(الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-28-2013, 09:33 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
(الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي



    يناير 1997

    هذا المقال تم نشره من قبل في جريدة "الرأي الآخر" – أمريكا- ، العددالرابع المجلد الثالث يناير 1997، ولاهميته وارتباطه بهذا الخيط راينا ضرورة إعادة نشره. هنا

    لقد فرح كثير من السودانيين في الداخل والخارج بنبأ خروج السيد الصادق المهدي ولحاقه بصفوف المعارضة السودانية بإرتريا، فالمؤيدون للسيد الصادق يرون في خروجه دعماً لحركة المعارضة وغير المؤيدين له يرون في خروجه ولحاقه بقوي التجمع الوطني وقفاً للقلق الذي كان يسببه بما يتردد عن المصالحة التي كان في أوقات مختلفة يسعى لعقدها مع النظام ومهما يكن من أمر فان خروجه قد قوبل بارتياح في كافة الأوساط باعتباره من أكبر الأدلة علي ضعف النظام وتعسر أجهزته الأمنية التي ظل طوال السنوات الماضية يعتمد عليها أولاً وأخيراً لبقأءه في الحكم بعد آن فشل في جميع المجالات وسقطت دعاويه الدينية الفارغة وشعاراته الصبيانية الممجوجة.


    صفقة التحالف مع الجبهة

    إن الدعاية الإعلامية التي تحاول آن تعلق أمالاً عراضاً علي خروج الصادق المهدي إنما تنطوي علي قدر كبير من السطحية وقصر النظر والعاطفة الفجة... ذلك أن الصادق المهدي في الحقيقة لا يمثل بديلاً عن نظام الجبهة الإسلامية الحاضر بل أنه عجز عبر تاريخه السياسي آن يقدم طرحاً يختلف جوهرياً عن رؤاهم وأطروحاتهم... ولقد كانت حكومته الأخيرة أوضح الأدلة علي ذلك. فقد كانت الحرب دائرة بين الشمال والجنوب وقوانين سبتمبر الإسلامية المزعومة قائمة ويجري العمل باستبدالها بقوانين إسلامية أسوأ منها والوضع الاقتصادي في تردٍ دفع بالنقابات للإضرابات وبالشعب للتظاهر في شوارع الخرطوم وحين رفع التجمع النقابي مذكرة في أغسطس 1987 جاء فيها (إن السودان يعيش نفس الأزمات التي دفعت الجماهير بالإطاحة بالنميري) جريدة السياسة 11/9/1987 وطالب فيها بإلغاء قوانين سبتمبر واعتبار اتفاقية كوكدام أساساً للتفاوض والحل السلمي لمشكلة الجنوب ، كان رد السيد الصادق غريباً إذ هاجم التجمع ووصفه بالعلمانية وأعتبر حركة قرنق خائنة وطالب التجمع بإدانتها!
    إن أكبر إجهاض لثورة الشعب التي أطاحت بنظام نميري في أبريل وأدانت الجبهة القومية وطالبت بإلغاء قوانين سبتمبر وأكبر تنكر لمبادئها هو ما فعلة السيد الصادق بالإبقاء علي تلك القوانين ثم التحالف التام مع الجبهة الإسلامية في الحكومة الديمقراطية فيما سمي بحكومة الوفاق الوطني (مايو 1988) والتي عين الترابي وزيراً للعدل فيها!!
    هذا بالرغم من أن السيد الصادق قد قال أثناء الحملة الانتخابية أنه (يحمل الترابي المسئولية عن كل تصرفات النميري باعتباره المسئول الأول عن قانونية تصرفات الحكومة في ذلك الوقت) وقال عن جماعة الجبهة الإسلامية أنهم خربوا الاقتصاد الوطني لمتاجرتهم في الدولار (منصور خالد النخبة السودانية صفحة 143-146) ولعل أسوأ ما في اتفاق الصادق مع الجبهة الإسلامية أنه عطل اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب ، فحين وقع السيد محمد عثمان الميرغني ودكتور جون قرنق اتفاقية السلام في 18/11/1988 استقبل الشعب السوداني السيد محمد عثمان استقبالاً حافلاً تأييداً لمسيرة السلام ، تردد الصادق المهدي في قبول الاتفاقية استرضاء للجبهة الإسلامية التي كانت حليفته في الحكومة وقال عن الاتفاقية (أيدها حزب الأمة من حيث المبدأ وأصدر بياناً بذلك ولكن مع تأييدنا لها سعينا لسد الفجوة مع حليفنا) (الصادق المهدي - الديمقراطية عائدة وراجحة صفحة 27) فإذا علمنا آن حليفه - وهو الجبهة الإسلامية قد كان رافضاً للاتفاقية جملة وتفصيلاً أدركنا أن محاولة (سد الفجوة) مهمة عسيرة لا تعني في النهاية غير التذبذب وعدم الوضوح والمحاولة اليائسة للوقوف في منطقة وهمية بين التأييد وعدمه.... ولم يسعف التوفيق السيد الصادق بمبرر موضوعي لرفض الاتفاقية وجنح إلى التسويف وزعم بأنه يقبل الاتفاقية إذا وضحت له بعض البنود وركز كثيراً علي (توضيحاتها) ليخرج بها من مغبة رفض السلام ومن إحراج حلفائه وحين أصر الحزب الاتحادي علي الاتفاقية كما هي سقطت داخل الجمعية حين اتحد حزب الأمة والجبهة الإسلامية ضد السلام في 26/12/1988 ورغم هذا الولاء للجبهة الإسلامية الذي أضاع من الصادق فرصة السلام وتحمل به وزر الحرب وما نتج عنها من دماء ودموع وتشرد فان الجبهة لم تقدر له ذلك وانقضت علي السلطة بعد أشهر وأساءت معاملته هو شخصياً كما تحدث بذلك لاحقاً فلم يكن اتفاقه معهم إذاً إلا إحدى صفقاته الخاسرة ...


    صفقة فرح وبقادي

    في يونيو 1994 تم اعتقال ثلاث من قادة حزب الأمة هم السادة حماد بقادي وعبد الرحمن فرح وسيف الدين سعيد ووجهت لهم تهمة السعي إلي إحداث تفجيرات في إطار عمل منظم لإسقاط النظام .. وفي 20 يونيو من نفس العام تم اعتقال السيد الصادق المهدي باعتباره مشاركاً في هذا العمل حسب الاعترافات التي أدلي بها المتهمون الثلاث .. وبعد حوالي أسبوعين من الاعتقال فوجئ المواطنون بالسيد الصادق المهدي يلقي بياناً من أجهزة الإعلام الرسمية يدين فيها مخطط زملائه المزعوم وينفي علاقته به ويشجب أسلوب التفجيرات والاغتيالات ويصف ما جاء بأنه (منكر ومؤسف) ويؤكد أنهم أدلوا باعترافاتهم دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! ومن ما جاء في ذلك البيان العجيب قوله (كنت أحسب أن السادة المعنيين خضعوا للتعذيب فقالوا ما قالوا نتيجة لذلك ولكن حسب ما اتيح لي من معلومات لم يحدث هذا وتقديراً لحالتهم الصحية نقلوا فوراً في نهاية التحقيق إلى المستشفي مما يدل علي تقدير أرجو أن يتبع في كل الحالات) (جريدة الحياة 5/7/1994). ولم يكتف الصادق المهدي بهذا بل طلب من الحكومة العفو عن زملائه وكأنهم فعلاً قد ارتكبوا ما اتهموا به فقال (ومراعاة لحالتهم الصحية أرجو أن يكتفي من مساءلة ولا شك أنهما سيبديان أسفهما لما حدث) (جريدة الحياة 5/7/1994) .. والصادق المهدي يريد للشعب السوداني أن يصدق أن رجلاً مثل بروفسير حماد بقادي والسيد عبد الرحمن فرح أفنوا أعمارهم في خدمة حزب الأمة حتى تصدروا قيادته قد اعترفوا علي أنفسهم بضلوعهم في مؤامرة لإسقاط النظام، يعلمون سلفاً أن عقوبتها الموت ، وادعوا زوراً أن زعيمهم معهم في هذه المؤامرة دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! فهل يمكن لعاقل أن يصدق هذا؟ ألا يكفي أن الناطق الرسمي باسم حزب الأمة السيد مبارك المهدي لم يصدقه وأصدر بياناً جاء فيه (أن الاتهامات الموجهة إلى السيدين بقادي وفرح ما تزال اتهامات باطلة لأن الحكومة هي التي نسجت خيوط المؤامرة وحاولت من خلالها التخلص من السيد الصادق المهدي ) (الشرق الأوسط 5/7/1994) ثم ما هو مصدر المعلومات الذي إتيح للصادق المهدي وعلم منه أنه لم يتم تعذيب؟! إن مصدره هو رجال الأمن أنفسهم!! فان لم تصدقوا هذا فأقرءوا قوله (مستنداً إلى ما قاله لي مسئولو الأمن وأنا لست في موقف أستطيع معه الجزم بعدم حدوث التعذيب أو إثبات حدوثه فهذا أمر يقرره أصحاب الشأن ويثبته الطبيب) (الشرق الأوسط 10/7/1994) إن هذا الحديث علي ضعفه وإضطرابه يعتبر أفضل بكثير مما قيل في البيان الذي أذيع من وسائل الإعلام الحكومية وذلك لأنه هنا ينفي ما قاله هناك من عدم وجود تعذيب. من الذي دفع الصادق المهدي أصلاً إلى الإدلاء بذلك البيان المتهافت حتى يحتاج إلى التنازل عن بعض ما ورد فيه؟! دفعه إليه الصفقة التي عقدها مع حكومة الجبهة لأنها في مقابل هذا البيان التزمت بالعفو عن زملائه رغم اعترافهم والعفو عنه هو رغم شهادة زملائه ضده. فحين سأله محرر الشرق الأوسط (تتحدث بعض الأطراف من أن الصادق المهدي باع أعوانه من أجل إطلاق سراحه ما ردكم؟ ) قال: (إطلاق سراحي لم يكن جزأ من الصفقة لأني اعتقلت للتحري ولم يعد للمتحريين ضدي حجه بعد أن أوردت قرائن تثبت عدم معرفتي بالموضوع وأبديت استعدادي لمقابلة من زج اسمي في مواجهة. إذا كان هناك بيع فالصحيح أن يقال لقد حاول بعض زملائي بيعي بذكر اسمي في هذه القضية) (الشرق الأوسط 11/7/1994) والصادق المهدي يعلم كما يعلم كل السودانيين أن المتحريين من جماعة الجبهة لا يحتاجون إلى حجه حتى يلفقوا ضده ما شاءوا من الاتهامات ويمكنهم أن يرفضوا القرائن التي أشار اليها دون تردد إذا أرادوا بالفعل إدانته ولكنهم لم يفعلوا ذلك لأن هناك صفقة بينهم وبين السيد الصادق المهدي تقضي بأن يدين زملاءه علناً وينفي عن النظام تهمة التعذيب ويثبت له حسن معاملة الخصوم السياسيين … لقد كسبت الجبهة الإسلامية من هذه الصفقة بإظهارها حزب الأمة وكأنه يسعى إلى التفجيرات والتخريب حسب اعتراف قادته الذين حين انكشفت مؤامراتهم تبرأ منهم زعيم الحزب ثم طلب لهم السماح. ثم يقوم نظام الجبهة المتسامح ، الذي لم يعذب هؤلاء الساعيين للخراب، حسب بيان زعيمهم، بالعفو عنهم، رغم جرمهم الشنيع هذا هو مكسب الجبهة من الصفقة فماذا كسب السيد الصادق غير سلامته الشخصية؟


    الشريعة والمصالحة

    لقد كانت صفقة فرح وبقادي بداية لصفقات أخري كان من المنتظر أن تسوق إلى المصالحة لو أنها فشلت جميعاً جاء في جريدة الخرطوم (أدى الخطاب الذي ألقاه الصادق مساء الأحد الماضي إلى ردود فعل واسعة ومتباينة علي المستويين الرسمي والشعب داخل السودان وفي أوساط المعارضة خارج البلاد وكشف دكتور شريف التهامي رئيس لجنة الخدمات بالمجلس الوطني الانتقالي وأحد قادة حزب الأمة السابقين أن البيان جاء في إطار مصالحة سياسية بين حزب الأمة والحكومة وقال أن البيان له ما بعده من أشكال الوفاق وقال أن القوي المعارضة ليس لها خيار سوي اللحاق بركب المصالحة مستشهداً بمصالحة عام 1976 بين الأحزاب وسلطة نميري التي قادها حزب الأمة وباركتها الأحزاب الأخرى ) (الخرطوم 6/7/1994) وفي الحق أن مصالحة الأحزاب لنظام نميري والتي بادر بها السيد الصادق المهدي كانت كافية لتنبيه اتباع هذه الزعامات إلى عدم مصداقية قادتهم وتجردهم من الإيمان بأي مبدأ فقد قبلوا بمبدأ الحزب الواحد رغم دعاويهم العريضة عن الديمقراطية وقبلوا بدستور 1973 العلماني رغم رفعهم لشعارات الدستور الإسلامي وقبلوا أن يعينهم نميري (الدكتاتور الطاغية) فتم ذلك (بقرارات صدرت في 18/3/1978 بتعيين السيد الصادق المهدي والسيد أحمد الميرغني في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والسيد بكري عديل حاكماً لكردفان والسيد شريف التهامي وزيراً للطاقة) (منصور خالد النخبة السودانية صفحة553) ولم يسأل الأتباع عن دماء زملائهم من المقاتلين الذين قتلوا في "الغزو" الذي قادته الأحزاب ضد نظام نميري عام 1976 فقد ظلوا لسنوات يعاونهم ضد النظام علي أساس أنه نظام ظالم وفاسد وأن حربهم له تعتبر جهادات في سبيل الله والوطن فدخل البسطاء المضللون الحرب بحماسة ودحروا بسهولة بسبب ضعف الأداء وقلة خبرة القيادة. وإذا بهم يفاجئون بأن قادتهم يصالحون النظام الذي وصفوه بالكفر والفساد ويتقلدون أرفع المناصب في حزبه الواحد!! فهل يستبعد ممن صالح نميري حتى قبل أن يرفع شعاراته الإسلامية أن يصالح البشير الآن؟ لقد سئل البشير عن علاقة نظامه بالصادق المهدي بعد خروج الصادق فذكر أن لهم معه عدة حوارات لأن هناك ثوابت متفق عليها بينهما وحين سأله المحرر عن هذه الثوابت قال: (الثوابت وحدة السودان وتطبيق الشريعة وحل المسائل بالحوار السلمي) (الشرق الأوسط 16/12/1996) ونفس رأي الحكومة تحمله جماعة الأخوان المسلمين فقد صرح أبرز قادتهم الحبر نور الدائم (أن كثيراً من القواسم المشتركة بين الحكومة والمعارضة تبدو في الخط الذي يمثله الصادق بالذات .. فعلنا أشرنا إلى هذا من قبل في أن الصادق مع التداول السلمي للسلطة وأنه ضد التدخل الخارجي وأنه مع الشريعة وهذه هي الأمور الكبرى) (الشرق الأوسط 15/12/1996) فهل يستبعد من يعرف شخصية الصادق المهدي أنه يمكن أن يعقد مصالحه مع هذا النظام ويحاول بشتى الطرق والوسائل أن يسوق لها أطراف المعارضة الأخرى؟! إن الوضع المتردي والحصار الدولي المضروب علي نظام الجبهة قد لا يؤهله للمصالحة كتلك التي تمت مع نميري ولكن أفراده يمكن أن يحصلوا علي ضمانات لسلامتهم الشخصية وقد ألمح السيد الصادق المهدي إلى ذلك في خطاباته التي تركها للترابي والبشير قبل خروجه والتي أفتتحها بالأخ وختمها أخوكم الصادق‍‍‍‍!! فقد أشار إلى إمكانية أن لا تتم معركة أصلاً ولا يلحق بهم أي أذى إذا هم سلموا السلطة لحكومة قومية وذلك حيث يقول: (وإن كنت أنت ومن معك تضعون وزناً لعهد الدين والوطن الذي علي رقابنا جميعاً فانبذوا التعصب الحزبي القهري الذي تسوسون به البلاد وألزموا بحل قومي يحقق السلام والديمقراطية للسودان فإن فعلتم ذلك فسوف تجدونني مستجيباً لذلك الحل الأمثل بقوة وفعالية) (الشرق الأوسط 12/12/ 1996) أما الشعب السوداني الذي يظن الصادق واهماً أنه يتحدث باسمه فقد عاني التعذيب في بيوت الأشباح إلى حد الإعاقة وعاني القتل الجماعي والتشرد والجوع والقهر والإذلال وانتهاك الأعراض والحرمات والاعتداء الآثم من المليشيات المسلحة علي القرى الآمنة وإهدار كافة الحقوق والقيم وحط كرامة الشعب السوداني بين الشعوب وقد علمته هذه التجربة المريرة أن أتباع الجبهة الإسلامية الذين يحكمون السودان اليوم لا دين لهم ولا عهد ولا ذمه وإنهم مهما فعلوا لن ينجوا من القصاص العادل وإن مجرد التلويح بالمهادنة أو المساومة أو أي شئ أقل من العقاب الرادع لشياطين الجبهة الدموية الآثمة إنما هو في حد ذاته خيانة لهذا الشعب. وليس هناك دافع للصادق المهدي لأن يتولى كبر هذه الخيانة إلا طمعه المحموم في الوصول للسلطة بأي ثمن بعد أن فقدها عدة مرات لعدم كفاءته الشخصية وللنرجسية المفرطة التي يرزح تحتها هذا الزعيم المرفه المفتون الذي بدأ حياته العملية بوظيفة رئيس وزراء!ّ!


    المهدية أم الجهاد المدني:

    أن خسارة صفقة الجهاد المسلح عام 1976 هي التي دفعت السيد الصادق المهدي إلي تغيير مبدئه ، من الجهاد المسلح إلى الجهاد المدني ، و أخد أتباعه يرددون عبارته دون أن يسأله أحدهم عب التناقض بين حركة المهدية التي لا يزال يعتمد علي أنصارها وبين الجهاد المدني السلمي الذي يرفع شعاره الان .. فإذا كان الجهاد المسلح خطأ ، والجهاد المدني هو المطلوب حقاً فما هو موقف الأنصار الذين ضحوا بأنفسهم في الجزيرة أبا مع الإمام الهادي ، وفي ودنوباوي ، وفي أمد رمان إبان الغزو المسلح 76؟! أم أن الصادق يفرق بين باطل (النميري) وباطل (البشير) فيجاهد ذاك بالجهاد المسلح، ويجاهد هذا بالجهاد المدني؟! أم أن الموضوع كله موضوع تحوير للمواقف، وتلاعب بالألفاظ؟ ومهما يكن من أمر فإن الصادق قد خرج الآن إلى حيث القوة الوطنية التي لا زالت تؤمن بالجهاد المسلح فهل تكون محاولته هي إقناع التجمع بالتخلي عن التدريب والإعداد لمعركة مسلحة وإتباع طريق الجهاد المدني أم أن الصادق المهدي سيتخلى عن أطروحته هذه كما تخلي من قبل من عديد الاطروحات والآراء؟! وفي الحق أن الاتفاقيات التي تمت والسيد الصادق بالداخل تتطلب منه تغيراً كبيراً في أفكاره حتى يواكب ما أجمع عليه التجمع الوطني الديمقراطي فقد أكد اتفاق أسمرا الذي حضرته كل الأطراف فصل الدين عن الدولة فليس هناك فرصة لموضوع الشريعة الإسلامية بل أن اتفاقية أسمرا قررت رفض قيام أي حزب علي أساس ديني في السودان وقد وقع حزب الأمة علي ذلك، هذا مع أن الصادق المهدي لا يزال حتى الأن يردد موضوع الشريعة بل أن هذه المسألة بالذات هي نقطة اللقاء بينه وبين الجبهة الإسلامية كما هي نقطة الخلاف بينه وبين التجمع. والصادق المهدي لا يريد إعادة الشريعة فحسب بل أنه يريد إعادة المهدية نفسها!! فقد ذكر في كتابه (يسألونك عن المهدية) أن حركة المهدي حركة (قيادة ملهمة). وألمح إلى أننا الآن نحتاج إلى مثل هذه (القيادة الملهمة) التي تقود الناس إلى الخلاص وتستمد قوتها من الهام روحي غيبي .. وهو بذلك إنما يمهد الطريق لنفسه لادعاء مقام ديني ولما كانت هذه الدعاوى الدينية لا تتأتى إلا بالاعتقاد بأنه شخص غير عادي تتعلق به غيبيات وخوارق وأسرار غامضة ولشدة تأثير مثل هذا الدجل علي البسطاء فقد قال (فتحت عيني علي الحياة علي صدى بعض الأحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهما حديث قاله عمي: يحي عبد الرحمن وكان يكبرني بأربع سنوات وهو كطفل في الرابع من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعني الذي يقصده أن شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفه في دار فور في -غرب السودان-، وكان بعض النساء في الأسرة من اللواتي كن علي وشك وضع حملهن المهدي هل (هذا مهاجر)؟ فيجيب بالنفي وذات يوم حكت لي والدتي أن يحي قال لها (مهاجر جايي الخميس) وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية أولي غامضة وثانيهم آن جدي الإمام عبد الرحمن روي إنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة إبراهيم وكان والدي يريد أن يسميني إبراهيم ولكن كان لدي جدي الأمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي أقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد اسميك؟ وكان اسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق… الحديث الثالث أن جدتي السيدة سلمي بنت المهدي رأت رؤية وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها(إنها رأت في رؤياها إنني أقف علي مئذنة وأقول (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق) . وقالت لوالدتي ابنك هذا سيكون له شأن!! (مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 27/6/1994م). هذا المولود الذي بشر به الأطفال، ونبأ به الطير، وحلمت به النساء الصالحات، إنما هو الصادق المهدي الذي صاحبه الفشل في كل فترات حكمه وفي كافة الصفقات التي عقدها وهو خارج السلطة. حتى بلغ به التدهور الديني، والسياسي، والخلقي آن يأتلف مع الجبهة الإسلامية والذي يخرج الآن ليلحق بالمعارضة بغرض إسقاطها. !!
                  

