اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 09:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2013, 10:12 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل

    يتيح الانترنت للقارىء خيارات متعددة لدرجة الازعاج اهمها كم هائل من المقالات التى يجدها المتصفح من موقع لاخر لا يجد الزمن الكافى للاطلاع عليها ودائما ما اختار مقالات مهمة لكتاب سودانيين تعالج قضايا الوطن المهمة ..تسهيلا له
    واليوم نبدا بمقال مهم للزميل والصديق معاوية يس مدير مكتب الحياة بالمملكةالسعودية الشقيقة عن حال اهل الحكم الذى تبدل نحو الفنان الفقيد محمود عبد العزيز بعد وفاته بعد ان كان مطاردا منهم فى حياته الخاصة والعامة وسوف اردفه بمقال قوى للكاتب الكبير الاستاذ حيدر ابراهيم كتبه العام الماضى عن معاناة هذا الفنان مع اهل السلطة ومن ثم نتواصل مع مقالات مهمة فى الشان السودانى تم نشرها فى وسائط مختلفة ..




    المشهد بعد رحيل محمود عبد العزيز،،

    القاتل في جنازة القتيل ...

    اختطاف تكرر مراراَ!



    01-19-2013 07:03 معاوية يس

    من أسف أن هذه الكلمة تأتي بعد فاجعة رحيل الفنان محمود عبد العزيز. ضاع من بين أيدينا خلسة. والأشد عجباً أن الحكومة التي تسببت في موته- بشكل أو بآخر- كانت أول الباكين في مأتمه. فقد "احتسبته" رئاسة الجمهورية والمؤتمر غير الوطني ورئاسة الشرطة ومعتمدية الخرطوم بحري. والأكثر إثارة للتعجب والأسى أن رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق المهندس محمد عطا المولى وجه بإرسال طائرة لتقل جثمان الفقيد. كل هذا التباكي والتظاهر بالحزن على فنان الشباب الذي أهانوه وحكموا عليه بالجلد وبالسجن، وأرغموه على التغني بالأماديح الدينية، في محاولة حقيرة لتجيير شعبيته وتأثيره غير العادي في الشباب لمصلحة حروبهم، وسياساتهم الطائشة الغبية، وتجميل وجوههم الشائهة. ولكنها عادتهم المرذولة في استغلال الموتى لمصلحة نظامهم. فعلوا ذلك مع محمد وردي حين سارعوا لتشييع جنازته في الصباح الباكر لدواع أمنية. وهكذا فعلوا مع زيدان حين أهملوه وحكموا عليه بالجلد، وجاءوا في مأتمه ليقولوا للناس إن الراحل شيد مسجداً! وها هم يُقدِمون على الفعلة نفسها مع جثمان محمود عبد العزيز الذي أعادوه إلى البلاد ليلاً، في عز الشتاء، حتى لا يتحول غضب عشاقه ومحبيه من سوء الخدمات الطيبة الذي عجّل بنهايته، ومن إهمال الدولة له مريضاً إلى ثورة عارمة.

    ألا رحم الله محموداً الذي ستبقى منه الأغنيات العذبة، والصوت الصداح، وكرمه وبره بوالدته وإخوته، وإحسانه لكل من احتاج إليه. وستبقى سيرته العطرة التي لم تعرف خلافاً مع أحد، ولم يضغن في قلبه شيئاً على أحد. إنا لله وإنا إليه راجعون.
    ولا بد من السؤال: ثم ماذا بعد محمود عبد العزيز؟ لنقف أولاً على المشهد الذي تركه محمود: لا مندوحة من القول ابتداءً أن محمود كان فنان جيله الأوحد وفنان أجيال تلته! إذ كان إنتاجه الغنائي غزيراً في مدى زمني قصير. فقد كانت ذروة نشاطه منذ انطلاقه في 1987-1988 إلى أن وافاه الأجل المحتوم في مطلع 2013 أكثر من 140 أغنية. وحقق إنتاجه من التسجيلات الغنائية أعلى مبيعات، منذ شريطه الأول في عام 1994، وتتابعت تسجيلاته الصوتية مليئة بعشرات الأغنيات الخاصة والمسموعة. وتسابق الملحنون الكبار لتقديم أعمالهم لتظهر بصوته، وبطريقته غير المسبوقة في الأداء. فكان أن تغنى بألحان عبد اللطيف خضر، ويوسف القديل، ومستودع النغم الشعبي عوض جبريل، وعبد الله الكردفاني، ويوسف الموصلي، والماحي سليمان، وأحمد المك. كما تجرأ محمود وقدم أعمالاً لعدد من الأسماء الجديدة في عالم التلحين، ومنهم هيثم عباس، والشيخ محمد عثمان، وناصر عبد العزيز، ومحمد مركز، وعاكف حسن عدلان، وعباس السناري، وغيرهم.

    وفي المقابل، فإن المشهد الذي تركه محمود – عليه رحمة الله- يتمثل في وجود فنانين شباب بمعدل فنان لكل مواطن! وأغنيات تسيء للغناء ولأخلاق السودانيين. ومحاولات تقليد لأسلوب محمود عبد العزيز حتى وهو في عز شبابه وعنفوان مجده الفني.
    ترك محمود أبناء جيله وأجيالاً من المطربين الشباب الذين لن يصلوا إلى مثل ما وصل إليه محمود، مهما كانت براعة "الفهلوة" من جانبهم، ومهما كانت مصلحة النظام في السماح لهم بترويج فنونهم البائخة، وأغنياتهم السمجة. بكل بساطة لأهم لا يملكون الجدية التي ملكها الراحل في اجتهاداته الغنائية، ولا التميز الصوتي الذي اتسم به.

    أما ما كان من شأن الذين جايلوا محمود عبد العزيز، فقد ذكرت للفنان الشاب وليد زاكي الدين أن العبء الذي سيقع عليه بعد رحيل محمود كبير جداً، لأنه مطالب بالاجتهاد، وتحدي الظروف لملء الفراغ الذي تركه غياب محمود. وأعتقد بأن وليد زاكي الدين هو الأكثر اجتهاداً من معاصري محمود. فقد اجتهد بتقديم عدد من الأغنيات التي صادفت قبولاً ونجاحاً. وأثبت قدرة فائقة في معالجة غناء "حقيبة الفن"، إذ تصرف ببراعة تنم عن ذائقته وحلو تفسيره لتلك الأغنيات ومراميها، مع الإبقاء على الميلودية الأساسية لتلك الأغنيات. وبرع وليد مقدماً ناجحاً للبرامج التلفزيونية. ويكاد برنامجه المحتجب "كل الجمال" يكون البرنامج الوحيد الذي يقوم على فكرة، وتخطيط مسبق، وعناية بالإخبار وتقديم المعلومات، بدلاً من إرضاء الغرور الشخصي وإشباع النرجسية وممارسة أمراض الإسهاب في الكلام وتعدد الأزياء وملء الزمن بالكلام الأجوف. لا أعرف حقاً لماذا توقف وليد عن تقديم ذلك البرنامج. ولا أعرف إن كان بوسعه أن يعاود تقديمه. ولا أعرف لماذا قلص إطلالته خلال الآونة الأخيرة.

    ومن جيل محمود أيضاً بقي الفنان عصام محمد نور، بصوت متفرد، وأداء هادئ مدهش. وحاز عصام الإعجاب في ما تغنى به من أغنيات المطربين السودانيين الرواد، وما نفض عنه الغبار من غناء التراث، وغناء "حقيبة الفن". لكنه لم يأت بأغنيات خاصة به ترسخ في ذهن السامع، وتدهش المتابع، وتروي ظمأ عشاق الغناء والطرب إلى فن أصيل يمثل حلقة وصل مع تركة رواد الغناء السوداني من أغنيات رومانسية طويلة وخفيفة، ومن أناشيد وطنية تثير الحمية في النفوس، وتشد السامعين إلى وجدانهم الجمعي، وهويتهم الوطنية البعيدة عن تعقيدات السياسة وألاعيب السياسيين.

    أما الجيل التالي لمحمود ونديديه المذكورين، فإن أقلية منه تبدو متمسكة بالجدية، ومحاولات الإفلاح في تحقيق الشعبية المنشودة من خلال غناء جاذب، تتكامل مقوماته من كلمة شعرية جيدة، ولحن مقبول، وأداء موفق. ويتصدر تلك الأقلية الفنان عاصم البنا. غير أنه يبدو غارقاً أحياناً في تحقيق النجاح من خلال إعادة بعث أغنيات "حقيبة الفن". نعم؛ صحيح أن الأجيال الصاعدة من أبنائنا وبناتنا بحاجة إلى تعريف بماضي الغناء وأساسه، ومعرفة النجوم التي سمقت في سماء الغناء القديم والحديث والمعاصر. لكن التوقف طويلاً في محطة حقيبة الفن" سيجر عاصم البنا أكثر وأكثر إلى خانة الماضي، وخصماً على عطائه كفنان وملحن ومؤد. وصحيح أيضاً أن التنقيب في كنوز التراث لاستخراج درر الحماسة والفخر والتغني بالقيم النبيلة مطلوب في كل الأوقات، لكن المطلوب حقاً من عاصم البنا وأبناء جيله أن يبعثوا تلك القيم، ويصوروا تلك المعاني في قصائد حديثة، وتلحينها والتغني بها في تلك الإيقاعات الشعبية الجامعة للناس الموحدة بين صفوفهم. وهو ما فعله من تقدموهم في ساحة الغناء. فقد تغنى محمد وردي بإيقاع الدليب المعروف في أربع من أغنياته الناجحات (الريلة، القمر بوبا، بنحب من بلدنا، بسيماتك)، وحتى ما كان له منها أساس راسخ في الغناء الشعبي في منطقة الشايقية كالريلة والقمر بوبا تمت معالجته شعرياً على يد مهندس الغناء العظيم الشاعر إسماعيل حسن. وفي إيقاع الدلوكة الشائع في غالبية أرجاء السودان، استخدم وردي الإيقاع في أغنيات نظمت حديثاً، وصاغ لها ألحاناً تصطبغ بطابع مدرسته في التأليف والأداء (سليم الذوق- كلمات إبراهيم الرشيد، أسمح زي والمرسال- كلمات محمد علي أبو قطاطي؛ على سبيل المثال).

    أما الغالبية من مطربي الجيل الحالي، فيتصدرها شباب حققوا الشهرة والذيوع بمعان وقيم تدمر المجتمع، وتحطم الأخلاق والعادات، وترسخ تقاليد ذميمة لا يرضى بها عاقل لأبنائه وبناته. وهو بكل أسف جيل "الفهلوة"، واستغلال جهل الأجيال الصاعدة وانقطاع ماضيها عن حاضرها، وارتباكها من ضبابية مستقبلها. إنه جيل طه سليمان ونزار المهندس وأحمد الصادق وأخيه. إنه جيل من المغنين يعتمد في نجاحه الجماهيري على الإيقاع وضجيج "الكيبورد" وضحالة الكلمات التي تصورها أغنياتهم. وهي ضحالة وضآلة لم تقدم عليها حتى مغنيات ترقيص العرائس في عهود مضت، كان المجتمع فيها أشد تخلفاً، وأقل تعليماً، وأكثر فقراً.
    تضم هذه "الجوقة" من فناني الغناء المسى شبابياً: أحمد حسن قرقوري، أمجد باقيرا، أحمد مامون، أحمد بورسودان، أيمن سوريبة، الواثق كمال، بوتو، فتحي السمري، جبر الله عبد الوهاب، حامد اب سبح، حنفي سالم، خالد العمدة، خالد نجم الدين، سامي المغرب، شكر الله عز الدين، شريف محجوب، طه سليمان، عصمت بكري، إيهاب العمرابي، عزو العشير، عبد العزيز القلّع، علاء الدين الصاروخ، فارس أرباب، محمد الطيب، محمد حسن، محمد سند، محمد لطيف، منتصر هلالية، محمد توم، مشعل الجيلي، مسعود فايز، نزار المهندس، إياد جنيدابي، محي الدين أركويت، الشفيع الحاج، وغيرهم. وقرأت في كلمة لصديقنا الدكتور محمد عبد الله الريح أنه أحصى 1147 فناناً على شاشات الفضائيات السودانية منذ عيد الأضحى الماضي، أو نحو ذلك!
    ولا يخلو عشاق غناء هذا الجيش العرمرم من المغنين من ضحالة في الفهم، وقصر في النظر، حين يجودون بألقاب كبيرة على بعض هؤلاء المطربين، في حضرة من بقي من رواد الغناء الكبار، كشرحبيل أحمد وعبد الكريم الكابلي وعثمان حسين ومحمد وردي قبل رحيلهما. فأضحى الفنان طه سليمان "السلطان"، وأحمد الصادق "الامبراطور". وسنرى من واقع ما يتغنون به إن كان أي منهما يستحق أي درجة من التعظيم.
    لا أقول ذلك على سبيل إلقاء التهم جزافاً، ولا إلقاء القول على عواهنه. فمن أكثر الأغنيات رواجاً على ألسن فتيان هذا الجيل قول متشاعرهم:

    لو قايلة ريدتنا زي مهند ونور
    تبقي عيانة وشوفي ليك دكتور
    رغم انو هواك ليا فيهو دهور
    انتي عادية لا ملاك ولا حور
    يعني هسه انتي عايشة الدور
    هسه في الذمة انتي بتشبهي نور؟
    ... طيب يا أخانا المتفنن وأخانا المتشاعر إذا كان لك في هواها دهور كما تقول، فلماذا لم تكتشف في واحد من تلك الدهور أنها عادية وليست ملاكاً ولا حورية؟! أنظر بالله إلى قول الشاعر عبد الرحمن الريح الذي لم يتسن له الالتحاق بنموذجية خور عمر، ولم يتخرج في "الأهلية"، حين قال لمحبوبته في الأغنية التي لحنها إسماعيل عبد المعين وتغنت بها عائشة الفلاتية في سنة 1936: "إنت صورة ولا باشملاك... يا بلال زورني مرة"..
    وفي ما يتوقع المستمع "ابن الناس" غناء هادئاً تظهر فيه براعة الشاعر في عتاب محبوبته مهما كانت قسوتها عليه أو أخطاؤها بحقه، يأتيك صور حسين الصادق مبحوحاً:

    تزرع جميل ما بتحصدو
    يا قلبي بابك أوصدو
    الباع هواك أرصدو
    بس بيعو كاش ما تقسطوا!!!
    ويطل عليك شكر الله عز الدين في كامل "مكياجه" والدهان الذي يصبغ شعر رأسه، ليصدح في غير حياء:
    ديمة لي ظلوم عيني جفاها النوم
    شفتو مرة صباح في جامعة الخرطوم
    بي حبو أنا عيان الباسم الفتان
    أحلى ما فيهو خريج هندسة السودان
    شفتو مرة نهار في كمبيوتر مان!!
    ويبدو واضحاً أن شكر الله عز الدين لم يقرأ شعراً، بل ربما لم يقرأ كتاباً في حياته، لأن العتاب للمحبوب عنده يأتي على هذه الشاكلة القبيحة:
    أنا ما داير أمشي معاك قلبي جد ملاك
    أنا ما داير أشوفك لا بقدّر ظروفك
    مليت سماع اسمك كرهتا نطق حروفك
    مليتا صرة وشك كرهتا الابتسامة!!

    هل يعتبر هذا شعراً؟ هل تنطبق عليه قوانين الشعر وأحكامه وأوزانه؟ يستحق شكر الله عز الدين لقب امبراطور الغناء الأشد هبوطاً.
    من أحدث أغنيات الفنان أحمد البنا أغنيتا "الفيس أذانا وعذب ناس معانا" و"بفتح فيك بلاغ".. يا ساتر هل تبيع محبوبته خموراً بلدية؟ أم أنها تاجرة بنقو؟! ومن العجب العجاب أن لهذا الفنان أغنية بعنوان "بتقولوا غنانا هابط"! ليس غناؤك وحده الهابط، بل أنت نفسك هابط وخطر على أخلاق الجيل الحالي والمقبل. من أغنيات عبقري الهبوط أحمد البنا "بلعب بيهو كورة" و"واجهني بتحداك" و"أنا ملّيت عمايلك".

    أما الامبراطور أحمد الصادق فهو ليس أقل هبوطاً من شقيقه. هذه بعض أغنياته: "ربي ياخدك"!، "كبري بحري"، جات كدا"، شوارع الخرطوم"، "الثورة سمحة خلاص"، "دقيت ليهو ما ردّ"، "لمن تحب حب بي فهم"... أول دعوة من نوعها إلى "عقلنة" الحب!
    الفنان الذي أثار ضجة عند ظهوره هو طه سليمان. فقد ظهر بأغنية "عوض دكام"! وتمسك بأنها "أغنية قضية"! أي قضية يا رجل؟ في هذه الحال ماذا نقول عن غناء محجوب شريف وإسحق الحلنقي وغيرهما؟! وقبل أن يهدأ الغبار الذي أثارته "كلام يا عوض دكام"، قدم طه سليمان أغنية "حرامي القلوب تلّب". تعالوا نقرأ جانباً من كلماتها:

    وانا في نومي بتقلب حرامي القلوب تلّب
    سألت رامي ورنده قفلتوا البرنده؟
    وانا عايز أتعشى وأحلِّي بى ميرندا
    وآخد لي سكتة ورقدت ونعست وسرحت
    عاينت في الحيطة في حرامي ليْ تلّب
    مشى عليْ برّاحة بقى مافي بينا مساحة

    تصوروا قبح الصورة والتركيب من قبل الشاعر، وسذاجة الفنان "السلطان" الذي لو كان اتصل بابن جيله وزميله الفنان أحمد البنا لأبلغه بأن أفضل حل لحكاية "التليب" هذه أن "يفتح فيهو بلاغ"! وهي المرة الأولى التي أعرف فيها أن بناتنا "الجكسويات" مستعدات للقفز فوق الحوائط... "تُلُّب" من أجل الحب!
    وبذات الذائقة الفطيرة يقول طه سليمان متوعداً حبيبه:
    لو ما بكّيتك سنة وخليتك
    باقي العمر تتشهّى فوق الهنا
    أنا ما بكون أنا!
    الولف الهناك بيتلف وللباقين ينسِفْ
    وتجيني مذلول هنا
    أوريك مذلّة غيرها ما بتتحل
    يحلك مني الله!!

    ... والله العظيم هذه أول مرة أعرف فيها أن هناك عاشق "إرهابي" يهدد ويتوعد، ومفرداته تشمل التلف والنسف والذلة، وكمان "لايوق" إلا أن يهيئ الله للمعشوق طريقة "تحلّو منو"!!
    ومع أن طه سليمان يبدو مبتسماً وبريئاً ولطيفاً، إلا أنه حين يغني ينفصم فتظهر شخصيته "السادية" القاسية التي لا تعرف رحمة بحق المحبوب. أنظر إلى الحقد والرغبة في الانتقام في أغنيته التي يقول فيها:
    طاعِنِّي دايماً بى ورا
    قاصد محبتي تخسِّرها
    صبرك عليْ البعملها فيك
    لمِّن تموت تتذكرها !!

    ليس لدي تعليق، فالكلمات وحدها تدل على المتشاعر والمتفنن، وبكل أسف على نوعية الجمهور الذي يهلل لمثل هذا المؤدي.
    من نجوم هذا الجيل البائس الفنان نزار المهندس.ومن أشهر غنائه أغنية بعنوان "أحرد الجكسي"! يقول في مطلعها:
    حتكوني إنتي معايْ وبيِّ حتحسِّي
    ولا أقنع ساي واحرد الجكسي؟!
    ومن أغنياته "عليك الله يا الاستاذ" و"الشاكوش" والفي ريدو فرّط دقس" و"ببقى ليك في حلقك" و"حقو تمشي" و"شهادة عربية" و"جركتك ########ة".
    أما الفنان صديق عمر فهو انتقل بالغناء السوداني إلى مرحلة ثورة التكنولوجيا بأغنيته "قلبك عشرة قيقا"! يقول فيها:
    قلبك عشرة قيقا بيحب في كل دقيقة
    مزيّف كلو حبك مشاعرك ما حقيقة
    يخون فردي وجماعي يبيع!!

    وبعد؛

    فإن هذه هي الصورة بكل تشوهاتها وغبارها وقدرتها على إحداث الصدمة وليس الدهشة. وهي بالطبع دليل إدانة دامغ لنظام ما يسمى الحركة الإسلامية التي شبعت موتاً واختطفت اسمها عصابة من المجرمين القَتَلَة. ولعل محاولات اختطاف شعبية محمود عبد العزيز والسيطرة عليه حياً وميتاً تمثل أبلغ دليل على بشاعة النظام ورجالاته، ففي عهدهم ينحط الفن السوداني الذي صنع الوجدان الموحد والمزاج الجمعي للسودانيين إلى هذا الدرك. وكنت قد أشرت في أحد مؤلفاتي عن تاريخ الغناء والموسيقى في السودان إلى أن النظام حاول وأقدم على اغتيال الغناء السوداني، بمنع بث أغنيات عتيقة، ومحو الشرائط المرئية لأغنيات البلابل في فترة ظهورهن، وحظر تسجيل الأغنيات الجديدة أكثر من 14 عاماً بعد استيلائه على الحكم في عام 1989. وأشرت إلى حظر استيراد مواد صناعة الإنتاج الفني، مثل شرائط الكاسيت، إلى درجة أن محل "منصفون" المعروف بريادته لهذه الصناعة اضطر إلى وقف التسجيلات الغنائية وبيع تسجيلات المدائح بدلاً منها! كما أشرت إلى أن الفنان الكبير الراحل سيد خليفة مات مغبوناً لأن أقطاب النظام كانوا يحضونه على هجر الغناء والاقتصار على المدائح، كأن في غنائه ما يدعو للخجل. وأشرت أيضاً إلى أن فناناً كبيراً من جيل الرواد- أمد الله في أيامه- كان يقتات من محل لبيع تسجيلاته الغنائية، وفجأة صدر قرار حظر استيراد الشرائط الكاسيت اللازمة لأشغاله، فاضطر- بإيعاز من مجرمي النظام لأنفسهم- إلى التقدم بطلب لاستثنائه من الحظر المذكور بدعوى أنه يريد أن يعبئ تلك الشرائط بالمدائح!

    غير أن ذلك كله لا يمنع وميض الأمل في عدد من الشبان الذين ينبغي أن يبحثوا عن القدوة، ويتسلحوا لمعركة الحداثة والتطوير بالمعرفة، واستشارة ذوي الدراية والخبرة. وبصفتي مراقباً قديماً لهذه الساحة، أقول إني يحدوني أمل كبير في أن يبدي الفنان وليد زاكي الدين قدراً أكبر من العزم والجدية والقدرة على مجابهة الصعاب، ليقدم فناً يخلده، ويساهم به في التاريخ الاجتماعي لبلاده. كما أن هناك أصواتاً أصيلة تستحق الرعاية والاهتمام والتشجيع لسد الفراغ الذي تركته فاجعة رحيل محمود عبد العزيز وهو في ريعان شبابه، ومنهم عصام محمد نور، وصفوت الجيلي، وعاطف السماني، وعمر جعفر.
    أقول إني محزون من غياب محمود عبد العزيز على رغم أني لست من عشاق غنائه وأسلوبه في الغناء! لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون الإنصاف في نقده وتقويم عطائه وتقدير تفرده بصوته وأسلوبه في الأداء وغزارة إنتاجه وقدرته الاستثنائية على أداء أغنيات الفنانين والتراث بطابعه الأدائي الخاص.

    إن شعراء الغناء الجيدين موجودون وسط أبناء هذا الجيل. لكن ينبغي عليهم أن يقرأوا وتتنوع قراءاتهم من كل المراحل التاريخية للشعر والأدب. وأن يعوا أن هناك فرقاً بيِّناً بين الشعر وكلام العوام والشوارع، وأن للشعر الغنائي وظائف وقواعد ونظاماً وجرساً وموسيقى وإيقاعاً داخلياً لا بد من توافره. وأن التباري في النظم عن رائحة البن ومشاهد الحياة في البادية لن يضيف جديداً إلى هؤلاء الشباب سوى العودة إلى الماضوية، والتغني بصور سبق إليها الرعيل الأول من شعراء الوطن.
                  

01-20-2013, 10:51 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)




    محمود عبد العزيز ونظرية الهدر الإنساني



    د. حيدر إبراهيم علي


    يمكن اتخاذ الفنان محمود عبد العزيز رمزا أو ايقونة للدلالة والاشارة لتجسيد وقائع الشمولية لنفسها في انسان. فمحمود عبد العزيز الذي كان عند محبيه قبل زمن قليل «ريحانة شباب السودان» ظهر قبل ايام في برنامج السر قدور الرمضاني وكأنه «طينة البؤس» الذي ذكرها الشاعر ادريس جماع. لقد تجمع كل قهر ورعب وذل وقمع وتشويه وحيونة العقدين السابقين، في انسان واحد، لأن ممارسات النظام ــ بالصدفة؟ - وقعت عليه دفعة واحدة. فقد سمحت ظروف الخواء الروحي وغياب الفن الملتزم بالانسان لبروز فن التسلية والفرح قصير العمر وطرب الحواس الذي يهرش الغرائز. وشجعه نظام الوعي الزائف لأنه يبعد الناس، وبالذات الشباب، عن الاحتجاج والمعارضة والسعي نحو الخير والتغيير.


    لذلك غض النظام الطرف عن أن يكون المثل الاعلى للشباب خارقا لكل تابوهات الشريعة، فهو خير عون ــ حسب المرحلة - في اعادة صياغة الشباب الضائع في كل الاحوال وليس في الحالين فقط، كما تقول الاغنية المعروفة. فقد كان ظهور محمود عبد العزيز يؤدي وظيفتين للنظام في عمليتي التسطيح والتزييف، واحدة بفنه والثانية بشخصه. وكان هدية من السماء للنظام الشمولي ــ الثيوقراطي.اذ يفترض في مثل هذا النظام صاحب الايديولوجية الجهادية والذكورية أن يبتعد عن أمثال محمود عبد العزيز شكلا وفنا، ولكنه يخدم عملية التشويش، اكرر في تلك المرحلة. فقد كان النظام يريد تقسيم الشباب الى مجاهدين وضائعين، ولا مكان في هذه المعادلة لثقافة جادة وعقلانية يتسلح بها الشباب وهم في مرحلة التكوين. من البداية لا بد من التأكيد من أنه يصعب أن نتوقع أية صلة للشموليين بالثقافة والفن:


    سياسة تحسس المسدس المعلومة، فما بالك اذا اضافوا الى شموليتهم التزمت الديني؟ ويحاول بعض الاسلامويين اعطاء انطباع وقوفهم مع الفن، ولكن شروط الفنون والابداع عموما هي الحرية والخيال غير المقيد والحوار والنقد. وهذه متطلبات تتناقض مع الاصولية مهما خفت درجتها وتلبست بادعاءات ليبرالية. قام مقدم برامج يدعي الانفتاح قبل فترة قصيرة بتغيير كلمات قصيدة شهيرة وجميلة لشاعر معروف متوفي، لأنه ورد فيها ذكر للخمر والكأس والشفاه. وفجأة اختفى ادعاء الفن والثقافة، وغلبت روح الرقابة والكبت والقمع وعدم احترام الآخرين، وهذه صفات ثابتة فيهم تكاد تكون مثل بصمات ايديهم، مهما مثلوا وادعوا. ونتذكر جيدا محاكم التفتيش في مطلع تسعينيات القرن الماضي وبالذات عهد الطيب مصطفى. ولا يعود هذا السلوك الظلامي المتخلف الى السهو والنسيان، ولكن من صميم قناعاتهم. فالاسلامويون يعتقدون أنهم يمتلكون وحدهم الحقيقة المطلقة، لذلك يمكنهم الحكم على حقائق الآخرين. وهذه وثوقيات لا تستطيع التعامل مع الفنون ذات النسبية المطلقة. ويربط الاسلامويون بين الفن واللذة الحسية، وقد يكون بابا للغواية والاغراء. ومن هنا يتعرض للتحريم والأبلسة أو الشيطنة.



    ولكن لأن الايديولوجية الاسلاموية توظف كل شيء من أجل السلطة، وتعلم أن الشعب السوداني طروب ليس بمعنى ابن خلدون السلبي في ما يخص الزنج وخفتهم، ولكن يحب النغم والغناء، لذلك تنازلت ــ نسبيا ــ عن مطاردة الفن وحاولت احتضانه، ومن هنا ازمة المسكين محمود عبد العزيز.
    يأتي «حودة» ضمن ثقافة التدين الاستهلاكي المعولم، ومن أهم مكوناته وعناصره:




    1/ موضة المديح بالجيتار، والفرق المادحة ذات الازياء اللامعة والمزركشة. ومن بدع الانقاذ ان بعض الفرق الاسلامية تحرم المديح. فاضافت له الموسيقى، وبعد تمرير ذلك تكونت فرق باليونيفورم، ثم اصبحت الفرق مختلطة.


    2/ بعث ما يسمونها اغاني الحماسة لافتتاح الليالي السياسية والتي لم نعلم حتى الآن هل هي سنة أم مندوبة، اذ لم يتبرع من يقوم بتأصيلها؟ ولكنها عودة الى جاهلية سودانية تمجد السيف المترع بالدم والقاطع للرقاب، والمقتولون ــ بالمناسبة- مسلمون ولكنهم من قبيلة اخرى. ولا بد لنا ان نحمد لعلي عثمان محمد طه وغازي صلاح الدين وعوض الجاز ومصطفى عثمان اسماعيل، عدم مشاركتهم في الظاهرة الجديدة اعلاميا على الأقل. هذه عملية يسميها بعض الاجتماعيين مثل الجابري وأركون «التتريث» أي تحويل الواقع وبالتالي اضفاء معاني وتفسيرات قديمة «تراثية» على واقع جديد تماما.



    3/ التغني أو قل المديح للموبيليا وادوات الطبخ والفلل والسيارات وزيوت الطعام ووسائل
    التنظيف وكل مفردات الاستهلاك.اعلان الدولة الاسلامية هو اعلان الوله والعشق لكل منتوجات الحضارة الغربية المادية الكافرة مع رفض العقل والروح التي صنعتها، وهنا مكمن جوهر التأزم. وقبل ايام كتب احد منظري الانقاذ عن التسليع والتشيؤ للوحدة، ولكن لا يجرؤ علي الكتابة عن تشيؤ الانسان السوداني الذي يغني للاثاث.


    4/ كل هذا في ثقافة الانقاذ يهدف الى تعميق حالة التشويش التي يقوم بها الاعلام والتعليم، ويقصد بها رؤية الواقع معكوسا أو بيع الوهم بحيث يظن الفرد أن افكاره هو عن الواقع هي عين وحقيقة الواقع.



    5/ يعادي وجدان الانقاذيين الجمال والحق ويصاحب الزيف والفساد. على سبيل المثال، يتم انشاء وزارة ثقافة تصرف عليها الملايين وتخلو عاصمتها من تمثال واحد ولا قاليري واحدة للفنون ولا دار اوبرا، وشكرا لمسرح طلعت فريد القومي. ومن ناحية اخرى تم عرض مسرحية طريق الانقاذ الغربي واستمرت حتى تركت مستورة. ثم مسرحية «مواسير الفاشر» ولا أحد يدري هل انتهى العرض؟هذه هي روائع ثقافة الانقاذ.
    6/ توازي الثقافة الرسمية، ثقافة اخرى «محجبة» تخفي نفسها ولكنها مكملة. وكان يمكن ان تطالها الدولة لو ارادت وهي التي يرصد أمنها دبيب النمل كم تقول. انتشار اغانٍ هابطة للبنات، بيوت الزار، علاج الشعوذة، فنانون ذكور بأسماء بنات، التنزيل، الاجهاض وأطفال المايقوما، السحر الاسود وكل الالوان. وهنا لا اتحدث عن تطور الجريمة بل عن ظواهر ثقافية لم تعد شاذة.



