|
ثمن الموت كشك قصة جديدة بقلم هلال زاهر الساداتى
|
ثمن الموت كشك قصة جديدة بقلم هلال زاهر الساداتى هى قرية من آلآف القرى فى دارفور فى غرب السودان تقع بين الاشجار المورقة الظليلة التى تعلوها سمآء زرقآء صافية تحمل عند بدايات الخريف غيوما" سودآء حبلى بالمآء الغزير ينزل فى حينه غيثا" دفاقا"يملأ الارض بالبشارآت السخية فتكتسى الارض بابسطة خضرآء من النجيل والعشب ، ويفرح الزراع بما ستنبته لهم الارض المعطآءة من خير زرعهم ، ويمرح الاطفال يخوضون فى المآء الضحل يعبثون بالمآء والطين ، لآهين عن كل ما يعكر أو يوقف العابهم الشقية سوآء كان من زجر ابآئهم وامهاتهم ، أو من كبارهم ، وفى هذا الجو المفعم بالسعادة تتجدد الآمأل الدفينة عند البعض ، فكم من مشروع زواج منتظر أو ختآن الاولاد ، او بنآء دآر ، وربما التوق الشديد للحج الى بيت الله الحرآم ، وحتى الحيوانآت يعمها النشاط والبهجة ، فتتقافز الحملان ، وتمتلئ باللبن ضروع الغنم والبقر ، وحتى الطيور فوق الاشجار تزداد شقشقتها وترتفع الأكف بالدعوات لحصاد محصول جيد يحقق لهم مايتوقون اليه . وقد كانت تلك القرية مثلا" لمثيلاتها من القرى الأخرى قآنعة بما قسم الله لها من رزق كافيها وان كآن قليلأ" ، فلا يبآت فيها جآئع والكل ينام آمنا" مطمئنا" . فى هذه القرية ولجت نادية طفلة جميلة لابوين يعملان بالزراعة فى قطعة من الارض ورثاها من اجدادهم ، وكعادة اهل الريف زوجت من ابن عمها حالما بلغت سن الرشد والذى كان يعمل جنديا" فى الجيش ولقى حتفه فى احدى غارات الثوآر على مطار عاصمة الولاية وخلف ورآءه نادية ارملة ومعها ثلاثة اطفال وواحد منهم مصاب بشلل الاطفال ولم يكن باستطاعته المشى . ولما ضاق بها الحال آثرت الرجوع الى قريتها حتى تدبر أمر معيشتها هى واطفالها بمساعدة ذويها وعزمت على زراعة ارضها ، وهى فى المدينة سمعت ان الامن صار مضطربا" وكثر السلب والهب والقتل ، وعزت السلطات تلك الجرائم الى عصابات النهب المسلحة ، ولم تنل تلك الاقاويل من عزم نادية الى الذهاب الى قريتها فهناك ستكون على الأقل فى حماية اهلها ورجال القرية ، وبعد مشقة وصلت ، ولم تصدق أو تعى ما حدث لولا مشاهدتها عيانا" لما كان ذات يوم قريتها الهادئة المطمئنة، فهنا ارض جردآء اسود ترابها وصارت رمادا" من اثر الحرآئق التى دمرت كل شئ كان قآئما" من دار اوحيوان لم يبق منه سوى عظاما"مفتتة سودآء كالقطران ، ولكن اين الناس الذين سكنوا تلك الدور وعمروها ؟ وعلمت بعد حين من خروجها ان مجموعات من القبآئل البدوية يسمونهم الجنجويد ينتمون الى القبآئل البدوية العربية فى دارفور ومن دول الجوار تستخدمهم الحكومة للقضآء على القبآئل الثآئرة على الحكومة من الزغاوة والفور والمساليت ، فيهجمون على القرية ويقتلون الرجال والأطفال عن آخرهم ويأخذون ممتلكاتهم ثم يحرقون القرية ويقتادون النسآء والصبايا ، ويغتصبونهن ومن تستعصى او تقاوم بعد ضربها بالسياط يردونها قتيلة بالرصاص ، وعندما ينتهون من ابادة قرية ينتقلون الى اخرى