08-28-2013, 09:47 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)



    حول منشور السيد الصادق المهدي الأخير:
    (الإمام) (المنتخب) !! والكرسي (المرتقب) !!

    14 يونيو 2003

    د. عمر القراي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً)
    صدق الله العظيم

    أرسل السيد الصادق المهدي منشوراً عاماً ، الى عموم أهل السودان ، ظهر في سودانايل يوم 7/6/2003 ، في أعقاب إعتراض بعض ممثلي حكومة الجبهة على (إعلان القاهرة) الذي وقعه د. جون قرنق والسيد محمد عثمان الميرغني والسيد الصادق المهدي في الشهر الماضي ..

    ومنشور السيد الصادق ، وان إحتوى على نقد للحكومة وحزبها ، الا انه استهدف أمرين اساسيين ، أولاً : تأكيد ان (إعلان القاهرة) لم يأت بشئ جديد وانما هو نفس (التعاهد الوطني) الذي طرحه السيد الصادق في ديسمبر 2002 !! وهذا يعني ، فيما يعني ان الصادق قد كان أسبق من قرنق والميرغني ، الى فكرة العاصمة القومية ، التي تتساوي فيها جميع الاديان ، وتحكم بقوانين تحقق هذه المساواة ، ولهذا يجب ان يحسب الشعب هذا المكسب له دون الزعماء الآخرين !! وثانياً : إنه قام باصلاحات في حزب الأمة ، وتحديث في كيان الأنصار .. وانه في هذا الإطار ، يقدم فهماً للإسلام يختلف من فهم الجبهة الإسلامية التي وصفها بالتشدد ، وان فهمه المعتدل هذا هو الذي سيجنب البلاد خطر التمزق والتدخل الأجنبي !! وحتى يؤكد زعامته الدينية والسياسية ختم منشوره بانه رئيس حزب الأمة المنتخب والإمام المنتخب !! فمن أقدر من هذا (الإمام) العالم بالدين ، والسياسي المدرك لواقع السودان ومستقبله واولى منه بكرسي الرئاسة (المرتقب) ؟!

    على ان الشعب السوداني الذي خاطبه السيد الصادق المهدي ، لا تجوز عليه مثل هذه الخطب ، كما جازت على السذج من أتباع الصادق الذين إنزعجوا حين قمنا بنقده من قبل ، فانبروا للدفاع عنه بحماس ينقصه الوعي بالقضايا التي تناولها النقد !! حتى ان أحدهم ، وقد أعيته الحجة ، جنح الى التهديد فذكر ان لديهم أسلوب آخر غير الحوار اذا لم أكف عن نقد السيد الصادق المهدي !! ان من يعرفني يعرف انني لا أهدد وان مثل هذه "الشنشنة" لا تؤثر فيّ ..ولكنني كنت أتوقع من بعض العقلاء من اتباع السيد الصادق ان يشجبوا هذا الاتجاه الأرهابي المتخلف، ليؤكدوا على الأقل ، ان اطروحات السيد الصادق عن الديمقراطية وعن (التسامح والتعايش بين الملل والمذاهب والاجتهادات)[1] ليست عبارات مستهلكة بغرض التضليل المنظم !!


    لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين !!

    يقول السيد الصادق المهدي (لقد عقدنا مع الانقاذ " نداء الوطن " عام 1999 ... وحقاً وصدقاً صفينا وجودنا [2]الخارجي ، ووضعنا السلاح ، ونبذنا العنف ، ودخلنا مع النظام في تفاوض جاد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة . لم يبادلنا النظام حقاً بحق ، ولا صدقاً بصدق ، بل عاملنا بالمناورة ، والمراوغة ..[3]) !! والذي لم يرد السيد الصادق ان يذكره هنا ، هو انه لم يجئ للنظام الا بعد ان لحق بالتجمع ، ووقع معه مواثيق ، ثم لما لم يعط رئاسة التجمع كما كان يتوقع ، خرج منه وكتب خطاباً مفتوحاً ضد د. قرنق نشره في الاعلام قبل ان يصل قرنق نفسه في نفس الشهر الذي عاد فيه ليعقد مع حكومة الجبهة هذا التفاوض ، وكأن نقده لقرنق قد كان عربون صداقته الجديدة لحكومة الجبهة والتي لم يكن آنذاك يتوقع لها الفشل !!

    على ان تصريح السيد الصادق المهدي ، بان حكومة الجبهة خدعته ، انما يشهد بغفلته ، وقلة حنكته السياسية.. فهو قد اتفق مع الجبهة من قبل عام 1988 ورفض بسبب ذلك اتفاقية السلام ، فاذا بالجبهة تغدر به ، وتنقلب عليه ثم تعتقله وتسئ معاملته كما صرح أكثر من مرة !! فلماذا يعود ليتفق معها مرة أخرى ؟! ولماذ وضع سلاحه وسرح محاربيه ، الذين تركوا وطنهم وتجندوا ليحاربوا حكومة الجبهة معه دون ان يحدث اي تغيير في حكومة الجبهة؟

    وهل حقاً كان تفاوض السيد الصادق مع حكومة الجبهة حول (المطالب الوطنية المشروعة) كما ذكر؟! ان المطلب الوطني المشروع هو ان تصفي حكومة الجبهة وجودها لأنه غير شرعي .. فهل فاوضها السيد الصادق على ذلك؟! لقد كان تفاوض السيد الصادق مع حكومة الجبهة حول (الكرسي) الذي لوحّت له به ، حتى اذا سال لعابه ، وظن انه نائله ، صرفته عنه ، بعد ان افلحت في احداث شرخ في حزب الأمة !!

    وبدلاً من يفخر السيد الصادق بان الجبهة لم تتفق معه ، وانه لم يدخل في حكومتها ، اذا به يتحسر ان فاته ذلك المغنم ، الذي حازه السيد مبارك الفاضل !! أسمعه يقول (وفي عملية هي من أفدح ما عرف تاريخ السودان الحديث اعتبر الوكيل المندوب هو الأصيل المتجذر وابرم معه اتفاقاً انخرط بموجبه في النظام واعتبر أهل النظام هذا الانخراط الجزئي انخراطاً لحزب الأمة ، والغوا بموجبه كل مجاهدات حزب الأمة وتضحياته واجتهاداته وثقله الجماهيري ...)[4] !!

    واذا كان نظام الجبهة كما وصفه السيد الصادق (المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيران لشعارات فارغة ربطت الاسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب) [5] فلماذا تفاوض معه ، ثم لماذا يعتبر عدم اتفاق الجبهة معه واتفاقها مع مبارك الغاء لكل مجاهدات حزب الأمة وتضحياته واجتهاداته؟! واذا كانت الجبهة كما وصفها ألم يكن يتوقع الا تتفق معه ما دام يعتقد ان حزبه مجتهد ومضحي من اجل السودان ؟!

    ثم لماذا يعتبر السيد مبارك الفاضل بعد كل هذه السنين التي قضاها في حزب الأمة ليس سوى (الوكيل المندوب) بينما يعتبر السيد الصادق نفسه (الأصيل المتجذر)؟! فاذا كان السيد مبارك الفاضل المهدي لا يعتبر أصيلاً ولا متجذراً في حزب الأمة ، فكم هي فرصة العضو الذي لا ينتسب الى بيت المهدي في هذا الحزب الطائفي العجيب؟! واذا كان السيد الصادق أصل الشجرة وآباؤه جذورها ، فان ابناءه من بعده فروعها ، ولهذا فقد أعطاهم المراكز القيادية في هيكلة الحزب الجديدة ، فأصبحت عائلة السيد الصادق تحكم حزب الأمة مثلما يحكم آل سعود السعودية !! ولعل مثل هذا الوضع - الذي اعتبره السيد الصادق اصلاحات في حزبه - هو الذي دفع بالسيد مبارك الفاضل الى البحث عن تحقيق مطامعه لدى الجبهة !!

    لقد إختار السيد الصادق المهدي بمحاولته الوصول الى اتفاق مع الجبهة في عام 1999 ان يصل الى حل منفرد ، وان يسير مع الجبهة في طريقها الآحادي ، وهو يظن ان بقية الأحزاب والتنظيمات ستتبعه كما حدث حين صالح نميري في عام 1977 !! ولكن المجموعات الأخرى كانت أبعد نظراً ، وأكثر دراية بالجبهة وحيلها، فوقفت في مواقعها ، ورفعت نفس شعاراتها ، فما كان من السيد الصادق وقد نبذته الجبهة ، وقربت السيد مبارك الفاضل الا ان هرع مرة أخرى الى التجمع ليوقع مع زعمائه (إعلان القاهرة) !! ثم هو لا ينسى ان يهاجم الجبهة بعد إختلف معها ، مثلما هاجم التجمع عشية أن إختلف معه ورجع الى الجبهة !!



    بين(التعاهد الوطني) و (إعلان القاهرة)

    يقول السيد الصادق (فكرنا منذ ديسمبر 2002 في مشروع التعاهد الوطني الذي تطرق لكل النقاط المختلف عليها وأحصاها عددا وأقترح لها حلاً وسطاً. بخصوص العاصمة جاء في مشروع التعاهد النص الآتي : عاصمة البلاد هي الخرطوم بحدود إدارية معلومة يتفق عليها وتمثل العاصمة الإدارية القومية وتخضع للقوانين المستمدة من الدستور الاتحادي . ولاية الخرطوم الحالية تختار لها رئاسة ولائية أخرى. الخرطوم الولاية لها نفس حقوق الولايات الأخرى وتستثني الخرطوم العاصمة القومية .)[6] .. فحسب هذا النص الغامض ، فإن العاصمة تخضع للقوانين المستمدة من الدستور الاتحادي ، أما ولاية الخرطوم فانها لها نفس حقوق الولايات الأخرى !! أفلا تخضع الولايات الأخرى أيضاً للقوانين المستمدة من الدستور الاتحادي ؟ ثم ما هي القوانين المستمدة من الدستور الاتحادي؟! هل هناك ما يمنع ان تكون تلك القوانين اسلامية؟! لكن السيد الصادق بعد ان أورد هذا الحديث الذي يقبل كافة الاحتمالات ، قال (وفي مايو 2003 صدر إعلان القاهرة بين الزعماء السودانيين الثلاثة . جاء في هذا الإعلان بخصوص العاصمة النص الآتي : "ولذا فإن الزعماء يرون بأن الاتفاق على قومية العاصمة التي تساوي بين كافة الأديان والمعتقدات لهو ضرورة لازمة للحفاظ على وحدة بلادنا على اسس جديدة ." هذا نص عام يفصله ما ورد بشأنه في وثيقة التعاهد الوطني) !! فهو يريدنا ان نعتبر ما قاله في وثيقة التعاهد تفصيلاً لما جاء مجملاً في إعلان القاهرة الذي وقعه معه د. قرنق والسيد محمد عثمان الميرغني !! وهو انما يرمي بذلك لهدفين : أولهما ان يؤكد سبقه للزعيمين الآخرين ، وانه قد طرح هذه الفكرة الصائبة قبلهما ، وهي مزايدة يرمي بها الى كسب سياسي .. وأما الهدف الثاني ، فهو ايجاد خط رجعة للتنازل من إعلان القاهرة ، اذا افلحت حملة الجبهة في تأليب الناس ضده !! فهو يريد ان يقول انه حينما وقع على إعلان القاهرة ، لم يكن يعني بقومية العاصمة ان تحكم بغير (شرع الله) !! وانما كان يقصد ان تحكم بقوانين مستمدة من الدستور الاتحادي ، الذي لا يقوم على قوانين الجبهة ، وإن قام على قوانين إسلامية على نهج الصحوة المزعومة التي يدعيها !!

    لماذا لا يضع السيد الصادق عباراته واضحة ، كأن يقول مثلاً ، ان العاصمة يجب الا تطبق فيها القوانين الاسلامية ولا قوانين أي دين لأنها تمثل الشعب بمختلف معتقداته ؟! ألأن ذلك سيسهل مهمة خصومه في نقد (إمامته) لجموع الانصار الذين يقوم إعتقادهم على أحقية الشريعة وتطبيقها في كل زمان ومكان؟! أم لأن السيد الصادق المهدي يؤمن بتطبيق قوانين الشريعة مثله مثل أي انصاري رغم دعاوى "الحداثة" و " السندكالية" و "الصحوة" و غيرها ؟! وهو حين قال ما قال ، وسعى للقاء مع الزعماء الآخرين ، انما إستجاب لضغوط المثقفين في حزبه ، هؤلاء الذين وقفوا معه حين إنقسم حزبه ولحق قادته بحكومة الجبهة ، ولولاهم لكان مصير السيد الصادق هو نفس مصير السيد مبارك الفاضل !! ومع ذلك فان وضع هؤلاء المثقفين يدعو للرثاء ، لأنهم في حيرة دائمة مع تذبذب السيد الصادق حسب رؤيته (للكرسي) الذي يحلم به الى جانب هؤلاء مرة والى جانب أؤلئك مرة!!

    وبالرغم من ان إعلان القاهرة خطوة ايجابية ، وهو سيفضح نوايا حكومة الجبهة في التهرب من السلام ، الا ان شعبنا يجب ان يتطلع لما هو افضل من إعلان القاهرة .. لقد جرّب الشعب القوانين الاسلامية على عهد نميري ، فلم ينل منها غير السيف والسوط ، حتى ثار عليها وقدم الشهداء ، ثمناً للخلاص منها.. ثم جربها على عهد حكومة الجبهة الحاضرة ، فصعدت الحرب وهددت وحدة البلاد .. ألاتكفي هذه التجارب لفصل الدين عن الدولة وفتح الفرصة للمنابر الحرة وتسخير الإعلام لها ليتحاور اصحاب الأفكار عن ماهية الاسلام نفسه ، وانسب نظم الحكم لشعبنا؟!

    إن الخديعة التي جوزتها حكومة الجبهة على الاحزاب الشمالية ، و أوشكت ان تجوزها على الحركة الشعبية لتحرير السودان ، هي ان حكم المسلمين بقوانين الشريعة ، وحكم غير المسلمين بقوانينهم صورة ديمقراطية تحفظ للمسلمين ولغير المسلمين حقوقهم !! والتضليل في هذا القول انما يجئ من حقيقة ان قوانين الشريعة الاسلامية، يتأثر بها كل الناس ، فحتى لو لم توقع عقوباتها على غير المسلمين ، فانها تحرمهم من المساواة مع المسلمين بسبب انهم غير مسلمين!! فلا يجوز لغير المسلم ان يرشح نفسه لرئاسة الدولة في ظل هذه القوانين ، ولا ان يتولى القضاء ، أو قيادة الجيش ، أو أي منصب عام رفيع ، ذلك ان المبدأ العام هو قوله تعالى " إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" ، ويمكن الرجوع لكتب المفسرين للاطلاع على تقاصيل الاذلال الذي يقع بالضرورة على غير المسلمين من جراء تطبيق قوانين الشريعة !!

    فالقضية ليست العاصمة فقط ، وانما كل مكان ، ولو كان فيه فرد واحد غير مسلم ، فان هذا الفرد سيكون مهضوم الحقوق بسبب القوانين الاسلامية القائمة على الشريعة .. ثم انها في داخل المجتمع المسلم لا تساوي بين الرجال والنساء .. وهذا يطعن في ديمقراطية هذه القوانين ، وهو سبب كاف لرفضها ، على ان السبب الأهم في تقديري هو انها أيضاً غير دينية لأنها لا تقوم على أصول القرآن ، وهذا أمر كررناه كثيراً ويمكن الرجوع فيه لكتب الاستاذ محمود محمد طه ..


    ضعف الفهم الديني

    يقول السيد الصادق المهدي (وفي مكة كان التوجيه " ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " "سورة النساء77 " وفي المدينة كان القتال دفاعياً " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " ولدى قيام الدولة الاسلامية العظمى في دمشق وفي بغداد صار القتال هجومياً) !! إن قيمة هذه العبارة المليئة بالاغلاط ، هي انها اشارت الى وجود فرق في المستوى بين القرآن المكي والقرآن المدني ، وأكدت ان القرآن المكي قرآن تسامح وسلام والقرآن المدني قرآن قتال .. وينتج من هذا ان القرآن المكي قرآن أصول والقرآن المدني قرآن فروع !! وأن القرآن المدني حسن ، والقرآن المكي أحسن .. ولقد قال تعالى " واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون" فقرر بذلك ضرورة اتباع القرآن المكي .. ولكن القرآن المكي في جملته منسوخ بالقرآن المدني ، ولهذا وجب بعثه ، ومن ثم نسخ القرآن الناسخ ، وهذا هو تطوير التشريع الاسلامي !!

    ومع ان السيد الصادق ، لم يمدد هذا الفهم الى نهاياته المنطقية ، الا انه حتى في القدر الذي ذكره كان بنبغي عليه ان يذكر ولو من باب الأمانة العلمية ، دع عنك الصدق الديني ، ان هذه الفكرة التي هي المخرج الوحيد من التناقض الذي يرزح تحته علماء المسلمين وعوامهم ، قد أتى بها الاستاذ محمود محمد طه ، وبشر بها منذ مطلع الخمسينات!!

    على ان السيد الصادق لم يفهم الفكرة الجمهورية بدقة حتى يحسن إقتباسها !! فالآية التي اوردها لا تنهض بحجته فهي ليست آية مكية ، وانما هي مدنية من حيث المكان ومستوى الخطاب !! فقد نزلت في المدينة وهي تحث المسلمين على الجهاد ، في معنى ما توبخهم على انهم حينما كانوا في مكة ، قبل ان يفرض عليهم الجهاد ، كانوا يطلبون ان يسمح لهم بقتال المشركين ، ولما جاءوا الى المدينة وفرض عليهم القتال صدوا عنه وتقاعسوا دونه .. ولو ان السيد الصادق أورد الآية كلها لوضح ذلك ، فالآية هي " ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب ، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً " .. جاء في تفسير الآية (حدثنا علي بن الحسن عن الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا : يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة . قال : اني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم . فلما حوله الله الى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله " ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم" الآية رواه النسائي والحاكم وابن مردويه ..)[7]

    ثم ان الجهاد وان بدأ كدفاع عن النفس ، فانه في المدينة قد تدرج حتى بلغ غاية الهجوم لإعلاء كلمة الله ، وذلك بنزول قوله تعالى " فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " .. وبناء على هذا جاء في الحديث (أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله) .. ولقد فتحت بلاد فارس ومصر على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكانت تلك الحروب هجومية ، فلم يبدأ الجهاد كهجوم ببني أمية كما قرر السيد الصادق المهدي خطأ !!

    ودولة دمشق تحت الأمويين ، ودولة بغداد تحت العباسيين ، لا يمثلا الحكم الاسلامي –كما يظن السيد الصادق المهدي- لأنهما ملك متوارث !! فقد جاء في الحديث (الخلافة ثلاثون عاماً ثم تصبح ملكاً عضوضاً) .. ولقد أقام بنو أمية الملك على تقتيل آل البيت ، وحين جاء ابو العباس السفاح بدأ عهد العباسيين بتقتيل بني أمية ، حتى أنهم نبشوا قبر عبد الملك بن مروان وجلدوا عظامه سبعين جلدة !![8] ثم ان ملوك بني أمية وملوك العباسيين قد نهبوا الاموال ، وخصوا بها خاصتهم ، ومارسوا الترف والفسوق والضلال ولم ينج من حكامهم من هذا السوء الا افراد قلائل ، فاذا كان السيد الصادق يعتبر هؤلاء دولة اسلامية فماذا يعيب على حكومة الجبهة ؟!

    ومما أخذه السيد الصادق المهدي من أفكار الاستاذ محمود ثم لم ينسبه لصاحبه قوله (الالتزام الاسلامي لا يكون مجرداً من الظروف المحيطة بالمسلمين . فالتوجيه الالهي يبدأ من " اتقوا الله حق تقاته" الى " اتقوا الله ما استطعتم") !! فقد جاء في كتابة الاستاذ محمود (ان كل من له بصر بالمعاني اذا قرأ قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" ثم قوله "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" علم ان هناك معنيين : معنى أصلياً ومعنى فرعياً. وانما المراد ، في المكان الأول ، المعنى الأصلي ، واذ أملت الضرورة تأجيله ، انتقل العمل الى المعنى الفرعي ، ريثما يتم التحول من الفرع الى الأصل ، بتهيؤ الظرف المناسب لذلك . والظرف المناسب هو الزمن الذي ينضج فيه الاستعداد البشري ، الفردي والجماعي ، وتتسع الطاقة ، والى نقص الاستعداد هذا يرجع السبب في تأجيل أصول الدين والعمل بالفروع ..)[9] ويقول الاستاذ محمود أيضاً (ولقد ندب مجتمع المؤمنين ليكونوا مسلمين فلم يطيقوا ، وذلك حيث قال تعالى " ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" فنزل الى مستوى ما يطيقون، وجاء الخطاب " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون")[10]

    ومن الفهم الخاطئ قول السيد الصادق (وجعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطل حد السرقة في عام الرمادة . والنبي (ص) عقد مع أصحاب الملل الأخرى صحيفة المدينة وفي ظروف أخرى اجلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب ..) !! والحق ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعطل حد السرقة ، ولكنه لم يطبقه لأن اركان الحد لم تقم ، ولا يمكن ان تقوم في ظروف المجاعة .. وقوله تعالى " تلك حدود الله فلا تقربوها" يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من التدخل في الحد اذا قامت اركانه، دع عنك عمر رضي الله عنه ..

    ولقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات قبل ان تنزل سورة "براءة" التي اوقفت العهود وذلك في قوله تعالى (براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض اربعة أشهر واعلموا انكم غير معجزي الله ، وان الله مخزئ الكافرين * وآذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر ان الله برئ من المشركين ورسوله...) فلم يتم بعدها عهد مع مشرك !! وانما اجلاهم عمر رضي الله عنه لعلمه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لئن عشت ان شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أدع الا مسلما"..

    ولقد يلاحظ ان السيد الصادق عندما يورد اسم النبي الكريم يعقبه ب (ص) اختصاراً للعبارة (صلى الله عليه وسلم)!! مع انه أورد عبارة (رضي الله عنه) بعد اسم عمر بن الخطاب !! وليس وقت السيد الصادق المهدي أو مساحة الورقة أو اي اعتبار اخر أهم من اثبات الصلاة اللفظية على النبي صلى الله عليه وسلم !!


    بدعة انتخاب (الإمام) !!

    لقد وقع السيد الصادق خطابه ب (الامام المنتخب) ، وهذه بدعة لا نظير لها !! فالامام ليس منصباً ادارياً يترشح له عدة أفراد ويطرحوا برامجهم وعلى اساس ذلك يتم انتخاب احدهم فيفوز ويسقط الآخر ، وانما هي مقام ديني روحي لا يخضع لأصوات المصوتين الذين هم بالضرورة أقل مرتبة دينية من الامام فلايجوز ان يكون مقامه عرضة لأهوائهم وافقوا أولم يوافقوا كما هو الحال في آلية الانتخابات !!

    ان البيعة التي تمت للسيد الصادق المهدي من جموع الانصار تحدد مهمة الامام وتدل على ان مثل هذا الشخص يتبع ولكن لا يمكن ان يكون عرضة للانتخاب ، فقد جاء فيها) بايعناك على بيعة الامام المؤسس الأول وخليفته وبيعة المؤسس الثاني وخليفته بايعناك على قطعيات الشريعة بايعناك على نهج الشورى وحقوق الانسان بايعناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله بايعناك على فلاح الدين وصلاح الآخرة نشهد الله والله خير الشاهدين) !![11] ومعلوم ان المؤسس الاول وهو الامام المهدي لم ينتخب ، وكذلك الخليفة عبد الله التعايشي !! ومعلوم ايضاً ان بيعة المهدي قامت على الجهاد لأنها قامت على قطعيات الشريعة التي من ضمنها الجهاد ، فعلى ماذا قامت بيعة الصادق؟! هل تقوم على (الجهاد المدني) و(حقوق الانسان) ؟! ان هذه لا تحتاج للطاعة لانها تحكم بالديمقراطية وهي التي تتم فيها الانتخابات ..

    ان الانفصام الذي يعاني منه السيد الصادق بين مقتضيات الحداثة وموروث الانصار التقليدي في الامامة هو الذي دفعه في مهمة التوفيق الصعبة الى هذه التناقضات المزرية ، التي اضطرب الحزب بسسببها وتأرجحت مواقفه بين الحكومة والمعارضة .. فمن اجل تماسك حزب الأمة لابد من شفاء السيد الصادق من هذا الانفصام الذي ما أورثه له الا محاولة تجميع اكبر عدد حوله ليضمن كرسي الحكم !!


    قضية الوطن وكرسي الحكم

    ان نظر السيد الصادق دائماً في كافة مواقفه وآراءه ، انما تلونه رغبته في كرسي الحكم ، الذي يشعر انه فقده قبل وقته بانقلاب الجبهة ، مع ان الانقلاب نفسه نتيجة وليس سبباً !! وانما فقد السيد الصادق الكرسي لعجزه المتصل الذي ساقه لحل حكومته ، وتشكيلها ثلاثة مرات ، وكان في كل مرة يعفي زملاءه الوزراء من مهامهم ويصفهم بالفشل ثم يستثني نفسه مع انه هو رئيسهم المباشر وكان أجدر بالاستقالة حين تفشل حكومته !!

    وحول النقاط المختلف عليها بالاضافة الى موضوع العاصمة القومية يقترح السيد الصادق ان تقوم الحكومة الانتقالية على اساس (ثنائي لمدة عامين مع تمثيل رمزي للقوى السياسية الأخرى لضمان نزاهة الانتخابات. وفي هذا الاثناء تتكون لجنة قومية للدستور لتضع الدستور القومي . وتجري انتخابات حرة عامة لتأتي بحكومة ديمقراطية مساءلة .)[12]

    فالسيد الصادق يقترح للحكومة الانتقالية عامين فقط !! فهو يريدها حكومة مشلولة بتضيق الوقت والاعداد للانتخابات ، حتى لا يتأخر عن الكرسي .. والاتفاق بين كافة القوي السياسية على تكوين هذه الحكومة وواجباتها لا يعطينا السيد الصادق له أكثر من ثلاثة اسابيع !! فيقول (لذلك ينبغي ان نعمل لابرام اتفاق شامل بين القوي الفكرية والسياسية والمدنية السودانية في فترة لا تتجاوز ثلاثة اسابيع من الآن)[13] !! فهل هذه العجلة أمر طبيعي أم انها انزعاج وهلع من اجل الاسراع الى كرسي الحكم ؟!

    ثم هو يعتقد ان (تقوم الحكومة الانتقالية على اساس ثنائي) ولكنه في نفس الصفحة يقول (ان امر السودان أهم من ان يترك لتفاوض ثنائي)!![14] فاذا كان التفاوض في امر السودان يجب الا يتم بين طرفين فكيف يريد السيد الصادق للحكومة الانتقالية التي في اثنائها يوضع الدستور ان تتكون على (اساس ثنائي) ؟!

    ان الحكومة الانتقالية، يجب ان تضم كافة القوى السياسية والنقابية ، وبعض الشخصيات الوطنية ، ولما كانت مهمتها الاساسية ، هي الاعداد لسودان جديد بالتمهيد الحقيقي للحكومة المنتخبة ، فان ذلك لن يتأتى الا بالاصلاح العاجل المباشر ، لما خربته حكومة الجبهة ، ولهذا فان الفترة الانتقالية يجب الا تقل عن سبعة سنوات .. تتجه فيها الحكومة الانتقالية للتركيز على فتح المنابر الحرة ، وتسخير وسائل الاعلام بصورة عادلة ، لكل الآراء والافكار ، حتى تتم توعية الشعب ، وتأهيله للانتخابات ، واعطاءه فرصة لمراقبة وتوجيه الحوار ، حول اعداد مسودة الدستور ..

    لقد جرب شعبنا الدكتاتوريات العسكرية والاسلامية ، كما جرب الديمقراطيات التي تقوم على مجرد التصويت والاغلبية ، وكان فشل هذه هو الذي يطمع الجيش في السلطة في كل مرة .. فلماذا لا نجرب الديمقراطية بعد التوعية والحوار ؟! ولماذا لا نتخذ فرصة الحكومة الانتقالية مناسبة لهذه التجربة التي ليس عنها مندوحة الآن قبل ان نكرر التجارب الفاشلة ؟!

    ان كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها !!



    د. عمر القراي


    -

    [1] - منشور الصادق 7/6/2003
    [3] - المصدر السابق
    [4] -المصدر السابق
    [5] - المصدر السابق
    [6] -المصدر السابق
    [7] - تفسير ابن كثير – الجزء الأول ص 498
    [8] - راجع تاريخ الطبري
    [9] - محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية ص 142
    [10] - محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة ص84
    [11] - راجع الصحف السودانية في 19 /12/2002
    [12] -المصدر السابق
    [13] - المصدر السابق
    [14] - المصدر السابق
                  

08-28-2013, 09:57 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة .. المهدية؟!(1)

    بعد الأزمة الأخيرة ، التي أدخل فيها السيد الصادق المهدي حزبه، بتوقيعه – دون الرجوع للقاعدة - على ما عرف باتفاق "التراضي الوطني" مع الحكومة، وبالرغم مما أثاره الناشطون في الحزب، من ضرورة التمسك بالديمقراطية، والاحتكام لمؤسسات الحزب، بدلاً من تصريحات (الإمام) ، ومواقفه الإنفرادية، خرج علينا السيد الصادق المهدي، بحملة جديدة، مفادها الدعوة لإعادة المهدية من جديد!! والاتجاه في حد ذاته لم يحدث لأول مرة ، فقد اشار اليه على استخفاء في كتابات سابقة ، ولكنه لم يسفر عنه كما فعل الآن.
    ولقد بدأ تلك الحملة بخطبة الجمعة ، ثم كررها في مناسبات أخرى، وكان مما قاله، في تلك الخطبة العجيبة: (لقد آن الاوان أن يرد إعتبار الدعوة المهدية لا في نطاق أنصار الله وحدهم ولكن على النطاق الأوسع ...)(الصادق المهدي 19/9/2008م). وفي شرح موضوع المهدية قال السيد الصادق: (تقديم قيادة صاحبها معروف بالصدق والامانة أعلن أنه خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله وان المهدية قائمة بهذين المبدأين ... وأن اتباع هذه الدعوة واجب لأن الله يقول "واتبع سبيل من أناب الي"...)(المصدر السابق) . والمستمعون وان كان معظمهم من الانصار، دهشوا لتوجيهه لهم ، باتباع المهدية الآن، في القرن الواحد وعشرين، وهي حركة انتهت، في القرن التاسع عشر!! لكن السيد الصادق، لم يدعهم في هذا الإستغراب طويلاً ، وانما قال: (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن ...) (المصدر السابق) . فهو إذاً، يهيئ جمهور الأنصار- ولا يستثني أعضاء حزب الأمة- لمهدية جديدة قائمة ، يمكن ان ينخرطوا فيها الآن .. ورغم ان السيد الصادق، قد تحدث عن هذه الكرامة، في إطار ظن كتشنر بانه قضى على المهدية في كرري، ثم ظهور حزب الامة كاكبر حزب في السودان بعد نصف قرن، إلا ان الكرامة التي يقصدها حقاً، هي عودة المهدية الآن لتحل مشاكل السودان الحاضرة!! ولذلك قال (وفي بلادنا الآن في وجه استقطاب بين اقصاء وإقصاء مضاد فان بذرة الدعوة المهدية بما استصحبت من مستجدات تسعف الوطن برفع راية السودان العريض الذي يعطي كل ذي حق حقه والكيان الذي غرسته صالح للمساهمة في جمع أهل القبلة حول دعوة وسطية للإسلام وهو كذلك صالح للمساهمة في حوار الأديان والحضارات الذي سيؤدي في نهاية المطاف لميثاق روحي وأخلاقي تدين له الإنسانية ...)(المصدر السابق).
    إن ما دفع السيد الصادق، لطرح موضوع المهدية، الآن، بعد ان انشغل عنه بغيره من الأطروحات، طوال السنين الماضية ، هو ما وجده من معارضة، داخل حزبه، من ناحية .. ثم شعوره بتورطه في "التراضي الوطني"، ومحاولته الإبتعاد عنه، من ناحية أخرى . فهو يريد ان يلبس نفسه هالة من القداسة الروحية، تمنع الشبان الثائرين داخل الحزب، من نقده أو الإعتراض على قراراته، وإن خالفت الديمقراطية، واتجهت الى تمكين ابنائه وبناته من المواقع النافذة. ثم هو يريد أيضاً، ان يبلغ المؤتمر الوطني رسالة مفادها، أنه صاحب دعوة، يريد بعثها، ولا يستمد مشروعيته فقط ، من وجوده في السلطة مثلهم، ولهذا لن يذوب فيهم. ولقد أكد اختلافه معهم، حين أعلن تأييده للمحكمة الجنائية الدولية، وإن تحفظ على توقيف السيد رئيس الجمهورية، باعتبار انه قد يؤدي الى فوضى وعدم إستقرار . ومع انه قد حاول ان يجعل رأيه موضوعياً، الا انه لم يوفق في ذلك، إذ لا يمكن ان يعلن موافقته على المحكمة، واحترامه لها، ثم يرفض قراراتها، قبل ان تصدرها، بناء على توقعاته .. ومهما يكن من امر، فان موافقته على المحكمة، إنما يقرأها المؤتمرالوطني، على أنها بداية التنصل عن الإتفاق، الذي كان يفترض الإنسجام، في المواقف، بما فيها موقف المؤتمر الوطني، الرافض تماماً للمحكمة الجنائية الدولية، وللتعامل معها بأي صورة من الصور. ولعل السيد الصادق إختار أن يركز على المهدية، لأن شخصية المهدي، شخصية مقبولة لدى كثير من المثقفين السودانيين، حتى خارج حزب الأمة، باعتبار دوره الوطني، في مقاومة وهزيمة الإستعمار التركي. ولكن السيد الصادق لا يقبل بذلك، بل يريد من كل السودانيين، ان يعتقدوا معه في المهدي!! ولذلك يقول: (فالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى اعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصّور المهدي كأحد الابطال الوطنيين ...) (المصدر السابق).
    والسيد الصادق يعلم ان الناس ، لو اعترفوا بصدق دعوة المهدي، فإن هذا لا يعني بالضرورة قبول المواقف المتضاربة، والمتخبطة ، للصادق التي يتأرجح فيها بين المعارضة والتراضي!! ولهذا فهو لم يطرح المهدية كحدث تاريخي، مر وانتهى ، وانما يرمي من وراء طرحها، الى ان الإعتقاد فيها، يجب ان يتبعه انتظار لظهورها، بصورة جديدة، على يد قائد جديد .. ولهذا ظل يؤكد كثيراً، ان الإسلام يحتاج الى بعث ، وان المهدية هي التي سوف تبعثه، فقد قال (إذاً سواء نظرنا من ناحية نظرية عامة أو استعرضنا وجوداً واقعياً محدداً سنجد ان كل المؤشرات تعلن حتمية البعث الإسلامي) (الصادق المهدي: يسألونك عن المهدية ص 248). ويقول عن المهدية (أعطت مثلاً وابانت وسيلة البعث الإسلامي في زمانها وفي الزمان اللاحق) (المصدر السابق ص 35) . فإذا كانت المهدية ستبعث الإسلام، في الزمان اللاحق، فإنها -حسب فهم السيد الصادق- تحتاج الى شخصية ملهمة تقوم بهذا البعث .. وعن ذلك يقول السيد الصادق (هؤلاء العمالقة يستجيب الواحد منهم لحاجة جماعية عميقة ويتحدث بالمنطق السائد في زمانه وبتعبير المعارف المتاحة له الرائجة في ذلك الزمان ومن صفة هؤلاء العمالقة ان الواحد منهم يشعر بثقة مستمدة من يقينه بأنه ملهم) (المصدر السابق ص 19). والشخص العادي، لا يمكن ان يكون لديه يقين، بأنه ملهم، الا اذا كانت لديه مسائل غيبية، غير عادية، ترسخ في نفسه هذا اليقين .. ولهذا فإن السيد الصادق يقول عن المهدي (خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله ...) (الصادق المهدي – الخطبة 19/9/2008م). فاذا كنا ننتظر بعث الإسلام، بالمهدية، من جديد ، فان المهدية لا تأتي بغير مهدي .. فمن المرشح لدور المهدي الجديد، غير السيد الصادق نفسه؟! ولما كان هذا الدور الخطير، يقتضي مسائل غيبية ، وإشارات روحية ، فان السيد الصادق المهدي، يحدثنا عن نفسه ، فيقول (فتحت عيني على الحياة على صدى بعض الاحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهم حديث عمي يحى عبد الرحمن وكان يكبرني بأربعة سنوات وهو طفل في الرابعة من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعنى الذي يقصده ان شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفة في دارفور – غرب السودان- وكان بعض النساء في الاسرة من اللواتي كن على وشك وضع حملهن، يسألن يحى المهدي "هل هذا مهاجر؟" فيجيب بالنفي . وذات يوم حكت لي والدتي ان يحى قال "مهاجر جايي الخميس" .. وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية غامضة . وثانيهم ان جدي الإمام عبد الرحمن روى أنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة ابراهيم وكان والدي يريد ان يسميني ابراهيم ولكن كان لدى جدي الإمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي اقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد أسميك؟ وكان أسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق .. الحديث الثالث ان جدتي السيدة سلمى بنت المهدي رأت رؤيا وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها: إنها رأت في رؤياها أنني أقف على مئذنة وأقول "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" وقالت لوالدتي: إبنك هذا سيكون له شأن) (مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 26/6/1994م).

    إن المسألة الأساسية، التي يعتمد عليها السيد الصادق المهدي، في إدعاء المهدية الجديدة ، هو ظنه ببداهة صحة مهدية جده الإمام محمد احمد المهدي، حتى انه يريد لكل الناس، ان يعتقدوا في ذلك بما فيهم الشيعة!! فقد ذكر انه تحدث عن فكرة المهدي، في سمنار (أقامته هيئة الاعمال الفكرية بالتعاون مع المستشارية الثقافية لسفارة جمهورية إيران في 6 سبتمبر 2006م بحضور علماء من أهل السنة والشيعة والصوفية فاستحسنوا الرأي ....) (الصادق – الخطبة 19/9/2008م). هذا مع ان عقيدة الشيعة، هي ان المهدي لم يأت بعد ، وهو عندهم السيد محمد الحسن العسكري، الذي إختفى في "سر من رأى" قبل حوالي ألف عام ، وهم ما زالوا ينتظرونه كل يوم ليعود!! ولقد سبق ان نبهنا لهذا التناقض، وذلك حين إفتتح السيد الصادق المهدي، مع القائم بالأعمال الإيراني بالخرطوم ، في اواخر السبعينات ، معرض الثورة الإيرانية بجامعة الخرطوم .. وقلنا يومها، أن حفيد المهدي الذي جاء ومضى لربه، يحتفل بثورة المهدي الذي لم يجئ بعد ، مع ان المهدي المبشر به في الحديث ، شخص واحد!! على انه من المعلوم، ان كثير من أهل السودان إعترضوا على مهدية السيد محمد أحمد بن عبد الله ، فخالفه العلماء، والصوفية ، و عدد من زعماء العشائر، ولم يسلموا له، حتى اخضعهم بحد السيف .. وذلك لأن مسألة المهدية ، مسألة جدلية ، تعتمد على أحاديث نبوية ، أدخل في التأويل ، من مجرد معناها الظاهر، وهي لهذا قابلة للأخذ والرد .. والسيد الصادق، يعطي من الناحية النظرية، الفرصة في الإختلاف، فيقول (قلنا ونقول للآخرين من إخواننا في الإسلام لكم ان تعتقدوا ما تشاءون في أمر المهدية ...)!! ومادام هو قد أثارها، ومادام يقبل من الآخرين الإعتقاد المختلف، ومادام قد قال ان الوقت قد حان لرد الاعتبار للمهدية ، فقد فتح الباب على مصراعيه ، للنظر فيها، والحوار حول تجربتها، وما يمكن ان يستفيده الناس من عبرها، ثم إمكانية إعادتها ، لتخدم غرض توحيد هذا الشعب، إن كانت تملك حقاً تلك القدرة، كما يزعم ، أو تجاوزها لمفاهيم ، اقدر على الاستجابة، لمقتضيات المرحلة الحاضرة، التي تعيشها بلادنا، بما فيها من تنوع في الأفكار، والثقافات ، والأديان .

    د. عمر القراي
                  

08-28-2013, 10:01 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة.. المهدية؟!(2)