    هذه بعض ملامح الثقافة السائدة التي انتجت «المصلوب» محمود عبد العزيز الذي لعب عددا من الادوار، فهو السيوبر ستار لفترة طويلة. ثم فجأة يتم تداول صورته من الفاشر مجلودا متكئا على حائط مبكى ولم تكن أول مرة. وهكذا يترك في داخل النجم جرحا نرجسيا غائرا. ذلك الشاب النجم الذي يتلقى صيحات وقبلات المعجبين والمعجبات يعود ذليلا مهانا منكسرا وخاسئا من احتفالية الجلد العلني. ثم نراه نفسه في احتفالية اخرى، للدعاية لمرشح الرئاسة المشير البشير وللمؤتمر الوطني. وللمفارقة كان أيضا قد وقف الى جانب ياسر عرمان مساندا للحركة الشعبية. ولكم ان تتصوروا ان كل هذا يحدث لشاب غض عديم التجربة والحنكة والمهارة. فهو محاط بالكثيرين، ولكنه في نفس الوقت لا يجد من يتعاطف معه. وهذه ظاهرة في المجتمع الشمولي، اذ تعمل الدولة على خلق كتل جماهيرية أو حشود ولكنها تفتقد التعاطف والعمل المشترك المستمر والحميم. لأن هذه هي السياسة التي يخشاها ويمنعها النظام الشمولي، فهو يريد اعدادا كبيرة من البشر تلتقي في ميدان عام وتهتف بتشنج لفترة ثم ينصرفون على عدم اللقاء بصورة منتظمة. وهو قد ساهم كمفعول به في تثبيت ثقافة الشمولية هذه من خلال حفلات تضم الآلاف ثم ينصرفون حتى حفل آخر.


    وتسمى «حنة آرندت» في كتابها: أسس التوتاليتارية، بيروت، 1993م، هذه الظاهرة: التقفّر وهي خلاف الوحدة. فالانسان المقفّر يجد نفسه محاطا بأناس آخرين يستحيل ان يجري معهم أي اتصال، أو يكون عرضة لعدائيتهم. ففي هذه الحالة يكون الإنسان مع كثير من الناس ولكن يظل ــ داخليا ــ بمفرده! اذ لا يوجد مشروع مشترك بين هذه الكتل البشرية التي تلتقي في دار الرياضة والمقابر ونادي الضباط وحمد النيل والسوق المركزي وجامع سيدة السنهوري وحتى في المواكب المصنوعة. وتكتب آرندت عن النظام الشمولي: «لا يسعه أن يكون قائما، بالتأكيد، دون أن يدمّر الحياة العامة، أي دون أن يدمر طاقات الناس السياسية، عازلا إياهم على هذا المنوال». «ص 271» ولا تكتفي الشمولية بهذه العزلة، بل تسعى الى القضاء على الحياة الخاصة ايضا. إذ تقوم الشمولية على التقفّر «أي على اختبار عدم الانتماء الاقصى الى العالم ، وهي أشد اختبارات الانسان يأسا وجذرية».


    اراحتني حالة «محمود عبد العزيز» كثيرا من البحث عن نموذج واقعي وملموس للانسان المهدور. وهذا عنوان دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، نشرت في كتاب للدكتور مصطفى حجازي «بيروت2005م». وهو مشهور بيننا بكتابه: ــ التخلف الاجتماعي ــ سيكولوجية الانسان المقهور. وفي هذا الكتاب الاخير يربط بين القهر والهدر، ولكن يرى الهدر هو الذي يقضي على كل انسانية الانسان ويضرب مشروع وجوده كي يصبح كيانا ذا قيمة، يكتب: «الهدر على هذا المستوى هو نقيض بناء التمكين والاقتدار وصناعة المصير. ومن ذلك يتضح كيف ان الهدر يستوعب القهر، بحيث أنه لا يصبح ممكنا «أي القهر» الا بعد هدر قيمة الإنسان واستباحة حرمته وكيانه في عملية الاخضاع والاتباع. كذلك فإن القهر حين يحدث في علاقة الاستبداد أو أية علاقة تسلط بالارغام، فإنه يترسخ ويعيد انتاج الهدر ذاته». «ص16». ويحصر «حجازي» آليات الهدر في الاستبداد والطغيان والسيطرة والتحكم والاعتقال والتعذيب. بالإضافة لدور العصبيات بأشكالها المختلفة. ثم يستعرض الكاتب اشكال وانواع الهدر وهي: هدر الفكر، الشباب المهدور، الهدر الوجودي في الحياة اليومية.
    ويمثل الفصل السادس المعنون: الشباب المهدور: هدر الوعي والطاقات والانتماء، تحليلا مطابقا تماما مع واقع حال الشباب السوداني وكما يجسده «محمود عبد العزيز» خاصة في ملكوته الحالي، باعتبار الاستبداد أعلى مراحل الهدر. ويركز الكاتب على الشباب باعتبارهم الأكثر تعرضا للهدر في المجالات الثلاثة.


    باعتبار «أن محاولات أنظمة الاستبداد والعصبيات والاصوليات الحجر على العقول، ترمي في الاساس الى وعي الشباب تحديدا، وصولا الى الغائه». «ص201». وبعد الوعي يأتي هدر الطاقات خصوصا الكفاءات العلمية. فالشباب يعاني من العطالة، ويستخدم الشباب المغاربي مصطلحا أكثر تعبيرا وهو: التعطيل باعتبار انهم ليسوا عاطلين بارادتهم. والهدر الثالث هو حرمان الشباب من المشاركة الفعالة في تقرير مصيرهم ومصير اوطانهم. وهذا مما يعني غياب الانتماء وتهميش الشباب. وهنا يكتب «حجازي» بدقة: «يحرم الشباب من أن تكون له قضية عامة تملأ حياته، وتكون فرصته للتضحية والبذل والعطاء، فيسلب من الشباب حقه في امتلاك الدور في قضايا الوطن سواء من خلال «التطفيل» «البقاء في مواقع الطفولة غير المسؤولة»، أو من خلال الإلهاء بمختلف ألوان التسلية والاثارة، كي تكال له من ثم التهم بالميوعة وعدم الجدية وقلة تحمل المسؤولية».«ص202» وهذا مكمن أزمة الشباب. ويستعرض «حجازي» أبرز حالات هدر الطاقات والكفاءات بين الشباب، وهي:
    1ــ تركز أنظمة الاستبداد والعصبيات على الولاء والتبعية وليس على الأداء والانتاجية. وما يهم السلطات في أنظمة الهدر هو الحفاظ على تأزيل تسلطها والحفاظ على امتيازاتها. وبالتالي لا تضع استراتيجيات منتجة وبناءة تحتاج للكفاءات المنتجة.
    2- الإعلاء من العصبية، وفي السودان عصبية التنظيم الحزبي، وجاءت ــ مع ظهور النفط ــ العصبية القبلية.
    3- يتوفر التعليم «الجيد» للطبقات الاجتماعية الغنية والقادرة، بينما يتسرب ابناء الفقراء من المراحل الاولية.



    قصدت فقط لفت الانتباه لهذا الكتاب المهم الذي يكاد في هذا الجزء يكون قد بني على تحليل ظاهرة «محمود عبد العزيز». ولن تغيب عن ذاكرتي صورته في تلك الحلقة من «برنامج أغاني وأغاني»، وقد رمى برأسه بعيدا خلفه وكأنه ليس ملكه. وهو يحاول الغناء وكأن الكلمات تخرج من اصابع قدمه وتشخص وتبهت أعينه، ويرمى بها في مجهول مثل جحيم دانتي. وكأنه قد فدى الشباب بأن يقدم نفسه قربانا لمجتمع يخلط بين الاستهلاك والشعوذة والتدين البدوي، ولدولة تنازلت عن كل خدماتها، واكتفت بامساك الحراسات والنيابات وكرباج النظام العام. أنه ضحية الخواء الروحي رغم صوت الدين العالي الذي ينافسه في التلفزيون و«العداد».


    إن «محمود عبد العزيز» لا يحتاج لعلاج أو مصحة، ولكن من يحتاج للمصحة هو مجتمعنا ودولتنا، وفي هذه الحالة يشفى هو وغيره كثر في الظل.


    الصحافة


    -------------------


    جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة كان احد شهود توقيع الفجر الجديد ومن الموقعين عليه وهو اخو مسلم مثله مثل نافع وكانا سويا فى يوم من الايام لولا الفتنة فى السلطة هنا يرد على اهل الحكم فى نظرتهم لهذا الميثاق المهم الذى سوف يكون محورا للوضع السياسى للسودان فى المرحلة القادمة ..
    نافع يرى فيه عودة للعلمانية التى لا يريدها مزاودا على الاخرين بالدين وجبريل يرى انه انقاذ للسودان من الدمار الذى سببته الانقاذ ..

    اقرا المقال المهم






    مزايدات النظام لن تحجب ضوء (الفجر الجديد)
    January 20, 2013
    د. جبريل إبراهيم محمد

    أثار توقيع الجبهة الثورية السودانية و قوى الاجماع الوطني و بعض منظمات المجتمع المدني من الشباب و الطلاب المرأة على ميثاق إختاروا له اسم “الفجر الجديد” تفاعلاً كبيراً في بركة السياسة السودانية الراكدة. فقد وجد الميثاق استحساناً كبيراً من قطاعات عريضة من الشعب السوداني، و أثار قدراً معتبراً من الحوار الهادف البناء من أهل الأقلام الرصينة و المواقف العقلانية، و أطلاق عنان سيل عارم من التلفيق و التهريج و التهديد و الإبتزاز من قبل عصابة المؤتمر الوطني. و رغم وضوح الرؤية و استبانة الأمر، رأيت أن أدلو بدلوي في هذا الخضم بصفتي شاهد و مشارك في انتاج الميثاق، و لو جاءت مساهمتي من باب شرح الشروح.

    في البدء، ربما يكون من المفيد أن نشير إلى بعض المنطلقات التي بنى عليها موقعو ميثاق الفجر الجديد مواقفهم و قرروا مهره بتوقيعاتهم راضين مختارين، و منها:

    أن أس البلاء في بلادنا، و سبب شقائها، و مهدد وحدتها و بقائها، هو نظام الانقاذ الذي مزق بلادنا و دفع بها إلى حافة الهاوية؛ و أنه لا رجاء في فجر جديد و مستقبل واعد لوطننا إلا بذهاب هذا النظام.

    أن من العسير أن يذهب النظام بهبّة شعبية، أو بالمزاوجة بينها و بين العمل المسلح الذي يحمي الثورة الشعبية و يوفر لها البيئة المواتية، إلا بوحدة المعارضة السودانية و اتفاقها على رؤية واضحة و برنامج محدد لحكم البلاد في الفترة الانتقالية التي تلي سقوط النظام، و طمأنة الشعب السوداني ثم المجتمع الإقليمي و الدولي بأن بديل النظام متوفّر، و أن البلاد لن تنزلق إلى هاوية الفوضى و الاضطراب بسقوط النظام كما يدعي أبواقه.

    التوقيع على ميثاق الفجر الجديد لا يعني بالضرورة مفارقة القوى الموقعة عليه لمواقفها المبدئية، أو تبدّل رؤاها و برامجها التي قامت من أجل تنفيذها، و لا يفيد ذوبان هذه الكيانات في بعضها في وحدة انصهارية. و لكن الميثاق يعني رسو سفينة المعارضة السودانية على ساحل القواسم المشتركة البسيطة لتغيير خارطة السير قبل الإبحار في مياه الديموقراطية.

    تعبّر المعارضة عن رؤاها و أمنياتها لسودان ما بعد الانقاذ، و لكنها تدرك يقيناً أنها لا تملك، و لا ينبغي لها أن تفرض رؤاها هذه على الشعب بحد السيف؛ و أن منتهى الأمر و القول الفصل في قضايا محورية مثل علاقة الدين بالدولة في النظام الديموقراطي الذي يتوق إليه و ينشده الجميع هو للشعب صاحب السلطات؛ و لا يمكن فرض الشريعة أو العلمانية رغماً عن أنف الشعب، و أن كل ما يتم إقراره في مؤتمرات المعارضة و مواثيقها، خاضع لإرادة الشعب و قراره في المؤتمر الدستوري الذي سينظر في كل القضايا القومية الشائكة، ثم عبر صناديق الاقتراع في مرحلة الحكم الديموقراطي التي تلي الفترة الانتقالية.

    هنالك قناعة مطلقة عند الموقعين على ميثاق الفجر الجديد بأن اعادة انتاج القديم بتبديل وجوه الذين يجلسون على كراسي الحكم لن ينصلح معه أمر السودان الذي يوشك على الهلاك بسبب مناهج الحكم و السياسات المتبعة و رموزها المتعاقبة؛ و أنه لا بدّ من الإجابة على السؤال المحوري المتمثل في “كيف يحكم السودان” بدلاً من التوهان في “الساقية المدوّرة”. و بمعنى أوضح، ترى المعارضة المجمعة على ميثاق الفجر الجديد ضرورة إعادة النظر في مؤسسات الدولة و الحكم و العلاقات الأفقية و الرأسية القائمة بينها و اعادة ترتيبها بحيث تتحقق الوحدة في التنوّع عملاً لا شعاراً.

    أن ميثاق الفجر الجديد جهد بشري يتقاصر عن الكمال و ليس بالكتاب المنزل الذي لا يقبل الاضافة أو الحذف، و أنه اجتهاد الذين ساهموا في صنعه، و يقبل التطوير و التجويد و التصويب.

    و تأسيساً على المنطلقات آنفة الذكر، يمكننا الرد على بعض مزايدات عصابة الانقاذ و حملتها المسعورة ضد الميثاق بالآتي:

    لم يدع ميثاق الفجر الجديد إلى العلمانية، و لم يرد فيه لفظ يفيد هذا المعنى إلا باعتساف التأويل. و إنما جاء الميثاق – عن قصد – بنص فضفاض يتحدث عن فصل مؤسسات الدين عن المؤسسات السياسية ليترك الباب مفتوحاً أمام المزيد من الحوار في المستقبل. و لكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي مطالبة الميثاق بمنع استغلال الدين في السياسة بالطريقة المقيتة الرعناء التي سلكها نظام الانقاذ الذي لا يتورّع عن إتيان كل منكر باسم الشريعة و تحت شعارها. فقد سفكت عصابة الانقاذ دماء مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء، و هجّرت الملايين إلى معسكرات النزوح و اللجوء و إلى ديار الشتات، و صادرت الحريات و أحلّت الإستبداد مكانها، و أهدرت حقوق الإنسان السوداني و أذلّته، و مارست التعذيب في بيوت الأشباه، و نهبت المال العام، و قننت الفساد و وفّرت له الحماية من أعلى مواقع السلطة، و زرعت الفتن القبلية، و مارست العنصرية المنتنة بأبشع صورها، و هتكت الأعراض. فعل كل ذلك و غيره كثير باسم الشريعة. وبذلك اساءت هذه العصابة إلى الشريعة و إلى الإسلام بأكثر من أي عدو متربص بالإسلام؛ حيث جعلوا من الدين فساداً يمشي على رجلين، و بعبعاً مكروهاً مهاباً و ممقوتاً بدلاً من تزيينه للخلق و الدعوة إليه بالحسنى و بفضائل الأعمال و مكارم الأخلاق. و قد ترتّب على سلوكهم هذا تشويه لصورة الدين بالدرجة التي يصعب معه اعادة طرحه بشعاراته و رموزه للشعب في المستقبل القريب. ذلك لأنهم أفلحوا في أن يربطوا الدين في أذهان الناس بالفساد و بكل منكر جراء أفعالهم و ما اقترفت أيديهم الآثمة. و بالتالي تكون عصابة الانقاذ آخر من يحق له التحدّث باسم الإسلام و المزايدة بشريعته، لأنهم فقدوا الأهلية لذلك، و لأنهم أبعد ما يكونون عما يدّعون. ” كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.

    دعا الميثاق إلى حلّ جهاز الأمن الذي ارتبط اسمه بكل شنيع مستقبح، و لكنه لم يدع إلى تفكيك القوات المسلحة و تسريحها كما يحلو للبعض ادعاؤه؛ و إنما دعا إلى تكوين جيش وطني من القوات النظامية القائمة و من قوات الجبهة الثورية السودانية بحيث تكون القوات المسلحة السودانية قومية بحقّ، و تصوّب همّها نحو الدفاع عن الوطن و المواطن و صيانة الدستور بدلاً من حماية الأنظمة و الدينونة بالولاء لها.

    أشار الميثاق الى الوحدة الطوعية باعتبارها إحدى الموضوعات التي يراد لها الادراج في جدول أعمال المؤتمر الدستوري. و ليس من حق عصابة المؤتمر الوطني الذي فصل الجنوب من دون العودة إلى الشعب أن يحرم الشعب من حقّه في النظر في كيف يمتّن وحدته و يحافظ عليها على أساس من عقد اجتماعي جديد يقوم على العدل و الحكم الفدرالي الحقيقي الذي يضمن مشاركة الجميع في قرارات الوطن المصيرية، و يمكّنهم من حكم أنفسهم في إطار الدولة الواحدة. لم يدع أي أحد من الذين شاركوا في تحرير ميثاق الفجر الجديد إلى ما يمكن حمله على أنه مطالبة بحق تقرير المصير رغم أن هذا الحق مكفول لكل الشعوب وفق منطوق ميثاق الأمم المتحدة. و حريّ بالتذكير هنا أن طرح قضايا الوطن في طاولة الحوار بكل صراحة و تجرّد هو السبيل إلى الحفاظ على وحدته، و أن الذين نكصوا عهدهم الذي عاهدوا عليه إخوتنا في الجنوب في مؤتمر جوبا عام 1947، و انكروا عليهم مطالبتهم بقدر من الفدرالية يمكّنهم من إدارة شأنهم بقولهم:No federation in one nation يتحملون كفلاً من وزر انفصال الجنوب؛ و أن السير في ذات الطريق، و اللجوء إلى اساليب الإكراه و القهر الفكري و السياسي لا يخدم الوحدة بل يضيرها.

    و ياتي الحديث عن عدد الأقاليم متسقاً و مرتبطاً بالحديث عن الفدرالية و مستويات الحكم. و بائن أن الذي أثار اللغط في هذا الخصوص هو ذكر إقليمي النيل الأزرق و جنوب كردفان الذين لم يُعرفا بهذه الصفة من قبل. و لكن الذي يجب أن يعيه كل صاحب بصيرة، أن التقسيمات الإدارية التي تركها لنا الاستعمار تبدّلت كثيراً في ظل الحكم الوطني، و أن تكوين الوحدات الإدارية و السياسية تعتمد معايير كثيرة من بينها حجم السكان و المساحة الجغرافية من بين معايير كثيرة، و لا يشترط تساوي هذه الوحدات في أي من هذه المعايير. كما أنه ليس هنالك ما يجعلنا نعتقد أن التقسيم القائم هو الأفضل و منتهى الاجتهاد الإداري. و يجب أن يفهم الجميع أن الذي قبل بمبدأ المشورة الشعبية للإقليمين في اتفاق السلام الشامل قد أقرّ – من حيث يدري أو لا يدري- أمراً أكبر بكثير من حق الحكم الفدرالي في إطار الدولة الواحدة؛ و أن خيار قبول حق أهل الإقليمين في إدارة أنفسهم أدعى إلى قفل الباب أمام خيارات أسوأ يرى بعضنا و ميضها تحت الرماد.

    و في الختام، نعود و نؤكد أنه لا خلاص للسودان إلا بزوال هذا النظام، و أن وحدة قوى المعارضة هي أقصر الطرق إلى الانقضاض عليه، و أن ميثاق الفجر الجديد قد أدى دوره بامتياز إن لم يفعل غير إرعاب النظام إلى درجة إصابته بالهستيريا و الهذيان، و أن الميثاق قابل التجويد و التطوير، و أن الحوار الجاد الحر البناء هو سبيلنا إلى سودان يسع الجميع و يعتزّ به كل من انتمى إليه
                  

01-21-2013, 06:56 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    عرف الدكتور منصور خالد كاحد اذكى السياسيين السودانيين المعاصرين وله عدة مؤلفات مهمة فى الشان السودانى وكان مستشارا سياسيا للراحل جون قرنق وعرف بثقافته الواسعه واسلوبه الرصين فى كتابة المقالات التى تعالج كافة مناحى الحياة الانسانية ..
    هنا يكتب فى ذكرى الشهيد محمود محمد طه عن الدور الكبير الذى قام به فى حياته ومؤامرة التخلص منه بازهاق روحه الطاهرة باسلوب اجرامى يرفضه كل شرع ودين وخلق قويم ..




    مــــحمـــود الـــذي عـــرفــت ..


    بقلم: د. منصور خالد


    الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 17:27

    عندما جوبهت بسؤال عن الموضوع الذي أتمنى إختياَره للحديث عن شهيد الفكر محمود في مئويته، بل في الذكرى الرابعةِ والعشرين لإستشهاده، توقفت مرة بعد مرةً، فمحمودٌ رجلٌ لكل الفصول : (A man for All Seasons)، ذلك وصف أطلقه الفيلسوف الهولندي إيراسموس الملقب بأمير الإنسانويين على شهيد فكر آخر، هو السير توماس مور، رئيس مجلس اللوردات البريطاني في عام 1529م على عهد الملك هنري الثامن. ليس بين الرجلين عُلقةٌ في الفكر، بل تشابهٌ في الصدق مع النفس حتى الموت. وعندما تمنى علىَّ منظمو الحفل أن أتحدثَ عن الفكر السياسي عند محمود إزدَدتُ إحترازاً لأن إقبالَ الأستاذ الشهيد على الفكر السياسي كان مختلفاً جداً عما يُطلِق عليه البعضُ أسم الفكر السياسي في السودان، وهو ليس منه في شئ.

    العنوان الذي إخترت للحديث: "محمود محمد طه الذي عرفت" فيه مجالٌ للتوسعة بدلاً عن الحصار والتضييق. و الهدف من الحديث ليس هو شرح او تشريح أفكار الاستاذ، وانما هو القاء اضاءة كاشفة عن تنوع معارفه، وجديته في االإقبال علي القضايا العامة، ثم صدقه مع نفسه في القول و العمل. ولئن سأل سائل: كيف عَرفَتُ الأستاذ، ولماذا حَرَصتُ على معرفته، أجيبُ انني عرفت ذلك المفكر الفهامه أولاً كما ينبغي أن يُعرف المفكرون. المفكر يعرفه الناس من قراءة ما كتب والتملي فيما كتب. والمفكر تشدُ الناسَ اليه نجاعةُ الفكر، وفصاحةُ الأسلوب، وبدائعُ التفسير، ثم البلاغة في تصريف المعاني. كثيرٌ من الذين تصدوا لأفكار الراحل إبتنوا معرفتهم لأفكاره على السماع لم يروموا من ذلك غير غرض واحد هو التشهير. ومن بين أولئك طائفةٌ من المتربصين سارعت إلى قراءةِ ما بين السطور، قبل قراءة السطور، ناهيك عن التمعن فيها، ومن ثَم ذهبت تلك الطائفة إلى إختراص المعاني التي يريدون عبر تلك القراءة الزائفة حتى يُقَدروا عليها الأحكام بالظن، وبعضُ الظن إثم.

    سعيتُ من بعد القراءة والتملي فيما قرأتُ إلى لقاء الرجل، ليس فقط رغبة في الحوار معه حول بعضِ أفكاره، وإنما أيضاً لأكتنِه أمرَه: ما الذي كان الأستاذ يبتغي مما يدعو له؟ وعلي أي أساس كان يخاصم ويصطلح؟ وما هو معيارُه في الحكم على البشر، وبخاصة الحواريين من حوله؟ الغاية من ذلك الحوار كانت هي الإدراكُ السليمُ لكيف يستبطنُ المفكرُ الداعيةُ القيمَ التي يدعو لها، أي التعرفَ إلى مخبره قبل مظهره. تعرفت على محمود أيضاً من خلال تجارب اخوة لي لم يكونوا أبداً من بين صحبه وناصريه ولكن شاءت الظروف ان يرافقوا الإستاذ في مرحلة من مراحل حياته فأحبوه، ورأوا فيه من الخصائص والخلال ما لم يروه في غيره من الرجال. هذه هي المداخل التي قادتني للتعرف على رجل هو بكل المعايير رجلُ وَحْدَه.

    فمحمودٌ مفكرٌ دينيٌ مجدد ساءه أن يتظنى الأغيار، بل بعضُ المسلمين، ان الإسلام في ازمة، وانه عقبةٌ في سبيل التطور والتحديث. محمود رأي غيرَ ذلك. العقبة في رأيه هي الفهمُ القاصرُ للدين، وليس الدينُ نفسَه. والمأزوم هو المسلمُ المتقاصرُ عن فهم الدين فهما صحيحاً، وليس الإسلام.

    محمود أيضاً مثقف موسوعي لم ينبذْ الأفكارَ المعاصرة او يناهضها دون علم و دراية بها، بل ذهب لتقصي إصولها ودارسة تجاربها شأن الباحث المدقق والامين في آن واحد. ذهب لدراسة الماركسية لينفذ الي حسناتها ويبين سيئاتها. من حسناتها في رأيه تحليلها للإقتصاد وإبرازها لدور الإقتصاد في مراحل التطور التاريخي للإنسانية، ومن سيآتها، حسب رأيه، إتخاذ العنف وسيلة للتغيير. كما درس الحضارة الغربية ورأي وجهيها، فحسب قولهَ لتلك الحضارة "وجه حسن مشرق الحسن ووجه دميم". حسنُها في الكشوف العلمية التي اخصبت الحياة البشرية، ودمامتها في القصور عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة. وهكذا دواليك كان إقترابه من تحليل الليبرالية والفكر القومي، ومناهج الحكم.

    هو أيضاً متصوف زاهد إخشوشنت حياتُه بإختياره حتى خَمُص بطنه ورب مخمصةٍ خيرٌ من التُخَم. ورغم مهنيته التي اثرى منها رفاقُه في المهنة إلا انه لم يوظف مهنَته تلك ليوثِنَ (يكثر) في المال، بل ظل يُبقى منه ما يقيم الأود ثم يعفو ما فاض عن حاجته.

    هو سياسي حمله جَدْب البيئة السياسية إلى أن يُرَوي بفكره عَزازَ ارضها. وكان له في ذلك قول يعود الي عهد مؤتمر الخريجين عندما قال في السفر الأول : "أول ما يؤخذ علي الحركة الوطنية انصرافها التام عن المذهبية التي تحدد الغاية وترسم الطريقة التي تحقيقها". ذلك رأي عاد إليه بعد إنتفاضة إكتوبر 1964م فوصفها بأنها فترة إكتملت فيها مرحلة العاطفة السامية التي جمعت الشعب على إرادة التغيير لكن لم تملك بعد فكرة التغيير. من ذلك نستجلي أن الأستاذ كان لا يرى مستقبلاً لأي تطور سياسي إلا أن إهتدى العمل السياسي بفكرة ورؤية. وفي هذا المجال أقبل الاستاذُ على الكتابة في كل ضروب السياسةُ: السياسةُ الحكمية، والسياسة الإجتماعية، والسياسة الثقافية، اي ذهب الي معالجة كل قضايا الناس الحيوية والحياتية وذلك هو لب السياسة. كان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه أهل السياسة التفاصح والتداهي بما ليس فيهم، بحيث أصبحت الفصاحة – والتي هي ليست مرادفاً للبلاغة – هدفاً في حد ذاتها.

    لمحمودٍ المجدد، إن ابتغينا التفصيل، رأي في الإسلام، هو ان "الإسلام محاصر في سياج دوغماطي مغلق"، وذلك تعبير نقتبسه من المفكر الاسلامي الجزائري محمد اركون. ولا سبيل في رأي محمود لفك مغاليق ذلك السياج الا بقراءة جديدة للإسلام وفق فكرة إبتدعها تقوم على التمييز بين فقه الإصول وفقه الفروع، بين آيات الإصول التي تعبر عن القيم الرفيعة والمبادئ الأساسة التي ما جاء الأسلام إلا لتحقيقها، وبين تلك التي لا تكون فيها التكاليف إلا بوسع الناس على تحملها. وعبر كل ما قرأت للأستاذ المجدد لم أقرأ ما يشي بإنكاره لصلاحية الفقه الموروث في زمانه ومكانه، وإنما إرتأى أن ذلك الفقه والقيم المعيارية الملحقة به لا يصلحان لزمان الناس هذا، لما بين الزمنين من فجوة معرفية وقيمية ومعيارية. فهذا زمان تحكمه عهود دولية حول حقوق الإنسان، وتضبط الحكم فيه والعلاقات بين الأمم على إمتداد العالم مواثيق إرتضتها الدول ولم تنكرها واحدة منها وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة. تلك المواثيق والعهود فرضت واجبات لا تملك دولة التخلي عنها بدعوى خصوصياتها الثقافية.

    أزاء ذلك التناقض الظاهري بين الدين والقيم المعيارية الجديدة إنقسم المسلمون إلى فرق. فريق يقول أن لا مكان للدين في الحياة، ولهذا فالدين غيرُ ذي موضوع بالنسبة للحياة، أو لمنظومة السلوك الدولي الجديدة. وفريق ثانٍ يرى في كل ما إبتدعته الإنسانية بِدعاً ضِليله، وكل ضلالة للنار. بعض من هؤلاء تصاعد في زماننا هذا بتلك الفكرة المدمرة الى تفريق العالم إلى فسطاطين: فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان. وفريق ثالث لا يريد أن يستقيل عن دينه، كما لا يقدر على الإنعزال عن العالم فيلجأ إلى تخريجات مستنبطة من المفاهيم والأحكام الدينية الموروثة، وهي تخريجات تؤكد ولا تنفي دعاوي الذين يقولون بعدم صلاحية الدين للعصر لما في مطاوي تلك التخريجات من تناقض داخلي. و في هذا، هم اما مفكرون قاصرون، أو أدعياء منافقون.

    محمود كان من أسبق المفكرين للدعوة لحلول مستمدة من إصول الإسلام، ليس فحسب، ليناهض بها الفكر الموروث الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، بل ايضاً ليدحض بها الفكر الملتبس أو المتيبس للإسلام حماية للإسلام نفسه، خاصة وهو كله آراء رجال وبالتالي لا قدسية له. بدون قراءة جديدة للمفاهيم والأحكام الدينية السائدة ، يستعصي التكامل بين الدين والحياة. في دعوته تلك، إنطلق الأستاذ من قاعدة إصولية هي ان الإسلام غير معاش على الأرض الآن، لا على مستوى تشريعات الدولة الإسلامية ولا في مستوى أخلاقيات المسلمين.

    جاء في الحديث "أن للدين صوى(benchmarks) ومنارات كمنار الطريق"، وعن تلك الصوى كان محمود يبحث. بسبب من ذلك انكر تقديس الاحكام التي لم تعد صالحة لزماننا، وأن صلحت كشريعة لمن قبلنا. انكر أيضاً على المعاصرين من حماة ذلك الفكر المتيبس الدور الوسائطي الذي إفترضوه لأنفسهم بين الأنسان وربه. ذلك كهنوت لا يعرفه الإسلام، بل نعيذ الإسلام منه بذاته وبأسمائه. فكل مسلم في رأي الأستاذ رجل دين. كما ليس في الإسلام وظيفة يطلق عليها وظيفة رجل الدين. ودوننا العراقي أبو حنيفة، وهو من أبرع الأئمة في إستخراج الأحكام الفقهية، كان تاجر خز لم يلهه الإجتهاد عن مهنته.

    في عودته للإصول لم ينحُ طه للتجريد وإنما تقفى كل القضايا الحياتية التي شغلت، أو ينبغي أن تشغل، الناس، وعلى رأسهم قياداتهم السياسية. ففي السياسة الحكمية كتب محمود في عام 1955م عن الفيدرالية كأصلح المناهج لنظام الحكم في السودان، في الوقت الذي كان غيرُه يصفُ الفيدراليةَ بأنها ذريعةٌ إستعمارية لتفتيت وحدة السودان وكأنا بهؤلاء لم يكونوا يعرفون كيف وحدتْ الفيدراليةُ دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، وكندا، والبرازيل، والمانيا. وفي السياسةِ الإجتماعية تناول قضيةَ المرأة في وقت لم يكن فيه للمرأةِ مكانٌ إلا أن تكون مستردفةً وراء الرجل حتى بالمعنى الحسي للكلمة، إذ كان بعضُ الرجال يومذاك يستنكف أن تجلس زوجته إلى جواره في السيارة. ما فتئ بعض من هؤلاء ينادي بقوامةِ الرجل على المرأة مهما كان مستوى علمِها ودينِها وخلقها، ولا ضير عندهم إن كانت المرأة هي العالمة مدام كوري الحائزة على جائزة نوبل مرتين، أو الكاتبة البريعة إيملي برونتي، أو شهيدة الحرية بنازير بوتو. كما لا ضيرعندهم ان كان الرجل هو أي فحل جلف ليس له من علم او خلق يتحفل به أمام المرأة التي يطمع في الولاية عليها. هذه النظرة التي تجعل من المرأة ضديداً للرجل نسبها الأستاذ، بحق، إلى الجهل ولهذا كتب: "المرأة ليست عدوة الرجل، الجهل عدوهما، معاً". لذلك فإن موقف الإستاذ الشهيد من قضية المرأة كان من أعظم فتوحاته الفكرية في الحقل الإجتماعي. وكان الأستاذ ينظر للمرأة كإنسان ينبغي الإنتصاف لحقه، أين كان. ويروي لي الراحل الحبيب الدكتور خليل عثمان، وكان قد صَحبَ الأستاذَ في محبسه، كيف أن الأستاذ ظل يُتابعُ إنتخابات الرئاسة الأمريكية: رونالد ريقان وجورج بوش ضد والتر مونديل وجيرالدين فيرارو، ويجاهر بتمنياته لفيرارو بالإنتصار. سأله خليل: ما الذي تَعرفُ عن هذه السيدة حتى تؤيدَها؟ قال الاستاذ: "أنا لا اعرفُها البتة لكني اتمنى لها الإنتصار لأن إنتصارَ المرأةِ في أمريكا لإحتلال موقعٍ كهذا هو إنتصار للمرأة في كل مكان". ولعل محموداً قد فطن إلى أن في تحرير المراة تحريراً للمجتمع، وأن في صلاحها صلاحاً للأسرة، فالمرأةُ هي الإنسان كما قال الـروائي الألمــاني المعـروف تومـاس مــــان: "الرجـال هـم الرجـال ولكــــن المـرأةَ هي الإنسـان" (Men are men but woman is man).

    كان للأستاذ أيضاً رأي في الحرب والسلام ذهب به إلى جَذر المشكل بعقود من الزمان قبل ان نعترف بذلك في إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م . في تلك الإتفاقية إعترف طرفاها بجذور المشكلة التي ظلت كل القوى السياسية الشمالية تعوص على نفسها الإمور برفضها. بدلاً عن الإعتراف بجذر مشكلة الجنوب إستمرأت تلك القوى البحث عن مشاجب خارجية تُعلق عليها أسباب الخيبة. قال الطرفان في ديباجة بروتوكول ماشكوس: ", وإذ يدركان أن النزاع في السودان هو أطول نزاع في افريقيا، وأنه قد سبب خسائر مريعة في الأرواح، ودمر البنى التحتية للبلاد، وأهدر الموارد الإقتصادية، وتسبب في معاناة لم يسبق لها مثيل، ولا سيما فيما يتعلق بشعب جنوب السودان، وشعوراً منهما بأوجه الظلم والتباين التاريخية في التنمية بين مختلف المناطق في السودان". في ذلك إعتراف منا بأن لمشكل الجنوب إسباباً متجذرة في الداخل. وحقاً، حين كان السودانُ كلهُ يتلظى بنيرانِ الحرب، كان بعضٌ من أهله لا يُخفي فرحتَه بما حقق من إنتصار وهمي. في ذات الوقت ما انفك الأستاذُ ينظر إلى الصورة المتكاملة ولا يتوه في تفاصيلها، أو يهرب إلى الإمام من واقعها الكالح. كان كلما تباهى المنتصرون بقولهم: "لقد قضينا على مائة من الخوارج وأستشهد منا خمسة"، يعقب بالقول: "أما نحن فنقول أن السودان فقد مائة وخمسة من رجاله".

    بصورة عامة كان محمودٌ في سَرَعَان الناس (أي أسبقهم) إلى إدراك البعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب. كتب في واحدة من رسالاته ازاء الإسراف في الحديث عن مشكلة الجنوب، وكأن هذا الجنوب هو جنوب المريخ: "وللشمال مشكلة أيضاً". بذلك سبق قول الراحل جون قرنق:"مشكلة الجنوب هي فرع (Subset) من مشكلة السودان". هذا طرف من قضايا السياسة التي أهَمَت الأستاذ في حين صمت عنها السياسيون اما عجزأً أولا مبالاة. أدهي من ذلك أن اللهاثَ وراءَ السلطة يومذاك كان هو الشغلُ الشاغل لسادة الحكم، دون أي إجتراء من جانبهم على مواجهة النفس ونقد الذات، بل دون أن يقولوا مرة واحدة لمن ولوهم السلطة أو حملوهم الى سدتها، ما الذي يريدون أن يفعلوا بتلك السلطة من أجل قضايا الناس.

    وإن كانت نظرةُ الاستاذ الشهيد للمدينة الفاضلة التي قَدرَها وأحب أن يصير إليها السودانُ نظرةً شمولية تكاملية، إلا أنه قَدَر أيضاً ان السودانَ جزءٌ من عالم لا يستطيع السودانُ الإنفكاكَ عنه، كما هو جزء من حضارة إنسانية لا سبيل له للإنخلاع عنها. في ذلك لم يذهبْ مذهبَ الذين يدعون للإنخلاع عن الحضارة المعاصرة بدعوى تناقضها أو تباينها مع خصوصية ثقافية مدعاة، أو نقاء عرقي مزعوم. فهؤلاء مع كل مزاعمهم بفساد تلك الحضارة وجَحدهم لكسبها ومنجزاتها الإنسانية ظلوا يلتهمون نتاجها في المسكن والملبس والمشرب والتواصل والترحال، أي يعيشون كمستهلكي حضارة لا منتجين لها.

    شهيد الفكر كان يرمي ببصره بعيدأ ويقول أن الحضارة المعاصرة، حضارة القرن العشرين بلغت نهايات النضج. وان البشرية المعاصرة مجتمع كوكبي إن أصيب جزء منه تداعت لمرضه بقية الأجزاء. هذه النظرة التي جاء بها الأستاذ الشهيد في السبعينات سبقت ما تواصينا عليه بعد عَقد من الزمان في لجنة دولية كان لي شرف المشاركة في رئاستها: اللجنة الدولية للبيئة والتنمية. خرجت تلك اللجنة على الناس بتقرير اصبح هو الميثاق الدولي للبيئة في قمة الارض بريو دي جانيرو. جوهر ذلك الميثاق هو وحدة كوكبِ الأرض بحيثُ ينبغي على كلِ فردٍ في المعمورة ان يفكر عولميا ويعمل محلياً. ثم جاء من بعد فيضان العولمة بخيره وشره، وإنداحت معه الحدود بين البلاد. ولعلني لا اريد أن أتقفى أثر المفكرين المسطحين الذين يحاولون إيجاد نسب لكل فكرة حضارية جديدة، أو ظاهرة علمية مستحدثة بتجارب الدولة الإسلامية وبالقرآن الكريم، ناهيك عن ربطها بأفكار مجتهد معاصر، لا سيما وقد جاء زمان أطل علينا فيه نفر من المتفيقهين الذين لم يستح واحدٌ منهم من أن يفتعل لتخليق النعجة دوللي بالإستنساخ ذِكراً في الكتاب الكريم. كل ما أريد قولَه هو ان الشهيدَ المفكر كان يعالجُ إمور بلاده في محيط كوكبي أرحب لا نملك إلا ان نعيش فيه، ونتفاعل معه، ونؤثر عليه، ونتأثر به، في حين كان غيره لا يبصرون حتى ما تحت أقدامهم بدليل عجزهم عن معالجة أدنى مشاكل الحكم والحياة.

    هذه النظرة الكلية لقضايا الإنسان في السودان كانت بارزة أيضاً في ما كتب الأستاذ عن الإقتصاد. من ذلك رسالته حول الضائقة الإقتصادية (1981م). وأمثال تلك الضائقة يتخذها دوماً معارضو الحكم تكأة لتخذيله، أو ذريعة لحمله على الفشل. يفعلون ذلك دون أدنى إهتمام لما لتلك الضائقة من أثر على الوطن والمواطن. في تناوله لتلك الضائقة (والتي نستعرضها كنموذج) تناول الأستاذ البعد الأخلاقي للأزمة: مسئولية الدولة ومسئولية الأفراد؛ الريف والمدينة وأثر إنهيار الإقتصاد الريفي على إنهيار المجتمع الحضري؛ البعد الخارجي: التجارة الدولية، الديون؛ البيئة الطبيعية، الكوارث مثل الجفاف والتصحر. هذه النظرة الموضوعية العلمية لقضايا الناس هي التي يترجاها المواطن من قادته ومفكريه إن كانوا حقاً جادين في تدارس أي أمر ذي بال حتى يصلح حاله وأمره. والا حق قول أبي العلاء بأن الحكم ومذاهبه عند أولئك ليس هو الا وسيلة لجلب الدنيا لسادة الحكم.

    إنما هذه المذاهب أسباب لجلب الدنيا إلى الرؤساء

    تساءلت ذات مرة عن ما الذي يحول دون هذا المفكر، طالما أهّمَته السياسة، أن ينشئ حزباً سياسياً يتصارع عبره مع الآخرين على الحكم حتى يترجم أفكاره تلك إلى واقع. قال: "غايتنا ليست الحكم هي وإنما خلق المسلم الصالح المتكامل، وبصلاح الناس يصلح المجتمع". وحقاً لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، وحقاً ايضاً أن لاسراة إذا تسيد الجهل على الناس.

    قلت أن الاستاذ المجدد كان يسعى لبناء مدينة فاضلة بخلق النساء والرجال الفاضلين. والرجل الفاضل عنده، فيما تبينت من قوله، هو الإنسان مجدول الخلق الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية اهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه. سالته ذات مرة كيف تنتقي ابناءك وبناتك من الجمهوريين، وما الذي تتوخاهُ فيهِم؟ قال: في البدء ان كان ذا مهنةٍ فلابد له من ان يُجود مهنتَه، فالرجلُ الذي لايستجيدُ مهنتَه يفتقدُ القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوامُ كلِ شئ هو عِماده. الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشرالفكرة بين الناس بالتي هي احسن بحيث لايستفزه، عند الحوار، مستفز أو يزعجه مزعج. ثالثاً – وذلك هو بيت القصيد - أن لا يفعل في سره ما يستحي من فعله في علانيته. وكأني بالأستاذ الشهيد أراد ان يجعل من صحبه بشراً يقاربون الأنبياء في سلوكهم. هذا أمر لا أدعي أنني قادر عليه، ولمن قَدِر عليه من صحاب المفكر الشهيد تحية إعجاب.
    بُغية الأستاذ المعلم، إذن، كانت هي إعداد بنيه وبناته ليكونوا قدوة صالحة تُكلف نفسها في سبيل الدعوة غاية ما تقدر عليه. هذا امر ليس منه بُد إن كانت الدعوة لدين أساسَه الإستقامةَ والإستواء "وذلك هو دين القيَّمة". ولعله في هذا ذهب مذهب إبن رشد القرطبي في نظرته للكمال الإنساني. فعند إبن رشد يتميز الإنسان العاقل بما يحصل عليه من عتاد روحي وثقافي ومعارفي وتتكامل عنده الحكمة والشريعة لما بينهما من إتصال.

    لمحمود أيضاً رأي في الإنسان أبدع فيه. قال في واحدة من رسائله "الرجالُ عَندنا ثلاثة: الرجلُ الذي يقولُ ولايعمل لأنه يخافُ من مسئوليةِ قوله، وهذا هو العبد. والرجلُ الذي يَحِبُ ان يقولَ وان يعملَ ولكنه يحاولُ أن يهربَ تحت الظلام فلا يواجهُ مسئوليةَ قوله ولاعمله، وهذا هو الفوضوي. والرجل الذي يحب أن يفكرَ وأن يقولَ وأن يعملَ وهو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله وعمله، وهذا هو الرجلُ الحرّ (الثورة الثقافية)". هذا حديث حكيم شفيف الباطن. إستذكرت الشاعر الراحل محمود درويش (الجدارية) وانا أعاود قراءة كلمات محمود هذه:
    انا لستُ مني لو أتيتُ ولم أصل
    انا لستُ مني لو نطقتُ ولم أقل
    أنا من تقول له الحروفُ الغامضات
    أكتُب تكن
    إقرأ تَجِد
    وإذا أردتَ القولَ فأفعل ، يتحد
    ضداك في المعنى
    وباطنُك الشفيف هو القصيد

    فللأستاذ، إذن، رؤية سوية للإنسان المثال لا إفراط فيها ولاتفريط، وإن كان هو في خاصة نفسه قد غالى، بمعاييرنا، في قمع نفسه حتى عن اللَمَم وتوافه الملذات . روى لي الدكتور الراحل خليل عثمان إبان محاياته للأستاذ وهما في الحبس إلحَافه على الشهيد أن يتناولَ معه كوباً من الشاي فتأبى الأستاذ، ثم رضخ لإلحاف خليل. وفي اليوم التالي كرر خليلٌ الدعوةَ له وهو يذكره بأنه تناول الشايَ البارحة دون أن يلحقَ به ضُر. قال الأستاذ: "لقد فعلتُها بالأمس إكراماً لك ولكني أعرف أن الشاي منبه وإن تناولتَه المرة بعد الاخرى صار شربُه لي عادة وانا لا اريد أن أكون عبداً لأي عادة".

    قلت ان في مسلك الأستاذ نسكاً وتصوفاً، يستعيد للذاكرة قول الإمام الغزالي في الأحياء حول الزهد: "هو أن تأتي الدنيا للإنسان راغمة صفوا عفوا وهو قادر على التنعيم بها من غير نقصان جاه، وقبح إسم، فيتركها خوفاً من أن يأنس بها فيكون آنسا بغير الله، محبأ لما سواء، ويكون شركاً لما سواه، فيحب الله غيره" لهذا سألته عن رأيه في متصوفة السودان، ولماذا يصب جام غضبه على الإسلاميين المحدثين لا على المتصوفة؟ ذلك سؤال قصدت به الإستفزاز الفكري، لا سيما ورأيي في علماء السودان ومتصوفته رأي إيجابي إذ عشت في رحابهم، وتعلمت إصول ديني من أشياخهم، قال الأستاذ: "المتصوفة والعلماء هم الذين قربوا الإسلام إلى نفوس اهل السودان بالحسنى، وحببوه إليها بتقوى الله ولهفة المظلوم، ولم يتخذ غالبهم الدين طريقاً للدنيا". أما الطائفيون الذين إتخذوا الدين معبراً للسياسية والمحدثون ممن ينصب أنفسهم دعاة للإسلام فقد أساءوا إلى الإسلام من جانبين: أولاً إحتكار الحقيقة حول الدين بالرغم من سوء فهمهم له؛ وثانياً تبغيض الناس فيه بسبب من الغلواء في الاحكام، لهذا فان مسعاه، كما قال، هو إستنقاذ الاسلام من هؤلاء. هذا الموقف هو ما ظل الأستاذ ثابتاً عليه في كل ما كتب عن الطائفية السياسية، وكان متسامحاً فيما كتب، بمعنى أن الإصرار على الحوار الفكري، لا إغتيال الشخصية وإلغاء الآخر، هو قمة التسامح. ورغم إختلافه مع الطائفيين والإخوان المسلمين والشيوعيين دعا عند المصالحة الوطنية في عهد نميري (أغسطس 1977م) إلى خلق منابر فكربة تتصارع فيها كل هذه القوى السياسية واسماها بأسمائها: لم يستثن منها واحداً. وكان يومها يتمنى أن يُملأ الفراغ السياسي بالفكر. أما الآخرون الذين تداعوا إلى تلك المصالحة فلم يروا لها إلا وجهاً واحداً هو المشاركة في الحكم عبر إئتلاف حزبي أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة قومية.

    وعوداً على بدء في موضوع مَنسِك الأستاذِ نقول أن نسكه كان ذا طبيعة خاصة به، كان رجلاً من غمار الناس يمارس كل عوائدهم: ياكل الطعام، ويمشي في الاسواق، ويعود المريض، ويواسي الجريح ، ويعزي في الميت، كما لم يك يحسب نفسه منذوراً للبتولة كالمسيح أو أحبار الكنيسة إذ تزوج وانجب كبقية الخلق. لم يذهب أيضاً مذهب المتصوفة في إقصاء المعارف الدنيوية من حياتهم لأنها تلهيهم عن القربى، أي اقتراب السالك من ربه. فجُل المتصوفة لم يبتغوا من قراءة القرآن وتفسيره إستنباط أحكام فقهية أو عقائد كلامية، بل كانوا يريدون بها خلاصاً شخصياً بتعميق تجربتهم الروحية. بخلاف ذلك، إنغمس الأستاذ حتى أخمص قدميه في المعارف الدنيوية يحاور وينتقد، ويقبل ويرفض. ولم يكن إقترابه من التوحيد من وجهة حلولية شأن كل المتصوفة، بل محاولة فلسفية منه للحصول على معارف واقعية تهدي الإنسان في الحياة الدنيا؛ أي أنه "رأي سبيل الرشد فأتخذه سبيلاً". كما كان سبيله للآخرة هو الإقدام على الفروض والواجبات إقبال رجل يغشى قلبه الوجل من مخافة الله :"إذا ذكر الله وجِلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً" (الأنفال،2). كما كان يدرك أن وراء أداء الشعائر مغزى روحي عميق غير المعنى الظاهري، فتماماً كما أن ليس للصائم من صيامه غير الجوع والعطش، ليس، في حال البعض، للمصلي من صلاته غير القيام والقعود. الدين عند هؤلاء هو حوار أبدي بين الإنسان وخالقه في الليل والنهار حتى يتحقق لهم المقام المحمود: "ومن الليل تتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" (الإسراء 79).

    ثم جاءت نهاية شهيد الفكر كنهايات أضراب له واشباه من المفكرين الذين قدموا ارواحهم قرابين في محاريب الفكر، كانت نهايتهم على يد طغاة كحال الأستاذ الشهيد وتوماس مور، أو غوغاء كحال سقراط وغاندي. هؤلاء جميعاً لا ذنب لهم غير المجاهدة حتى يصبح الإنسان إنساناً. فمن قبل محمود ذهب سقراط ضحية إتهامه بتلويث عقول الإثينيين ولكنه، رغم إلحاح إفلاطون وزينوفون عليه كي يهرب - وكانوا يعدون للأمر عدته - رفض ذل الهرب من الموت. ذلك مشهد وصفه شوقي فابدع في الوصف:

    سقراط أعطى الكأس وهي مليئة شفتي محب يشتهي التقبيلا
    عرضوا الحـياة علـيه وهي ذليلة فابى وآثر أن يمـوت نبيلا

    أما غاندي الذي لم يعرف للعنف سبيلا فقد مات مغدوراً على يد متطرف هندوكي. بُغضُ غاندي للعنف وحبُه للناس حملاه على أن يقول:"هناك أهداف كثر أنا على إستعداد للموت في سبيل تحقيقها، غير أني لا ارى هدفاً واحداً يمكن أن يدفعني إلى قتل إنسان". نقل نبأ رحيل غاندي لأهل الهند جواهر لال نهرو وهو يقول:"لقد إنطفأ النور من حولنا، فالظلام يعم كل مكان." ثم إستدرك قائلاً:"ما كان لي أن أقول هذا. أنتم لن ترونه بعد اليوم، إلا أنه سيبقى بين ظهرانيكم".

    توماس مور، رجل كل الفصـــول، آثر الصـمت عندما قضــي هنري الثامن بإعدامه لرفضه التوقيع على القانون الذي يجعل من هنري رئيساً للكنيسة (Act of supremacy). وعندمىا أقتيد إلى المشــــنقة رفض أن ينبس ببنت شـــــــفه لقاضيه وجــلاده عــدا كلماته الاخـيرة التي صـمت بعــدها: "لا يحق لبشــــر زائل أن يكون رئيســــاً للروحــانية: "No temporal man may be head of spirituality". ذلك كان موقف الأستاذ الشهيد، إذ ما أبلغ صمته وأجمل سمته أمام المشنقة، فالجلاد وقضاة النار لم يبتغوا من الدعوة لإستتابته إلا كسر نخوته. ومن الحمق ان يظن ظان أن رجلاً تمرس بالشدائد، وصهرته المحن، وعرف الحق، سيفعل آخر الليالي ما لم يفعله في صباه. الشهيد ذو مِرة، وذو الِمرة لا ينكسر أمام الخطوب.

    في تلك الايام الحوالك عشت في لندن مع إخوة لي اغلبهم ممن عرف الاستاذ الشهيد من خلال ما كتب: الراحل حسن محمد علي بليل الإقتصادي المعروف، والراحل ابوبكر البشير الوقيع الإداري النابه، والأستاذ التجاني الكارب، ثم الراحل رفيق محمود، الدكتور خليل عثمان. بليل والكارب لم يكونا يبكيان على رجل ، بل كان بكاؤهما على موت ضمير. قالا سوياً:"هذا هو اليوم الوحيد الذي تمنينا فيه ان لا نكون سودانيين". ما تركنا يومذاك باباً في عواصم العالم الا وطرقناه حتى يُرَد الطاغية عن غيه. ثم ادلهم الظلام وذهب محمود كما يتوقع المرء أن يذهب، مرفوع الرأس كالرواسي الشامخات.

    أمثال محمود لا ينتهون بنهاية الوظائف البيولوجية لأجسامهم، وإنما هم باقون بما خلفوا في الرأس وفي الكراس. باقون بما سطروا على الورق، وما تركوا في أدمغة الرجال والنساء. وبهذا يصبح، أو ينبغي أن يصبح، السكون الأبدي لأجسادهم حركة دائبة. لا تهنوا، إذن، أيها الصحاب فأنتم اقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاض ظلوم، ومن أي عالم من أولئك الذين تراكم الصدأ على خلايا عقولهم


    --------------------------


    محاولات فاشلة لتغطية الفشل التام للانقاذ
    Updated On Jan 14th, 2013

    سليمان حامد
    الميدان

    اتخذت قيادة المؤتمر الوطني الحاكم من التوقيع الذي تم على مشروع وثيقة الفجر الجديد واجتماع كمبالا ذريعة لخدمة أكثر من هدف. فهي تريد أولاً: شغل الرأي العام المحلي بقضايا انصرافية في حقيقتها، ثانياً:استغلال هذه الفرصة التي تراها سانحة لمواصلة الهجوم على الديمقراطية وتجميد الأحزاب الساسية المعارضة، والممنوعة أصلاً من مخاطبة جماهيرها في الميادين والساحات العامة، وأوقفت صحفها وتهدف ثالثاً: إلى شق صفوف المعارضة التي بدأت تستعيد حيويتها بنشر مشروع الدستور والبرنامج البديل والتشاور مع الجماهير في الكيفية التي يتم بها إسقاط هذا النظام.


    لقد تبلورت كل تلك الأهداف وتجسدت في التصريح الذي نشرته صحيفة(الجريدة) عدد الاثنين 14 يناير 2013 الذي تصدر الصحيفة وجاء فيه: خلافات وصراع داخل الشيوعي بسبب وثيقة كمبالا. وهو حديث عارٍ تماماً عن الصحة وكل حرف فيه يعبر عن كذب مفضوح وممارسات شوهاء لم تحدث داخل الحزب الشيوعي. وبهذا تقدم صحيفة(الجريدة) خدمة مجانية أوغير مجانية لمخطط فاشل.

    لقد أكد الحزب الشيوعي السوداني في البيان الذي اصدره المكتب السياسي في 8/1/2013 إنه كحزب مستقل وكطرف في تحالف الإجماع الوطني المعارض، ضرورة ايجاد صيغة مناسبة لإشراك كل القوى المعارضة تحت لواء التحالف، بما في ذلك الجبهة الثورية، لأن قيام أوسع جبهة للقوى المعارضة هو شرط موضوعي على طريق إسقاط النظام. وقد صعدت هذه هذه الضرورة إلى مقدمة جدول أعمال التحالف خاصة بعد توقيع رؤساء أحزابه على البديل الديمقراطي الذي سينقل بلادنا من الشمولية للتعددية ومن الديكتاتورية للديمقراطية، ومن السياسات الحربية للسلام العادل، ومن دولة الحزب الواحد لدولة المواطنة المدنية القائمة على واقع التعدد ووصولاً إلى هذا، طرح الميثاق نهج ووسيلة النضال السياسي الجماهيري والانتفاضة الشعبية. وبعد عدة محاولات وجهود مضنية نجح التحالف في إرسال وفد منه لمناقشة الجبهة الثورية على طريق اقناعها، مع احترام حقها المشروع في اختيار نهجها ووسيلتها في إسقاط النظام.

    غير أن وفد التحالف تجاوز حدود صلاحياته وتوصل لمشروع جديد تحت اسم الفجر الجديد، يعتمد الكفاح المسلح لإسقاط النظام، كما شملت وثيقة الفجر الجديد أيضاً قضايا أخرى غير متفق عليها في التحالف، بل أن بعضها لم تتم مناقشته أصلاً.

    وكان المفروض أن يعرض الوفد ما توصل له من مشروع اتفاق مع الجبهة الثورية، على قيادة التحالف للتداول حوله لا أن ينشره كميثاق.

    وكان طبيعياً أن يحدث هذا التجاوز لأسس العمل الجبهوي الديمقراطي في ذلك اللقاء الذي حضرته أطراف جديدة غير مكلفة أصلاً من قبل التحالف للحوار مع الجبهة.

    إننا في الحزب الشيوعي سنواصل تمسكنا بالأطروحات التي اجازها التحالف في ميثاق البديل الديمقراطي، خاصة النضال السياسي الجماهيري السلمي ودولة المواطنة المدنية ووحدة السودان.

    وأكد المكتب السياسي أن تحالف المعارضة قد أحسن صنعاً، بتأكيده أهمية مواصلة الحوار مع الجبهة الثورية على طريق توحيد كل قوى المعارضة في الداخل والخارج.

    إن ما أقدم عليه المؤتمر الوطني بعد نشر مشروع كمبالا من دق لطبول الحرب وإطلاق الاتهامات الجزافية بالعمالة والخيانة والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، يعبر في جوهره عن هلع وهستيريا لشعوره بدنو أجله المختوم لنظامه.

    وحذّر الحزب الشيوعي المؤتمر الوطني من صيغة تهديداته بسحب الشرعية من أحزاب تحالف المعارضة ومن أقدامه على اعتقال قياداتها.

    السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح موضوعي هو: كيف وصل المؤتمر الوطني للسلطة؟ هل عبر انتخابات ديمقراطية أم بقوة السلاح بالانقلاب العسكري الذي وقع في يونيو 1989م وازاح نظاماً ديمقراطياً جاء عبر صناديق الاقتراع؟

    ألم يقل رئيس الجمهورية في الفاشر في رده على المطالب المعلومة المشروعة لأهل دارفور أن من يريد حقه فلينازلنا بقوة السلاح. ولهذا حمل أهل دارفور السلاح لتحقيق مطالبهم العادلة.

    إن أهل المؤتمر الوطني الحاكم هم آخر من يتحدث عن الصراعات والانشقاقات داخل الأحزاب خاصة داخل الحزب الشيوعي الذي لم يحدث فيه صراع أو انقسام لا في قيادته أو قاعدته حول الموقف من وثيقة مكبالا. إن أحد أهم العوامل التي تعجل بسقوط النظام هي الصراعات والانقسامات والتكتلات الحادثة في داخله.

    فمنذ الانقسام الذي أحدثته المفاصلة لم يمر يوم واحد خال من أنباء تمرد قواعده وقياداته في الولايات. والصراع الضاري بين الولاة المنتمين له على السلطة والمغانم في العديد من الولايات. بل وصل الصراع في قيادته المركزية إلى كراسي الحكم بذات الهدف المحاولة الانقلابية المعلومة والتي قام بها قادة من أخلص خلصاء النظام وحماته ومن داخله.

    نحن نعلم أن النظام يستهدف ـ على رأس قوى المعارضة المستهدفة ـ الحزب الشيوعي، ولهذا فالهجوم عليه ليس وليد مشروع وثيقة الفجر الجديد، بل منذ أن جاء نظام الانقاذ بقوة السلاح للسلطة.

    وليس ايقاف طبع صحيفة (الميدان) ومنع توزيعها منذ عدة أشهر إلا أبسط دليل على ذلك. واذا لم يحدث اجتماع كمبالا ..لصنع عشرات الأسباب واختلق مختلف الأساليب لإيقاف نشاط الحزب الشيوعي وليس حادثة معهد المعلمين التي فبركها تنظيم الأخوان المسلمون – وهو الأب الشرعي لكافة تنظيمات الإسلام السياسي الراهن بما فيهم المؤتمر الوطني نفسه – لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان الأحد الأدلة الدامغة التي اعترف (مفبروكوها) بأنها من صنعهم.

    وليس مدهشاً أن يسوق الأن ما حدث في كمبالا لمصلحته في الهجوم على الحزب الشيوعي. وسيصعد هذا الهجوم كلما اقترب انعقاد المؤتمر السادس، تماماً كما فعل المؤتمر الخامس. وكما فشلت مساعي المؤتمر الوطني الحاكم في شق الحزب الشيوعي فستؤول محاولاته الراهنة إلى فشل ذريع.

    أهم من ذلك كله فإن هذا العبث لن يشغل الشعب السوداني من مطالبه وقضاياه الأساسية، وسيواصل نضاله في سبيل تحقيقها بالإضرابات والاعتصامات والمظاهرات التي ستتراكم مع تراكم الأزمة الاقتصادية والسياسية والخدمية للنظام. فالوضع الاقتصادي المنهار للنظام والذي يسير يوماً بعد الآخر في طريق مسدود ولا أفق راهن لحل الأزمة، هو الذي سيراكم من سخط الجماهير ويصعد نضالها لإسقاط هذا النظام.

    -----------------------

    قراءة في المشهد السياسي:

    “الفجر الجديد” وفك الإرتباط!



    د. الشفيع خضر سعيد

    ** إذا كان من مصلحة الحزب الحاكم الهجوم على الميثاق وإذكاء نيران الحرب، فإن من مصلحة الوطن أن نثمن أي خطوة تجاه القوى التي تحمل السلاح، تؤدي في النهاية إلى إنجاز التغيير المنشود، حقنا للدماء وإرساءا لمعاني السلام والتسامح والوحدة

    تسبب مشروع “ميثاق الفجر الجديد” في إحداث هزة قوية في المشهد السياسي الراهن في البلاد، وأثار زوبعة وعاصفة من المتناقضات، ما بين فرح مؤيد، ومرحب متحفظ، ومعارض رافض، ومهدد متوعد..! وبالنظر إلى أن ميثاق “البديل الديمقراطي” الموقع عليه من زعماء أحزاب المعارضة لم يواجه بذات الشحنة من الوعيد والتهديد رغم أن كل بنوده تقريبا مضمنة في “الفجر الجديد”، فمن الطبيعي أن نستنتج أن حمم الوعيد والتهديد تجاه “الفجر الجديد” تفجرت ليس فقط بسبب تلك الإضافات والبنود الواردة فيه، وإنما أيضا بسبب أن قائمة الموقعين عليه تضم زعماء الحركة الشعبية قطاع الشمال، رغم عدم وجود توقيعات زعماء أحزاب المعارضة عليه، إلا نفر أو إثنين، ورغم أن هذه الأحزاب أكدت، وبأكثر من طريقة، أن ما تم التوقيع عليه في كمبالا هو مسودة أو مشروع أولي سيخضع للدراسة والمراجعة في المؤسسات القيادية لهذه الأحزاب، وصولاً “لإتفاق وطني شامل يعبر عن إرادة شعبنا وقواه السياسية المعارضة في الداخل والخارج”، حسب ما جاء في بيان تحالف قوى الإجماع الوطني الصادر في السابع من يناير الجاري. وبالنظر أيضا إلى أن حكومة المؤتمر الوطني ظلت تضع في مقدمة أولويات موقفها التفاوضي في لقاءاتها مع حكومة الجنوب، وآخرها لقاء أديس أبابا الأخير بين الرئيسين البشير وسلفاكير، قضية فك الارتباط بين حكومة الجنوب والحركة الشعبية قطاع الشمال، وتضعها كشرط أساسي للمضي قدما في التفاوض وحل القضايا الجوهرية التي تحسم ملفات أبيي والحدود والبترول والتعاون بين البلدين، وترفع أشرعة الأمل للشعب، يحق لنا أن نستنتج أيضا أن المسألة برمتها بالنسبة للمؤتمر الوطني، هي حسم أي تهديدات لإستمرار كنكشته على السلطة. فالمؤتمر الوطني يسعى لتعزيز قبضته على السلطة، بتعزيز الأمن في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، ليس عن طريق اللقاء والتفاوض المباشر مع الحركات المسلحة، بل عن طريق دحرها عسكريا بعد إضعافها بفك إرتباطها بحكومة الجنوب. ولكن هل سيؤدي هذا التاكتيك لوقف الحرب وحل الأزمة؟ أجزم بلا. إذن، فإذا كانت الحكومة ترى في فك الارتباط بين حكومة الجنوب والحركة الشعبية قطاع الشمال منصة لإنتصارها، فمن الطبيعي أن تسعى لمنع أي إرتباط بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة وبين أحزاب المعارضة، دون أن تستبصر أن هذا الإرتباط من الممكن أن يشكل مدخلا مناسبا لحل سياسي شامل للأزمة السودانية. وهكذا، يمكننا القول أن ما بين قضية فك الإرتباط وميثاق “الفجر الجديد” تكمن إحدى تجليات الأزمة العامة في البلد.

