|
الصادق المهدي: كون لجنة برئاسة نائبه فضل الله برمة لدراسة بدء الاعتصامات والعصيان المدني !!
|
المهدي لـ «الشرق الأوسط»: ما يحدث في السودان هو «المناظر» وليس «الفيلم»
زعيم «الأمة» السوداني المعارض أكد أن «التسخين» الذي أدى للاحتجاجات لن يبرد.. وسيؤدي لعصيان مدني قريبا
الصادق المهدي الخرطوم: أحمد يونس قلل رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس حزب الأمة المعارض، الصادق المهدي، من إمكانية خمود شعلة المظاهرات السودانية، لبقاء أسبابها، بيد أنه اعتبرها «تسخينا» تلقائيا يشوبه حماس الشباب وغضبهم من ممارسات النظام وأخطائه السياسية. وقال المهدي في حواره مع «الشرق الأوسط» إن حزبه كون لجنة برئاسة نائبه فضل الله برمة لدراسة بدء الاعتصامات والعصيان المدني الهادف لتغيير نظام الحكم، وأكد ضرورة رحيل النظام وإقامة نظام حكم انتقالي بديل عنه. واعتبر المهدي ما سماه «سفك الدماء والعنف المفرط الذي واجهت به أجهزة النظام المتظاهرين السلميين» تغييرا نوعيا في طبيعة الأوضاع في السودان، يعزز المطالبة برحيل النظام، وقال إن حزبه يرتب المطلوبات لقيام نظام جديد عبر الاعتصامات والمظاهرات بصورة واسعة ومخططة. ولم يستبعد المهدي وجود أيادٍ في السلطة أو في غيرها شاركت فيما سماه عمليات «الشغب» التي لازمت الاحتجاجات، خاصة في اليوم الأول، وطالب بتكوين لجنة تحقيق محايدة لتقصي مزاعم التخريب التي يوجهها النظام للمحتجين، ويحاول تبرير عنفه غير المبرر عبرها.
* تواصلت الاحتجاجات والمظاهرات في السودان لأكثر من أسبوع، وقُتل فيها المئات واعتقل الآلاف.. ماذا سيحدث بعدها في نظرك؟
- ارتكب النظام من الأخطاء ما يبرر المطالبة برحيله، وأصدرنا مشروعا لنظام جديد ملحقة معه «تذكرة التحرير»، وما ارتكب في البلاد أدى لانفصال الجنوب، وحريق دارفور، والتدهور الاقتصادي، وتشويه الإسلام والعزلة الدولية، وهي كافية كمبررات لهذا الموقف.
لم تستعد الحكومة لانفصال الجنوب، وعندما حدث، اتخذت قرارا بإصلاح اقتصادي يقوم على أربعة أركان (خفض المصروفات، دعم الإنتاج، فرض هيمنة الإدارة المالية على المال العام، وأخيرا رفع الدعم عن المحروقات)، وفشلت في ثلاثة أركان، ونفذت الآن ركنا واحدا، وفي تقديرنا هو غير مجدٍ، لأنه يحمّل الشعب أخطاء النظام السياسية والاقتصادية، ويرفع كل الأسعار بصورة كبيرة، في وقت كبرت فيه حالة الفقر في البلاد جدا. لذا حدث رفض تلقائي بالمظاهرات التي تعد الأكبر في تاريخ النظام من حيث ضخامتها وحماستها ورفضها لهذه الإجراءات.
* بماذا تختلف الاحتجاجات الحالية عن غيرها؟
- دخل في الأمر سفك دماء مدنيين، كما أن عناصر داخل المؤتمر الوطني ومؤسسات الدولة أصبحت تؤيد ضرورة الإصلاح، والجبهة الثورية التي تعمل على إسقاط النظام بالقوة يمكن أن ترى ضرورة تغيير خطها والرهان على الحل السياسي، فالحل العسكري يقسم المعارضة في الوقت الذي يوحدها فيه الحل السياسي. وبعد أن كانت الأسرة الدولية تضغط لحلول ثنائية بين النظام والقوى المسلحة ضده، صار مجلس السلام الأميركي والاتحاد الأوروبي يتحدثون بلغة واحدة تتمثل في حل بشكل شامل وقومي.