    قال السيد الصادق: (فالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى إعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصور المهدي كأحد الأبطال الوطنيين...) (الصادق المهدي ، خطبة الجمعة 19/9/2008م).
    والحق ان صورة المهدي كبطل وطني، ثائر، استطاع ان يهزم الإستعمار التركي البغيض، رسخت في وجدان الشعب، لأنه شعب تواق للحرية ، وحريص على الكرامة ، وشديد الوفاء للذين يدافعون عنه ، بصدق، وتجرد.. ولقد كان الإمام محمد أحمد المهدي، من هؤلاء الصادقين الشجعان. فقد بدأ بالزهد، والتقشف ، وتجويد العبادة على نهج التصوف. ثم أنه عندما حارب، كان يقود الجيوش بنفسه ، ويكون في مقدمتها ، فلا يخاف، ولا يتراجع ، من شدة إيمانه بدعوته.. الأمر الذي انتقل الى أتباعه ، وهم يرون نموذجه أمامهم ، مما زاد اعتقادهم فيه ، وتصديقهم لكل ما يقول. ولعل كل هذه الإيجابيات ، بالإضافة الى الانتصارات المتتالية ، التي توجها بهزيمة الترك ، وطردهم ، جعل الحس الوطني يتعلق به ، كزعيم ، وكبطل ، دون الوقوف عند موضوع المهدية الجدلي ، الذي يحتاج الى مستوى من المعرفة ، لم يتوفر لعموم أهل السودان ، في ذلك الوقت.
    ولقد أدى تشكل الحس الوطني، تجاه المهدية بهذه الصورة ، لإحجام المؤرخين عن الحديث عن سلبيات المهدية.. ولهذا لم ترد في مناهج التعليم ، أي إشارة لما يمكن ان يعتبر نقصاً ، مما يعد قصوراً مزرياً، من الناحية العلمية ، التي تفترض الحياد الصارم. كما أدى وجود حزب الأمة في أول حكومة وطنية ، الى التأثير على كتابة التاريخ ، وتدريس المهدية بالصورة التي استمرت حتى الآن. وبطبيعة الحال ، كان ابناء المهدي واحفاده ، أحرص الناس ، على تصوير المهدية ، وكأنها كاملة ، لا عيب فيها ، حتى يعتمدوا عليها ، في جمع الأتباع ، وتبرير زعامتهم المتوارثة للطائفة وللحزب. على أنهم جميعاً ، لم يطالبوا كل الناس ، ان يعتقدوا في المهدية ، ولم يشيروا الى عودتها مرة أخرى ، كما فعل السيد الصادق المهدي ، كما ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع.
    على ان السيد الصادق المهدي ، وقد درج على التناقض ، والإضطراب،ً كما اوردنا مراراَ ، ربما صرّح في حديث آخر، بما يمكن ان يفهم منه ، أنه لا يعتقد ان محمد أحمد جده هو مهدي آخر الزمان ، الذي وردت به البشارات الدينية!! وانما يعتبره مهدي بالمعنى الحرفي للكلمة، أي رجل إهتدى وسعى في هداية الآخرين!! وبطبيعة الحال ، فإن هذا لم يُقبل من الأنصار، بل يشق عليهم ، ان يأتي من أحد احفاد المهدي ، وهم أولى الناس بتصديقه واتباعه.. ولهذا قامت هيئة شئون الأنصار، بالرد على السيد الصادق المهدي ، وكان مما جاء في ذلك الرد: (في ليلة السابع عشر من رمضان القى السيد الصادق المهدي خطاباً احتفالياً بمناسبة الإحتفال بغزوة بدر الكبرى ومعركة الجزيرة أبا الاولى ، وقال: أما بالنسبة للإمام محمد المهدي في السودان فقد تناولت جدل العلماء حول الموضوع في كتابي يسالونك عن المهدية ، ولكنني هنا أتناوله من زاوية جديدة الى ان يقول: وبنص أقواله وافعاله فهو ليس مهدي آخر الزمان بدليل أنه رفض مقولات الوقاتين وأنه مع كثرة النصوص الواردة عنه لم يذكر انه جاء في آخر الزمان ، وقال إنه أسوة بالصدر الأول الإسلامي عين خلفاء لخلفاء رسول الله ويقول ان مهديته هي مهدية بالمعنى الاصلي للكلمة شخص هداه الله وهدى به)(آخر لحظة 29/9/2008م).
    إن المرجع الاساسي لفكرة المهدية ، هو الأحاديث النبوية.. فقد جاءت في عدة احاديث، قيل انها زادت قليلاً على العشرين حديثاً ، عند أهل السنة ، وأكثر من ذلك عند الشيعة. ومع ان ألفاظ الأحاديث متباينة ، ومختلفة بين الرواة ، الا أنها جميعاً ، تقرر انه قبل قيام الساعة ، سيظهر رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فيملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً. ولقد أدت هذه الاحاديث ، المتفق على صحتها ، على رواج الفكرة ، وانتشارها في كثير من البلاد، خاصة عندما ينتشر الظلم والفساد ، ويعجز الناس عن مقاومته ، فينتظرون الفرج من الله ، ويربطونه بظهور المهدي ، الذي يخلصهم من الظلم ، وينشر العدل، و الأمن في ربوع أوطانهم.. وعندنا في السودان ، قد راجت فكرة ظهور المهدي ، مع اشتداد قبضة الأتراك وتفشي ظلمهم ، (فقد روى بابو نمر الناظر السابق لقبيلة المسيرية عن جده علي الجلة الذي اصبح فيما بعد من قادة المهدية ، ان رجلاً جاءهم من الغرب واتصل بهم قبل محمد أحمد بسنوات. وكان ذلك الرجل يخرج الى العراء ويأخذ في استنشاق الهواء. وعند سؤاله قال انه يستنشق رائحة المهدي القادم. وتحدث يوسف ميخائيل في مذكراته عن رواج الفكرة في كردفان وفي الأبيض بالذات حتى كان يتداولها الأطفال في ألعابهم. وظهر على أيام المهدي من إدعاها. فهناك على سبيل المثال فخر الدين حسن معلاوي الذي قال بأنه المهدي المنتظر (1844م) وكاتبه محمد أحمد المهدي في هذا الشأن راجياً هدايته. وظهر بعد وفاة المهدي من رفع لواءها. وابرز مثلين هما أبو جميزة في الغرب ومحمد آدم البرقاوي في منطقة القلابات) (محمد سعيد القدال: الإمام المهدي لوحة لثائر سوداني. مطبعة جامعة الخرطوم. ص21). أما شهادة يوسف ميخائيل وهي قبل المهدية بسنوات فهي (وما تسمع الا السخط على الحكام وعلى كل من هو متولي على مصلحة في مصالح الحكومة وسبحان الله تعالى من ما جعله في قلوب خلقه صارت أغلب الناس من رجال الى نساء يقولو "ليس لنا مهدي؟ ما قالوا هذا اوان المهدي!" يعلم الله سمعت هذه الكلمة بأذني من أولاد الحارة وبعد كم يوم وما نشعر الا الاولاد بالحارة قاموا مع بعضهم البعض وعملوا لهم رايات: أهل فريق النوبة واولاد فريق حسن أفندي الصول ، أولاد النوبة المواليد قالوا: "نحن راياتنا رايات المهدي" واولاد حسن افندي الصول قالوا: "نحن راياتنا رايات الترك") (مذكرات يوسف ميخائيل. دار النصيري للنشر. ص 15).
    في هذا الجو، وعلى خلفية من التصوف ، ظهر محمد أحمد ، واشتهر بالتقوى والصلاح ، وهو سالك على نهج السمانية ، حواراً مجداً للشيخ محمد شريف نور الدائم، حفيد الشيخ أحمد الطيب البشير مؤسس الطريقة السمانية في السودان. ولقد كان محمد أحمد يشدد على نفسه كثيراً، ويأخذ بالاتجاه المعروف في التصوف ، الذي يرمي الى كسر النفس ، بل قتلها تماماً ، بكثرة المجاهدات حتى لا تتحرك فيها شهوة. فقد روي انه كان في البرد يجلس على صخرة في النهر، يتلو اذكاره وفي الحر يدخل الى غار، في باطن الأرض ، يصلي فيه!! (وقد حكى محمد أحمد لعبد المحمود نور الدائم قائلا: كنت إذا زرت سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه فإني أطرح رأسي على عتبة قبته واكلم الناس أن يطأوا على ظهري عند مرورهم الى زيارته ، وقاية للعتبة ، وذلك من ضحوة اليوم الى الظهر) (محمد سعيد القدال: الإمام المهدي لوحة لثائر سوداني. مطبعة جامعة الخرطوم. ص41-42). ومع ان مثل هذه المجاهدات ، قد ترفع صاحبها درجات عاليه من السمو الروحي ، إلا ان خطورتها تكمن في ان النفس تحتال على صاحبها ، كي يريحها من عناء هذه المجاهدات، بأن تصور له بكل سبيل، انه وصل الى مقام أكبر من كل الناس ، لتشغله بمهام أخرى، تبعده من المجاهدات الكبيرة ، التي كان يرهقها بها.. ولقد يظن السالك أنه متواضع ، ويلتصق بالأرض إمعاناً في تحقير نفسه، كما فعل السيد محمد أحمد ، ولكن العبرة بالتواضع الفكري وليس المظهري.. وعندهم ان المقامات التي تطالع السالك، انما هي إختبارات لمدى صبره على الإستقامة ، فعليه ان يصرفها عنه ، ولا يقف معها ، والا أضلته.. ولهذا كان كبار المرشدين من السادة الصوفية ، يوصون تلاميذهم بالاعتدال، ويقولون "النفس كالطائر إذا قبضت عليه بيدك بشدة قتلته واذا فتحت يدك طار". ولقد كان الشيخ محمد شريف نور الدائم، من كبار مشايخ الصوفية ، المسلكين ، ذوي المعرفة بدسائس النفس.. ولهذا قام بترشيد محمد أحمد على نهج الطريقة ، وعرف له ما حققه من الفضل والصلاح، وحين أخبره بانه المهدي ، لم يوافقه ، بل حذره ، ودعاه الى الصبر، على منهاج الإستقامة ، وحين سئل عن مهديّة محمد أحمد قال في ذلك ، ابياتاً من الشعر منها:
    لقد جاءني في عام زع لموضع * على جبل السلطان في شاطئ البحر
    يروم السراط المستقيم على يدي * فبايعته عهداً على النهي والامر
    فقام على نهج الهداية مخلصاً * وقد لازم الاذكار في السر والجهر
    أقام لدينا خادماً كل خدمة * تعز على أهل التواضع في السير
    كطحن وعوس واحتطاب وغيره ويعطي عطاء من لا يخاف من الفقر
    وكم صام كم صلى وكم قام * كم تلا من الله لا زالت مدامعه تجري
    وكم بوضوء الليل كبر للضحى * وكم ختم القرآن في سنة الوتر
    لذلك سقي من منهل القوم شربة * بها كان محبوباً لدى الناس في البر
    وكان لدينا عيشه صدقاتنا * وخادمنا عشرين عاماً من العمر
    الى الخمس والتسعين أدركه القضا * على ما مضى في سابق العلم بالشر
    فقال انا المهدي قلت له استقم * فهذا مقام في الطريق لمن يدري
    (راجع القصيدة كاملة في جغرافية وتاريخ السودان لنعوم شقير ص 642).
    ولعل هذا الخلاف الاساسي ، بجانب خلافات أخرى، هو ما حمل السيد محمد أحمد لترك الشيخ محمد شريف نور الدائم ، والتحق بالشيخ القرشي ود الزين ، وهو ايضاً ، من كبار مشايخ السمانية ، ولازمه حتى وفاته ثم شرع بعد ذلك في نشر الدعوة المهدية.
    وكان أول من استهدفهم محمد أحمد بدعوته ، اصحابه في الطريقة السمانية ، وكان حريصاً على ان يخبرهم بأن كل مشايخهم ، قد وافقوا على مهديته ، في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ففي خطاب له الى محمد الطيب البصير قال (ومن البشاير التي حصلت لنا بعدك: انه حصلت لنا حضرة نبوية حاضر عليها الفقيه عيسى فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويجلس معي ويقول للاخ المذكور: "شيخك هو المهدي" ، فيقول: اني مومن بذلك. فيقول صلى الله عليه وسلم: من لم يصدق بمهديته كفر بالله ورسوله قالها ثلاث مرات.... فيقول الشيخ الطيب: ان شيخك حين ولادته عرفوه أهل الباطن والحقيقة انه المهدي. فلما تم أربعين يوماً عرفته النباتات والجمادات بأنه المهدي... ثم يأتي الشيخ التوم ويقري على السلام بالمهدية .... ثم يأتي جدنا الشيخ البصير ويقري على السلام بالمهدية.... ثم يأتي الشيخ القرشي فيقري علي السلام بالمهدية... ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الشيخ عبد القادر الجيلاني لابس جبة وعليها سيور ، فيقول الشيخ عبد الله: ياسيدي يا رسول الله الناس منكرون الجبة ويتعففون عنها، افهي سنة واردة عنك أم لا؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: وذات الإنسان رقع في راسه رقعة زرقاء وباطن شفتيه رقعة حمراء واسنانه رقعة بيضاء واظافره رقعة صفراء... ويقول صلى الله عليه وسلم: لو لا اني خشيت عليك ان تصير مغشياً لاريتك جبب الخلفاء الاربعة. وأمر صلى الله عليه وسلم عزرائيل ويقول: من هذه الليلة اصحب المهدي لا تفارقه... ثم تلى لنا جميع الاحوال الى دخول مكة ومنازعة أهلها ومبايعة الضعفاء والغرباء أولاً وثم مبايعة الشريف ملك مكة وجميع اشرافها معه...) (محمد ابراهيم أبو سليم: منشورات المهدية ص 14-18). ولسائل ان بسأل ، إذا كان المهدي قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد الجيلاني الذي توفي قبل حوالي ألف عام ، وشهد كل اشياخه السمانية ، وتحدث معهم جميعاً ، ولم يقع مغشياً عليه ، فلماذا يقع كذلك لو أراه النبي ، جبب الخلفاء الأربعة؟! ولقد يلاحظ ان المهدي قد صرح في هذه الحضرة النبوية ، ان النبي صلى الله عليه وسلم ، بشره بانه سيفتح مكة ، ويبايعه اشرافها ، وهذا لم يحدث له ولا لكل من زعم انه المهدي من قبله وبعده.. ويروى في التاريخ الشفاهي ، ان محمد أحمد قد مر وهو في طريقه لفتح الخرطوم بالنيل الابيض، والتقى بالشيخ برير في شبشه ، وكان يعرفه كزميل في الطريقة السمانية. فامسك بيده وقال له: "تاني غير مكة ما في فكة" فسحب الشيخ برير يده منه وقال: " أنا شجرات أبوي ديل ما بفوت منهن.. وانت مقرن البحرين ماك فايتو!! ". وبالفعل دفن الشيخ برير قرب تلك الشجرات ، ودفن محمد أحمد قرب مقرن النيل الأبيض والأزرق بأمدرمان.

    د. عمر القراي

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 08-28-2013, 10:03 AM)

                  

08-28-2013, 10:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة.. المهدية؟!(3)

    إن السيد محمد أحمد بن عبد الله، لم يقل بأنه المهدي المنتظر فحسب، ولم يصف الذين أنكروا مهديته بأنهم ضالين، أو جاهلين بالدين، كما يفعل بعض المتصوفة، حين يتحدثوا عن مقامات روحية، ومشاهدات غيبية، لا يقبلها العامة.. وإنما قال ان من يشك، مجرد شك، في انه المهدي المنتظر يعتبر كافراً!! ولقد أصر على تكرار هذه الإتهام العظيم، الذي وصم به مخالفيه، في معظم نشراته، فمن ذلك مثلاً: (وقد أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله وكررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وجميع ما اخبرتكم به من خلافتي على المهدية الى آخره فقد اخبرني به سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة في حال الصحة خال من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون) (أبو سليم:الآثار الكاملة للإمام المهدي – الجزء الاول ص 137) والمهدية ليست من أركان الإيمان، فما الذي يجعل من يشك فيها ، أو ينكرها كافراً؟! والمسلمون الذين يعتقدون بصحة الاحاديث النبوية، التي اشارت لها ، يؤمنون بصورة عامة، بان المهدي سيجئ في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ولكن لديهم الحق، في ان يشكوا في كل مدع لهذا المقام، حتى يثبت صحة ادعائه، بتحقيق كل البشارة النبوية بملأ الأرض عدلاً.. فإذا ظن أحدهم ان المهدي هو السيد الحسن العسكري، كما يظن الشيعة ، أو ظن انه هو السنوسي ، كما يعتقد بعض المغاربة فهل يجعلهم هذا كفاراً لأنهم لم يروا محمد أحمد أهلاً لذلك المقام؟!
    لقد بنى السيد محمد أحمد مهديته على رؤى نبوية ، ومشاهدات، ذكر انها تأتيه في النوم، وأحياناً في اليقظة.. وما دام الناس لم يحضروا معه هذه المشاهد، وانما مصدرها الوحيد بالنسبة لهم محمد أحمد نفسه ، فكيف يتوقع منهم ان لا يشكوا فيما أخبرهم به؟! أليس من المعلوم ديناً، ان الرؤيا مهما كانت، لا تلزم غير صاحبها؟! وهي حتى بالنسبة لصاحبها قد تحتاج الى تأويل، لأن الرؤى عبارة عن رموز من حديث النفس، وخطراتها، ولهذا لا تؤخذ بها بظاهرها ولا تترتب عليها أي أحكام شرعية؟!
    والرؤيا قد تكون من الوضوح، والدقة ، حتى يظن رآئيها انها يقظة، وليست مناماً.. وقد يكون النوم لأقل من دقيقة، ويرى فيه النائم ، رؤى تشمل أحداثاً، لو كانت في الواقع، لامتدت ساعات طويلة.. وقد يرى النائم شخصاً يحدثه بكلام ، وبمجرد استيقاظه ، يتذكر كل تفاصيل الرؤية، الا ذلك الكلام ، فيحاول استرجاعه ، فتأتيه من داخل نفسه، المعاني التي استقرت فيها ، فيظن انها مما قاله له الشخص، الذي رأه في الرؤيا ، فيلحقها بالرؤية، وما هي في الحقيقة منها ، وانما هي من رغبة نفسه الملحة، فيختلط الأمر عليه.. لكل ذلك، وأكثر منه بكثير، في إشكالات الرؤى، ولكونها مزج بين صور العقل الواعي والعقل الباطن ، فإن السادة الصوفية كانوا يعتبرونها أدنى مستويات العلم، فلا يبنون عليها شئ من أمرهم ، وان قدروها كإشارات للمعاني، لو توفر لها التأويل الصحيح..
    ثم ان الشك في المهدية ، أو في غيرها ، لا يجعل صاحبه كافراً ، لأن الشك طرف من إيمان كل مؤمن.. ولا يتخلص الإنسان من الشك في مرحلة الإيمان ، وانما في مرحلة أرفع هي مرحلة اليقين.. قال تعالى يحكي عن ابراهيم الخليل عليه السلام (وإذ قال ابراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى!! قال: أولم تؤمن؟! قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي...) فابراهيم قد كان مؤمناً، ولكن في قلبه شك، يريد ان يتخلص منه ، ويبلغ تمام اطمئنان القلب.. ولما كان ذلك لا يتحقق الا بالرؤية (قال خذ اربعة من الطير فصرهن اليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً، ثم ادعهن يأتينك سعياً ، وأعلم ان الله على كل شئ قدير). فلما ذبح ابراهيم الطير وقطعه، ووضعه على رؤؤس الجبال، ثم دعاه فالتأمت اطرافه، وطار الى ابراهيم، زال شكه وبلغ اليقين.. ولذلك قال تعالى (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين).. الشاهد انه عندما كان شاكاً في كيفية أحياء الله الموتى، لم يخرجه الله من الإيمان، ولم يغضب عليه، وانما ساق له من البراهين ما أزال شكه.. وهذا مالم يفعله المهدي، لمن شكوا في مهديته، حين وصمهم بالكفر، مع انه لم يسق اليهم الأدلة التي تزيل شكوكهم..
    ولقد حاول المهدي، ان يجد أدلة على مهديته، متشبهاً فيها بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكما كان من علامات النبي، خاتم النبوة على كتفه، فان المهدي قد قال (وقد أعلمني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم: ان الله جعل لك على المهدية علامة وهي الخال على خدك الأيمن وجعل علامة أخرى: تخرج راية من نور فتكون أمامي)(أبو سليم: الآثار الكاملة للإمام المهدي – المجلد الاول ص 98). ولكن الفرق هو ان علامة النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت معروفة لأهل الكتاب، قبل ظهوره، ولم يذكرها هو.. فقد جاء في السيرة، أن سلمان الفارسي، قد تنقل من المجوسية الى اليهودية الى النصرانية، وكان كل رجل صالح ، يحوله عندما يقترب أجله ، لمن بعده.. ولما كبر القسيس الذي كان يخدمه سلمان، اخبره بان يذهب للمدينة ذات النخيل، حيث يظهر النبي القادم، ومن علاماته انه لا يأكل الصدقة ، ويقبل الهدية، وعلى كتفه خاتم النبوة. وبالفعل قدم سلمان المدينة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم له تمر على انه صدقة ، فلم يأكله. وفي اليوم التالي، قدم له تمر، وذكر انه هدية فأكل منه.. فصحبه سلمان حتى كشف كتفه فرأى خاتم النبوة فأسلم. (راجع سيرة ابن هشام – المجلد الاول). ولكن محمد احمد المهدي ، بعد ان ذكر انه المهدي ، بحث عن علامات ، فوجد ان لديه خال في خده، فقال ان النبي اخبره بان هذا علامة مهديته!! ولم يذكر أي من معاصري المهدي أو اتباعه أو معارضيه ، بانه رأى راية من نور تخرج أمامه ، فإن كان يراها المهدي وحده، ولا يراها خصومه واتباعه ، فما العبرة بها؟!
    ومع أن وصف أناس يشهدون ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله بالكفر، لمجرد شكهم في مهدية السيد محمد أحمد أمر خطير، في ميزان الدين، إلا أن الأخطر منه، ان السيد محمد أحمد عاملهم بالفعل، مثل معاملة الشريعة الإسلامية للكفار، فقتلهم ، وأخذ اموالهم ، وممتلكاتهم غنائم، وسبى نساءهم ، واستحل أعراضهم ، وهو لا يتردد في تلك الأفعال، ويخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازها له!! يقول المهدي في رده على يوسف الشلالي: (وقولكم انا قتلنا جملة من المسلمين المتوطنين بهذا المكان ظلماً وعدواناً باطل ، لأنا ما قتلنا الا أهل الجرادة بعد ان كذبونا وحاربونا. وقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم واخبر جميع أهل الكشف بأن من شك في مهديتنا وانكر وخالف فهو كافر ودمه هدر وماله غنيمة ، فحاربناهم لأجل ذلك وقتلناهم وبعد ذلك لما انقاد باقيهم لحكمنا رجعنا لهم جميع امتعتهم التي بأيدي اصحابنا رفقاً بهم مع انها حلال لنا) (المصدر السابق ص 123). على ان المهدي احياناً يفقد هذه الوثوقية الشديدة، ويتجه الى تبرير قتاله للمسلمين، بآراء بعض الفقهاء!! فقد قال (وقولكم ان الذين قتلناهم من العسكر مسلمون ومتبعون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ونسأل عن دمائهم بين يدي الله تعالى باطل لأن القطب الدرديري قد نص في باب المحاربة على ان أمراء مصر وجميع عساكرهم واتباعهم محاربون لأخذ أموال المسلمين منهم كرها فيجوز قتلهم...)(المصدر السابق ص 123). وفي خطاب من المهدي لعساكر ابوكلام (إنه ياحبيبي اول وصول جوابنا اليك قم بنفسك وابحث متروكات جبر الدار الحميدي واظبتها جميعاً واحضرها لدينا سريعاً لأنه مات كافراً فتركته غنيمة للمسلمين. وقد جعلناك نائباً عنا في هذا الامر واخترناك له فلا تتهاون فيه. وان تعرض عليك احد في تركت "تركة" المذكور فقد ابحنا لك دمه وماله ... وان اولاده ونساءه وجميع ما احتوى عليه ملكه غنيمة للمسلمين...)(المصدر السابق ص 133). ويبدو من هذه القصة المحزنة، ان المدعو جبر الدار الحميدي، قد كان مسلماً ، ولما اعترض على المهدية ، اعتبر كافراً، واستحلت امواله ونساءه!! وأعجب من هذا، ان من يعترض على ابو كلام وهو يقوم بهذه المصادرة ، يباح دمه وماله أيضاً، حتى لو كان مسلماً غير معترض على مهدية محمد أحمد، أو كان حتى من الانصار، فإن توجيه المهدي لم يستثن أحداً!!
    وهكذا بدأت المهدية كثورة على ظلم الأتراك، ولكنها أثارت كثيراً من الحروب، كان وقودها السودانيون المسلمون، من الذين كانوا جنوداً يتبعون أمر الاتراك، أوغيرهم من القبائل، والمجموعات، والأفراد، الذين إختلفوا مع محمد أحمد في انه المهدي المنتظر، فقتلهم دون رحمة، وأخذ اموالهم غنيمة دون تردد.. وكان يرسل الحملات بقيادة أتباعه، فيخضعون القبائل والمجموعات، التي تبدي أدنى تباطؤ في إطاعة اوامره، لينكلوا بأصحابها، أبشع تنكيل. حتى جأر الناس بالشكوى للمهدي، مما يفعله بهم أنصاره، ولكنه بدلاً من التحري ، ثم معاقبة اتباعه ان كانوا مخطئين، يؤكد لهم ، انهم استحقوا ما حدث لهم ، فقد كتب (من خليفة رسول الله محمد المهدي بن السيد عبدالله الى جماعة الشيخ منة وجماعة الشيخ عبد الرحمن سليمان وجميع الأهالي والعمار المتضررين من شرذمة سرايا أخوانهم المشهورين بالأنصار.... وأما ما أصاب من ما ذكرتموه من الموت والضرب والوثوق بالحديد ونتف اللحية وغيره ، وكله بسبب اساءتكم الادب معي ، وعدم مناصحتكم في الله ، وتواطئكم على الخلاف. فكان حقكم طاعتي وسماع قولي وامتثالكم للشيخ موسى الأحمر. فجميع ما نالكم مما ذكرتموه فبما كسبت أيديكم....) (المصدر السابق ص 350).
    ولما كانت مثل هذه التوجيهات، وهذه المعالجات ، تشجع اعتداء الناس على بعضهم، وليس هنالك قانون يحكمها، ويمكن للقوي ان يأخذ حق الضعيف، بحجة مخالفته للمهدية، ولما كان أمر الغنائم نفسه، مغرياً للنفوس الضعيفة ، التي لم تجد فرصة في التربية ، فقد خرجت بعض القبائل، التي كانت موالية للمهدي، على اوامره، وأنكرت مهديته ، وانفردت بالغنائم، وقطعت الطريق ، فكتب اليهم (فمن عبد ربه محمد المهدي بن السيد عبد الله الى طائفة الحرانية والطريفية والسريحات والحيادية المعدودين لنصرة الدين ومحاصرة اعداء الله الكافرين. أما بعد ، وكان ظننا بكم ذلك ، والآن بلغني عنكم انكم تركتم الجهاد والمحاصرة في سبيل الله وخرجتم حاملين الاسلحة الغنيمة هاربين من الله ورسوله والجهاد في سبيله وقتلتم ما قتلتم وسلبتم ما سلبتم ونهبتم ما نهبتم وقطعتم الطريق لكافة المهاجرين الينا ولبستم لباس اعداء الله الترك وتشبهتم بهم ، فاننا لم نرضى لكم ولم نأذن لاحد في لبسهم. وما حملكم على مخالفتي مع تكرار جواباتي اليكم...) (المصدر السابق ص 457-458). ومع انه لا يمكن لأحد ان يتصور ان يفعل الاصحاب رضوان الله عليهم مثل هذه الأفعال، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ، إلا ان المهدي قد كتب (وقد بشرني صلى الله عليه وسلم بأن اصحابي كأصحابه ، وان ادناهم له رتبة كرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني...) (المصدر السابق ص 107).
    ولقد إهتم المهدي كثيراً بأمر المقامات ، ودرج في معظم كتاباته، للإعلاء من قدره، وقدر اصحابه ، ربما بغرض كسب ثقة الناس، وارهاب خصومه دينياً.. على ان ذلك، يعتبر مفارقة لنهج التواضع ، الذي هو أصل الخلق الرصين، الذي يهدي اليه العلم الصحيح. وفي هذا الاتجاه، إعتبر خلفاءه خلفاء الخلفاء الراشدين، كما إعتبر نفسه، خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم. وحين سمع بحركة السنوسي في ليبيا، والتفاف أهل المغرب حوله، واعتقاد بعضهم بأنه المهدي، كتب اليه قائلاً (فمن عبد ربه الفقير اليه محمد بن السيد عبد الله الى حبيبه في الله الخليفة محمد المهدي بن الولي السنوسي... وأعلم يا حبيبي ، قد كنا ومن معنا من الأعوان ننتظرك لاقامة الدين قبل حصول المهدية للعبد الذليل.... ولا زال التاييد يزداد من الله ورسوله وأنت منا على بال حتى جاءنا الاخبار فيك من النبي صلى الله عليه وسلم انك من الوزراء لي. ثم لا زلنا ننتظرك حتى أعلمنا الخضر عليه السلام باحوالكم وبما انتم عليه. ثم حصلت حضرة عظيمة عين النبي صلى الله عليه وسلم فيها خلفاء اصحابه من اصحابي فأجلس أحد أصحابي على كرسي ابي بكر الصديق واحدهم على كرسي عمر واوقف كرسي عثمان فقال: هذا الكرسي لابن السنوسي الى ان ياتيكم بقرب أو طول ، واجلس احد اصحابي على كرسي علي ، رضوان الله عليهم أجمعين. ولا زالت روحانيتك تحضر معنا في بعض الحضرات مع اصحابي الذين هم خلفاء خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.) (المصدر السابق ص 335-337).
    ولم يحضر السنوسي للمهدي، ولم يحفل بثنائه عليه، أو اخباره بان النبي صلى الله عليه وسلم عينه خليفة له، بل لم ير فيما أرسل اليه المهدي، ما يستحق الرد، أو التعليق فأهمله تماماً!! بل يروى انه قال ساخراً (من هذا المسكين من دنقلا ، الذي يريد من هم أمثالنا ، ان يتبعوا من هو مثله؟!) (راجع أحمد محمد البدوي: مسكين من دنقلا).