    وفي الحقيقة ظلت مسألة وقف الحرب الدائرة في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، هي مبتدأ أي موقف تجاه التغيير السياسي في السودان نحو الاستقرار والسلام والأمان والتنمية. لذلك، كان لابد أن ننطلق من الحالة الراهنة، أي حالة الحرب المشتعلة وفتائل الأزمات المتفاقمة، بما في ذلك الصدامات الدموية القبلية المستمرة حتى لحظة كتابة هذا المقال، لنعيد التذكير بعدد من الحقائق، أبرزها:

    أولا، حكومة المؤتمر الوطني هي الثابت، في حين المتحول المتغير هو المعارضة المسلحة من أبناء السودان في مناطق دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.

    ثانيا، ظل ميدان الحرب بعيدا عن المركز، يحصد الموت والدمار في مناطق الهامش الأكثر تخلفا وحرمانا.

    ثالثا، أغلبية السكان في تلك المناطق، مناطق الهامش، ليسوا جعليين ولا شايقية ولا دناقلة ولا غيرهم من قبائل الشمال المعروفة.

    وإذا وضعنا هذه الحقائق في الحسبان، وأستصحبنا معها رد فعل النظام العنيف ضد ميثاق الفجر الجديد، أو قل ضد الأرتباط الذي خلقه الميثاق بين فصائل المعارضة السلمية والمسلحة، ذاك الرد المعبر عنه بنداءات أن عام 2013 سيكون عام الحسم، ونداءات “بدر الكبرى” وتجييش المجاهدين المدنيين…، وغير ذلك من النداءات التي تعني تأجيج نار الحروب الأهلية، فمن حقنا التحذير بأن نداءات وسياسات وممارسات الحكومة ستولد نداءات معارضة لها، وفي مقدمتها نداءات تقرير المصير، وكأن الحكومة تشجع وتعضد سيناريوهات الإنفصال وتقسيم البلاد.

    يقول قادة تحالف الإجماع الوطني، أن اللقاء بين التحالف والجبهة الثورية مقرر منذ أن وقع قادة مكونات التحالف على ميثاق “البديل الديمقراطي”، وذلك بهدف مناقشته مع الجبهة والتوصل لميثاق موحد. وفي هذا السياق، جاء لقاء كمبالا الأخير كمحطة تشاورية أولى تمهد إلى محطات أخرى، حيث شكل التحالف لجنة من بعض مكوناته وفوضها لعقد هذا اللقاء والتوصل إلى مشروع أو مسودة أولى يتم بحثها من قبل قيادة التحالف وقيادات مكوناته، ومن ثم التمهيد للتوقيع على الصيغة النهائية في مؤتمر مشترك يضم هذه القيادات وقيادات الجبهة الثورية. والهدف من كل ذلك، هو تحقيق وحدة قوى المعارضة، بغرض العمل على تحقيق هدف أكبر من شأنه إحداث تغيير في البلاد يسمح بإخراس صوت الحرب، وبخلق مناخ ملائم لحل سياسي شامل للأزمة السودانية، وبمشاركة الجميع. ولكن، الطريقة التي تم بها إخراج وتنفيذ هذه الخطوة، ألقت بظلال سالبة، لا بد من الإعتراف بها، نذكر منها:

    - النقاط التي غطاها الميثاق هي نقاشات السياسي اليومي، ولكن مشروع الميثاق لم يصاغ بطريقة تراعي حساسية العمل الجبهوي، وإستحالة فرض لون واحد فيه، كما لم تضع الإعتبار الملائم لوثيقة “البديل الديمقراطي” والذي جاء نتاج نقاشات وحوارات إستمرت لفترة طويلة، فبدا مشروع الفجر الجديد وكأنه جب وثيقة “البديل الديمقراطي”.

    - مشروع ميثاق الفجر الجديد طرح عددا من القضايا بصيغة توحي وكأن هنالك إجماع من كل قوى الاجماع الوطني حولها، في حين الأمر ليس كذلك وكان يستوجب إخضاعها لمزيد من التدارس والحوار مع هذه القوى، بهدف التوصل إلى صياغات دقيقة ومحكمة، مثلا قضية مستويات الحكم الفدرالي، عدد أقاليم السودان، طول الفترة الانتقالية، إعادة هيكلة الجيش والقوات النظامية…

    - طريقة تمثيل بعض الأحزاب في لجنة تحالف الاجماع التي شاركت في لقاء كمبالا، جاءت بمناديب من الخارج غير متابعين للنشاط الذي كان يجري في الداخل تحضيرا لهذا اللقاء، مما يعكس عدم الجدية في التعامل مع لقاء بهذه من الحساسية والأهمية. وهذه الطريقة في التمثيل، والتي تمت في الثواني الأخيرة قبيل اللقاء، تفتح باب التأويلات، وربما تفيدنا هذه الأحزاب بتأويل ما لم نستطع إليه صبرا.

    - تم إعلان مخرجات لقاء كمبالا وكأن مشروع الميثاق المعلن هو صيغته النهائية، مما سبب درجة من التشويش في أوساط بعض القوى السياسية.

    من ناحية أخرى، فإن بعض القوى السياسية غير المشاركة في لقاء كمبالا، وضعت نفسها في خانة مع أو ضد ميثاق الفجر الجديد، وهي خانة عادة ما تفضي إلى طرق مسدودة. فإذا كان من مصلحة الحزب الحاكم الهجوم على الميثاق وإذكاء نيران الحرب، فإن من مصلحة الوطن أن نثمن أي خطوة تجاه القوى التي تحمل السلاح، تؤدي في النهاية إلى إنجاز التغيير المنشود، حقنا للدماء وإرساءا لمعاني السلام والتسامح والوحدة

    --------------------

    الفجر الجديد .. من المنلوج إلى الديالوج ..ما العمل ؟
    Thursday, January 17th, 2013
    فيصل الباقر

    فتحت ” وثيقة الفجر الجديد ” الناتجة عن لقاء كمبالا بين قوى الإجماع الوطنى و الجبهة الثوريّة وآخرين – أو كادت أن تفتح مجالاً جديداً للإصطفاف والإستقطاب السياسى الحاد والتخندُق فى المواقف القديمة ، بدلاً عن فتح الأبواب والنوافذ للحوار الجاد وتجذيره حول مُجمل القضايا المطروحة فى الوثيقة وبخاصّة مسالة ( آليّة ) أو ( وسيلة ) إسقاط النظام ،الذى تُجمع كل الأطراف على إسقاطه ” بكل السبل المُتاحة “.. فيما ترى الجبهة الثوريّة ضرورة التخلُّص من النظام عبر منهجها المُعتمد ( الكفاح المسلّح ) مازالت قوى الإجماع متمسّكة بالخيار السلمى وأساليبه المعروفة والمجرّبة سودانيّاً فى إسقاط الدكتاتوريات ” أكتوبر 64 ” و” أبريل 85 ” . وهذا الإختلاف فى الوسيلة لا بُدّ أن يجد طريقه لمواصلة وتوسيع الحوار الموضوعى والمُثمر والجاد عبر الإقناع والإقتناع – بعيداً عن المُزايدة والإستتفاه والتنابذ بالألقاب – ، وصولاً للهدف المنشود ، وهو بلا شك إسقاط النظام ، وتجنيب البلاد الدخول فى دوّامة العنف ( ثورى أو رجعى ) والفوضى ( خلّاقة أو مُدمّرة ). وإقامة البديل الديمقراطى المنشود على أنقاضه .

    من ما رشح – حتّى الآن – فى الصحف من معلومات حول لقاء كمبالا من إفادات وشهادات وإحتفاءات وإنتقادات وملاحظات وإختلافات وتراجعات بعضها يُركّز على الإجرائى وبعضها على المنهجى ، يتّضح حجم العمل والفعل المطلوب إنجازه ، لعبور الجسر وترميم الثقة بين مكوّنات الكتلتين، بصورة تجعل من ( الوثيقة) ولقاء كمبالا خطوة حقيقيّة للأمام فى طريق إسقاط النظام وفتح الباب للسودان المطلوب ، سودان الحُريّة والديمقراطيّة والتنمية المُتوازية والعدالة والسلام والصحافة الحُرّة المُستقلّة وإحترام وتعزيز حقوق الإنسان.

    واضح أنّ الوثيقة وضعت على طاولة اللقاء رؤى وبرامج الكتلتين، ولكن بصورة كسولة ومُتعجّلة. وقد حاول مُنظّموا اللقاء ” إنقاذ مايمكن إنقاذه ” بعمليّة جراحيّة إسعافيّة سريعة عبر محاولة توفيقيّة بخلق ” توليفة جديدة ” تُوحى بإعتماد الأسلوبين النضاليين ( الكفاح المسلّح والنضال السلمى الجماهيرى) ، فيما ذهب وفد قوى الإجماع مطمئنّاً ” ليُقنع “ الطرف الآخر بتبنّى أسلوبه، جاءت الجبهة الثوريّة مزهوّة و مُتحمّسة ” لتفرض ” قناعاتها .وهنا يكمن الخلل ، إذ كان ممكناً أن يلتقى الطرفان على أجندة واضحة ، مُعدّة بصورة دقيقة ، تجعل من اللقاء فرصة لتعميق الحوار ومواصلته، بفتح مسارات جديدة للحوار الموضوعى المطلوب بين الطرفين ،حول كل القضايا المطروحة فى التصوّرين القائمين،بما فى ذلك ( الوسيلة) والمواقف مابين التكتيكى والإستراتيجى فى العمليّة النضاليّة،لإسقاط النظام .

    كلمة أخيرة ، يجب أن تُقال غاب – فى تقديرى – عن مُنظّمى لقاء كمبالا مكوّنٌ هام ألا وهو ( هيئة إعلام اللقاء ) فلو كانت هناك مجموعة إعلاميّة مُتخصّصة ومُدركة لدورها ، لطلبت من ( المؤتمرين ) ” تزويدها “ أو ” زوّدتهم ” بمادّة صحفيّة رصينة ومضبوطة تُخرج على هيئة “مشروع” ( بيان ختامى ) أو ( بلاغ صحفى ) يُمكن أن يحمل إسم ( إعلان كمبالا )، بدلاً عن الإكتفاء بسهولة ” رش ” كل الوثيقة ، التى كان من المُفترض أن تُعرض على قيادات قوى الإجماع بالداخل، للمصادقة عليها ، ولو حدث ذلك ، لجنّب هذه الوثيقة التاريخيّة الهامّة ، الدخول إلى نفق المواجهة و التمترس فى المواقف المُسبقة …عموماً ، مازالت الوثيقة ومحتوياتها تُشكّل حالة جديدة وعلامة بارزة فى الساحة السودانيّة تستحق المزيد من الحوار العميق والهادىء والواسع والصريح ، بعيداً عن لغة التخوين والإستعلاء . وليكن شعار المرحلة القادمة ( الديالوج ) بدلاً عن ( المنلوج ). فليتواصل الحوار والترتيب لترميم الصدع لإستكمال ما بدأ فى خطوة كمبالا بإعتباره ( التوقيع بالأحرف الأولى ) على الوثيقة ، ينتظرالجولة الثانية أو الفترة المُقبلة لإستكمال الحوار، وهو المطلوب


    ----------------

    ما بين ميثاق كمبالا وشريعة الإنقاذ !
    سلمى التجاني
    2013-01-15

    لم أر مشهداً في حياتي أكثر قسوةً وإيلاما من مشهد فتاة ٍ وحيدة تتحلق حولها دائرة من الرجال يحاول أحدهم جلدها وهي تستغيث بكل مفردات الإستغاثة التي تعرفها إمرأة سودانية ولا أحد يجيب.
    لم أصدق عيني في البدء وأنا أنظر للفتاة التي أصبحت شهيرة بفتاة الكبجاب وهي تتلوى من الألم تجلد هكذا أمام أعين المارة والقاضي وافراد الشرطة وهم جميعا يتفرجون كأنهم يشاهدون فيلما على شاشة السينما.


    بالنسبة لي فالمشهد لم يكن فتاة تجلد ولكنها كانت كرامة تهدر وقد أكد ديننا على احترامها (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) سورة الإسراء، وكانت سيدةٌ سودانيةٌ تُهان أمام مرأى ومسمع من أخوان فاطنة، بل أكثر من ذلك فقد تأكدت يومها من التحولات التي شهدها مجتمعنا السوداني، إذ كنت أتوقع وفي كل لحظة أن ينبري أحدهم من بين الجموع ليقف بين الفتاة وجلادها لكن كانت قلة الحيلة والعجز وبعض الضحكات هي ردة فعل الجمهور.


    نعم كان الجلاد يُنفذ حداً من حدود الله، لكن أكانت هذه الفتاة هي أول من استحق إقامة الحد منذ ثلاثة وعشرون عاما هي عمر حكومة الإنقاذ؟، لماذا لم نر غيرها من الفتيات والرجال تنفذ فيهم الحدود، هل أُقيمت حدود الله في كل مرتكب لجريمة سواء أكان من الحزب الحاكم أم من عامة الشعب؟ سارقي أموال الشعب، المرابين، القتلة؟ متى رأينا الحدود تُنفذ في السودان منذ أن أعلنت الحكومة الشريعة الإسلامية منهاجا للحكم.
    بل هنالك حيلةٌ صغيرة لو علمتها الفتاة حينها لخففت العقوبة على نفسها وكفت نفسها وكفتنا وقع السياط على كرامتنا، فقد أكد حامد صديق رئيس القطاع التنظيمي بالمؤتمر الوطني ان لوائحهم تنص على جزاءات تُنفذ في عضويتهم من شاكلة حفظ القرآن الكريم إن كان الجرم تربوي تزكوي. وبرغم أنني لا أفقه في القانون الكثير لكنني أعتقد وبعض الإعتقاد صائب أن جريمة فتاة الكبجاب تدخل في إطار الجرم التربوي التزكوي، فما كان منها بعد أن فتح المؤتمر الوطني عضويته للجميع بلا فرز إلا أن تعلن إنضمامها له وستكون عقوبتها حفظ سورة البقرة، فهي على صعوبة حفظها لكنها أفضل ألف مرة من الجلد والإهانة وشيل الحال وفي ذلك مكسبين: تقي الفتاة ظهرها من وقع السياط، ويطبق المؤتمر الوطني شريعته على عضويته ويا دار ما دخل شر.
    أليس هذا مسر حاً هزلياً ؟ أيعقل وبعد أكثر من عقدين من الزمان أن يكتشف الشعب السوداني أنه محكوم بثلاثة نسخ من الشريعة: شريعة أعضاء المؤتمر الوطني التزكوية التربوية، وشريعة فتاة الكبجاب التي تطبق على الضعاف، وشريعةٌ ثالثة هي الشريعة الإسلامية الحقة التي حلم السودانيون بتطبيقها عليهم وأملوا ببركتها أن يفتح الله عليهم خزائن أراضيه ويختار من بينهم من يحكمهم بالحق والعدل. هذه النسخة من الشريعة لا زالت طي أضابير الحلم والتمني.


    أهذه مقدمة طويلة ؟ أبدا هي لب الموضوع فعندما تتفق المعارضة السودانية مدنية ومسلحة في ميثاق الفجر الجديد الذي تم توقيعه في كمبالا على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة يعني ذلك بداية الحصاد المر لما زرعته الإنقاذ، فقد يتساءل مواطنٌ بسيط ما هو فصل الدين عن الدولة، عندما يجوع الناس ولا يجدون ما يأكلونه إلا الطين، وعندما يمرض الناس في أقصى شرق السودان فلا يجدون مالا يصلون به للمستشفى ولا يجدون ما يأكلونه ليقاوموا به المرض فينتظرون قدرهم هناك، وعندما تُفجع أم في إبنها كدت وتعبت ليتمكن من دخول الجامعة فتجده مقتولا ولا تعرف من قتله، ألا يحق لهذا المواطن أن يتساءل أين الدين في كل ذلك، ثم أين هي الدولة.
    أتذكر هنا على أحد المواقع الالكترونية السودانية وفي خلاف سياسي قال أحدهم أن البعض يريد إغتيال شخصيته سياسيا فرد غريمه (هي وينا الشخصية البغتالوها).


    في الحقيقة إن إعلان قوى المعارضة وإن تراجعت بعض الأحزاب عنه بتبني العلمانية منهجا للحكم ليست مدعاة لتكفير المعارضة وتخوينها بقدر ما هو دعوة للمؤتمر الوطني للتوقف على حجم الضرر الذي تسبب فيه للأسلام كخيار للحكم، أحزاب تقوم على أسس إسلامية تختار فصل مؤسسات الدولة عن الدين، وحتى بعد أن تراجعت هذه الأحزاب يعلن عددٌ من أعضائها المضي قدما فيما جاء به ميثاق الفجر الجديد، هل سيستمع السودانيون في الوقت المنظور لكلمات قائدٍ في المؤتمر الوطني يخوفهم من المعارضة التي ستحكمهم بالعلمانية ؟،

    الناس لا تأكل ولا تشرب مناهج حكم طي الادراج، لكنها تنظر لمن يحكم بهذه المناهج: هل يطبقونها في أنفسهم والأقربين، هل حثتهم على العدل، هل قربتهم للشعب ،هل اتقوا الله في شعوبهم. ما فعلته الإنقاذ بصورة الإسلام وحكمه يحتاح لعقود قد تطول حتى ينسى الناس جنوبهم الذي استؤصل في أيام الحكم باسم الإسلام، وملايين الأرواح التي فقدت في حروب الأطراف الدامية، وملايين أخرى مشردة في أرجاء الدنيا، ثم الدولار الذي أصبح بثمانية آلاف جنيه، واللحمة التي دخلت موضة قدر ظروفك فأصبحت تباع بالمسكول (نصف ربع الكيلو).
    ألا يدعو كل ذلك الناس للتفكير في تجريب شيئ آخر ربما يخرجهم من وهدتهم؟

    ' كاتبة من السودان
    [email protected]

    --------------------

    وثيقة كمبالا: خطوة إلى الوراء تجاه الازمة السودانية المزدوجة
    د. عبدالوهاب الأفندي
    2013-01-14


    في أحد اجتماعات التجمع الوطني الديمقراطي المعارض حينها في العاصمة الاريترية أسمرا في منتصف التسعينات، احتدم الخلاف بين الأحزاب الشمالية من جهة والحركة الشعبية لتحرير السودان من جهة أخرى، حول رسم ملامح الفترة الانتقالية بعد إسقاط النظام. جاء ذلك على خلفية اقتراح من المعارضة بالتوافق مسبقاً على هيكلية الحكومة الانتقالية، ورفض الحركة الشعبية لأي حديث في هذه المسألة. وبعد أن تعقد الخلاف تقدم أحد قيادات الحركة الشعبية باقتراح مضاد، هو تقاسم مقاعد الحكومة الانتقالية مناصفة بين الحركة من جهة وبقية فصائل المعارضة من جهة أخرى، معللاً ذلك بأن الحركة ساهمت بنصيب الأسد في إسقاط النظام.
    ساد الهرج والمرج في الاجتماع، وصدرت ردود فعل حادة من بقية أطياف المعارضة، مما اضطر رئيس الجلسة بونا ملوال لرفعها حتى تهدأ الخواطر.
    وبعد إعادة انعقاد الجلسة، أصر أحد قيادات الحزب الشيوعي على التحدث، رغم نصيحة ملوال بتجاوز الأمر. وعندما أعطي الفرصة، أسهب في الحديث عن الدور التاريخي للأحزاب الشمالية في تحقيق الاستقلال وإسقاط الحكومات الدكتاتورية، في وقت كانت فيه الحركة السياسية في الجنوب غائبة عن المشهد. وعندما فرغ من مداخلته المطولة، رد عليه القيادي الجنوبي بجملة واحدة: نحن السادة اليوم.
    تلقي هذه الواقعة الضوء على الإشكالية التي تواجهها المعارضة السلمية في وضع يهيمن عليه صراع بين الحكومة القائمة وأطراف مسلحة، ذلك أن السلاح، مثل العملة الفاسدة، يطرد العملة الجيدة من السوق، فلا يرتفع صوت فوق صوت السلاح، حتى حين يكون قرار حمل السلاح هو قرار المعارضة بكاملها، كما حدث مع معظم حركات التحرر الافريقية من الجزائر إلى جنوب افريقيا، فإن الفصائل المسلحة تصبح في نهاية الأمر هي المهيمنة، ولا يكون للقوى المدنية سوى دور الكومبارس.


    ولكن الإشكالية تتعمق حين تكون الحركات المسلحة واجهة لفصائل سياسية ومجموعات لا تمثل سوى جزء من الشعب، عندها يقع ما وقع في السودان من تجاذب بين الأطراف المتعددة حول دور كل منها، ويكون الرصاص، لا الحجج والمنطق، هو أداة الحسم.
    وينطبق هذا على السجال الذي ولدته الوثيقة التي وقعت الأسبوع الماضي في كمبالا بين حركات المعارضة المسلحة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل والأزرق من جهة، والمعارضة السلمية في أحزاب 'قوى الإجماع الوطني' من جهة اخرى. وقد تبنت الوثيقة اعتماد العمل المسلح جنباً إلى جنب مع العمل المدني لإسقاط النظام، وصرحت بإقامة نظام علماني بديل، وتحدثت عن فترة انتقالية مدتها أربع سنوات تتولى فيها الحكم الجهات الموقعة على الوثيقة وتنفرد بإصدار الدستور الذي يحكم تلك الفترة. وبعد تهديد الحكومة باتخاذ إجراءات ضد الموقعين، تنصلت كل الأحزاب الموقعة منها، بحسبان أنها لم تطلع على نصها وأن موفديها لم يكونوا مخولين بالتوقيع، وهي حجة عرجاء في عصر الانترنت والهاتف النقال، حيث من المؤكد أن كل القيادات اطلعت على كامل النص وأوحت بالتوقيع. ولكن ما غاب عن فطنتها هو عواقب ذلك، ليس فقط لجهة تبني العنف، ولكن للتبني الصريح للعلمانية الذي ترفضه قواعد معظم هذه الأحزاب.


    ولكن الإشكالية أعمق من ذلك، وهي تتعلق بميزان القوى بين الأحزاب الكبرى ذات القواعد الشعبية العريضة، والأحزاب المسلحة ذات القاعدة الاضيق. فمن الواضح أن الأحزاب السلمية غير واثقة بقدرتها على إسقاط الحكومة القائمة سلمياً، ولكن الأهم من ذلك هو أن المعارضة المسلحة لا تثق في المعارضة السلمية، وترى أن أهدافها لن تتحقق إلا بسلاحها. بمعنى آخر، أن الحركات المسلحة ترى أن 'الانقلاب العسكري' الزاحف، على النهج الذي اتبعه حلفاؤها الأفارقة من موسيفيني في كمبالا إلى افورقي في أسمرا، هو السبيل لتغيير النظام. وإذا تحقق هذا فإن المعارضة السلمية ستصبح في نفس وضعها الذي هي فيه اليوم، من حيث التعامل مع فصيل مسلح يحتكر السلطة ولا يعطي منها إلا ما يشاء.
    من هذا المنطلق، يمكن اعتبار مطالبة الحركة الشعبية في اجتماعات 1995 بنصف مقاعد الحكومة الانتقالية 'تنازلاً' منها، لأنها كانت تتوقع الاستيلاء على الخرطوم بقوة السلاح. وهو بالقطع تنازل عما كانت تطالب به عام 1985، حيث أذكر أننا استمعنا في لقاء جمعنا بممثل الحركة في بريطانيا وقتها وليام بيور الى أن الحركة تستحق 70' في المئة من مقاعد الحكومة الانتقالية ولن تشارك في السلطة بأقل من ذلك. وقد قدمت الحركة تنازلاً آخر في اتفاقيات نيفاشا عام 2005، حيث كان نصيبها 28' فقط، وذلك بالطبع لأنها لم تنجح في الاستيلاء على السلطة بالقوة.



    الإشكال يكمن في الانتهازية السياسية، وهي بدورها تقوم على العجز السياسي. فالمعارضة تصرح عن عجزها عن التصدي لحكومة الإنقاذ، التي استولت على السلطة بالقوة، وتصر على فرض أجندتها على الجميع. ولكنها تريد أن تضطلع الفصائل المسلحة نيابة عنها بإسقاط النظام، ثم تسليمها السلطة، وهو تصور طوباوي على أفضل تقدير. ولا شك أن النظام مسؤول عن كون لغة السلاح هي الوحيدة المسموعة على الساحة السياسية، وذلك أولاً بإغلاق أبواب العمل السلمي، وثانياً بالتحاور مع كل من حمل السلاح، والنتيجة تحالف الانقلابيين، واحتكارهم للسلطة شراكة، كما حدث مع الحركة الشعبية وحركات دارفور. ولكن اقتسام المسلحين لكعكة السلطة لا يختلف عن احتكار فصيل واحد لها، لأن هذه الفصائل لا تحسن الحوار، حتى داخلها، حيث كل الخلافات تحسم بالبندقية والانشقاقات.


    من هنا فإن إخراج السلاح من السياسية السودانية هو الأولوية المطلقة، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إلا حين تصبح القوى المدنية قادرة على فرض مشروعيتها ضد السلاح، وليس بالاعتماد عليه. فتحول المعارضة القائمة إلى عالة على المسلحين هو انعكاس لضعف متأصل وأنيميا للشرعية. ذلك أن الخضوع لحملة السلاح من 'الأسياد' لا يمثل المظهر الوحيد للإفلاس الأخلاقي للمعارضة، فأحزاب المعارضة الكبرى نفسها لها 'أسياد' يحكمون بالوراثة، ويورثون السلطة لأفراد أسرهم ممن يفتقرون لأبسط مؤهلات القيادة. وإذا كان هؤلاء المورثون هم أفضل كوادر هذه الأحزاب، فهي لا تستحق أن توجد، فضلاً عن أن تحكم. وإذا لم يكونوا كذلك، فهذا فساد وإفساد لا يصلح من أتاه للإشراف على العمل العام. ولا يقتصر الأمر على طبقتين من الأسياد، بل هناك للأسف طبقة ثالثة. فعندما تعمل المعارضة تحت إشراف مخابرات دول مثل يوغندا، التي جاء رئيسها إلى السلطة بانقلاب قبل وصول البشير إلى السلطة بثلاث سنوات، وكان من أوائل من ابتدع بدعة تجنيد الأطفال، وما يزال يفرض نفسه على الشعب بالقوة، فإن هذه إشكالية في حد ذاتها. ولا يعتبر هذا تصرفاً منعزلاً، لأن المعارضة كانت من قبل تصرخ من أسمرا مطالبة بالحرية، وهي في ضيافة حكومة حزب واحد وصحيفة واحدة، ولم يفتح الله عليها خلال كل هذه العقود بكلمة واحدة في دعم حقوق الشعب الاريتري، الذي استضيفت على حسابه. وهناك على الانترنت (وهو لسوء حظ الكثيرين يذكرنا بالكتاب المرقوم) رسائل لبعض زعماء المعارضة في تملق العقيد القذافي يخجل منها حتى عبدالله السنوسي. وإذا كان لعق أحذية كل طاغية مما يدمنه المعارضون، فالأقربون أولى بالمعروف، وفيم التعب والنصب وسفك الدماء؟


    وإذا تجاوزنا عن كل هذا فإن كثيراً من قادة المعارضة، من فاروق أبو عيسى إلى حسن الترابي شاركوا في أنظمة دكتاتورية مارست القمع والقتل، ولم نسمع منهم في أي وقت نقدا ذاتيا حقيقيا لتلك التجارب، فضلاً عن اعتذار عنها وبراءة مما وقع خلالها من تجاوزات. وقد نتج عن هذا أن المعارضة والنظام معاً يقتات كل منهما من رذائل خصمه، وليست لديه فضائل يتزين بها. ومن هنا يمثل اللجوء إلى العنف والسلاح أحد مظاهر التردي السياسي والأخلاقي في السودان، وهو يساهم في المزيد منها، أولاً بممارسات إجرامية لا حصر لها، تبدأ بتجنيد الأطفال، وترويع الأبرياء، وفرض الأتاوات، وتصفية الخصوم حتى من داخل الحركة، وغير ذلك من أساليب تشبه أساليب عصابات المافيا، مما يجعل كل من عارك مثل هذه الممارسات اللاأخلاقية غير صالح لأي عمل عام قوامه خدمة العدالة. وثانياً لأن الحرب ملكفة ولا يمكن المضي فيها من دون الارتهان لمخابرات دول أجنبية هي التي تزود الحركات بالسلاح والمال والوثائق والملاذ الآمن، ولكل هذا ثمنه.


    ما تحتاجه البلاد هو إذن ثورة حقيقية يفجرها شبابنا النقي ممن لم تتلوث أيديه بدماء الأبرياء أو المال الحرام، ولم تتلوث عقوله بالخضوع لإملاءات من بيدهم النفوذ والسطوة، ثورة تعيد إلى الواجهة قوة المنطق السليم، وعلوية الموقف الأخلاقي الساطع. ما نريده هو ثورة لا تتشدق بقيم الإسلام، وإنما تجسدها في الواقع تجرداً عن الذات والكسب العاجل، وتضحية في سبيل المبدأ والآخرين، وإخلاصاً وصدقاً. المطلوب حركات لا تتشدق بالمساواة والمواطنة والحرية، وإنما تجسد ذلك في واقعها بأن تكون عضويتها من كل أطياف المجتمع وكل مناطق السودان وكل سحناته.
    فليعتزل السياسية كل من أصبحت ممارسته لها خصماً على السياسة والوطن، لأنه محمل بأخطاء الماضي ومكبل بعجز الحاضر وبؤسه، وليتقدم الصفوف من لا يرى في السعي إلى السلطة أحد أبواب اقتسام الثروة، وإنما أحد أبواب التضحية لخدمة الوطن. ومن كان هذا شأنه لا يحتاج لأن يشهر سلاحه ليحدث التغيير، لأن الموقف الأخلاقي السليم هو السلاح الأقوى لدحر الفساد، فقد هزم مانديلا أحد أقوى جيوش العالم وهو قابع في زنزانته.

    ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن





                  

01-22-2013, 05:46 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الاستاذ كمال الجزولى لا يحتاج لتعريف منى .. له اسلوبه المتفرد فى الكتابة دائما ما يهتم بالاهم فى الاحداث وتتبع مسارها الى ان يصل الى ما يريد ان يصل اليه من حقائق قوية ومنطقية فى سرده للاحداث بروح القانونى الذى يحترم مهنته فى تناول كافة القضايا التى تعرض امامه ..

    اقرا ماذا يقول كمال الجزولى هنا



    السُّودانَانِ : مُفاوَضَاتُ قِلَّةِ الحِيلَة..!!


