|
( 1) حكايات وطرآئف بقلم هلال زاهر الساداتى
|
ضم سوداننا الكبير الذى كان فى داخله الكثير من القبائل ذات الاعراق والثقافات المختلفة ، ويقدر عددها ب 957 قبيلة حسب ما جآء فى موسوعة ويكبديا الحرة ، وقبل دخول المسيحية ثم الاسلام كانت الوثنية هى عقيدتهم وحتى فى القرن العشرين فى جنوب السودان شاهدت فى المحكمة امرأة متهمة بقتل ضرتها حلفت اليمين بان لحست بلسانها سنان حربة ادناها من فمها حاجب المحكمة ، وكانت هناك قبيلة اخرى يقدسون الدبيب ( الثعبان) ، وكان لكل قبيلة سلطان أو ملك يفعل فيها ما يشآء . ولا أطيل عليكم ، فها هى حكايت من السودان القديم والسودان الحديث . ( 1 ) السلطان أب كوكة كان سلطانا" على أحدى القبآئل وكان جبارا" عتيا"، وكان قد اصابه دآء يضخم خصية الرجل أو كلاهما وقد تصلان الى ركبتيه ، ونسميها فى السودان ( الكوكة ) بضم الكاف الاولى وفتح الكاف الثانية وكان هذا الدآء منتشرا" فى جنوب النيل الازرق فى الخمسينات من القرن الماضى ، وكان حكيمباشى مستشفى الرصيرص المرحوم الدكتور على موسى قد نجح الى حد كبير فى علاج ذلك الدآء ، وكان من هواياته قتل الثعابين التى تنتشر هناك مهما كان حجمها وخطرها ، وقيل انه استدعى مرة ليقتل ثعبان يبلغ طوله ستة اقدام ، وقضى عليه بعد ساعتين بعد( صراع ) معه . واصابت السلطان عقدة نفسية تكاد تتحول الى جنون جرآء اصابته بالكوكة ، فاصدر أمرا" بقتل من يقول السلطان أب كوكة ، واشتد الكرب على الرعية وتشاوروا فى الحل ومن يقولها للسلطان دون ان يفقد حياته ، وكما يقال ( يضع سره فى اضعف خلقه )، وقد كان هناك فتى نجيب فى الخامسة عشرة من عمره أخبر القوم بانه سيقول للسلطان على عينه يا اب كوكة ولكن عليهم ان يعطونه جائزة ثمينة ، واستهجن القوم قوله ولم يصدقه أحد واشفقوا عليه من مصيره وفيهم الشيوخ المجربون ، ولكن قال احدهم : اذا لم يصدق الغلام وامر السلطان بقتله فلن نخسر سوى فرد واحد ، وقر رأيهم على ان يأخذوا ، هدايا قيمة للسلطان وان يقدموا الغلام للكلام باسمهم ، ونفذوا الخطة ومثل الفتى والشيوخ امام السلطان ساجدين على الارض ، وقالوا له ان هذا الغلام اختارته القبيلة لانه افصح بيانا" وارجح عقلا" ليتحدث باسمهم عما تكنه له القبيلة من طاعة وحب وولآء ، واشار السلطان باصبعه للغلام ليتكلم ، وتقدم الغلام ومعه الشيوخ يحملون الهدايا ، ومما قاله الغلام فى خطبته البليغة : يا سلطان السلاطين ويا القمر المنير والفارس المغوار والمنعم والمسعد ، نحن لولاك لا نسوى شيئا" ولا حياة لنا بدونك ، ولكن الموت غلاب ولا مفر من المنية ، ولكن بعد عمر طويل وانت تغادر الدنيا الى أعلى الجنان ،فان الحزن سيعم الجميع ، والكل يبكيك بالدموع والدم ، وارتفع صوته بالبكآء ومن ورآئه الشيوخ يبكون ، واخذ الغلام يشير بيده ويقول : الفى الشرق يبكوكة والفى الغرب يبكوكة والفى الشمال يبكوكة والفى الجنوب يبكوكة ، يبكوكة يبكوكة يبكوكة . وانتفخ السلطان أبكوكة زهوا" وامر للغلام بجائزة ، كما كسب الغلام جآئزة