    د. عمر القراي

                  

08-28-2013, 10:09 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة.. المهدية؟! (4)

    لقد نتج من إعتقاد المهدي في مهديته ، واعتبار ان من يخالفه هذا الإعتقاد كافر، أن قتل عدد من السودانيين المسلمين، وعدد من الاتراك المسلمين، الذين انتصر عليهم ، ووقعوا في الأسر، فقد جاء: (المهدي جاته حضرة نبوية في حقهم بقتلهم ارسل الى الشيخ اسماعيل بقتل محمد سعيد باشا والى المك عمر بقتل علي بك شريف والى ابراهيم المليح بقتل احمد بك دفع الله ومحمد آغا ياسين واصدر لهم الاوامر بذلك وصار قتل الجميع) (مذكرات يوسف ميخائيل. دار النصيري للنشر. ص 37). ولعل تكرار مثل هذه الحوادث، وتفشي القتل ، هو الذي جعل الجو السائد، يتقبل هذا الامر بيسر ، فينتقل بعد وفاة المهدي، بزيادة كبيرة تجعله ظاهرة ، الى الخليفة عبد الله.. فلو أن المهدي توقف عند هذا الامر، وحرص على عدم قتل المسلمين من معارضيه، إعتباراً لحرمة الإسلام ، ولعظم أمر أزهاق الروح عند الله ، لسار الخليفة على نفس المنوال، ولما قتل كل من يخالفه دون رحمة، كما سنرى، ولتغير تاريخ السودان الحديث.
    ولقد إلتحق السيد عبد الله ، بالمهدي، وآمن به ، قبل ان يدعو المهدي نفسه لمهديته!! فقد جاء عن أول لقاء بين الرجلين: (قيل انه لما رآه وقع مغشياً عليه ولم يفق من غشيته الا بعد ساعة أو اكثر. ولما افاق عاد فنظر الى محمد أحمد، وتقدم لمصافحته ، فأغمى عليه مرة ثانية ثم أفاق وتقدم الى محمد أحمد حبواً على الأرض، فأخذ يده وشرع يقبلها وهو يرتعد ويبكي. فقال له محمد احمد: من انت يا رجل وما شأنك؟ قال: يا سيدي أنا عبد الله بن محمد تورشين من قبيلة التعايشة البقارة وقد سمعت بصلاحك الى دار الغرب فجئت لأخذ الطريق عنك. وكان لي أب صالح من أهل الكشف وقد قال لي قبل وفاته انك ستقابل المهدي وتكون وزيره. وقد اخبرني بعلامات المهدي وصفاته، فلما وقع نظري عليك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي بعينها، فابتهج قلبي لرؤية مهدي الله وخليفة رسوله ومن شدة الفرح الذي شملني أصابني الذي رأيته...) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان. دار عزّة للنشر والتوزيع. ص643-644).
    على ان هذا الموقف، نفسه ، قد تكرر من قبل ، فقد روى الزبير باشا، عن مقابلته مع السيد عبد الله ، قبل ذلك بعدة سنين، فقال (وبعد فتح دارفور طلب مني أرضاً في قيجة غرب الكلكة فاعطيته إياها، على ان يكف عما كان به من التدجيل فرضي. ولكن لم يمض الا القليل حتى اتاني منه كتاب وانا في داره يقول فيه: "رأيت في الحلم انك المهدي المنتظر واني احد اتباعك فاخبرني ان كنت مهدي الزمان لاتبعك" .. فكتبت له في الجواب: "استقم كما امرتك انا لست بالمهدي وانما انا جندي من جنود الله احارب من طغى وتمرد") (المصدر السابق ص583). فإذا صحت هذه الروايات ، فانها تعني ان السيد عبد الله، كان يبحث عن زعيم قوي ، يمهد له الطريق للزعامة بعده ، وهو أمر يدخل في باب الكياسة و السياسة، ولا علاقة له بالدين..
    ولقد رأى البعض، ان السيد عبد الله، هو الذي أقنع محمد احمد بالمهدية!! ولعل في ذلك قدر من المبالغة، ولكن ما لا شك فيه، هو ان إيمان السيد عبد الله المبكر بالمهدي، واظهاره التسليم التام له - ولو انه ربطه بالاحتفاظ لنفسه بالخلافة - قد وقع موقعاً حسناً في نفس المهدي، جعله يفضله على سائر اتباعه.. ولما كان اتباع المهدي ، لا يرون في السيد عبد الله كفاءة كبيرة ، تجعلهم يذعنون له، بل ان أهل الشمال ينظرون بتعال للقادمين من الغرب ، ولما كان متوقعاً من أهل المهدي، ممن عرفوا بالأشراف، الطمع في ان يرثوا أمر المهدية من بعده، فقد حرص المهدي، على تقريظ عبد الله، ومطالبة الانصار بطاعته والتسليم له، حتى اسرف في ذلك على نفسه، وعلى الدين.. فقد كتب الى اتباعه: (أعلموا أيها الاحباب ان الخليفة عبد الله خليفة الصديق المقلد بقلائد الصدق والتصديق فهو خليفة الخلفاء وأمير جيش المهدية المشار اليه في الحضرة النبوية ، فذلك السيد عبد الله بن محمد ، حمد الله عاقبته في الدارين.
    فحيث علمتم ذلك يا احبابي ان الخليفة عبد الله هو مني وأنا منه وقد اشار اليه سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فتأدبوا معه كتأدبكم معي وسلموا له ظاهراً وباطناً كتسليمكم لي وصدقوه في قوله ولا تتهموه في فعله. فجميع ما يفعله بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو بإذن منا لا بمجرد اجتهاد منه ولا هو عن هوى بل هو نايب عنه في تنفيذ امره صلى الله عليه وسلم والقضاء باشارته. فان فعله بكم وحكمه فيكم بحسب ذلك.
    واعلموا يقيناً ان قضاءه فيكم هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" فمن كان في صدره حرج لأجل حكمه فذلك لعدم ايمانه وخروجه من الدين بسبب غفلته وذلك بشاهد قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" ولا شك في شرك من استنكف عن حكم الله ورسوله سيما بقول صلى الله عليه وسلم: "ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الخفي" الخ الحديث. مع انه خليفة الصديق واول المصدقين في المهدية. فانظروا لمكانة الصديق عند الله ورسوله بنص القرآن العظيم وانظروا لمن اورثه الله مكانة الصديق واوزره بالباطن بالخضر عليه السلام. فهو مسدد مؤيد من الله ورسوله ويد من ايادي الله لنصرة دينه باشارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضله كثير. فحيث فهمتم ذلك فالتكلم في حقه يورث الوبال والخزلان وسلب الايمان. واعلموا ان جميع افعاله واحكامه محمولة على الصواب لأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب اموالكم. فلا تعترضوا عليه فقد حكم عليكم بذلك ليطهركم ويزكيكم من خبايث الدنيا لتصفى قلوبكم وتقبلوا على ربكم. ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي جزماً فقد خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين ، ويخشى عليه من الموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله ، لأنه خليفة الصديق الذي قال الله في حقه "إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا" وقال صلى الله عليه وسلم "ان آمن الناس علي في الصحبة أبوبكر" وقال أيضاً عليه السلام "ما طلعت الشمس على أحد بعد النبيين أفضل من ابي بكر". وحيث علمتم ذلك فهو بمنزلته الآن لأن اصحابنا كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهو المذكور خليفتنا في الدين وخلافته بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم. فمن كان منكم مؤمناً بالله واليوم الآخر ومصدقاً بمهديتي فليسلم للخليفة عبد الله ظاهراً وباطناً. واذا رايتم منه أمراً مخالفاً في الظاهر فاحملوه على التفويض بعلم الله والتأويل الحسن واعتبروا يا أولي الابصار بقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام حكاها الله في كتابه العزيز كحكم داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام لتسلموا من الشكوك والأوهام.
    وانما انذرتكم بهذا رحمة لكم وشفقة عليكم. وليبلغ الشاهد منكم الغائب لئلا تسبوه وتنسبوا له الظلم والجور فتهلكوا...) (منشورات المهدية: أبو سليم ص66-68).
    أول ما تجدر الإشارة إاليه ، هو ان هذا المنشور العجيب ، إعتمد على مسائل غيبية، وافتراضات لمقامات روحية ، ليبني عليها سلطة دنيوية لا تنازع.. فهو يمكن لحكم الخليفة كسلطة مطلقة، لا تقبل المعارضة ، حتى لو كانت بالخاطر!! ثم هو يقوم على التهديد والوعيد بغضب الله ، لمن يعترض على الخليفة ، ولا يتوعد الخليفة بشئ ان هو مارس المفارقة الدينية ، التي ضرب لها المثل ، باخذ اموالهم وقتلهم ، مما يجعل ميزان العدل يسقط تماماً في دولة يفترض انها دينية.
    والحجة الاساسية ، التي يعتمد عليها المهدي ، في ان الناس يجب ان يطيعوا الخليفة ، مهما فعل بهم ما يخالف الشريعة، هي ان النبي صلى الله عليه وسلم ، هو الذي عينه خليفة.. وهذه هي نفس الحجة ، التي اصبح بها هو المهدي.. ولكن الناس لم يشهدوا ساعة تنصيبه مهدياً ولم يشهدوا ساعة جعل عبد الله التعايشي خليفة ، فكيف يسلمون لهذا الأمر دون إعتراض؟! فإن كان المهدي قد اقام من نفسه نموذجاً، يمكن ان يقبله سائر اتباعه ، فان الخليفة قد قصّر عن ذلك النموذج تقصيراً كبيراً، مما اثار كافة الخلافات ، والحروب ، التي اندلعت مباشرة بعد وفاة المهدي.. كما بنى المهدي مطالبته اتباعه بالطاعة المطلقة للخليفة على انه مثل ابي بكر الصديق رضي الله عنه. ولكن الصدّيق نفسه ، لم يخلفه النبي صلى الله عليه وسلم بنص صريح، حتى لا يمنحه قدسية ، تمنع الناس من الاعتراض عليه، كما فعل المهدي.. بل ان الصدّيق حين ولي الخلافة قال (وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فاعينوني وان رأيتموني على باطل فقوموني.. اطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم فان عصيت فلا طاعة لي عليكم) (راجع تاريخ الطبري). وهكذا جعل الصدّيق الاكبر نفسه تحت القانون لا فوقه ، ورد الطاعة الى الحق لا الى شخصه ، واعطى الجماهير مشروعية المعارضة ، وحق تقويم الحاكم ، وعدم طاعته في الباطل.. ولكن المهدي قال: (واذا رأيتم منه أمراً مخالفاً في الظاهر فاحملوه على التفويض بعلم الله والتأويل الحسن واعتبروا يا أولي الابصار بقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام)!! والعبرة من قصة موسى والخضر، هي ان هنالك فرق بين علم الشريعة وعلم الحقيقة.. ويجب على كل صاحب علم ان يتقيد بعلمه، ويكون صادقاً في ذلك. ولهذا لم يقبل موسى عليه السلام ما فعل الخضر، واستنكره ، وكرر ذلك ، حتى شرحه له الخضر، واتضحت حكمته فقبله عقله.. ولما كان الخضر يتصرف في منطقة، لا تظهر حكمة الفعل فيها، لمن غابت عنهم الحقيقة، فانه كان وحيداً، ورفض ان يتبعه موسى، حتى لا يرى ما لا يستطيع ان يتحمله.. ولقد قص الله علينا من خبرهما (قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا * قال انك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا).. فإذا كان المهدي يرى ان الخليفة صاحب علم باطن مثل الخضر ، فان هذا لا يؤهله لأن يحكم الناس، إلا ان يتنزل اليهم بما تطيق عقولهم ، ويتقبل اسئلتهم ، ونقدهم ، ويملك القدرة على إقناعهم. وموقف الناس يجب ان يكون مثل موسى، ما داموا في مرحلة الشريعة الأدنى، ولهذا من حقهم ان يستنكروا اذا رأوا أمراً مخالفاً لما علموا من ظاهر الشرع.. فالقصة إذاً ليست في مصلحة المهدي ، هذا فهم بديهي ، لا يغيب عن كل من له نظر في أمر الدين ، فكيف بمن هو مهدي ، يريد ان يملأ الارض عدلاً؟!
    وأبعد من هذه عن مقاصد الدين ، ان يطلب المهدي من الناس، ان يسلموا للخليفة ظاهر وباطناً!! وذلك حيث يقول (فمن كان منكم مؤمناً بالله واليوم الآخر ومصدقاً بمهديتي فليسلم للخليفة عبد الله ظاهراً وباطناً). ويقول أيضاً (ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي جزماً فقد خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين).. ومعلوم إن الله قد تجاوز للناس في الشريعة ما جال في خواطرهم، وما حدثوا به نفوسهم ، فقد جاء في الحديث (إن الله قد غفر لأمتي ما حدثوا به نفوسهم ما لم يقولوا أو يعملوا).. فلماذا يريد له المهدي ان يحاسبهم على ما غفره الله لهم من خواطرهم ضد الخليفة؟!
    ومن الإسراف، والتزيد الذي لا يليق بالعلماء ، قول المهدي عن الخليفة (واعلموا يقيناً ان قضاءه فيكم هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" فمن كان في صدره حرج لأجل حكمه فذلك لعدم ايمانه وخروجه من الدين بسبب غفلته وذلك بشاهد قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" ولا شك في شرك من استنكف عن حكم الله ورسوله سيما بقول صلى الله عليه وسلم "ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الخفي" الخ الحديث. مع انه خليفة الصديق واول المصدقين في المهدية. فانظروا لمكانة الصديق عند الله ورسوله بنص القرآن العظيم وانظروا لمن اورثه الله مكانة الصديق واوزره بالباطن بالخضر عليه السلام. فهو مسدد مؤيد من الله ورسوله ويد من ايادي الله لنصرة دينه باشارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضله كثير)!! فليس هناك رجل من الأمة إذا قضى أمراً، كان قضاؤه قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يقرأ الناس في حقه الآيات التي نزلت في حق الطاعة للنبي الكريم. وذلك لأنه ليس هناك من اطاع الله مثله، حتى يطيعه الناس بصورة مطلقة. وكيف يخرج مسلم من الدين، لو شعر بحرج من حكم حكمه عليه الخليفة عبد الله، وكأن الخليفة هو النبي الكريم؟! هل يحدث كل ذلك لأن الله أورثه مكانة الصدّيق؟! فما ظن المهدي بمن اعترضوا على الصدّيق نفسه، من كبار الأصحاب؟! ألم يعترض عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغيره من كبار الأصحاب، جهرة ، حين عزم على قتال المرتدين؟! ألم تعترض عليه السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، حين منعها ميراثها في النبي من أرض فدك؟! ألم يعترض عليه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويمتنع عن البيعة ، حتى توفت فاطمة؟! (راجع تاريخ الطبري). فاذا لم يخرج هذا الخلاف، والإعتراض الصريح ، هؤلاء الأصحاب ، من الدين، فلماذا يخرج من الدين من خالف الخليفة عبد الله التعايشي؟! ولماذ لا يعرف المهدي هذه الأمور، وهي من بديهيات الإسلام؟!

