عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ)

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 11:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2013, 07:14 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه النافذه ستكون متجددة دائماً بإذن الله ونحاول فيها نقل* ما استطرف من كل فن مستظرف
    فلنبدأ إذن على بركة الله


    يقول جرير: أقلِ اللوم عاذلَ والعتاب ** وقولي إن أصبت لقد أصابا
    أجدك ما تذكر أهل نجد ** وحيا طال ما انتظروا الإيابا
    سألناها الشفاء فما شفتنا ** ومنتنا المواعد والخلابا
    ثم يذكر شعره أثره في الناس يقول:
    دخلنا قصور يثرب معلمات ** ولم يتركن من صنعاء بابَ
    وأخذ يقول، وعنده راويه وبينهما الضوء(مصباح) حتى قال:
    فغض الطرف فإنك من نمير ** فلا كعب بلغت ولا كلابا
    قال:" يا غلام أطفئ المصباح! والله لقد أطفئت ذكرهم إلى أبد الدهر" ثم نام، وصدقت فراسته وأصبح هذا البيت شائعا مع أنه قيل في جرير أبياتا أشد نكاية به؛ لكن ثمة بيت قوي المعنى، وثم بيت يملك السيرورة( السيرورة يعني يمشي في الناس، سهل، قريب، يفهمه كل أحد، ألفاظه ليست مستنفرة) فيقبله الناس: فغض الطرف فإنك من نمير ** فلا كعب بلغت ولا كلابا يعني لا يستطيع أحد أن يمتنع عن حفظه، عن قوله، يعني سهل على اللسان، سار هذا البيت، يقول بعض أهل النقد بعض النقاد:"سريان النار في الهشيم" حتى انقلب أمرُ بني نمير

    ___________
    *للأمانه سأنقل الكثير من الشيخ صالح عواد المغامسي إمام مسجد قباء بالمدينه النبويه(حتى عذب الحديث دي اسم حلقه من برنامج المقام الامين لشيخ صالح) كما سأنقل من غيره كالبروف عبد الله الطيب ،رحمة الله تغشاه، والاستاذ فاروق شوشه وغيرهم الكثير

    (عدل بواسطة محمود سيد أحمد on 02-08-2013, 07:18 AM)

                  

02-08-2013, 07:27 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    الفرزدق كان يفتخر بآبائه:


    أحلامنا تزن الجبال رزانةً ** وتخالنا جناً إذا ما نجهل


    حلل الملوك لباسنا في أهلنا ** والسابغات إلى الورى نتسربل


    إنا لنضرب رأس كل قبيلة ** وأبوك خلف أتانه يتقمل


    الأخطل كان يدخل على عبد الملك ويقول:


    إذا ما نديمي علني ثم علني ** ثلاث زجاجات لهن هدير


    خرجت أجر الذيل تيهاً كأنني ** عليك أمير المؤمنين أمير

                  

02-08-2013, 04:55 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    الفرزدق كان يتخذ فخرا حتى لنفسه، ويحاول أن يدرج الخليفة فيه؛ حتى لا يشتاط الخليفة غضبا عليه، فيقول مثلا في بعض أبياته يتكلم عن مجد العرب عموما ومجد مضر خصوصا وكلاهما من مضر البيت الحاكم من بني أمية أو بنو تميم يقول:


    لنا العزة القسعاء والعدد الذي** عليه إذا عُد الحصا لا يتخلف


    ويتكلم:


    فبيتان بيت الله نحن حُماته ** وبيتٌ بأعلى إلياء مشرّف


    فلا عز إلا عزنا قاهرٌ له ** ويسألنا النصف الذليل فينصف


    ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا


    وهذا أعظم ما قيل في الفخر، وكانت تساعده لغته، مفرداته، مع البيت الذي هو ينتسب إليه لأن جده كان يفدي الموءودات في الجاهلية.and


    ظهر شعر الغزل وأخذ ضربين: ضرب يسمى بالشعر العذري؛ لأنه كثر في قبيلة يقال لها بني عذرة، وهؤلاء كان فيهم تعفف كان فيهم حياء يتشبب (يتغزل)؛ لكنه يتخذ محبوبةً واحدة ثم يمنعه الدين، يمنعه الحياء، يمنعه العفاف أن يأتيها حراما، فيصبح الشوق في القلب، وتصبح الرغبات مدفونة عنده، فيُخرجها شعرا، هذا النوع أو هذا المنحى في الأدب عُرف بالغزل العذري، هؤلاء يأتي في مقدمتهم قيس بن الملوح الذي عُرف تاريخاً بمجنون ليلى:


    أراني إذا صليت يممت نحوها ** بوجهي وإن كان المصلى ورائيَ


    فوالله ما أدري إذا ما ذكرتها ** اثنتين صليت الضحى أم ثمانية


    يقولون ليلى بالعراق مريضة ** ألا ليتني كنت الطبيب المداويَ


    وقد خبروني أن تيماء منزل ** لليلى إذا ما الليل ألقى المراسيَ


    فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ** فما للنوى ترمي بليلى المراميَ


    في قصيدة اسمها المؤنسة وهي طويلة جدا، يائية، طبعاً زيد فيها يقيناً وأنقص منها من حفظ الرواة؛ لكن لها أصل يُعتمد عليه، وذكرها في أشعاره وأخباره شهيرة؛

                  

02-08-2013, 05:45 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    متابعة... العذريين
    ظهر جميل بثينة ومن شعره:
    ألا ليت ريعان الشباب جديد ** وعهد تولى يا بثين يعود
    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** بوادي القرى إني إذا لسعيد

    إلى أن قال:
    يقولون جاهد يا جميل بغزوة ** وأي جهاد غيرهن أريد
    لكل حديث بينهن بشاشة ** وكل قتيل عندهن شهيد
    يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ** ويحيا إذا ما فارقتها فيعود
    وإن قلت ردي لي بعض عقلي أعش به ** مع الناس قالت إن ذا لبعيد

    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    ظهر كثير عزة ولم يكن في معتقده يميل إلى المعتقد السائد في الأمة آن ذاك؛ إنما كان يميل إلى الكيسانية، وهم يرون أن محمد بن الحنفية هو المهدي المنتظر، لكنه قال في عزة أبيات جميلة؛ حتى أنه قال فيها:
    يكلفها الغيران شتمي و لا أرى ** بها هواناً علي ولكن للمليك استذلت
    يعني زوجها يكلفها أن تسبني فتقبل؛ لأنه زوجها.
    يكلفها الغيران شتمي ولا أرى ** بها هواناً علي ولكن للمليك استذلت
    هنيئا مريئا غير داء مخامرٍ ** لعزة من أعراضنا ما استحلت
    ثم ذكر حاله بعدها ولماذا فارقها، قال:
    وإني و تهيامي بعزة بعدما ** تخليتُ لما بيننا وتخلتِ
    لك المرتجي ظل غمامة كلما ** تبوأ منها للمقيل اضمحلت
    فإن سأل الواشون فيم هجرتها ** فقل نفس حُرٍ سُليت فتسلت
                  

02-08-2013, 06:13 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    الغزل - متابعه
    وقال في بيتٍ آخر:
    وجاءني بعيوب عزة نسوة ** جعل الإله خدودهن نعالها
    ولو أن عزة حاكمت شمس الضحى ** بالليل عند موفق لقضى لها

    وهذا أجمل ما قيل في هذا.
    ظهر شعراء يحنون إلى الديار، وهذا من أشهرهم من قال يتكلم عن وجده لمن يحب، فيشبهه بأعرابية في البادية، تعيش في نجد وعندها خيمة، إذا أمست أصبحت يأتيها الرعاء بالحليب، غبوقٌ وصبوح، ثم بقدرة الله تركت تلك الديار، نزحت لأي سببٍ كان، فسكنت دياراً لا تألفها، وأرض لا تعرفها، ولم يأتها أحد بغبوق ولا صبوح، لا في الصباح ولا في المساء، فلا الأهل أهلها، ولا الجيران جيرانها، ولا من كانت تألفهم، ولا الديار هي الديار التي تعيش فيها.قال:
    فما وجد أعرابية قذفت بها ** صروف النوى من حيث لم تك ظنتِ
    تمنت أحاليب الرعاء وخيمة ** بنجدٍ فلم يُكتب لها ما تمنت
    إذا ذكرت نجداً وطيب هوائهِ ** وأهلاً بنجدٍ أرعوت وأرنتِ
    لها أنة قبل العشاء وأنة ** سُحيرًا فلولا أنَّتاها لجُنَّت