    01-22-2013 01:59 AM
    كمال الجزولي

    في يناير عام 1956م أحرز السُّودان استقلاله بإجماع فريد على إعلانه من داخل برلمان الحكم الذَّاتي في ديسمبر عام 1955م. مع ذلك بقي في نفوس أبنائه وبناته شئ من "استقلال ثان"، معلقاً بأمل أن يتحقق إجماع آخر على رفد عتقه السِّياسي ذاك بعتق اقتصادي يشمخ فوق ساقين من رخاء فارهٍ، وعدالة اجتماعيَّة شاملة، ليس، فقط، في مستوى تركيبته الطبقيَّة، وإنما، أيضاً، في مستوى أقاليمه وجهاته وتكويناته القوميَّة المختلفة. تلك كانت الوصفة الوحيدة المؤهَّلة لأن تجنِّبنا لعنة الممارسة الشَّكلانيَّة للحرِّيَّة الخالية من أي محتوى، وأن تبلِّغنا غاية المرام من إعمار تنوُّع الوطن الموحَّد ديموقراطيَّاً على كافة الأصعدة. سوى أن مشروعاً أحول، شديد الضَّلال والتَّضليل، ما لبث أن عصف بذلك الأمل الغالي، حين انطلق ينعب، كطائر الشُّؤم، فوق الرُّؤوس: "تحرير لا تعمير"! بالنتيجة ها هو يناير السَّابع والخمسون يطلُّ، و"الوطن" قد أضحى "وطنين" يبيتان، أكثر من أي وقت مضى، على شفا جرف هار، سياسيَّاً واقتصاديَّاً، حيث الرُّوح ما تنفكُّ تغرغر في الحلقوم من شدَّة ما يعانيان، يوماً عن يوم، ليس، فقط، من الاستشراء غير المسبوق لأمراض التخلف، كالفاقة، والفساد، والقمع، وانعدام الأمن، بل ومن ارتباك الخيارات، مع قلة حيلة البصائر المنطمسة، بينما كلاهما يكاد لا يفيق، رغم المكابرة، من صدمة سيف الانفصال الذي انهلَّ، بغتة، في يوليو عام 2011م، فشطرهما، بضربة قاصمة، إلى فسطاطين، بشراً وأرضاً وثروات!
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1)
    تزاحمت كلُّ هذه الصُّور، ولا بد، في مداخل قمة البشير ـ سلفاكير، بالعاصمة الأثيوبيَّة، في 5 يناير 2013م. فالانفصال لم يشف صدور قوم انفصاليين، نافذين، في الدَّولتين، ولم يوفِّر، حسب ما كانت البصائر المنطمسة تأمل، حلاً واحداً لأيٍّ من مشكلاتهما الاقتصاديَّة السِّياسيَّة، أو الاجتماعيَّة الثقافيَّة؛ بل مضى، على العكس من ذلك، يفاقم من تلك المشكلات، ويضيف إليها، كما الضَّغث على الإبالة، بُعداً إقليميَّاً ودوليَّاً ما لبث أن تسرَّب إلى اللحم الحي، بعد أن أشرفت كلتاهما على حافة إفلاس اقتصادي تام، بسبب إرهاق ميزانيَّتيهما، وإضعاف عُملتيهما، وارتفاع معدلات التضخم لديهما، خصوصاً عقب إقدام دولة الجَّنوب، في يناير 2012م، على إغلاق آبارها النَّفطيَّة البالغ إنتاجها اليومي، أوان ذاك، 350.000 برميل يجري تصديرها عبر خطوط الأنابيب والموانئ الشَّمالية، والتي باتت، الآن، مشمولة بحدود الجَّنوب "الدَّوليَّة"، بعد أن كانت، قبل الانفصال، ضمن حدود "إداريَّة" داخليَّة، وتمثل 75% من ثروة كانت مملوكة، بأكملها، للسُّودان "الموحَّـد"، فلم يعد نصيبه منها يتجاوز، الآن، رسوم خدمتها من تمرير وتكرير وتصدير، هذا إن تمَّ الاتفاق على ذلك في مفاوضات شقِّ الأنفس الجَّارية الآن، جولة وراء جولة، بالعاصمة الإثيوبيَّة (!) ولقد أشرفت، كلتا الدَّولتين، كذلك، سياسيَّاً وأمنيَّاً، على شفا حرب دوليَّة، هذه المرَّة، بدلاً من الحرب الأهليَّة السَّابقة التي لطالما وُصفت بأنها أطول حرب أهليَّة في أفريقيا، قبل أن تطفئها اتفاقيَّة السَّلام الشَّامل في 9 يناير 2005م!

    (2)
    في 27 سبتمبر 2012م، برعاية الاتِّحاد الأفريقي، ومندوبه لهذه المهمَّة، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، تابومبيكي، وتحت ضغط عائدات النَّفط المفقودة، من جهة، وتهديدات قرار مجلس الأمن/2046، من جهة أخرى، أبرمت الخرطوم وجوبا اتِّفاق تعاون، بأديس أبابا، تعهَّدتا فيه بحلحلة نزاعاتهما العالقة على محاور النَّفط، والتِّجارة، والمصارف، والحرِّيَّات الأربع، وكذلك على المحاور الأمنيَّة والسِّياسيَّة، كوقف العدائيَّات، وحسم الخلاف المستعر حول تبعيَّة منطقة أبيي، والاتِّهامات المتبادَلة بشأن دعم كلِّ طرف لمتمرِّدي الطرف الآخر، فضلاً عن القضيَّتين اللتين تتصدَّران هذا الملف، وهما سحب قوَّات الدَّولتين من على بُعد عشرة كيلومترات في كلا جانبي الحدود المتنازع عليها، وإقامة منطقة منزوعة السِّلاح كحزام عازل بينهما، تمهيداً لاستئناف تصدير نفط الجَّنوب عبر الشَّمال.

    لكنَّ هذه المسألة الأخيرة، بالذات، شكلت عقبة كأداء أمام تنفيذ الاتِّفاق، حيث تضمَّنت، تلقائيَّاً، ضرورة "نزع سلاح" الجَّبهة الثَّوريَّة، وبالأخصِّ الحركة الشَّعبيَّة/شمال التي تحتلُّ قرابة نصف المنطقة المشار إليها، فإذا بالخرطوم تتشبَّث بشرط أن تقوم جوبا، قبل أيِّ حديث عن سحب جيش الشَّمال، بـ "نزع سلاح" هؤلاء "المتمرِّدين"، و"فكِّ ارتباطها" معهم، في حين ظلَّ موقف جوبا الثَّابت هو أنها لا شأن لها بتلك القضيَّة التي تخصُّ، برأيها، الخرطوم وحدها، كون من يقاتلونها هم مواطنوها هي، ومن ثمَّ فهي الوحيدة المسئولة عن "نزع سلاحهم"! علماً بأن قرار مجلس الأمن الدَّولي المشار إليه يقضي، أيضاً، بوجوب تفاوض الخرطوم مع نفس أولئك "المتمرِّدين"، غير أنها ظلت ترفض ذلك!

    بالنتيجة لم ينفَّذ شئ مما اتُّفق عليه في قمَّة سبتمبر 2012م، فلا القوَّات انسحبت، ولا المنطقة منزوعة السِّلاح أُنشئت، فبقي الحال على ما هو عليه، مؤجَّلاً لحين التئام قمَّة أخرى بين البشير وسلفاكير، بالعاصمة الإثيوبيَّة، مطلع يناير 2013م.

    (3)
    في خطابه الذي ألقاه قبيل انعقاد قمة يناير 2013م، وتحديداً عشيَّة رأس السَّنة الميلاديَّة، أبدى سلفاكير استعداد جوبا لسحب جيشها، مؤقَّتاً، من الحدود المتنازع عليها، مبرِّراً ذلك بقوله "حتى نتمكَّن من تشكيل بعثة مراقبة الحدود .. وإنشاء منطقة منزوعة السِّلاح" (رويترز؛ 1 يناير 2013م)، الأمر الذي رفع من درجة التَّفاؤل بإمكانيَّة التَّوصُّل إلى حلٍّ وسط خلال القمَّة المنتظرة، رغم أن لفظ "مؤقتاً" الوارد في صلب التصريح من شأنه أن يأخذ هذا المعنى المتفائل في اتِّجاه مغاير تماماً! على أن أوَّل الوهن تبدَّى، هنا، في عدم تحديد سلفاكير موعداً للانسحاب الذي لوَّح به، مع ملاحظة أن وزير إعلامه كشف عن اشتراطهم لتنفيذ ذلك الانسحاب أن يقع متزامناً بين البلدين (المصدر نفسه)، مما يفتح الباب واسعاً، على عدالة الشَّرط، لانخراط الطرفين، لاحقاً، في مغالطات لا أوَّل لها ولا آخر بشأن تحديد من انسحب، فعليَّاً، ومن لم ينسحب!

    مهما يكن من أمر فإن القمَّة التي انعقدت في 5 يناير خلصت، وسط دهشة المراقبين، وبعد يومين كاملين من انعقادها، إلى محض تحصيل حاصل! إذ رغم "البيان الختامي" الصَّادر، باسمها، من الاتِّحاد الأفريقي، معلناً عن تعهُّد الرَّئيسين فيها بتنفيذ جميع اتِّفاقيَّات قمَّة سبتمبر 2012م (رويترز؛ 6 يناير 2013م)، إلا أنَّها لم تتمخَّض، في الحقيقة، إلا عن تكرار نفس ما سبق أن اتُّفق عليه، عموماً، في تلك القمَّة، حول انسحاب الجَّيشين، وإقامة المنطقة منزوعة السِّلاح، دون تحديد أيَّة آليَّة، أو أيِّ مدى زمني للتنفيذ، وإنَّما عُهد للوساطة الأفريقيَّة بوضع مصفوفة يُفترض أن تكون قد عُرضت، حسب الاتِّفاق، على الطرفين في نهاية الأسبوع الثَّاني من يناير الجَّاري، وفق تصريح تابومبيكي لدى انفضاض القمَّة (المصدر نفسه)؛ ما يعني إحالة تلك القمَّة مهمَّة وضع المصفوفة المنوطة بها إلى الوساطة الأفريقيَّة، بانتظار أن تقوم الأخيرة بطرحها، لأخذ الموافقة عليها، في مباحثات لاحقة! فإذا علمنا أن هذه الوساطة نفسها قد سبق ووضعت مصفوفة لاستفتاء أبيي، قَبِلتها جوبا، ورفضتها الخرطوم، لأدركنا أن المصفوفة المنتظرة، الآن، يمكن، هي الأخرى، أن تكون محلَّ خلاف! لذا يصحُّ الحكم على القمَّة بالفشل، وعلى بيان الاتِّحاد الأفريقي بالهروب إلى الأمام لتغطية ذلك الفشل (محجوب م. صالح ـ الجريدة؛ 7 يناير 2013م).

    مع ذلك كله لم يتردَّد مجلس الأمن الدَّولي، المثقل، أصلاً، بأعباء أفغانستان والعراق والصُّومال وسوريا وشمال مالي وغيرها، في سَوق ثنائه على ما أسماه "مخرجات" قمَّة يناير 2013م (شبكة الشروق + وكالات؛ 9 يناير 2013م)، دون تحديد حتى لماهيَّة تلك "المخرجات" موضوع الثَّناء الذي يزجيه على استحياء بائن، ربما لمجرَّد حفظ ماء وجه القرار/2046 الذي انقضى أمد الإنذار المشمول به منذ أكثر من أربعة أشهر!

    (4)
    مع ذلك، إن كان ثمَّة ما يمكن اعتباره "جديداً" في تلك القمَّة، فهو إبلاغها، على "لسان" سلفاكير، بأن جوبا قد "قطعت علاقاتها مع الحركة الشَّعبية/شمال" (رويترز؛ 6 يناير 2013م). لكن، ما أن التأم شمل مفاوضي البلدين على محور التَّرتيبات السِّياسيَّة والأمنيَّة، بالعاصمة الإثيوبيَّة، في 13 يناير 2013م، حتَّى اتضح أنَّ ذلك الإبلاغ الشَّفوي لم يكن كافياً للخرطوم، فاحتاج الأمر إلى مكتوب رسمي من سلفاكير، سلمه وزير دفاعه إلى الوساطة الأفريقيَّة، متضمِّناً، على نحو أو آخر، نفس فحوى الإبلاغ الشَّفوي السَّابق (الإنتباهة؛ 16 يناير 2013م)، ويُتوقع أن يكون ذلك المكتوب قد أُدرج، الآن، ضمن أجندة الاجتماعات الحاليَّة. وبالحق، ما المطلوب من جوبا لإثبات "فكِّ ارتباطها" مع الحركة الشَّعبيَّة/شمال أكثر من إعلان ذلك، رسمياً، وبوساطة رأس دولة الجَّنوب نفسه؟! علماً بأنه ليس ثمَّة ما يحول دون استطاعة حكومة الشَّمال إثبات العكس متى توفَّرت لديها البيِّنة.

    على أيَّة حال، وبرغم ستار الصَّمت المضروب على هذه الجَّولة من المفاوضات، والتي ما تزال جارية بأديس أبابا، حيث ندفع بهذه المقالة للنشر أثناء انعقادها، إلا أنه ليس من الصعب التنبُّؤ، موضوعيَّاً، ببعض مآلاتها المتوقَّعة، دون انتظار الإعلان عن ختامها، جرياً على حكمة "الجَّواب من عنوانه" كما في بعض أمثال مستعربي السُّودان.

    لقد أعلنت جوبا، مثلاً، وبعد ما لا يزيد على اليومين من بدء هذه الجَّولة، سحب مرشَّحيها الذين سبق أن عيَّنتهم لإداريَّة أبيي، وذلك بسبب الخلاف الذي وقع حول نِسَب الطرفين في تشريعي المنطقة المتنازع عليها أصلاً. وما لبث د. لوكا بيونق، رئيس اللجنة المختصَّة بهذا الملف من الجَّانب الجَّنوبي، أن صرَّح بأن الطرفين وصلا إلى طريق مسدود في أمر هذه الإداريَّة، ما لم تُحسم نِسَب التَّشريعي (الأيام؛ 16 يناير 2013م). وكانت الخرطوم قد طلبت تقاسم المقاعد، مناصفة، في تشريعي المنطقة، إضافة لمقعد الرَّئيس، الأمر الذي رفضته جوبا، مشدِّدة على نسبة 60% للجَّنوب "12 مقعداً"، و40% للشَّمال "8 مقاعد"، على أن تخصَّص من بينها 4 مقاعد لأبناء دينكا نقوك في الحزب الحاكم. وإلى ذلك أكد د. لوكا أنهم أثاروا، أيضاً، قضيَّة استيطان العرب الرُّحَّل في أبيي كأمر خطير، بجانب تكوين الخرطوم للجنة شئون إنسانيَّة في المنطقة من طرف واحد. ولوَّح إلى أنهم يعوِّلون على تدخُّل مجلس الأمن الدَّولي لفرض إجازة مقترح أمبيكي للحلِّ النِّهائي (الرياض؛ 15 يناير 2013م). ومعلوم أن تدخُّل مجلس الأمن، إن وقع، فسيقع تحت الفصل السَّابع، وما أدراك ما الفصل السَّابع!

    من ناحية أخرى بثَّ تلفزيون الجَّنوب بيان وفد مجلس الشَّيوخ الأمريكي الذي زار جوبا، الأسبوع الماضي، ودعا سلفاكير للبدء، فوراً، في نقل بترول الجَّنوب بالشَّاحنات، عبر إثيوبيا، إلى الأسواق العالميَّة، حتى لا يصبح لرفض الخرطوم أيُّ معنى، معلناً عن استعداد واشنطن لدعم هذه الخطة التي سبق لوزير النَّفط الجَّنوبي أن لوَّح بها في مايو من العام الماضي (الأيام؛ 16 يناير 2013م). وما من شكٍّ في أن خطوة كهذه، لو قُدِّر لها أن تُتَّخذ بالفعل، فإن من شأنها أن تقلب موازين النِّزاع رأساً على عقب، بل ولربَّما تدفع بالطرفين، مباشرة، إلى أتون المحرقة!

    أما من ناحية ثالثة، فحتى عندما أعلنت جوبا، لاحقاً، أنها بدأت، فعليَّاً، سحب جيشها من الحدود، تنفيذاً لاتِّفاق المنطقة منزوعة السِّلاح (الانتباهة؛ 18 يناير 2013م)، فإنها عادت إلى حديث شرط التَّزامن في الانسحاب بين الجَّيشين، والذي سبق أن أشرنا إلى أن وزير إعلامها أثاره في الأوَّل من يناير 2013م، وأبدينا خشيتنا من أن هذا الشَّرط قد يتيح، على عدالته، باباً واسعاً لمن أراد المغالطة حول من نفَّذ الانسحاب ومن لم ينفِّذه. وبالفعل لاحت دواعي هذه الخشية، عمليَّاً، عندما أكد النَّاطق الرَّسمي باسم القوَّات المسلحة السُّودانيَّة، ردَّاً على إعلان الانسحاب الجَّنوبي، بـ "عدم وجود أيِّ قوَّات سودانيَّة داخل حدود دولة الجَّنوب حتَّى يتمَّ سحبها!" (المصدر)، في حين أن المتَّفق عليه، حقيقة، ومنذ سبتمبر 2013م، هو سحب قوَّات الدَّولتين من على بُعد عشرة كيلومترات في كلا جانبي الحدود المتنازع عليها!
    وأما من ناحية رابعة فإن أيَّ ترتيب لمنطقة منزوعة السلاح على حدود الدَّولتين، تحت مراقبة فريق إقليمي ودولي، وممثِّلين للدَّولتين، دون الأخذ في الاعتبار بقوَّات الجَّبهة الثَّوريَّة، وتحديداً الحركة الشَّعبيَّة/شمال التي ما تنفكُّ تتحدَّث عن هيمنتها على 40% مِمَّا يلي الشَّمال من المنطقة المشار إليها، لهو ترتيب محكوم عليه، عقلاً، ومنذ الوهلة الأولى، بالفشل الذَّريع! ولعلَّ هذا، بالتَّحديد، هو ما حدا بياسر عرمان، القيادي بالجَّبهة الثَّوريَّة، والأمين العام للحركة الشَّعبيَّة/شمال، للتَّعجيل بالتَّحذير منه. فمع ترحيبه، على حدِّ تعبيره، بأيِّ اتِّفاق من شأنه تحقيق السَّلام، ودعم الأمن بين الدَّولتين، لا سيَّما في المنطقة العازلة، إلا أنه عاد وشدَّد قائلاً: "نودُّ أن نذكِّر بأنَّ توقيع حكومة السُّودان، في ما يتَّصل بأكثر من 40% من الحدود الدَّوليَّة، سيكون توقيعاً نظريَّاً"، كون قواته تسيطر علي أكثر من 40% من هذه الحدود، ولافتاً إلي ترحيبهم بالتَّعامل، في هذا الشَّأن، مع فريق المراقبة الإقليمي والدَّولي، والتَّشاور مع الاتِّحاد الأفريقي، والمجتمع الدَّولي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، لجهة بسط السَّلام والاستقرار، لكن مع الاستدراك بأنهم لن يقبلوا بممثلين لجمهوريَّة السُّودان في تلك المناطق (وكالات؛ 18 يناير 2013م).
    هذه وتلك كلها عقبات تنضاف إلى غيرها من العقبات التي ما تنفكُّ تتراكم، بل وستواصل التراكم على طريق التَّسوية السِّلميَّة المأمولة بين الطرفين، سواء في مستوى قمَّتيهما أو قاعدتيهما، طالما ظلت مفاوضاتهما تجري ثنائياً، بمعزل عن باقي القوى السِّياسيَّة والمجتمعيَّة في البلدين.

    (5)
    مؤخَّراً أعلن المستشار الصَّحفي للبشير عن قمة جديدة ستنعقد، بينه وسلفاكير، بأديس أبابا، في 24 يناير الجاري؛ كما وأبدى سلفاكير استعداده الدائم للقاء البشير في أيِّ وقت (رويترز؛ 16 يناير 2013م).
    طيِّب .. ولكن حتَّام؟! إن مثل هذه الخطوات، عندما ترد في سياق الفشل المستمر في وصول الطرفين إلى منصَّة توافق ما، ولو بالحدِّ الأدنى، فإنها لا تفيد، في حقيقتها، أكثر مما يفيد تعبير العسكر "محلك سِرْ"! إنها محض مراكمة كمية لا تنقل الأحداث إلى أيِّ تغيير كيفي إيجابي. فحتَّى إن حدث وأصاب أيٌّ منها ما يمكن اعتباره ضرباً من الفلاح، هنا أو هناك، فإنَّه لن يكون، في منظور نهج اللت والعجن المتَّبع، بعيداً عن مشاركة قوى سياسيَّة ومجتمعيَّة أساسيَّة في "البلدين"، غير فلاح مؤقَّت ليس ثمَّة ما يضمن استدامته، أو يعصمه من الانتكاس!
    فقر الحيلة، وانطماس البصيرة، مع الإصرار على الانفراد بالسُّلطة، والتشبُّث بعدم إشراك الآخرين في علاج الأدواء الوطنيَّة، لهي أهمُّ العوامل التي تقضي، للأسف، بتأبيد علاقات "السُّودانَين" في مسار دائري عبثي، بل مأساوي .. قولاً واحداً!
    لذا، عندما نطلُّ، الآن، من شرفة يناير، على مشهد الوطن الذي كان، إلى عهد قريب، واحداً موحَّداً، برغم أزمة تنوُّعه التَّاريخي والمعاصر، فإننا لا نلفى سوى فيلين هزيلين يصطرعان، بلا توقُّف، تحت إشراف ضوارٍ أجنبيَّة، فوق عشب من شعوب مهمَّشة، هي، في حقيقة الأمر، أوَّل الخاسرين!
    ***



    ------------------

    يتميز الدكتور عبد العزيز حسين الصاوى بمقالات دسمة تحمل الطابع الفكرى فى محتواها معالجا لقضايا الوطن باسلوبه القوى الذى يجد من كل مثقف متابع الاحترام الكبير لرصانة ما يكتبه وصدقه ومعلوماته الغزيرة فى كل شان يكتب فيه اقرا لهذا المفكر الكبير هذا المقال الرصين

    السلطة في مواجهة المجتمع المدني: تخزق عينها بأصبعها

    01-22-2013 01:34 AM
    عبد العزيز حسين الصاوي

    استخدمت الحكومة أثقل مدفعياتها في الهجوم علي قوي الاجماع الوطني بعد صدور ميثاق الفجر الجديد فأسدت لها خدمة إذ بدت موحدة في موقفها من هذه الهجمة، وأخرجتها بذلك الي حد ما من مأزق التشتت وتباين المواقف إزاء مولود كمبالا الذي أنكر الجميع أبوته . علي ان ذلك هو الخطأ الاصغرالذي ارتكبته سلطة المؤتمر الوطنيمن حيث أرادت العكس. أما الخطأ الاكبر، الأكبر بكثير ، فهو الحرب المفتوحة التي كانت قد أعلنتها قبل ذلك علي هيئات المجتمع المدني بداية بمركز الدراسات السودانية ووصلت قمتها في تعاملها مع مذكرة فيدراليات المجتمع المدني بتعويق استلامها من قبل مفوضية حقوق الانسان ثم رفض استلامها صراحة في القصر الجمهوري. مضاعفات ومفاعيل هذاالتعامل المستقبلية هي بمثابة خزق العين بأصبع صاحبها لانه يعني نقل المعركة الي ارض اخري لاتجيد الانظمة الاستبدادية اللعب فيها.

    هذه النوعية من الانظمة تتفوق في الصراع ضد المعارضة السياسية ليس لانها أكثر شعبية من الاحزاب السياسية وانما لانها تتحكم في ادوات الدولة، والاهم من ذلك، أنالاخيرة تخوض هذه الصراعات دون سند شعبي حقيقي، يعوض في حال وجوده سطوة الدولة مهما قويت، لكونها تنتمي الي مجتمعات ضعفت قابليتها للاستجابة الي الخطاب الديموقراطي. فهي إذ تقضي الشطر الاعظم من حياتها الاستقلالية تحت وطأة انظمة شمولية يتضاءل اهتمام الفرد العادي فيها بالامور العامة تدريجيا بسبب طول اغترابه القسري عنهامقترنا بانشغاله بهموم الحياة اليومية المتضخمة جباليا نظرا للتلازم الحتمي بين الافلاس التنموي وانظمة الاستبداد. عضوية هذا التلازم اضحت بديهية لان الافتقار الي شرط الحرية المفّعلة ديموقراطيا يؤدي بالضرورة الى تبديد الثروة القومية وعائد المشاريع الكبيرة في مصارف غير منتجة هي الدفاع والامن والبروباقندا والفئات البورحوازية الطالعةموسومة بالفساد والزبائية للسلطة وأهلها الاقربين. في مثل هذه السياقات، علمانية كانت أم دينية،لا ينمو إلا الفقر والقمع كما وكيفا ومعهماتراجُع اهتمامات الناس الي حدود عالمهم الفردي او الاسري او الجهوي - القبلي، بعيدا، من الناحية الفعلية، حتي من الاحزاب التي يميلون أو ينتمون اليها.دليل هذا جلي عندنا سودانيا في الانفضاض الكلي عن الاحزاب أو ذلك الجزئي المتمثل في النشاط الموسمي،و/ أو التمرد العشوائي علي القيادات الذي يخلط بين عجزها الذاتي وذلك المفروض بحالة المجتمع وظروفه التاريخية. يؤكد هذا أن البدائل الحزبية لتلك القائمة تاريخيا منها،لايضارع انعدام فعاليتها وأنشقاقاتها إلا كثرتها،دون تقليل من جدية اصحابها وتضحياتهم الكبيرة.

    بشروعها في التطبيق الخشن لقانون العمل التطوعي لعام 2006 ، بفائض الخشونة المختزن فيه أصلا بما فيه الكفاية ويزيد،تكون الحكومة قد انزلقت، في غباء حتمي للانظمة الاحتكارية، الى إطلاق عملية يمكن ان ان تفضي الي تحرير الاحزاب السياسية من ثقل حالة فقر الثقافة الديموقراطية التي تشل حركتها.

    في عالم اخر وزمن اخر ، عالم وزمن ماقبل عصر الحريات وحقوق الانسان والعولمة وثورة الاتصالات والربيع العربي، كان بمقدور النظم الاستبدادية أستئصال نشاطات المجتمع المدني القائمة علي اللاربحية والطوعية في خدمة هدف غير سياسي، بقوة الاجهزة مستكملة العملية بتفريخ هيئات رسمية للتغطية علي ذلك. في عالم اليوم هذا مستحيل، مهما اخشوشنت سياسات الانقاذيين،إذ يستحيل سد كافة منافذ تواصل الداخل والخارج. يتمثل هذا في ابسط صوره وأوضحها في الانتشار الكثيف للسودانيين/ات خارج البلاد. هذا مصدر اختراق غير قابل للرتقالكامل من قبل أي إجراءات إحتوائية، تتسع دائرته بالاتصالات المباشرة بين الخارجيين والداخليين أهلا وأصدقاء. وفي عالم تظهر فيه كل صباح وسيلة أتصال وتواصل أرخص وأكفأ من سابقاتها ووسائل معرفة واطلاع بنفس المواصفات، تزداد مهمة وسائل التحكم الرسمي في تدفق المعلومات صعوبة وتعقيدا. إضافة لذلك، ومهما قيل عن عدم نظافة الدعم الخارجي غربيا كان او امميا او اقليميا، فأنه سيبقي مؤثرا في تفعيل حوافز ابتكار أشكال ومواقع جديدة للمجتمع المدني التي لايمكن إخمادها تماماً بسبب انتشار وتجذر ثقافة الدفاع عن الحقوق المدنية. والاشارة الاولي لذلك يمكن قراءتها في موقف مفوضية حقوق الانسان عندما وافقت علي استلام المذكرة رغم إصرار ممثلي الامن علي العكس، إذ لاشك ان تصرفها، مهما كانت محدوديته، إنعكاس لشعورها بضرورة الالتزام بما يوحي به إسمها.بيد إن علينا نتذكر هنا ان نشاطات المجتمع المدني لاتنحصر في المعني الشائع لحقوق الانسان وأنما تشمل كافة الحاجات البشرية في وقت لاتكف فيه المسافة السودانية بين احتياجات الناس اليومية مأكلا ومشربا وتعليما وصحة عن الازدياد طولا وعرضا وارتفاعا.بذلك تجد السلطة الشمولية نفسها في مواجهة ضغوط متزايدة القوة مزدوجة المصدر تتسع دوائر المتأثرين بها بما يصل أكيدا حتي الى أوساط مؤيدة لها فمن بين هؤلاء كثيرون لاتختلف همومهم واهتمامتهم عن غيرهم من الناس السودانيين.

    هذا هو باب الريح ذي الضلفتين الذي ستفشل المحاولات الرسمية لإيصاده فيضحي مصدرا لانعدام راحتها. فسواء كان تعريف المجتمع المدني هو جسر التوسط بين الدولة والمواطنين او الهيئات غير الربحية يبقي أن القاسم المشترك هو طوعية الانتماء وفرديته الي كيان غير سياسي ملتزم بالغرض المعين الذي نشأت الهيئة المحددة لتحقيقه. وإذا كانت السلطة الشمولية غير قادرة بطبيعتها علي أبقاء ذراعها الطويلة بعيدة عن هذا النوع من المبادرات فأن مؤدي ذلك لن يكون سوي المزيد من تضييق قاعدتها. علي الجانب الاخر هناك المهتمون حقا وحقيقة بقضية الديموقراطية أي بأعتبارها وعيا جماعيا بالحقوق والواجبات يتصاعد من الفرد الي المجموع متجاوزا كثيرا الاسقاط المجرد للنظام. بهذه الصفة فأنهم قادرون حتما علي تقصير أذرعهم بل ومكافحة الميل الظاهر لدي بعض الناشطين لتسييس هيئات المجتمع المدني أو استخدامها لاغراض إسترزاقية. هؤلاء يدركون إن نشاطات المجتمع المدني أكثر البيئات ملاءمة لاحياء اهتمام الناس العاديين بالامور العامة وتدريبهم علي جوهر الديموقراطية وهو الانخرط الحر للفرد في نشاط يجمعه بآخرين، كبر مجاله ام صغر، يساهم معهم في اختيار من يقودهم ومساءلته دوريا حسب اللوائح والقواعد التي تحكم الهيئة المعينة. وهم بذلك يصلون بفشل السلطة الشمولية في مكافحة حوافز ومنشطات المجتمع المدني الي حده الاقصي بأعادة الروح الى الحياة الحزبيةلأن النتيجة غير المباشرة لالتزامهم بمقتضيات وشروط المجتمع المدني هي إعادة الروح الي انشغال الناس بما يقع خارج حدود دوائرهم الشخصية وتلك المحلية المنعزلة عن الانتماء المواطني. والمسافة من هنا الي العمل السياسي حزبيا كان او مستقلا ليست بعيده. السلطة تخزق عينها بأصبعها حتي إذا كانت لاتري ذلك الان.
                  

01-22-2013, 06:28 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)
                  

01-22-2013, 06:56 AM

جعفر محي الدين
<aجعفر محي الدين
تاريخ التسجيل: 11-12-2008
مجموع المشاركات: 3649

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    شكرا أستاذ الكيك
    على هذه الاختيارات الرائعة
    وكما عودتنا دائما تمنحنا فرصة قراءة ما فاتنا في زحمة الدنيا

    لك التحايا أطيبها
                  

01-24-2013, 07:59 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: جعفر محي الدين)

    شكرا لخى
    جعفر محى الدين واتمنى التواصل معى لتقرا هذه الوجبة الدسمة من الدكتور القراى الذى عودنا على مقالاته القوية التى تستهدف العمق الانقاى برؤيته الصادقة والمعبرة التى تعودناها منه اتركك مع الصديق القراى لتدرك كيف ينهب السودان من مجموعتين تتنافسان فقط فى كيفية سرقة الميزانيات التى ترصد وتغتنى لحد التخمة فى غياب المحاسبة والمراقبة التى يفترض ان تكون اولى واجبات المسلم فكانت اخرها ..



    اقرا مقال القراى عن سارقى مال اليتامى

    بمناسبة مخصصات الدستوريين
    سارقو مال اليتامى!! (1-2)
    (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)
    صدق الله العظيم

    يعيش الشعب السوداني، اليوم، في مدنه، وقراه، أسوأ أنواع الفقر، والعوز، وضيق العيش.. والحد الأدنى من الأجور الذي يبلغ حوالي 250 جنيه، هي نصيب سائر العمال، في مختلف المصالح الحكومية، لا يكاد يكفي أسرة صغيرة، من الكفاف، أكثر من العشر أيام الأوائل من الشهر، لو عاشوا على وجبة في اليوم!! وبعد ذلك، يبدأ رب الأسرة، في الدَين من البقال، ومن الجزار، ومن بائع الخضار!! وفي مدينة عطبرة، مدينة الشرفاء من العمال، شهداء العيش الكفاف- كما سماهم الأستاذ محمود محمد طه- يستدين العمال من ست الشاي، والحاجة التي تبيع التسالي والفول السوداني ليفطروا به!! وفي أطراف العاصمة، يقضي كثير من الاطفال، جل وقتهم في أكوام القمامة!! فقد كتبت الصحفية النابهة، مديحة عبد الله



    (جاء فى تقرير صادر من وزارة الرعاية الاجتماعية ان عدد العائلات المعدمة تبلغ حوالى 300 الف عائلة من جملة مليونى عائلة فقيرة ويدفع الفقر الاطفال للبحث فى اكوام القمامة عن القوارير البلاستيكية لجمعها وبيعها للحصول على مبالغ مالية ضئيلة لتغطية احتياجاتهم واحتياجات اسرهم واوردت صحيفة الصحافة 19/يناير ان الطفل احمد احد مئات الاطفال الذين يبحثون فى القمامة لجمع القوارير البلاستيكية الفارغة للحصول على مبلغ 8 جنيهات تمكنه من ارتياد نادى مشاهدة وتناول وجبة "زمنى الخاين" وهى وجبة مكونة من العدسية والبصل والليمون!)(الميدان 12/1/2013م). والشاب الذي تدفع عليه الأسرة دم قلبها، ويبذل فوق طاقته، ليكمل تعليمه، ويتخرج كطبيب، يعمل في المستشفى لا يتجاوز مرتبه 700 جنيه في الشهر!! والمعلمون أقل من ذلك، وفي وزارة التربية من عمل أكثر من ثلاثين عاماً، ووصل الى رئيس قسم، وهو على أعتاب المعاش، ولا يتجاوز مرتبه 850 جنيه!! واسوأ من وضع هؤلاء، وضع اصحاب المعاشات، الذين خدم بعضهم بلاده لمدة ثلاثين عاماً أو تزيد ثم كان معاشه 180 جنيه شهرياً!! وحين احتج ارباب المعاشات على الغلاء الطاحن، المتزايد، مع بقاء المعاشات كما هي، كان رد أحد ذوي الوظائف الدستورية (خليهم يحتجوا!! حيعملوا شنو يعني.. يضربوا؟!).. وأسوأ من وضع أرباب المعاشات، وضع الآلاف من الخريجين، الذين يعانون العطالة، لأن الدولة فشلت في ان توفر لهم فرص العمل!! هذا طرف يسير من حال أفراد شعبنا، وبعض مرتبات المواطنين، فما هي مرتبات الحكام، أصحاب الوظائف العليا الدستورية؟!