    د. عمر القراي

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 08-28-2013, 10:09 AM)

                  

08-28-2013, 10:11 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة.. المهدية؟! (5)

    نسبة للتوقف الذي حدث لصحيفة اجراس الحرية، لم يستطع كثير من القراء، متابعة هذا الموضوع بالقدر المطلوب. ولربما غاب لبعد الشقة ، الدافع وراء التعرض لنقد المهدية، في هذا الوقت بالذات. فلقد بدأت هذه السلسلة، بسبب خطبة قدمها السيد الصادق المهدي عن المهدية، دعا فيها الى ان يصدق الناس بمهدية محمد أحمد بن عبد الله، ولا يعتبرونه مجرد بطل وطني، فقد قالفالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى اعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصّور المهدي كأحد الابطال الوطنيين...) (خطبة السيد الصادق المهدي يوم الجمعة 19/9/2008م). ولم يكتف بذلك، بل اوجب علينا جميعاً اتباع المهدية، فقال (تقديم قيادة صاحبها معروف بالصدق والامانة أعلن أنه خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله وان المهدية قائمة بهذين المبدأين... وأن اتباع هذه الدعوة واجب لأن الله يقول "واتبع سبيل من أناب الي"...)(المصدر السابق). ولقد اقترح علينا السيد الصادق، بأن الوقت قد حان، لرد الاعتبار للمهدية: (لقد آن الاوان أن يرد إعتبار الدعوة المهدية لا في نطاق أنصار الله وحدهم ولكن على النطاق الأوسع...) (المصدر السابق). وعندنا ان رد الاعتبار، لا يتم بغير تقييم، ولهذا شرعنا فيه. ولقد رأينا ان حديث السيد الصادق عن المهدية، انما هو محاولة تمهيد لإدعاء مهدية جديدة، وذلك بدلالة قوله (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن...) (المصدر السابق). ولهذا فضلنا ان ننظر في المهدية القديمة نفسها، وهل نحتاج الى تكرار تجربتها، فكانت هذه السلسلة من المقالات.
    ذكرنا في الحلقة الماضية، ان المهدي قد ذكر ان الخليفة عبد الله التعايشي، قد جعل خليفة في الحضرة النبوية.. وانه خليفة الصدّيق رضي الله عنه، ولذلك يجب الا يعترض الناس على أي شئ يفعله، ولو قتلهم، وأخذ أموالهم، واوضحنا مبلغ المفارقة في ذلك. ولعل اول من تضرر من هذا التفويض، وهذه السلطة الروحية الممنوحة بغير حساب، هو الخليفة عبد الله نفسه. فقد اتجه الى التمديد فيها، متبعاً نفس أسلوب الرؤى والحضرات، وجاعلها مصدره ، ومرجعه الرئيسي، والمبرر لكل ما يفعله. ولقد خشى الخليفة ، ان يظن الناس ان الكرامات قد انقطعت بوفاة المهدي، فلا يعطونه المكانة التي يتطلع اليها. ولذلك كتب في أول منشوراته (واعلموا ان المدد الإلهي الذي أيد الله به مهديه عليه السلام لم ينقطع بانتقال المهدي عليه السلام الى الدار الآخرة. فلازال عزرائيل عليه السلام حامل راية النصر ولا زال المصطفى صلى الله عليه وسلم مقدم الجيش. وكذلك امداد الله تعالى للمؤمنين بملائكته وجنه واوليائه لم ينقطع كما ان سيف النصر بيد العبد لله آيل الي من المهدي عليه السلام بمقتضى حضرة نبوية في حياته عليه السلام وكذا عمامة الخليفة الرابع كما هو مدروك عند الاصحاب وغير ذلك مما لا يحيط به الدفاتر)(منشورات المهدية – أبوسليم ص 93). ولعل الأنصار أنفسهم لم يصدقوا ذلك، لأن الخليفة لم يكن في حروبه منتصراً مثل المهدي، حتى يقوم أدنى لبس، بأن عزرائيل وسيف النصر والأولياء معه، وقد منوا جميعاً بالهزائم المنكرة، التي حدثت لجيوشه، في حروبه الداخلية والخارجية.
    ولقد كان الخليفة ، شديد الحرص على كرسيه ، لا يحتمل أدنى معارضة او اختلاف، ولعل هذا سبب معظم خلافه مع الأشراف، وحروبه الداخلية، وقتله للبطاحين، والشكرية، والجعليين، وقتله، وحبسه، لقادة المهدية الكبار أمثال الزاكي طمل، وابوقرجة، وأحمد ود سليمان، وغيرهم. ولكنني هنا لست بصدد المواقف السياسية، وخطئها من صوابها، وانما بصدد استغلال الدين، في هذه الخلافات.. فلقد كان الخليفة يتهم أحمد ود سليمان، الذي كان المهدي قد قربه، وجعله أمين بيت المال، بالتواطؤ مع الاشراف ضده. ولقد علم ان احمد يحتفظ بشعرة من رأس المهدي، خشي ان تجمع حوله، وحول الأشراف بعض الناس، فسأله ان يحضرها ليراها، فلما اعطاها له بلعها. ولعل همهمة سرت، تنتقد هذا الفعل، ولا ترى فيه التقدير الكافي للمهدي، أو الصدق المطلوب للتعامل. ولهذا كتب الخليفة ، عن حضرة حدثت له، قال فيها: (وبعد ان سلم الخضر عليه السلام قال لي ربك يقريك السلام والملائكة يقروك السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقريك السلام والمهدي عليه السلام يقريك السلام ويقول لك: بارك الله فيك فيما صنعته في الدين. ويقول لي الخضر عليه السلام: قال لك المهدي عليه السلام ان الله اخبر جبريل وجبريل عليه السلام اخبر النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم اخبر المهدي والمهدي عليه السلام اخبرني انا بأن اخبرك بأن الله قد جعلك هدية في الأرض من مشرقها الى مغربها، ويقول الحباك وقبل قولك قبل منا الهدية والذي يقبل منا الهدية قبلناه وآمن من مكر الله والذي لم يحبك ولم يسمع قولك صار من الفاسقين والفاسق مأواه النار.... ثم سألت الخضر عليه السلام عن سبب انقطاعه مني منذ انتقل المهدي عليه السلام فقال لي: سبب ذلك انه منذ انتقل المهدي عليه السلام كنت غافراً على شعرة من شعر المهدي عليه السلام أمنها لأحمد سليمان وولد سليمان حافظها بمحل ومرات في وقت انتقال المهدي عليه السلام يفتحها ويبكي ، وفي الخرطوم كذلك فتحها وأنا أخشى ان تقع منه في الهبوب أو تقع منه في محل ###### وتروح فيه. واذا وقعت في الهبوب انا لا تضيع مني وال###### لا يغيبها عني فلذلك مغفر عليها ليلاً ونهاراً وبعد ان بلعتها أنت أمس استرحت انا. واصل الشعرة المذكورة أمانة بطرف احمد ود سليمان لك فالآن اذا رضي ببلعك لها له ثواب حفظ الامانة من وقت أعطاها له الى الآن وان لم يرض لا ثواب له. ثم قال الخضر عليه السلام: ان القلب الذي تدخله هذه الشعرة آمن من النفاق وانها تدخله بنور. وجميع هذه الحضرة سببها هذه الشعرة. وأما السر في هذه الشعرة التي بلعتها في ضريح المهدي عليه السلام وقال الدنيا جميعها إذا هاجموها لا توازن هذه الشعرة..... يقول الخضر عليه السلام أخبرني المهدي عليه السلام بان اخبرك ان في ساعة الحرب النبي عليه الصلاة والسلام معك والمهدي عليه السلام معك والخضر عليه السلام معك والملايكة معك. فقلت له: الملايكة الذين معي من هم؟ فقال: جبريل ومكائيل واسرافيل وعزرائيل ومنكر ونكير ورقيب وعتيد ومالك ورضوان وارواح جميع المؤمنين من أبينا آدم الى الآن معك وابينا آدم بذاته معك وكذلك جميع المؤمنين من الجن والله ناصرك وناظرك... وكيفية هذه الشعرة انها كانت طرف الحبيب أحمد ود سليمان جاعلها في ورقة لافيها وانه بيوم الاثنين أمس 27 ذو القعدة الذي يبين فيه التابوت الحبيب احمد من محبته لنا وارادته لنا الخير اراد ان يكشفها لنا من الورقة للتبرك بها ، فلما حضر لنا بها قبل انكشافها شممت رايحة عجيبة وأول ما بدى لي رأس الشعرة حصل لي انشراح قلبي وشيئاً لا يعلمه الا الله فتناولتها وقصدت ان اشمها فاراد الله ادخالها في فمي وابتلعتها حينئذ فطلبها الحبيب المذكور ففتحت له فمي فلم يجدها ولله الحمد على ذلك وجميع ذلك بمراد الله وقدره ....) (المصدر السابق ص 100-101).
    في هذه الواقعة العجيبة، يخبر الله تبارك وتعالى، عن طريق النبي صلى الله، وجبريل عليه السلام والمهدي، الخليفة انه هدية الله لأهل الأرض!! وهي هدية غريبة، من لا يقبلها بالطاعة التامة للخليفة يعتبر فاسق ويدخل النار!! ثم ظهر ان سبب انقطاع الخضر عليه السلام من الخليفة، هو انه كان مشغول بحراسة شعرة واحدة، من شعر المهدي كانت محفوظة لدى احمد ود سليمان.. وان الخضر يخشى ان تقع وتضيع في الهبوب!! فإذا كان المهدي نفسه مدفون تحت التراب، فما الخوف ان يدفن الغبار شعرة من شعره؟! وهل الخضر وهو من يعلم ما خفي على نبي الله موسى، ونبأه بما سيحدث لكل الاشياء المذكورة في قصة موسى والخضر، لايعرف ما اذا كان احمد ود سليمان سيضيع الشعرة أم لا؟! وهو يستريح لأن الخليفة بلع الشعرة ، وكأنه لم يكن يعرف ان هذا سيحدث!! وما قيمة هذا الخضر لنصرة المهدية ، وهو منزعج على شعرة؟! ولعل الخليفة قد لاحظ خلل منطقه، فيما يخص الخضر، وقدراته ، فبعد ان قال على لسان الخضر: (وأنا أخشى ان تقع منه في الهبوب أو تقع منه في محل ###### وتروح فيه.) حاول ان يستدرك، فقال على لسانه ايضاً (واذا وقعت في الهبوب انا لا تضيع مني وال###### لا يغيبها عني)!! فلماذا الإنزعاج إذاً؟! أما الشعرة نفسها، فقد بالغ الخليفة في وصفها، حتى قال ان الدنيا جميعها لا توزنها!! هل حقاً يصدق الخليفة نفسه، دع عنك غيره من الناس، ان شعرة من رأس المهدي توزن كل الدنيا؟! وان من تدخل في قلبه آمن من النفاق!! وكيف تدخل الشعرة في قلبه؟!
    وحين سأل الخليفة الخضر عليه السلام عن الملائكة ، الذين معه، ذكر له كل الملائكة، الذين ورد ذكرهم في القرآن والحديث. فالخليفة نفسه، لا يعرف أكثر من هذه الأسماء المعروفة، فلماذا لم يقل كل الملائكة ويختصر الأمر.. أليس هذا منطق مقلوب، لا يجوز الا على البسطاء ، ان يكون الملائكة معك وانت لا تعرف من هم وتسأل عنهم غيرك؟!
    لقد وجد الخليفة صعوبة في تبرير ما عمله اخلاقياً، فهو قد ذكر انه يريد ان يرى الشعرة، ولما احضرها صاحبها احمد له، أخذها وبلعها ، وحين طلب منه ارجاعها له ، فتح له فمه، ليريه انه بلعها!! ولم يجد ما يبرر به ذلك غير قوله (فتناولتها وقصدت ان اشمها فاراد الله ادخالها في فمي وابتلعتها حينئذ فطلبها الحبيب المذكور ففتحت له فمي فلم يجدها ولله الحمد على ذلك وجميع ذلك بمراد الله وقدره ....) (المصدر السابق ص 100-101). ولو كان الاحتجاج بالقدر يعفي من المسئولية ، فلماذا قتل الخليفة معارضية ، وعذبهم، ومن ضمنهم احمد ود سليمان نفسه؟!
    إن العجز عن تحقيق نموذج مقنع، والدخول في العديد من الخلافات، والمؤامرات، والحروب، هو الذي دفع الخليفة الى ان ينسب لنفسه، قدرات خارقة، ومكانة روحية سامية، تستوجب التسليم له والخضوع التام.. وتهدف الى تجريد المعارضين له، من اتباعهم من البسطاء، الذين يتأثرون بالاحاديث الروحية، التي نقلها الخليفة عن المهدي. وربما فعل الخليفة أشياء، كقتل بعض الزعماء الموالين للمهدي ، خوفاً منهم، ثم شعر بسخط عام على قتلهم، فإنه في هذا الحالات، يلتمس التبرير من الحضرات النبوية، ومشاهد الخضر، وغيرها. فلقد جاء مثلاً (إنه قد حصلت لي حضرة نبوية مبشرة: حضر لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ومعه المهدي والخضر عليهما السلام فجلس سيد الوجود صلى الله عليه وسلم عن يميني واستقبلني بوجهه الشريف. وجلس المهدي عليه السلام مطرقاً أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس الخضر عليه السلام من خلفي.... ثم اخبرني صلى الله عليه وسلم ان كافة الاجراءات التي صدرت مني، كقتل صالح الكباشي، وولد ابروف، ودارفور، وما فعلته مع الشكرية، والبطاحين، وما اجريته بالبقعة، وغيرها فهو صواب.)(المصدر السابق 105-106). ولقد علق البروفسير محمد ابراهيم ابو سليم، محقق هذه المنشورات بقوله (يعدد الخليفة هنا القرارات الخطيرة التي التي اتخذها: فصالح الكباشي زعيم الكبابيش قتل في مايو سنة 1887م وقتل المرضي ابوروف ومن اجتمع معه في سنة 1304هـ وقمعت حركة الأمير يوسف بن السلطان ابراهيم في دارفور في يناير 1888م وقتل مادبو زعيم الرزيقات في سنة 1304هـ ، ونكل بالشكرية تنكيلاً. ونكل الخليفة بالبطاحين لاعتدائهم على الانصار. ويبدو من اشارة الخليفة ان الرأي العام لم يكن معه في هذه الإجراءات)(المصدر السابق 106). ولم يكتف الخليفة بذلك، بل قال (اخبرني ايضاً ان الله تعالى قد كان ملكني زمام الكون جميعه والآن قد جعله في قبضتي...ثم اخبرني صلى الله عليه وسلم بمدة اقامتي في الدنيا ومفارقتي لها وما سيصير في الكون بيدي وبالوقت الذي ينزل فيه نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وبانتهاء مدته وما سيصير بعده من التصرفات وبمدة بقاء الإسلام في الأرض انه لا يبقى بعد انتهائها على وجه الأرض مسلم... واخبرني صلى الله عليه وسلم بأني أفضل من كل من كان على وجه الأرض الآن بعد المهدي عليه السلام ...) (المصدر السابق 106-107).
    لقد اعتمد الخليفة عبد الله، في كل ما ذهب اليه من اقوال، وافعال، على منشور المهدي الذي اشرت اليه في الحلقة الماضية، والذي طلب فيه من الناس، ان يصدقوا الخليفة، في كل ما يقول، وان يطيعوه، ويتقبلوا حكمه مهما فعل بهم. (جمع الخليفة هذه المنشورات و طبعها بمطبعة الحجر واشهرها منشوره عن مكانة الخليفة) (منشورات المهدية – ابو سليم ص 93). فهل يظن أحد، بعد كل هذا، ان المهدي غير مسئول عن ما حدث في عهد الخليفة؟!

    د. عمر القراي
                  

08-28-2013, 10:12 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة.. المهدية؟! (6)

    قال السيد الصادق المهدي: (وفي بلادنا الآن في وجه استقطاب بين إقصاء وإقصاء مضاد فان بذرة الدعوة المهدية بما استصحبت من مستجدات تسعف الوطن برفع راية السودان العريض الذي يعطي كل ذي حق حقه والكيان الذي غرسته صالح للمساهمة في جمع أهل القبلة حول دعوة وسطية للإسلام وهو كذلك صالح للمساهمة في حوار الأديان والحضارات الذي سيؤدي في نهاية المطاف لميثاق روحي وأخلاقي تدين له الإنسانية...)(الصادق المهدي: خطبة الجمعة 19/9/2008م). فهل حقاً كانت المهدية دعوة وسطية للإسلام، تجمع أهل السودان دون إقصاء، ويمكن ان تقيم بينهم ميثاق روحي، يمكن ان يقدم للانسانية على اختلاف الأديان والأعراق؟!
    كان الخليفة عبد الله ، يشعر بعدم قبول الانصار، من أهل الشمال، له كخليفة، قبل وفاة المهدي، وبخاصة أهل المهدي المعروفين بالاشراف. وبمجرد وفاة المهدي، شاور أخاه يعقوب وكان يسميه (جراب الرأي)، فاشار عليه باستدعاء البقارة من غرب السودان، ووضع اقرباءهم منهم، في أرفع المناصب. ورغم ان المهدي أبعد أهله ، وولى الخليفة، الا ان الخليفة لم يتبع هذا النهج ، إذ جعل أكبر مواقع القيادة لأخيه يعقوب، وابنه شيخ الدين. وحين شعر الاشراف بالخطر، وكان منهم قادة من كبار ######## المهدية، بدأوا الإجتماعات والتذمر. وحاول الخليفة ان يحيط بهم، لكنهم قاوموا بالسلاح، وصدوا الهجوم عليهم. ولقد أرسل اليهم الخليفة طالباً الصلح لكنهم رفضوا ذلك، ولكنه (ارسل وفداً آخراً للاشراف معرضاً عليهم الصلح واجابة مطالبهم، وفي هذه المرة استجاب الاشراف لعرض الخليفة عبد الله، ولكنهم طالبوا أولاً بمعرفة الشروط التي سيتم بموجبها الصلح. وحرصاً من الخليفة على تحقيق الصلح، لم يضع شروطاً للصلح وانما أعطى الاشراف الفرصة أو الحق في وضع الشروط التي يريدونها، وبذلك تم الوصول الى اتفاق يوم الاربعاء 20 نوفمبر. وتعهد الخليفة بتنفيذ شروط الصلح كما طلبها الاشراف، وهي العفو عن جميع المشتركين في التمرد، وان يجعل للخليفة محمد شريف راتباً شهرياً من بيت المال. وقد استجاب الخليفة لكل هذه المطالب، ولكنه اشترط شرطاً واحداً ، كان بالنسبة له مهماً وضرورياً وقد تردد الاشراف في الاستجابة الى هذا المطلب، وهو ان يسلم الاشراف سلاحهم ويطيعوا الخليفة عبد الله طاعة عمياء. ورغم اجازة الوفاق، فإن الخليفة ترك الملازمين في ساحة المسجد مسلحين، لمقابلة أي انتكاسة من جانب الاشراف. وبعد عشرين يوماً من ابرام الصلح، إطمأن الخليفة للموقف فالقى القبض على أحمد ود سليمان أمين بيت المال ومحمد فوزي ومحمود وأخيه أحمدي وآخرين. ثم ارسلهم للزاكي طمل في فشودة وامره بالقضاء عليهم فقتلهم شر قتله. وبرر الخليفة عدم التزامه بشروط العفو بحضرة نبوية أصدرها في منشور جاء فيه "ثم قال لي – أي المهدي – إن احمد سليمان واحمد النور واحمد محمد خير وسعيد محمد فرح وفوزي واحمدي وصالح سوار الدهب فليكن حبسهم. فقلت للمهدي عليه السلام إن أهل الظاهر ينكرون علي ذلك ويقولون عفا عنهم ثم حبسهم، فقال لي المهدي عليه السلام ان الحق معك واهل الباطن معك فأحبسهم واتل على الاصحاب المنشور المحرر منا في حقك" ومن الجدير بالملاحظة، ان الحضرة تشير الى حبسهم، وليس الى قتلهم، وتم القتل بعيداً عن امدرمان خوفاً من الإثارة) (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 219-220). وهكذا استعمل الخليفة الغش والخداع، ونقض العهد، والخيانة ، ليصل الى غرضه. ولم يمنعه إسلام الأشراف ولا سابقتهم في المهدية ولا رحمهم مع المهدي ان يخوض في دمائهم. ولم يتردد في قتل غيرهم من الابرياء المسلمين، ويبرر فعلته النكراء ، بان ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للمهدي!! ومن عجب ان كل مؤرخينا، عندما يتناولوا هذه الأحداث ، يسمونها فتنة الاشراف، مع انها فتنة من فتن الخليفة ، راح الاشراف ضحيتها ، لولا ان تاريخنا لم يكتب بحياد.
    ولم يقتصر الخليفة على تقتيل الاشراف ففي (كردفان عصى الكبابيش أمر المهدي والخليفة عبد الله بتنفيذ الهجرة وكان لهم موقف من المهدية إذ قتل زعيمهم التوم فضل الله والمهدي لم يزل بالابيض وتولى المقاومة والعصيان فضل الله صالح الذي نشط بعد مغادرة زقل لدارفور ولكن الخليفة شن عليه حملات من ثلاث جهات وقضى على حركته. وفي أرض البطانة تعرض الشكرية للتنكيل من جانب الخليفة.... وفي جنوب شرق الجزيرة تعرضت قبائل الحميدة وبني حسان والقواسمة والعقليين والعلاطين والبطاحين لحملات للانصار نتيجة لعدم انصياعهم لاوامر الخليفة برفض الهجرة الجماعية والمجاهرة بالعصيان للحركة المهدية) (المصدر السابق ص92).
    ومن ######## المهدية البارزين، المنة اسماعيل، جاء عن ذكر بلائه (وكان في جملة الذين عاهدوا المهدي على الجهاد في كردفان المنة اسماعيل شيخ قبيلة الجوامعة فحشد نحو عشرين ألف من عربانه وهاجم قاعدة الطيارة ... فاخذها عنوة وأعمل في أهلها السيف والحربة فلم ينج منهم الا اليسير... وفي اليوم التالي انقلب المنة على العساكر الآتين من الابيض فقتلهم عن آخرهم وارسل البشائر الى المهدي في قدير) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص687). ولا يعرف على وجه التحديد، لماذا انقلب المهدي عليه، ولقد قيل انه ادعى انه خليفة المهدي، بدلاً من عبد الله.. أو ادعى انه الخليفة الثالث، الذي اعطى المهدي مقامه للسنوسي ورفضه، المهم (ارسل المهدي جيشاً بقيادة عبد الرحمن النجومي وعبد الله النور وحمدان ابوعنجة وفرق من الجهادية وراية حاج خالد وراية ود ابو صفية.... وعندما رأى الجوامعة هذا الجيش الكبير تفرقوا عن المنة ودخل عليه رسل المهدي فرفض مقابلتهم بحجة انه متمكن او مشغول بذكر الله. فدخلوا عليه وأوثقوه كتافاً هو وابنه ووالده وأمين بيت ماله وساروا به نحو الابيض وفي الطريق تسلموا أمر المهدي بقتلهم ونفذ فيهم حكم الإعدام. ويقال ان الخليفة عبد الله هو الذي اصدر الأمر بقتلهم دون استشارة المهدي وتهدئة للخواطر قيل ان المهدي قال بان الفكي المنة طهره القتل وعفا عنه) (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 171-172). ولقد كثرت الشواهد، على ان الخليفة، كان في حياة المهدي، يسارع بقتل بعض المعارضين، ثم لا يملك المهدي، وقد قال فيه ما قال، ان يخطئه علناً فيما فعل، فحياة اولئك الناس، كانت عند المهدي أسهل من مخالفة الخليفة وإغضابه. ومن تلك الاحداث، ما حدث بعد فتح الأبيض، فقد سلم محمد سعيد باشا حاكم الابيض، وبايع المهدي، هو وكبار ضباطه، فأمنهم المهدي على ارواحهم وممتلكاتهم. ولكن (اتي الخليفة عبد الله الى معسكر الاسرى وجلس في خيمة الحاج خالد العمرابي المار ذكره فدعا اليه سعيد باشا وعلي بك شريف ونظيم أفندي والصاغ محمد جمعة من رجال نظيم واحمد بك دفع الله ومحمد ياسين ناظر قسم خورسي وعثمان أغا سليمان ومشلي آغا حسين وكلاهما من سناجك الابيض وجعل كل اثنين منهما في عهدة شيخ من مشايخ العربان المخلصين لهم وأوعز اليهم سراً ان يقتلوهم فجعل سعيد باشا ومحمد جمعة في عهدة الشيخ اسماعيل ود الأمين شيخ الغديات. وعلي بك شريف ونظيم افندي في عهدة الشيخ نواي شيخ الحوازمة. واحمد بك دفع الله ومحمد ياسين في عهدة الشيخ مادبو شيخ الرزيقات. وعثمان سليمان ومشلي حسين في عهدة الشيخ مكي ود ابراهيم شيخ عربان حمر فذهب كل شيخ بفريستيه الى بلده وقتلهما) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص705).
    ولم يستقر حكم الخليفة، لكثرة الحروب الداخلية، التي خاضها.. ففي غرب السودان خاض حروباً في جبال النوبة، قادها حمدان ابو عنجة، قتل فيها الكثير من أهل الجبال. وكان محمد خالد زقل، وهو من الأشراف، اقرباء المهدي، قد استولى على كل دارفور عام 1884م واصبح حاكماً لها، تحت إمرة المهدي.. فلما توفى المهدي، اراد الخليفة عزله، فدعاه للحضور لأمدرمان. فتحرك بجيشة نحوها، ولكن الخليفة خاف ان يصل بسلاحه، ويدعم الاشراف، فارسل الى حمدان ابو عنجة، فقابله في كردفان وجرده من سلاحة، وارسله مكتوفاً بالسلاسل الى الخليفة. ومن ال######## الذين ابلوا بلاء شديداً ، في نصرة المهدية، الشيخ مادبو.. فبعد وفاة المهدي أمره الخليفة بالحضور لامدرمان ، لتجديد البيعة ، وزيارة قبر المهدي. فلما لم يحضر اهدر الخليفة دمه، وكلف كرقساوي بالقبض عليه. وبمساعدة الأمير يوسف تم القبض عليه. وبينما هو في طريقة لامدرمان، التقى بهم حمدان ابوعنجة (وامر بارساله للسجن وفي اليوم التالي أمر فعقلوه وقطعوا رأسه فارسل الى الخليفة في امدرمان فعلقه في الجامع....) (المصدر السابق 1046-1047). ومن الوقائع ما حدث في دارفور والذي قتل فيه بعد عدة وقائع الأمير يوسف سلطان الفور نفسه عام 1888م ، رغم انه من أول من ناصر المهدية في الغرب. ومن الوقائع ايضاً حروب الخليفة مع ابي جميزة، الذي ادعى انه خليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهزم جيوش الخليفة مرتين، وتوجه نحو الفاشر لاسقاطها، لولا ان الجدري اصابه في الطريق فقضى عليه. وكان الخليفة قد كتب اليه (فان من كان متصفاً بخلافة عثمان رضي الله عنه على الحقيقة لا يكون بهذه المثابة بل يكون مقتفياً لاثره وسالكاً لنهجه. وهل بلغك ان عثمان رضي الله عنه جرد سيفه على مسلم أو سعى في الارض فساداً أو حارب احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (المصدر السابق ص1052 -1053). والخليفة عبد الله يعتبر نفسه خليفة ابي بكر الصديق/ ويمكن ان توجه له نفس الاسئلة، فيما يخص ابي بكر، فإن الخليفة خلافاً لابي بكر، قد قام بقتل المسلمين وقتل اصحاب المهدي الذين كان يعزهم ويحترمهم.
    (وخلاصة القول ان الخليفة عبد الله استطاع ان يقضي على المقاومة الداخلية لحكمه من جانب القبائل المعادية، كما استطاع تنفيذ الهجرة الجماعية بالقوة واستمر في عمليات الجهاد التي لم تلق نجاحاً الا في الجبهة الشرقية ضد الأحباش. ان هذه الحروب الداخلية والهجرات الجماعية، قضت على الزراعة التي كان بها قوام الاقتصاد السوداني. واقفرت اماكن كثيرة من أهلها أما بسبب الهجرة او باسباب عدم الاستقرار، واعتداءات جيوش الانصارالتي كانت منتشرة في جميع انحاء السودان. وتعرضت البلاد لمجاعة كبرى اشتهرت بمجاعة سنة ستة " 1306ه – 1889م") (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 93).
    وبعد كل هذا الظلم ، والفجور في الخصومة، والعداء ، والاقصاء المتعمد، والعرقية البغيضة، إذا جاء السيد الصادق المهدي، ونصحنا باستعادة المهدية، حتى توحد بيننا، وتحقق لنا الوسطية المعتدلة، والمساواة بين كافة السودانيين،ثم نحملها للعالم فتسهم في حوار الاديان، فهل يمكن ان نصدقه؟!

