حالة إحتقان /قصة قصيرة.............بقلم مصطفى محمد محمود طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-09-2013, 12:32 PM

Yousuf Taha
<aYousuf Taha
تاريخ التسجيل: 05-03-2013
مجموع المشاركات: 1034

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حالة إحتقان /قصة قصيرة.............بقلم مصطفى محمد محمود طه

    بسم الله الرحمن الرحيم


    حالة احتقان

    مصطفى محمد محمود طه

    امستردام-هولندا



    كان وجهه محتقناً –بدرجه مألوفة ….العادة كان أن يحتقن… مط شفتيه بازدراء

    …عادة درج عليها

    …سب كل من حوله ابتداء من اكرة الباب انتهاء بالطاولة حملهم مسؤولية ما يحدث

    كانت الغرفة خالية من جنسه تماما.

    امتدت يده بآلية نحو علبة تبغ,وحين كانت دوائر الدخان ترتفع في سماء الغرفة كان

    ... ينظر إلى يده فتراءت له غريبة عنه وكان ذلك شيئا طبيعيا له فلم يجد في ذلك شيئا يحز في نفسه.

    درجت يده منذ زمن بعيد على كتابة كل ما يرد على مكتبه من فواتير ولم يكن من مهمته أن يسدد إيصالا أو يقبض ثمنا فمهمته كلها أن يراجع لا لم تكن مهمته أن يكون مركز حركة لهذه الإيصالات ولا أن يكتب لها وجه صرف.

    يحس انه محصور في ذلك الشريط الضيق الذي تتراص أرقامه فوق بعضها و حين يضج كان يسب اكرة الباب والمنضدة و مطفئة السجائر والملفات التي تتراص على

    المكتب ممتلئة بإيصالات تم تسديدها وتنتظر المراجعة.

    اعتاد الناس بعدها رؤيته محتقنا, وحين تلم به نوبة ضغط دم فيهرب الدم من وجهه

    ويبدو شاحبا كان زملاؤه يطلبون من المدير بأدب شديد أن يهبه أقلاما جديده فرفاق العمل لا يحبون أن يروه في صورة غيرطبيعية أبدا.

    آه القطار المتجه نحو الجبل بدا له مكتظا بدرجة تثير الاختناق برائحة العرق والعطور البلدية التي تفوح من أجساد النساء اللواتي يتأهبن لقضاء ليال ساخنة يحملن سلالهن وقد بدت من تحت اقمطة قماشها تلك الأدوات الخشبية التي تستخدم في الطبخ وبعض مواقد الحديد ثمة أشياء أخرى فقد كن يحملن الحياة وثمة رجال ينتظرونهن بلا شك في محطة القطار بدت سيقانهن لامعة وحين يرتفع الثوب بدلال كن يعدنه ساترات الجزء المبدي من تلك السوق النحيلة اللامعة القوية كالخيزران.

    سقف القطار كان مملوءا بالبشر والقمل والغبار... العطور البلدية وروائح العرق.... شتائم بذيئة وسباب سوقي ثم نظرات شزر والاحتكاك يولد رغبات تموت بالحر أو تتقد.

    الليل كان ساحرا كان ما يعرف بالفتنة مختبئا ما بين روائح العطور البلدية ونسمات

    العشيات.

    توقف القطار فاستقبلهم رجل أعلن لهم عن ميعاد الرحلة نحو جبل البارود.



    جبل البارود:

    سحب نفسا عميقا من رائحة التراب وروث البهائم وطفق يحدق في المدى الخالي تماما من بقية روح الخريف... لم يكن المدى يابسا بل كان اخضرا حين سال أمه وهو صغير هل سنترك حقول الحمص و الشعير للشتاء؟ دون حصاد ‌؟ حين تجاهلت أمه سؤاله باغتها: افضل أن يأتي أبى إلينا.