ويمسحونها من فوق سطح الأرض بعد تكرار افعالهم الوحشية ، وكان الطيران الحربى يمهد لهم بالقصف من الجو قبل هجومهم الكاسح ، وكانوا أشبه بتسونامى من البشر ، أو كبركان ثآئر لا يبقى على شئ امامه . وادركت نادية انه لا مكان آمن الا فى عاصمة البلاد وهناك ستلقى عملا" تعيش منه هى واولادها وربما تجد افرادا" من قريتها سبقوها الى هناك ، وبعدرحلة شاقة ومضنية فقدت فيها ابنها المعوق الذى مات فى طريق الرحلة . وصلت الى الخرطوم واستقرت فى احد الأحيآء الطرفية والتى يسمونها الهامشية ضمت النازحين من بلدانهم الأصلية بفعل الحروب الصغيرة المشتعلة ،أو بسبب الجوع وانعدام العمل ، وسكنت فى حجرة فى منزل تقاسمته مع نسوة اخريات فى حى يفتقد المآء والأضآءة ولا يوجد به مركز للشرطة أومستوصف طبى للعلاج أو مدرسة للاطفال ولا وسيلة مواصلات أو حتى كنتين لبيع الحاجيات الضررورية . وعملت هؤلآء النسوة بالكسب الحلال لاعالة انفسهن واطفالهن وذلك ببيع الكسرة والشاى والقهوة ، واقتنت نادية عدة لعمل الشاى ، واختارت مكانا" جآنبيا" فى احد شوارع الخرطوم وصار لها زباين بعد وقت وجيز ، وكان ما تكسبه يفى حاجتها من القوت ولدفع ايجار الحجرة ، ولكن ما كان ينغص عليها معيشتها تلك الحملات من عسكر البلدية الذين يتعمدون بعثرة وتكسير العدة ، ومن تقاوم منهن ينهالون عليها بالضرب، وكن عند ظهورالعسكر من بعيد يجمعن العدة بسرعة فى كرتونة بجانبهن ويجرين بها لاخفآئها عند صاحب دكان قريب منهن كان زبونا" دائما" لديهن . وفى هذه المرة كانت نادية تعد فى دخلها من القروش ومتأهبة للعودة ، ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان ، فقد انقض عليهن افرادالشرطة على حين غرة فغير المواعيد التى اعتادوا عليها فى منتصف النهار أو قبله ، وكانوا مسلحين بالهراوأت والسيطان ويحمل بعضهم البنادق وكأنهم ذاهبين الى خوض معركة ، واتجه احدهم نحوها وركل بحذآء قدمه الثقيل ( البوت ) الصينية بما عليها من اكواب وفناجين فتحطمت ، وقامت اليه لتمنعه من تكسير ما تبقى من العدة ، فطالها ضربا" بالسوط ، واستطاعت أن تمسك بالسوط فتركه فى يديها واخذ يضربها بعصاته الغليظة على رأسها فانفتح جرح تفجرت منه الدمآء ، ولم يتوقف واستمر يضربها على رأسها رغم صراخها ووقوعها على الأرض وهى ترفس بقدميها ، وامره الضابط بالكف عن الضرب قآئلا" ( وقف يا عسكرى انت عايز تكتله ـ الحقو ودوها المستشفى ) وكانت قد فقدت وعيها ومازالت تنزف وحملوها بعربة الشرطة الى المستشفى ، وعندما اوصلوها كانت قد توفيت . وهزت الواقعة الناس وكتبت الصحف عنها ، كما اصابت سلطات الشرطة العليا بالجزع والخوف من غضب الجماهير واصدر المكتب الصحفى بيانأ" امتلأ بالكذب ذكر ان المتوفآة توفيت بسكتة قلبية وكانت قد هاجمت رجل الشرطة بسكين وانه كان فى حالة دفاع عن النفس ، وان والى الخرطوم قد عبر عن أسفه ووجه بان تمنح ابنة المتوفاة ذات السابعة عشر ربيعا" كشك لتزاول فيه عمل والدتها فى بيع الشاى . هلال زاهر الساداتى
|
|
|
|
|
|