    صدر القانون الحالي لمخصصات شاغلي المناصب الدستورية في 20 يونيو 2001م، وتم تعديله لأول مرة في 16 نوفمبر 2003م، ثم مرة ثانية في 26 يونيو 2005م بواسطة مجلس الوزراء. وكان ما يجري عليه التعديل من القانون في الغالب هو تغيير الجداول المرفقة به، بغرض زيادة المرتبات، والمخصصات. ومن عجب أن هذا القانون العجيب، قد أعطى الحق لرئيس الجمهورية بأن يقوم بهذه التعديلات، ليزيد مرتبه، ومخصصاته، كما يشاء ومتي يشاء!! فقد جاء في القانون (المادة 7: تعديل المخصصات والمكافآت: يجوز لرئيس الجمهورية بالتشاور مع كل من رئيس المجلس الوطني ووزير المالية والاقتصاد الوطني تعديل الجداول المنصوص عليها في المواد 5 و12 كلما رأي ذلك مناسباً)!! ولقد حددت المادة (3) شاغلي المناصب الدستورية وهم: رئيس الجمهورية ونائبيه – رئيس المجلس الوطني – مساعدو رئيس الجمهورية ومستشاريه - الوزراء الاتحاديون - الوالي والوزير الولائي والمحافظ - رؤوساء اللجان الدائمة والاعضاء بالمجلس الوطني - رئيس ونائب رئيس مجلس الولاية ورائد المجلس الولائي - رئيس الهيئة النيابية – رؤوساء اللجان الدائمة واعضاء مجالس الولايات.



    ونحن في هذا المقال، سنعتمد على الجدول المرفق مع قانون 2001م، لنرى مرتبات هؤلاء الناس قبل 12 عاماً كيف كانت، حتى نتخيل كم هي الآن!! يبلغ مرتب رئيس الجمهورية في جملته 520,000 جنيه في السنة، يضاف اليه بدل لبس عبارة عن مرتب 6 أشهر أساسي (المرتب الاساسي 190,000 جنيه) أي 1,140,000 جنيه، وبدل كتب ومراجع مرتب 6 اشهر أساسي أي بضرب 6 في 190,000 أي 1,140,000 مرة أخرى، ليصبح جملة ما يقبضه رئيس الجمهورية من الحكومة سنوياً 2,800,000 جنيه. أما نائب الرئيس فإن مرتبه 490,000 جنيه ونفس البدلين للبس والمراجع، تحسب لنائب الرئيس كمرتب 6 أشهر من راتبه الاساسي (180,000 جنيه)، فيصبح جملة ما يقبضه 2,650,000 جنيه. أما مساعدو الرئيس ومستشارية فتتراوح مرتباتهم من 445,000 الى 390,000 جنيه. والوزراء 390,000 الى 370,000 جنيه. ووزراء الدولة ورؤوساء اللجان ونائب رئيس مجلس الولاية 345,000 جنيه الى 325,000 جنيه.
    ثم ان كل المبالغ لا تساوي شيئاً، بجانب دخل هؤلاء الدستوريين، لأن القانون منحهم بالاضافة إليها، بدلات وامتيازات، تبلغ في حد ذاتها مبالغاً طائلة.. فقد جاء في القانون:


    (المادة 8: إمتيازات رئيس الجمهورية ونائبيه: تكون لرئيس الجمهورية ونائبيه الإمتيازات التالية:
    أ‌- السكن المؤثث مع خدمة المياه والكهرباء والهاتف على نفقة الدولة ويستمر هذا الامتياز لمدة عامين بعد إخلاء المنصب.
    ب‌- تخصيص سيارة للعمل الرسمي وسيارتين للخدمة للاستعمال الكامل على نفقة الدولة اثناء شغل المنصب ويستمر امتياز سيارتي الخدمة لمدة عامين بعد اخلاء المنصب.
    ج - العلاج على نفقة الدولة له ولعائلته داخل السودان وخارجه على ان يستمر هذا الامتياز لمدة عامين بعد اخلاء المنصب.
    د- اجازة سنوية لمدة شهر بكامل المخصصات ونفقات السفر له ولعائلته.
    ه- تعليم الابناء بالمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة بداخل السودان على نفقة الدولة ويستمر هذا الامتياز لمدة عامين بعد اخلاء المنصب.
    و- الضيافة الدائمة على نفقة الدولة اثناء الخدمة.
    (المصدر: http://www.sudanjudiciary.org/sub/law/lawindex/1/22.htm )
    فإذا كان كل هذا سيدفع للرئيس، ونوابه، ومثله، أو اقل على تفاوت، لبقية الدستوريين ففيم يصرفون مرتباتهم؟! إذا كان أكلهم، وشرابهم، هم وضيوفهم، على حساب الدولة، تحت بند الضيافة الدائمة، وكذلك علاجهم، وتعليم ابناءهم، وسكنهم، ففي أي شئ يصرفون هذه الأموال الطائلة؟! ولماذا تعطى لهم سيارتين لخدمة البيت، بالاضافة الى سيارة العمل الرسمي؟! ألا تكفي سيارة واحدة لتخدم الأسرة؟!
    وإذا حسبنا دخل الرئيس الشهري، دون التعرض لهذه الامتيازات، نجده مبلغ 233,333 جنيه في الشهر!! وهو أكبر من الحد الأدنى للإجور بنحو 933 مرة!! وإذا كان مرتب الحاكم، أكبر من مرتب المحكوم، بما يزيد عن تسعمائة مرة، فهل يمكن ان يكون هذا الحاكم صادقاً، لو إدعى أنه سيطبق الشريعة، حتى يعيد لنا الإسلام، كما طبق على عهد الخلفاء الراشدين؟!


    بالاضافة الى كل ذلك، جاء في هذا القانون العجيب (المادة 15: مكافآت نهاية الخدمة لرئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس المجلس الوطني: يستحق رئيس الجمهورية ونائباه ورئيس المجلس الوطني أو عائلاتهم مكافآت نهائة الخدمة تعادل راتب ستة أشهر عن كل سنة أو جزء منها يكون قد قضاها بالمنصب)!! فإذا ترك رئيس الجمهورية الآن المنصب، فإنه يمنح مرتب 6 أشهر عن كل سنة قضاها في الحكم، وإذا اعتبرنا ان المقصود هو المرتب الاساس أي ال 190,000 جنيه، فإنها في ستة أشهر تبلغ 1,140,000 جنيه، وإذا ضربنا ذلك في 24 سنة، فإننا سنعطي من مال الدولة، للرئيس مبلغ 27,360,000 جنيه، مكافأة نهاية خدمة، بعد كل ما ناله اثناء الخدمة، من دخل وامتيازات، كان يمكن ان تكون مقبولة، لولا أن شعبه فقير، ويتضور جوعاً، بسبب سياساته التي مزقت البلاد، واكثرت فيها الفساد!!


    ولو كان عدد الدستوريين، الذين يتمتعون بهذه العطايا، التي انتزعت من (كسرة وملاح) الغلابة، ومن مال اليتامى، الذين فقدوا أهلهم في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، عدد معقول لكانت مصيبة البلاد أخف.. ولكن توزيع الغنائم، دفع حكومة الاخوان المسلمين، لأن تقسم شمال السودان الى 15 ولاية، لكل منها، والي ونائبه، ورئيس مجلس ولاية، وأعضاء مجلس ولاية، ومجلس ووزراء، ووزراء دولة، ورؤوساء لجان مجلس ومستشارين، يعطى كل منهم كل الامتيازات بما فيها السيارات التي تخدم البيوت!!
    ولما كان الطمع داء النفوس غير المربية، فإن هؤلاء الدستوريين، لم يكتفوا بالنهب الذي وفره لهم قانونهم الجائر، وإنما سرقوا المزيد، مما لا يؤيدهم فيه حتى قانونهم!! فقد جاء (كشفت تقارير للمراجع العام عن صرف دستوريين بعدد من الولايات السودانية مبالغ دون وجه حق بلغت 55 مليون جنيه، و أكد أن استحداث بدلات ومخصصات غير واردة بقانون مخصصات الدستوريين أدى لضياع المال العام، بينما اتهم المراجع المجلس الأعلى للحكم المركزي بالتسبب فى ما جرى لإحالته القرار "206" لسنة 2010 للولايات بالخطأ بينما يتعلق بالدستوريين في الحكومة القومية.


    وأشار التقرير الى صرف حوافز دورية بالولايات من صميم العمل اليومي، واتهم المراجع ولايات بينها النيل الأزرق والنيل الأبيض بمخالفة قوانين الخدمة المدنية بشغل وظائف معاينات أو منافسات أو مقابلة لجان تعيين بلغت 890 وظيفة، واعترف بوجود صرف لمرتبات لأفراد فصلوا عن الخدمة وبعضهم تم نقله فضلا عن مرتبات مبعوثين انتهت فترتهم، وأشار الى أن استثمارات الولايات تتعرض للضياع لعدم عكسها في السجلات ما يعد تبديداً للمال العام)(سودان تربيون 12/1/2013م).
    فإذا كانت السلطة تدر على الاخوان المسلمين كل هذه الأموال الطائلة، فهل يستغرب شدة إنزعاجهم من وثيقة (الفجر الجديد)، التي تحاول جمع الجميع على اسقاط حكومتهم، وحرمانهم من كل هذه المزايا؟! هل رأيتم لماذا يحرص قادة المؤتمر الوطني على السلطة، على أشلاء وجثث النساء والاطفال، ودموع اليتامى، والثكلى، والسجناء المعذبين، والنازحين، واللاجئين، والفارين من القصف الجوي الى قمم الجبال؟! هل الدنيا كلها، لو حازها الانسان من جميع اقطارها، تستحق ان يرتكب في سبيل كسبها، كل هذه الجرائم؟!
    د. عمر القراي
                  

01-26-2013, 09:52 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    لعل توارد الخواطر بين الصديقين معاوية يس والاستاذ هاشم كرار تطابق حول الحانوتى الذى يتكسب من الموتى وحظوظ حب الناس لهم ..

    اقرا مقال الاخ هاشم كرار



    نظام يزايد ويتزايد بالأموات! ..


    بقلم: هاشم كرار
    السبت, 26 كانون2/يناير 2013 18:33



    في السودان، النظام الحاكم، يطلب الحياة بالأموات!



    يموت خلق كثير، في السودان- مثلما في أي دولة أخرى، لكن خلافا للكثير من الدول، يظل النظام في السودان، هو المتهم الاول، أناسا يموتون بالحروب، وأخرون يموتون بالبعوض، وغيرهم بالذباب، وغير غيرهم، بارتفاع الضغط بسبب الفصل التعسفي، وانخفاض السكر بزيادة اسعار السكر، وارتفاع الإثنين معا- الضغط والسكري- بسبب الانخفاض المريع في قيمة الجنيه، مقابل الدولار، وبسبب تزايد معدلات الفقر، والبطالة، والهجرة.. وتزايد معدلات الكذب، والبكاء، والضحك على الدقون!
    يموت كل هؤلاء، بهذه الأسباب، وأكثر، ولا يحفل بهم النظام، لكن أول مايموت كاتبا مشهورا، أو فنانا- حتى ولو كان هذين من أشد الخصام للنظام- أسرع ناعيه ينعي، والنظام يقيم سرادق العزاء للشعب السوداني( الفضل) ويبكي بدموع التماسيح!
    شهد السودانيون ذلك من النظام، حين رحل صاحب موسم الهجرة إلى الشمال- الطيب الصالح- في الدولة التي (تموت من البرد حيتانها).
    أسرع النظام، يتباكى، وهو ذلت النظام الذي كان يشن مثقفيه ومتثاقفته هجوما ضاريا على الطيب صالح، ويصفون روايته التي ترجمت إلى أمهات اللغات العالمية، ونالت شرف( واحدة من أعظم روايات القرن) بالفسوق، والعهر،، بل ويطلقون عليه هو، نقيض اسمه تماما، فهو عندهم ( لا طيب ولا صالح)!
    أكثر من ذلك، استقبل النظام جثمانه، ومشى وراءه، وحين ( زرعه) أحبابه ومريدوه، في باطن الأرض شجرة (دومة) أشهر من دومة ودحامد.. دومة لا شمالية ولا جنوبية، ولا غربية ولا شرقية، يكاد طولها يلامس سقف العالم، وتاتي أكلها كل حين، أدبا وفقها وتأدبا وظرفا وامتاعا ومؤانسة، راحوا يتقبلون فيه العزاء، وبعد أيام سموا عليه شارعا، هو بكل المقاييس أضيق، وأقصر من أن يسير فيه( منسي)!
    شهد السودانيون ذلك..
    وحين اختطف الموت صاحب ( اليوم نرفع راية استقلالنا ويسطر التاريخ مولد شعبنا),, صاحب ( كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل.. كان مع الصبر والأحزان يحيا، صامدا منتظرا حتى إذا ما الصبح أطل. أشعل التاريخ نار واشتعل) شهدوا من النظام، مثل ذلك: تباكى، والناس يبكون بالأناشيد وراء الجنازة المهيبة.. وبالأناشيد يبذرون وردي - بمساحة مليون ميل- بذورا ترتععش في باطن الارض تنادي: ( ياشعبا لهبك ثوريتك.. تلقى مرادك والفي نيتك.. عمق احساسك في حريتك.. تبقى ملامح في ذريتك)
    هكذا تباكوا، ووردي خصمهم، وخصيمهم، حتى وإن قال عنهم بعد عودته للوطن من الشتات، وقد رقصوا هم في ( قعدة) وقف فيها وردي فارعا كصاري المركب يغني، وينشد، ويبتسم، ويقول وقد رآهم ( يسكسكون) أي يرقصون: ( والله لو كنت عارف الناس ديل بسكسكوا ما كان تركت ليهم البلد)!
    شهد السودانيون ذلك..
    وشهدوا من النظام مثله، يوم اختطف الموت، الشاعر الضخم محمد الجسن سالم حميد ، صاحب( أرضا سلاح).. صاحب ( ست الدار) و( نورة) وجملة الفقرا، والترابلة، وناس الوردية، والأوبرالات.. صاحب: (ماجانا عشقك من فراغ … ولا نحنا غنيناك عبط
    جرح الوطن خطالنا خط … خطالنا قول ما منو نط …
    والليلة يا موت يا حياة … وخاطي البيختار الوسط)
    تباكوا كالعادة، ومشوا يتباكون وراء حميد الذي لا بزال يبكيه السودان كله..
    شهد السودانيون، من النظام ذلك..
    وشهدوا منه مثله ، يوم مات قبل أيام سلطان مسامع الشباب الفنان الأسطورة، محمود عبدالعزيز، وهم الذي كانوا جلدوه.. وهم الذين بينهم وبين إدراك عبقريته الغنائية النيرة، سنينا من الظلام، والتلوث السمعي الأصفر، والجمود!
    تحركوا، يتابكون كالعادة، براءون بالمشاركة في الحزن، ليختطفوا شبابا.. أجيالا، هم ( حزب الحوت) وما الحوت إلا أحد ألقاب الراحل.. لاستيقانهم- بينهم وبين أنفسهم- أن هذا الحزب، هو أكثر عددا من عديد حزبهم الحاكم، وأكثر منه وهو الذي كان يزايد، ويستزيد، بما عرف بأحزاب التوالي، وأحزاب الجبهة الوطنية، وشريكي السلام المفترى عليه، وما أكثر الاإفتراءات!
    2-
    في السوان، يريد النظام، أن يحيا بالأموات المشاهير، حتى وإن كان هؤلاء، هم أعداؤه، ما أظهر منهم العداوة، ومن بطن!
    هو يريد ذلك.. ولأجل ذلك، يختطف الدمعة الحارة، والبكية الحارة، والنحيب الحار، اختطافه للديمقراطية بليل، وكذبة، ودبابة، في العام 1989 ........واختطافه لوطن (حدادى مدادى...ما بننبيه فرادى ولا بالضجة فى الرادى ولا الخطب الحماسية)
    آه.. أما كفى هذا النظام، كل أولئك الأحياء الميتون، في ماتبقى من السودان، مبتور الثلث؟
    آه، لو يدعنا هذا النظام لا نرقد، ولا نقوم، ولا نمشي، ولا نقف، ولا نأكل، ولا نشرب، ولا نتناسل، ولا ننوم، ولا نصحو، ولا، ولا، ولا... بسلام...
    آه لو يتركنا هكذا، ولا يعكر فقط سلام أمواتنا، باختطاف الدمعة والبكية، والنحيب منا، عليهم..
    أيها الناس، أتركوا لنا أحزاننا.. لا تشاركوننا بدموع التماسيح.. وثقوا تملما اننا لن نشارككم سلطة، ولا زيطة، ولا زمبريطة، ولا نهب، ولا فساد، ولن نقرئكم منا السلام!
                  

01-28-2013, 08:54 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    مال الجزولي يكتب:

    ما تراه أهاج نظام السودان على معارضيه؟





    01-28-2013 09:52 PM
    محيِّر نظامنا السوداني، "تهتز" جداول أولوياته "كالدينار في مرتجِّ لحظ الأحول"، على قول أمير الشعراء، فينام، كالمتنبي، ملء عيونه عن شوارد المقاتلات الإسرائيلية تختبر، عبر مجالنا الجوي، قدرتها على استهداف المناطق البعيدة، كما حدث قبل أيام، مطمئنة إلى عجز راداراتنا عن التقاطها (سودانايل-عن موقع "ديبكا" الإسرائيلي؛ 19 يناير 2013)؛ بينما لا يكفُّ عن إحصاء أنفاس معارضيه السياسيين، وأخفت حركتهم وسكونهم، وأحدث ذلك يوم جيَّش عدوانيته ضدهم، لإبرامهم ميثاق "الفجر الجديد"، بكمبالا، مطلع يناير/كانون الثاني 2013، مع "الجبهة الثورية". وللدقة، فإن محل الحيرة ليس، فقط، رد فعل النظام إزاء الحدث، بل، أيضاً، تراجع المعارضة إزاء رد فعل النظام!

    (1)

    مبعث حيرتنا، في الحالين، أن الميثاق الذي وددنا، بالمناسبة، لو أن كاتبه بذل عناية أكثر في تدقيقه، ليست فيه فكرة واحدة مباغتة للنظام، أو منفلتة عن خط المعارضة المعلن. ويمكننا التماس ذلك عبر محورين تأسيسيين، بصرف النظر عما بالوثيقة من تطويل مُمِل، وتفصيل مُخِل، وذلك كالآتي:

    أولاً: أفصح النص عن أن غرضه هو توحيد أوسع جبهة للمعارضة، شاملة "الجبهة الثورية"، لإسقاط النظام، فهل ثمة تثريب عليه في ذلك؟! هل يستطيع النظام أن يزعم أنه بوغت بذلك؟! للإجابة نلاحظ ما يلي:

    1- مشروعية استهداف المعارضة إسقاط النظام لا يجحدها حتى النظام نفسه، لاتصالها بمنطق الصراع السياسي ذاته، فالمعلوم من أبجديات علم السياسة، بالضرورة، أن المعارضة طلب جاد للسلطة، وإلا استحالت عبثاً! بل إن بعض متشددي السلطة يعترفون بأن "وجود المُعارضة في النظام يمثل كابحاً للطغيان، ويوفر البديل للحكومة" (أمين حسن عمر، تلفزيون السودان، 10 يناير 2013-ضمن: الواثق كمير؛ "الكرة في ملعب الرئيس"، ورقة غير منشورة).

    2- طلب الإجماع الوطني للسلطة ليس سراً، وليس من مصلحة النظام أن يكون سراً! وأحدث تعبيراته المعلنة ديباجة "البديل الديمقراطي -البرنامج- يونيو 2012"، ومقدمة "إعلان أم درمان السياسي - 16 ديسمبر 2012"، قُبيل توقيع ميثاق كمبالا مباشرة.

    فكلتا الوثيقتين قرعت جرس إنذار بأن البلاد "تسرع الخطى نحو الهاوية، تدفعها سياسات الفساد، والاستبداد، والظلم الاجتماعي والجهوي، والتردي الاقتصادي، وإصرار النظام على فرض أحادية سياسية وثقافية في مجتمع تعددي، الشيء الذي أدى إلى إهدار كرامة الوطن والمواطن"؛ وأن تلك السياسات "أدت إلى انفصال الجنوب، وإشعال الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي، ودفعت نحو حرب باردة مع دولة الجنوب"، مما "يضع الجميع أمام مسؤولية وطنية كبرى.. لإحداث اختراق حقيقي في المشهد السياسي، لتحقيق تطلعات جماهير شعبنا المسحوقة بالفقر والمعاناة من أجل بديل ديمقراطي.. بكل الوسائل السياسية والجماهيرية السلمية".

    3- النضال السياسي الجماهيري السلمي هو، إذن، وسيلة الإجماع لتحقيق غاياته. ومن يتمعن في "البرنامج" و"الإعلان" يستطيع أن يجزم بأنهما مهَّدا لميثاق "الفجر" الذي، وإن صدر بعد "الإعلان" بأقل من ثلاثة أسابيع، إلا أنه أعقب "البرنامج" بزهاء الستة أشهر، وهي فترة كافية ليتعرف النظام على إستراتيجيات الإجماع، فيتخذ موقفه منها، في وقتها، لا أن ينتفض، فجأة، بعد ستة أشهر، كما لو بوغت بوثيقة "الفجر" التي لا تبعد، قيد أنملة، عن "البرنامج" الباكر، دع "الإعلان" المتأخر!

    4- ولئن كان "البرنامج" و"الإعلان" يعبَّران عن التطلع لمشروع وطني مجمع عليه، كأنْ "تدار البلاد، خلال الفترة الانتقالية.. بحكومة انتقالية تشارك فيها (القوى السياسية الموقعة على برنامج البديل) و(فصائل الجبهة الثورية)، مع مراعاة تمثيل النساء، والمجتمع المدني، والحركات الشبابية، والشخصيات الديمقراطية المستقلة"؛ فإن ذلك هو عين ما اشتملت عليه وثيقة "الفجر"؛ فلا جديد، إذن، يبرر اتخاذ النظام موقفاً منها لم يتخذه من رصيفتيها السابقتين!

    5- وعلى حين يستمسك الإجماع بوسائل النضال الجماهيري السلمي، وأشكالها المعروفة، فإنه لا يحتفظ لنفسه بفيتو على أية وسيلة نضالية لأي طرف آخر، بل وما ينبغي له. إبراز اختلاف الوسائل ضرورة تنشأ، بداهة، من حق الأطراف المتمايزة، لدى اتفاقها بالحد الأدنى، في التنويه بعناصر تمايزها، تماماً كحقها في إبراز عناصر تطابقها. وهذا ما أكدت عليه (الفقرة/ثالثاً/الوسائل) في وثيقة كمبالا، بنصها، حرفياً، على "احتفاظ كل قوة بوسائلها"، بل وبترجيحها، صراحة، وسائل الإجماع "السلمية"، عبر تأكيدها أن الجبهة الثورية "تدعم استمرار وتصاعد العمل (السلمي الجماهيري)، وتحوله لانتفاضة (شعبية سلمية) كأداة (رئيسة) لإسقاط النظام، وتدعو جماهيرها للمشاركة فيها"؛ وكفى بذلك فلاحاً لخطة اجتذاب المقاتلين إلى ساحة الصراع "السلمي"!

    ثانياً: نص "الفجر" حدد، أيضاً، طول الفترة الانتقالية بأربع سنوات، وأهم مهامها في عقد المؤتمر الدستوري، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة؛ كما حدد شكل النظام الفيدرالي في أربعة مستويات؛ وأشار إلى الفصل "بين مؤسسات الدين ومؤسسات الدولة"، وهو تعبير بائن الركاكة، المقصود منه، على الأرجح، وإلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري، حظر تأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية، قياساً على ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية (يونيو 1995)؛ وما إلى ذلك مما يمكن اعتباره، إجمالاً، حزمة من توافقات "فوق دستورية" ليس نادراً ما جرى تداولها في منابر الليالي السياسية، والندوات الجماهيرية، والمذكرات الحزبية، والمقالات الصحفية، والوقفات الاحتجاجية، والمسيرات السلمية، والاجتماعات الداخلية، والمواقع الأسافيرية، والرسائل الإلكترونية والهاتفية، وما إلى ذلك، حتى لتكاد خطط الإجماع الوطني تكون كتاباً مفتوحاً.

    (2)

    وإذن، ما الذي فاجأ النظام، فأهاج قيامته على المعارضة، من ناحية، وأفزع المعارضة، من ناحية أخرى، ودفعها للتنصُّل عن تبعات "الفجر"، إلى حد رمي وفدها بتجاوز تفويضه، وفيه سياسيون متمرسون لا يُتوقع أن يخطئوا في ما لا يُتوقع أن يخطئ فيه سياسي مبتدئ؟! ما الذي استكثر النظام على المعارضة، في الميثاق، وأخاف المعارضة من النظام؟! أهو حديثها عن "إسقاطه"، وهو قديم لطالما رددته حتى أضحى من حقائق الصراع السياسي في بلادنا؟! أم هو لقاؤها، في كمبالا، بحملة السلاح، بينما النظام ما ينفك يتبضع بلقاءاته معهم، ما بين نيروبي، ومشاكوس، ونيفاشا، وأديس أبابا، وإنجمينا، وأبوجا، وطرابلس، وبنغازي، والقاهرة، والدوحة، وجزر واق الواق نفسها؟! أهو توصلها إلى ترتيب "شكل تنظيمي" بهذا الوسع، وهي التي لطالما سعت لذلك، تحت بصره وسمعه، فما احتاجت للتخفي، أو العمل السري؟! أم هو نجاحها في صياغة "مضمون برامجي" يمكن تطويره، لتلتقي عليه شتى مفردات المعارضة لفترة ما بعد التغيير؟!

    (3)

    ليس في ما ذكرنا ما يبرر الاعتقاد بأن الميثاق جاء خلواً من المعايب. فلقد عرض، في بعض جوانبه، لمسائل خلافية تحتاج إلى المزيد من التشاور، فضلاً عما لم يكن مناسباً ورودها فيه من تطويلات وتفصيلات، حيث المنتظر، حسب الميثاق نفسه، طرحها في المؤتمر الدستوري، كإدارة الدولة، والوحدة الطوعية، وعلاقة الدين بالدولة، والمشاركة في السلطة.. إلخ.

    مع ذلك ليست هذه، بأية حال، المرة الأولى التي تطلق فيها مثل هذه التعبيرات البرامجية من جانب المعارضة، داخل البلاد أو خارجها، بما في ذلك حديث "الدين والدولة" الذي تركزت عليه هجمة النظام، والذي شكل بؤرة صراع، في بعض الأحايين، حتى داخل هذا النظام نفسه (انظر كتابنا "عتود الدولة"، دار مدارك 2010، ص 107-134)، أو الاتصال والحوار مع المعارضة المسلحة، من باب اجتذابها إلى مناهج العمل السلمي، وعدم تركها نهباً للانعزالية السياسية، أو الإيغال، لأزمنة متطاولة، في حرب أهلية ضروس لا تنمِّي سوى النزعات الانفصالية.

    نعم، ليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه التعبيرات البرامجية، في إطار النشاط السياسي العادي واليومي؛ غير أنها، بالقطع، المرة الأولى التي يضطر فيها النظام لمجابهة مثل هذه التعبيرات، واتخاذ موقف بشأنها!

    (4)

    السبب، برأينا، يعود إلى كون النظام قد فوجئ، خلال الفترة الماضية، ليس، فقط، بتكاثر المواقف المعارضة له من داخل صفه ذاته، وبمذكرات التململ الألفية من شبابه الإصلاحيين تطالبه، من بطن بيته، بمجابهة الفساد، وتغيير القيادات، بل فوجئ، أكثر من ذلك، وتحديداً في عقابيل مؤتمر حركته الإسلامية السادس، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن ثمة حراكاً عسكرياً يستهدفه من خندقه نفسه، وأن ثمة من يدبِّر، من داخل حصونه، للانقلاب المسلح عليه!

    هذا ما يصلح، يقيناً، أكثر من غيره، في تفسير غضبة السلطة المضريَّة على من وقعوا وثيقة "الفجر"، لا لأن توقيعها يمثل يوم قيامة سياسي تنجرد فيه حسابات ما (!) بل لأن الحدث نفسه تزامن مع تفكك غير مسبوق في صفوف النظام، فقذف الرعب في قلبه، ولم يعد يحفل ولو باتساق ثائرته مع أبسط مقتضيات المنطق! لقد هدد رئيس الجمهورية، مثلاً، وهو يومئ لقوى الإجماع الوطني، بأن "الدولة لن تسمح بتداول السلطة لمن يمارس عملاً سياسياً وهو يدعو للعنف واستخدام السلاح" (سونا؛ 10 يناير 2013)؛ ومضى نائبه إلى الإعلان عن حظر الأحزاب الموقعة مع الحركات المسلحة، وعدم السماح لها بممارسة نشاطها، حتى وسط الطلاب (القرار؛ 15 يناير 2013)؛ علماً بأن سياسة الإجماع الثابتة تجاه أهل الجبهة الثورية لا تقوم على دعوتهم "للعنف واستخدام السلاح"، فهم غير محتاجين، أصلاً، لمن يدعوهم لهذا الأمر، بل، بعكس ذلك تماماً، على السعي لإقناعهم بأن ثمة جدوى، في نهاية النفق، من النضال السياسي السلمي.

    أما مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع، فقد ردَّ، كعادته، على الميثاق، بخطاب تحريضي أمام مليشيا الدفاع الشعبي، معلناً العام الحالي عاماً لحسم "المتمردين" بدعم "المجاهدين" وفضح العملاء (سونا؛ 8 يناير 2013)؛ وفي وقت لاحق أضاف، وفق نهج إطلاقاته المعروفة، اتهامه للميثاق بأنه أبرم "برعاية وتمويل مباشرين" من السفارة الأميركيَّة والاتِّحاد الأوروبي، كما حمَّل الحزب الشِّيوعي مسؤوليَّة "إخراجه"، واتَّهم حزب الأمة "بالتذبذب"، ووصف المعارضة كلها بأنها "مخلب قط للمتآمرين!" (القرار؛ 15 يناير 2013)، أما والي الخرطوم فقد حرض أئمة المساجد على وثيقة "الفجر" باعتبارها تهدف إلى "طمس الهوية، وفرض الفجور، والمجاهرة بالمعصية!"، أو كما قال (شبكة الشروق+وكالات؛ 12 يناير 2013).

    خلاصة الأمر أننا لا نجد لهذا التوتر البائن في موقف السُّلطة من ميثاق "الفجر" تفسيراً معقولاً أو مقبولاً، كما قلنا، سوى أن انقساماتها الداخليَّة، في أخطر مفاصلها القياديَّة، قد أرعبتها، وعصفت بتماسكها، فألجأتها، في بعض مسعاها لدفع هذه المخاطر عنها، إلى القفز من فوق حائط المعارضة القصير، كما في بعض أمثال مستعربي بلادنا، لتخويفها، وحملها على اتخاذ موقف متهافت تثبت به عدم انتهاجها إستراتيجيَّة العنف المسلح، بأن تدين، بل وتعادي، أصحاب هذه الإستراتيجيَّة في الجبهة الثوريَّة، أي أن تخوض حرباً، بالوكالة عن السُّلطة، ضدَّ الجبهة الثوريَّة.. وهذا، بطبيعة الحال، ما لا يكون، وما لا يمكن فهمه، أو هضمه، ضمن أيَّة نظريَّة في العلوم السِّياسيَّة، أو أيِّ منطق للصِّراع السِّياسي العملي
                  

01-31-2013, 10:06 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    بمناسبة مخصصات الدستوريين: سارقو مال اليتامى!! (2-2) ..