    اتسعت حدقتا أمه محذرة من المضي في الحديث الذي لا ترغبه…وعندما كانت تستقل آخرالمركبات المسافرة إلى الغرب كانت عيناه معلقتان في آخر التواءة للطريق‌

    اليتيم القادم من القرية إلى المدينة .......بنت عمه لم تكن هناك فانحنى يدس رأسه في حجر أمه ونام.



    قوانين العمل الجديدة قاسية لكن الأمور كانت تسير

    ……….

    المدير يتجهم كثيرا لكنه طيب أتاح عشرة دقائق في منتصف الدوام الأول ليتمكن الموظفون بعد رشف الشاي الساخن جدا أن يطلقوا زفرات طويلة تشبه بنسبة كبيرة الاهة لكن اكد على ألا تزيد مدة الزفرة على الثلاثين ثانية بالعد وجعل لتلك المهمة رجال في هيئة نساء يوزعن الشاي أو نساء في هيئة ملاعق يدرن في أعماق أكواب الشاي بزعم إذابته لكنهن في الحقيقة كن يتفحصن جزيئات عناصر الشاي للتأكد من خلوها من مسببات عسر الهضم والقيئ أو الحساسية من بق الفراش وكان يحرص على أن ينبههم بان عمى الألوان ليس مرضا خطيرًا فلا يقلقن أحد من ذلك...... كان المدير طيبا جدا يخاف عليهم مما يعلمون ومما لا يعلمون.



    ذاكرة:

    تذكرها حين صدعه الدوار من تكرار الأوراق أمامه بعينيها العسيليتين …كانت من رحم نازف مثله تماما عينيها بحلاوة إطلالة شمس تسترق النظر بين طيات الفجر

    رقيقة لا تمل النظر إليها ولا تمسكه إلا حين تغيب وتسبل هي اجمل رمشين.



    :كل الأشياء هنا حلوة يا حلوتي ..كالربيع الآتي بعد أيام …وهذه الأشجار التي ترينها

    عارية كعري العالم الذي لا يتورع أن يواري سوءته …ستخضر وتخضر كزنجي عتقه الاستواء وأورثه عينين داميتين كالشمس ساعة تشرق أو تغيب.

    كانت تنظر باحثة عن الغد عن الشمس عن أحلامه عن كل شيء وتبتسم حين لا تجد نهاية . للمدى

    : وهذا الطريق الممتد بلا نهاية سينعطف إلى السماء مرتفعا كهامة جدي حين يمسح عن هامته العرق المتفصد ويتكئ على معوله ذي العود اللامع....

    باغتته :من الذي يمسك بمعول جدك الآن؟

    تجاهل سؤالها ودندن بأغنية قديمة تمتدح جمال عيون البنات حين يردن الماء من مرب............ابتسمت وهو يشرح لها معنى كلمات الأغنية كانت تريد إجابة عن معول جده وابتسامتها حملت معنى واحد : " ######## ".

    الحزن يغوص في أغواره فينخره كان منفردًا مغروسًا في أحشاء الثلج كسمكة ميتة

    والفجيعة تتسرب في شرايينه مثل شيطان رجيم.

    همس: هنا ..ال..مست ..ق.. بل..يم..تد اااااكثر إشراقا …أليس كذلك؟

    عيناها الجميلتان

    حملتا معنا واحدا: ######## .



    خرج صوته مبحوحا لائقا بمساحات الصدأ التي علت حنجرته

    انظري لوني هذا تموت النساء هنا كي يمتصصن هجيره

    … هل تذكرين ماريانا…كانت تبكي عارية في غرفتي حين أشعلت

    لفافة تبغ وتشاغلت عنها بصحيفة

    وجدي ها ها ها ضربوه بسبب نفس اللون فقد كانت النساء تستلذ الغزل إلا من إفريقي……….. جدي المسكين كان جنديا للطليان الفاشيين.

    جاوبته بنفس الابتسامة وقالت شيئا حمل نفس المعنى وهي تنظر إلى الأشجار العارية

    وتغطي رأسها بقبعة صوفية حمراء داكنة.

    انفجر فيها : بحق الجحيم قدري أني لا ارغب أعينهن الزرقاء والخضراء!!!!



    أحذية بلاستيكية وتراب احمر

    حدق في عينيها الساهمتين الواسعتين وتاه هناك وحين ابتسمت لشروده في عينيها قال

    . أدمنت التوهان منذ أن أطلت امرأة في مدينة ما من بين فتحة صنعتها رياح الخريف في سياج من القصب أمعنت النظر فينا ... حينها كنا نبحث ونفتش عن الطمأنينة والأمن أمي كانت قلقة فالجبل بعيد عنا الآن وجئنا منه بأحذية بلاستيكية سوداء وحقائب حديدية( فيها رائحة تراب احمر) واعين مندهشة.

    كنت تائها حينها أمسكت بثوب أمي بقوة كنت تائها وتعبا وحين دلفنا لباحة دار تفصلها

    عن المارة جوالات خرقة كان أبى يمسك بإبريق ماء يتوضأ منه وحين رانا صمت وكف عن الحركة وهمهم بكلمات بعضها عن الله والأخرى كانت شرقه لم أتبينها حين احتضننا وبكى.

    آه لا اذكر من ليلتي الأولى سوى أعماق تضطرب بقطار يرتج ويدوي آخره في المدينة

    و أوله يوغل في أحشاء شمس تنبت في خاصرة جبل بركاني

    هذا الجبل يلعلع في رأسي أنا وجسمي المنحول يحتاج إليك يا امرأة من صميم المواجع

    الابتسامة ذاتها..............انت هارب وجيان .

    آه لا تبتسمي فحين ارفع أشرعتي ستعرفين أنى هنا بمحض صدفة حينها سأعود إليها هناك في حقل الحنطة وسأجدها بعينيها العسيليتين وروح بنشوة حلقة مولد حينها لا تحزني يا رائعة ففيك كل شئ من رائحة الجبل لكنك تحتاجين لقرن من الزمان حتى تتعلمين كيف تشعلي حممى.

    لن اكذب مرة أخرى لا آسف أنا ولا محزون فقبر عمى وجدي والوجد هناك و النار والإنعتاق.............



    الصداع اللعين الورق المتناثر أمام مكتبه وصورة قديمة لأخيه الذي استشهد في حرب

    القبائل تفرسها....

    قال له داويت : قالوا انه كان يوزع رصاصه على كل الاتجاهات و......

    تلاشت كلمات داويت حين تذكر أخيه في المقهى يجلس أمام الأمهرية الفاتنة التي كانت

    تبيع الشاي لسائقي الشاحنات يغازلها بفجاجة

    :سأجعل أخويك يعودان حافيين في ارض الجبل

    : لن تستطيع … الرئيس قال أن البحر سيبتلعكم وتأكلكم حيتانه

    ضحك أخوه حين كان يناقش هو صديقه عن الهجرة إلى حيث يمتلئ بنشوة أن يكون ممتلئ البطن معظم ساعات اليوم , ضحك أخوه بشدة قهقه حتى سعل احمرت عيناه أبابا بائعة الشاي قدمت له كوب ماء شربه وحين هدا قال:

    تظل تطير ككيس خرق في مهب الريح ,أما أنا فساوي إلى جبل يعصمني من الرياح في سفح الجبل.

    ريح الصمت والصبر/…خدعوك ايها الراقد في سفح الجبل/الريح هنا اعتى يامسكين

    أدريس جاءه بكوب شاي فرشف منه بغل رشفات متتالية وزفر بعد ذلك.....

    وجاءت المرأة الملعقة واعلنت بابتسامة تجيدها لخبرتها في عمل الشاي وفحص جزيئاته أن الشاي العادي سيتأخر خمس دقائق أخرى لأن...........................