القبيلة وهم لا يكادوايصدقون ما حدث . وبعد وقت وجيز توفى السلطان وثار جدل عقيم حول اذا سيقطعون الكوكة من جثمان السلطان اتم يتركونها ، واخيرا" تغلب الرأى على دفن السلطان بكوكته . ( 2 ) مارش ود الشريف أو الشريفى للجيوش فى العالم موسيقى خاصة تبعث الحماسة، وفى طابور السير فى الاستعراض يسير الجنود على وقعها وننغماتها وتسمى هذه الموسيقى بالمارشات العسكرية ، ونحن فى السودان لدينا عدة مارشات رائعة ، وكنا ونحن صغار نسمعها من موسيقى الجيش التى تعزفها فى نادى الضباط بالموردة فى امدرمان فى ليالى الخميس من كل شهر وكان والدى يصحبنا معه ، وهو نفسه كان يصفر بفمه أو يدندن بعض المارشات التى يعجب بها ونحن فى المنزل ، وجدير بالذكر ان عازفى موسيقى الجيش والتى اصبحت سلاح الموسيقى كوحدة من الجيش هم الذين وضعوا الالحان والموسيقى لهذه المارشات ، أى أنها الحان وانغام سودانية خالصة أصيلة ، ولما كان السودانيون يشتهرون بالشجاعة والاقدام منذ القدم فان للشجاعة والفروسية المكانة الأولى فى حياتهم واشعارهم وحكاويهم منذ العهود الاولى حتى ان واحدا" من الأسباب التى دعت محمد على بلشا لغزو السودان هى الحصول على الرجال السودانيين لتزويد جيشه بهم . وكانت الحروب تنشب بين القبآئل لأوهى الأسباب أو من أجل السلب والنهب ، وللاسف الشديد ما تزال كذلك الى الآن ، وتزودنا الصحف باخبار النزاعات المسلحة بين قبيلتين بين الحين والآخر وسقوط مئات القتلى حتى فى دارفور المنكوبة الجريحة . وعودة الى المارشات ، فبعضها يرجع الى حدث تاريخى واقعى ومنه مارش الشريفى ، فهذا الرجل كان ملكا" على قومه فى دارفور ، واندلعت حرب بين قبيلته وقبيلة أخرى واستحر القتال وكثر القتلى ودارت الدائرة على الشريفى فهمز فرسه بقوة ولاذ بالفرار وكأنه ريح مرسلة تاركا" بقايا جيشه للقتل أو الأسر . وكان لكل قبيلة ( حكامة ) وهى كشاعر القبيلة عند عرب الجاهلية وهو الذى يتحدث بفضائلها ويذيع مفاخرها ويشنع باعدائها ويحط من قدرهم ، وكان الفرار من القتآل عار كبير يصم الرجل وابنآءه وقبيلته مدى الدهر . وكان الرجل وبخاصة الرؤسآء والقادة اذا أيقن انه انهزم ولا محالة مقتول فرش فروته وجلس عليها واستقبل القبلة منتظرا" موته غير هياب ولا جازع ، وهكذا لقى الخليفة عبد الله التعايشى منيته هو والخليفة على ود حلو والقائد ابراهيم الخليل والأمرآء فى ام دبيكرات . أما ود الشريفى الفار فقد قالت الحكامات فى هجائه شعرا" واغانى فى ذمه وتقبيحه ، ومن قصيدة صارت اغنية هذا البيت ، ود الشريفى جرى وخلى شالاته فى دار قمر والشالات جمع شال أى العمامة التى تغطى الرأس والعنق والشال الآخر الذى يتحزم به فى وسطه . واستوحى لحن مارش ود من اغنية ود االشريفى الهارب ، ولم نعد نسمع هذه المارشات الا عندما يكون هناك انقلاب عسكرى ، ويعقب المارش البيان نمرة واحد ( للثورة ) والتى ستكون وبالا" على البلاد والعباد ، وآخرها انقلاب الجبهة القومية الاسلامية بقيادة الترابى وعمر البشير .
|
|
|
|
|
|