|
رسالة مفتوحة للدكتور نافع علي نافع "2" /المحبوب عبد السلام
|
رسالة مفتوحة للدكتور نافع علي نافع "2"
وَ لـَن تَـجـِد لِسُنـة اللهِ تـبـديـلا المحبوب عبد السلام [email protected] بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ لصديقه الشيخ يظللهما معاً سقف المعتقل الكافوري: هل كنت تعلم أن القرار في أول الثورة أن أبقي شهراً في المعتقل ولكني بقيت ستة أشهر؟ .. قال الصديق : لا أعلم .. قال الشيخ: هل كنت تعلم ان المجموعة العسكرية ناضلت حتي تجتمع إليَّ ولكنها لم تفز بذلك إلا بعد سبعة اشهر علي الثورة؟.. قال الصديق: لا أعلم.. قال الشيخ هل كنت تعلم أنني قط لم أصل وزير في وزارته مباشرة أو عبر الهاتف إلا من يأتني منهم طواعية من ذات نفسه ؟.. قال الصديق: لا أعلم.. خرج الصديق وخابت وساطته وأوصد المعتقل الكافوري علي الشيخ وكتبه وأوراقه والأقلام ..
لقد أعاد إنقلاب 12/12/1999م الوعي إلى كثيرين ولكنه أدى - كذلك - إلى تجلي سُنن الإنحراف بأسرع مما مضى إليه الخيال وكأنهم كانوا ينتظرونه على الأبواب، وما أن زعم الزاعمون من (كبار) (العلماء) (الأجلاء) أن الدستور الذي سالت لأجله دماء غزيرة وأرواح كثيرة وناضلت في سبيله بالخطى والأظافر والأسنان أجيال منذ منتصف القرن إلى أخرياته مُجرد ورقة و أن (أُخـُوّتــَنا) هي المهم الأهم ، حتي توالت بقية الظواهر والمظاهر.. تبددت لجنة رأب الصدع دخاناً ابيضاً علي كراسي الوزارة وظهرت طبقة (العلماء) و(القضاة) و(الوعاظ) تدعم الإنقلاب وتسوق المبررات للصامتين علي الأرصفة من هول الصدمة أو من خوف الأشرار أو لِمجبنة الرِزق وشِركه، وتزودهم على نحو مستمر بالرضى الزائف عن النفس واللامبالاة وتهيئهم للإنزلاق في مستنقع الفساد. إن الإنقلاب قد حوَّل المشروع الإسلامي التاريخي لحركة الإسلام إلي حالة سلبية ساكنة ، فالبرنامج الإسلامي المؤسس علي الإجتهاد المبدع والمفاعلة بين الأصول و الواقع - كما حدث مثلاً في الإستراتيجية القومية الشاملة - لم يـَعُد له وجود ولا يكاد يَهم أحداً أو يخطر علي بال التنفيذيين الحكام أو علمائهم المزعومين ، وهو علي أحسن وجه ألا تأتي بما يخالف الشريعة - وهو كثيراً ما يحدث - لا أن تستلهم عند كل توجه . كما إن محاولة إحالة الأمين العام إلى مـُرشد روحي ، كشفت هي الأخرى عن جهل مريع بالإنحراف العلماني في التاريخ الإسلامي و الذي برز خاصةً منذ سقوط بغداد في القرن الثالث عشر وتمكن عسكرية آسيا الوسطى الأُوقازية والتركية والفارسية من إغتصاب السلطة وتحويل الخليفة إلي ظل أو بالأحرى موظف في بلاط السلطة، دوره إضفاء الشرعية الروحية علي النظام العلماني بينما تتحكم في الدولة مصالح الطغيان بكل ما يشوبها من فساد وفسوق ونفاق . كما أنبأت تلك المقترحات - جلوس الشيخ في المنزل وإضفاء البركات علي عمل الجماعة المغتصبة - عن جهل بكل تجربة لحكم معاصر وعن فقر محزن في تقدير المؤهلات العلمية والعملية الخاصة جداً التي توفرت بإجتهاد عظيم لشخصية مثل حسن الترابي ، وتم إلحاقه ببساطة وإستخفاف بعلماء العصر العباسي الأخير الذين كتبوا الأحكام السلطانية و التي يعشقها أصحابنا دون أن يقـرأوا نصها أو يفقهوا عهدها ، أو وضعه في أي طابق من طبقات ود ضيف الله .