    هذا يتعلق بأحداث الشوق
                  

02-09-2013, 06:01 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    ظهر الغزل قلنا الحضري، الغزل الحضري يأتي شاب مسرف على نفسه يتغزل بالنساء، يُمثل عمر بن أبي ربيعة قمة هؤلاء، وله أبيات يصعب قولها على الناس؛ لكن من أكثرها قوله:
    ليت هند أنجزتنا ما تعد ** وشفت أنفسنا مما نجد
    واستبدت مرة واحدة ** إنما العاجز من لا يستبد
    زعموها سألت جاراتها ** وتعرت ذات يوم تبترد
    أكما ينعتني تبصرنني ** عمركن الله أم لا يقتصد
    فتضاحكن وقد قلنا لها ** حسنٌ في كل عين من تود
    حسد حملنه من أجلها ** وقديماً كان في الناس الحسد

    أي ما منعنهم أن يثنوا عليها إلا حسدهم لها، هذا أسرف على نفسه ويُقال أنه في آخر عمره تاب؛ وأنه مرة بعد أن تاب جاءته وليدة، وليدة يعني جارية، فذكرته بأشياء فكأنه حنَّ لكنه لم يرجع، فقال:
    تقول وليدتي لما رأتني ** سلوت وكنت قد أزمعت حينا
    إلى أن قال:
    وذو الشوق القديم وإن تعزى ** مشوقٌ حين يلقى العاشقينَ
    أي إنسان يكون له عهد بشيء ما في زمن الشباب، زمن المراهقة؛ حتى زمن النضج إذا كبر يحن إليه، نضرب مثل، إنسان مولعٌ بالصيد، يُحب أن يذهب إلى البرية فيصطاد، ثم كبر، بلغ الستين، بلغ السبعين، خارت قواه، احدودب ظهره، شاب رأسه، فتح الله عليه في الطاعة، ألف الحرمين، ألف مسجد الحيِّ، جلس ذات يوم مع رجال قادمون للصيد، تذكر أيام سبقت، ودهراً قد مضى، يسأل كيف وجدتم تلك الديار؟ أين صدتم؟ أين؟ أين ؟ ولهذا مر معنا أن دريد ابن الصمة لما قيل له لما قال في أي واد نحن؟ قالوا أوطاس، قال: ذكر أنها تصلح للخيل، تصلح للجري، تذكر أيام أول عندما كان فارساً يعرف تلك الديار، والمقصود قوله:
    وذو الشوق القديم وقد تعزى ** مشوق حين يلقى العاشقين
    وعمر بن أبي ربيعة مخزومي، من بني مخزوم، كان يسكن المدينة ومكة.
                  

02-09-2013, 06:12 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    قصة رجل مع معن بن زائدة
    معن ابن زائدة الشيباني، ويضرب به المثل في الحلم والكرم، وهو أدرك الدولتين الأموية والعباسية، ثم استقر به الأمر أن يكون قريباً من أبي جعفر المنصور، وهو الذي قيل إنه جاءه رجل يختبر حلمه، قال:
    أتذكر إذ لحافك جلد شاة ** وإذ نعلاك من جلد البعير
    قال: أذكر ولا أنساه، قال:
    فسبحان الذي أعطاك ملكاً ** وعلمك الجلوس على السرير
    قال: سبحانه على كل حال، قال:
    فلست مسلماً ما عشت دهراً ** على معن بتسليم الأمير
    قال: يا أخ العرب إن السلام سنة تأتي به كيفما شئت، قال:
    فجد لي يا ابن ناقصة بشيءٍ- وهو ابن زائدة- ** فإني قد عزمت على المسير
    فقال يا غلام أعطه ألف دينار، قال:
    قليل ما أتيت به وإني ** لأطمع منك في المال الوفيرِ
    قال: يا غلام أعطه ألف أخرى، قال:
    سألت الله أن يبقيك دهراً ** فمالك في البرية من نظير
    قال: يا غلام أعطه ألف أخرى، فأماط اللثام وقال: يا معن والله ما جئتك لأطلبك وإنما جئتك لأختبر حلمك لما بلغني عنك، وإن الله أعطاك حلماً لو قُسّم على الناس لكفاهم، فقال: يا غلام كم أعطيته على نظمه؟ قال: ثلاثة آلاف، قال: أعطه ثلاثة آلاف أخرى على نثره، فمضى بها.
                  

