|
المهديون فى السودان فى تاريخنا الحديث بقلم هلال زاهر الساداتى
|
من المعلوم ان التاريخ وقآئع واحداث حدثت فى الماضى ومن الحتمى لمن اراد ان يسجلها ان يفعل ذلك بكل امانة وتجرد من اى مؤثرات مهما كانت ، وهذا لا يمنع من يبغى ان يكتب او يبين ويوضح الظروف او الاحوال السائدة خلال تلك الفترة او الوقآئع ، والمؤرخ الامين الرشيد من الامكان وصفه بجهاز التسجيل او كاميرا التصوير الذى ينقل الصوت او الصورة دون زيادة او نقصان . هذا تمهيد لا بد منه قبل ان اشرع فى كتابة ما انا بصدده وا نا لست بمؤرخ ولكن انقل عن كتب سجل اصحابها بصدق وشفافية عن احداث جرت فى وطننا السودان الحبيب ، ولقد راق لي الحديث عن الاشخاص الذين ادعى كل منهم انه المهدى ، وكنت اجهل هذه المعلومات واحسب ان الكثيرين من المثقفين والمتعلمين يجهلونها وبخاصة الاجيال الحديثة . وبداية ينبغى ان نعرف من اين نبعت فكرة فكرة المهدية ، فقد كتب الاستاذ الكبير الموسوعى استاذ التاريخ بمدرسة المؤتمر الثانوية بامدرمان بابكر احمد موسى ، عليه مغفرة الله ورضوانه ، ما يلى فى كتابه ـ التركية والمهدية فى السودان صفحة 46 : ( ظهرت فكرة المهدية بعد مقتل الامام على بن ابى طالب واستيلآء بنى امية على الحكم الذى لم يقتفوا فيه اثار الخلفآء الراشدين بل جعلوه ملكا" عضوضا" ، فصار الشيعة يمنون انفسهم بظهور امام هاشمى يملا الارض عدلا" بعد ان ملئت جورا" ، لقبوه بالمهدي المنتظر ووضعوا كثيرا" من الاحاديث التى نسبوها الى النبى لتاييد دعواهم ، فمن ذلك علي سبيل المثال لا الحصر ، لو بقي للعالم يوم واحد ، لمده الله حتى يرسل رجلا" من عترتى اسمه كاسمى ، واسم ابيه كاسم ابي ، يشيع العدل ويرفع الظلم ، ويتبعه المسلمون . فالامام بهذه الصفة ـ منقذ ومصلح ، وقد انتشرت الفكرة على مر القرون ، فصار المسلمون يتشبثون بها كلما حل بهم الظلم والاضطهاد . ) وفى السودان ظهر رجل يدعى محمد احمد وقال انه المهدى وهو قد ولد بجزيرة لبب بدنقلا سنة 1843م وكان ابوه عبد الله بن فحل يصنع القوارب ، ولامر ما رحل باولاده الى كررى شمالى امدرمان حيث واصل حرفته ولم يلبث ان توفى والده فاقتفى اولاده اثره فى صنع القوارب ، الا ان محمد احمد الحق بكتاب القرية ( الخلوة ) لحفظ القران ثم باخري فى الخرطوم ، ثم بمسجد ود عيسى بالجزيرة ، ومنه انتقل الى قرية الغبش غربى بربر حيث اتم حفظ القران ودرس بعض النحو والفقه والتوحيد على ىد الشيخ محمد الخير ، وفى قرية الغبش ظهرت عليه بوادر التصوف وكان ذلك تمهيدا" لدخوله الطريقة السمانية على يد الشيخ محمد شريف حفيد الشيخ الطيب صاحب الطريقة الاول فقد قبله تابعا" ثم جعله شيخا" من مشايخ الطريقة لما راى زهده وانقطاعه الى التعبد وطاعته . . استاذن محمد احمد شيخه محمد شريف فى الذهاب الى الجزيرة ابا ، للعبادة ونشر الطريقة ، وهناك ذاع صيته بين سكان القرى المجاورة فتوافد عليه الناس بقصد البركة والخير على يديه ، وكان محمد احمد يتردد على الخرطوم ليقضى بعض حاجاته ، ويجدد الولاء لشيخه ، وفى احدى تلك الزورات وجد دار الشيخ قد اقيمت فيها حلقات الرقص والغنآء ابتهاجا" بختان اولاده ، فابدى محمد احمد استنكاره ، فغضب عليه شيخه وطرده من الطريقة السمانية . ذهب محمد احمد بعد ذلك الى الشيخ القرشى ود الزين احد كبار مشايخ الطريقة السمانية فى قريته القريبة من المسلمية وكان قد اخذ الطريقة من الشيخ الطيب نفسه كما كان منافسا" للشيخ محمد شريف فى الزعامة الدينية فاظهر له محمد احمد من الولاء ما جعله احب مريديه ، وكسب ايضا" حب زملائه حتى انهم اختاروه شيخا" لهم بعد وفاة شيخ القرشى .