دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 10:56 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-15-2013, 03:24 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار

    تقترب الذكرى السنوية الاولى لرحيل الاستاذ بشير بكار المفاجىء فى 22 يوليو 2012
    ارجو ان يكون هذا البوست محاولة لاحياء ذكراه العطرة والترحم عليه كما ارجو من جميع القارئات والقراء المهتمين بالمساهمة

    استهل البوست بإعادة نشر مقال كنت قد كتبته بخصوص هذا الرحيل الفاجعة:


    فى أربعينية الراحل المقيم الأستاذ بشير بكار


    فى صبيحة الجمعة الموافق 22 من يونيو الماضى إنتقل الأستاذ بشير عيسى بكار ، رئيس حركة حق الى الرفيق الأعلى أثر علة لم تمهله طويلا، لكن رحيله المفاجىء لم يمنع الأعداد الكبيرة من السودانيين المقيمين بالولايات المتحدة الامريكية من التقاطر لحضور العزاء وتشييع الفقيد الى مثواه الاخير بمقابر المسلمين بمدينة نيوجيرسى الامريكية ، كما لم يمنع تلك الاعداد المهولة من تسجيل كلمات العزاء الصادقة هاتفيا او كتابة فى الأسافير.. وحسنا فعل مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتمنية البشرية حينما خصص أمسية الأربعاء الموافق الأول من أغسطس لتأبين هذا الانسان النبيل فى أربعينيته. فقد كان الراحل المقيم عضوا مهما فيه منذ التأسيس.
    إرتبط الاستاذ بشير بالهم الوطنى منذ بواكير حياته ويشهد بذلك نشاطه فى المدرسة الثانوية وكلية التربية جامعة الخرطوم، من خلال الارتباط بقضايا العصر واقتناعه المبكر بضرورة تسخير مبادىء ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان حتى تكون جزءا لا يتجزأ من المشهد السودانى شديد التنوّع، وقد تبنى مسألة إعادة بعث قيم التسامح الدينى من خلال حركة إصلاح المفاهيم الدينية الاسلامية ، ومناهضة الافكار الدينية التقليدية، وكان قد عبّر عن هذا التصالح وذلك الإنتماء من خلال إلتزامه بالفكر الجمهورى، لذلك لم يكن مفاجئا أن يكون من ضمن أول من تم فصلهم للصالح العام ، او ما أصطلح على تسميته بكشوفات الشرف، حينما فصلته (الإنقاذ) من وزارة الخارجية بعيد إنقلابها المشئوم على النظام الديمقراطى فى نفس العام 1989 م، تطبيقا لشعارها الشهير القاضى بإحتضان الولاء قبل الكفاءة مثلما كانت قد تنادت بأن المواطنة لا حقوق لها مثل تلك التى للمعتقد!.
    انتقل بعدها المرحوم بشير للعمل بالولايات المتحدة ثم كان أن إلتحق بالامم المتحدة موظفا حتى وفاته، قام خلالها بأداء مهام جليلة فى مكاتبها بمدينة نيويورك وقبلها فى بعثات السلام فى الصومال والصحراء الغربية أهلته لبلوغ مناصب قيادية فيها .. وقد ترافق النجاح المهنى نجاح اخر أسرى شاركته فيه رفيقة حياته الأستاذه زينب الحاج وأبنائه سارة، أحمد، عازة ومحمد..
    اما على المستوى السياسى فقد ظل بشير قابضا على جمر القضية الوطنية منذ مجىء إنقلاب الانقاذ حيث ساهم فى تاسيس التجمع الوطنى الديمقراطى المعارض فى الولايات المتحدة الامريكية عام 1990م، ثم كان ضمن المؤسسين الأوائل للمنظمة السودانية لحقوق الانسان بالولايات المتحدة فى العام 1992م ، ولأنه كان يحلم بتأسيس حزب ديمقراطى مبرءا من تشوهات الطائفية وخاليا من السدانة الايديولوجية، فقد ساهم فى تأسيس حركة القوى الحديثة بالولايات المتحدة الامريكية ، ثم سعى الى توحيد حركته فى اخريات دافعا بذلك حلمه خطوات الى الامام، ولم يكن مستغربا ان يلعب دورا محوريا فى توحيد حركة القوى الحديثة بالولايات المتحدة مع حركة حق الناشئة فى بريطانيا وحركة القوى الديمقراطية بكندا فى تنظيم واحد جامع، وذلك حينما إستضاف ممثلين عن حق بالمملكة المتحدة وكان على رأس هؤلاء الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان ، و ممثلين عن حركة القوى الديمقراطية بكندا ، وقد عقد هؤلاء مؤتمرهم الشهير فى جامعة هوارد بوشنطون دى سى فى اغسطس عام 1995م ليعلنوا عن ميلاد حركة القوى السودانية الجديدة (حق) آنذاك.. ويجمع المراقبون على أن شخصية بشير التى إتسمت بالمرونة، والاخلاص والصبر، وسعة الافق وسلامة الطوية، إضافة الى دماثة اخلاقه، هى التى ساعدت على انجاح ذلك المؤتمر .
    ثم كان أن قاد بشير لواء التوحيد مرة اخرى داخل الحركة حينما سعى بنجاح من أجل اعادة توحيد شطرى حركتنا (حق) بعد الانقسام الشهير الذى حدث مع نهاية الالفية. إننا فى حق نتجه لإقامة تأبين آخر فى الذكرى الاربعين لرحيل الأستاذ بشير عن دنيانا ، ليأتى مشاركة مع أسرة المرحوم لهذا الشرف بتمبول أيام عيد الفطر المبارك انشاء الله ..
    ونحن إذ نفتقد الأستاذ بشير، فإننا لا نفعل ذلك لكونه كان شعلة من النشاط فى حركة حق فحسب ، وقد كان الرجل متوقد الذهن كثير العطاء، كريما وشجاعا وصادقا، ونستطيع ان نقول انه كان أفضلنا إتساقا فى كلما يتعلق بتلك الصفات النادرة حتى يكاد ينطبق عليه قول المرحوم الخاتم عدلان الشهير: إنه كان يجمع بين الإستنارة الليبرالية وجماعية وسماحة شيوخ العرب. وقد كان بشير عليه رحمة الله بمثابة يقين صوفى لمشروعنا الليبرالى كنا نحتاجه دائما ونلجأ اليه حينما تدلهم الخطوب خاصة فى المنعطفات الحرجة، لإدراكنا التام بأنه كان دائما قادرا على أن يضيف إلينا شيئا من اليقين والثبات بديلا عن الشك والتواضع الذى يحتمه المشروع، ولذا فإننا وفى حرصنا على هذا التابين إنما نحاول أن نستدعى سيرته العطرة كى نستمد منها القوة والطاقة والروح من أجل تجديد إلتزامنا بالحلم المتعلق ببناء الحزب الديمقراطى المرتجى فى الساحة السياسية السودانية، ونعاهد انفسنا بالسير فى الطريق الذى سار فيه الراحل العزيز من أجل المشاركة الفاعلة فى ازالة المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ..
    اللهم ارحم بشير وتقبله تقبلا حسنا يليق بعطائه اللامحدود من أجل أن تسود قيم الحرية والفضيلة والكرامة الانسانية .

    طلعت الطيب
    عضو المجلس القيادى فى حق
                  

06-15-2013, 04:10 PM

معتصم احمد صالح
<aمعتصم احمد صالح
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    الاخ/ طلعت الطيب لك التحية والإحترام
    شكرا على فتح هذا البوست الهام بمناسبة سنوية الراحل الأستاذ الإنسان بشير عيسى بكار، نسأل ‏الله أن يغفر له ويرحمه ويعفو عنه ويكرم نزله وينقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب ‏الأبيض من الدنس، كما نسأل المولى عزّ وجل أن يزده إحسانا ويمنحه العفو والغفران وأن ‏يبارك له في ذريته ويحفظ أسرته الكريمة من كل شر وبليّة وأن يُيَسِر لهم حياتهم ومعيشتهم. لقد ‏تعرفت على الأستاذ بشير بكار بمدينة نيويورك منذ عقد ونيف من الزمان، ولا أبالغ القول أن ‏الراحل بشير بكار أحد أكبر المفكرين لمستقبل زاهر للسودان، وقد بذل جهدا فوق العادة في ‏الكتابة تخطيطا ورسما للإستراتيجيات والسبل اللازمة لتحقيق تغيير حقيقي في السودان، ولذلك ‏كان حاضرا في المحافل والمناسبات التي أقيمت من أجل السودان لا سيما في الخارج، لقد كان ‏الراحل مهموما بقضايا الوطن ولم يدخر جهدا في المساهمة برأيه فكره وماله ووقته لوقف نزيف ‏الحرب في السودان وتحسين حياة البؤساء في معسكرات البؤس والشقاء لا سيما في دارفور، ‏كان دوما يسأل عما أصبح عليه النازحين واللاجئين وكيف امسوا ، قاد الراحل الحراك الوطني ‏السوداني في نيويورك وشارك بفاعلية في كل الأنشطة السياسية التي أُقيمت في المدينة وأسس ‏مع رفاق له "لجنة دعم شباب الثورة في السودان" وأُختير رئيسا لهذه اللجنة ، نظمت اللجنة تحت ‏قيادته عدد من المظاهرات والندوات وأصبحت الوعاء السياسي الوحيد لجموع السودانيين في ‏منطقة نيويورك الكبرى وظلت اللجنة مستمرة بنفس الإسم حتى بعد وفاته وفاءا للراحل المقيم ‏بشير بكار‎.‎
    الاستاذ بشير بكار مثال للوطني الغيور ،فهو دمث الاخلاق ، حسن المعشر، كريم ، مخلص ، ‏وفي ، حنون، وشجاع ، مفكر بارع ، تتسق أقواله وأفعاله دوما ، لا يعرف المكر والخبث ولا ‏الخيانة ولا يقبل بالغيبة ولا النميمة، لقد إفتقدناه فقدا لا تعويض له ، ألا رحم الله حبيبنا بشير ‏بكار وأدخله فسيح جناته مع الأبرار

    مودتي‎..‎
                  

06-15-2013, 04:28 PM

معتصم احمد صالح
<aمعتصم احمد صالح
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: معتصم احمد صالح)

    اللهم أغفر له وأرحمه، وعافه وأعفو عنه.. وأكرم نزله‎ ‎ووسع مدخله.. وأغسله بالماء والثلج والبرد‎..‎ونقه من الذنوب والخطايا كما ‏يُنقى الثوب الأبيض‎..‎اللهم جازه بالحسنات إحسانا.. وبالسيئات عفواً وغفرانا‎..‎اللهم أنزل على قبره الضياء والنور..اللهم لا ‏تحرمنا أجره ولا تَفتِنا بعده وأغفر لنا وله‎ ....‎اللهم أجعل قبره روضة من رياض الجنة..اللهم بيّض وجهه.. ويَمِّن كتابه.. ويَسِّر ‏حسابه‎..‎وليّن ترابه.. وطيّب ثراه.. وثبته على الصراط‎..‎اللهم أجعله يمر على الصراط كالبرق الخاطف‎..‎اللهم اظله تحت ظل ‏عرشك‎..‎يوم لاظل إلاّ ظلك ولا باقٍ إلاّ وجهك‎..‎ولا تحرمه النظر إلى وجهك الكريم.. والشوق إلى لقائك‎..‎اللهم احشره تحت لواء ‏نبيك محمد صلى الله عليه وسلم‎..‎واسقه من يده الشريفة الطاهرة.. شربة هنيئة مريئة‎..‎لايظمأ بعدها أبدا.. وبلغه شفاعة الحبيب ‏المصطفى‎..‎اللهم اجعل القرآن العظيم شفيعا له في قبره‎..‎وشاهدا له في الآخرة.. وحجة له يا رب العالمين‎..‎اللهم اجعله من ‏السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب‎..‎اللهم اسكنه في الفردوس الأعلى من الجنة مع نبينا‎
    و حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم‎..‎اللهم اسكنه في قصورها.. واسقه من أنهارها.. وأطعمه من ثمارها‎..‎اللهم اخرجه من ذنوبه ‏كيوم ولدته أمه.. واعتق رقبته من النار‎..‎اللهم اقض عنه كل دين‎..‎اللهم أبدله دارا خيرا من داره‎ ..‎وصحبا خير من صحبه‎ ‎‎..‎واجعل له من بعده صدقة جارية .. وعلم ينتفع به‎ ..‎واجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة‎.‎‏.برحمتك يا أرحم الراحمين‎ ..‎يا ‏أرحم الراحمين .. يا أرحم الراحمين‎ ..‎وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين‎
    وانا لله وانا اليه راجعون‎,,,,‎

    (عدل بواسطة معتصم احمد صالح on 06-15-2013, 04:32 PM)

                  

06-15-2013, 04:35 PM

معتصم احمد صالح
<aمعتصم احمد صالح
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: معتصم احمد صالح)

    Quote: بشير بكار – ياتيه رزقه من (الوارد) رغدا منهمرا من نبع (التنوع)

    هذا المقال هو (1-3) فى محاولة متواضعة لتناول شخصية فقيدنا المرحوم بشير عيسى بكار الذى وافته المنية فى الايام الماضية — فقد زاملناه فى جامعة الخرطوم فى سبعينيات القرن الماضى وجمعتنا رابطة الفكر الجمهورى — وانتهز هذه السانحة لتقديم العذاء لكل الاخوان الجمهوريين والاخوات ولزملائه وزميلاته فى وزارة الخارجية السودانية – وزملاء النضال الوطنى فى التجمع وحركة (حق) – ولعلى بهذه السلسة اقلل من (نار فقدى) لهذا الانسان الغير قابل للنسيان.

    (الوارد) فى ادبيات الجمهوريين يعنى الالهام – او رزق الكلام (الطازج) من (عند الله) كما قالت العذراء عندما سؤلت عن مصدر رزقها. الاخ (الشيخ) بشير بكار سيظل حيا فى وجداننا وذلك من خلال عطائه الثر المتنوع فى الفكر والسياسة والاب والابداع – وسوف ابدا بحول الله بالادب والنقد.

    نقد المرحوم العرفانى الساخر لمطلع قصيدة (قلبى لعلم الاله باب)

    فى ذات ليلة – وفى جمع من الاخوان تناول فقيدنا الاديب الناقد مطلع قصيدة الشيخ عبد الغنى النابلسى بالنقد – بما معناه – وقد طال الامد – ان مطلع القصيدة ينطوى على جفاف (باب – وحجاب) ومطلع القصيدة يقول:

    قلبى لعلم الاله باب — — وما له دونه حجاب

    ومعلوم فى الادب العربى ان مطلع القصيدة هو الذى يشهى فى التوغل داخل ابياتها – و فى البحث عن مكنوناتها – لذلك فى اغلب الاحيان يبدا الشاعر قصيدته بالغزل كنوع من (المقبلات). فالباب والحجاب ليست كلمات فرائحية – الباب لم يتم (نجره للدخول ابدا) وانما القصد منه دائما هو الصد والغطاء والجفاء والحرمان والمنع من الدخول . لذلك قرا الاستاذ بشير بكار كلمة(باب) من نبع التنوع باللغتين: العربية وبلغة الهوسا – (للعلم اللغة العربية ولغة الهوسا من(قبيلة لغوية) واحدة – فلغة الهوسا مثلا فيها التانيث والتذكير مثل اللغة العربية تماما) .

    وشاهدنا ان شيخنا الاديب (الساخر) قرا كلمة(باب ) الواردة فى مطلع قصيدة النابلسى (قلبى لعلم الالة باب) بلغة الهوسا – وتعنى كلمة (بابو) (مافى) او (غير موجود) و تعنى (معدوم) – والعدمية هى الكلمة المناسبة لكلمات (الجفا) التى استهل بها النابلسى قصيدته التى نثبتها هنا ادناه كاملة لسهولة المراجعة.

    واذا تجاوزنا مطلع القصيدة وغصنا فى اعماقها نجدها مليئة بالعرفان والجواهر مثل :

    ونحن قوم إذا أردنا أرشـدنا الدف والرباب
    ونحن روح الجميع صرنا وذهب المـاء والتراب

    الاستاذ بشير بكار مسكون بالتنوع – فهو يتحدث العربية والانجليزية والفرنسية – لذلك ياتيه (الوارد) من السماء من عين التنوع – ومنبع الاختلاف فى الالسن والالوان – ايات بينات محكمات .

    احى بهذه المناسبة الباشمهندس عبدالله فضل الله الذى يؤدى هذه القصيدة بلحن فرائحى غطى على عيوب المطلع المشبع بالكلمات الجافة (باب وحجاب).