02-09-2013, 06:41 PM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    بين الخليفة المعتصم وتميم السدوسي

                  

02-13-2013, 11:17 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    قصة رائعة من كتاب ذكرياتي في البادية للأستاذ حسن نجيلة
    Quote: ودعت في هذه الحياة احباباً كثراً وقفت عند قبورهم حزيناً موجعاً ومازلت عليهم حزيناً موجعاً كلما ذكرتهم- وما اكثر ما اذكرهم- لكني لم اشعر قط بتفاهة الانسان وحقارته ازاء الموت مثلما شعرت بهذا في بادية الكبابيش.
    لست انسى يوم تعالى صراخ نساء الحي من حولي يبكون احد رجال الحي الاعزاء، فاسرعت الي خباء الرجل حيث تجمع عدد غير قليل من النساء والرجال تحت ظلال الاشجار بعد ان فاض بهم
    الخباء الصغير، ونواحهم يصم الآذان... وكانت تلك اول مره احضر فيها مأتماً بدوياً.
    وجلست مع بعضهم على الارض الرملية تحت ظل شجرة باسقة - ولعلي من القلائل الذين قدموا للعزاء دون ان يعلوا صوتهم بالنواح، فقد كان كل من يقدم يبدأ فى البكاء بصوت مرتفع من بعيد قبل ان يبلغالدار وقد غطى عينيه بيديه وطرف ثوبه.... ولعل سبب هذه التغطية الا يكشف امره، أسالت الدموع من عينيه ام انه يصرخ باكياً لمجرد واجب العزاء؟ فإن العزاء عندهم لايكون الا هكذا، نواح متصل كلما قدم قوم جدد على ظهور الخيل او الجمال حتى اذا اقتربوا من الدار هبطوا من دوابهم وأوثقوها ثم اتجهوا نحو المكان للعزاء وقد تعالت اصواتهم بالنواح وايديهم تغطي عيونهم باطراف ثيابهم!
    كنت جالساً ارقب كل هذا واسائل نفسي، ترى كيف يحملون الجثمان؟ واين يوسدونه الثرى وكان لابد ان تدور هذه الاسئلة في ذهني وانا لم اشهد كيف يدفنون موتاهم من قبل، واعرف ان ليس في خيامهم - الا نادراً جداً - هذه ( العناقريب) التى تملأ بيتنا ونحمل عليها موتانا... وقد بدا لي الامر مستعصياً، ففي داخل بيتوهم لاتوجد غير تلك الاسرة الضخمة المصنوعة من الجريد والتي
    لاتصلح اباً لحمل الجثمان، واعرف ايضاً ان ليس هناك مقبرة بالمعنى المتعارف عليه عندنا، ذلك لانهم قوم رحل، لهم في كل آن مستقر جديد في تلك الصحراء المديدة ريثما يتركوه لغيره.