    زفرة مكتومة ابتلعها لكنها حتما ستخرج في شكل حمى او صداع او بواسير او نزلة

    شعبية

    كومة الاقلام أمامه والاوراق تلوت امامه في شكل ديدان , ومذاق الشاي الذي علق بلسانه يختلف كثيرا عن مذاق شاي أبابا الامهرية فذاك كان لذيذا جدا.....و هي كانت

    حنونة جداً معه جمعهم في منافيهم حبهم التعيس لاوطانهم الأتعس فادمنوا مناكفات

    سخيفة لا يستغنون عنها ولا عن الجلوس والاستئناس لبعضهما بين حين واخر في

    مقهاها المنزوي في ركن قصي من سوق الحبوب و الذي ينكفيء عند منتهى سوق النسوان.

    ويجيئ لهذا المقهى اصناف شتى من الرجال قاسمهم المشترك ابابا وشايها اللذيذ

    ودعاباتها اللطيفة, كان يغيظها بذكر اسماء الرجال الذين ينسلون الى مقهاها و ينفثون

    في حكاياتهم بطولات ذكورية حين يتحدثون فتتشاغل عنه بتأجيج نار موقدها وتتمتم بمثل شعبي اثيوبي يجمع بين المال والطريق الى السماء.

    بنكهة النعناع كانت تصنع الشاي دائما وتقدمه دوما بطريقة ودودة جداً اليه حين يخلو

    المكان من غيره من الزبائن ....تعود ذلك منها حين يروق مزاجها وتتوق لحديثه الشيق

    عن حبه القديم فينطلق جواد ذكرياته ما بين الجبل وبنت عمه بثغرها الصغير المبتسم

    وخديها المرتويين.....عم يس/ ابوها/ كان يحبها جداُ وكان يقول له دائماًوهو يشير معسكرالجيش في طرف المدينة

    : حين يرحل هؤلاء ستكون هي لك.

    كان قد سمع أن عم يس قد بصق على ظابط في مخفر الشرطة وحبس بعد ذلك لمدة عام.

    خرج صوت من بين طيات الذاكره: تعال لنلعب الشرطي وقطاع الطرق.......



    العسكر/كم يكره هذا الدور يبدو ان قطاع الطرق هؤلاء طيبون ثم انه اذا انتحل دور الشرطي فسيتخيل ان الناس ينظرون الى هامته الملوثه/ يتحسسها..... ليس ثمه بصقة ما.....غير أن الناس لا يحفلون بالاطفال الذين يحملون بنادق خشبية ويدقون الارض بأقدامهم العارية يحاكون صلف العسكر.......أتجه الى عتبة بابهم الصغير وهتف في رفاقه الصغار: لن العب معكم.



    الصبية الكبار يراقبون الجمع الذي يركض خلف الكرة في شارع المسجد المنكفئ على

    أحزانه في أقصى الحي المهترئ السقوف والطرقات.

    ابوه كان يقول أن البيض اهتموا بتنظيف المجاري والطرقات واستخدموا في ذلك أيدي الأجساد السمراء المعروقة ذوي الملابس الزرقاء والأحذية البلاستيكية المعنقة أما الان فإن الكرة إن سقطت في المجاري فسيضطر الصبية الى التفرق أملاً في في كرة أخرى في صباح اخر.

    جاء ابو البنت (العم يس)وهو يمشي كعادته منتصباً كشجر القلاميطوس وبدت نظارته

    الدائرية فوق انفه الضخمة قليلاً كشيئ جاء ليكسر حدة النظرات القوية النافذة

    وعمامته ملفوفة بعناية علي راسه بينما التف ثوبه الابيض حول كتفيه وانسدل على ظهره

    مغطياًمعظم سترته السوداء التي تعلو جلبابه الأبيض الناصع .

    داعب عم يس بنته بكلمات غابت عن الذاكرة وأخرج قطع حلوى وزعها بينهما ثم أخذ بنته

    وحملها على كتفه ضاحكاً وأنزلها عند مدخل داره فجلست هناك بينما كان يتأملها من طرف الطريق وأمامها الخشبة التي كانت تحاول إعطائها اليه ليمثل دور الشرطي الصلف ولم يفعل.

    راقبت أبابا عينيه المملوئتين دموعاً اثناء سرده والتفتت عنه مانحة اياه فرصة أن

    يمسحهما لتستغرق في الاستماع..... أبوها قرر أنه سيركب البحر بأسرته ولن يعود الا بعد أن يذهب العسكر الي حيث أتوا...



    ......البحر ....البحر .....يا أببا يخنقني البحر يجتاز صدري حارقاً لاهباً ويخنقني

    بشوكتيه المفتوحتين ككلابتين قويتين.

    كانت أببا لا تفهم أن هذا البحر سبب مصيبتينا انا وهي....كان ملكاً لنا وأحببناه

    نحن ونحبه كل يوم,اعطانا اسمنا يا أببا ....كانت لا تفهم



    (وسنكسبه لونه من جديد)..... جاء رد أخيه من بعيد خافتاً اذ كان يشعل لفافة تبغ وينفخ

    دخانها في سماء المكان....

    أخوه كان محترفاً في النفاذ الى مفاصل الألم والصميم فحين هم أن يشرح أن الوطن هو

    الدنيا كلها وان موطن الانسان يكون حيثما يستريح....

    كان أخوه يسرد لأببا كيف أن عمه حين ركب البحر تاق من جديد لأرض لا تقتلعه فيها ريح ولا يكسره فيها نوء.

    فعاد واختار لنفسه صخرة تحت رأسه ونام طويلاً بعد أن فقأ العسكر عينيه وازالوا أذنيه وذبحوه كشاة في العراء امام جمع من الناس فهتف وهو يصارعهم انه

    يشرفه ان يدفن في بلده فباطن ارضه اشرف من ظهور بلاد الاخرين ولكنهم لن يتشرفوا بقبور اوطانهم ابداً وطلب ممن حضر يوم موته ان يبلغوه في قبره ساعة أن يرحل الغرباء .

    دفنه عمال الصحة في طرف المدينة فقد كانت أوامر العسكر أن يترك في العراء لكن

    العفونة فاحت......

    فاحت لدرجة أن والدنا ترك المدينة وتبعته رائحة الجسد المتحلل طاردته الى

    أن جاء الى هنا وجئنا نحن.... كان اخوه مؤلماً في سرد التفاصيل يوغل في احشاء الفجيعة ليمسك بعصب الألم ويثنيه عن الرحيل الى البعيد حيث لن يشتم رائحة جسد

    يتهرأ او غبار احمر.

    :اااااه يا زمن

    جاء تأوهه لافتًا للنظر هذه المرة فالتفت داويت وادريس بحدقات

    متسعة حاول داويت تلطيف الجو: هل تحن اليها؟ منذ متى صرت تعشق هكذا؟

    تشاغل عنه بإيصال,استمرأ ادريس المزحة: يقولون أن الغرب دافئ الأسرة...............

    تداخل ادريس: هل الحب هناك سلعة مفقودة؟ وهل النساء يحببن السمر كثيراً؟

    غاص في ذكرياته من جديد فقد اضحت عالمه المفضل وعاصمه من الحديث...

    حين تركها كانت هي التي تحضه على ألا يرجع اليها, قالت له



    عد لبنت عمك هناك أما انا فا نتظر أبي:

    هنا واخوتي وحين تعود بلادنا الينا سأعود.

    هناك ابن عم لي يحارب هناك كان شعره فاحما مثل شعرك تماماً.....

    قبل وصولي الى هنا كانت لحيته قد نبتت قليلاً لكن ابي قال في رسالته الاخيرة ان ابن

    عمي قد صارقائدا لفصيلةكاملة و ان لحيته الان قد نمت وكثفت كثيراً وقد صرح انه لن يحلقها قبل ان يتزوجني.

    عد و حارب لأجلها ستحبك عد سو قبر عمك واقرأ على روحه الفاتحة كل يوم حين

    تمر بجانب المقبرة.



    العودة



    تذكرها وهي تجهز حقيبته وتضع فيها معجون الحلاقة

    : لحيتك تنبت بسرعة كان من المستحسن ان تشتري واحداً اخر او ربما اثنين...

    همهم حينها: لن يكون هناك وقت.



    المسافات والرحيل والنشوة.....بذاري في قلب أرضي الخصبة بصخورها الحمراء

    القانية.

    الجبل يحمل ثعبانا يتلوى صاعداً للأعلىوالجميع هناك نحاف سمر وعروقهم بارزة اما وجوههم فهي دائماً حادة النظر والملامح.

    كل شيء يحمل حرارة ما ويعكس حدة ما

    تبودلت السيجارة الوحيدة بين الشفاه النهمة وحين اخرج علبة تبغ امريكي ذي ماركة

    … شهيرة

    انطلقت صافرة من أقصى الشاحنة وخرجت تلك التي كان يظنها فتا ًوعدلت من ردائها القصير ثم أخذت منه سيجاراً اشعلته وتوسدت ارض الشاحنة واضعة سلاحها تحت رأسهاوتظاهرت بالنوم غير مبالية بتعليقات المناضلين المشاغبة.

    التؤدة كانت سمة الرحلة اكتفى السائق بالألفة بينه وبين الطريق فلم يشعل مصابيح

    الشاحنة.

    عم السكون الا من صوت الشاحنة الذي نادراً ما يخبو او يعلو فاكتسب بذلك

    سمة مشابهة للسكون وفي عمق السكون كان جابر يقرأ في الأوجه الكالحة حكايات طويلة.

    اه الجميع يتوق لأن يربط نفسه بصخرة الجبل أو يغرس نفسه كعركوكباي تغوص في أغوارالأرض حمل بذرته معه ليغرسها حيث لا نؤ يقتلعه ولا ريح تكسره.

    احس ان الرحلة تجذبه لمدارات تجذب و تقوى جاذبيتها كلما تقدمت الشاحنة اماهناك

    فقد كان القطار يقتلعه يركض ويقتلعه وحين يتطلع الى امه ليتفرس ملامح الطريق

    كان رأسه يدور ويدور فينكفيء في حجر امه وينام .



    أخذ الرجل المكلف باستقبالهم يجمع كل مظاهر المدنية من حاجياتهم معجون الاسنان

    والفرشاة ومعجون الحلاقة والمشط ال....ال....تحسس لحيته النابتة بشكل سخيف ثم نظر الى معجون الحلاقة بحركة لا ارادية الا أن المسئول هتف:الى الأمام



    تحركوا ببطء نحو الأمام واصطفوا جميعاً بشكل غير متناسق.

    هز المسئول رأسه وقال بمغزى عرفوا معناه فيما بعد: أمامكم الكثير لتتعلموا النظام

    "المعارك طاحنة البحر العقرب سيبتلعكم.....هكذا قالوا..

    حاولوا ان تخنقوا البحر

    وتعودوا من جوفه أقوياء اذا ابتلعكم.....



    كلوا اوراق الشجر المرة ليكتسب لحمكم مرارة أوراق السدر اللذجة فيلفظكم البحر

    مردة وجنا وشياطين, الحيتان لن تجد لحمكم مستثاغاً صدقوني لكن لحمهم سيكون شهياً قهم يأكلون لحوم البشر ويلعقون دمائهم... ضحك القائد حتى اهتزت ذخيرته ثم قال: أما أنتم فماذا ستفعل الحيتان بأعظمكم اليابسة؟



    كان جابر مخموراً وما زال ينكفئ على قدح السوا وادريس يترنح محاولا ان يرقص



    على انغام لحن يجول بخاطره بينما كان داوييت منزويا ًيعيد تزييت سلاحه وصيانة خط التنشين ليضبطه مع فوهة السلاح.

    هتف جابر مردداً ما كان يقوله أخوه الذي مات في حرب القبائل



    :اللعنة على من يكذبون باسم الله وباسم الشعوب.



    حين انطفأ الاتون



    الاعداء كلهم هربوا وهجر كبيرهم عرشه .....المجد للصامدين والشهداء...تخندق الجميع يرقبونهم وهم يزحفون مرضى وجرحى ومشوهين اكلتهم حيتان البحر حتى التخمة

    و لفظتهم الى الشواطئ.