    د. عمر القراي
                  

08-28-2013, 10:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة .. المهدية؟! (7)

    كنت في المقال السابق، قد ذكرت طرفاً من سياسة الخليفة عبد الله التعايشي الداخلية ، وحروبه ليس مع خصوم المهدية فحسب، بل مع بعض قادتها وزعمائها، وتعليق رؤوس بعضهم في فناء المسجد، إمعاناً في العنف ، والإرهاب، والتشفي، والإقصاء التام للقيادات التي اختلفت معه، مما ليس له علاقة من قريب أوبعيد باخلاق الدين وقيمه. ولقد أدى اشتعال الحروب، في كل مكان ، وانتقال الوشايات، للتخلص من الخصوم والمجموعات، التي كانت تتخذ من عداء الخليفة ذريعة لنهب أموال الناس، وانتشار الفقر والمجاعة، وما تسببه من نهب وسلب، مع ازدياد ضعف الأمن، لإهتمام الخليفة بحماية نظامه عن حماية المواطنين البسطاء، الى ان عاشت البلاد حالة من الإضطراب والفوضى.. ولقد ارتبطت حالة الفوضى، وغياب سيادة حكم القانون بالمهدية، للحد الذي جعل المواطنين البسطاء، يتجاوزون كافة ولاءاتهم العقائدية، ويسمون كل حالة من الفوضى مهدية ، حتى شاع التعبير (اصلوا الدنيا مهدية!) كناية عن الظلم وغياب سيادة حكم القانون.
    سأتعرض في هذا المقال، الى ملامح السياسة الخارجية للخليفة، والتي تمثلت في حملته لغزو مصر، وحروبه مع الحبشة، وما حدث فيها من اخطاء، أدت الى ذهاب المهدية، غير مأسوف عليها ، بعد ان زالت عن قلوب السودانيين، الذين كانوا قد استبشروا بها خيراً، حين ظنوا انها خلاصهم، من نير العسف التركي البغيض.
    لقد اتخذ الخليفة ، منذ البداية، سياسة الفتوحات كأستراتيجية. وهو في ذلك انما يحاول جهده اتباع المهدي، وتحقيق رغبته بنشر المهدية في ارجاء المعمورة. وكان اول ما فكر فيه غزو مصر ومن ورائها بريطانيا.. وكعادة المهدي ، بدأ الخليفة بارسال منشورات، فكتب الى أهل مصر منشوراً معنوناً الى (احبابنا في الله أهل الريف والجهات البحرية كافة) جاء فيه (واعلموا انه ما حملنا على نصحكم ولا دعاني الى بسط العنان في عظتكم الا مزيد الشفقة عليكم والخوف من ان لا تنجع فيكم المواعظ غروراً بالأماني الكاذبة وركوناً الى راحة الدنيا الفانية الذاهبة فتدور عليكم الدوائر كما دارت على من قبلكم في بلاد السودان) (مكي شبيكة: السودان في قرن – الطبعة الثانية ص 260). كما كتب الى خديوي مصر خطاباً طويلاً جاء فيه (واعلم ان ما دعوناك اليه هو الدين الحق القويم والمنهاج الواضح المستقيم فلا تعرض عنه الى نزعات الباطل فان الحق جدير بالاتباع والباطل حري بالتلاشي والضياع. ولو كان قصدي من هذا الأمر ملك الدنيا الزائل وعزها الفاني الذي ما تحته طائل لكان في السودان وملحقاتها كفاية كما تعلم من اتساعها وتنوع ثمراتها. ولكن ما القصد كما يعلم الله الا احياء السنة المحمدية والطريقة النبوية بين اظهر عامة البرية) (المصدر السابق ص 261). ولقد يلاحظ في هذه الخطابات، جنوح الخليفة للتعميم، فهو لا يطلب منهم شيئاً محدداً، وانما يريد فقط ان يدمغهم بالكفر، او المعارضة ، حتى يجد مبرراً لقتالهم. وفي خطابه للخديوي لم يدعوه للمهدية، لأن المهدي نفسه غير موجود، ولم يطرح الخليفة على نفسه، او اتباعه، اشكالية الدعوة للمهدية في غياب المهدي.. ولذلك ذكر في هذا الخطاب عبارات معممة مثل (احياء السنة المحمدية والطريقة النبوية)!! ويمكن للخديوي بطبيعة الحال ان يرد، ويشكر الخليفة على خطابه، ثم يذكر له ان اهل مصر تحت حكمه يحيون السنة المحمدية والطريقة النبوية، وعندهم من كبار العلماء في الازهر من يقومون بتنظيم هذه العمل. عند ذلك سيضطر الخليفة ان يفصح عن غرضه، في ضم تلك البلاد لحكمه، بغض النظر عن تطبيقهم او عدم تطبيقهم للاسلام. ولكن الخديوي تجاهل امر الخليفة ولم يرد عليه.
    ومع ان الخليفة دعا الخديوي للسنة المحمدية، الا انه دعا الملكة فكتوريا ملكة انجلترا، الى اتباع المهدية!! فقد كتب اليها ( ولما كان المهدي المنتظر عليه السلام هو خليفة نبينا محمد الذي اظهره الله لدعوة الناس كافة الى احياء دين الاسلام وجهاد اعدائه الكفرة اللئام وانا خليفته القافي اثره في ذلك فاني ادعوك الى الإسلام فان اسلمت وشهدت ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله واتبعت المهدي عليه السلام واذعنت لحكمي فاني سأقبلك وابشرك بالخير والنجاة من عذاب السعير) (المصدر السابق ص261). وواضح من لهجة الخطاب، واسراعه لذكر الجهاد ونعت خصومه بالكفر، انه لم يكن يعلم بمقدرة بريطانيا في ذلك الوقت، لذلك تحدث في جرأة لا يملكها العارفون. ولقد كتب الخليفة خطابات مماثلة ، لقبائل نجد والحجاز وملك الحبشة والسنوسي وسلطان ودّاي.
    في مايو 1889م تحرك عبد الرحمن النجومي بجيشه من دنقلا شمالاً بغرض غزو مصر. وكان كلما تقدم أخلى أهل القرى قراهم، وحملوا معهم مؤونتهم، حتى لا يجد الجيش ما يأكله. وكان ذلك من ضمن المقاومة الداخلية ، لحكم الخليفة ، ومن اكبر دلالات ضيق الناس به. وكان اثر ذلك على جيش النجومي كبيراً، إذ عرضه للمجاعة ، حتى كتب النجومي للخليفة ، وهو يطمع في الإذن له بالرجوع ، او ارسال مدد له ، ولم يظفر بشئ من ذلك. وقد جاء في ذلك الخطاب الغريب (سيدي وملاذي بعد اهداء مزيد السلام نرفع الى مكارمكم عن احوالنا واحوال الأنصار الذين معنا انه قد مسهم الضرر الشديد الذي ما عليه من مزيد واشتد بهم الحال وضاق الأمر جداً وان الجوع الحال بهم أضر بهم واذهب قواهم فورّم اجسامهم وغير احوالهم لأنه قبل دخول بلد العدو كان قوتهم التور الأخضر المر ونواه وانقطع عنهم من مدة. ولطول الطريق وكثرة المشقة ضعفوا فدخلوا البلد على حال ضعيفة ولشدة الضرر جلسوا جميعاً على الأرض وكثيرون منهم ماتوا جوعاً. أما ضعفاء اليقين منهم فلعدم صبرهم على البأساء والضراء رغبوا في الأعداء الجهادية والعبيد والخدم لحقوا أيضاً بالعداء وارتدوا عن الدين ولم يبق منهم الا النادر. ثم ان الجهادية الذين ارسلوا معنا طوبجية للمدافع من طريق سيدي يونس كانوا خمسة وثلاثين الجميع رغبوا في الكفرة وهربوا اليهم ولم يبق معنا منهم الا ثلاثة. أما بوابير الكفرة فما زالت سائرة معنا بالبحر تبيت معنا حيث بتنا وتقيل حيث قيلنا وعساكرهم ماشية بالشرق في خيل وجمال لمنع الأنصار ماء البحر. ولم يكن شرب الماء الا بقتال ومضاربة واستشهاد وجراحات) (المصدر السابق 270). إن المرء ليحزن، ويشعر بالاسى، لما لقى هؤلاء البسطاء المضللون، فبالرغم من ان الخليفة يتحدث عن الدنيا الفانية والزائلة، فانه لم يقم بقيادة أي من الجيوش، في حروبه الداخلية او الخارجية، حرصاً على تلك الحياة التي يكثر من ذمها. ورغم ما لحق بالجيش من الجوع والضرر، حتى انهم عجزوا عن الوقوف، فان النجومي يلوم من التحقوا منهم بالبعثات التي تمثل مناورات الغزو الإنجليزي، لالتحاقهم بجيش الاعداء الكفرة، وذلك بالرغم من انهم ضحوا حتى بلغوا الحالة التي وصفها، مع انهم وسط جيشه يعتبرهم من (العبيد) و (الخدم)!! فاذا كان رفقائهم في جيش الجهاد يعتبرونهم كذلك، فانهم لم يروا لهم ميزة ،على الجيش الغازي، ولذلك التحقوا به وانقذوا انفسهم من الهلاك، غير آسفين على جيش المهدية، الذي كان يسومهم المهانة. وكان السردار غرانفيل القائد الإنجليزي على صعيد مصر، قد التقى ببعض الفارين، وعلم منهم سوء حالة جيش النجومي، فكتب اليه يدعو للاستسلام. وكان مما جاء في خطابه (وقد بلغني انتهابك لممتلكات الناس المساكين الذين لا طاقة لهم بالدفاع عن انفسهم واخذك نساءهم واولادهم وتخريبك بلاداً كانت بالأمس عامرة مطمئنة. وكنت قد صممت على سحقك ومحو اثرك واثر انصارك عن وجه البسيطة بلا انذار ولكن عند مجيئي الى هنا وجدت انكم قوم مستضعفون مساكين تموتون جوعاً وعطشاً. وانا عالم سوء حالك انت وعالم انك فريسة لغيرة ذلك الخليفة الكذاب الذي جعل ابن عمه يونس عاملاً في مكانك وجعلك تحت طاعته وارسلك انت والأعراب الذين يخشى شرهم بحجة فتح مصر وهو انما يريد هلاككم فانه يعلم ان الذي ارسلكم اليه لمستحيل عليكم بل انتم ايضاً تعلمون ذلك ولكنكم لعماوة قلوبكم تظنون ان طاعة ذلك الكذاب واجبة... وعليه فاذا تقدمت الى الأمام فانت هالك لا محالة واذا رجعت الى الوراء فان جيوش حلفا واقفة لك بالمرصاد. واذا بقيت حيث انت مت جوعاً وعطشاً فاصبحت كالطائر في القفص لا منفذ له ولا معين. ولما كانت حكومتنا السنية مجبولة على حب الشفقة والانسانية ولا تريد قتل النفوس ولا سيما النساء والاولاد فقد جئتك بهذا ادعوك الى التسليم فاذا سلمت سلمت انت ومن معك من الأمراء والأعوان. واعلم انك تأخذ هذا الوعد من جنرال انجليزي. وأما اذا ابيت التسليم فليس امامك الا الهلاك كما بينّا لك. فاختر ارشدك الله الى الصواب أحدى الطريقين واني في انتظار الجواب على كتابي هذا مع رافعيه والسلام) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص 1116-1117). ولقد رد عبد الرحمن النجومي في اليوم التالي، ومع نفس الرسول، بخطاب جاء فيه (ثم نعلمك بان جوابك المرسل منك باعلامنا بحضورك وما جئت لاجله وصلنا ولآخر ما ذكرته فيه وزعمته من الأقاويل التي لا طائل تحتها قد علم لدينا ونقول لك أنا ما بعثنا من طرف السيادة الا لدعوة الناس والمسلمين وادخالهم في سور الرحمة والهداية اجمعين....أما ما ذكرته من كثرة عساكرك وقرب وصولها الخ فذلك لا يهولنا ولا يخيفنا بل لا نخشى احداً الا الله تعالى ولو الثقلين الانس والجن... فاعلم انا باقون على قتالكم وجهادكم واستئصالكم حتى لا ندع على وجه الارض منكم داعياً ولا مجيباً أو يفوز بالشهادة من يفوز ويلاقي الله تعالى.... فان اسلمت وسلمت جميع المدافع والجبخانات والأسلحة سلمت وعليك امان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومهديه عليه السلام وخليفته عليه الرضوان والا فهذا حجة عليك وذنبك وذنب من معك مطوق في ذمتك.) (المصدر السابق ص 1118). ولم تكن معركة توشكي التي وقعت في 3 أغسطس 1889م معركة متكافئة، فقد سحق جيش عبد الرحمن النجومي في ساعات، لقلة عتاده ، ولما لحق به من وهن قبل المعركة.. ومع ذلك ابدى النجومي واتباعه شجاعة وجلد. ورغم ان خطاب غرانفيل قد حوى صلفاً استعمارياً ، وكان خطاب النجومي مثلاً في الشجاعة والثبات على المبدأ ، الا ان غرانفيل قد اشار الى نقطة موضوعية. وهي ان النجومي كان والياً على دنقلا ، فارسل اليه الخليفة ابن عمه يونس الدكيم والياً ، وامره بطاعته ، رغم ان بلاء النجومي في وقائع المهدية لا يقارن بيونس الدكيم.. وحين جاء موضوع غزو مصر، لم يرسل اليه ابن عمه، وانما ارسل النجومي، في مهمة ، يصعب تصديق ان الخليفة كان يرى نجاحها.
    أما في الجبهة الشرقية ، فقد نجح حمدان ابو عنجة في حربه مع الأحباش، وانتصر عليهم واوغل في ارضهم، وكتب الى الخليفة (فدخلنا يوم الاثنين وجلنا فيها يميناً وشمالاً فاعجبنا بما شاهدناه من القصور الشامخات وأحرقنا فيها 45 كنيسة ما عدا الكنائس التي احرقناها بالديار المذكورة عند مرورنا بها وهي تزيد على 200 كنيسة) (مكي شبيكة: السودان في قرن ص 267). ولقد اخلى يوحنا ملك الحبشة بعض المناطق ، لإنشغاله بحرب الطليان ، الذين احتلوا مصوّع. وكتب الى ابي عنجة ، يدعوه للصلح وللإتفاق في وجه الاجانب، وكان مما ورد في خطابه (والآن فاذا حضرت الى بلادكم واهلكت المساكين ثم جئتم انتم واهلكتم المساكين فما الفائدة في ذلك.. والواقع ان الافرنج اعداء لنا ولكم فاذا غلبونا وهزمونا لم يتركوكم بل يخربوا دياركم واذا ضربوكم وكسروكم فعلوا بنا كذلك فالرأي الصواب ان نتفق عليهم ونحاربهم ونغلبهم... فاذا صار كذلك فهو غاية المنفعة لنا ولكم لأنكم انتم ونحن في الاصول السالفة اولاد جد واحد فاذا قاتلنا بعضنا بعضا فماذا نستفيد؟ فالافضل والأصوب لنا ولكم ان نكون ثابتين في المحبة جسداً واحداً وشخصاً واحداً متفقين مع بعض ومتشاورين بالشورى الواحدة ضد اولئك الذين يحضرون من بلاد الأفرنج والترك وغيرهم الذين يريدون ان يحكموا بلادكم وبلادنا مزعجين لكم ولنا اولئك أعداؤكم واعداؤنا) (المصدر السابق 267-268). ولقد قابل ابو عنجة، هذه الدعوة الاقليمية المتقدمة، للتعاون المشترك، بمستوى بعيد عن مستواها. فقد كتب اليه رداً جاء فيه (وأما طلبك الصلح منا وانت باق على كفرك فبعيد بعد المشرقين ودليل على ضعف عقلك وفراغ ذهنك فيالك من سفيه وياك من جاهل أتريد منا صلحاً ومؤاخاة ولم تدخل في الدين الحق وكتاب الله ناه عن ذلك؟ فان رمت الصلح فقل مخلصاً من قلبك أشهد الا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله وال فانا نقاتلكم ونخرب دياركم ونيتم باذن الله اطفالكم ونغنم اموالكم كما وعدنا الله ذلك في كتابه العزيز) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص 1076). ولقد توفى حمدان ابو عنجة وخلفه الزاكي طمل، الذي اعتقله الخليفة، نتيجة وشاية، وسجنه.. ثم رجعت الجيوش عن احتلال الحبشة ، حين انشغل الجميع بالغزو الانجليزي المصري للسودان. والذي اكتمل بهزيمة الانصار في توشكي، وفرار الخليفة من ميدان المعركة في امدرمان، ونهاية المهدية بمصرعه في ام دبيكرات في 24 نوفمبر 1899م.