وهذه روافع إذا عملت موحدة يرجى تحقق أحد الخيارين ضمن مشروعنا، إما انتفاضة على سنة الانتفاضات التاريخية في السودان، أو اقتناع النظام بمائدة مستديرة تؤدي لحال شبيه لما حدث في جنوب أفريقيا (الكوديسا) وخريطة طريق لنظام جديد بالتراضي.
* البعض يرى أن الدم الذي سال يحول دون الجلوس مع النظام؛ هل ما زالت فكرة المائدة المستديرة مع النظام قائمة بالنسبة لحزب الأمة؟
- نحن نقول: لا بد من رحيل النظام وإحلال نظام جديد، فإذا جاءت فرصة بأن يتحقق هذا فلا أظن أن عاقلا يرفضه، ما سفك من دماء وارتكب من مظالم في جنوب أفريقيا كان كبيرا جدا، لكن مع هذا أمكن الاتفاق، فإذا سلم النظام في أي مرحلة من المراحل بضرورة الرحيل وإقامة نظام جديد، فلا يوجد عاقل يقول: لا. ونحن لا نريد أن يحدث لنا ما يحدث في سوريا، ولا الكثير من بلدان الربيع العربي التي تشهد مواجهات قد تخرب بها بلادها، وفي أي مرحلة يقتنع النظام بضرورة الرحيل وإقامة نظام جديد، يجب على القوى السياسية قبول خريطة طريق هذا النظام الجديد.
* هل تتضمن فكرة المائدة المستديرة والجلوس مع النظام السكوت على الجرائم الكبيرة التي يرى المعارضون أنها ارتُكبت؟
- من الضروري جدا اعتماد مبدأ العدالة الانتقالية، وفي هذا تجربة قامت بها جنوب أفريقيا مفيدة، وهي «الحقيقة والإنصاف»، فإذا كان هناك اتفاق فلا بد من مخاطبة ما حدث في إطار آلية مشابهة للعدالة الانتقالية.
* يقال في «تذكرة التحرير» إن حزبكم جمع ثلاثة ملايين توقيع تطالب بإسقاط النظام، هل تم توجيهها للمشاركة في الاحتجاجات، أم ماذا ستفعلون بها؟
- لا أستطيع الجزم بالعدد، لأنه لم يجرِ إحصاء بعد، لكن الحزب كون لجنة عليا من سبعة لإدارة الأزمة برئاسة فضل الله برمة، وستصدر التوجيهات التي تتضمن موقف حزب الأمة من التطورات، وهناك بيانات باسم حزب الأمة «كلها كلام فارغ» لا تمثل إلا الجهة التي أصدرتها.
* يرى الشباب أن حركتكم كقوى سياسية أقل في سرعة استجابتها للتحديات، ويتساءلون متى ستلحقون بهم؟
- الشباب قد يفعلون شيئا يغلب عليه الحماس والغضب، لكن هذه هي «المناظر وليس الفيلم»، لكنا نسير بخطى محسوبة نعتقد أن فيها الثمرة، لأن الموضوع ليس ماذا تريد، بل ماذا تحقق، وهذا يحتاج لحساب الهدف والواقع وإمكانية تحقيق الهدف، نفهم حماس الشباب لكنا نسير وفق خط مدروس وممنهج.
* بعض شباب الحزب وجماهير الأنصار شاركوا في المظاهرات والاحتجاجات؛ هل يشاركون بصفاتهم الشخصية أم صدرت لهم أوامر حزبية بالاشتراك؟
- هم يتحركون ضمن سياسة الحزب العامة، وهو يرى ما حدث انفعالات تلقائية من جماهير حزب الأمة ومن غيرهم، لكن «المخطط بتعليمات محددة آت»، وموقف الحزب من نظام جديد ورحيل النظام ومذكرة التحرير معروف.. الهيئة المسؤولة من إدارة الأزمة ستخطط خريطة الطريق، ونحن ندين العنف الذي واجه هؤلاء الشباب والشغب الذي صاحب الأحداث، لكن التوجيه بما ينبغي فعله آتٍ.