إن التقاعس عن الإدانة الشاملة للإنقلابات العسكرية في الدولة العباسية لإعتبارات أنها في النهاية حافظت على كيان الخلافة السنية في وجه الإجتياح الشيعي الإسماعيلي، من قبل مثقفي الإسلام – ساعتذاك - هي المَوئـِل التاريخي الذي تعودإاليه حالة التردي المزري و التخلف المخزي الذي تعيش فيه أمة الإسلام اليوم وليس الجذور البطريكية كما يزعم مُرجفة الثقافة الغربية . لقد مهد أولئك العلماء الطريق للطغيان و إكتفوا بإسداء النصائح النظرية الباردة إليه و إنتشر الطغيان بجذوره على سطح الأرض و إستطالت شجرته تتساقط أوراقها على كل ألوان الفساد ، أما علماء اليوم فقد تقاعسوا حتى عن النصيحة .
أما تأييد الإمام ذي الشوكـة يعني وفقاً للتاريخ الإسلامي - الذي نـَظَـر له الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية و أوضح من ذلك في كتابه الدعـاء للسلطـان - يعني تأييد كل من يقوم بإنقلاب عسكري ، وهي نواة التطور الطبيعي لنظرية العهـد المملوكي ( كل إمام هو ظل الله في الأرض) وهي - كذلك - نفس النظرية التي سادت في عالم النصرانية الأوربية و هبت في وجهها ثورات الحرية و الإخاء و المساواة . لقد إستعمل ( إبن الجماعـة ) في القرن الثالث عشر الميلادي عبارة (نحن مع الفاتح) وهو نفس الموقف الذي وقفه تلامذة الشيخ المجدد (نحن مع الساحق) ، و توسعوا في بيان موقفهم (نحن مع السلطة لأن السلطة حلوة خضرة فيها المناصب والمكاتب والمنازل والتذاكر والمراكب .. مالها السـلطـة!؟) .
****
وإزاء الإستخزاء الفقهي والنفسي واصلت الجماعة الأمنية بقيادة الدكتور نافع علي نافع مخططها في الإستيلاء التام علي الحركة الإسلامية وتركيز القيادة والقرار في محورهم فقط . نعم سبق للدكتور نافع أن خاض معركة المركزية الآحادية علي مستوى الأجهزة الأمنية وها هو يتوسع بالمشروع ليشمل الحركة كآفة وقد حَـوّلـوا له أُسود المجابهة والمجاهدة إلي قطيع من الضأن .
أما أن لا يتقاسم الوطن كله سلطته وثروته عبر منظومة حـَقـَة من اللامركزية فهذه ريح عافية لم تغشى خيالهم القاصر المريض ، وبدلاً من إعتماد نظرية الحكم الراشد التي فصلتها الإستراتيجية القومية الشاملة 1992- 2002 وأصّـلـَها دستور 1998 قبل سنوات من تبنيها من قبل الأمم المتحدة ، أغرقوا الحركة والسودان كله في المـماحكات الشريرة التي يتـقـنـونها و يـدمـنـونـها .. " الفاتح عروة أشرف علي إعدام إخواننا في يوليو 1976 فكيف نأمنه علي خويصة أجهزتنا الخاصة " .. " عثمان السيد مثل أخيـه عملاء أمريكان لا يمكن أن ندعهم ينعمون بإنتصار تحرير أريتريا و أثيوبيا " ، و الحـُجـة حاضرة أن (أسياس) مثل (مِـلس) نصارى بالميلاد وماركسيين بالإنتماء ولا يألون جهداً في تصفية المـسـلـمين .. ولأن الإنقاذ من أخطر ما أصابت به الحركة الإسلامية فساد الطوية القيادية التي صورت لهم جميعاً أن لكل منهم واجب هو السيادة المطلقة فيما عهد إليه من مسؤوليات و مؤسسات و ولايات وقد أحاطت بهم أوهام البَطـَل وتلبستهم دونكوشياته فلم يجرؤ أحد على السؤال فضلاًَ عن المساءلة والمحاسبة . فلم يسأل أحد الأبطال الذين يعلمون كل شئ ، عن نظرية تركيز الأجهزة الأمنية في جهاز واحد ، والسائد في العالم كله أن تبسط لكل جهة إستخباراتها و أن التعاون لا يشمل الأجهزة الأمنية في البلد الواحد من البحرية إلى الطيران إلى الشرطة ، بل أن التنسيق يتصل عبر الحدود القطرية بين البلاد ذات الجوار و التوجه الواحد في الأفكار و السياسة و الإقتصاد . بل لم يسأل أحد أين كان الفاتح عروة في يوليو 1976 وماذا كانت وظيفته ، وما الذي يجعل عثمان السيد يضع كل خبرته في خدمة نظام إسلامي صارخ وصريح .. وللمرة تلو المرة مضت جماعة الدكتور نافع علي نافع تسبح عكس تيار الأصول الفكرية للحركة بل و تصدها بكل ما أمكن لها من قوة .. الحركة الاسلامية السودانية تيار وطني إستيعابي منفتح يؤمن أن الطريق لمن صدق وليس لمن سبق ، وجماعة الدكتور نافع تؤمن بأن كل من يعهد له بموقع في حدود دولة السودان ذات المليون ميل مربع و الملايين الثلاثين من السكان أن يمر عبرهم لِيـُوَثـَق عندهم بالجرح والتعديل ، بل الجرح والجرح فما أبعد العدل عن موازينهم الغارقة في الشخصية والذات .
وكما ورطت المركزية الشخصانية الذاتوية السودان في المآزق التي وصفتها في المقال السابق ، بددت حلم القرن الإفريقي الآمن الكبير .. لم تصلح الجماعة حال المسلمين في أريتريا و أثيوبيا وأنى لها و ما ينبغي لها ولكنها خربت علاقتها بالسودان وأتاحت لمعارضتها فرصةً من ذهب علي أرض من ذهب ، و إستيقظت الإنقاذ علي مدافع أثيوبيا و قوات الجيش الشعبي و المعارضة على خاصرة الشرق في الكرمك وقيسان ، ثم إمتدت اللعنة و استطالت و لتندلع الحرب من جديد بين أثيوبيا و أريتريا ، وبدلاً من أن يكون السودان هو الجيب الآمن الذي يحفظ كلا الجارتين عن الإلتحام و الإشتعال أضحت كلاهما تبحث عن جيب آمن يفصلهما عنه ، و جدته أثيوبيا في الكرمك و قيسان و وجدته أريتريا في همشكوريب .. والسؤال ما يزال يطرح نفسه علي نحو تلقائي كيف حدث هذا ؟ وعند السيد عثمان السيد والسيد الفاتح عروة الأخبار اليقين فكلاهما رغم عمَالـَتـَهـُما المزعومة التي سارت بها ركبان جهاز الأمن في سنوات منتصف التسعينات أضحيا وما يزالا من ثوابت الإنقاذ و بعد أن تبددت الأخريات .
وقبل أن يقف رياك مشار في قاعة ايمانويل سنتر (بـِبـمليكو) في جنوب لندن في 2 مارس 2002 وهو يجيب علي الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم حول مغزى العلاقة بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية وبطلب من الدكتور جون قرنق : "لقد عشت مع هؤلاء القوم 32 شهراً عرفتهم في المكاتب والإجتماعات والإحتفالات كما عرفتهم في المقابر والمآتم والملمات ، الإسلاميون مدارس متعددة منهم من يقبل الآخر ويقبل محاورته لساعات وأيام أو شهور مثل الدكتور علي الحاج أو مثل الشيخ الترابي نفسه و منهم من لا تتوقع منه ذلك مطلقاً مثل الدكتور نافع علي نافع والدكتور مجذوب الخليفة ، ولكن للأسف الشديد فإن الشيخ يظهر وكأنه يمثل الجميع وهذه ليست الحقيقة ".
قبل ذلك بوقت طويل وقف تعبـان دينق في قلب جمـلون المؤتمر الوطني ليقول : "عندما جاء إلينا الشهيد الزبير في الغابة وطلب من الفصائل الجنوبية الحضور للخرطوم وإنفاذ برنامج السلام من الداخل قلت لزملائي الجنوبيين أن معرفتي بالإسلام تؤكد لي شيئاً واحداً أن الذي يلتزم الإسلام لا يمكن أن يكذب و من هذه البداية فإن الشهيد الزبير وجماعته صادقون لكن واقع رحلتنا مع الإنقاذ أثبتت أن ذلك ليس كذلك .. أما أغربه أمر لم نقرأه في العلوم السياسية ولم نشاهده في السياسة بل لم نسمع به حتي في قصص وحكايا أهلنا هو أن يضرب الحليف حليفه !!؟؟ ".