    العفونة اجتاحت المدينة وعمل الجميع على دفنهم وحين كانوا يهيلون التراب على الجثث كانوا يدفنون الآمهم وجراحهم التي كانت كالسرطان طيلة عقود طويلة كان يمتص عافيتهم و يهتصرهم ويقتلعهم.

    وبدأ الرقص مع اخر جثة دفنت, الطبول كانت سيدة الموقف والغناء امتد حتى ساعات

    الصباح الأخيرة



    بل أن الجميع

    كانوا يرقصون وهم يبيعون ويشترون ويجامعون زوجاتهم وعشيقاتهم والأطفال كانوا يكتبون في كراساتهم وهم يرقصون حتى الشهداء بدت ارواحهم البيضاء التي كانت تحوم حول خارطة الوطن المعلقة فوق مبنى بلدية أسمرا ترقص وتدورخلف بعضها وتهتز بايقاع الطبول.

    الخطباء والمشاة في طوابير العروض العسكرية و جابر و ادريس كانوا كذلك يرقصون

    والشعراء كانوا يلقون بشعرهم فيتلقفه الجمهور باذن واعية وقلوب حزني



    هلا سائلت تيجان الجبال؟

    حين نفضنا عنها الغبار وصدأ العفونة

    / لم يكن مهماًان لما تقوله معناً فقط قل او قل فقط/

    شاعرٌ اخر:

    دعوا الجبل يرتفع بتينه الشوكي

    يعمد أكفنا بدماء قانية

    ويصلبنا على أحجاره

    شهداء وشذاذ افاق وشحاذين

    حمى الخطب انتشرت والمذياع كان لا يفتأ ينقل أخطاءاً

    املائية ويبث ذلك في قواميس الناس واللغة فتضحي حديثاُ مقدساً يشربه الناس مع الشاي في الصبح ويضعونه تمائماً تحت وساداتهم فيكون اخر ما تقع عليه أعينهم قبل النوم.

    كان داويت منكفئاً على كأسه الأخيرة حين دوى في المكان ضحك البنت التي كانت

    تدعى (باريستا) فقط لطول امتهانها الحرفة والتي لم تكن تخفي انها جاءت الى الدنيا

    نتيجة لنزوة عابرة لتاجر يمني استقر لوقت قليل وارتحل الى بلده لا تعرفه ولم تسع

    يوماً لمعرفته وامرأة حماسينية كانت في بداية ايام امتهانها لمهنة تاريخية أورثتها

    امهاهذا البار بعد ان جمعت مالا يكفيهامن مهنتها السابقةوماتت بعد ان تابت بايام قليلة وفشت باسرارها لقسيس كنيسة صغيرة والذي تجاهل بنتها بعد ان ماتت الام فتجاهلت

    باريستا بدورها القسيس وكنسيته وانغمست في عالم لا دور لتعاليم الرب فيه اطلاقا.

    باريستا كانت تحنو حنواً غريباً على داويت وجابر وأدريس, تتغاضى مثلاً عن بقية

    حساب عجزوا عن دفعه تسندهم واحداً بعد الاخر الى اخر الطريق لتودعهم وتمسح

    على رؤسهم بحنان مرددة جملتها المألوفة: يكفي لقد شربتم اليوم مايكفل لشيطان مريد ان يدعوا للصلاة.

    جابر اعتاد على الصمت في كل الأوقات و الايام الماضية لكن شيئاً ما كان يحز في

    أعماقه كان شيئاً حاداً مؤلماً كموسى صدئة تقطع دواخله تخرج من أذنيه صراخاً و

    عويلاً ورؤاً قلقة.... عمه الراحل كان يرى جميع أولياء الله في منامه وحين يصحو كان يشرق بحب جديد وأعمق لتراب الجبل ألاحمر اما رؤاه فقد كانت تمتليء بأدخنة قطارِ شيطاني الوجه ودوارٍ يمتد حتى أوقات صحوه الكئيبةٍ.



    أدريس تحول كاتب ماهر صاغ مقالات دعائية رخيصة فأختير مديراً للمبيعات في شركة تبيع كل ما في الوطن وتشتريه, أما داويت فاختارعلم الاجتماع واختار تخصص ذي بعد اقتصادي فيه فاصطفاه الرئيس مستشاراً ومعيناً لتوظيف الكوادر على خلفيات طائفية فالطائفية جزء من علم الاجتماع الذي درسه على نفقة الدولة.

    كان جابر لا يدري محتوى مهن صاحبيه لكنه كان يلحظ ان بريقاً ما كان في اعينهم صار يخبو كل يوم بمقدار محسوس وانهم صاروا اقل مرحاً ورغبة في صداقته.

    ومنذ ذلك الحين اكتسب هو وجهاً محتقناً وارتفاعاً في ضغط الدم و مؤخراً انتابته نوبة خطب جارفة لكنه كان خطاباً مغايراً لنسق الخطب الراقصة....انفجر فجأة بينما كان يحتسي كأسه في مرة نادرة مع رفيقيه اللذين صارا نادراً ما يجالسانه ابتدره ب:

    يا ابناء الحرام

    ويابنات الرذيلة

    تبادل داويت وادريس النظرات حين وصل في خطابه لذكر عوناوادوبحا

    أعلن على الجميع أن يخففوا من غلواء الركض خلفاً والهروب الى جذوع الشجر لامتصاص اكسير التطاول الممزوج ببويضات مخصبة للتيناسجيناتا

    والعناكب الافرواسيوية الاصيلة وثعابين البحر القاتلة...

    فالشياطين من مختلف انحاء

    الارض تحتاج لهذا الاكسيرالذي استهلك الكثير منه في هذه السنوات

    اذاً فالامر لا يعدو كونه ارجاء للأمر حتى يُتمكن من مزج الاكسير ويتسنى توزيعه على

    جميع سكان الارض بحصص متساوية.

    ثم ختم حديثه بهتاف حار" المجد للأوثان للطوطم الأزلي وجميع قبائل الانس

    والجن" التفتت باريستا اليهم وجاءت مسرعة اليه بعد ان فرغ من خطبته

    مسحت على راسه بحنان وهمست في أذنه بان الوقت قد ازف وأن العسس سيأتون لاعمال القانون.

    همس باكياً: هل ناضلنا لكي نخاف من العسس؟



    الشارع الأسفلتي شهد ثلاثة يترنحون أحدهم كان يهذي كثيراً يصرخ ويهمهم يضحك ثم

    يبكي.

    وفي اليوم التالي التقوا جميعاً عند بوابة المبني الذي تسير فيه كل شئون البلد

    تجنبوا النظر الى بعضهم البعض وعند منتصف اليوم دعي داويت وادريس الى مكتب المدير وامرهما ان ينشغلا بما يجب عمله و نسيان يوم البارحة وحذفه من تاريخ حياتهم تماما الى حين اقناع جابر بقبول حافز ترقية ########ة مقابل ان ينضم الى الحزب الحاكم وبلع لسانه أو اي خياراخر.

    الاحتقان في وجه جابر كان هذه المرة فوق العادة فتلطفت المرأة الملعقة معه كما

    أُمرت وهي تضع كوب الشاي امامه لكن جابر امتنع عن شرب الشاي وطفق ينظر عبر نافذة المبنى الى عمال السكك الحديدية الذين كانوا يعيدون الحياة الى موتور قاطرة

    من مخلفات الطليان.



    مصطفى محمد محمود

    1997

    (عدل بواسطة Yousuf Taha on 07-09-2013, 12:38 PM)

                  

07-09-2013, 12:41 PM

Yousuf Taha
<aYousuf Taha
تاريخ التسجيل: 05-03-2013
مجموع المشاركات: 1034

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حالة إحتقان /قصة قصيرة.............بقلم مصطفى محمد محمود طه (Re: Yousuf Taha)

    التعديل لادخال كلمة "########" و"########ة" الموجودة في النص الاصلي
    وابت تتعدل زاتو
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de