    ابوبكر القاضى
    الدوحة

    [email protected]
                  

06-15-2013, 04:38 PM

معتصم احمد صالح
<aمعتصم احمد صالح
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: معتصم احمد صالح)

    قلبي لعلم الإله باب
    عبد الغني النابلسي

    قلبي لعـلم الإله باب وماله دونه حـجاب

    وكل أحـوالنا تناجى وكل إدراكنا خطاب
    وكل أرواحنا عمار وكل أجسـامنا خراب

    وكل معقـولنا كؤوس وكل محسوسنا شراب
    وكل أعدائـنا سؤال وكل أحبابنا جواب

    وكل وقت لنا دنو وكل حيـن لنا اقتراب
    وكل شئ له إلينا من حيث معـروفنا اقتراب

    وكل لفـظ لنا رسول وكل معـنى لنا كتاب
    وروحنا للسوى حسام يخفيه من جسمنا قراب

    ورؤية الحق جل فينا وليس فيها لنا ارتياب
    والشمس في الأفـق ذات نور وان بدا دونها السحاب

    ونحن قوم إذا أردنا أرشـدنا الدف والرباب
    ونحن روح الجميع صرنا وذهب المـاء والتراب

    ونحن حـق ونحن خلق ونحن قوس ونحن قاب
    وكشفت وجهها سليمى وانهتك الستر والنقاب

    وراق خمر الوجود منها ونحن من فوقه حباب
    وحاصل الأمر كل شىء سوى إله الورى سراب

    الملف
    إنشاد بصوت
    من تسجيل

    ثنائى النور وعبد الله

    http://www.alfikra.org/munshid_view_a.php?munshid_id=21
                  

06-16-2013, 07:25 PM

معتصم احمد صالح
<aمعتصم احمد صالح
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: معتصم احمد صالح)

    الراحل بشير بكار
                  

06-16-2013, 07:53 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: معتصم احمد صالح)

    الاخ العزيز
    معتصم
    التحية والتقدير للمداخلات القيمة والثرة فى ذكرى إنسان عزيز
    ارجو ان يكون هذا البوست على الصفحة الاولى طوال هذا الشهر
    سأعود قطعا بالمفيد
                  

06-17-2013, 00:29 AM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    obituary.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    لكم التحايا أعزائي

    طلعت ومعتصم

    والسلام والرحمة يغشيان روح صديقنا الراحل، الرجل الفذ، القامة، الحكيم، النبيه، والنبيه الماهل: بشير عيسى بكّار ..

    اللهم تغمّده بواسع رحمتك، وابدله دارا خيراً ممّا فارق من ديار، .. لله ما أعطى ولله ما أخذ .. وإن القلب ليحزن في مرور عام على فقد بشير، وتدمع العيون.. العزاء لكم والبركة فيكم، وقي آله جميعا ..
                  

06-17-2013, 03:55 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: محمد أبوجودة)

    لا أعرف الكثير عن بكار غير سعة الصدر والحلم والصفح الجميل والنفس البارد
    والإستعداد اللامتناهى للتفانى والبذل وذلك من مكالمه تلفونيه واحده جمعتنى
    به والأستاذ المرحوم متوكل مصطفى حسين والأمر كان عن الوطن - كان مشروعا
    بضمائر حية ولكنها ذهبت إلى ربها نسأله ونتبتل إليه ونتوسل إن تكون راضية
    عنها ومرضية بخالق الكون وفالق النوى ويا ليتنى كنت أعرفه قبل ذلك ولكن
    معرفتى بصنوه المتوكل مكنتنى من معرفة كنهه ونكهته اللهم أرحم بشير بكار
    والمتوكل مصطفى حسين برحمتك التى وسعت كل شئ وأغدق عليهم من لطفك المطلق
    وأكرمهم بفردوسك الأعلى يا رحمن الدنيا والآخره ورحيمها.


    شكرا طلعت على الوفاء لمن يستحق وشكرا لك عارفا وفاعلا له

    ولك ولأسرتك الصغيره والكبيره صادق السلام والمنة والتقدير




    منصور
                  

06-17-2013, 06:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    Quote: تقترب الذكرى السنوية الاولى لرحيل الاستاذ بشير بكار المفاجىء فى 22 يوليو 2012

    سلام يا أستاذ طلعت وشكرا على كل شيء
    من الواضح أن المقصود يونيو ليس يوليو
    أستأذنكم في وضع هذا المقال هنا
    وترجل الفارس الحر
    د. عمر القراي
    قبل ساعات من مغادرة الدنيا الفانية، قاوم الإرهاق، والتعب، باصرار غريب، حتى كتب كتابه الأخير إلى الشعب السوداني، وكأنما خطه بآخر أنفاسه، وصاغه بمداد روحه الطاهر.. هاجم فيه الحكومة بسبب الغلاء الطاحن، ودعا إلى إسقاطها، وحث الشعب على الثورة، ودعا الأحزاب والمنظمات للتضامن، من أجل ذلك الهدف النبيل، وطالب القوات النظامية أن تنحاز إلى شعبها بدلاً من جلاديه، وأطلق بيانه للأثير، ولسان حاله يقول: (هاكم اقرءوا كتابي) ثم أخلد إلى الوفاة !! هكذا بهذا المستوى الرفيع من حسن الخاتمة، أنهى الأخ بشير بكار، حياته الخصبة العامرة، بأرفع مواقف النضال !!
    عندما سمعت خبر وفاة بشير، قفز غالى ذهني بيت العارف :
    تمنيت على الزمان محالاً أن ترى مقلتاي طلعة حر
    فقد عرفت بشير من الأحرار، وهم ندرة شحيحة بين خيار الناس، لا تستذلهم الشهوات، ولا تستهويهم المطامع، ولا يرهبهم بطش الطغاة، ولا تتعلق هممهم إلا بعظائم الأمور.
    حين عثر الجمهوريون على بشير في مدينة ودمدني، في أواخر ستينات القرن الماضي، وقدموا له كتبهم اشترى كتاباً واحداً، هو كتاب (الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين)، قرأه في نفس اليوم، ثم خلع خيامه، وقفل صفحة ماضيه، وسعى إليهم حتى لحق بهم !! كان ذلك، وهو بعد، طالب في مدرسة حنتوب الثانوية، يقود حركتها الثقافية، في الشعر، والأدب، والمسرح، والعمل السياسي العام .
    ولما جئنا إلى جامعة الخرطوم، واشتد بها نشاط الجمهوريين، في منتصف السبعينات، كان الأخ بشير بكار يقود وحده حركة الجمهوريين في كلية التربية !! وكان معارضو الفكرة الجمهورية، يسخرون منه، ويسمونه (بكار رابطة الفكر الجمهوري) !! لأنه كان يكتب الصحيفة الحائطية وحده، ويعلقها وحده، ويحرسها من تمزيق الاتجاه الإسلامي وحده، ويقيم ركن النقاش وحده، ثم يقطع مقابر شرفي راجلاً مساء وصباحاً، كل يوم، ليرفع تقرير حركته الفردية، العامرة، للأستاذ محمود، في الثورة الحارة الأولى !! وما لبثت حركته الدؤوبة أن أثمرت العديد من الطلاب، الذي انتموا للفكرة بسببه، وتعلموا عنها، منه، ومن هؤلاء د. الباقر العفيف، و د. عبد الله عثمان، والأخ محمد علي المليح، رحمه الله، وغيرهم .
    الذين عرفوا الأخ بشير بكار، يعلمون انه كان دائماً هادئ الطبع، قليل الكلام، يتحدث بصوت خفيض، ولكنه كثير العمل، ويقضي جل وقته في حركة دائبة، لا يكل ولا يمل .. ثم انه كان من انفع الناس للناس، وأكثرهم سعياً في مصالحهم العامة والخاصة، فما أعرف من إخواننا أحداً، جاء إلى أمريكا بعد بشير، إلا وقد ساعده بشير، حتى استقر.. وكان في ذلك، يبذل من نفسه، ووقته، ويوزع ماله يمنة ويسرة، وكأنه يقوم في تلقائية ويسر، بواجبه الحياتي الطبيعي، في كرم لا يعرف الادخار، وقلب في الإنفاق لا يعرف التردد !!
    ومع ذلك، فقد كان بشير شديد التواضع، جم الحياء، لا تكاد تحس بوجوده، ولا بمكانته، ولا بمعرفته الواسعة المتشعبة، العميقة .. فإذا تحدث تمنيت ألا يصمت، لسلاسة أسلوبه، فهو ذكي الفؤاد، لماح التعليق، وذو حس عال من الفكاهة، وحسن العبارة، والتأتي للمعنى المطلوب .. ومن أدلة تمتعه بحرية داخلية كبيرة، انه لا يتدخل في حريات الآخرين، ولا ينزع للسيطرة، ولا ينهى ولا يأمر أحدا، وكان وهو قيادي في بيوت الإخوان الجمهوريين، حيث النشاط التربوي اليومي المكثف، يبعد ما أمكن من التوجيه، وإعطاء الأوامر، ويجنح بدلاً عن ذلك، للخدمة، والكنس، والنظافة، والطبخ، وأعداد الأكل والشاي للإخوان والضيوف، في توقير للكبير والصغير !!
    لقد عرف بشير بالشجاعة الجسدية الفائقة، في كل المواجهات التي شهدناها معه، وهي عديدة، ولكن أهم من هذه، شجاعته الفكرية، فهو صاحب رأي، لا يتردد في طرحه والدفاع عنه، وتوصيله إلى كل إنسان، مهما ترتب على ذلك .. فلا اعرف في الساحة السياسية السودانية، أحداً، أنصف نفسه من الناس، بأن أوصل إليهم جميعاً آراءه مثل بشير بكار، وهو في ذلك، لم يستثن حتى الجمهوريين أنفسهم.
    فحين أوقف قياديو الجمهوريين حركتهم، بعد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود- ولديهم حججهم في ذلك- كان بشير، صاحب الصوت العالي في الحوار معهم، والإصرار على استئناف الحركة الجمهورية .. وحين لم يتم ذلك، سعى لتكوين حركة حق، والتحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان همه من كل ذلك، إيجاد منبر، يحمل من خلاله قضية الحق والعدل، كما يتصوره، وقضية الوطن، كما يتمناه .. ولم يكن في عمله السياسي دعائياً، أو شوفونياً، وإنما كان يبغي خير الناس، ما وسعه الوسع، وقد ترجم ذلك في مساعدة من ليس في حقل السياسة من أهله، ومعارفه، وزملائه .. ورغم اختلاف كثير من الجمهوريين معه، في حركته السياسية، ظل بشير يتواصل معهم، في حركتهم الاجتماعية، وكأن شيئاً لم يكن، بل كان يبادر بالمساهمات المادية، ويدعو لها في منبر الجمهوريين الداخلي، ويصل كل أفراد المجتمع، في أخوة ومحبة، تتعالى على الخلافات، ولا تضيق بوجهات النظر المختلفة .. لقد التقط بشير روح الفكرة الجمهورية، في التمييز بين الشخص، وفهمه ومعتقده، حيث ينقد الرأي الخطأ، ويحب صاحبه !! فقد كتب مربي بشير الأستاذ محمود محمد طه، عندما نقد د. الترابي ( إن شخصية الدكتور حسن موضع حبنا ولكن ما تنطوي عليه من زيف وجهل بالاستلام هو موضع حربنا) !! لقد كان الأخ بشير، نموذجاً فريداً، في سعة الأفق، وسلامة الطوية، وحلاوة المعشر، ودماثة الخلق، والقدرة الفائقة، على الاختلاف الفكري، ثم السماع الصبور للمخالف، والحفاظ على الود معه.

    القراي ينعي بشير بكار
    بشير بكار: تجميع لبوستات ومقالات الرحيل المر
                  

06-17-2013, 02:11 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: عبدالله عثمان)

    الاساتذة الاعزاء
    محمد ابوجودة
    منصور
    عبد الله عثمان
    شديد الإمتنان للمرور والمشاركة
    شكرا عبد الله للتصويب واتمنى استمرار تعاطيكم مع البوست
    مع تحياتى للجميع
                  

06-18-2013, 02:25 AM

كمال عباس
<aكمال عباس
تاريخ التسجيل: 03-06-2009
مجموع المشاركات: 17155

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    رحم الله الراحل - بشير بكار-
    فقد كان إنسانا قبل إن يكون سياسيا , لم تسلبه السياسة إنسانيته ولا نبل أخلاقه ولاسمو روحه ولاعفة لسانه, إنحاز بصدق وإخلاص لهموم وقضايا شعبه وللحرية والديموقراطية وكل ما يرتقي بإنسانية الإنسان ويصون كرامته......
                  

06-19-2013, 03:33 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: كمال عباس)

    من مساهمات المرحوم بشير اثناء مدلولات عضوية الحركة حول الورقة السياسية المقدمة للمؤتمر الرابع:



    أكبر كارثة في تاريخ السودان الحديث

    تمثل تجربة حكم المتأسلمين فيما اسموه بثورة الإنقاذ أكبر كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية تحل بالسودان في تاريخه الحديث. فقد فاقت الإنقاذ الاستعمار التركي في القتل والقمع والتشريد والظلم واستباحة الحرمات. كما فاقته في إثقال كاهل الشعب بالضرائب والجبايات الباهظة والإذلال في تحصيلها، مع الحرمان من الخدمات الأساسية المتمثلة في الصحة والعلاج والتعليم ومياه الشرب النقية وفرص العمل. و فاقت الاستعمار الإنجليزي المصري في القمع والاستغلال واستنزاف الموارد. وأصبح السودان في عهدها يصنف في ذيل قائمة أفسد الدول في العالم وأفشلها. وفاقت الإنقاذ جميع أنظمة الحكم المعروفة في تاريخ السودان في مسخ قيم وطبائع الشعب السوداني والوصول بها إلى الحضيض.
    ومن أبلغ الإدانات في تقييم تجربة الإنقاذيين ما كتبه د. الطيب زين العابدين، الأكاديمي المعروف، وأحد أقدم قيادات الحركة الإسلامية في السودان، حيث قال:

    "لم يخطر ببالنا طرفة عين، أننا عندما نحكم قبضتنا على مقاليد الدولة والمجتمع، سنضرب أسوأ مثل لحكم ديمقراطي أو عسكري شهده السودان علمانياً كان أم إسلامياً. فقد حدث في عهد الإنقاذ ما لم يحدث في غيرها من الكبائر: حارب أبناء الشمال لأول مرة مع حركة تمرد جنوبية يسارية كراهية في حكم الإنقاذ، وانقلبت الحرب ضد التمرد من حرب وطنية تحفظ وحدة السودان إلى حرب دينية جهادية ضد الكفار في الجنوب أدت إلى مقتل أكثر من عشرين ألفاً من شباب الإسلاميين، وألبت علينا الحرب الدينية عداء دول الجوار والدول الغربية الكبرى، وانتهى بنا الأمر إلى انفصال الجنوب الذي ظل موحداً مع الشمال أكثر من «150» سنة، وقام تمرد آخر في كل من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان، وارتكبت الحكومة الكثير من الخطايا والموبقات ضد أهل دارفور، مما جر عليها قضايا جنائية دولية طالت حتى رئيس الجمهورية وبعض كبار المسؤولين، واستطاع أحد فصائل تمرد دارفور أن يصل مدججاً بالسلاح إلى قلب العاصمة المثلثة دون أن يتعرض له جيش البلاد المكلف بحراستها وتأمينها، وتبنت سياسة خارجية خرقاء ضد دول الجوار العربي والإفريقي وصلت إلى حد دعم جماعات العنف والاغتيال السياسي، مما أدى إلى عداء مبرر من تلك الدول، وإلى عقوبات دبلوماسية واقتصادية دولية ضد السودان، واستشرى الشعور بالعرقية والقبلية في كل أنحاء السودان بصورة غير مسبوقة، وسعت الحكومة الإسلامية إلى تسييس الخدمة المدنية والقوات النظامية والقضاء والمؤسسات الأكاديمية تحت شعار التمكين، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث، وبلغ الفساد المالي والأخلاقي مداه في ظل حكومة الإنقاذ بممارسات لم نسمع بها من قبل في العهود العسكرية السابقة."
    إن د. زين العابدين لا يصدق ما كان يقوله أهل اليسار، بل في الحقيقة كل معارضي الإسلاميين، بأن الحركة الإسلامية ما رفعت شعارات الإسلام السياسية إلا بقصد استغلالها لتحقيق مآرب مادية دنيوية شخصية وحزبية لا صلة لها بالدين. وذلك في إشارة ضمنية إلى حسن النوايا الذي أتى بنتائج عكسية. وقد قيل إن الطريق إلى النار محفوف بالنوايا الحسنة. وسنتناول في موضع لاحق الأسباب الأساسية التي أدت إلى ذلك الضلال الموبق الذي شهد به أحد قدامي الإسلاميين. وهو ضلال لا يتوقف على الإسلاميين السودانيين وحدهم وإنما يشمل بدرجات متفاوتة جميع حركات الإسلام السياسي والسلفي في العقود الأخيرة ولكن الإنقاذيين في السودان وحركة طالبان في أفغانستان وحكم الملالي في إيران جسدوا أسوأ نماذج واعطوا اوضح فكرة لما يمكن أن يحدث حينما يستطيع أمثال هؤلاء القوم الوصول إلى السلطة والتحكم في مصائر العباد والبلاد.
    إن الحركة الإسلامية بأكملها وجماعة الإنقاذ على وجه الخصوص تتحمل المسؤولية الكاملة عن انفصال الجنوب وتفكك البلاد الوشيك. لأنها جاءت بأجندة صريحة لفصل الجنوب حيث كان في نظرها يمثل العقبة الرئيسية أمام تطبيق الشريعة وقيام الدولة الإسلامية. قال ذلك الرئيس البشير منذ سنوات طويلة "إذا كان ثمن بقاء الجنوب هو إلغاء الشريعة الإسلامية، فليذهب الجنوب". ولم يتحرج البشير في يوم استقلال الجنوب من أن يطلب من الرئيس الأمريكي أوباما أن يفي بوعده لقاء تيسير نظام الإنقاذ لانفصال الجنوب، وقبلها طلب مندوبه في الأمم المتحدة مكافأة السودان لقاء انفصال الجنوب.
    وقد نفذ انقلاب الإنقاذ في وقته المحدد في 30 يونيو 1989 ليقطع الطريق على إجازة اتفاق الميرغني قرنق في البرلمان ومن ثم الشروع في تنفيذه، علما بأن كل ما تضمنه ذلك الاتفاق ، من أجل الحل السلمي لمشكلة الجنوب، هو وقف لإطلاق النار وعقد مؤتمر دستوري في سبتمبر من تلك السنة، ليتفق من خلاله جميع أهل السودان على دستور دائم لحكم البلاد، وتجميد قوانين سبتمبر القمعية وإلغاء الاتفاقات العسكرية الأجنبية المبرمة في عهد نميري لحماية نظامه من الشعب والتي تمس بسيادة السودان. ولم يتضمن الاتفاق أي مطلب أو إشارة إلى تقرير المصير أو الانفصال ولا اقتسام الثروة والسلطة وما إلى ذلك.

    دولة بوليسية وحشية تحت عباءة إسلامية

    لقد جاء النظام الإنقلابي إلى الحكم بدعاوى عريضة وكاذبة بأن عسكرييه قد أقسموا على صيانة وحدة التراب السوداني وعدم التفريط في شبر منه، وبأنه يريد القضاء على الفساد والعنصرية. فكان هو أول نظام بعد الاستقلال لا يفرط في وحدة البلاد فحسب، بل يتعمد تفتيتها ويسومها لكل مشتر. وهذا وحده كفيل بالحكم على زعماء الإنقاذ بالخيانة العظمى، ناهيك عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية الموجهة إليهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي.

    قطع الانقلاب الطريق إلى السلام وعمل على تصعيد الحرب بشكل لم يسبق له مثيل، وجعلها حربا جهادية باسم الإسلام ، يزف شهداؤها إلى الحور العين في احتفالات رسمية سميت بعرس الشهيد. وفي تلك الحرب المدنسة زعم المتأسلمون أن القرود أصبحت تساعد المجاهدين على استكشاف العدو أو أماكن الألغام. ولما طال أمد الحرب ولم يحسمها النظام عسكريا كما كان يتوهم، كان هو أول من عرض حق تقرير المصير على أهل الجنوب. ثم كان توقيع اتفاق نيفاشا، وما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية فالاستفتاء فالانفصال. أنفق النظام على الحرب بلايين الدولارات، وأزهق بسببها أكثر من مليوني نفس من أهل الجنوب وهلك فيها مئات الآلاف من جنود وشباب السودان، وتشرد أكثر من خمسة ملايين من مواطني الجنوب. وكانت النتيجة في النهاية فقدان ثلث البلد بسكانه. بل لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد خلق النظام بسياساته العنصرية الرعناء جنوبا جديدا تمثل في الحروب الدائرة حتى الآن في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. ومات في حرب دارفور وحدها ما يقدر بأكثر من 400 ألف بسبب الحرب وآثارها، وتشرد بسببها حوالي ثلاثة ملايين لاجئ إلى الخارج ونازح داخليا. ومات عشرات الألوف في حرب جبال النوبة والنيل الأزرق، وتشرد مئات الألوف ولا تزال الحكومة تستهدفهم بالقصف العشوائي وتمنع عنهم وصول الإغاثة الإنسانية.
    هذا علما بأن الحكومة هي التي بدأت هذه الحرب بعد أن تنصلت عن تنفيذ آخر بنود اتفاق السلام الشامل المتعلقة بإجراء المشورة الشعبية في الإقليمين وبالترتيبات الأمنية وزورت الانتخابات في جنوب كردفان. بل عندما توصل وفد مؤلف من 43 عضوا من حزب المؤتمر الوطني إلى اتفاق للسلام في أديس في أغسطس الماضي مع قيادة الحركة الشعبية في الشمال، بوساطة وشهادة من ممثل الاتحاد الأفريقي تابو مبيكي، لم يلبث الطرف الآخر من هواة الحرب أن ألغى ذلك الاتفاق في اليوم التالي. وقد تضمن ذلك الاتفاق آخر فرصة لمشروع حل سلمي وشامل ليس لمشكلتي جنوب كردفان والنيل الأزرق فحسب، بل وللخروج السلمي من الأزمة السودانية برمتها لو أن الطرف الحكومي مضى إلى تنفيذه بجدية واهتمام بمصير البلد وشعبه.

    ولم يكتف النظام بتفتيت البلد، بل جعلها نهبا للأطماع الخارجية وأرضا مشاعا للتنظيم العالمي للأخوان المسلمين وشركاته. سكت الإنقاذيون عن احتلال حلايب ثمنا لتجميد قضية محاولة اغتيال حسني مبارك في مجلس الأمن بل ذهبوا إلى إرضاء نظام مبارك ببناء سدود على أرض السودان ، مدمرة للبيئة ومتسببة في نزوح الألوف من السودانيين وفقدانهم أراضيهم بدون تعويضات تذكر، وكل ذلك لحل مشكلة الطمي في مصر وقبلوا بأن تحسب الكميات المتبخرة من حصة السودان المبخوسة أصلا. وبدلا من تشييد سد مروي الذي أقيم بدعوى انتاج الكهرباء كان يمكن تنفيذ تعلية خزان الرصيرص بتكلفة أقل وبانتاج كهربائي أكبر وبزراعة أراض ساشعة تعود بفوائد اقتصادية واجتماعية لا تقدر بثمن. وذهب الإنقاذيون في إرضاء النظام المصري السابق إلى بيع الأراضي في شمال السودان والنيل الأبيض بأبخس الأثمان، كما ذهبوا من ناحية أخرى إلى بيع الأراضي للمستثمرين العرب والإسلامييين على طول نهر النيل، ويعملون على بيع مشروع الجزيرة الذي ظل العمود الفقري للاقتصاد السوداني طوال أكثر من سبعين عاما. وتنازلوا عن أراضي الفشقة للنظام الأثيوبي.

    وفي سبيل البقاء في الحكم بأي ثمن راح قادة الإنقاذ يسومون ما تبقى من السودان إلى مصر علنا وبلا حياء. فكانت دعوة وزير الدفاع في مصر إلى توطين 5 مليون مصري لزعمه أن هناك خللا في التكوين العرقي للسودان. ثم دعوة الرئيس إلى توطين 10 مليون مصري. وسنوا قانون الجنسية الجديد الذي يمنحها للأجانب بعد خمس سنوات من الإقامة الدائمة، وأبرموا اتفاق الحريات الأربع التي يتمتع بها المصريون ولكنها لا تنطبق على السودانيين. وبدأ كلام صريح عن وحدة وادي النيل وتجددت أطماع المصريين القديمة بفضل مساومات الإنقاذيين، وتهافتهم على قادة مصر الجدد بالهدايا والزيارات المتبادلة بين الإنقاذيين وإسلاميي مصر. وتجددت أحلام الإنقاذيين السودانيين بمزيد من العمر في السلطة بتوقع وصول الإسلاميين في مصر إلى السلطة.
    لقد فشل ما يسمى بالمشروع الحضاري وتحول إلى مشروع همجي عنصري قائم على إدعاء حق إلهي وهوية عنصرية متوهمة. وكانت من نتائجه الكارثية العديدة إثارة النعرات العنصرية والقبلية والعودة بالبلد مائة سنة إلى الوراء. وكان من ثمراته المرة الفساد الأخلاقي والانحلال الذي حل بقطاعات واسعة من الشعب السوداني .أصبح جليا أن المسألة لا تعدو أهواء نفوس وطمع مرضي في السلطة والمال والجاه والدنيا وشهوة النساء ولا علاقة لها البتة بالدين. في الصراع على عظمة االسلطة أبعد الإنقاذيون شيخهم الذي رباهم وجعل لهم تنظيما أوصلهم إلى السلطة. وبعد عزل شيخهم همشوا نائبه في السابق الذي كانت له يد طولى في عزل الشيخ، بعد أن أبرم ذلك النائب اتفاق السلام الشامل مع قرنق مما اعتبره صقورهم هزيمة كبرى واستسلاما. واستمر بروز تيار عنصري متشدد منذ نيفاشا، حتى أصبح كأن البلاد يسوسها الطيب مصطفى ذلك الرجل العنصري المهووس. ومع ذلك استمر استخدام ورقة الدين والشريعة للبقاء في الحكم بأي ثمن. حتى لو كان ذلك الثمن ملايين القتلى من الشعب السوداني، و التخلي عن السيادة والأراضي في سبيل البقاء في الحكم.

    بعد أن بدأ النظام بخرق الدستور الديمقراطي وإلغائه والاستعاضة عنه بأوامر رئاسية عسكرية، قام بمصادرة الحريات العامة وحظر الاحزاب السياسية وإغلاق الصحف، وعمل منذ الشهور الاولى على إنشأء دولة بوليسية ذات أجهزة قمعية وحشية متعددة، ومليشيات متعددة خارج إطار القوات النظامية، ثم عمد لاحقا إلى تسليح الشرطة بالأسلحة الثقيلة مما جعلها قوة أخرى موازية للجيش، الغرض منها قمع أي مقاومة شعبية. وبعد أن أجرى تصفية واسعة لضباط الجيش واستبدالهم بآخرين موالين له ظل من حين إلى آخر يعزل حتى الذين كانوا موالين له خيفة أن يكونوا غيروا ولاءهم بعد أن حدث انقسام في داخل النظام. كما فصل مئات الآلاف من الخدمة المدنية وأفقر بذلك مئات الآلاف من الأسر وسيس الخدمة المدنية وأفسدها تماما.

    وأقام النظام لأول مرة في البلاد ما يسمى ببيوت الاشباح، وهي معتقلات التعذيب الذي تدرب المتأسلمون على فنونه على أيدي المخابرات الإيرانية والمصرية، وعذبوا المئات من المعتلقين السياسيين فمنهم من مات تحت التعذيب ومنهم من خرج بعاهة دائمة. وأصبحت الدولة كلها مجيشة لقمع المظاهرات ومطاردات الطلبة والشباب الذين لم يكفوا عن المقاومة والرفض كشأنهم في ظل كل العهود الدكتاتورية السابقة. بأختصار فعلت الانقاذ كل شىء من اجل البقاء ، ولكن كل شىء فى حدود الترتيبات الامنية لقهر الناس، ولم تفعل شىء واحد يمكن ان ينال رضا الناس عنها، وهنا تحديدا توجد مكامن ضعفها داخليا وخارجيا!
    سياسات الانقاذ وفلسفتها الاقصائية وفسادها وتاريخها الطويل فى القتل والتنكيل والترويع قد تسبب فى بناء حاجز شاهق من عدم الثقة وراكم المظالم والمرارات مما دفع شعب الجنوب الى التصويت بالاجماع تقريبا لصالح الانفصال وبناء دولته المستقلة .
    بعد انفصال الجنوب واجه النظام كل اخطائه السابقة المتمثلة فى اهدار العملة الصعبة من مبيعات البترول وتدمير البنية الانتاجية الزراعية والحيوانية اضافة الى الصناعية وهو امر تسبب فى موجة الغلاء التى يواجهها شعبنا اليوم.

    التمكين لدولة الفقر والجهل والذل والسل
    في المجال الاقتصادي سحقت الإنقاذ الطبقة الوسطى التي تمثل القاعدة الاجتماعية الرئيسية لدفع التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات الحديثة. وزادت الريف فقرا على فقره المعهود حيث أهملت وحطمت القطاع الزراعي الذي كان يعيش عليه أكثر من 80 في المائة من أهل السودان. فهجر الناس الريف الذي فقد مقومات الحياة والخدمات ونزحوا إلى المدينة ليعيشوا على الأعمال الهامشية ويقيموا مدنا عشوائية من الصفيح والخيش وأكواخ الطين . أصبحت الغالبية العظمى من أهل السودان في عهد الإنقاذ تعيش تحت خط الفقر، الذي لا يتجاوز دولارين في اليوم. وازداد الفقراء فقرا كما ازداد الأغنياء غنى، حيث يستحوذ الآن أقل من 10 في المائة من السكان على أكثر من 90 في المائة من الثروة، بينما يتقاسم أكثر من 90 في المائة من المواطنين أقل من 10 في المائة من الثروة.

    في الموازنة القومية لعام 2012 يستحوذ قطاع الدفاع والأمن والشرطة والقطاع السيادي على 78,3 % من الأجور والتعويضات، بينما لا تنال الصحة سوى 2,6 % والتعليم 4,8 % من جملة الأجور. هذا إلى جانب أن القطاعات الأمنية تملك أكثر من 80 شركة تحصل على دعم مباشر من الدولة وهي تعمل في مجال خدمات البترول والالكترونيات والمطاعم والأنشطة الاخرى وتتمكن من الاحكتار بفضل سلطتها وتبعد المنافسين الأخرين لتفرض أسعارا عالية وتجني أرباحا خيالية على حساب مستهلكي السلع والخدمات.

    شهدت الدولة نموا سرطانيا تركز في أيدي الفئة القليلة المستفيدة من النظام وفي مناطق جغرافية بعينها مختارة على أسس قبلية وحزبية بحتة. ولولا الهجرة الخارجية الواسعة التي استنزفت زبدة أبناء السودان من الخبراء والشباب لمات أناس كثيرون في مدن السودان من الجوع، ناهيك عن المجاعات المستوطنة في الشرق والغرب ومئات الألوف الذين يموتون سنويا بسبب سوء التغذية وعدم توفر العلاج من أمراض يمكن علاجها. ظلت الملاريا تفتك بالشعب السوداني مخلفة آثارا صحية واجتماعية واقتصادية وخيمة، إذ يبلغ عدد الإصابات سنويا أكثر من 7 مليون إصابة، منها حوالي 35000 حالة وفاة. ويتصدر السودان القائمة الدولية في حالات الإصابة بالسل و سوء التغذية وفقر الدم الحاد والدودة الغينية.

    وفي مجال التعليم تقدر اليونسكو الفجوة في المواد الدراسية والمعلمين والاحتياجات التعليمية بـ 52 % وتتسع هذه الفجوة في المراحل التعليمية الدنيا حيث أن الميزانيات الحكومية تعطي أفضلية للتعليم العالي والثانوي، كما تركزت الفجوة في الريف حيث تركز الدولة الانفاق على قلته في المناطق الحضرية. ومؤخرا صرح مسؤول حكومي بأن نسبة الأمية ارتفعت إلى 57 % بين الرجال و 73 % بين النساء. ولم تتجاوز نسبة القيد في كل مراحل التعليم في السودان من الابتدائي إلى العالي 36 %، بينما بلغت نسبة الفاقد التربوي حوالي 25 %. ويبلغ متوسط الانفاق على التعليم كنسبة من الدخل القومي حوالى 0.3% في السودان مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 5.2 %. بل إن أقل الدول نموا في العالم مثل بعض الدول الافريقية وحزر الكاريبي تنفق على التعليم ما متوسطه 2.8 % من الناتج القومي السنوي. وانخفض الانفاق على التعليم في الميزانية العامة من 15 % عام 1978 إلى أقل من 2 % عام 1996. وتترواح معدلات البطالة بين الشباب حسب تقديرات مختلفة ما بين 30 إلى 40 في المائة. وتستورد الحكومة العمالة بمئات الألوف من بنغلاديش وإثيوبيا والفلبين وفتحت البلاد للإسلاميين وشذاذ الآفاق من كل حدب وصوب.

    في الحقيقة إن أخطر ما تم من تدمير للتعليم ليس في ضعف المستوى الأكاديمي على جميع المستويات وحرمان قطاعات واسعة من السكان بسبب الفقر والرسوم المفروضة على الطلبة فحسب، بل المسخ والتشويه الذي يجري لعقول الايفاع والطلبة من مناهج دراسية دينية تقوم على التلقين وبذر التعصب والكراهية والإنغلاق، بعد أن أصبح للوهابية باع طويل في وضع المناهج الدراسية. ويقوم الوهابية في غفلة الجميع بأخطر تشويه تربوي على مستوى رياض الأطفال حيث يتبعون خطة مرسومة تعمل على تبني وبناء رياض الأطفال في كل مكان استطاعوا إليه سبيلا، ولا تعوزهم الأموال المتدفقة من نظرائهم السعوديين والخليجيين، وتوسعوا في بناء المساحد في أقاصي القرى. والنظام يمد لهم وكأنه ينتظر أن يكونوا حركة سلفية جديدة بديلة لحركته الإسلامية المنهارة ليكونوا دعما له في مقبل الأيام. إن أيام السودان قد تكون حبالى بأجنة مثل طالبان والقاعدة.
    كل تلك مجرد أمثلة إحصائية توضح الخلل في أولويات الحكومة السودانية. أما الآثار الفعلية لتدمير التعليم والخدمات الصحية والغلاء الفاحش فإن الغالبية الساحقة من الشعب السوداني تعيشها يوميا في شكل مأساة بالغة القسوة ومعاناة لا تطاق.
    هذا التلخيص يحاول أن يعطى فكرة عن حجم الخراب الذي أصاب الناس جراء الانقلاب الأصولي الإسلاموي على الديمقراطية عشية 30 يونيو 1989م. وهو أمر يعرفه ويحسه كل مواطن وكل مواطنة، وهو أيضا شيء وارد الحدوث في بعض دول الجوار التي شهدت ما يعرف بثورات الربيع العربي حين أتاحت للتيار الديني السلفي الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، إذا لم تحدث إصلاحات حقيقية لهذا التيار تستطيع أن تستوعب قضايا العصر وفى قلبها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وان تتعامل مع قضايا الحداثة بشكل أكثر ايجابية ومسئولية.

    جذور الأزمة السودانية وأزمة الهوية
    إن للأزمة السودانية جذورا قديمة بالغة العمق والتعقيد، تمتد في الماضي إلى بدايات دخول العرب والإسلام في السودان، وبالتالي تاريخ الحضارة العربية الإسلامية بكل إنجازاتها وتنقاضاتها وصراعاتها، وأسبابا أخرى حديثة متعددة ومتشعبة لا تقل تعقيدا. وليس في وسع هذا التقرير ولا من طبيعته أن يستقصي تلك الجذور والأسباب بالدراسة والتحليل. ولكننا نشدد على الأهمية البالغة لفهم تلك الجذور القديمة والأسباب الحديثة، لأنه بدون الفهم العميق والصحيح للمشاكل لا يمكن الوصول إلى الحلول. نكتفي في هذا السياق بإشارات تذكيرية موجزة، ونأمل أن تعمل حركتنا وسائر القوى الوطنية المستنيرة ومجاميع العلماء الأحرار والمثقفين والدارسين السودانيين على إشاعة الوعي بجذور المشكلة السودانية من خلال الحوار والنشر والندوات التي تصل إلى جماهير الشعب السوداني في كل مكان.

    إن كل مرحلة من مراحل تاريخ المجتمعات البشرية تترك آثارا إيجابية وأخرى سلبية، تتفاوت في أهميتها وخطرها ما بين مختلف المراحل ومختلف المجتمعات. وتبدأ عناصر تكوين الدولة السودانية والمجتمع السوداني في العصور الحديثة بآثارها الإيجابية والسلبية بنشأة المملكة السنارية، وتمر بفترة الحكم التركي الذي وضع لأول مرة خريطة السودان بحدوده فيما قبل الاستقلال، ثم فترة الاستعمار الإنجليزي المصري، وبداية النضال ضد الاستعمار على أيدي طلائع مؤتمر الخريجين، ثم انهزام المؤتمر أمام رفض الاستعمار الاعتراف باعتباره ممثلا للبلاد، وانقسام المؤتمر وتوزعه بين الطائفتين الكبيرتين المعروفتين، وفشل النخبة السياسية الحاكمة منذ الاستقلال، بشقيها المدني والعسكري في حل مشكلة الجنوب وإأقامة دولة ديمقراطية حديثة. فالحكومات المتعاقبة عسكرية أم مدنية اتجهت إلى الحل العسكري لمشكلة الجنوب.

    لقد بدأ فشل النخبة السودانية الحاكمة منذ هزيمة مؤتمر الخريجين – الذي قام مستلهما تجربة المؤتمر الوطني الأفريقي ثم المؤتمر الهندي - وتخليهم عن مشروع الدولة الديمقراطية الحديثة واتباعهم لقادة الأحزاب الطائفية. إن ولادة الأحزاب السياسية في مهد الطائفية والعشائرية جعلنا نقيم ديمقراطية مظهرية زائفة وهشة. ظلت الانتخابات في العهود الديمقراطية تقوم على الولاء الطائفي والعشائري الأعمى وشراء الأصوات. وظل للتمويل الأجنبي دور كبير ومكشوف بدأ منذ تدخلات مصر في الانتخابات الأولى والثانية، حيث بلغ بها الأمر إسقاط عبد الحليم على طه، أول وزير للمعارف ومن أكبر رواد التعليمم والحركة الوطنية في السودان، في قلب السودان وفي دائرته (الحصاحيصا) بفضل الأموال المصرية. ثم دخلت لاحقا ليبيا وإيران في تمويل الانتخابات في السودان. أما دول الخليج فكانت لها اليد الطولى في رعاية حركة الأخوان المسلمين منذ أن نكل بهم ناصر في منتصف الخمسينات، وحتى دخول البنوك الإسلامية مثل بنك فيصل الإسلامي في السبعينات، مما جعل حركة الأخوان المسلمين قوة اقتصادية هائلة تنامت بسرعة بالمضاربات واحتكار السلع الأساسية في أواخر عهد نميري وهوسه الديني الذي بايعه فيه الإسلاميون إماما.
    إن الديمقراطية لم تفشل لأنها لم تجد فرصة التطبيق كما يزعمون بل لفشل القيادات بعد الاستقلال عن استيعاب جوهر الاستقلال والديمقراطية والالتزام بها وبناء مؤسسات ديمقراطية راسخة، وتبديد طاقاتها في صراع عبثي على كراسي الحكم مستعينة بالنفوذ الأجنبي. وكانت تحدث تحولات واسعة للنواب بسبب الأموال. ونتيجة للتدخل المصري وتهديده بإسقاط الحكومة المنتخبة آنذاك، سلم رئيس الوزراء عبد الله خليل الحكم للجيش في 17 نوفمبر1957، وبتدخل وسند قوى من مصر حدث انقلاب 25 مايو 1969 بقيادة الضباط القوميين العرب في الجيش. ومضوا في محاكاة النظام المصرى محاكاة عمياء، فكرروا كارثة التأميم في السودان وأقاموا نظام الحزب الواحد على نموذج الاتحاد الإشتراكي. ومرة أخرى، كان حسني مبارك أول من ذهب يروح لتأييد انقلاب الإسلاميين في يونيو 1989 بين الدول العربية. وظل النظام المصري السابق إلى جانب إيران وقطر، المركز الجديد لنفوذ التنظيم الدولي للأخوان المسلمين، من أقوى داعمي النظام والمدافعين عنه في المحافل الدولية.

    من ناحية أخرى فقد انصرفت الحكومات المتعاقبة عن بناء وترسيخ مؤسسات الحكم الدستوري الديمقراطي وقضايا التنمية وأهملت الإقاليم تماما وعجزت عن حل مشكلة الحرب في الجنوب إلا لفترة عشر سنوات، أثناء عهد نميري، الذي نقض اتفاق أديس أبابا المعقود في 1972، وتسبب في إشعال الحرب من جديد. لقد ظلت سياسة مختلف الحكومات تجاه قضية الجنوب هي العمل على حلها عسكريا.
    إلى جانب الأحزاب الطائفية نشأت أحزاب عقائدية باثر مباشر من مصر وجو الاستقطاب العالمي. فمن مصر استورد السودان حركة الأخوان المسلمين والحركة الشيوعية. وفي أواخر الستينات فيما عرف بمعركة الدستور الإسلامي المزيف كان للأخوان المسلمين دور سياسي أكبر من حجمهم الشعبي ونجحوا في ابتزاز الأحزاب الطائفية التي انساقت معهم إلى المزايدة على الإسلام والشريعة، مع أنه لم يكن للإسلاميين سوى نائبين في البرلمان. وتم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. ولما حكمت المحكمة الدستورية ببطلان حل الحزب الشيوعي كان موقف السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء آنذاك، أن حكم المحكمة الدستورية حكم استشاري وليس ملزما. وانعقدت في نوفمبر 1968 ما تسمى بمحكمة الردة للداعية والمفكر الشهيد الاستاذ محمود . وكان موقف رئيسا الوزراء ايضا مؤيدا لتلك المحكمة.

    مع كل تجارب الخيبة والفشل كان الشعب السوداني سباقا للشعوب العربية والأفريقية والإسلامية بتمكنه من إسقاط نظامين عسكريين عن طريق ثورة شعبية في أكتوبر 1964 وأبريل 1985، ولكن بسبب عفوية التغيير وعدم وضوح االرؤية والقيادة لدى الثوار، تمكنت الأحزاب الطائفية والقوى التقليدية من إجهاض الثورتين. جاء انقلاب الإنقاذ نتيجة طبيعية لتراكم فشل النخبة الحاكمة منذ الاستقلال ولو لم يقع النقلاب من الإسلاميين لوقع من جهات أخرى.
    الأزمة التي نواجهها في السودان إذن ذات طابع محلى و إقليمي تواجهه كل الدول الإسلامية تقريبا إذا استثنينا النموذج التركي، إننا مواجهون بارتداد حضاري كبير وانهيار تام في كل شيء ، وقد اتضح إن حركة الإسلام السياسي التي أدخلت البلاد في أزمة خانقة تجيد كل شيء من معارضة وانقسامات ولكن الشيء الوحيد الذي لا تجيده هو الإصلاح الديني، وهى سمة عامة لا تختلف فيها قبائل أفغانستان حيث الجهل والأمية والمرض عن السودان الذي ارتبطت فيه الحركة الإسلاموية منذ نشأتها وما زالت بالقوى الحديثة في الجامعات وبقية المؤسسات التعليمية الراسخة!. هذا الأمر يتطلب منا مواجهة شاملة لأن حركة الإسلام السياسي لا تختلف عن النازية في حقيقة الارتباط بالتراث بشكل مرضى يهدف إلى تجيييش الأفراد مثل القطيع في مواجهة الآخر المختلف داخل البلد وخارجها، ومن حيث تضخم الذات، ومن حيث انعدام الضمير وغياب الرحمة تجاه الضعفاء من أبناء وبنات شعبنا، بعد أن تسببوا في ذلك الضعف اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا وثقافيا بفعل التهميش الجغرافي والمعنوي! ولأن الأزمات العميقة لا تولد إلا الحلول العظيمة ، فإننا ومن هذا المنطلق نشارك شعبنا التدبير في كيفية الخروج من المأزق السياسي الحالي ونتحمل نصيبنا من المسئولية.
    نعتقد أن الإنقاذ اليوم كنظام تنهض فلسفته على مفهوم الأمة القائم على الصفاء الديني والعرقي - وهو مفهوم يمكن أن ينطلي كما نرى على البسطاء من أبناء وبنات الشعب بفعل ظروف العزلة الثقافية والاقتصادية التي فرضها الانقلاب منذ مجيئه إلى السلطة وغسيل الأدمغة المستمر طوال عقدين ونيف - يواجه أزمتين، تتمثل الأزمة الأولى في قضية التعدد العرقي والثقافي في مناطق جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان. أما الأزمة الثانية التي تواجهه فهي المتمثلة في العولمة، أي كيفية التعامل مع العالم المعاصر بعد انفجار محنة دارفور وطلب مثول رأس النظام أمام الجنائية الدولية.
    في مواجهة ذلك اختار النظام التكتيكات اليائسة وسياسة رزق اليوم باليوم بدلا عن الإصلاحات والدبلوماسية الهادئة .. فالنظام يواجه أزمة مشروعية كاملة لا يستطيع الخروج منها إطلاقا، وقد اتضح من التعديل الحكومي الأخير محاولاته للنيل من شرعية المعارضة ممثلة في حزبي الأمة والاتحادي ، بدلا عن معالجة أزمته المستعصية ، وقد نجح في ذلك إلى حد ما ، ولكنه نجاح مؤقت يضاف إلى النجاحات المحدودة التي لا تستطيع أن تفعل شيئا سوى أن تمد من عمره في السلطة أياما أخرى. كذلك تعمل الإنقاذ في ذات الإطار على بث الفرقة بين قوى وعناصر المعارضة الوطنية المخلصة والشعب السوداني ، والنيل من مجهودات بناء جسور الثقة التي تسعى إلى مدها مع الشعب، لتحول بينها وبين إحداث التغيير المطلوب وهو إسقاط النظام الفاقد للشرعية بواسطة انتفاضة شعبية.
    كذلك يسعى النظام داخليا إلى تصفية المعارضة المسلحة عسكريا وقد أثبتت الأحداث ذلك خاصة اغتيال رئيس حركة العدل والمساواة عليه رحمة الله في الأيام الماضية، ذلك المعارض الجاد والملتزم ، وفى اغتياله خسارة كبيرة للعمل المعارض . يتضح كذلك عدم حرص الحكومة على الحلول السلمية وتقديم التنازلات التي تتطلبها آلية حل النزاعات بشكل سلمى في أحداث النيل الأزرق حين قامت برفع سقف توقعات قائد الحركة الشعبية هناك باتفاق خادع مع نافع تنكرت له في اليوم التالي تماما، وقد كان واضحا أنها مسرحية معدة سلفا تهدف إلى قطع الطريق على التوصل إلى حل سلمى مع فصيل الحركة الشعبية – قطاع الشمال بشراء الوقت وهدم الثقة التي يتطلبها التفاوض، وهو شيء كانت قد فعلته مع نفس المنظمة في منطقة جنوب كردفان .
    من الواضح إذن أن نظام الإنقاذ يسعى إلى التصعيد العسكري لأنه لا يستطيع الإصلاح ويعجز عنه تماما في كل من الجبهة الداخلية والجبهة الخارجية التي اشرنا إليها. فهو نظام أدرك انه في سبيل البقاء ليس أمامه سوى التصعيد واعتناق نظريات المؤامرة لمصادرة ما تبقى من حقوق ومن حريات كانت قد فرضتها العولمة وضغوطاتها في الستة أعوام السابقة.
    نسبة لتفشي الأمية والجهل حتى بين قطاعات واسعة من المتعلمين وأنصاف المتعلمين في السودان تمكن الإسلاميون والإنقاذيون والوهابيون من ابتزاز الأحزاب وشرائح كبيرة من المجتمع السوداني عن طريق الإرهاب باسم الدين والشريعة. والكل يعلم أن لا هؤلاء ولا أولئك يريدون غير تحقيق شهوات النفوس في السلطة والجاه والمال والنساء مستغلين الإسلام والشريعة، وقد اتضحت هذه الحقائق جليا في ممارسة عصابة الإنقاذ وممارسات جماعات الأخوان المسلمين في كل البلاد والجماعات التكفيرية التي انبثقت عنها وعن المذهب الوهابي. وقد كان اتجاه النخبة السودانية نحو مصر والدول العربية وإهمالها للبعد الأفريقي في علاقات السودان وفي تصور الهوية والثقافة السودانية اتجاها قاصرا مما جعل السودان تابعا في المحيط.

    إن ضلال الحركة الإسلامية كان واضحا منذ البدايات لمن يأخذ المقاصد الكلية للإسلام بالاعتبار. وذلك لغياب التربية الدينية لدى الإسلاميين وتعويلهم على طلب السلطة متمسكين تمسكا دوغمائيا بمقولات مثل "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" و "الحاكمية لله" و شعارات جوفاء مثل "هي لله لا للسلطة لا للجاه". واتضح ذلك الضلال في مشاركتهم نظام مايو وممارساتهم القائمة على المتاجرة بقوة الشعب واستعجالهم على السلطة ومجيئهم إليها بدون برنامج واضح للحكم سوى اقتناعهم بأنهم يمثلون الإسلام الصحيح وبالتالي هم خلفاء الله في الأرض وكل من خالفهم أصبح عدو الله ووجبت محاربته وقتله إذا اقتضى الأمر. سوء التربية زائدا الجهل بروح الإسلام والحضارة الإسلامية أنتج الكائنات المشوهة التي دمرت السودان وشوهت الإسلام بما يفوق تشويه أعدائه.

    من أين أتي هؤلاء؟؟
    من ظلام عصور الانحطاط وأحط ما في النفس البشرية أتوا

    في غرارة سن المدرسة المتوسطة والمدرسة الثانوية وجموح سنوات الدراسة الجامعية كان يبدأ تجنيد عضوية الإسلاميين وكوادرهم القيادية بعزومات الشاي و البيبسي والفانتا والباسطة، ثم الدعوة إلى الانضمام إلى الأسرة الأخوانية، حيث يظن بيت الدين وطاعة الله ورسوله. وفي سذاجة تلك السنين الغضة تبدأ صياغة وعيهم الزائف. لم يعرفوا عن تاريخ الأديان وعن تاريخ الحضارة الإسلامية بالذات إلا نموذجا مختزلا ومبتسرا لنهاية الكمال المتجسد يوما ما في الماضي، محاطا بالكثير من الخيال وأنصاف الحقائق بل وتزييفها في كثير من الأحيان وإخفاء كثير منها، ومحاطا بسياج محكم من التقديس والرهبة والتمجيد لذلك الماضي التليد، تمجيدا يلغي العقل في كثير من الأحيان، مستغنيا بالطاعة العمياء لأولى الأمر والتزام حرفية النص سواء كان قرآنا أو حديثا أو اجتهادا فقهيا، بغض النظر عن أسباب النزول والظروف التاريخية والاجتماعية التي صحبت نشأة النص واختلاف المفسرين والفقهاء والمتصوفة وأصحاب المذاهب المختلفة اختلافا واسعا في الفهم والتطبيق. استغنت أجيال الإسلاميين في العصر الحديث عن العقل بالنقل بعد أن قفل الأولون باب الاجتهاد في بدايات عصور الانحطاط السياسي والفكري والاجتماعي في الدولة الإسلامية . وتجسدت أوخم النتائج في تجربة الأخوان المسلمين وما تمخض عنها من جماعات التكفير وفي تجربة المذهب الوهابي وما تمخض عنه من نموذج مثل حركة طالبان الأفغانية. ومن عجب الأمر أن نفس النتائج المأساوية والمدمرة للشعوب والأوطان والمشوهة للإسلام كانت من نصيب أصحاب المذهب الشيعي في إيران.

    "لقد عرفت الحضارة العربية الإسلامية في عهدها الذهبي (700-1000م ) حرية فكرية كبيرة لم يعرفها العرب و المسلمون المعاصرون. حيث نجد الكثير من التيارات الفكرية و الدينية مثل حركة القرامطة نهاية القرن التاسع الميلادي و كذلك المعتزلة وإخوان الصفا و حتى الدهريين و الشعراء الماجنين. كما كان لأبناء الطوائف و الأديان الأخرى كالمسيحيين دور متميز و معروف في النهضة العلمية التي قادتها دار الحكمة في بغداد عن طريق الترجمات والانفتاح على الحضارات الأخرى. كما برز مفكرون يهود في عهد النهضة تلك سواء في الشرق العربي أو في الأندلس. لقد كان هناك غليان و نشاط فكري كبير شارك فيه جميع ممن ملك القدرة الإبداعية. رغم أن الفترة تلك لم تكن بالبعد الزمني الكبير عن عصر الرسالة الإسلامية فإن التسامح الديني كان كبيرا و تقبل الآخر كان اكبر مما هو عليه الآن. و الدليل على ذلك هو وصول الكم الكبير من الانجازات التي لا تتفق و الفكر الإسلامي السلفي إلينا عبر هذا البعد الزمني. وقد خلت تلك الحضارة بقدر كبير من الردع والقيود الفكرية ذات الغطاء الديني كما عرفتها أوربا بظاهرة محاكم التفتيش. كما خلت بقدر كبير من ظاهرة التكفير السائدة ألان. ولاشك أن ظاهرة التكفير و تقييد الفكر نوع من الهيمنة الفكرية على الآخر وهي اقرب ما تكون إلى محاكم التفتيش. و رغم بدائية تلك الفترة بالمقارنة بما عليه العالم الآن فإن تلك الحضارة استطاعت استيعاب أفكار و تجارب الشعوب الأخرى و أضافت و أبدعت انجازات أخرى." (بتصرف، من محاضرة للعالم العراقي د. محمد عز الدين الصندوق).

    لم تكن لأولئك الفتية الذين أغلقت أمامهم أبواب التفكير النقدي الحر أي فرصة لأن يقفوا بعقل مفتوح ومتأمل لاستيعاب عوامل ازدهار تلك الحضارة وأسباب انحطاطها، وليأخذوا العبر في خبر من غبر عن تاريخ الفتنة الكبرى ولا السلسلة الطويلة من الانقلابات والحروب والفتن والثورات المتواترة في تاريخ الإمبراطورية الإسلامية، والتساؤل عن أسبابها ما دام الناس أمة واحدة وعلى دين واحد وتحت قيادة إمام واحد سواء كان خليفة أم سلطانا فيما بعد. لقد لقنوا شعارات مثل "الحاكمية لله" و "الإسلام هو الحل" أو "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك عم الكافرون" أو أحاديث مثل "إذا ذكر القضاء أو أصحابي فأمسكوا"، كما لقنتهم المدارس تاريخا مزوقا ناصعا ومنقى من أي شائبة أو خلاف أو صراع يستدعي الجدل والتفكير، فلم يكن لهم من سبيل إلى البحث والنظر في الأسباب الأساسية ذات الطبيعة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية الكامنة وراء الصراعات المذهبية والدينية البارزة في الواجهة وكأن القوم لم يختلفوا إلا حول تفسير ما قال الله ورسوله وليس لهم من غرض سياسي ومذهبي ودنيوي حتى في تفسير القرآن والاستدلال به وفي جمع الأحاديث وتصنيفها، وكل أغراض الجميع هي ما يرضي الله ورسوله ويصلح حال الأمة. وكما هي العادة دائما، فإن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ. انتصر مذهب الأشاعرة أو من يسمون بأهل السنة على المعتزلة والشيعة وغيرهم، فكتبوا التاريخ بما يناسبهم، واعتبروا كل ما خرج من دائرة أهل السنة وعارضهم بدعا وكفرا وهرطقة.
    لقد آن الأوان لنبذ التاريخ المزيف للحضارة الإسلامية وإعادة قراءة ذلك التاريخ يعقول نقدية تميز بين الطيب والخبيث منه وتستلهم أقيم ما فيه لدى قمم الفلاسفة مثل ابن رشد وابن سينا والمتصوفة مثل أبي القاسم الجنيد ومحي الدين بن عربي وآخرين لا حصر لهم، وتنبذ أسوأ ما فيه مثل فتاوى بن تيمية وبن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب وغيرهم.

    الخروج من التيه والطريق إلى البديل السياسي الصالح

    هناك حقيقة بديهية وواقعة لابد أن نواجهها جميعا بصراحة وشجاعة. وهي أنه لم توجد أصلا في السودان أحزاب ديمقراطية بمعنى الكلمة حتى نحلم بأن تكون هناك ديمقراطية قادرة على البقاء لأنها ذات مؤسسات راسخة. فإن لدينا إما أحزابا طائفية ورثت قياداتها نفوذا دينيا وسياسيا واقتصاديا لم تبذل فيه مجهودا يذكر. والمحافظة عليه تتعارض بالضرورة مع مصالح عامة الشعب و مبادئ الديمقراطية وتطبيقاتها، وإما أحزابا عقائدية شمولية يمينية أم يسارية. إن السودان ما زال ينتظر عهد الأحزاب الديمقراطية الحقيقية، إما بإصلاح جذري في الأحزاب الحالية، ولعل بوادر الثورة والمعارضة لمواقف رئيسي الأمة والاتحادي التي ظهرت مؤخرا تبعث بعض الأمل في إمكانية حدوث إصلاح في المستقبل القريب أو البعيد. فإن لم يحدث ذلك الإصلاح، ولا تبدو السبل أمامه ميسرة، فلابد من نشأة أحزاب ديمقراطية جديدة أو حزب ديمقراطي حقا على الأقل. قطعا لن تكون هناك ديمقراطية قائمة على مؤسسات مستقلة وراسخة ولن يتحقق استقرار دستوري وسياسي بغير وجود أحزاب ديمقراطية وطنية في بنيتها وبرامجها.

    إن هناك ضرورة ملحة لبروز المعارضة، بعد الفشل المزري لتجربة التجمع الوطني وما عرف بقوى إجماع جوبا، كقوة جدية مقنعة في الداخل والخارج من خلال التوحد على برنامج التغيير وإظهار القدرة على التعبئة على الحركة والمواجهة . وهناك ضرورة قصوى للتحرك المنظم والفعال على المستويات الإقليمية والدولية ونقد سياسة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية تجاه السودان وتوعية من هم في مراكز القرار بالحلول المثلى لمشكلة الحكم في السودان. وهناك أهمية خاصة لدور السودانيين في المهجر أسوة بالجاليات الأخرى التي اطلعت بأدوار هامة في الثورات العربية الأخيرة.

    إن صعود هذه الحركات ووصولها سيكون هو المهدد الأساسي للديمقراطية. حتى التجربة التركية يمكن أن تتطور تدريجيا إلى محاولة إقامة دولة إسلامية على نمط إحدى الدول التي تقوم فيها حكومات باسم الإسلام: إيران أو السودان أو السعودية. ولا سبيل للجمع بين الإسلام والدولة الديمقراطية إلا في إطار دستور علماني يفصل بين الدين والدولة مثلما نشاهد في أوروبا، وبعدها يمكن للأحزاب أن تسمى نفسها مسيحية أو إسلامية ولكنها لا تمارس ولا تفرض تشريعا إلا في إطار دستور إنساني لا يفرق بين الناس على أساس الدين أو العنصر أو الجنس ، ويضمن للجميع الحريات والحقوق الأساسية.
    إِن العلمانية عندنا تعني الفصل بين الدين والدولة، أي أن تكون الدولة ومؤسساتها محايدة تجاه أديان ومعتقدات مواطنيها، وألا تنحاز إلى أي دين أو مذهب معين، و ألا يكون الدين عامل تمييز في أي من الخدمات التي تقدمها الدولة ، أو في الحقوق و الواجبات الدستورية و القانونية للمواطنين ، و أن يكفل الدستور الديمقراطي حرية الفكر و التعبير و الحرية الشخصية للمواطنين و يحميها من أي تغول باسم الدين أو الأغلبية أو غيرها . وألا تتعارض نصوص الدستور أو أي قانون يتفرع منه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.
    إننا نرفض التصورات الشمولية للعلمانية ، انطلاقا من مبادئنا المتمثلة في الحرية و الديمقراطية ، فنرفض كذلك أي انتهاك للحرية الشخصية و حرية الفكر و التعبير باسم العلمانية ، و نقف مع حق الأفراد و المجموعات و المنظمات في ممارسة معتقداتهم الدينية و استلهامها في صياغة البرامج السياسية و الاجتماعية دون المساس بحريات و حقوق الآخرين .
    إن علمانيتنا لا تمنع من استلهام القيم الإنسانية الرفيعة المشتركة بين أصحاب الديانات و غيرها من نظم الأخلاق و الفلسفات الإنسانية ، و لكننا لا ندعي لأنفسنا ولا نسلم لأحد بامتلاك الحقيقة المطلقة أو قداسة هذا الاستلهام، فهو ككل الأفكار الإنسانية خاضع للنقد و قابل للخطأ و الصواب .

    إن البديل الثقافي للمتاسلمين لا يمكن أن يتأسس ويزدهر إلا في ظل حكم ديمقراطي يكفل حرية الاعتقاد والتعبير للجميع، مسلمين ومسيحيين ووثنيين ولادينيين. حينها يمكن للتيارات المستنيرة التي تعبر عن جوهر الإسلام حقيقة أن تجد فرصها في التعبير والممارسة ومواجهة تخر صات الإنقاذيين والوهابية وغيرهم من التكفيريين وبانتشار الوعي فقط يمكن هزيمة هذه الأفكار البائسة وتحرير عقول النشء والعامة منها.

    والتراث الإسلامي غني بالاجتهادات التي تجعل من كرامة الإنسان والعدل في الأرض غاية الدين. تضع الإنسان في موضع الغاية والدين في موضع الوسيلة. كما أن هناك الكثير من الاجتهادات العصرية التي يمكن أن توفق بين الغايات الكلية للدين والقيم الإنسانية في مختلف المذاهب والحضارات والحياة العصرية بحيث تغني الحياة بالرفاه المادي والروحي في آن معا. إن رواد النهضة، وكتابات مفكرين من أمثال الأستاذ محمود محمد طه، نصر أبو زيد، محمد أركون، ونماذج أخرى عديدة بالإضافة إلى تراث ذاخر من الفلسفة والتصوف يمكن أن تظهر مدى بؤس وضحالة وعقم وشقاء عالم تسوده فيه أفكار المتأسلمين والوهابية. وهناك الكثير مما يمكن أن نأخذه من الحضارة الغربية وسائر الحضارات الإنسانية لإثراء تجربتنا، مثل الديمقراطية وأسس الدولة الحديثة، والفصل بين الدين والدولة وحقوق الإنسان، والقانون الدولي الخ. أيضا الديمقراطية الاجتماعية ذات الاقتصاد المختلط، كتجربة إنسانية ناجحة وطريق وسط بين النظام الرأسمالي المتوحش والنظام الشيوعي أو الاشتراكي بالمفهوم الشيوعي التقليدي، كبديل للرأسمالية الطفيلية المتوحشة التي تعيث في السودان فسادا منقطع النظير.

    إن القوى الجديدة وقوى السودان الجديد أو قوى الهامش، وقوى الشباب وسائر الفئات المتطلعة إلى التغيير قد برزت بعد أن فقدت الثقة تماما في الأحزاب التقليدية السائدة في الساحة السياسية منذ الاستقلال. وفقدان الثقة في السياسة والسياسيين السودانيين أصبح سمة عامة وسط الشعب السوداني وهو السبب وراء الإحباط والسلبية تجاه أي عمل سياسي. واسترداد تلك الثقة يحتاج إلى مجهود جبار وتضحيات كبرى، من خلال صياغة برنامج وطني للتغيير الديمقراطي الحقيقي، تلتف حوله كل القوى المستنيرة وذات المصلحة في التغيير لكي تحتشد حولها الجماهير، كما يحتاج إلى بروز قيادات صادقة ومقدامة تكتسب ثقة الجماهير. القوى الجديدة وقوى الشباب، بما فيها شباب الأحزاب التقليدية ، وقوى الهامش بالإضافة إلى الجماهير الواقفة على الرصيف هي القاعدة الاجتماعية لأي حركة سياسية ديمقراطية جادة تستطيع مواجهة النظام.

    وإن ما نسميه بالقوى الجديدة هي في الحقيقة قوى ذات طاقات حيوية ومطامح كبيرة وحماس أكبر، لكن تنقصها التجربة والرؤية الواضحة والقيادة الناضجة التي تصوغ البرامج وترسم الخطط وتقوم بالتدريب والتأهيل والتربية الديمقراطية الحقيقية على أديم الخلفية الشمولية والطفولة السياسية. فقد ثبت لنا من خلال تجربة حركة "حق" وانقساماتها المؤسفة المتكررة أن كثيرا من العناصر التي تدعي الجدة والتجديد لا تملك منهما إلا الاسم. مع ذلك هناك الكثير من العناصر الخيرة والذكية التي تستطيع أن تفرق بين الغايات والوسائل بدرجة جيدة والقابلة لتعلم القيم الديمقراطية وممارستها. هذه العناصر ستكون هي موضع تركيزنا وسنعمل على الوصول إليها في كل مكان, في الجامعات والأحياء والأسواق والمدن الإقليمية والقرى.

    من ناحية أخرى هناك ضرورة ملحة لكي تواصل القواعد الشبابية والشعبية ضغوطها على القادة التقليديين من أجل الإصلاح أو تجاوز تلك القيادات، والبدء في العمل الجدي في مواجهة النظام للإطاحة به أو إجباره على تغيير سياساته. التعبئة الشعبية العامة مثلما تحتاج إلى برنامج وطني يلبي مطامح جميع أهل السودان، تحتاج إلى قيادات ذات رؤية واضحة وذات جرأة وشجاعة وقدرة على المواجهة وتقديم التضحيات.

    إن حركة "حق" ستعمل مع كل القوى الوطنية الجادة والمخلصة من أجل الاتفاق على البرنامج والتعبئة العامة وإبراز القيادات التي تتصدى لمواجهة النظام. وتعمل من الناحية الأخرى على إقامة كيان ديمقراطي اجتماعي سواء في شكل جبهة أو حزب يجمع كل القوى الديمقراطية الاجتماعية في السودان التي تتطلع إلى تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتتلخص ملامح ذلك البرنامج في وضع دستور ديمقراطي، تقوم فيه الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، ويؤمن الحقوق والحريات الأساسية وجميع حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، ويتم فيه الفصل بين الدين والدولة، ويقوم على لامركزية الحكم في إطار دولة اتحادية. ونحن ندعو إلى الديمقراطية الاجتماعية التي تجمع بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وتقوم على نظام الاقتصاد المختلط الذي يسهم فيه القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاوني في إطار من المنافسة الشريفة، وندعو إلى تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي ذي الشروط المنصفة في البنى الأساسية وفي الإنسان: التعليم، الصحة، فرص العمل وتحقيق التنمية المتوازنة.
    وندعو إلى إقامة علاقات خارجية متوازنة لمصلحة الشعب السوداني تقوم على مبادئ المساواة في السيادة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون والتكامل الإقليمي مع دول حوض النيل والمنطقة العربية والأفريقية والتعاون الدولي بما يحقق مصالح الشعب السوداني على خير وجه ويضمن استقلال القرار السياسي السودان من أي نفوذ أجنبي على حساب مصالح الشعب السوداني.

    حق تسعى في بنائها الفكري والتنظيمي وبرنامجها السياسي نحو بناء المجتمع والدولة الديمقراطيين، وتسعى للضغط على النظام القائم بكافة الوسائل من اجل تحقيق تحول ديمقراطي ملموس، أو إسقاط النظام الشمولي ونظام الدولة الدينية واستبداله ببديل ديمقراطي تقوم الدولة فيه على أسس المواطنة والعدالة والشفافية لا على الولاء الطائفي أو الديني، وتحقق من خلال هذا النظام النهضة الوطنية التي تقوم على الكفاية والعدل والتطور العلمي واحترام حقوق الإنسان.

    إن حركة القوى الجديدة الديمقراطية لها إنجازاتها المتواضعة ولها إخفاقاتها العديدة عن تحقيق أهدافها الوطنية، وهذه عندما موضع دراسة موضوعية وتقييم أمين سنصدره إلى الناس في حينه في المستقبل القريب. ولكن أقيم ما يمكن أن نقدمه للتجربة الحزبية هي أن حق رغم انقساماتها البادية للعيان هي التنظيم الوحيد الذي استخدم تحركا أفقيا ديمقراطيا لإزاحة القيادة أو تغييرها مرتين، إبراز هذه التجربة مسألة هامة للغاية حتى لا يظن الناس أو يقولوا أنتم تنتقدون الجميع وتنسون أنفسكم وتنسون أن حركتكم مرت بعدد من الانقسامات التي أضعفتها ونفرت الناس منها.
    إن حركة القوى الجديدة الديمقراطية، بعد أن خرجت من صراع تنظيمي امتد لسنوات، دار في جوهره الفكري والاجتماعي حول المضامين الجوهرية للديمقراطية، ومثل مخاضا وتجربة صاقلة لأفراد الحركة ليسلكوا هذه الدروب الوعرة التي حتما ستوصلهم إلى بر الديمقراطية الآمن، والحركة تؤكد إيمانها وإدراكها الدائم لذاتها باعتبارها مرحلة أولية لابد لها أن تصل إلى نهاياتها الحتمية وهي وحدة القوى الجديدة، وهو نضال عايشته منذ لحظاتها الأولى، فقد ظلت على الدوام تسعى لأن تكون منبرا مفتوحا للقوى الديمقراطية تمثل مؤتمرا فكريا واجتماعيا مستمرا لها، وبالرغم من المحاولات التي تعلمونها والتي كرست كل مجهوداتها لغلق الحركة وتحويلها لتنظيم سياسي لاستطيع أكثر من أن يلاحق ركب القوى القديمة التي همشت وهشمت الوطن، فقد ظلت على الدوام في وجدان عارفيها ومحبيها الفكرة الناصعة والساحة الواسعة التي تلتقي فيها الأفكار وتتمازج فيها التجارب وتتخلق فيها الرؤى والقدرات وتنبعث منها الوحدة الفكرية التي تقوم على التنوع مع إدراك المصالح المشتركة للقوى الجديدة.

    سنواصل بذل جهودنا لدعم العمل الوطني المعارض بهدف الارتقاء بمستواه ومستوى الجدية والصدق فيه لاستعادة ثقة الشعب، وبلورة برنامج عمل وطني للتغيير والتحول الديمقراطي مصحوبا بأنشطة جدية في مجال التعبئة العامة وتصعيد المقاومة، وإنشاء تحالفات جدية مع كل القوى الحية والجادة ذات المصلحة في التغيير. وسنعمل معا على قفل الطريق على أي تبريرات تمكن النظام من تقليص أو مصادرة هامش الحريات الضيق أصلا. ونشارك بفعالية في العمل السياسي المدني السلمي الذي يهدف للإطاحة بالنظام . سنواصل العمل على تجريد النظام من مشروعيته أمام اكبر قطاع ممكن من الشعب خاصة فضح انغماس عضوية الحزب الحاكم في الفساد وانهيار مشروعه الحضاري ، إضافة إلى فشله الاقتصادي غير المسبوق وموجات الغلاء التي بدأت تزحف لتشمل الجميع باستثناء إفراد الحزب الحاكم ، وفشله في تنفيذ كل ما وعد بتنفيذه تقريبا.
    وسنستمر في تطوير مشروع الاستنارة لتوعية الناس بضرورة التعددية الديمقراطية ، والعمل على توحيد قوى الحداثة والنهضة كهدف استراتيجي من أجل بناء حزب ديمقراطي حديث، بكل ما يتطلبه هذا العمل من مرونة واكبر إجماع ممكن حتى يستطيع أن يلعب دورا فعالا في التغيير وما بعده. إننا نعتبر أن تأسيس حزب وطني ديمقراطي هدف استراتيجي لنا لأنه يعد واحدا من أهم شروط نهضتنا الوطنية الشاملة المؤجلة، ولأنه ببساطة لم توجد أحزاب ديمقراطية حقيقية في سودان ما بعد الاستقلال، فإما أحزاب طائفية أو عقائدية شمولية يمينية أو يسارية. السودان ما زال ينتظر عهد الأحزاب الديمقراطية الحقيقية، إما بإصلاح جذري في الأحزاب الحالية أو نشأة أحزاب ديمقراطية جديدة. لن تكون هناك ديمقراطية قائمة على مؤسسات مستقلة وراسخة ولن يتحقق استقرار دستوري وسياسي بغير وجود أحزاب ديمقراطية وطنية في بنيتها وبرامجها.
                  

06-19-2013, 03:49 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    ايضا من مساهمات المرحوم فى ذات المؤتمر الرابع والاخير تلخيص ورقة الاستاذ عيسى ابراهيم حول مساهمات د النعيم من اجل إثراء الحوار وتعميق مفاهيم الحركة حول العلمانية:


    مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور
    أطروحة لتوسيع و تعميق الحوار الموضوعي حول مفهوم العلمانية


    "إننا ندعو إلى قيام دولة علمانية والعلمانية تعني عندنا الفصل بين الدين والدولة، أي أن تكون الدولة ومؤسساتها محايدة تجاه أديان ومعتقدات مواطنيها، وألا تنحاز إلى أي دين أو مذهب معين، و ألا يكون الدين عامل تمييز في أي من الخدمات التي تقدمها الدولة ، أو في الحقوق و الواجبات الدستورية و القانونية للمواطنين ، و أن يكفل الدستور الديمقراطي حرية الفكر و التعبير و الحرية الشخصية للمواطنين و يحميها من أي تغول باسم الدين أو الأغلبية أو غيرها . وألا تتعارض نصوص الدستور أو أي قانون يتفرع منه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية." من ورقة المنطلقات الأساسية والقيم الكلية للحركة

    هذه الأطروحة، عن مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور، مستوحاة ومستمدة من جدل يدور حول كتاب البروفسور عبد الله النعيم "الإسلام وعلمانية الدولة" وهو كتاب لقي رواجا واسعا في كثير من البلاد الإسلامية وترجم إلى عدة لغات منها ست لغات آسيوية في بلدان إسلامية. أعد الأطروحة الأخ والصديق الصحفي عيسى إبراهيم. وقمنا باختصارها واختيار ما يتناسب مع الطرح في مؤتمرنا، وقد رأينا فيها مادة جيدة لتوسيع وتعميق الحوار العلمي والموضوعي في الحركة حول مفهوم العلمانية بين الجمود والتطور وهو مفهوم متنوع تنوع البلدان التي تعتمدها في الحكم ولها مفهوم إجرائي تمثل في الفصل بين الدين والدولة ومفهوم فلسفي يرى إبعاد الدين عن الحياة العامة تماما. والمقصود من هذه الورقة الاستعانة بها في تعميق الحوار و بلورة مفهومنا للعلمانية وتعريفنا لها في إطار الثقافة السودانية وإيجاد صياغة تزيل اللبس عن أذهان الناس العاديين عن مفهوم العلمانية التي نقصدها.
    تعريفات
    العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب ألا يكونا مبنيين على أسس دينية.
    * العلمانية لغة: لم يوجد لفظ العلمانية في معاجم اللغة العربية القديمة، وقد وردت في بعض المعاجم الحديثة ومن ذلك:
    ما ورد في معجم المعلم البستاني: "العلم...اني: العامي الذي ليس بإكليريكي (نسبة لرجال الكنيسة)، وفي المعجم العربي الحديث: "علماني: ما ليس كنسياً ولا دينيا،ً وفي المعجم الوسيط "العلماني نسبة إلى العَلم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي".
    * وتقول دائرة المعارف الأمريكية: "الدنيوية هى: نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية ومستقل عن الديانات السماوية أو القوى الخارقة للطبيعة.." . والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو فصل الدين عن الدولة وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة .
    ‏* العلمانية هي ترجمة لكلمة ( سكيولاريزم secularism ) وقد استخدم هذا المصطلح بداية في معنى محدود الدلالة يشير إلى علمنة ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية، إلا أن معنى الكلمة اتسع بعد ذلك على يد "جون هوليوك" فعرّف العلمانية بأنها: " الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان بالقبول أو الرفض " عن كتاب "العلمانية تحت المجهر ص 12".

    غير أن هذا المفهوم للعلمانية تقلص كثيرا عند مفكرين آخرين ليصبح معناه فصل الدين عن الدولة ( separation of church and state ) وهو من أكثر التعاريف شيوعاً سواء في الغرب أو في الشرق، وهو يعني " فصل المؤسسات الدينية (الكنسية) عن المؤسسات السياسية ( الدولة ) "وبذلك تحصر العلمانية في المجال السياسي وربما الاقتصادي فحسب .

    ‏* العلمانية هي نتاج صراع مرير، ومخلفات عقود من المعاناة عاشها الغرب المسيحي في ظل أوضاع غاية في التخلف والقسوة ، وليس العجب في تلك الأوضاع من حيث هي، ولكن العجب في ارتباط تلك الأوضاع المأساوية بالدين، فقد غدت الكنيسة في الغرب المسيحي مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في ذات الوقت مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل ، وأصبح رجال الدين (الاكليروس) عبئا ثقيلا، وكابوسا مريعا، يسومون الناس سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، فقد كانت الكنيسة سندا قويا لرجال الإقطاع، بل كانت هي أعظم الإقطاعيين، الذين يستعبدون العامة فيستخدمونهم وأولادهم في العمل في أراضيهم ويفرضون عليهم قيودا وشروطا وإتاوات، جعلت من حياتهم جحيما لا يطاق، ليس أدنى تلك القيود حرمانهم وأولادهم من العلم، وأخذ جزء كبير من محصول الأرض التي يحرثونها، فإذا ما انتقلنا إلى جانب الخرافة فنجد أن الكنيسة قد رسَّخت في الناس الخرافة باسم الدين، فهناك صكوك الغفران التي يشتريها العامة مرغمين في بعض الأحيان، والتي بمقتضاها تزعم الكنيسة أنه يُغفر للإنسان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهناك العشاء الرباني وهو عبارة عن وجبة خبز وخمر يأكلها العامي ، ليتَّحِد بالمسيح حسب زعم الكنيسة، فليس الخبز - حسب زعمهم- سوى لحم المسيح ، وليس الخمر سوى دمه، في خرافة يأبى العقلاء تصديقها.

    * يعد مفهوم العلمانية من أكثر المفاهيم الاجتماعية والسياسية والفلسفية التباسا. وبالنظر إلى سياقات منشئه الأوروبي يمكن اعتباره ثمرة لجملة من التسويات الإجرائية جاءت لحل إشكالات مستعصية في البيئات الغربية تتمثل أساسا فيما حصل من تنازع طويل مدمر على السلطة بين سلطان الملوك وسلطان رجال الدين، وتنازع كذلك بين هؤلاء الأخيرين وبين تيارات الفكر الحر التي نشأت متأثرة بأصداء وترجمات آثار إسلامية ويونانية، للعقل فيها مكانة متميزة، مقابل ما كان يرزح تحته من قيود وصاية كنسية، لم تكن تعترف بحقيقة خارج الكتاب المقدس. وقد أدى ذلك إلى نزاع واسع واضطهاد للعلماء بلغ حد التحريق وتكميم الأفواه.
    * لقد كان نضال الفكر الحر يصطدم بسلطة رجال الدين إن على المستوى الفكري تأسيسا لحرية العقل المطلقة أو على المستوى السياسي الاجتماعي سعيا لتحقيق السلم المدني والوحدة الوطنية بما يضع حدا للتحارب الديني الذي كان فاشيا، ويعترف معه بحق الشعوب في اختيار حكامها.

    * كانت العلمانية حلا إجرائيا يتمثل في تحرير العقول من كل وصاية وإطلاق عنانها بلا حواجز ولا قيود ولا تهديد، ويضع حدا لتدخل الكنائس في المجال العام باعتباره مجالا عقليا خاليا من المقدسات تتدافع فيه كل الآراء والتجمعات، وتتولى أدوات الديمقراطية تنظيمه، وذلك مقابل حصر سلطان الكنائس في خصوصيات المسائل الروحية.
    * غير أن الحل العلماني تجاوز هذا المستوى الإجرائي إلى مستوى فكري فلسفي نقيض للدين من كل وجه وليس مجرد تخصيص له كما بدأ.
    * حدث ذلك بالخصوص في بعض البيئات الغربية التي كان التدافع فيها شديدا عنيفا بين دعاة التحرر من جهة وبين الكنائس وحلفائها من ملوك الإقطاع من جهة أخرى مثلما حصل في فرنسا، حيث بلغت حدة التصادم أن رفع اليعاقبة الثائرون شعار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
    * وبلغ تيار العلمانية الأصولية أو الملحدة أقصاه مع ماركس الذي رفض الدين بوصفه أفيونا للشعوب.
    أما نيتشة فقد أعلن موت الإله، وأعلنت وجودية سارتر التصادم الكامل بين الحرية وبين الإيمان "إما أن أكون حرا، أو يكون الله موجودا".
    * العلمانية هنا تجاوزت مستواها الإجرائي الذي بدأت به متمثلا في حرية العقل وفي الفصل بين الدين والدولة، إلى المستوى الفلسفي أو العلمانية الشاملة مقابل العلمانية الجزئية بلغة المرحوم المسيري.

    مفهوم العلمية والعلمانية عند الأستاذ محمود محمد طه
    يقول الأستاذ في ديباحة كتبها للدستور:
    "الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية‏.‏‏. اشتراكية ماركس علمانية، وليست علمية‏.‏‏ وكذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا‏‏. الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص‏.‏‏. وتجيء العبارة عنه في القرآن "وعد الله ، لا يخلف الله وعده، ولكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!" سماه، ونفي عنه، أنه علم‏.‏‏. قال" لا يعلمون" ثم قال" يعلمون ظاهرا"‏.‏‏. وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا‏.‏‏. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا - الحياة السفلى - حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى‏ الحياة العليا، وهي حياة الإنسان‏. كارل ماركس ينكر الغيب، وينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، ومن ثم فهو علماني، وليس عالما‏.‏‏.
    العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، والحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: (الدنيا مطية الآخرة).. العالم ذكي، والعلماني شاطر.. والفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، ويقيم الوزن بالقســــط.. والشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب ليل.. الذكي يعرف الوسائل والغايات، وينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يُصرَف في تحصيل الغاية.. والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، وبعلمية لتتأدى إلى الغاية المرجوة منها.. ولا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء‏"..

    "الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية – قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة‏.‏‏. هي حضارة، وليست مدنية‏.‏‏. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة‏‏ . لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، ولكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، وإنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة‏.‏‏. لقد وصلت هذه الحضارة إلى نهاية تطورها، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول - طريق المادية الخالية من الروحية‏.‏‏. ولابد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من أن تعود لتدخل من جديد، في الطريق العلمي‏.‏‏.

    "إن العلمية لا تستغني عن العلمانية، وإنما تضعها في موضعها، وهو موضع الوسيلة من الغاية، على غرار "الدنيا مطية الآخرة".‏‏. فمن استغنى بالدنيا عن الآخرة، فقد ضل ضلالا بعيدا‏.‏‏. ومن حاول أن يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل‏.‏‏. والقصد القويم هو أن تأخذ من دنياك زاد الراكب، إلى أخراك‏.‏‏. هذا هو المقصود بقولنا إن العلمية لا تستغني عن العلمانية‏ .الحضارة العلمانية، المادية الآلية، الحاضرة، حضارة عملاقة، ولكنها بلا روح، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح، وتوجهها الوجهة الجديدة، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله."

    "علينا أن نعلم أنفسنا! وأن نعلم شعبنا، وأن نعيد تعليم المتعلمين منا، من جديد، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي‏.‏‏. ..وأما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، والمعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، وصيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته‏.‏‏.
    لقد قلنا إن العلم المادي، والعلم الروحي، قد اتفقا على وحدة الوجود، وذلك يعني أن بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلتي العلم المادي، والعلم الروحي، قد ظهرت لنا على حقيقتها، بفضل الله علينا، ثم بفضل هذين العلمين. ... إن علينا لأن نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة على المواءمة بين حياته وبيئته هذه الجديدة، ولما كانت هذه البيئة الجديدة، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي، كما سبق أن قررنا، أصبح على الحى أن يعلم مظهرها ومخبرها - خصائصها وكنهها - وهذا ما يوجب تعلم العلم المادي، التجريبي، والعلم الروحي، كليهما، لكي يتم تواؤم الحى مع بيئته هذه القديمة، الجديدة‏.‏‏."

    النعيم وتطور مفهوم العلمانية
    * أول ما يتبادر إلى الذهن بعد الاطلاع على كتاب دكتور عبدالله النعيم، أنه إنما يعني بعلمانية الدولة، حياد الدولة تجاه الأديان والأيدلوجيات المختلفة.
    1/ يؤكد النعيم أن أطروحته رغم مخالفتها للفهم الشائع عن علاقة الدين بالدولة (سواء بجمعهما، كما يقول الإسلاميون، أو إقصاء الدين عن الحياة العامة، كما يقول دعاة المرجعية اللادينية) فإنه مهتم كل الاهتمام بالتأسيس الاسلامي لأطروحته، وهو يرى أن العلمانية بالفهم الذي قدمه في كتابه هي حقيقة ما كان عليه حال المسلمين منذ انتقال النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى.

    2/ يشير د. النعيم إلى أن الأطروحة الأساسية في هذا الكتاب هي ضرورة الفصل المؤسسي بين الشريعة الإسلامية وأجهزة الدولة، رغم العلاقة العضوية واللازمة بين الإسلام والسياسة لدى المجتمعات الإسلامية. فالطرف الأول من هذه العبارة يؤشر نحو ما يسمى العلمانية في المصطلح الشائع، بينما يوحي الطرف الثاني بالمعنى المضاد لذلك. وهذه الجدلية الدائمة هي جزء من الأطروحة المقدمة للنقاش في كتابه، بأن العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع تقوم على أساس الحوار والتفاوض المستمر في الإطار الخاص بكل مجتمع، وليس بفرض صيغة محددة، سواء كان ذلك بدعوى الفصل الكامل أو الجمع القاطع بين الدين والدولة. وإن معالجة جدلية الفصل بين الإسلام والدولة مع الربط والضبط لاستمرار العلاقة بين الإسلام والسياسة إنما تكون من خلال التفاعل الاجتماعي الإيجابي على مدى الزمن، لا بمحاولة فض التعارض بصورة فورية من خلال التحليل النظري.
    3/ من الضروري (عند د. النعيم) النظر لعلاقة الدين بالدولة من ناحية، وبالمجتمع والسياسة من ناحية أخرى في الإطار التاريخي لكل مجتمع على حدة، والابتعاد عن تصور تعريف شامل وعام لهذه العلاقة يطبق على جميع المجتمعات الإنسانية. وبعبارة أخرى (كما يقول) فإن الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية المعاصرة لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون عام أو أساس للسياسات الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك، غير أن هذا لا يعني إقصاء الشريعة عن الحياة العامة أو إسقاط دورها وأثرها على السياسات العامة للمجتمع.

    4/ وتفاديا لما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما يقول به، (يقول النعيم ويكرر القول) أنه استخدم مصطلح "علمانية الدولة" في كتابه الذي نحن بصدده لتمييز ما يقول عن العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية من ناحية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة (كما يقول) أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، ينبه القارئ إلى ملاحظة أن صفة "العلمانية" تلحق بالدولة لا بالمجتمع. كما أنه يستخدم عبارة "الدولة العلمانية" أو "علمانية الدولة" ليميز ما يقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية حين يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية التي تكتسب صفة "المدنية" من أن القائمين عليها ليسوا من رجال الدين (القساوسة) كما في المفهوم المسيحي.

    5/ كما أن الحديث عن الدولة العلمانية - حيث تلحق صفة العلمانية بالدولة وليس بالمجتمع - يُمكِّن من النظر والمقارنة بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن مصطلح "الدولة العلمانية" مفهوم في باقي أنحاء العالم باعتباره تحديداً لصفة الدولة وليس تحديداً لصفة المجتمع.

    6/ والتعريف التطبيقي لمفهوم الدولة العلمانية في كتاب النعيم هو أنه المبدأ العام لتنظيم العلاقة بين الإسلام والدولة بما يضمن مقتضيات الحكم الدستوري، والتعددية الدينية والمذهبية، والاستقرار السياسي والتنمية، في الإطار المحدد للمجتمع المعين حسب تكوينه الثقافي والعرقي وظروفه الاقتصادية والسياسية الفعلية. غير أن هذا التركيز على خصوصية هذه العلاقة بين الدين والدولة لكل مجتمع لا يعني أن كل علاقة "مزعومة" بين الدين والدولة مقبولة وعملية؛ إذا كانت لا تحقق التوازن بين امتناع تطبيق الشريعة بواسطة أجهزة الدولة كقانون أو سياسة عامة، من جهة، وامتناع إبعاد الشريعة عن مجالات الحياة العامة للمجتمع، من الجهة الأخرى. إلا أن هذه الموازنة (كما يقول ويؤكد) تأتي من خلال الممارسة العملية، وليس فقط بالتنظير الأكاديمي حول هذه المفاهيم. لهذا، فهو مهتم بوسائل التوعية الشعبية لإشاعة هذا الفهم للعلاقة بين الدين والدولة من ناحية، والدين والمجتمع من ناحية أخرى، تماماً كما يهتم بالتحليل والتوثيق لأطروحته الأساسية حول طبيعة هذه العلاقة.
    التفاوض المقارن حول علمانية الدولة
    * يقول د. النعيم تحت عنوان " التفاوض حول علمانية الدولة في المنظور المقارن": "ولعله مما يعين في بيان أن علمانية الدولة بالمعنى المقدم في هذا الكتاب لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، أن نلاحظ أولا أنه لا ينبغي الإصرار على تعريف ضيق وغير واقعي لعلمانية الدولة بأنها الفصل الصارم والمتشدد في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة بالدين، ثم إثارة المعارضة لذلك الفهم كأنه يعني امتناع أي نوع أو درجة من تنظيم وضبط العلاقة بين الدين والدولة. فذلك التعريف المتطرف لا ينطبق حتى على الدول الغربية التي نصفها بالعلمانية. فبدلا من مطاردة ذلك السراب من الأجدى مناقشة مفهوم علمانية الدولة كما هو مفهوم ومطبق حقا في المجتمعات المختلفة، كل في إطاره الخاص به. فعندما نرى التجارب المختلفة من هذا المنظور، سنجد أن كل المجتمعات تتفاوض حول علاقة الدين بالدولة في المسائل المتنوعة في مراحل زمنية مختلفة، بدلا من تطبيق مفهوم جامد أو نموذج صارم للعلمانية."

    * ولإلقاء الضوء على عملية التفاوض هذه من خلال الدراسة المقارنة، بدأ د. النعيم أولا بالعرض الموجز للتجارب التاريخية لعدد من الدول الغربية لبيان أن مفهومها لعلمانية الدولة هو في الحقيقة مفهوم مشروط ومتنازع عليه من الناحية النظرية والعملية في الإطار المحلي لكل حالة. فكما ظهر من عرضه فإن علاقة الدين بالدولة لم تكن فقط نتاجاً عضوياً لتاريخ وثقافة كل مجتمع بل ظلت كذلك خاضعة للمراجعة وإعادة الصياغة في كل مكان، ومن وقت لآخر. إلا أن مدخل النظر إلى مفهوم علمانية الدولة من خلال التفاوض في الإطار المحلي لا يعني عدم إمكانية التعرف على بعض المبادئ العامة المتصلة بهذا المفهوم في التجارب المختلفة. كذلك لا يعني هذا أن تبعات هذا المفهوم هي من خصائص كل مجتمع ولا علاقة لها بالمجتمعات الأخرى. فمن الضروري والممكن - في تقديره - التعرف على فهم محدد بالقدر الكافي لمفهوم علمانية الدولة وتبعاته من خلال التحليل المقارن للتجارب المختلفة في سعيه لتعريف مفهوم علمانية الدولة لمجتمعاتنا الإسلامية.
    * ثم عرض النعيم بعد ذلك لحالة إنجلترا، والسويد، وقد حققت السويد ما حققته إنجلترا من اعتماد للتعددية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة، إلا أن ذلك تم في السويد بطرق قانونية أكثر مما حدث في إنجلترا، حيث تم التحول من خلال العرف المتبع بدلا من التشريع. وعلى الرغم من اختلاف الحالتين، فلا شك في حقيقة علمانية الدولة في إنجلترا والسويد.

    * ثم استعرض د. النعيم نموذج فرنسا الذي يعد (في نظره) نموذجاً ثالثاً ومختلفاً إذ إن الفصل بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة هو التقليد الثابت منذ الثورة الفرنسية كما يقول. ويسمى النموذج الفرنسي لايستيى (Laiciate) لتأكيد التزام الدولة بتنمية منظومة القيم الوطنية المدنية بالإضافة إلى حياد الدولة تجاه الدين. وكانت بداية الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة عام 1795 بمنع تمويل الدولة للمناشط والمؤسسات الدينية أو الاعتراف بالوظائف الدينية. ثم بدأت السلطات المدنية في التحكم في مناشط القساوسة والحياة الدينية. ووجهت هذه الخطوات في البداية تجاه الكنيسة الكاثوليكية ثم تم تطبيقها على الكنائس البروتستانتية واللوثرية، وكذلك على الديانة اليهودية. وبذلك أصبحت هذه الديانات الأربعة معترفاً بها رسمياً وصاحبة موقع خاص طوال القرن التاسع عشر، وشمل ذلك امتيازات وضمانات قانونية للقساوسة ودفع مرتباتهم والوضع القانوني الخاص لممتلكات الكنيسة. وكذلك تواصل الجدل العام طوال القرن التاسع عشر بين دعاة العودة إلى النظام القديم لنفوذ الكنيسة والمعارضين لذلك. وبنهاية القرن التاسع عشر غلب التيار المتشدد في عدائه للكنيسة الكاثوليكية.

    وفي عام 1905 صدر القانون، الذي لا يزال سارياً حتى اليوم، والذي يضمن حرية الاعتقاد والممارسة الدينية العلنية، لكنه ألغى الدور الخاص للكنائس المعترف بها. وبذلك تحولت الكنائس من مؤسسات عامة إلى ما يشبه القطاع الخاص. وهكذا رغم أن القانون لم يمنح أية ديانة ميزة خاصة على غيرها، فقد ظل من الممكن للحكومة إصدار التشريعات التي تحقق بعض الامتياز لدين أو لآخر.

    *يقول د. النعيم: "وهناك اختلاف واضح في علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالدولة في إيطاليا عما عليه الحال في فرنسا."
    * أما في حالة الولايات المتحدة، فيرى د. النعيم أن الإجماع الوطني بخصوص علاقة الدين بالدولة يعود إلى عهد الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر؛ فقد اتفق قادة الثورة، على اختلاف معتقداتهم الدينية، على حرية الاعتقاد والممارسة الدينية دون إكراه من الكنيسة أو الدولة. فنص الدستور الأمريكى، على فصل الدين عن الدولة من ناحية، وضمان الحرية الدينية من الناحية الأخرى، وهكذا حرصت الوثائق التأسيسية على حماية الدين من الدولة وحماية الدولة من الدين.
    وهذا النموذج يجمع بين الحرص على فصل الدين عن الدولة، مع التقدير لأهمية الدين كمصدر للقيم الأخلاقية التي تدعم نظام الحكم الجمهوري. كما نجد أن الدين لعب دوراً مهماً في نجاح الثورة الأمريكية؛ حيث استخدم الثوار الخطاب الديني في إثارة الحماس وتعبئة المواطنين ضد الحكم البريطاني الملكي في ذلك الوقت. وبذلك فقد كان الدين أساساً قوياً للإجماع الوطني خلال تحولات سياسية كبرى.

    ولقد كان لفصل الدين عن الدولة آثار واضحة في الحياة الدينية والمدنية العامة في الولايات المتحدة. ففي ظل غياب دعم الدولة للمؤسسات الدينية، تحتم على الكنيسة الاعتماد على "العضوية الطوعية" والتبرعات المالية من أعضائها، مما جعل الممارسة الدينية أقل طقوسية وأكثر اعتماداً على الديمقراطية والتنظيم المحلي ودفع الاتجاه العملي الواقعي في أعمال الجماعات الدينية. وبذلك تعمقت جذور مبدأ التنوع والتعددية الدينية في الوعي الأمريكي العام والثقافة الشعبية؛ مما شجع على ظهور الجماعات الدينية المستقلة.

    * ومن هذا العرض الموجز لعلاقة الدين بالدولة وبالحياة العامة في عدد من الدول الغربية المعروفة بأنها دول علمانية (يقول النعيم) يظهر جلياً أن علمانية الدولة أو الدولة المدنية لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة. كما يظهر جلياً أيضاً أن هذا التفاوض المتواصل حول علاقة الدين بالدولة والسياسة، ودوره في المجتمع بصورة عامة، إنما يكون دائماً في المسار والإطار التاريخي الديني والسياسي لكل مجتمع، وليس عن طريق صيغة جاهزة وتعريف قاطع لمفهوم علمانية الدولة أو حتى العلمانية كمذهب فلسفي أو فكري. وسنجد أن هذه الخلاصة صحيحة في حق دول غربية أخرى مثل إسبانيا، وألمانيا، وهولندا. ومن منظور أطروحة هذا الكتاب، وعند رفض المفهوم الجامد والتعريف المطلق لعلمانية الدولة أو الدولة المدنية، فإننا نجد أنه من الأفضل التعرف على الظروف والملابسات الموضوعية التي يتم فيها هذا التفاوض في كل مجتمع في إطاره التاريخي، بدلاً عن افتراض نتائج مسبقة ومحددة لجميع المجتمعات. ومع أن البحث المقارن قد يفيد في توصيف وفهم التجارب المختلفة للمجتمعات على المدى التاريخي البعيد والقريب، فإن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن طبيعة ومناهج ونتائج علاقة الدين بالدولة مسألة مستقرة أو مفروغ منها على أساس نظرية أحادية أو نظرية للموضوع.

    مفهوم ومنهج كتاب النعيم
    * يدعو د. عبدالله النعيم إلى علمانية الدولة (كما يقول)، من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع. فالأطروحة التي يقدمها في كتابه يؤكد أنها تتعلق ببطلان مفهوم الدولة الدينية ولزوم الدولة العلمانية من المنظور الإسلامي، وليس من منطلق العلمانية كموقف فلسفي رافض للمرجعية الدينية. وكل جوانب كتابه (في نظره) هي محاولة في التوضيح والإقناع بهذه الأطروحة، ولكن فقط في حدودها هي وليس بغيرها من المسائل التي قد تنشأ في ذهن القارئ. فقوله ببطلان مفهوم الدولة الدينية يعني أن هذه الفكرة لا تستقيم عقلا ولا دينا لأنها تنسب التدين للدولة وهي مؤسسة سياسية بالأساس ولا تمتلك أن تعتقد في أي دين أو تمارس شعائره؛ وكل ما ينسب للدولة من مواقف وأفعال هو على سبيل المجاز لا الحقيقة لأن من يقرر ويفعل ويترك دائما هم البشر القائمون على شؤون الدولة. ويستقيم القول بأن الدولة علمانية لأن تلك هي صفتها كمؤسسة تعارف عليها البشر وأوكلوا إليها مهام محددة تتعلق بحقوق وواجبات ومصالح عموم المواطنين.

    * والأطروحة التي يقدمها النعيم في كتابه هي مجرد إطار عام ومنهج للنظر في علاقة الدولة بالدين وعلاقتها بالسياسة. فقوله بضرورة الفصل بين الدين والدولة لا يعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، بل هو من دعم الدور الجوهري للدين الذي يتحقق في قلوب وعقول المسلمين ومن خلال سلوكهم اليومي، وليس بإرادة مؤسسات الدولة التي تخضع حتما لتأثير المعتقدات الدينية والمصالح الدنيوية للقائمين على هذه المؤسسات. وقوله باستمرارية الربط بين الدين والسياسة هو إقرار بهذه الحقيقة القائمة في الواقع شاء الناس أم أبوا، مع الدعوة إلى ضبط وتنظيم علاقة الدين بالسياسة بما يضمن حياد مؤسسات الدولة تجاه عقائد الناس الدينية التي لا تصح مع الإكراه الذي يؤدي حتما إلى النفاق. لذلك، فإن دعوته لحياد الدولة تجاه الدين هي لتفادي أن تصبح سلطات وقدرات الدولة، في مجالات كالقضاء وأجهزة الأمن والمالية والإدارة العامة، أداة باسم الدين في أيدي القائمين على مؤسسات الدولة. فالخطر الأكبر يكمن فى قمع المعارضة السياسية لنظام الحكم على أساس ديني واعتبار المعارضة للنظام معارضة للإسلام نفسه كما حدث على مدى التاريخ.

    * يؤكد د. النعيم ضرورة معالجة جدلية الفصل بين الدين والدولة مع الارتباط الوثيق والدائم بين الدين والسياسة، خصوصا أن الدولة هي مؤسسة سياسية ومتأثرة بمعتقدات ومصالح القائمين عليها، ويقدم عدداً من المقترحات المحددة لهذه المعالجة بصورة مستمرة، بدلا من توهم إمكانية تفاديها أو حلها بصورة قاطعة ودائمة. فالدعوة في الكتاب هي دعوة للإطار العام والمنهج، وليس لإصدار أحكام أو فتاوى حول مسائل معينة في أمور السياسة العامة والقضاء، لأن ذلك يتم من خلال الحوار العام والتنافس السياسي وفق ضوابط الحكم الدستوري والأخلاقية والتقاليد الثقافية للمجتمع. وهذه الضوابط تعمل في مجال تنظيم الأمور المتعلقة بتصرفات الدولة، عبر سياساتها الحكومية، وكذلك الإصلاحات الدستورية والقانونية، كما تؤثر على السلوك في المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. فالمطلوب هو أن يكون السعي لتأكيد الحياد الديني للدولة، والحكم الدستوري، وحقوق الإنسان، بشكل يتسق مع مبادئ الإسلام للمسلمين، وأي مرجعية يريدها غيرهم من المواطنين، عسى أن يؤثر هذا المنهج على الثقافة الشعبية والسلوك اليومي والعلاقات الاجتماعية. (المصدر: الاسلام وعلمانية الدولة – د. عبد الله النعيم – الصفحات من صفحة 5 إلى صفحة 22 طبعة دار ميريت القاهرة 2009)

    * يقول د. عبدالله النعيم هناك مسألة اصطلاحية يجب أن يوضحها، وهي العلاقة بين ما يدعو إليه في كتابه، ومصطلح ومفهوم "العلمانية". يتشابه الطرف الأول من أطروحته، بفصل الإسلام عن الدولة، مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين اليوم لاعتقادهم بأنها استبعاد كامل للإسلام عن الحياة العامة. أما الطرف الآخر من الأطروحة، المتعلق بتأكيد الصلة بين الإسلام والسياسة، فهو يخفف من تلك المخاوف ويصحح الفهم السلبي الشائع للعلمانية، بين المسلمين، الذين لا يميزون بين فصل الدين عن الدولة، من ناحية، وصلة الدين بالسياسة، من ناحية أخرى. وغياب التمييز هذا يؤدي إلى فهم الدعوة لفصل الإسلام عن الدولة بأنها استبعاد الإسلام عن المجال العام، وحصره في المجال الخاص. وبما أن هذا ليس ما يدعو إليه (كما يقول)، فقد يكون من الحكمة استعمال مصطلح علمانية الدولة، بدلاً عن العلمانية، لكي لا يثير المعارضة لقوله بالرؤية السلبية الشائعة عن العلمانية بين المسلمين. فبدلاً عن تبديد الجهد (يقول) في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، يستخدم النعيم مصطلح "علمانية الدولة" على أن يفهم منه أنه يعني فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة.

    * ومن أجل تجنب ما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما يقول به يؤكد د. النعيم أنه استخدم مصطلح الدولة المدنية بجانب مصطلح علمانية الدولة في كتابه، لأن القارئ العربي المسلم قد يظن أنه يدعو إلى العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة هو أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، (أو على الأقل) إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، (يقول د. عبدالله) إن استخدام عبارة مصطلح الدولة المدنية للتنبيه إلى أن ما يقول به ينصرف إلى الدولة وليس إلى المجتمع. كما أنه استخدم عبارة علمانية الدولة ليميز ما يقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية. وفضلا عن ذلك فإن استخدام مصطلح الدولة العلمانية يفيد في النظر المقارن بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن عبارة الدولة العلمانية هي أيضا مفهومة في باقي أنحاء العالم باعتبارها تحديداً لصفة الدولة وليس لصفة المجتمع.
    *وخلاصة الأمر بإيجاز، فإنني أدعو إلى الدولة المدنية أو علمانية الدولة من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع. (الصفحات 35، 36، 37، من كتاب د. النعيم الإسلام وعلمانية الدولة)

    علمانية الدولة من خلال التفاوض
    * مصطلح secular"" في اللغة الإنجليزية، والتي تترجم عادة "علماني" مستمدة من الكلمة "Saeculum" باللغة اللاتينية والتي تعني "مدى زمني طويل" أو "روح العصر" والتي توحي بوجود عالم آخر، ثم تدرج الفهم ليعني التمييز بين العلماني المتعلق بهذا العالم والزمن في الإطار الأوروبي من العلمنة التي تعني تحويل العقارات التي تملكها الكنيسة إلى الملكية الخاصة إلى علمنة السياسة، والفنون والاقتصاد.
    * وكما سبق البيان (يقول د. النعيم) في الاستهلال لهذا الكتاب فإن العلمانية حتى في دول الغرب لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع، رغم شيوع هذا الخلط بين عامة المسلمين وما نتج عنه من معارضه لهذا المفهوم. وصحيح أن هناك مفهوماً فلسفياً معادياً للدين يوصف أحياناً بالعلمانية، إلا أن الفهم المتطرف للمصطلح لا يوافق حقيقة الحال في الدول التي توصف بالعلمانية فبدلاً من المغالطة حول إمكانية التعريفات المتطرفة هذه من الأفضل مناقشة المفهوم كما هو في التجارب المعاصرة للمجتمعات المختلفة. ومن هذا المنظور الواقعي نجد أن كل المجتمعات إنما تتفاوض حول العلاقة بين الدين والدولة فيما يتعلق بقضايا وسياسات محددة وليس على إطلاق العلاقة بصورة فلسفية عامة. وفهم مصطلح العلمانية كما يحدده السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي لكل مجتمع في كل وقت أو مرحلة من حياة ذلك المجتمع لا يعني استحالة استخلاص مبادئ وصفات عامة لهذا المصطلح بالنظر المقارن للتجارب المختلفة. وليس من منظور مفهوم شامل ومجرد يمكن تطبيقه ونقله من مجتمع لآخر. (صفحة 71 من كتاب د. النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة)

    علمانية الدولة عند النعيم وعلاقة الدين والآيدلوجية بالسياسة وفق المنطق المدني، هي محاولة جادة لارساء دعائم دولة محايدة خادمة للمواطنين، بغض النظر عن عقائدهم وأديانهم وأيدلوجياتهم ومذاهبهم، ويبذل فيها جهد مضنٍ لضبطها عبر المفاوضة المستمرة، حتى لا تستغل أو يتغول عليها من قبل من يديرونها من أفراد أو كيانات سياسية في هيئة حكومات زمنية.
    طرح النعيم هذا في نظره طرح مرحلي يستهدف الطرح النهائي وهو ارساء الدولة الانسانية العلمية كما هو مشروح ومبوب في طرح الفكرة الجمهورية عن الرسالة الثانية من الاسلام. والدولة بهذا الطرح تتيح للجمهوريين ولغيرهم الحرية لهم ولسواهم و"الحشاش يملا شبكتو" حيث يكون الأمن مستتبا والضبط الدستوري للدولة ولادارتها من الحكومة المنتخبة متوفرا وقائما بالقسط بين حركة الدولة في خدمة مواطنيها وحركة الحكومة الزمنية في إدارة دولاب الدولة..
    لا سبيل لقيام الدولة الانسانية العلمية إلا عن طريق التدافع بين معتنقي الفكرة الجمهورية ومعتنقي الأديان والأيدلوجيات والمذاهب الأخرى في جوٍ صحيٍ منضبط..تحت مظلة دولة محايدة تتيح الفرصة لعلاقة صحية بين الأديان والأيدلوجيات المختلفة والسياسة، وعبر ارساء الدستور الانساني وارساء القوانين الدستورية التي توفق بين حاجاة الفرد للحرية وحاجة الجماعة للعدالة..
    هل انفرد النعيم برؤية تطور مفهوم العلمانية؟
    * والاجابة القريبة هي أن د. عبدالله النعيم لم ينفرد برؤية تطور مفهوم العلمانية، من المفهوم التاريخي الصارم الذي كان يبعد الدين عن فضاء السياسة والدولة والحياة، ويقصيه عن تلك المشاركة، وبين مفهوم العلمانية المرن الذي اكتسب المرونة والتطور عبر التفاعل الزمني الايجابي بعد القطيعة المزمنة والمتزمتة بين الديني واللاديني.
    يقول المرحوم عبد الوهاب المسيري:
    * ما هي العلمانية؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطا، والإجابة عنه أكثر بساطة، فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة، أليس كذلك؟ قد يندهش القارئ إن أخبرته أن إجابتي عن هذا السؤال بالنفي وليس بالإيجاب.
    ثم يجيب فيقول: وانطلاقا من هذا قمت بالتمييز بين ما أسميه "العلمانية الجزئية" التي يمكن أن أطلق عليها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية" وهي "فصل الدين عن الدولة" من ناحية، ومن ناحية أخرى ما أسميه "العلمانية الشاملة" وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. (المصدر: بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - عبد الوهاب المسيري الجزيرة نت 2010)
    يقول النعيم: "وتفاديا لما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما أقول به، أقول هنا، وأكرر أكثر من مرة فيما بعد، لقد استخدمت مصطلح "علمانية الدولة" في هذا الكتاب لتمييز ما أقول عن العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية من ناحية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصاءه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، أرجو أن يلاحظ القارئ أن صفة "العلمانية" تلحق بالدولة لا بالمجتمع. كما استخدم عبارة "الدولة العلمانية" أو "علمانية الدولة" لأميز ما أقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية التي تكتسب صفة "المدنية" من أن القائمين عليها ليسوا من رجال الدين (القساوسة) كما في المفهوم المسيحي."
    ولا يعني ذلك أن النعيم انصرف كلية عن استخدام مصطلح مدني في كتابه "الإسلام وعلمانية الدولة" بل استخدم مصطلح الدولة المدنية وداول بينه وبين مصطلح علمانية الدولة لأغراض البحث المقارن (كما يقول) وكذلك لأن مصطلح علمانية الدولة شائع ومفهوم حتى بين بعض المجتمعات الإسلامية بأنه صفة الدولة وليس صفة المجتمع يقول النعيم:
    "وقولي بأن بطلان مفهوم الدولة الدينية والتزام الدولة المدنية هو في المرجعية الإسلامية؛ يعني تلك المرجعية كما أفهمها وأحاول أن ألتزم بها أنا." أكثر من ذلك فقد عنون الفصل الأول من كتابه الذي نحن بصدده بـ "الدولة المدنية وسيلة التدين في المجتمع" (النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة صفحة 20 وصفحة 29)
    ويقول أيضاً:
    " وقبل المواصلة في تقديم هذه الأطروحة هناك مسألة اصطلاحية يجب أن أوضحها هنا، وهي العلاقة بين ما أدعو إليه في هذا الكتاب، ومصطلح ومفهوم "العلمانية". يتشابه الطرف الأول من أطروحتي، بفصل الإسلام عن الدولة، مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين اليوم لاعتقادهم بأنها استبعاد كامل للإسلام عن الحياة العامة. أما الطرف الآخر من الأطروحة، المتعلق بتأكيد الصلة بين الإسلام والسياسة، فهو يخفف من تلك المخاوف ويصحح الفهم السلبي الشائع للعلمانية، بين المسلمين، الذين لا يميزون بين فصل الدين عن الدولة، من ناحية، وصلة الدين بالسياسة، من ناحية أخرى. وغياب التمييز هذا يؤدي إلى فهم الدعوة لفصل الإسلام عن الدولة بأنها استبعاد الإسلام عن المجال العام، وحصره في المجال الخاص. وبما أن هذا ليس ما أدعو إليه، فقد يكون من الحكمة استعمال مصطلح علمانية الدولة، بدلاً عن العلمانية، لكي لا أثير المعارضة لقولي بالرؤية السلبية الشائعة عن العلمانية بين المسلمين. فبدلاً عن تبديد الجهد في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، سوف أستخدم مصطلح "علمانية الدولة" على أن يفهم منه أنه يعني فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة كما سبق القول.
    وكما سبقت الإشارة في الاستهلال، فإني أداول استخدام مصطلح الدولة المدنية وعلمانية الدولة لأغراض البحث المقارن، وكذلك لأن مصطلح علمانية الدولة شائع ومفهوم حتى بين بعض المجتمعات الإسلامية بأنه صفة الدولة وليس صفة المجتمع. والغرض من التداول بين المصطلحين هو التمييز بين ما أدعو إليه عن مفهوم العلمانية كفلسفة عامة للحياة دون مرجعية دينية، مع الاحتفاظ بالقدرة على النظر المقارن في تجارب المجتمعات الإنسانية المختلفة.
    "ومن أجل تجنب ما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما أقول به فقد استخدمت مصطلح الدولة المدنية بجانب مصطلح علمانية الدولة في هذا الكتاب، لأن القارئ العربي المسلم قد يظن أنني أدعو إلى العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة هو أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصائه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، فإن استخدم عبارة مصطلح الدولة المدنية للتنبيه إلى أن ما أقول به ينصرف إلى الدولة وليس إلى المجتمع. كما أني استخدم عبارة علمانية الدولة لأميز ما أقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية. وفضلا عن ذلك فإن استخدام مصطلح الدولة العلمانية يفيد في النظر المقارن بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن عبارة الدولة العلمانية هي أيضا مفهومة في باقي أنحاء العالم باعتبارها تحديداً لصفة الدولة وليس لصفة المجتمع.
    وخلاصة الأمر بإيجاز، فإنني أدعو إلى الدولة المدنية أو علمانية الدولة من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان أو المجتمع." (النعيم - الإسلام وعلمانية الدولة صفحة 36 و37)
                  

06-19-2013, 12:31 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    الاخ كمال عباس
    شكرا على المرور والكلمات الطيبة فى حق المرحوم الاستاذ بشير
                  

06-20-2013, 07:39 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للكتابة فى الذكرى السنوية الأولى لرحيل الاستاذ بشير بكار (Re: طلعت الطيب)

    في إطار إحياء ذكرى الراحل بشير بكار يقدم المنتدى الإسبوعي فيلم مساء الخميس 20 / 6

    والفعالية الختامية يوم السبت أو الأحد تحتوي على فيلم وثائقي عن الراحل وفقرات أخرى.

    دار الحركة بالديم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de