    ولم تطل بي فترة التساؤل حتى جِئ بجمل ضخم يبدو عليه الهدوء، ورأيت بضعة رجال يحملون ( قرفه) كبيرة فارغه.. القرفة هذه تشبه الخُرج عندنا الا انها اكبر منه. تصنع من الياف الشجر او جلد البقر ويعتمدون عليها في خزن حاجياتهم من الذرة خلال تجوالهم - ولم اكن ادري لمَ جاءوا بالجمل والقرفة؟ وزاد عجبي عندما رأيتهم يملأون القرفة بالتراب، ثم احكموا ربطها علي صفحة الجمل وجاء بعضهم "بحويتين" ربطهما على صفحة الجمل الاخرى وترك فراغها الى اعلى حتى اذا تم ذلك دخلوا الي الخباء وعادوا يحملون الجثمان بايديهم الي حيث كان يبرك الجمل. وفي هدوء وضعوا الجثمان على الحويتين المربوطتين على صفحة الجمل الاخرى وضعاً محكماً- ووضحت لي الحقيقة الساخرة والتى لم اكن انتظرها هكذا. ! فعلى جانب الايسر عدلة من تراب وعلى الجانب الايمن الجثمان... عدلتان على ظهر الجمل كلاهما من تراب... تراب طبيعي لايحس بنا ندوسه بارجلنا ونستخف به، وتراب سوي انساناً كانت له حياة زاخرة صاخبة كحياتنا ثم انتهت وتلاشت كأن لم تكن وعادت كومه من التراب على ظهر جمل يهطع بها الى المقر الأخير. !
    وتواثبنا الى جمالنا وخيولنا لنسير خلف الجثمان، وسار القليل منا على ارجلهم، ذلك لأن من عاداتهم دفن موتاهم بعيداً عن الاحياء مما يقتضي ان يسير المشيعون راكبين لبُعد المسافة ومشقة المسير إذ ليس هناك طريق معبد. وركب على ظهر الجمل الذي يحمل الجثمان ابن المتوفي او شقيقه لست اذكر بالتحديد وانما جرت العادة ان يكون اقرب الاقربين للميت، وشدّ ماكان يحزنني نواحه على طول الطريق واكاد لا ازال احس بلذع الحزن في قلبي كلما طافت بذهني تلك الصورة الموجعة لذلك الفتى ينوح من اعماق قلبه باكياً وهو على ظهر الجمل الذي يحمل الجثمان ويردد .... وو..... وو.... الخراب جاني... وو ... الحزن جاني...! وهو يمد في احرف الكلمتين في نغم حزين، وأيّ خراب ابشع واوجع من الموت!
    وفي كل مآتمهم كنت اسمع هذا النواح الموجع يرددونه رجالاً ونساءاً... وهل حياتنا مهما امتدت وحفلت بالسرور والمرح الا الي الخراب؟؟ وهل نحنا مهما كنا الا الي التراب؟.
    لقد احسن البدويون بفطرتهم السليمة اختيار " قرفة" مليئة بالتراب يعادلون بها الانسان الذي يحملونه الي نهايته فلا شئ قط غير هذا التراب يعدل الانسان. وبلغنا الي حيث ارادوا أن يوارى الجثمان، وليست هناك مقبرة بالمعنى الذي تعرفه، انما هناك انه منذ عام كذا، وعندما كان الحي ينزل قرب هذا المكان دفن فلان او فلانه، عند تلك الشجرة او قرب ذلك التل الصغير، فلا بأس ان يجاورهم اليوم هذا الزائر الجديد...