عقلية فتيح العقليين.. د. عبد الله علي إبراهيم الثلاثاء 1 إكتوير 2013م
لا يستغفل بالموت إلا زنيم. فليس حتى الثوري، أو من يظن أنه كذلك، مأذوناً بالهرج حيال الموت. فخبر استشهاد من لم يستشهد الذي ذاع قبل أيام مزايدة. وكان يمكن أن نعده هفوة ولكن تكرر الخوض في مصرع من لم يصرعوا بعد. وآخرها شهيد أم بدة قبل سنوات. وعليه صح القول ربما أننا نرسل إلى الموت من لا نكترث لذهابه ولا بمن خلّف بعده. فكله من أجل القضية. أما ما أحزنني حقاً فهو تنصل الحكومة عن مقتل العشرات ممن راحوا فداءً. فأشارت بأصبع الإتهام إلى الجبهة الثورية وجهات غامضة أخرى لتخرج من هذه المذبحة كالشعرة من العجين. ويظن من يطلق مثل هذا الهراء أنه يكفيه أن يغالط فيكسب. وهذا أكثر مظاهر الهرج لؤماً بوجه الموت. يستغرب المرء لنظام بنى هذه الآلة العاتية من الأمن والشرطة وقوات الإحتياطي المركزي وشرطة المجتمع وقوات الدفاع الشعبي وطوائف أخرى من "كاسري التظاهرات"، خفية وغير خفية، لحماية نظامه ثم إذا حمته في مثل أيامنا هذه، وخاضت الدم في سبيل ذلك، تَعَذر وصار يحدس ممن يكون القاتل. من أنصع ما سمعت خلال كارثة السيول قول أحدهم أنه لو قامت مظاهرة في أي ميدان خلال تلك الايام لأخرجت الحكومة جنوداً نراها وأخرى لا نراها "بالهبل". ولكن عز وجودهم والوطن يغرق، يغرق. لم أسمع بقوات مسلحة ولا أياً من ترسانة الموت (سوى الدفاع المدني المكلف) وضعت أياً من أفرادها أو آلياتها أو معيناتها تحت تصرف شعبها الممحون مرتين: بما يغدق عليها قطعاً في الجلود ثم بتخانة جلدها حين حلت به المصيبة. موقف قوى القوات النظامية قاطبة من كارثة السيول مظهر من اعتزال هذه القوى عن الشعب (أو محاولة عزلها في امتيازاتها أو سكنها). إنها نهج الثكنة التي سميتها "بعقلية فتيح العقليين" حيث لا جار إلا من سيحارب معك الشغب في يوم قريب. أعد النظام من رباط رباطيه ثم لما أدوا واجبهم على أكمل وجه نسب فعلهم لغيرهم. من يقرأ صفحة المحاكم سيجد خلية من الطلاب الرباطين أمام القضاء لتربصها بخصم سياسي، ونزعه من الحافلة في طريقه إلى أهله، وأخذه إلى ما سموه "بيت النمل" في جامعتهم، ثم عذبوه، وأطلقوا سراحه بوعيد أن يصمت عما حدث له. لم تنتظر هذه الخلية حتى يشغب خصمها السياسي فتسكته. لقد سبق سيفها العزل. أفضل صور تنصل الحكومة عن الغدر بالمتظاهرين قولها بالتخريب المبرمج أو النهب الفالت. ولست في وضع للحكم على دعواها ولا هي تستطيع يقيناً الحكم كذلك. ولكن النهب الفالت سمة لتردي الأمن في الخرطوم ناهيك عن نيالا مثلاً. فقد بدأت أقرأ مؤخراً في المحاكم عن عصابات مسلحة بالسواطير بشكل رئيس تهاجم حفلات الأعراس والبيوت للسرقة. ولا ينبغي أن يكون ظهور مثل هذه الجماعات في التظاهرات "غير القانونية" مفاجئاً للأمن. فقد صاروا بعض حقائق اللاطمأنينة في المدينة ومظهراً من مظاهر أخذ "الحق" باليد. لقد أعدت الحكومة قواها الأمنية والشرطية لنجدتها في يوم كريهة كأيامها هذه ثم أنجزت هذه القوات المهمة على خير وجه. ولكن خانت الحكومة الشجاعة لتتملك قتلى تلك الجردة. وهذا جبن بوجه الموت وهرج. أو هو رمق أخير من خجل ذاوي. قرأت من قريب قصة تحذر من أن تعلف الجانب الخطأ من مسألة ما. قيل إن فتاة ما ظلت ترى ذئبين يتعاركان في حلمها. فأطلعت والدها على شقائها بهذا الحلم المتكرر. فقال لها في تفسيرة إن الذئبين يمثلان قوتين واحدة للشر والأخرى للخير. فسألت الفتاة: ومن سينتصر على الآخر؟ قال والدهها: الذي تطعمينه"!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة