|
مرسى بلا سفينة !!!
|
مرسى بلا سفينة ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected] يروي التأريخ فيما يروي عن السيِّد هبنَّقة – رحمةُ الله عليه – أنَّه كان يصنع منبراً من الخيزران ويقضي شهرين وهو يشتغل في صنعه ليرْتقيه ويقول للناس كلاماً هاماً جداً.. وبعد أن ينتهي من صناعة المنبر يحمله ويذهب به إلى الساحة العامة وسط حركة الناس، ينصبه ثم يعتليه وينادي:أيُّها الناس.. أيُّها الناس .. هلموا إلي واسمعوني، ينظر الناس إلى مصدر الصوت فيجدوا أن المنادِي هو هبنقة .. وبالطبع فإنهم ليسوا مستعدين للاستماع إلى من عرفوه بالحمق، فلا يعطونه فرصة لقول ترَّهاته المفترَضة فيسارعون إلى إزاحته قهراً وإنزاله عُنوةً واقتداراً ، بل وضربه وتكسير منبره على رأسه.. فيضطر المخلوع هبنَّقة إلى قضاء شهرين آخرين في صناعة منبر جديد ليعيد الكرَّة.. فيتلقَّى العاقبة نفسها ، (ياخُدْ دقَّتو ويتْخارج).. وهكذا وذات مرة.. بعد أن اعتلى منبره الخيزراني ونادى في الناس.. كان فيهم رجل حكيم ، وما أن هبَّ الناس على هبنقة لينزلوه ويكسروا منبره على رأسه حتى استوقفهم الحكيم قائلا: يا جماعة الخير.. الرجل فعل هذا أكثر من مرة.. وكرَّر الأمر رغم أنه تحمل الضرب والإهانة.. مما يعني أن لديه أمراً أدَّاً أو بياناً هاماً يريد قوله.. فماذا نخسر لو أعطيناه الفرصة وسمعناه؟ اقتنع الناس بكلام الحكيم.. وجلسوا أمام هبنقة وهو يعتلي المنبر بخُيلاء طاؤوسيَّة .. وقالوا له: تفضل تكلم..عندها فقط اكتشف هبنقة حينها أنه ليس لديه شيء يقوله.. أطرق قليلاً.. فشعر أن الحكيم ورّطه في الكلام، وأنه أصبح مُجبراً على قول شيء..وهو ليس لديه ما يقول!! فأشار إلى الحكيم وقال: ألا لعنة الله على هذه الصلعة ! لا أسوق هذه التوطئة الهبنَّقيَّة لجامع الحُمْق لدي المُشبَّه به الغابر والمُشبَّه الحاضر ، إنَّما لوجه الشبه في السعي الحثيث والجهد المُضني وتكرار المحاولات لارتقاء العُلا وتبوُّؤ سنامِ القولِ والفعل ، ثم لايلبث أن ينهار درج البداية وتُوءَد الأمانيُّ البِكْرُ في مهدِها ومن ثَمَّ تنكشف عورةُ الصيرورة الممسوخة بريحِ النهاية الصِفْريَّة التي يجنح بعض المُحلِّلين من أنصارها إلى تعليق خيباتِها على مشاجب الأخطبوط الأجنبي الذي استدرجَ الفاعلين إلى دفَّة الأفعال ولمَّا لم يحرِّكوا ساكناً ؛ انشغل المكان بحركة الكسْر بلا هُوادة ليُعرَبَ الفاعلون بعد ذلك بأن ليس لهم موقعاً من الإعراب في عددٍ من الدُولِ : الجزائر – فلسطين وأخيراً مصر التي توقَّف فيها جميعاً حُكم الإخوان المسلمين عند نقطة الإنطلاق ! ونحن إذ نهبط مِصْراً ليس طمعاً في بَقْلِها وقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها .. وليس رغبةً في عدادِ أيام شهر شؤونها الــ (ماعندنا فيهو نفَقة) ،سيَّما وأنَّهم لا تغُضّ مضجعهم سنونُنـا العجاف ، وإنْ كان يسوءنا أن يُضامَ شعبُها أو أيُّ شعبٍ على وجه البريَّة تنوشه سهامُ الزعْزعة في كبد الانعتاق والعيش الهادي الكريم ! إنَّما الاولويَّةُ لإصلاح (الطوف) لنجدة الجواري في البحر كالأعلام ، وأن نصْدرَ على أضعف الإيمان عن العِبرة والاعتبار والتدبُّر والتأمُّل المأمور به أولو الأبصار ! فإذا كانت سفينة (إخوان مصر ) قد عصفتْ بها صرْصرُ الثورة في أعيُن الشوارع والميادين الزاحفة ..أو ثقبتْها (سوانكي) العسكر في رؤية الباقين والمتعاطفين ؛ فإنَّهم – أي الإخوان – طالما حفروا الصخرَ بأظفارهم وقضموه بأسنانهم وهم (يعافرون) من تحت الأرض ومن خلال الأنفاق حتى يتوِّجوا ذلك الجهد باستلام زمام الحكم ليتمكَّنوا في الأرض و يُقيموا مدائن أفكارهم ويشيدوا مسارحَ رؤاهم ويبرقعوا مفارق أيْكهم المصفوف على (كورنيش) مدينتهم الفاضلة التي طالما رسموها بريشات أحلامهم وأطَّروها بظلالِ أهازيجهم ورزيمِ خطابهم مُهندسين (مَرسىً) فخيماً ومناراتٍ شاهقاتٍ ذوات جدائل راقصاتٍ على سُدفة المياه السُندسيَّة استقبالاً لسفينة عُرسهم وحُلمهم الرابض في رحِم الانتظار لما يفوق نصف قرْن من الزمان ، ولكن النظرية دائماً رماديَّة والواقع أخضر ! فما أن خفض الكُرسي الوثير جناحَ الذُل لمحمد مُرسي حتى عمل – بدافع اللهفة والحرمان المخضرم – على تثبيت أركان حكم (الإخوان) أو أخونة الدولة كما أطلق عليها أهلُ مصر بأسرع ما يمكن ، ما ضرَّه إن ذلك على حساب (غير الإخوان) من أبناء وطنه ، وحديدُ ثورة الخامس والعشرين من يناير لمَّا يزل بعدُ ساخناً يُمكنه الاستجابة للطرق بأصغر سندان بين أدوات القين المُسخَّر له ذلك الحديد .. فطفق مُرسي يجوس كفراشة الليل مُرتطماً تارةً بالقضاء وتارةً بالإعلام وغيرها وغيرها ، حتى اهتزَّتْ السفينة وجمحتْ فوق اليمِّ الزاخر والأمواج المتلاطمة قبل أن تكتمل ثنائيَّة المحمولين على متنِها ، بل قبل أن تلوح فكرة الاستعصام بذروةِ الجبل للعصاة المارقين ! فكانت لقمةً سائغةً في فمِ تسونامي التغيير العاجل ! لينشطر – وبكُلِّ أسف – الشعب المصري إلى نصفين كحبَّةٍ ذات فلقتين ؛ نصفٍ يناصر الرئيس المُقال باسم الديمقراطية والشرعية الانتخابية ، ونصفٍ يربِّت على كتف العسكر الذي استجاب لطموح الشوارع الهادرة باسم الثورة الشعبية ! وإنَّ هذا الانشطار هو العنوان الرئيس لصحائف الفشل السود ! لأن الانشطار دائماً هو الأب غير الشرعي للتشظي والتفتُّت و الشتات الذين تُرضعهم الحرب الشؤم من ثدْيَيْها المُتقيِّحين دماً مسفوكاً وصديداً حاقناً في نفوسٍ مهترئة ! واسألوا أهل السودان الذين تجرَّعوا قبلكم سُمَّ (التمكين) الزُّعاف الذي أحال أبناء الوطن إلى العطالة والبطالة والمنافي والشتات ..الذي فتَّت نسيج المجتمع بزراعة الضغائن وبداء الفقر المدقع ومضاعفاته الماحقة والساحقة للقيم المُثلى ..بفضل غول هذا التمكين الذي أعلن عن ذاته صالحاً عامَّاً في عهد الإنقاذ الأوَّل ، ثم خجل عن اسمه لاحقاً فأخفاه وراء ظهره مع الاحتفاظ بكامل ملامحه وأشكاله كمُسمَّى !وبفضله اُجْتُثَّ طرَفٌ عزيزٌ من المليون ميل مربَّع بينما لا تزال (الغرغرينة) تنخر عظام ثلاثة أطراف أخرى ..أسألوا أهل السودان المُجرِّبين – إن كنتم لا تعلمون – ولا تسألوا طبيبا ! والطبيب هو – يا مُرسي وإخوانه – الحقُّ الأبلج والقلب السليم والتسامي فوق الجراح والإعراض عن الانتصار للذات والولوغ في الدماء التي حرَّمها اللهُ إلاَّ بالحقِّ ..ثم التعفُّف عملياً عن موائد السُلطة والجاه التي تنفونها عن أجندتكم شعاراتٍ مدوِّية ..فما دامت المُنطلقَاتُ ؛ منطلقَات الإخوان إسلاميَّةً ؛ لما لا تردّ الأمر كلَّه لله الذي يؤتي المُلكَ من يشاء وينزعه ممَّن يشاء ، فربَّما كان – يا هداكم الله – انتزاع المُلك منكم يعني – برحمة الله – انتزاعكم من المُلك تخفيفاً عليكم من ثقل أمانةٍ عُرضتْ على السموات والأرضِ والجبال فأبيْن أنْ يحملْنها مُشفقاتٍ منها ! أيهما أعقل : إراقةُ الدماء المُسلمة قاتلاً كنتَ أو مقتولاً ..، أم التمسُّك بالبقاء على سدَّةِ الحُكم أيَّاً كان المُبرِّر ؟! ومع هذا كلِّه – أخي في الله إنشاء الله – يُمكنكَ أن تزخرف مَرْسىً آخَرَاً لسفينةٍ أُخرى لا تجري على اليَبَس !!! الوفاق – اليوم الإثنين 9/7/2013م
|
|
|
|
|
|