عندما كان محمد احمد مشغولا" ببنآء قبة علي قبر الشيخ القرشى وفد عليه رجل من غرب السودان يدعى عبد الله بن محمد تورشين التعايشى ذكر بعض المؤرخين انه ينتمى الى اسرة وفد جدها الاكبر من شمال افريقيا الذى ظهر به عدد من المهديين المنتظرين واستقر به المقام فى دار التعايشة ، واشتهر بالصلاح بينهم وقد ورث ابنآؤه بعده هذه المكانة وكان آخرهم محمد ادم الذى اسند اعبآء وظيفته الدينية حين تقدمت به السن الى ابنه عبدالله ، ويبدو ان شدة وطأة الظلم فى اواخر العهد التركى قد حدت بعبدالله الى التفكير فى ان مهديا" سيظهر فلما سمع بصلاح محمد احمد وزهده أمل ان يكون هو المهدى المنتظر فوفد وعرض ولآءه عليه ، فقبله الشيخ محمد احمد مريدا" واولآه ثقته ، وعاد الشيخ محمد احمد بعد ان اتم بنآء القبة الى جزيرة أبا وفى مارس 1881 م أسر محمد احمد الى عبدالله بانه ظل فترة يلتقى برسول الله فى اليقظة لا فى المنام لانه هو خليفة الرسول الأكبر ، المهدى المنتظر ، فقبل عبدالله قول شيخه الذى ما جآء الا للبحث عنه ، ومن هنا انطلقت الدعوة وعمت السودان ودخل الناس فيها زرافات ووحدانا وكان عاقبتها فى آخر الأمر فتح الخرطوم وتحرير السودان من نير الأستعمار التركى المصرى فى26 يناير 1885 م ومهما كان من أمر فان الامام محمد احمد المهدى هو محرر السودان من استعباد وحكم الأجنبى وأول حاكم سودانى للسودان فبنى لنا هو وانصاره ارثا" وشجاعة وتضحيات ستبقى الى أبد الدهر . ونعود الي مدعى المهدية بعد وفآة الامام محمد احمد المهدى ، فقد ظهر رجل فقيه فى دار تامه بدارفور فى عام 1889م يدعى اباجميزة ادعى انه خليفة عثمان أى ثالث الخلفآء الراشدين ، وكان الامام المهدى قد أطلق على نفسه لقب الخليفة الأكبر لرسول الله ( صلعم ) وجعل الخليفة عبدالله خليفة لابي بكر الصديق والخليفة علي ود حلو خليفة عمر بن الخطاب ومحمد السنوسى زعيم ليبيا الدينى خليفة عثمان بن عفان ولكنه رفض الخلافة التى عرضها عليه المهدى ، والخليفة محمد شريف خليفة الامام على . وتقدم ابوجميزة بجيوشه الجرارة قاصدا" الفاشر فاصابه الجدرى فمات فى الطريق . وظهر فى القلابات رجل تكرورى يدعى ادم محمد البرقاوى ادعى انه نبي الله عيسى وصدق به عشرة من الأمرآء وخمسة من العامة فاستدعأه الأمير القائد حمدان ابو عنجة واستنطقه عن دعواه فى مجلس القضأة والامرآء فاجابه بكل صراحة وجرأة انه النبى عيسى وسأل أنصاره عن ذلك فاجابوه انه على حق وانهم مصدقون دعوآه وثابتون عليها ، فزجهم فى السجن وبعث هو ويونس ود الدكيم الي الخليفة يفصلان له خبرهم ويستشيرانه فى شأنهم ورد الخليفة بان يقتل المدعى ووزيره فى الحال واما الأمرآء ان رجعوا عن الدعوى يكتفى بسجنهم والا فليقتلوا ،فلما وصل كتاب الخليفة نصب ابو عنجة المشنقة وشنق المدعى وانصاره واحدا"واحدا" امام الجيش وكان ذلك فى 31 ديسمبرعام 1887 م ثم قطع رؤوسهموارسلها الى امدرمان فعلقت فى السوق . هلال زاهر الساداتى 22.10.2014
|
|
|
|
|
|