    د. عمر القراي
                  

08-28-2013, 10:16 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    عودة .. المهدية؟! (8)

    لقد ذكرنا ان هذه المقالات، تستهدف مواجهة محاولة السيد الصادق المهدي لإعادة المهدية بصورة جديدة، يكون هو بطلها ، وقلنا في بداية هذه الحلقات ، ان السيد الصادق قد قال (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن...) (الصادق المهدي – خطبة الجمعة 19/9/2008م). ولقد كرر السيد الصادق هذا القول مؤخراً ، وذلك حيث قال (روي عن الإمام المهدي انه قال في مقبل الايام تكون لنا كرامة تفوق ما تحقق الآن. وأي كرامة أكبر من ان تقدم دعوته بديلاً هو الأجدى لاستنهاض الامة بعد أكثر من قرن على وفاته؟)!! (خطبة صلاة عيد الاضحى بمسجد ودنوباوي 8/12/2008م) والسؤال هو: هل حقاً قدمت دعوة المهدي، وتجربة حكم المهدية ، بديلاً هو الأقدر على استنهاض الأمة؟! أم انها قسمت الأمة ، واعتدت على افرادها ، في ظلم ظاهر، وعسف بيّن، جعل أهل السودان يطلبون الخلاص ، ولو على يد المستعمر الاجنبي؟!
    وليس هناك حركة تغيير، يمكن ان تنسب بحق للدين ، ثم تقوم بتقتيل قياداتها، وزعماء البلد ، كما فعلت المهدية.
    فلقد سجن الخليفة عبد الله السيد محمد شريف، ابن عم المهدي، وابقاه في الحبس، ولم يخرجه الا لواقعة كرري. ثم ارسل في اثر الدناقلة ، وقبض منهم نحو ألف رجل، ليس لهم جريرة الا انهم من قبيلة الدناقلة ، التي ينتمي اليها السيد محمد شريف، حبسهم جميعاً بتهمة مساندة الاشراف. كما حبس ابناء المهدي: الفاضل ومحمد والبشرى ، بمنزل جدهم أحمد شرفي ومنعهم من مغادرته. ومن الأشراف أيضاً ، قبض الخليفة على القائد محمد عبد الكريم، وعبد القادر ساتي، طبيب المهدي ، وقيدهما، وارسلهما الى الزاكي طمل في فشودة، فقتلهما ضرباً بالفؤوس، وكان ذلك في أغسطس 1892م. ولقد كان الزاكي طمل من ابرز ######## المهدية.. وقد تولى قيادة الجيوش في حرب الحبشة بعد حمدان ابي عنجة، واخضع عدد من المتمردين على حكم الخليفة في غرب السودان ، وقاد حروب الخليفة ضد الشلك.. ومع ذلك استدعاه الخليفة ، وزج به في السجن ، ومنع عنه الأكل حتى مات جوعاً في 16 سبتمبر 1893م. كما استدعى الخليفة محمد عثمان ابي قرجة ، الذي كان يلقب بأمير البرين والبحرين ، لدوره المشهود في فتح الخرطوم ، وكان عاملاً على كسلا، واخبره بانه قد عينه حاكماً للجنوب، وكتب لحاكم الرجاف باعتقاله وحبسه. ولقد ترك ابوقرجة مكتوفاً لتأكله الضباع ، لولا ان الحملة الفرنسية قد اطلقت سراحه. ولقد الحق بابي قرجة ، القائد الذي اخضع دارفور للمهدية محمد خالد زقل، وهو مقيد ليحبس في سجن الرجاف. وكان من ضمن المقربين للمهدي اسماعيل عبد القادر الكردفاني، الذي كتب سيرة للمهدي، واثنى فيها عليه ، وذكر كراماته وانتصاراته. ولقد اتهمه الخليفة اثر وشاية بالخيانة ، ونفاه مغلولاً الى الرجاف، حيث ترك حتى مات في اوائل عام 1897م. أما أحمد علي الذي ولي منصب قاضي الإسلام ، فقد اختلف مع يعقوب أخ الخليفة ، فجرده الخليفة من امواله، وحبسه في السجن، ومنع عنه الأكل حتى مات في 1894 م. أما الشيخ الحسين الزهراء ، فقد كان من الفقهاء الذين درسوا في الأزهر، ولقد ولي القضاء بعد أحمد ود سليمان، الذي تقدم ذكره. فسجنه الخليفة حتى مات في سجنه عام 1895م. أما ود جار النبي، فقد كان من ال######## البارزين ضمن راية علي ود حلو، فاختلف معه، وتحول الى راية يعقوب، فاشتكاه علي ود حلو للخليفة فعزله وقتله في 15 سبتمبر 1893م. ومن الانصار الذي قتلهم الخليفة، محمد نور الفادني.. فقد إعترض على قتل الخليفة للابرياء، ولما ذكر له ان المهدي قتل مثلهم، ادان ذلك، وندد بقتل المهدي للناس في فتح الخرطوم. ثم امتنع عن الصلاة خلف الخليفة، ولما قيل له ان يتبع ولي الأمر، ذكر بان الله هو ولي الامر. فقبض عليه الخليفة وشنقه في سوق امدرمان في فبراير 1887م.
    ومن الزعماء الذين اعتدى عليهم الخليفة خوفاً من مكانتهم، محمود ود زايد شيخ الضباينة.. وقد اشتهر بالشجاعة والقوة ، وحين حاول الخليفة قبضه ، وجده مستعداً باتباعه وسلاحه، فهادنه ، وخادعه ، ودعاه للتفاوض في معسكره ، فلما جاء قبض عليه وزج به في السجن. كما سجن الشيخ عوض الكريم أبوسن زعيم الشكرية ، وتركه به حتى ساء حاله ومات في سجنه في عام 1304هـ. وفي عام 1305هـ قتل الخليفة المرضي ابوروف ، شيخ الحسانية ، ومعه محروس شيخ العلاطين ، وابراهيم ود صابون شيخ العقليين ، والفقيه ابراهيم ود خالد. ولقد استدعى الخليفة محمد البشير علي طه ، شيخ الأحامدة الى أمدرمان ، فلم يحضر لما رآه من ما يحدث للزعماء ، فارسل اليه وقتله ، ونكل بأهله تنكيلاً في عام 1304هـ. وقتل الخليفة عبد الله ود سعد زعيم الجعليين، ومعه كل رجاله الذين بلغ عددهم حوالي 300 حين امر جيش محمود ود أحمد - وقوامه حوالي 10000 - وقد كان متوجهاً لمقابلة الجيش الغازي، ان يبدأ بقتل الجعلين، فكانت مجزرة المتمة في 1 يوليو 1897م. ولقد كان الأنصار في كل هذه المواقع والحروب، يرتكبون فظائع التقتيل، والتعذيب ، وقتل الابرياء، وقتل الأطفال، وسبي الحرائر من النساء. (راجع : شبيكة - أبو سليم - نعوم شقير - ضرار صالح ضرار).
    ولقد عزى كثير من المؤرخين، الفظائع التي احدثتها المهدية، الى فظاظة اتباع المهدي، وبداوة اطباعهم، ووعورة اخلاقهم، فقد جاء (وفي رواية أخرى ان أحد الانصار سأل المهدي "كيف اتبعك هؤلاء الأعراب الاجلاف؟" فتبسم المهدي وقال له: "يا أخي ان هؤلاء الاعراب الى الآن لم يتبعوني على ما أطلبه من إقامة الدين. وقد حضرت لي جوابات في هذا اليوم من أبا بأن منهم جماعة قتلوا سبعة من المسلمين ظلماً وعدواناً. ولكن يا أخي انا لما ألزمت بأمر المهدية، وتحتم علي، ولم اجد منه خلاصاً، كاتبت أهل المكانة وأهل الدين وطلبت منهم إجابة دعوتي، والقيام معي في تأييد أمر المهدية، على حالة مقبولة عند العقلاء. فمنعهم الجاه من اجابة دعوتي، فدعوت هؤلاء الأعراب الأجلاف، فاجابوني في الحال وهاجروا معي في الحال ، فلزمني لهم حق الصحبة القديمة. وجاءت المهدية على هذه الحالة المشوشة عند العقلاء حسب طباعهم وحسب مراد الله فعلى الناس ان يصبروا على جفوتهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا) (مكي شبيكة: السودان في قرن – الطبعة الثانية ص 247). هذا هو رأي المهدي في اتباعه، وتبريره ، لما ذكره ، من تقتيلهم للناس ظلماً، وعدواناً!! ألم يسمع المهدي قوله تعالى (من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً)؟! فهل رفض العقلاء لدعوته ، مبرر لقبول الجهلاء المعتدين على الابرياء، باسم الدين وباسم المهدية؟! وإذا كان المهدي قد جاء ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يعجز ان يغير أصحابه ، ويطلب من الناس ان يصبروا على جفوتهم ، بدلاً من ان يحملهم هم، على ان يصبروا على أوامر الدين ونواهيه، فهل يمكن ان يكون هذا هو المهدي المنتظر؟! ومادام أهل المكانة والدين، قد رفضوا المهدية ، فلماذا لم يصبر على حوارهم وجدالهم ، بدلاً من التحول السريع ، لمن اسماهم الأجلاف ، وكأن الغاية هي انتشار أمره ، لا ان يكون ذلك الأمر هو الحق؟!
    ومهما يكن من أمر، فان تحقير المهدي لاتباعه، وتصريحه علناً ، بما يقلل من شأنهم ، رغم ما بذلوا في نصرة مهديته ، لا ينسجم مع القامة الدينية السامقة التي ادعاها.. ذلك ان الذين بذلوا حياتهم من اجل أي جماعة، حري بتلك الجماعة ، ان تكرمهم وتقدرهم. ولقد استنكر الناس مؤخراً، رفض السيد أحمد المهدي إمام الأنصار، ان يدفن السيد عبد النبي علي أحمد الأمين العام لحزب الأمة ، رحمه الله، في قبة المهدي، بحجة انه لا يستحق هذا الشرف، رغم بلائه في الحزب وكيان الانصار، لأنه ليس من آل بيت المهدي!! ولكن السيد احمد المهدي، كان فيما ذهب اليه ، متبعاً وليس مبتدعاً ، وقد اعاد سيرة المهدي، في تقييم بعض اتباعه.
    لقد درج كثير من المهتمين بالتاريخ، وتقييم احداثه، على إدانة الخليفة عبد الله التعايشي، وعدم ادانة المهدي. ولعل السبب في ذلك، ان الخليفة واجه مرحلة التطبيق، واقامة الدولة ، التي تظهر فيها الأخطاء ، ويسهل فيها، وقوع المظالم بسبب الخوف على السلطان. أما المهدي، فانه عاش مرحلة الثورة على الظلم، وتحقيق آمال الشعب في هزيمة الأتراك. ولم يعش المهدي بعد فتح الخرطوم، ليمتحن في مجال الحكم والسياسة. ويرى بعض المؤرخين، انه بعد فتح الخرطوم، إكتشف خلل المهدية ، وسأل الله ان يموت، حتى لا يواصل فيها، وكان له ما اراد. جاء عن ذلك (وهناك أخبار وردت عن ثقات عن المهدي يرى فيها ان المهدية وردت على نهج يختلف عما كان يرجوه لها. فقد روى عن الشيخ محمد ود البصير انه قال "ذات يوم بعد فتوح الخرطوم طلبني المهدي نصف النهار وقال لي ان أمر المهدية كان طويلاً ولكن الأخوان غيروا وبدلوا ونحن اخترنا الآخرة فقلت كيف وانك كنت وعدتني بفتوحات كبيرة. فأجاب بأنها كلها نسخت لأنه لا يخفى ان القرآن ينزل من عند الله بواسطة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون فيه الناسخ والمنسوخ) (المصدر السابق ص 247). فان صحت هذه الرواية ، فلا بد ان يكون الخليفة عبد الله التعايشي ، على علم بها، لمكانته المقربة لدى المهدي.. ثم لا بد انه تجاوزها ، ولم يحفل بها ، لانه استمر في استغلال المهدية ، وسعى لنشرها ، فلماذا لم يتخذ المهدي موقفاً أشد صرامة، وشفافية ، في اعلان نسخ مهديته ، بنفس القوة التي أعلنها بها في البداية ، وقاتل عليها الناس؟!
    ومهما يقال عن الروايات العديدة ، التي تسعى لتبرئة المهدي ، او الخليفة ، أو إعذارهما ، فان ما لا شك فيه هو ان حقبة المهدية ، قد كانت فترة سوداء في تاريخنا الحديث. فقد قامت على مفاهيم خاطئة ، ومغلوطة ، تنقصها المعرفة بالدين ، وتوجهها الأطماع السياسية ، التي ادت الى ارتكاب فظائع ومظالم، تستوجب الاستغفار لله ، والاعتذار للشعب السوداني، من جراء ما لحق به من فتنة المهدية. وعلى المؤرخين السودانيين، وكافة المثقفين، ان يقفوا وقفة صادقة، بغرض تصحيح تاريخنا الذي ندرسه لابنائنا، ونشيد فيه بالمهدية، وهو كله محض تزوير، وتلفيق ، لا يليق بأمة تنشد الحرية ، وتسعى لتحقيق الكرامة لافراد شعبها.. وليعلم السيد الصادق المهدي ، بأن محاولات ترقيع اخطائه السياسية العديدة، ومحاولة تلافي سوأة "التراضي الوطني" ، باعادة المهدية من جديد ، لن تفيد.. فأولى من الرجوع للمهدية، الاحتكام للمؤسسية ، والتقيد بالديمقراطية ، فليس في المهدية خير، يمكن ان يقدمه لنا اليوم، فانك لا تجني من الشوك العنب!!
    د. عمر القراي
                  

08-28-2013, 10:21 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    مبايعو السيد الصادق بايعوه على قطعيات الشريعة
    في حين أنه يرفع شعار المواطنة كأساس للحقوق والواجبات

    31 ديسمبر 2002

    طه إسماعيل أبو قرجة

    نقلت لنا الصحف مؤخراً صيغة بيعة مؤتمر الأنصار المنعقد فيما بين 19-21 ديسمبر الجاري للسيد الصادق المهدي، ونصها:- (بايعناك على بيعة الإمام المؤسس الأول وخليفته، وبيعة المؤسس الثاني وخليفتيه. بايعناك على قطعيات الشريعة. بايعناك على نهج الشورى وحقوق الإنسان. بايعناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله. بايعناك على فلاح الدنيا وصلاح الآخرة. نشهد الله على ذلك والله خير الشاهدين).

    هذه خطيئة ارتكبت على رؤوس الأشهاد، وفي وضح النهار. ثم هي بعد ذلك لم تعدم من حملة الأقلام من يهلل لها، ويعين أصحابها على التضليل، يردون بذلك للشعب دينه الذي في أعناقهم إذ علمهم ومكنهم من الأقلام. ويهمني هنا أن أنوه بأمور ثلاثة.


    السيد الصادق والجمع بين السلطتين بين الأمس واليوم:

    أول هذه الأمور هو الربكة التي لن تنفك تلاحق السيد الصادق المهدي أينما حل. يذكر الناس أنه دخل الحياة السياسية منتصف الستينات راغباً في فصل إمامة الأنصار عن رعاية وقيادة حزب الأمة. وهو قد طالب يومئذ عمه، المرحوم الهادي المهدي، بأن يكتفي بالإمامة ويترك له الزعامة السياسية. وحين رفض عمه، نشب بينهما الصراع المحموم الذي انقسم به حزب الأمة انقسامه المشهور. وهاهو السيد الصادق المهدي يعود بعد قرابة أربعين سنة ليحاول الجمع بين إمامة الأنصار وزعامة بقية حزب الأمة. ولن يستعصي على كثير من الناس أن يفهموا أن دافعه في الحالتين إنما هو واحد، وهو تأمين الزعامة لنفسه. فالجمع بين السلطتين الدينية والسياسية كان سيجعلهما في الماضي في يد المرحوم الهادي المهدي، بينما يجعلهما اليوم في يده.

    ومن المهم أيضاً ملاحظة أن السيد الصادق المهدي حين انتهى الآن إلى قبول ما رفضه قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن إنما أقر بأنه يتخبط. كما أنه بتنصيب نفسه إماماً قد دحض مزاعمه الباطلة بأنه تأهل لزعامة حزب الأمة بكسبه وليس لأسباب طائفية. وبطبيعة الحال فإن كثيراً من الناس لا يحتاجون إقراره بالتخبط، كما لا يحتاجون دليلاً إضافياً منه بأنه لا كسب له، ولكن من المهم أن يعان هو نفسه على الانتباه، بوضع مواقفه أمامه، عسى أن يراها، فيقلع عن إضاعة وقته ووقت هذا الشعب.


    أين قطعيات الشريعة من المواطنة؟

    أما الأمر الثاني الذي أود أن أنوه به، فهو التناقض الصارخ بين نص البيعة ومواقف السيد الصادق. ومن ذلك أن البيعة قد نصت على قطعيات الشريعة، في حين أن السيد الصادق لم يكد يترك منبراً في السنوات الثلاث الأخيرة إلا وأعلن منه قبوله بأن تكون المواطنة هي الأساس في تحديد الحقوق والواجبات في الدولة. فهل لم يسمع المبايعون من الأنصار قوله هذا؟! أم انهم لا يعرفون الشريعة التي يبايعون على قطعياتها؟؟ أم يا ترى أنهم يدركون أنه لم يكن يعني ما يقول بشأن المواطنة؟؟ أم أنهم جميعاً يدهنون؟؟

    ولمصلحة من لا يعرفون الشريعة، أقول أنها لا تساوي بين المواطنين، وإنما هي تميز بينهم على أساس العقيدة، وعلى أساس الجنس، وعلى أسس أخرى. ومن أمثلة التمييز على أساس العقيدة، قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين). وهي تمنع أن يتولى غير المسلمين، من يهود ونصارى، أمور المسلمين. وبموجبها لا يصح لغير المسلم أن يكون رئيساً للدولة ولا وزيراً ولا مديراً ولا رئيساً على المسلمين في أي موقع. بل لا يصح أن يتساوى غير المسلم مع المسلم حتى في حق الطريق. فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين قائلاً:- (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه). ومعلوم أن آية الجزية قد نصت على أن يعطي أهل الكتاب الجزية عن يد وهم صاغرون. ومعلوم أيضاً أن عمر بن الخطاب لم يقبل من أبي موسى أن يوظف كاتباً نصرانياً لديه في العراق. كما هو معلوم أن عمر فرض على نصارى الشام الشروط المعروفة في تاريخ المسلمين باسم "العهدة العمرية" التي أوجبت عليهم، فيما أوجبت، جز مقاديم رؤوسهم. هذه أحكام لا تغيب على من يدعي أدنى معرفة بالشريعة وقطعياتها، فهل يا ترى يجهلها آلاف الأنصار الذين شكلوا هذا المؤتمر؟ وإن جهلوها فما قيمتهم في موازين الحق؟

    ومعلوم أن حكومة الإنقاذ قد وافقت في ماتشاكوس على نسخ هذه الأحكام الشرعية القطعية، وذلك حين ارتضت أن تكون المواطنة هي الأساس في تحديد الحقوق والواجبات، بدلاً عن العقيدة الدينية. وكما سبقت الإشارة، فإن السيد الصادق قد أيد ذلك النسخ. بل زعم أنه كان أول من نادى به. فهل يا ترى قرر التراجع عن ذلك بعد أن بات إماماً، مثلما قرر التراجع عن موقفه القديم الرافض للجمع بين الزعامة الدينية والسياسية؟؟

    أما تمييز الشريعة على أساس الجنس (بين الرجال والنساء) فمعلوم، وآياته عديدة، أهمها آية القوامة: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..). هذه هي قطعيات الشريعة. لكن حين تكون المواطنة هي الأساس، فإن الباب سينفتح على مصراعيه للمساواة بين الرجال والنساء أمام القانون مثلما هو قد انفتح للمساواة بين المسلمين وغير المسلمين. فأين يقف السيد الصادق؟ مع قطعيات الشريعة أم مع المواطنة؟

    يبدو أن السيد الصادق لا يهتم بمواقف الحق، وإنما هو يهتم بكسب أكبر قطاعات ممكنة، لتتيسر له أسباب الزعامة. فهو من ناحية يريد أن يرضي عامة الأنصار بالحديث عن قطعيات الشريعة والشورى ومجلس الحل والعقد.. كما هو من ناحية أخرى يحتاج أن يرضي قوى أجنبية ومحلية مستنيرة لكي يتسنى له الحلم بالعودة إلى موقع السلطة مرة ثالثة، فحدث هذه القوى عن المواطنة وحقوق الإنسان والديموقراطية وحكم الجماهير. وهو بأطماعه هذه قد وضع هؤلاء الأنصار المؤتمرين وضعاً حرجاً، وشط بهم عن مواطن الحق. فنفس المؤتمر الذي بايع على قطعيات الشريعة قد اختار 16 امرأة لمجلس الشورى، كما اختار 4 نساء في مجلس الحل والعقد، ليكنَّ بذلك قوامات على الرجال. هل رأيتم هذا المسخ؟!


    من شك في مهديتي فقد كفر!!

    ومن وجوه التناقض بين نص البيعة ومواقف السيد الصادق (الذي بات يعرف بصاحب العهد) أن البيعة تضمنت بيعة المؤسس الثاني (السيد عبد الرحمن) وخليفتيه (وهما السيد الصديق والسيد الهادي). هذا في حين أن السيد الصادق قد نقض بيعة السيد الهادي حين انشق عنه في الستينات، حتى هتف غلاة الأنصار في وجهه يومها: (الله أكبر على من بايع وأنكر). ثم ماذا كان نص بيعة السيد عبد الرحمن وخليفتيه؟ بل ماذا كان نص بيعة الإمام المهدي؟ ومعلوم أن الإمام المهدي قال:- (من شك في مهديتي فقد كفر)‍‍‍!! فهل تتضمن بيعة السيد الصادق ذلك؟ أم أنه يبيح الشك؟ وإن لم يكن يبيحه، فما جزاء من يشك؟ هذه أسئلة يحتاج الناس أن يعرفوا إجابتها، ليحقنوا دماءهم، فهل من مجيب؟


    الإعلام والأقلام اليوم عند غير أهلها:

    إن قطعيات الشريعة وحقوق الإنسان لا يجمع بينهما إلا حاطب ليل. وذلك يسوقني إلى الأمر الثالث الذي أود أن أنوه به في هذا المقال. فقد سخَّر بعض حملة الأقلام أنفسهم للتطبيل للسيد الصادق، مثلما طبلوا من قبل لغيره. وهم بذلك لم يزيدوا عن تأكيد القول الثابت، قول الأستاذ محمود محمد طه: (الإعلام والأقلام اليوم عند غير أهلها). الأقلام اليوم مسخرة لتضليل الشعب. وحسب أهلها ما اختاروا لأنفسهم. وحسب السيد الصادق أنه اختار أن يعود من أكسفورد ليستثمر إرثه الطائفي الراسف في أغلال الجهل بحقائق العصر وبقطعيات الشريعة.

    عسى الله أن يجعل قريباً اليوم الذي يشيع فيه الوعي بين الشعب حتى ييأس منه أمثال هؤلاء.

    طه إسماعيل أبو قرجة
    31 ديسمبر 2002


                  

08-30-2013, 03:27 PM

عبد الله بابكر

تاريخ التسجيل: 09-04-2009
مجموع المشاركات: 312

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الصادق المهدي): زعيم الصفقات الخاسرة: بقلم د. عمر القراي (Re: عبدالله عثمان)

    p-up-up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de