* ألا تخشون من إحباط جماهيركم إذا أحبطت الإجراءات الأمنية المشددة المظاهرات؟
- أسباب ما حدث موجودة لا يمكن القضاء عليها، وطالما كانت الأسباب موجودة ستتحقق الأهداف، فالحيثيات ضد النظام وفشله كثيرة جدا؛ الأزمة الاقتصادية موجودة، والحالة موجودة، لأن هذه الإجراءات ليست حلا، «لذا نحن لا نتوقع أن يبرد هذا التسخين»، لكن حتى إذا برد، ما دامت الأسباب موجودة، فلن تنتهي الأزمة إلا بإزالة الأسباب التي تكمن وراءها.
* من تجربتكم الطويلة مع هذا النظام، الذي بدأ باستخدام آخر ما عنده من القوة والعنف المفرط، هل تعتقدون أنه سيستمر في ممارسة العنف ضد المحتجين؟
- النظام نفسه يدرك أن المواطنين عندهم الحق في التظاهر والمعارضة السلمية، وهو يحاول تبرير ما يفعل بالشغب الذي حدث، لكنه في جوهر الموضوع يعترف بحق المواطنين دستوريا وإنسانيا في التعبير السلمي عن رؤاهم.. صحيح أنه استخدم قوة مفرطة وقتل نحو المائة وجرح واعتقل أعدادا كبيرة، وفي السودان والعالم عموما النظام الذي يلجأ لسفك دماء العزل يفقد شرعيته، وفي الحرب هنالك مغالطات بشأن ماذا حدث، وإن كان النظام نفسه مساءل أمام المحكمة الجنائية الدولية حول حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن الذي حدث الآن في الخرطوم وغير الخرطوم والاستخدام المفرط للقوة ضد العناصر المدنية أدى لشحن الغضب الشعبي بصورة غير مسبوقة.
* ما رأيك الشخصي في زعم النظام أن التخريب حدث ليس بسبب الغضب، لكنه بفعل عناصر مدسوسة؟
- دائما في مثل هذه الظروف تغيب الحقيقة، لكن جوهر الاعتراضات كانت مدنية وسلمية، ولا يستبعد أن تكون هناك جهات تابعة لجهة ما في السلطة أو في جهات مخربة أو مجرمة تستغل هذه الظروف، خصوصا في اليوم الأول، أما الأيام التي تلته كانت الأشياء غالبا غير متسمة بأي شغب. وعلى الرغم من وجود قتل فيما بعد اليوم الأول فإن ظاهرة الشغب اختفت.
* البعض يعتقد أن تخوفات المعارضة من انفلات الأمن تؤخر عملية التغيير، ويرون أن الأمن منفلت أصلا؟
- الخوف من التفلت موجود، لكن استمرار النظام الحالي بالسياسات الخاطئة القائمة على الانفراد والعناد سيقود إلى التمزق وانفلات الأمن والتشظي والتدويل، لذا نحن نسير بحذر؛ ما زال هناك خلاف حول النظام البديل. نحن طرحنا هذا، وننتظر توقيع الناس عليه منذ أكثر من سنة، لكن حتى الآن نتفاوض وسنصل، لكن هذا يفسر لماذا نحن نسير بخطى محسوبة، خشية أن يكون في البديل مساوئ ما حدث في دول الربيع العربي.
* ألستم خائفين أكثر مما يجب؟
- نحن نرى ما يحدث في دول الربيع العربي، والعاقل من يتعظ بغيره، ونحن أمامنا السودان وليس غرفة أو منزل الوطن، لا نعتقد أننا نسير بخطى أبطأ مما يجب، نحن واثقون من أننا نسير بخطى محسوبة ومدروسة، وصحت كل تقديراتنا.
|
|
|
|
|
|