ويقصد السيد تعبان دينق تصفية إثنين من وزرائه في (بانتيو) و(ربكونة) وثلاثة عشر من حراس كواج مكوي في شمال بحر الغزال و ضرب قوات رياك مشار في مناطق النوير وإستدراج القائد كاربينو كوانين من نيروبي بعد أن إستعملت عناصر جهاز الأمن الأموال لإسقاط مرشحه فاوستينو أتيم والياً لولاية وآراب ، ثم تركته في العراء ليلقي مقتله في أعالي النيل في تراجيديا كاملة مثل خاتمة لقصة السلام من الداخل وميثاق الخرطوم للسلام وإتفاقها ، وجسدت الصراع والتآمر البشري داخل الأسرة الأيديولوجية الواحدة ولو كانت الإسلام ، وصورت بجلاء كشف معنى العهد و الميثاق والصدق لجماعة جهاز الأمن داخل الحركة الاسلامية ، وبقي فقط أن يعود تعبان دينق إلى الخرطوم و يحكم للمرة الثانية بدخول جحر الإنقاذ و الخروج منه بسلام دون أن يلدغ و أن يوالي حقه الذي يكفله دستور 1998 لأيما سوداني في الترشيح و الإنتخاب ، ولكن أصوات الجماعة الأمنية جاءته وَفيّة لنبرتها القديمة : "هل تحلم يا تعبان بالفوز في دائرة جبل أولياء و تنصب نفسك زعيماً للمدينة بأصوات النازحين .. الدائرة خالصة للسيد عبد الباسط سبدرات والموت لمن ينازع الشمال صفائه العرقي علي تخوم الخرطوم ..!! " . وقد وقعت كل تلك الوقائع من قبل القوات المسلحة السودانية علي حلفائها الفصائل الموقعة على ميثاق الخرطوم للسلام و إتفاقية الخرطوم للسلام وبتدبير و إشراف كامل من عناصر جهاز الأمن ولذات المماحكات الشريرة ضمن العملية المستمرة لما يتوهم أنهم (الأعداء) الشخصيين دون أدني إعتبار لما يعرف بمشروع الحركة الإسلامية الحضاري الذي سيشمل الأسوَد والاحمَر والبَر والفاجِر من كل دين ما داموا ضمن حدود الوطن الذي تأسس علي فكرة المواطنة.. وإذا كان الفاتح عروة وعثمان السيد هم الأعداء (عملاء الــCIA قبل أن تصبح الــCIA فضلة خيرهم) في ضرب حلم القرن الإفريقي الكبير المتكامل المتراحم ، فإن الدكتور علي الحاج محمد هو العدو الذي أختير برعونة مدهشة لتوجه إليه سهام المؤامرة لإجهاض مشروع السلام من الداخل والذي كانت الإنقاذ تطمح أن تكمل به إستقرار الجنوب وهي على الشاطي المقابل لنمولي .. و ضرب الحلفاء الذي أشار إليه تعبان دينق ليس أكثر من مزاعم المجموعة الأمنية أنها مصممة على حرمان الدكتور رياك مشار من قيادة جيوش الجنوب لأنها بزعمها هي التي خلقت القوات الصديقة من العدم ولن تسلمها لرياك ولن تدع الدكتور علي الحاج يهنأ بإكمال حلم السلام .
وقد قدر الله للدكتور علي الحاج أن يغادر ساحة الإنقاذ إلي ساحة الدنيا الواسعة ويلقى السودانيين على إمتداداتها وقد شـَتَّ بهم الشتات ، ولكنهم لم يفقدوا حاسة التمييز الدقيق بين الأشياء و الأشخاص و المواقف ، فكانوا يلقونه بالترحاب ويدعونه إلي بيوتهم أو يجلسون إليه حيثما إتفق وعند نهاية كل حوار مع سودانيّ الشتات هناك قصة بطلها جهاز الأمن : الذي أخذ من مكتبه في الجامعة إلى مخزن يَغـُصّ بصفائح الجازولين والبنزين ففقد القدرة علي التنفس وخرج مغشياً عليه إلى المستشفي ثم إلى المطار ثم لم يعد حتي اليوم إلى السودان .. والذي قضى 9 أشهر في كوبر ولم يسأل حتى عن إسمه ثم خرج و خرج ، والذي ضُرِب حتى فقد بصره و هو اليوم كفـيف ، و الذي أقتيد أبيه بدلاً عنه و الذي حبست سيارته والذي سُبـَت أمُه وأخـُته .. ثم قصص بيوت الأشباح . كل هذا حدث بإسمنا و إسم دولة الإسلام .. ومن سودانـيـيـن نحو سودانـيـيـن .. يـا لـلهول ، ولم يعدم أباطرة الجهاز من فقهاء الضلالة من يُجـَوّز لهم التعذيب لا سيما للكافر و الشيوعي ..
مـا أعتـي غـُبـنـَك يا وَلـَد
و أعدَل قضيـتـك و أعظمَا
ما تـَرَجـِع السيف الجـَفـيـر
و الدُنـيـا فايرة مـُصادمة
قـُبـَال تـَجـيـب تـَار البـَلـَد
رِيح الـعـوارِض تـهـزمـه
تـَطـرُد مـع إبـلـيـس الأخير
دُعـاة الضلال مِن جَـنـَتـَك يـا أدمه
نواصل ...
|
|
|
|
|
|