    بقلم: د. عمر القراي
    الخميس, 31 كانون2/يناير 2013 06:49

    [email protected]




    (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)
    صدق الله العظيم
    في الجزء الأول من هذا المقال، أوردت مرتبات ومخصصات اصحاب المناصب الدستورية، كما وردت في الجدول الملحق بالقانون المسمى "قانون مخصصات شاغلي المناصب الدستورية التنفيذية والتشريعية وامتيازاتهم وحصاناتهم لعام 2001م". ولقد كانت تلك المرتبات والمخصصات كبيرة، حتى خرجت من كونها مرتبات لموظفي دولة، يدفع لهم الشعب كأجراء له، ليديروا شؤون حكومته.. واصبحت مجرد نهب لمال الشعب، بإسم القانون، وتحت ظل إدعاء تطبيق شرع الله!! ورحم الله أبا العلاء حين قال:
    مل المقام فكم أعاشر أمــــة أمرت بغير صلاحها أمراؤها
    ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم اجراؤها
    ولقد ذكرنا بأن المخصصات التي تمنح مع المرتبات، تغطي كل الحاجات، مما يجعل الشخص لا يدري فيم ينفق هذا المرتب الضخم. ومع ان هؤلاء الدستوريين، لا تستطيع أسرة أي واحد منهم، ان تنفق ما يعطي لها في الشهر، في عام، إلا أنهم لم يكتفوا بما منحهم القانون الجائر، وانما عدوا على ما تحت ايديهم من مال الفقراء، ونهبوه، خاصة في الاقاليم، الأمر الذي اعتبره المراجع العام فساداً، واعتداء على المال العام. فالأقاليم تفتقر لأبسط الخدمات، والمال الذي خصص لها، من الضرائب، والقبانات، والجبايات، والعوائد، والزكاة التي تنتزع من شعب هو نفسه في حاجة للصدقة، نهبه الدستوريون، فكأن الوالي بدلاً من ان يدير الولاية سرقها!! شفا الله شاعر الشعب محجوب شريف، فقد خاطب رجلاً فقيراً،قبض عليه لأنه سرق، قائلاً:
    حليلك بتســـــرق سفنجة وملاية
    وغيرك بيســرق خروف السماية
    في واحد تصدق بيســـرق ولاية
    أما الدستوريين في المركز فإن أمرهم أمر عجب!! هل تذكرون تمثال الكعبة، الذي بنوه في الخرطوم، بدعوى تعليم الحجاج كيف يؤدون مناسك الحج،ليطوفوا، ويرموا الجمرات في الخرطوم، وسط هذه التماثيل، مع دفع رسوم على ذلك؟! وهل تذكرون كيف هاجم عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم، بعض الصحفيين الذين انتقدوا هذا العمل، باعتباره ارهاق مادي للحاج رغم ارتفاع تكاليف الحج، فوصفهم الوالي بأنهم لا دين لهم!!لم تكن تلك الغضبة غيرة على دين الله، أو حجاج بيته الحرام، وإنما خشية من يؤثر النقد بتقليل عدد زوار الكعبة الوهمية، مما يقلل العائد الذي يريده الدستوريون لأنفسهم، فهم ينهبون حتى مال الحج!! فإن لم تصدقوا ذلك فاقرأوا: (كشفت صحيفة "المجهر السياسى"، نقلاً عن تقرير المراجع العام، عن تجاوزات من دستوريين في حج هذا العام بينهم وزراء وولاة ومعتمدين وأعضاء مجلس وطني وموظفين. واورد المراجع في تقريره بحسب مصادر "المجهر"


    إن بعض الدستوريين والموظفين اصطحبوا زوجاتهم واستغلوا امتيازات الحج والسكن والإعاشة، كاشفاً عن وجود آخرين سافروا على نفقتهم الخاصة لكنهم استفادوا من امتيازات بعثة الحج السودانية وتسلموا شيكات المبالغ المخصصة لإعاشة الحجاج.... قال الطيب مختار أمين ديوان الأوقاف ان تجاوزات هيئة الحج والعمرة تبلغ (5) مليار جنيه من ميزانيتها المصدقة للعام 2010م. واضاف في تصريحات لصحيفة "التيار" 22 ديسمبر2011 ان المدير السابق للحج والعمرة أحمد عبد الله ومدير الشؤون المالية والادارية آدم جماع صرفا مبلغ 2 مليار جنيه من مال الهيئة لشركة مغمورة لا يعرف عنوانها أحد وقالا ان دفع المبلغ للشركة تم بغرض الاستثمار! واتت تصريحات الطيب مختار رداً على اتهامات له بالفساد في مبلغ 6 مليون واربعمائة ألف ريال سعودي.



    وسبق وكشف تحقيق للصحفي عبد الباقي الظافر أن وزير الأوقاف أزهري التيجاني أخذ نثرية شهرية من هيئة الحج والعمرة تبلغ 200 مليون جنيه للاستخدام في "سبيل الله"! وأوقفت الهيئة النثرية بعد عدة أشهر، الأمر الذي شكل أحد أسباب الخلاف بين الوزير ومدير الهيئة أحمد عبد الله. كما كشف التحقيق ان حوافز كبار متنفذي الانقاذ في موسم الحج تصل الى 120 ألف ريال سعودي للشخص الواحد!!)(حريات 17/12/2012م)
    ومع ذلك، يبدو ان الدستوريين في المركز، أكثر طموحاً، وجرأة، من نظرائهم في الاقاليم.. إذ لم يكتفوا بسرقة الميزانيات، التي تحت أيديهم، وإنما اتجهوا الى أمر اخطر من ذلك بكثير، هو بيع المشاريع التنموية الوطنية، بدعوى أنها فاشلة، وأنها يمكن ان تكون أفضل، لو أدارتها شركات خاصة.. ولما كانوا هم الذين يملكون الشركات الخاصة، التي لديها القدرة على المنافسة، في مثل هذه العطاءات، وهم الذين يفرزون العطاءات، فإنهم هم من يشتري المشاريع التي وصفوها بالفشل..


    وهكذا يضيفون الملايين الى مخصصاتهم. ومع انه ليس هنالك وثيقة رسمية، مثل قانون مخصصات شاغلي المناصب الدستورية، تخبرنا بأن السبب الرئيسي، وراء بيع مشاريع التنمية، هو رغبة النافذين في الحكومة في إضافتها الى دخولهم، إلا ان واقع الحال لا يترك لنا تفسيراً آخراً لظاهرة تحطيم كبرى المشاريع التنموية، ثم بيعها لشركات خاصة. فالحكومة لم تنشر على الشعب كيف فشلت هذه المشاريع؟! ولماذا فشلت حتى تباع؟! وما هي قيمة اصولها ثم بكم تم بيعها؟! لقد بيعت المدابغ الحكومية، وشرد العاملين فيها، بسعر ذكر أحد كبار موظفيها أنه لا يساوي ثمن مبانيها!! وبيعت مصانع الغزل والنسيج، بأقل من سعر الماكينات العاملة فيها!! ولم يخبرنا أحد لماذا اعتبر مشروع الجزيرة، وهو اكبر مشروع ري انسيابي في افريقيا فاشلاً،حتى يبدأ بيعه لشركات يملكها بعض الدستوريين، بما فيهم وزير الزراعة، كما ذكر مزارعو الجزيرة اكثر من مرة. هل يمكن ان يصدق أحد ان هيئة النقل النهري تفشل، ولا سبيل لاصلاحها الا بيعها؟! وهل رأينا كيف دمرت سودانير، لتحل محلها شركاتهم الجديدة؟!


    والآن تبيع الحكومة هيئة الموانئ البحرية، فقد جاء (وجهت حكومة المؤتمر الوطني أكبر ضربة لممتلكات الدولة في سياق بيع البلاد لمستثمرين أجانب وذلك ببيع هيئة الموانئ البحرية السودانية لهيئة موانئ دبي قبل أكثر من شهر.. وقال المصدر ان عقد البيع الذي وقعه نائب البشير الأول علي عثمان محمد طه، يقضي بأيلولة الميناء لهيئة موانئ دبي، الممولة من بنك دبي الاسلامي عقب عشرة سنوات من الايجار... وكشف المصدر أيضا ان الحكومة ستقوم بتسويق بيع هيئة الموانئ بالاتفاق مع والي ولاية البحر الاحمر محمد طاهر ايلا، باعتبار البيع جزء من المشروع الاستثماري السياحي التسويقي الصوري الذي يقوم به ايلا في بورتسودان. مضيفا ان الحكومة ستحاول الترويج بان المشروع يهدف لخلق منطقة تجارة حرة في ميناء بورتسودان أشبه بميناء دبي التجاري... وذكر المصدر بان العقوبات المفروضة علي البلاد وضعف الحركة التجارية وحركة الصادرات والواردات وتراجع امكانيات الميناء نفسه بسبب تشريد الكوادر وعدم الصيانة ستفشل الفكرة الاساسية للمشروع من الناحية التجارية. كما ان القوانين القمعية والجبايات والضرائب والجمارك الباهظة ستقضي علي احلام مشروع الاستثمار والسياحة في البحر الاحمر.


    يذكر أن النظام الطفيلي تخصص في بيع ممتلكات الدولة العامة إلى مستثمرين إسلاميين سودانيين وأجانب وشملت تلك السياسات المعروفة باسم "الخصخصة" عدداً من المؤسسات المهمة مثل الخطوط الجوية السودانية "سودانير" وأراضي قرب النيل زراعية وسياحية، وكل الفنادق مثل الفندق الكبير وفندق قصر الصداقة، كما تتجه لبيع الهيئة القومية للكهرباء والهيئة القومية للمياه، وغيرها من المؤسسات الكبيرة والتي تعبر عن سيادة البلاد، مما يزيد من معاناة المواطنين بسبب لهث القطاع الخاص بما فيه المحلي نحو الربح السريع ورفع أسعار الخدمات)(الراكوبة 5/1/2013م).


    والآن بعد تدمير السكة حديد، وتشريد العمال، نسمع انه سيعاد تأهيلها بواسطة الشركات التي بيعت لها، وهي شركات تابعة لاقارب وذوي الدستوريين!! وهكذا يجري مشروع بيع الوطن لافراد من الاخوان المسلمين، الذين وجدوا أنفسهم في غفلة من الزمن، على قمة السلطة، يرفعون شعارات اسلامية، ما لبثوا ان اقتنعوا بعدم امكانية تطبيقها، فتركوها وراء ظهورهم، وهرعوا الى الثراء السريع، فعبوا من المال الحرام، ونهبوا قوت اليتامى، والفقراء، والمساكين، الذين يمثلون معظم هذا الشعب. وحتى يتم لهؤلاء الدستوريين النافذين احكام السيطرة على مال الشعب، سلطوا اقاربهم على السوق، وازاحوا منافسيهم باجراءات الجمارك والضرائب الانتقائية المتعسفة، التي قصد منها تدمير كل تاجر ليس منهم، أو مشارك لهم، فاصبحت كل الشركات الناجحة في السودان مملوكة بواسطة اقاربهم، وهذه هي سياسة التمكين،التي ابتدعها د. الترابي، فردها الله وبالاً عليه، وعلى اتباعه، الذين لم يرع فيهم اخوانهم عهداً ولا ذمة!!




    لذلك نرى ان السادة علي حسن أحمد البشير، وعبد الله حسن أحمد البشير، أشقاء الرئيس،يملكون الشركات التالية: (1-هاي تك للبترول 2-هاي تك كيمكال 3-هاي تك للخدمات الهندسية المتقدمة 4-مجموعة التقنية المتطورة 5-هاي كوم 6- هاي كونسلت 7-شركة السودان للسكك الحديدية الحديثة 8-شركة بشائر (اريبا) وتحولت الآن الى (أم.ان. تي) 9-شركة فاركايم للصناعات الدوائية 10-شركة التعدين المتقدم 11-شركة الاعمال التجارية والكيماويات المتقدمة 12-مدينة جياد الصناعية 13-شركة جياد لانتاج السيارات والمركبات الثقيلة 14-شركة كابلات جياد 15-شركة جياد للحديد 16-شركة جياد للشاحنات 17-شركة جياد الصناعية 18-شركة جياد للالمونيوم 19-شركة جياد لخدمة السيارات 20-شركة بتروهلب للنفط 21-شركة رام للطاقة 22-شركة اتكوكو لصناعة الجوالات البلاستيكية 23-مصنع ابن حيان للصودا الكاوية 24-اتكوكو لصناعة الأسمنت 25-شركة اتكوكو لأعمال السكة حديد 26-مجموعة المسرة 27- اسهم بكنار تل)(الراكوبة 24/1/2013م).أين كان هؤلاء قبل ان يصبح اخوهم رئيساً للجمهورية؟! وهل كانوا يملكون عشر هذه الشركات؟! هل كانوا رأسماليين معروفين مثل الشيخ مصطفى الامين أو علي دنقلا أو النفيدي؟! ولم يكتف اشقاء الرئيس بهذه الشركات، بل زادوا عليها بمشاركة نافذين آخرين، منهم مندور المهدي (1-عفراء مول 2- مجموعة زوايا: 3- مصنع زوايا للطوب 4-زوايا للمعلومات وتقنية الاتصالات 5- زوايا الهندسية 6- زوايا للخدمات 7-زوايا للصناعات الغذائية 8- زوايا للخدمات الطبية والبيطرية" 9-توت كير لمستلزمات الاطفال 10-فندق السلام روتانا 11- مصنع الروابي للالبان والعصائر 12-مجموعة رهف السكني 13-نهر شاري 14-شركة لاري كوم 15-سودابل 16-شركة النيل للاسمنت)(المصدر السابق).


    وحتى الطيب مصطفى خال الرئيس فإنه يملك (1-كاتيا للدعاية والاعلام 2- كاتيا اوكسجين 3–كاتيا انرجي 4- كاتيا للاستيراد والتصدير 5-كاتيا ميديك 6- كاتيا ديجيدال 7-كاتيا للاتصالات 8-كاتيا للامداد الغذائي 9- كاتيا للخدمات العامة)(المصدر السابق).


    هل رأيتم لماذا يتشدق خال الرئيس بحماية الإسلام وحماية الوطن؟! إنه حريص على بقاء النظام، الذي جعله مالك شركات عديدة،بعد ان لم يكن شيئاً مذكوراً!!أما منظمة الدعوة الإسلامية، التي تضم كبار الاسلاميين من قادة المؤتمر الوطني، والتي سجل الرئيس بيان الانقلاب من مكاتبها، فإنها تملك الشركات التالية:(1-شركة دانفديو 2-شركة دانفديو للمقاولات والطرق 3-شركة طيبة الهندسية 4-شركة سوريبا 5-شركة دانفديو التجارية 6-شركة دانفديو لخدمات البترول 7-مركز الدراسات التقنية والهندسية 8-شركة عابرة للنقل 9-شركة جمدا للسيارات والمعدات 10-ساكا للنقل 11-مصنع الغازات الصناعية 12-شركة الكنار للأدوية 13-ورشة الاوتولاند لصيانة العربات اسوزو 14-ورشة المكلا 15-هاير للمعدات الكهربائية والالكترونية 16-سريل للطرق والجسور 17-سريل للتجارة)(المصدر السابق). هل هذا عمل منظمة دعوة اسلامية؟! لماذا ترك الدعاة الدعوة وخاضوا في اكل اموال الشعب بالباطل؟! ما الذي استفاده المواطن السوداني من كل هذه الشركات؟!


    إن هذه الشركات تنشأ من مال الدولة، الذي تستقطعه من قوت الشعب، لتدر الارباح على الاخوان المسلمين،الدستوريين النافذين في السلطة.. وحتى لا يتضجر اواسط الاخوان ممّن لا سلطة كبيرة لهم، أنشأوا لهم من مال الدولة منظمات مجتمع مدني، لا تستطيع ان تجلب اموالاً من ممولين خارجيين- الا قليلاً من منظمات اسلامية- لأنها غير مؤهلة فنياً لهذا العمل، ولأنها لا تريد ان تصل المتضررين فعلاً، حتى تقنع الممولين الاجانب، ولكنها على كل حال تفتح باب استرزاق لاواسط اعضاء التنظيم، وتشغلهم عن النظر لما في أيدي قادتهم!! ومن هذه المنظمات التي تعطيها الدولة كافة التسهيلات- بينما تقوم في نفس الوقت باغلاق منظمات المجتمع المدني التي استطاعت ان تجلب اموالاً من الخارج وتوظفها لمصلحة الشعب مثل مركز الدراسات السودانية ومركز الخاتم عدلان- (منظمة السقيا الخيرية –منظمة سبيل الرشاد الخيرية –منظمة سلام العزة- منظمة الشهيد الزبير- منظمة الشهيد مجذوب الخليفة-منظمة المبرة- منظمة البر الدولية- منظمة أم المؤمنين- منظمة جسور- منظمة سلسبيل الخيرية- منظمة أنا السودان-منظمة رعاية الطلاب الوافدين)(المصدر السابق).



    لقد كان السودان من أفضل الدول اخلاقاً، وعرف السودانيون في كل المهاجر، بحسن الخلق، والأمانة، والبعد عن الفساد..ولكننا اليوم، بسبب فساد حكومة الاخوان المسلمين، اصبحنا من أفسد الدول، فقد جاء (إحتل السودان مركز ثاني أفسد دولة في العالم العربي للعام 2012م. وجاء ترتيب السودان في المركز الـ (18) من (19) دولة في مؤشر مدركات الفساد بالدول العربية قبل الصومال التي تذيلت القائمة في المركز الـ (19) والأخير كأفسد دولة عربية. ويصنف مؤشر مدركات الفساد الترتيب في قائمة أفسد الدول العربية حسب مرتبة الدولة في تقرير منظمة الشفافية العالمية 2012عن مستويات الفساد في العالم. وسبق وجاء السودان في المركز رقم (173) كرابع دولة عالمياً في الفساد بعد افغانستان وكوريا الشمالية والصومال في تقرير منظمة الشفافية العالمية عن مستويات الفساد في العالم والذي نشر في ديسمبر الماضي...


    وتعتقد المنظمة أن ثمة ربطا بين الفقر، والصراع، وانتشار مستويات الفساد.)(حريات 3/1/2013م). وحتى يبقي الأخوان المسلمون على حكمهم المتهاوي، ولا يُحرموا من هذا الفساد، جنحوا الى ضرب المظاهرات، الناتجة عن ضيق العيش، وارتفاع الأسعار، وعدم اعفاء رسوم الدراسة لابناء دارفور، بوحشية، وتفننوا في الاعتقالات العشوائية، والتعذيب، واغتصاب وتعذيب النساء في مكاتب الأمن، وقتل المدنيين، وحرق القرى، ومنع نشاط الاحزاب، واغلاق منظمات المجتمع المدني، ومصادرة الصحف، ومحاكمة الصحفيين، حتى اصبح السودان أكثر دول العالم تعرضاً لانتهاكات حقوق الإنسان.. فقد جاء (السودان أعلى بلدان العالم تعرضاً لمخاطر إنتهاكات حقوق الإنسان، بحسب قائمة (أطلس مخاطر حقوق الإنسان لعام 2013)، والذي صدر الخميس 13 ديسمبر. ويصنف الأطلس (197) بلداً بناء على (24) نوعاً من إنتهاكات حقوق الإنسان، وتصدره مؤسسة (مابلكروفت) وهي أهم وأشهر مؤسسة لتحليل المخاطر في العالم، وتستند على معاييرها البنوك والشركات متعددة الجنسيات ووكالات الأمم المتحدة والحكومات. وبحسب التقرير السادس لهذا العام 2013، صنفت (32) دولة بإعتبارها تواجه خطر إنتهاكات (جسيمة) بزيادة (60)% على مدى السنوات الست السابقة...


    وبحسب (أطلس مخاطر حقوق الإنسان) 2013 فإن العشر دول الأكثر مخاطر، هي على الترتيب: السودان، الكونغو الديمقراطية، الصومال، أفغانستان، باكستان، ميانمار، العراق، سوريا، اليمن وجنوب السودان... وقالت المديرة التنفيذية لـ (مابلكروفت)، أليسون ورهيرست (.. تدهور أفق حقوق الإنسان ليس فقط غير مقبول، وإنما كذلك ينبئ بالمخاطر السياسية وتعطيل الأعمال)(حريات 16/12/2012م).
    د. عمر القراي
                  

02-02-2013, 12:29 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    قيامة السودان

    بقلم: سيف الدولة حمدناالله
    الجمعة, 01 شباط/فبراير 2013 19:54



    جاء الوقت الذي نحكي فيه على المكشوف، فلم يعد هناك ما يمكن أن نتستر عليه أو ندفن منه رؤوسنا في الرمال، فالحقيقة التي يكاد المرء أن يلمسها بيديه تقول بأنه إذا لم تقم الأحزاب والقوى السياسية التي رفضت التوقيع على ميثاق الفجر الجديد أو تنصلت منه بعد التوقيع عليه بمراجعة موقفها، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي انفصال جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور جملة واحدة، سواء سقطت الإنقاذ أو لم تسقط، وسواء كان سقوطها بثورة شعبية أو بانقلاب عسكري أو بذبحة صدرية.


    هذه حقيقة لا ينكرها الاٌ حالم أو ذي غفلة، فالمرارة التي يتجرعها أهالي تلك المناطق من هذا النظام، بات يصاحبها - بسبب مثل هذه المواقف - تنامي الشعور لديهم بأن الشعب في الشمال – بالمعنى الإثني وليس الجغرافي – ليس لديه إهتمام بما يحيق بهم من دمار وخراب، فمن العسير على مواطن من جنوب كردفان أو دارفور أن يفهم كيف يعيش أخيه في الخرطوم مثل هذه الحالة من البهجة والحبور بسبب افتتاح شارع ذي ثلاث مسارات على النيل وكأن الإنقاذ لا يكفيها "مسار" واحد، أو يفهم خروج الشعب في مظاهرات بالخرطوم بسبب شطب لاعب كرة من كشوفات نادي رياضي، في الوقت الذي يصمت فيه عن قصفه بالمدفعية والطائرات كل يوم، وأن يكون فيه غاية ما يصبو إليه حصوله على قطعة رغيف حاف يسد بها نصف رمق.
    فإذا كانت الإنقاذ قد فعلت بالوطن ما فعلت كل هذه السنوات، فإن الأحزاب التي رفضت التوقيع على هذه الوثيقة سوف تكون مسئولة عن محو الوطن من الوجود، وليست المصيبة في جهل الإنقاذ بحقيقة هذا الموقف برفضها التفاوض مع الجبهة الثورية، فاللص عادة لا يأبه بالضرر الذي يتسبب فيه للشخص المسروق، ولكن المصيبة تكمن في موقف بقية القوى السياسية التي تقول أنها تعارض النظام وهي تجلس – في استرخاء – بعد أن نفضت يدها وتبرأت من الميثاق دون أن تأبه بالمصير الذي ينتظر الوطن من وراء هذا الموقف بحسب ما يخلفه ذلك في نفوس أهالي تلك المناطق، وهي في ذلك تشبه حال راكب الطائرة الذي يطلب من المضيفة فنجان قهوة بعد أن سمع قائدها يعلن بأنها على وشك السقوط.


    من الغباء القول بأن الذين يقاتلون الحكومة في مناطق الحرب، يفعلون ذلك من أنفسهم لأنفسهم دون سند شعبي من الأهالي في تلك المناطق، ومثل هذا القول يردده كثير من بلهاء النظام، ومن جنسه ما قالت به قبل بضعة أيام سامية محمد أحمد نائب رئيس المجلس الوطني وقامت بنقله صحيفة "الراكوبة"، التي قالت : "مالك عقار مذعور وهائم على وجهه في الخلاء لأنه ملفوظ وغير مرغوب فيه من أهالي النيل الأزرق".
    هذا عبط وضعف خيال، فكما سبق لنا القول، فإن ظفر مالك عقار عند أهله في النيل الأزرق يساوي رقبة مائة من الهادي بشرى الذي تم تنصيبه والياً عليهم، وسوف يأتي اليوم الذي تدرك فيه الإنقاذ – بل والشعب بأسره – هذه الحقيقة، فليس من المقبول عقلاً أن يهتف المظلوم لجلاده، ويقف ضد الذي يقاتل من أجله، فالنتيجة المنطقية أن تسعى أي جماعة يقع عليها ظلم بأن تعتق نفسها من مصدره بأي ثمن، ففي مدينة بورسعيد المصرية قام الأهالي بوضع لوحات على سياراتهم كتبوا عليها "جمهورية بورسعيد" لمجرد تسبب حكومة مرسي في قتل عدد من أبناء المحافظة المتظاهرين ضد أحكام قضائية، (تقرير مصور بثته قناة الجزيرة في نشرة الأخبار).


    ولا يطعن في صحة هذه الحقيقة وقوف عدد من أبناء تلك المناطق مثل التيجاني السيسي وكبر ودوسة وتابيدا بطرس والحاج آدم .. الخ إلى جانب الحكومة ضد أهلهم، فمثل هؤلاء المخلوقات المشوهة كان للإنقاذ أكثر منها من أبناء الجنوب الذين كان بعضهم قد (نجر) لنفسه غرة صلاة، وبايعوا البشير وعلي عثمان ونافع، وفي لحظة الحقيقة أداروا وقفوا مع وهم اليوم وزراء في حكومة الجنوب.


    في ظل هذا الواقع، كان حرياً بالأحزاب السياسية أن تفكر ألف مرة قبل أن تصدر البيان تلو البيان برفض ميثاق الفجر الجديد، وليس أسوأ من هذا الموقف، غير السبب الذي قدمته تلك الأحزاب كتبرير لعدم توقيع الإتفاق، وهو الزعم بوجود بند في الميثاق ينص على فصل الدين عن الدولة، ولعمري هذه حيلة بأكثر من كونها فرية، كشف عن حقيقتها شخصية إسلامية في وزن الدكتور يوسف الكودة الذي قام بالتوقيع على الميثاق بعد أكثر من إسبوعين من رفض الأحزاب الأخرى التوقيع عليه، بتوضيحه لحقيقة النص الذي يقول برفض إستخدام الدين في تحقيق أهداف سياسية، وليس فصل الدين عن الدولة.


    ثم، أين الدين الذي تنفصل عنه الدولة أو لا تنفصل !! بل أين الدولة التي ينفصل عنها الدين !! فالواقع يقول بأنه لا توجد دولة في هذا الكون – بما في ذلك ديار الكفر - فصلت الدين عن الدولة بمثلما فعلت دولة الإنقاذ، فهي لم تترك شيئاً نهى عنه الدين لم تفعله، ولم تفعل شيئاً قال به الدين، فالدولة التي تقيم الدين، هي التي تنشر الفضائل التي جاء بها الدين، كإقامة العدل ودفع الظلم،والمساواة بين الناس، وإشاعة الحرية، وتحلي أهل الحكم بصفات الإسلام من صدق وطهارة في اليد وعفة في اللسان، وعدم التعدي على مال الغير، وتوفير حاجات الناس الضرورية ...الخ.
    ودولة الإنقاذ آخر من تمتلك لسان لتدعي بأن هناك صفة واحدة من ذلك تنطبق عليها، فقد قتلت مئات آلاف الأنفس البشرية بغير حق، ومثلهم من قطعت أرزاقهم، وليس هناك ظلم طال العباد مثل الذي ذاقوه تحت هذا الحكم من إعتقال وتعذيب بوحشية، وتعدي على المال العام، الذي تقاسمه من ولٌوا أنفسهم علينا فيما بينهم، ولم تنتشر الفاحشة والمخدرات تحت حكم في السابق بمثلما حدث في العهد الذي يقول أنه يحكم وفق أصول الدين (نشرت صحيفة آخر لحظة بعدد أمس تصريحاً للشيخ حسن عثمان رزق القيادي بالحركة الإسلامية يحذر فيه من تزايد ظاهرة زواج المثليين جنسياً وسط المجتمع السوداني).


    ماذا تبقى بعد ذلك ليربط بين الدين والدولة التي تخشى الأحزاب الفصل بينهما، وهي لا تستطيع مجرد الزعم بتطبيق الحدود التي عجزت عن تنفيذها في أرض الواقع وظلت مجرد نصوص على الكتب فيما عدا جريمة شرب الخمر وهي الوحيدة من بينها – أي جرائم الحدود – التي يثور جدل فقهي كبير على كونها كذلك، فالواقع أنه لم يبق لم يبق لدولة ربط الدين بالدولة سوى ما تقول به من أسلمة البنوك، وهذه الأخرى أيضاً فرية يكذبها الواقع، وليس هذا بالمجال المناسب للحديث عنها بالتفصيل، ويكفي القول من واقع البيانات التي لا تكذب بأن البنوك الإسلامية – في السودان – تتقاضى فائدة – نعم فائدة تسمى عندهم مرابحة – تبلغ حوالي 20% سنوياً من أصل الدين، تنقص أو تزيد، في الوقت تبلغ فيه نسبة الفائدة (اليوم) في البنوك التي يقال لها ربوية في أمريكا وأوروبا والبلدان العربية نسبة لا تتجاوز 4%.
    لقد كان من المتعين على الأحزاب السياسية أن تفكر في مغبة رفضها التوقيع على ميثاق الفجر الجديد، الذي يهدد وجود الدولة نفسها التي يخشى على عدم فصلها عن الدين، وذلك بعدم الرضوخ للإرهاب الفكري الذي تمارسه عليهم الدولة بنشر هذا الإفك والتضليل الذي إذا جاز أن ينطلي على بسطاء الناس وعوامهم، فلا يليق أن ينسحب عليهم، فالشعب السوداني لم يدخل الإسلام على يد الإنقاذ ولن يخرج منه بسقوطها لكي يصدق مثل هذا الإستعباط.
    تبقى القول بأنه لا تزال هناك فرصة لتصحيح هذا الخطأ بمراجعة الأحزاب لموقفها، وأن تضع يدها مع الذين يحملون لواء القضية نيابة عن أهل تلك الأقاليم، قبل أن يأتي اليوم الذي يستعصي قبول أولئك الأهالي البقاء في حضن وطن يجمعهم مع الشمال، حتى لو رضي بذلك مالك عقار والحلو وياسر عرمان، وذلك اليوم – وهو ليس ببعيد - هو الذي تقوم فيه قيامة السودان.


