ورحل القنديل

Quote: في نهار قائظ ، وبنطون العمال يفرغ ما ناء به في ذلك الشارع الضيق المسمى به (شارع البنطون) ، الشارع يعج ويضج بزحمة الراجلين والراكبين وشمس الصيف تلهب الوجوه ، صبية لا يتجاوز معدل أعمارهم الثانية عشر يقطعون الطريق على رجل مهيب قادم لتوه من كريمة ، يعرفونه من على البعد ويهتفون ، يقطعون عليه الطريق يناولونه ورقة صغيرة أوليقف أكبرهم سنا ليدعمها بخطاب متلعثم ليس بأحسن مما خطت يداه ،، يبتسم الرجل المهيب يدخل يده في جيبه ليدفع مبلغا من المال ويمضي حال سبيله ، الصبية يحسبون ما جادت به يداه في فرحة غامرة فقد إكتمل المبلغ . صبيحة اليوم التالي ، ، يذهب إثنان منهم ليحضرا بغية هؤلاء الصبية ، فعطلة المدارس كانت قد بدأت لتوها ينتظرهم الجميع على أحر من الجمر . كانت بغيتهم التي ينتظرونها كرة قدم لا سبيل إلى الحصول على ثمنها لأولئك الزغب الغبش . وكان ما كتب بتلك الورقة أو حديث أكبرهم لذلك الرجل الوضئ يدور حول أمر واحد هو (التبرع ) ، لست أدري من أين عرف أولئك الصبية هذه الكلمة لكن ما يحير أكثر كيف عرفو ذلك الرجل وكيف عرفو عنه أنه من أهل ( التبرع ) والهبات . تمر السنون ، ومجموعة من النسوة ذوات الملابس البالية والحال البائس ورجال كذلك يقصدن ويقصدون ذلك المنزل في توقيت مشابه لتوقيت الصبية وفي أطراف النهار وبعد جنح الظلام وبغيتهم هي بغية الصبية ، وذات اليد التي رسمت تلك الفرحة على وجوه الصبية تدخل وتخرج وتدس في أيديهم دون من ولا أذى ، لم يثنها من ذلك كثرة التردد ولا غربة أو قربى المتردد. وكأني بها اليوم مرفوعة بضراعات المكلومين وحزن الصادقين ودعوات المخلصين ،،، كأني بتلك الأيادي في جوف الليل وغسق الفجر تدعو لذلك الرجل ،، كأني بها تسأل له كما سألته تلك طوال هذه السنوات ، فهو حق له مستحق عليها . إنه القنديل الحسن ،،، قبلة المحتاجين والمساكين والفقراء ،، لم يخف عليهم كما لم يخف على أولئك الصبية ،، أي سيرة عطرة تركت ؟؟؟ !!!! أي أعمال جليلة خلفت !! أي صبر قد يحتوي هذا الحزن وأي فاجعة في فقدك ،، أي ظلمة خلفتها يا أيها القنديل ؟؟!!! رحمك الله العم حسن القنديل وغفر لك وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين ونحسبك منهم ،، جعل الله قبرك روضة من رياض الجنة وغسلك بالثلج والماء والبرد ،، وأبدلك دار خيرا من دارك وأهلا خيرا من أهلك ،، جعل الله البركة في ذريتك وألهمهم صبرا جميلا وسلوانا .،، اللهم هذه شهادتنا فيه فتقبلها ،، اللهم إنه كان فينا سمحا كريما عطوفا هاشا باشا مشاء بالخير فتقبل منا إنك سميع مجيب ، اللهم أغفر له وأرحمه وألهمنا صبر ا جيلا ولا نقول إلا ما يرضيك أن لا إله إلا أنت تحيي وتميت وأنت حي لا تموت ،، ولا نقول إلا ما يرضيك لا حول ولا قوة إلا بك (وإنا لله وإنا إليه راجعون ) .