وصلى على الجثمان - لحسن حظ الميت- ووري الثرى، لاجديد هنا الا مارأيتهم يفعلونه عقب الدفن، اذ عمدوا الى الاحجار الضخمة يردمون بها القبر ولم يتركو جانباً منه الا غطوه بالاحجار الثقيلة، وسألت لم يفعلون هذا؟ ونظر اليَّ من بجانبي وتجلت الدهشة على وجهه لجهلي وهو يقول.. انها الضباع والذئاب يخشون منها ان تنبش القبر وتنهش الجثة ان وجدت الي ذلك سبيلاً.
    الا ما احقر الانسان واهون امره وان ظن في نفسه القوة! وتذكرت اني في البادية حيث نقاسم الحيوان سكناه، وطافت بذهني صورة من ذلك الصراع الدموي بين البدوي وجاره الحيوان فأيهما ظفر بالآخر صرعه واكله، لا اختلاف بينهما في ذلك وترحمت على المتنبئ عندما اشار الي هذا الجوار الذي لا حرمة فيه ولا رعاية لود او اخاء:
    جيرانها وهم شر الجوار لها :::: وصحبها وهم شر الاصاحيب
    وانتابني انقباض شديد وانا انظر خلفي الي ذلك القبر الموحش حيث دفن الرجل وتخيلت الضباع والذئاب تحف بقبره وتحاول زحزحة الاحجار عنه، انه - حتى اذا ما سلم من هذا المكان، انهم لفاعلون ذلك غدا او بعد غد فما يطيق البدويون البقاء في مكان واحد اباً... وساءلت نفسي ترى ماذا اذا حانت منيتي هنا واودعت هذا القبر الموحش حيث لا يعودني احد، ولا انيس من حولي وقد اكون نهباً للضباع؟... ان المقابر في المدن والقرى تجاور الناس، ومن يدري فقد يؤنس الموتى دبيب الحياة من حولهم وبعض ذاكريهم يلمون بهم احياناً. اما هنا فلا طارق الا من حيوان ضارٍ والا هذا الصمت الموحش.
    وكدتُ ارثي نفسي كما فعل مالك بن الريب الذي قيل انه صاحبَ سعيد بن عثمان بن عفان عندما ولاه معاوية خراسان، وكان مالكاً كارهاً لهذه الصحبة التي ستبعده من اهله في بادية البصرة- وفي الطريق اناخوا للقيلولة فلدغته افعى، فأحس بدنو أجله وجزع ان تعاجله المنية في ذلك القفر الموحش بعيداً عن زوجته وبناته واهله، فرثى نفسه بقصيدة مشهورة تعد من عيون الشعر العربي، استهلها بتساؤل اللهِف الملتاع... وادي الغضا اتراه يعود اليه ويبيت فيه ليله وينعم به؟
    الا ليت شعري هل ابيتن ليلة *** بجنب الغضا ازجي القلاص النواجيا
    ويلتفت مالك حوله فلا يجد من يبكي عليه في ذلك القفر سوى سيفه ورمحه وفرسه الاشقر، وقد تخيله يجر عنانه ليرِد الماء بلا ساقٍ بعد ان فقد صاحبه!.
    تفقّدتُ من يبكي عليّ فلم اجد *** سوى السيف والرمح الرُدينيّ باكيا
    واشقر خنذيذ يجر عنانه £££ الي الماء لم يترك له الدهرُ ساقيا

