قلت ممازحا لصديقى حسن الجزولى اننى(تكبدت مشاق السفر) لاحصل على نسختى من كتابه الاخير(السيده فوز) ولعل الكثيرين من ابناء جيلى يتذكرون عبارة( الذين تكبدوا مشاق السفر) والتى كثيرا ما وردت فى ذيل الشكر الذى تعود اهل السودان نشره فى الصحف بعد اسابيع من وفاة احدهم ..على تلك الايام كان السفر شاقا ولم يكن خطرا كما اليوم ولا ادرى هل عُدلت العباره ام تركت ككثير من الاخطاء الشائعه. يبدأ الجزولى كتابه لينبئك ومنذ الوهلة الاولى انه موثق من الطراز الاول وتحس ذلك بحرصه الشديد على الاشاره الى المراجع والشرح المستفيض لغريب الالفاظ والتعابير ولعل استعانة الجزولى بمراجع اوليه اضافة الى معرفته بالحياة فى امدرمان وربما وجود بعض من اسرته الممتده لعل كل ذلك مكّنَهُ من ان يضعك امام مشاهد اقرب الى الشريط السينمائى. ..كل ذلك اعطى الكاتب قدرة على تصوير المسرح الذى جرت عليه تلك الاحداث . يضعك الكاتب احيانا امام استرسال تبحث له عن ضروره فهو حينا يحدثك عن ايقاع التمتم وياتى باراء المتخصصين يفعل ذلك رغما عن القارئ قد اعٍدَ ليقرا عن (فوز) وعوالمها . وحينا اخر يضعك الكاتب امام جدل لا متناهى حول من هى (فوز) وهل اطلق هذا الاسم على (الشول بت حلوه) ام ان هنالك اخريات قد حملن هذا الاسم ورغما عن تغليب الكاتب للاحتمال الاول الا ان الواضح ان الجدل لم يحسم بعد حول هذا الامر عند كثير ممن تناولوا هذه الفتره. ربما قال قائل ما اهمية التوصل الى هذه التفاصيل بيد اننى ارى ان عدم القدره على التوصل اليها يكشف فداحة وعمق الازمه فيما يتعلق بتدوين تاريخنا حتى الحديث منه. يضعك الكاتب امام تفصيل ممعن حول حياة خليل فرح ويحاول ملامسة العلاقة الخاصه بينه و(فوز) ولكنه سريعا ما يبتعد لاسباب لا يعرفها القارئ ثم يحدثك الجزولى عن انكار حفيدة (فوز) لاية علاقة لها ب(الاتحاد السودانى) وهو انكار لم اجد له مايبرره سوى الخوف على جدتها من تعقيدات السياسه حتى بعد ان ووريت الثرى وهذا جانب اخر من الجوانب التى لم يسبر الكاتب غورها. ثم يحدثنا الكاتب عن (الاتحاد السودانى) وعمن انتموا اليه وكيف تطور هذا التنظيم ولكن القارئ سرعان ما يجد نفسه خارج هذا السياق وليدخله الكاتب من جديد فى ليالى (دار فوز) وغناء الخليل و(بوهيمية) تلك المجموعه والتى لم يشر اليها الكاتب صراحة ولكنه اتى بما يشير اليها. فى الاجزاء الاخيره يهيئ الجزولى قارئه الى نهايات تشبه ما ورد فى القصص القرآنى حيث تختفى امم بكاملها من على وجه البسيطة فسامر ابطال(الدار) سرعان ما انفض وكانما اراد كاتبنا ان يختم بحثه بموت الخليل والذى مثّل وحسب ما جاء فى الكتاب علامه فارقه فى حياة هذه المجموعه..اتيحت للكاتب ان يتعرف على جوانب هامه من الحياة الامدرمانيه ولكنك كقارئ تحس وبعمق انه قد امسك عن كتابة ذلك ولعل الخوف المقيم لدى كثير من كتابنا هو ما يتسبب فى ذلك. من هى فوز ما هى الظروف التى برزت فيها ومن هم الذين شكلوا رواد لدارها وما هى الظروف السياسيه و الاجتماعيه والاقتصاديه التى صاحبت بروز هؤلاء ..ماذا قدموا لشعبهم مجموع هذه الاسئله لو وجد لها كاتبنا عنوانا لاضاف شيئا قيما للمكتبة السودانيه اما سيرة (فوز) كاحدى الشخصيات المحوريه انذاك فاننى ازعم ان فيه مغالاة خصوصا حينما يقارب البعض بين تجربتها وتجربة (مى زياده ) لا لشيئ الا لان ما دار فى ديوان (مى) موثق وبالصور فى مقابل قصة يرويها شعب اجاد المشافهة وعدم التدوين هذا يجعل المتاح من معلومات عن اخطر القضايا لا يصلح لكتابة مقال دع عنك كتاب. التحية للصديق حسن الجزولى ولتمضِ يا صديقى فى دربك هذا عساك واخرين تؤسسون لذاكرة لهذه الامة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة