذرة فى قريته وودعوا المرحاكة الى الأبد ، وصار يولم للغدآء فى كل جمعة فى منزله لكبار اهل قريته ليعرفهم على وجهآء اصحابه الجدد من رجال المدينة ومنهم احد السياسيين وطبيب وتاجر ، وكان شاكرا" لانعم الله عليه فامتلأ جسمه لحما" وشحما" وتحول وجهه المتغضن الى (كضوم ) واستدارت بطنه الغائرة الى كرش واطلق لحيته ، واتفق مع خطاط مشهور واجزل له الاجر ليعمل له شجرة عائلة تنتهى الى قريش ليضعها فى برواز أنيق يعلقه على حائط صالون منزله الجديد ، وتوسع فى تجارته واصبح يتاجر فى كل شئ يحقق الربح مهما كان ، وتمت فرحته بتشييد منزله الفخم الجديد ، وبزيجته الجديدة من فتاة صغيرة السن بعد ان أحال زوجته القديمة الى التقاعد بعد خدمتها الطويلة الممتازة له ولاولاده ، ثم نوى ان يحج فى العام المقبل لينال لقب الحاج عن جدارة ! ولكن بقى فى نفسه شئ من حتى كما يقول اهل اللغة ، فقد ظلت تراوده فكرة الاشتراك فى الحكم ، ولكن يقول لنفسه انه بالكاد يعرف القرآءة والكتابة وشيئا" قليلا"من القران ولا يتعدى تعليمه الخلوة ، ويرد على نفسه قائلا" ( وطيب ) وهذه لازمة له فى كلامه يرددها ليحسم بها اى موضوع أو نقاش ، دحين من ما جات حكومة الانقاذ هناك كتار زيى من خريجين الخلوة فى البرلمان ومعاهم اصحاب الشهادات العالية ، وديل كلهم لابحلو ولا بربطو ولابعملو حاجة غيرقولة ـ نعم ـ عند التصويت ، فهل تغلبنى قولة نعم ؟ فتلح عليه نفسه فى السؤال بقولها : ولكن امكن قولة نعم مضرة بمصالح الشعب وضد رغباته ! فيقول جادين : وطيب! الذنب بكون معلق فى رقبة الحكومة وانا بمرق منها زى الشعرة من العجين ، انا خلاس عملت خيرة وحاكون نايب يعنى حاكون نايب والما عاجبه يشرب من البحر ومن بكرة بلتحق بحزب الحكومة واكون منهم وده اهم شئ ويا نفسى ما تقولى لى كانى مانى . وفى غدآء الجمعة الذى يدعو له الكبرآء والاصدقآء الجدد كانت المائدة ملأى بعديد الاصناف من الطعام الشهى ، وكانت الدعوة فى منزله الجديد الفاخر ، وبعد ان احتسى المدعوون اكواب الشاى وفناجين القهوة ، وقف جادين وبسمل وقال يا اخوانا ربنا سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم ( اتحدث بنعمة ربك ) وقال النبى ( المال والبنون زينة العالمين ) ، وهنا تدخل شيخ ملتحى قائلا" : اسمح لى يا حاج اصحح الايتين القلتهم ، وهنا انفعل جادين وقال له بحدة : الكلام ده انا حفظته من شيخى بلاع الجمر ود تمساح الفقرا ـ وفر كلامك عليك وتكهرب الجو وهنا جذب الجالس بجوار الشيخ طرف جلابيته وقال له : خلينا يا زول نسمع كلامه ، وبلع جادين ريقه وتنحنح ثم قال : ( استخرت الله وبعونه حارشح نفسى فى الانتخابات الجاية وانتو عارفنى كويس زى جوع بطونكم وحاكون خير من يمثلكم وانشاله تلقوا الخير على يدينى ، لاكين برضه الشورة سمحة والعنده اعتراض او ملحوظة اليمرقه هسة وأنا ما عندى اى مانع وبالمناسبة دى انا اتسجلت عضو فى حزب الحكومة . ) ، وسكت القوم وكأن على رؤوسهم الطير وتململ اثنان أو ثلاثة فى مقاعدهم . وقال جادين ـ وطيب ـ يا جماعة نقرا الفاتحة بنية القبول والنجاح ، ورشح جادين شخصه فى الدائرة التى تضم قريته وضخ مالا" كثيرا" لاستمالة الناخبين والمتشككين والمنافسين فلم ينافسه أحد ، وفاز بالتزكية أو بالأيجاب السكوتى كما قال خبرآء انتخابات الأنقاذ ، واصبح جادين النائب المحترم الحاج جادين ، واضيف الى نواب (نعم) لكل شئ يتطلب التصويت فى البرلمان أو مجلس الشعب كما اسموه . هلال زاهر الساداتى
|
|
|
|
|
|