    ويقول لصاحبه من حوله: ان دنا الموت فانزلاني برابية ولا تتعجلا مفارقتي بل ابقيا معي يوماً او بعض ليلة... ويطلب اليهما ان يحفرا قبره باطراف الاسنة وان يوسعا له في الارض ذات العرض فلا يكون قبره ضيقاً!.
    فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابيه إني مقيم لياليا
    أقيما علي اليوم او بعض ليلةٍ *** ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا
    وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا *** لي السدر و الأكفان ثم ابكيا ليا
    وخطا بأطراف الأسنة مضجعي *** وردّا على عيني فضل ردائيا
    ولا تحسُداني بارك الله فيكُما *** من الأرض ذات العرض ان توسعا ليا
    خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
    وقد كنت عطّافاً اذا الخيل أحجمت *** سريعاً لدي الهيجا إلى من دعانيا
    يقولون ( لاتبعد) وهم يدفنوني £££ واين مكان البعد الا مكانيا
    غداة غدٍ يالهف نفسي على غدٍ£££ اذا أدلجوا عني وخلفت ثاوياً

    ولم يمت مالك بن الريب من لدغة الثعبان تلك ولست ادري أكان ساخراً عندما قال انه باع الضلالة بالهدى وسار في جيش ابن عفان
    ألم ترني بعت الضلالة بالهدى £££ واصبحت في جيش ابن عفان غازيا
    ولكني كنت اردد هذه المرثية كلما شهدت قبرا في ذلك القفر الموحش، وكلما شهدت ثعبانا من حولي ، وما اكثر الثعابين حولنا. فكلما نزلنا مكانا جديدا واقمنا خيامنا نفرت من حولنا ثائرة. فيلقى الواحد منا اكثر من ثعبان كل يوم بالقرب منه او في سريره او حذائه او في طريقه، واني لأعجب كيف سلمت من لدغتها وقد تعرضت للمئات منها خلال سنوات عملي هناك، ولكن عناية الله ودعاء من خلفنا وراءنا يذكروننا في صلواتهم وقرآنهم بقلوب عامرة بالايمان، اثابهم الله الجنة
                  

06-17-2013, 05:41 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    في مدخل الحمراء كان لقاؤنا *** ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
    عينان سوداوان في حجريهما *** تتولد الأبعاد من أبعاد
    هل أنت إسبانية؟سائلتها *** قالت:وفي غرناطة ميلادي
    غرناطة؟وصحت قرون سبعة *** في تينك العينين بعد رقاد
    وأميّة راياتــــــــها مرفوعة *** وجيــــــــــادها موصــــــــــــولة بجياد
    ما أغرب التاريخ كيف أعادني *** لحفيدة سمراء من أحفادي
    وجه دمشقيّ رأيت خلاله *** أجفان بلقيس وجيد سعاد
    ورأيت منزلنا القديم وحجرة *** كانت بها أمي تمد وسادي
    والياسمينة رصّعت بنجومها *** والبركة الذهبيّة الإنشاد
    ودمشق أين تكون؟قلت :ترينها *** في شعرك المنساب نهر سواد
    في وجهك العربيّ ،في الثغر الذي *** مازال مختزناً شموس بلادي
    في طيب "جنات العريف"ومائها *** في الفل في الريحان في الكباد
    سارت معي والشعر يلهث خلفها *** كسنابل تركت بغير حصاد
    يتألق القرط الطويل بجيدها *** مثل الشموع بليلة الميلاد
    ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي *** وورائي التاريخ كوم رماد
    الزخرفات أكاد أسمع صوتها *** والزركشات على السقوف تنادي
    قالت:هنا "الحمراء"زهو جدودنا *** فاقرأ على جدرانها أمجادي
    أمجادها! ومسحت جرحاً نازفاً *** ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي
    ياليت وارثتي الجميلة أدركت *** أنّ الذين عنتهم أجدادي
    عانقت فيها عندما ودعتها *** رجلاً يسمى طارقَ بنَ زياد[/B/]
    نزار قباني
                  

07-01-2013, 10:47 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)


    بالله اقرو الابيات دي
    أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ ....سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
    وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ .... قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني

    دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ .... وَدَمُ الشَّـهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ

    حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا .... لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ

    ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا .... بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ

    إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى .... أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ

    وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ .... سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّـوفانِ

    فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً .... أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ

    أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي .... أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟

    أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا .... مُتآمِراً أَمْ هَـادِمَ الأَوْثـانِ؟
                  

08-18-2013, 11:35 AM

محمود سيد أحمد

تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عذب الحديث (من روائع التراث العربي.. قصص، شعر، نوادر..الخ) (Re: محمود سيد أحمد)

    تلفَتُّ نحو الحيِّ حتّى وجدْتُني $$ وجِعتُ مِنَ الإصغاءِ ليتاً وأخْدَعا
    بكتْ عينيَ اليُسْرى فلمّا زجرْتُها $$ عنِ الجهْل بعد الحِلْمِ أَسْبلتا مَعا
    وأذكرُ أيّامَ الحِمَى ثم أنْثني $$ على كَبِدي منْ خشْيةٍ أنْ تَصدّعا
    فليْستْ عشيّاتُ الحِمَى برَوَاجعٍ $$ عليك ولكنْ خَلِّ عيْنيْكَ تَدْمَعَا
    قِفا ودَّعا نجْداً ومنْ حلَّ بالحِمى $$ وقلَّ لنجدٍ عندنا أنْ تُودَّعا

    الصمة القشيري
    ديوان الحماسة - باب النسيب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de