    ---------------------



    المثقفون السودانيون من السخط إلي المقاومة

    بقلم: د. حيدر إبراهيم علي
    الجمعة, 01 شباط/فبراير 2013 19:55



    يكون السُخط في بعض الاحيان شعورا ايجابيا ولكنه هروبي في نفس الوقت فهو أقرب إلي تطهير الروح(catharsis) وينقذ الإنسان من شعور ######## يسمي الإحباط يقود إلي الانسحاب الكامل وعدم المواجهة، والتراجع عن المقاومة، ورد العدوان سواءا كان ماديا أو معنويا بمثله. فالساخطون قوم أذكياء وشديدو الحساسية، ونبلاء، وجادون، والأهم من ذلك كونهم صادقين. وللمفارقة يجئ تأزمهم المؤدي للسخط بسبب تحليهم بهذه الفضائل!وهذا وضع مفهوم حين يتدهور المجتمع ويبتعد ناسه عن تمثل هذه القيم، ويصير الأدني هو الأعلي والعكس. ويكون السفلة هم الأغلبية والسادة. وهنا يشعر نبلاء البشر وأصحاب القيم بأنهم غرباء في هذا الوسط الذي يسود فيه السفلة والمنحطون،وينقلب سلم القيم، ويطفو البغاث، ونحسب الشحم ورما.وهذا الاغتراب هو الذي قصده :شيخ الساخطين –أبو الطيب المتنبئ،بقوله:-

    أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّـ ـهُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ
    وفي نفس المعنى يقول(صالح عبدالقادر):
    سبقت أواني كالمسيح بن مريم فانكرت في دنيا المهازل ذاتي
    خلقت غريبا في بلاد عجيبة إلي العزم ما متّت بأي صلات
    وما عرفت إلا بجهل وفاقة وما اتسمت إلا بطول سبات

    تميز مثقفو السودان بشعور واضح بالاغتراب النابع من غربة عن مجتمع شديد المحافظة وعنيد في مقاومته للتغيير والتحديث.ولديه آليات شديدة الفعالية في تدجين المجددين المتمردين، والذين يتحولون بسبب الخوف، والسطحية، وعدم الصدق،هم أنفسهم الي جزء من آليات التدجين والمحافظة لائذين بحضن التقليدية والماضوية الآمن. ويردد لسان حالهم: جنا تعرفه أخير من جنا ما تعرفه! ولذلك،استحق السودان لقب بلاد الآمال الموءودة ،وليس بلاد الشمس المشرقة-كما تقول سفرياته الجوية,فقد انطفأت كل شموسه (مالو في الأفلاك في ظلام؟) بل هو بلاد الأعمار القصيرة وغير المكتملة:التيجاني يوسف بشير(1912-1937) أي 25 سنة فقط، ثم (الامين علي مدني) من1900حتي1926 أي عاش26 عاما،ثم معاوية نور(1909-1942)أي عاش33 عاما فقط.ظاهرة الموت المبكرة وترافقها المعاناة :المرض،العزلة،الفقر:-

    كذاك بلادي كلما ذر شارق علي الأفق لم يعدم من الدهر راميا

    وقد يمكن تتبع ظاهرة الموت المبكر ،ولكن هناك ظاهرة الانتحار العقلي حيث يتراجع المرء عن كل مواقفه ومبادئه التي عاشها سابقا،ويتبول علي تاريخه.وتظهر "أزمة منتصف العمر"في تغيير أفكاره أو يتوب وكأن كل عمره كان حراما ويستحق التوبة والمغفرة.وال‘نسان بهذا الاسلوب يدين كل ما فعله، وتتحول كل حياته الماضية إلي هباء وآثام.فهو إنسان بلا ظل بلا تاريخ،ويبدأ خرفا مبكرا ويعيش في خسران كامل،لأنه ليس له ماض ولا يعرف شيئا يسمي المستقبل علي الأرض.هذا من قصده القائل:-
    ليس من مات فاستراح بميت
    إنما الميت ميت الاحياء
    إنما الميت من يعيش كئيبا
    كاسفا باله قليل الرجاء
    المثقف السوداني التائب هو صورة مقلوبة لدكتور(فاوست)لأنه يقايض ما تبقي من حياته ولكن مع شيطان يظنه ملاكا.وكيف يكون ملاكا وقد اشتري منه كل عمره الفائت وتاريخه بثمن بخس أو بشيك مؤجل؟
    أما الساخط فهو متمرد رافض قلق ولكن ينقصه الفعل،ولذلك يشقي ذو العقل والوجدان الطيب كثيرا، بعقله وقلبه.فهو يعرف الخطأ والاعوجاج ولكنه عاجز عن التغيير بيده،ويكتفي بالتغيير بلسانه وقد اختار أضعف الإيمان طواعيه. لذلك، فقد انتج السودان كثيرا من الشعراء الساخطين لأنه بلد قليل الجمال والحرية كثير القيود والممنوعات والمحرمات.وبالمناسبة تواطأت الطبيعة مع المجتمع وحرمته من عطاياها من مناخ، ونبات، وطيور،ونساء. وقد خبرأصحاب(موت دنيا) ذلك الوضع القاسي،ولكن بحثوا عن سبل غير السخط. يكتب (المحجوب) و(حليم):-"لقد عدنا من جديد نبحث عن العلل الدفينة في المجتمع،ونفكر في العلاج حتي لا نجرم من نعمة التفكير والعلاج.إنها حياة السأمة والملل هي التي أخرت ومازالت تؤخر الآداب والفنون" وبعد زيارة للقاهرة التي وجد فيها"مرح المدنية المنظم، وجمال العمارة وجمال البشر"يثور صائحا:-"أمّا هذه الحياة التي خلت من جمال الطبيعة ومن إبداع الانسان،فما افسدها من حياة يذبل فيها الفكر ويفني كما يذبل ويفني النبات في الجو غير الملائم".(ص،102-103). وهربوا الي محراب الفن والأدب:-" وإذا كنا نحن محرمين من مباهج الحياة ومقوماتها فلا أقل من أن نعني بما يخفف بعض الشئ من مرارة الحرمان، وإذا لم يكن في ميسورنا ان ننشئ (نادي الفنون والآداب)نظرا لقلة الذن سيقبلون علي الانتساب إليه،ولان بيئتنا لم تنته بعد إلي هذا اللون من اللذات المعنوية".(ص104).واكتفي جيلهم بتكوين جماعات صغيرة لتذوق الآداب والفنون،وتهذيب الاذواق.ويتحدث بمرارة عن هذه التجارب التي لم تستمر طويلا"حيث دب الفساد إليها، وأرسلت الرجعية الاشاعات عنها،وأخذت معاول الهدم تعمل فيها،وضعفت نفوس وخارت عزائم،فأذن مؤذن الخراب،وانفرط العقد،وعدنا إلي حياة السآمة والملل ولكن إلي حين". وكان هذا الحين حتي قيام مؤتمر الخريجين.
    هذه الرجعية كانت تمثلها في الريف القبلية، أما في المدينة فقد قامت المؤسسة الدينية بالمهمة.فقد لعبت المؤسسة الدينية دورا كبيرا في تضييق الحياة وتصحر الروح وتخفيفها - للمفارقة! وكانت هذه المؤسسة بمعاهدها الدينية،وقضاتها الشرعيين،واخيرا أحزابها السياسية الطائفية؛تمارس وتجيد صناعة الموت والبؤس. وهنا يذكرنا(جماع) بأصلنا ونظرية "تطور" الإنسان السوداني:-
    خلقت طينة الأسى وغشتها
    نار وجد فاصبحت صلصالا
    ثم صاح القضاء كونى فكانت
    طينة البؤس شاعراً مثالا
    ليس البؤس والكآبة فطرة أو طبيعة سودانية،ولكنها ثقافة رسختها تلك المؤسسات بمثابرة وصبر.عندما يجد السوداني الظروف المواتية،يمكن ان تفتح قدراته، وقد أحست المؤسسة وأخواتها بالخطر.لذلك،كان عليها أن تزيد شراسة وعنفا. وهذه القصة كثير الدلالات لمن يبحث عن اسباب خمود شعلة الحياة والعقل في دواخلنا، وضياع الامكانيات المفتوحة والتي لا تحد:
    "سأل مندوب بال مال جازيت،الشيخ محمد عبده،في العدد الصادر17/8/1884 عن العصبية بين السودانيين، فكان جواب الإمام:-"ليس السودانيون أكثر تعصبا منّا فحينما كنت اعلم الفلسفة في القاهرة كان كثيرون من الطلبة المصريبن يخشون حضور دروسي متعصبين".(عبد العزيز عبدالمجيد،تاريخ التربية في السودان،ج2 ص97).
    كانوا يقبلون علي المعرفة ولا يخشونها.ولكن عند العودة ،يبدأ الانطفاء وثقل تقليدية المجتمع في الداخل،يعمل عمله.وعندها يظهر الساخطون والمتمردون،بعد أن أخمدوا يقظة النفوس فاحاطها نوم-موات بعيد من الحياة والحيوية.يقول(التيجاني):

    ونفوس سجي الكري في حواشيها ودب الفتور في الأرواح

    هذا هوحال المثقفين السودانيين:نفس نائمة وروح وفاترة.ولكن(التيجاني) لهم أن نفسه غير قابلة للخضوع والوأد البطيْ،لأنها:
    هي نفس إشراقة من سماء الله تحبو مع القرون وتبطي
    موجة كالسماء تقلع من شط وترسي من الوجود بشط
    خلصت للحياة من كل قيد ومشت للزمان في غير شرط
    كلما اهتاجها الحنين استظلت بحبيبين من يهود وقبط

    وقد كان المعهد العلمي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي،من أقوي معوقات الانفتاح والحرية الشخصية. لذلك، كان هدفا لكثير من هجوم المنتسبين اليه وليس من خارجه،وذلك لسبب بسيط هو أنهم خبروا اساليبه وعانوا مباشرة من قهره وعنته.وهناك من يعتبر المعهد ضحية رغم ما فعله بالتيجاني والقاضي (راجع عبدالله حمدناالله: المعهد العلمي والكيد الأكبر،الصحافة4/4/2007) ومع ذلك استمر وفاء (التيجاني) لمعهده،والذي مارس عليه مبكرا الابتزاز والترهيب:-

    حتي رميت ولست أول كوكب نفس الزمان عليه فضل شهابه
    قالوا وأجفت النفوس واوجفت هلعا وهاج وماج قسور غابه
    كفر ابن يوسف من شقي واعتدي وبغي.. ولست بعابيء أو آبه
    قالوا احرقوه بل اصلبوه بل انسفوا للريح ناجس عظمه واهابه
    ولو أن فوق الموت من ملتمس للمرء مدّ الي من اسبابه!!
    ولا ينسي تذكر معاناته من الدراسة العقيمة والمضجرة،حين يقول:-

    ولقيت من عنت(الزيود)مشاكلا وبكيت من(عمرو)ومن اعرابه


    أما السخط العاري، فيمثله الشاعر محمد محمد علي، ففي قصيدة بعنوان"ثورة" وهو في الحقيقة ثائر ضد المعهد العلمي وليس ضد المحتل،كما قد يفهم البعض القصيدة.فالدراسة في المعهد تقتل الابداع والتجديد،وتطفئ جذوة الحياة في الشباب،يقول:

    أأفني شبابي وأجفو رغابي أجوب الفلاة وأجني الحطام
    حطام جنان طواها الزمان وأسمال قوم تولوا كرام
    أؤم السراب أروم الشراب فسعي ضلال وريي أوام
    كرهت جلوسي أمام الشيوخ أودع عاما وأسلك عام
    كرهت المجاز ولغو النحاة ######ف الفقيه وعلم الكلام
    وفيم العناء وهذا البلاء وقرع الصفاة وطول السقام
    وما شاق نفسي وقار الفقيه ولا أن أُري قاضيا أو إمام

    أحب الحياة وفقه الحياة ووجه الحبيب وكأس المدام
    ولكن المجدد الساخط(حمزة الملك طمبل) ينبهنا بأن التخلف وفساد الحياة والنفوس،يعم أهل البلاد جميعهم:الشيوخ والافندية؛فلا نظلم المعهد وأهله.فيقول:
    (فالشيخ) خزي فادح متستر تحت العمامة
    نذل(تقفطن) بالنفاق ولف من جشع حزامه
    ماهام بالتقوي ولكن بالضلال أري هيامه
    وكذا( الأفندي) قد أباح لكل موبقة زمامه
    فتراه مختل النظام نعي علي المولي نظامه
    الناس طاروا وهو في أسر الخلاعة والمدامة
    نزق تملكه الغرور فضل نهج الاستقامة

    ويبلغ به السخط والضيق مداه،فيقول:

    لا رجاء في من تفرنج منّا لا ولا في أخي القديم المعمم
    طال تمثيلنا الشقاء علي الأرض فحتي متي الرواية تختم
    ومتي تسدل الستارة والأر ض بمن فوق سطحها تتحطم

    وقد كان (طمبل) أول من هجا مدينة بأكملها وهي (الدويم) يقول:
    فهم الاعداء إذا ما افترقوا وهم عند اللقاء كالاصدقاء
    جمعتهم خدعة لا صحبة بعضهم من خوف بعض رقباء

    كان(حمزة)مهذبا في سخطه وغضبه،ولكن هناك من لم يستطع أن يجامل أو يدعي الأدب والتهذيب.ولم يتردد في استخدام أقصي كلمات وأوصاف البذاءة والفحش،وكأنني يحاكي(مظفّر النواب)حين أفحم من لامه علي بذاءته:أرني وضعا اكثر بذاءة مما نحن فيه؟لذلك،لم يتردد الشاعر(حسين منصور)صاحب ديوان:الشاطئ الصخري،في استخدام أقسي طاقات اللغة لوصف أهل زمنه من الشيوخ والأفندية.فهو يقذف ابناء (كلية غردون)بما يصعب قوله علنا، وأن كان يتردد في مجالس النميمة وسهرات الخنا:-

    يسمونها كلية وحقيقة بها جمعت كل الضلالة والهلس
    ينمي علي ماء الرجال نباتها وإن اكرموهم فالغذاء من العدس
    تظن بهم خيرا ويعجب هزرهم فان زرتهم ماسوا بأذرعة ملس
    مدوا شفاها أدميت من ترشف وقالوا بلا خوف لطالبهم هيس
    هم النفر الانجاس من غرس يودل واخوانه من ذلك الصنف والجنس

    (حاشية: اشتهر مستر يودال مدير كلية غردون في الفولكلور السوداني المديني بمثليته غير الخفية وليبراليته كأول من تناقش سياسيا مع الخريجين،واجتماعيا اول من ادخل رياضة كرة القدم المنظمة).
    اما الشيوخ فيقول عنهم:-
    والاخرين ذوي العمائم واللحي اللابسين ملابس الطاووس
    يدعونها فرجية سنية لكنها للحبر والقسيس
    أما العمائم فهي صم كلها ولحاهم ليست علي الناموس
    متحزمين فإن مشوا وهرولوا ففراشة طارت لنار مجوس
    سحقا لهم لا فرق بين اذانهم والله أو ضرب علي الناقوس

    في أحيان كثيرة ينصب السخط الذاتي علي المجتمع والوطن،وكأن الساخطين
    يحملونه كل الخطايا التي اسقمت أرواحهم واصابت أرواحهم بالعطب والخراب.فقد عمّ الفساد والوهن كل موقع، واندثرت القيم،فيصيح(البنا):
    ياأمة جهلت (طرق) العلا فلم تسبق لغاية معقول ومخزون
    فللمدارس هجران ######رية وللمتاجر ضعف غير موزون
    وللمفاسد إسراع وتلبية ولا التفات لمفروض ومسنون
    والناس في القطر أشياء ملفقة فإن تكشف فعن ضعف وتوهين
    فمن غني فقير في مرؤته ومن قوي بضعف النفس مرهون
    ومن طليق حبيس الرأي منقبض فأعجب لمنطلق في الأرض مسجون
    وهيكل تبعته الناس عن سرف كالسامري بلا عقل ولا دين
    يحتال بالدين للدنيا ليجمعها سحتا وتورده في قاع سجين

    ويصرخ(صالح عبدالقادر) في أمته:

    يابني قومي أفيقوا إنكم ماخلقتم لتعيشوا غنما
    ليتني أعرف ما اخركم سادة كنتوا فصرتم خدما


    لكل طريقته في التعبير عن سخطه،ولكن الواقع واحد. واعتقد أن هذا ما أثار غضب ######ط شاعر المؤتمر (علي نور) والذي حوله من التفاؤل والامل،ليري الواقع بلا أمل لأن كل شئ صار بغير منطق.فهو القائل:-

    هذي يدي لسماء المجد أرفعها
    رمزاً يشير إلى المستقبل الحسن

    لما نرجيه تحت الشمس من وطر
    وما نفديه بالأرواح من وطن

    زفوا البشائر للدنيا بأجمعها
    وللعروبة من شام إلى يمن

    إننا هممنا وأرهفنا عزائمنا
    على النهوض بشعب للعلا قمن

    الله أكبر هذا الروح أعرفه
    إذا تذكرت أيامي ويعرفني

    كنا ننميه سراً في جوانحنا
    حتى استحال إلى الإجهار والعلن

    يتحول شاعر المؤتمر والمستقبل،لكي يجاري(الرصافي)في هجائه لشعبه وأبناء وطنه.وتنسب له القصيدة التي لا أملّ من ذكرها والترنم بها:-
    كل امرئ يحتل في السودان غير مكانه
    فالناس اكفاء شجاع الرأي مثل ########ه
    والعلم ليس براجح بالجهل في ميزانه
    والفضل ليس مكارم الاخلاق من عنوانه
    والمرء ليس باصغريه قلبه ولسانه
    بل باكتمال ريائه وروائه ودهانه
    وطن لو أن الحر لا يصبو الي اوطانه
    ما كان لي شأن بذلته ورفعة شأنه

    لم يكن السخط مقصورا علي تلك الفترة التي كنا نرزح خلالها تحت نير الاستعمار،بل ظهر ساخطون معاصرون لا يقلون حدة وعنفا في غضبهم فقد أفرد الشاعر(محمد الواثق) ديوانه(ام درمان تحتضر) لهجاء مدينة كما يظهر،ولكنها في الحقيقة هي العاصمة (الوطنية) مما يعني أنها رمز للوطن كله، يقول:

    من صحن مسجدها حتي مشارفها حطّ الخمول بها واستحكم الضجر
    ولا أحب بلادا لا ظلال لها يُظلّها النيم والهجليج والعُشًر
    ولا أحب رجالا من جهالتهم أمسي وأصبح فيهم آمنا زُفر

    السخط والواقع المقاوم

    يتوجب علي المغرمين بالحديث عن الشخصية السودانية أن يعطوا ظاهرة السخط اهتماما خاصا ،لأنها بؤرة هذه الشخصية،رغم أنها تأخذ تسميات مختلفة.فالطفل السوداني وفي سن مبكرة جدا،تسأله : مالك قاعد كده؟يرد عليك:- زهجان! ولكن المشكلة ليست في شعور السخط والزهج المتفشي بين السودانيين والمثقفين بالذات.ونحن بالمناسبة كان لنا سبق أول من عنون أحد شعرائه كتابا ب:ملعون أبوكي بلد! وصرنا نتلذذ بالاستشهاد بهذه الحكمة.وجيلنا هو الذي كان يختم"قعداته"بالقول:دي بلد حفرة.وفي ذلك الوقت لم يكن الإسلامويون يحلمون بمنصب مدير جامعة الخرطوم حتي لو قدموا عبدالله الطيب.السؤال المُلح رغم وقدم ظاهرة السخط،هو:تحولت من الاحتجاج الي التمرد ثم الي المقاومة والثورة أم ظل اجتماعيا علي مستوي النقّة والنميمة،وسياسيا علي مستوي الشجب والادانة ونسخ البيانات؟
    اخترت الشعراء والشعر باعتبار ان الشعراء عينة ممثلة جيدا لعقل النخبة.كما أن الشعر في مثل مجتمعاتنا فكر مصفي لمعاناة صاحبه في اختيار الكلمة والفكرة التي يريد توصيلها للمتلقي.ولم أهدف التضييق والحصر ولكن المقصود كل النخبة أو الانتلجنسيا السودانية.لذلك،حين نتعرض لسخط النخبة لابد أن نضع في الاعتبار ثلاث لحظات حاسمة تؤرخ لهزائمها.الاولي هي الهزيمة العسكرية النهائية للمهدية عام1898 والتي تسميها العامة:الكسرة. وقد سمي(محمد المكي ابراهيم) ذلك الجيل: ورثة الهزيمة. وهو يري أنهم قد"ضاعوا ضياعا غير مخلفين ورائهم اثر ذا شأن..وإذا كان لابد للاحتلال من ضحايا،فإن هذا الجيل وحده،هة جيل الضحايا(...)لقد هبطت الهزيمة علي رؤوسهم كالصاعقة وبترتهم من العالم بضربة سيف. "(ص41) ثم كانت هزيمة انتفاضة1924 تشتيتا مبكرا للقوى الحديثة الجنينية التي بدأت في التشكل. كذلك، أغلقت النافذة –مصر- التي كان يطل بها السودان مع العالم والخارجي وتفاعل من خلالها مع الآخر.وظلت النخبة في حالة ركود وبيات شتوي لم تنتعش من آثاره إلا بعد معاهدة1936 وحراك الخريجين.ثم كانت الهزيمة الثالثة والقاضية في سلسلة مراحل أو حلقات ثلاث متتالية من الانقلابات:1958و1969 و1989.فقد كانت الإنقلابات تقوم ببعثرة التراكم الديمقراطي الذي يتم خلال الديمقراطيات قصيرة العمر السابقة لها.وفشلت النخبة في تكريس وتطوير الديمقراطية،وهي ليست مجرد ضحية برئية لأنها جميعا تنشط وتتآمر داخل القوات المسلحة.
    تفسر هذه الهزائم وسوسيولوجية الفشل أو السلوك الاجتماعي للفاشل،أسباب توقف المثقفين السودانيين عند مرحلة السخط أو حتي الغضب الانفعالي الحاد دون الانتقال لمرحلة التمرد الواعي والمصادم ثم المقاومة والثورة. نشأ العقل السياسي السوداني تفاوضيا ووسطيا بدءا من تربيطات وتحالفات انتخابات مؤتمر الخريجين مرورا بوفد مفاوضات عام1946 حتي اتفاقية الحكم الذاتي1953.وفي أول ديمقراطية شهد البرلمان ميلاد العقل المماطل والمراوغ علي انقاض المفاوض،وأي دراسة لممارسات سياسيين مثل يحي الفضلي وبوث ديو،ستؤكد هذه الفرضية.كذلك العقل الموحد:شمال جنوب .واخيرا رسا العقل السياسي في مرحلة الكذب المقدس التي نعيشها الآن.وفي كل الأحوال والمراحل يتجنب المثقفون والسياسيون المواجهة والصدام ما عدا الاسلامويين أو الاخوان المسلمين بتسمياتهم المتعددة.فقد تدربوا علي العنف والصدام في الجامعات والمؤسسات التعليمية،منذ عهد مهرجان(العجكو). وتفاخروا بكادر منهم اسموه: راجل البراكس. وفي الحياة العامة،كانت محاولة انقلاب مرشدهم الرشيد الطاهر بالتعاون مع الضابط علي حامد وزملائه،ثم صدامهم مع النميري في الجزيرة أبا متحالفين مع أمام الانصار الهادي المهدي،ثم العمل المسلح للجبهة الوطنية عام1976 وأخيرا الإنقلاب-الكابوس الذي نعيشه منذ 30 يونيو1989.
    أما القوى السياسية الاخري والمثقفون غير الإسلامويين، فقد باع لهم الإسلامويون اسطورة السوداني المتسامح وسلمية العمل السياسي رغم كل التاريخ المذكور.ولذلك اكتفت تلك القوى من الديمقراطيين بالسخط والهجاء،
    والشكوى لغير الله (منظمات حقوق الانسان العالمية ). وجعل الديمقراطيون من المنابر والمواقع الاسفيرية، حائط مبكي وسوق عكاظ لهجاء الانقاذ.هذا فعل واحد وصغير لمعارضة النظام وليس مقاومته.صارت الاحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني مصانع انتاج كبير لبيانات الشجب والأدانة ويتسابقون في ذلك مثل حضور الدفن والفاتحة في المقابر،العادة السياسية التقليدية لارضاء المناصرين.لقد كانت الادانات والشجب والهرولة لمنظمات حقوق الانسان،والكونقرس الامريكي، والبارونة كوكس وغيرها؛ مطلوبة ومفيدة في بداية التسعينيات بقصد كشف وتعرية النظام.ولكن النظام الآن عاريا تماما ومكشوفا حتي عند أهله.الإصرار علي الشجب والادانة والهرولة غربا، هذا سوء تقدير وعدم فهم لمراحل النضال وماذا تقتضيه كل مرحلة من ادوات للعمل السياسي؟التوقف عند مرحلة سابقة دون ادراك المستجدات،هو تخلف واعاقة.وبالمناسبة تسمي هذه الحالة في علم النفس(التثبت)(fixation) ويوصف بها الفرد عندما ينمو من مرحلة الطفولة ويصر علي أن يمارس سلوكه القديم وكأنه لم يكبر بعد!
    يتبدي هذا التثبت والوقوف في مرحلة السخط والشجب والادانات التي ما قتلت ذبابة،في حالة الدفاع المستميت في رفض العمل المسلح والتبرؤ منه.وهنا نجح النظام وبجدارة في تخويف وابتزاز المعارضة.هل نسيت المعارضة تاريخها وحملت السلاح منتصف التسعينيات؟أين مزايدات قوات التحالف علي الآخرين:-" في ظل هذا الواقع اصبحت وسائل النضال السلمية المعهودة مستحيلة،ولذلك يسعي التحالف لتصعيد نشاطات الانتفاضة الشعبية المسلحة وتنسيق جهود كل قوى الشعب ودفع عمل كل الفصائل الثورية وتعزيز جهودها وحماية ظهرها لتحقيق اهدافها".(الميثاق في اصدارة: نحو دولة مدنية ديمقراطية موحدة، ص90). ولابد لي من التساؤل في هذه الحالة عن مصير دماء ذلك الشباب النضر الذي سالت في(قرورة) و(منزا) هل راحت سدى؟ وكانت ذلك التحدي هو التباري في تكوين جيوش الاحزاب التي تتبرأ الآن من العمل المسلح، ظهر: جيش الأمة، والاتحاديون المسالمون ولم يكونوا جهادية في يوم من الأيام زايدوا بتكوين جيشين: جيش الفتح والاسود الحرة والذي ينسب تمويها لشرق السودان.هل بعد كل هذه السنوات والدماء تنكرون تاريخكم النضالي-لو كان حقيقيا-مع تهديدات نافع وسامية وبدرية؟ولا ادري لماذا تذكرت (المحجوب) وأنا اتابع رفض (الصادق) لدرجة المبالغة لما تم في كمبالا،فقد خاطب والده السيد(الصديق):-
    فيا أبا الصادق الصديق انت لها بعد الامام،ونحن الجحفل اللجب
    فان تشاء لغدت حمرا صوارمنا من الدماء ونار الحرب تلتهب
    نحمي البلاد،ونحمي سنة سلفت اجدادنا جاهدوا فيها وما نكبوا
    لا بارك الله في الدنيا يكدرها ذل القيود ويغشي أهلها الريب
    عش للبلاد كما عاش الإمام لها وعاهد الله،واسلك نهج من ذهبوا

    *****

    اخيرا، هذه اللجلجة لا خير فيها ولا نرضاها لقياداتنا.فلابد من الثبات علي الموقف وتأييد وثيقة كمبالا وتحويلها الي فجر جديد فعلا من خلال تعديل الأولويات وتأجيل المختلف حوله.ولابد للعقل السياسي من قدر من العقلانية والمنطق في ترتيب الأولويات.الآن السؤال الصحيح:كيف نسقط النظام وما هي انجع الوسائل وأكثرها فعالية للإسراع في القضاء عليه وعلي آثاره؟ثم بعد ذلك نتحدث عن كيف يحكم السودان وشكل الدولة؟ ولكن أن يكون النظام علي صدورنا ونحن نتشاجر حول العلمانية،والفدرالية وعدد الولايات،وحل جهاز الأمن وهو يفتش في منازلنا ويغلق مراكزنا.هذا عين العبث. فلتتوقف كل بيانات الشجب والادانة والمناصرة وحتي التعازي، ولنشرع في تنظيم الناس في الداخل والخارج.وأن يكون هناك ناطق رسمي واحد فقط ولتتوقف الشخصيات التي صارت الاطلالة من أجهزة الإعلام مثل شاي الصباح ضرورة ومزاج.في هذه اللحظات الشعب السوداني والمقاومة ليسوا في حاجة لمزيد من الطواويس. فلتتوحد القوى المعارضة ليس بالتوقيعات الكثيرة علي البيانات ولكن علي الأرض في الاحياء واماكن العمل والدراسة، وتأجيل أي انتماء حزبي ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.ضرورة الانتقال من مرحلة البيانات والحنجورية الي المقاومة وتنظيم الجماهير في كل مكان.


    ------------------
                  

02-03-2013, 07:57 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    لعنة العنف !!
    February 3, 2013
    خالد عويس..

    [email protected]

    الأحداث المؤسفة التي كان مسرحها السكن الطلابي في جامعة الخرطوم، وكانت نتيجتها إحراق قسم منه، وتشريد آلاف الطلاب و(الطالبات) تؤشر بجلاء إلى عنف كبير قادم، تتحمله بالكامل، السلطة القائمة حالياً. فالمسؤول الأول عن ما يجري في الوطن، هو السلطة التي أشاعت، منذ يومها الأول، ثقافة العنف والدماء، وحمّت تنظيماتها الطلابية، بل وشجعتهم على اعتبار سوح الجامعات، شأنها شأن مسارح العمليات العسكرية في الجنوب، إلى الدرجة التي أصبح فيها التنظيم المتأسلم في أية جامعة، قادراً على حشد مئة طالب يحملون السيخ في مواجهة زملائهم وزميلاتهم، وعاجزاً عن جمع خمسة بوسعهم إدارة فاعلية فكرية أو ثقافية !

    الزرع العنفي، لا يحصد إلا مشاعر الإنتقام التي تنتشر إنتشار النار في الهشيم، وتتخذ أشكالاً مختلفة. وهو – أي الزرع العنفي – بلغ مرتقىً صعباً من تشويه النفوس، غالبية النفوس، فالتشويه النفسي لا يقتصر على المعتدي والمُعتدى عليه وحدهما، إنما ينسحب على المجتمع بأسره، والذي صار يعيد إنتاج العنف اللفظي والجسدي والفكري بأشكالٍ شتى !

    المعتدون الذين يرتضون رمي آلاف الطالبات، في الشارع، في ليلٍ بهيم، هم بدون أدنى شك، مجردون من أقل قيمة إنسانية، وهم بلا أدنى مواربة، يحتاجون علاجاً مكثفاً من نزعات العنف التي زُرعت فيهم، مجردةً إياهم من الإنسانية والفطرة السليمة !

    صحيح أن المسؤولية في هذا العنف البالغ الذي يحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، لكن المسؤوليات متدرجة، أعلاها، مسؤولية السلطة التي هيأت المناخ لهذا كله، ولم تحاول مداراة تغليبها منطق القوة على قوة المنطق، واستخدامها عنف الدولة بطريقة مفرطة في أحايين كثيرة، حتى أن بعض أجهزتها، باتت تحتاج بكل تأكيد إلى إعادة هيكلة شاملة، تتعلق بالمفاهيم أولاً، لتتحول إلى أجهزة أكثر إنسانية، وفي خدمة الشعب، لا لقهره !

    ما جرى في جامعة الخرطوم، هو حلقة في سلسلة طويلة وممتدة من العنف، الذي سيكون مآله تحوّل إيمان حتى من يؤمنون بالعمل السلمي والوسائل غير العنفية، إلى مسارات أخرى، ستدمر ما تبقى من الوطن، وتحيله إلى جهنم من الإكراهات والكراهية ومشاعر الإنتقام.


    ----------------------

    تحالف المفسدين …(هكذا الميلاد) ..!!
    February 2, 2013
    الطاهر ساتي

    [email protected]

    ** قبل خمس سنوات لم يكن بالبلد كياناً مستقلاً يسمى حاليا بمجلس الصيدلة، بل كانت هناك إدارة الصيدلة بوزارة الصحة المركزية كجهة رقابية وذات لوائح مسؤولة و معمول بها – منذ العام 1963 – في الرقابة الدوائية..وقبل خمس سنوات لم يكن العبيد المروح أميناً عاما لمجلس الصحافة، بل كان الدكتور هاشم الجاز هو الأمين العام لمجلس الصحافة..وقبل خمس سنوات، أصدر مجلس الصحافة بياناً أدان فيه إحدى الجهات لتقديمها رشاوي لبعض الصحفيين، ثم أشاد البيان بالصحفيين الذين قدموا للمجلس كل وقائع الرشوى بما فيها المبالغ المالية المراد بها شراء نزاهتم و تضليل الرأي العام.. بيان المجلس عامئذ لم يذكر اسم الجهة الراشية ولا أسماء الزملاء المستهدفين بالرشاوي المالية..لاندري لماذا لم يذكر بيان مجلس الصحافة تلك الأسماء لكي يعلمها الرأي العام المراد تضليله ..؟؟

    ** المهم، الجهة التي حدثتها نفسها بشراء الصحفيين والتأثير على نزاهتهم – حسب وصف بيان مجلس الصحافة للحدث – هي شركة كمبال العالمية التي يملكها الدكتور صلاح كمبال رئيس غرفة المستوردين..أما الزملاء الذين إستهدفتهم تلك الشركة بأموالها، فهما الأستاذ ياسر عبد الله رئيس قسم الأخبار بالسوداني والأستاذة إبتسام حسن الزميلة بصحيفة القرار حالياً..وشكرهما مجلس الصحافة على عدم إستجابتهما للتأثير السالب ولرفضهما أموال تلك الشركة، وأشاد بنزاهتهما التي رفضت الدفاع عن أدوية غير مطابقة للمواصفة ومرفوضة من قبل المعمل القومي للرقابة الدوائية، وهي الأدوية الذي جاءت بها تلك شركة التي يملكها صلاح كمبال رئيس غرفة المستوردين..لقد تم سحب الأدوية من الصيدليات بأمر قضائي..ولكن، رغم أنف الأمر القضائي والمعمل المرجعي ، نجحت شركة كمبال في إنتزاع قرار من رئاسة الجمهورية بتوقيع الفريق بكري حسن صالح ، وبموجب هذا القرار تم توزيع الأدوية غير المطابقة للمواصفة..أما واقعة رشوة شركة صلاح كمبال – رئيس غرفة المستوردين – فهي موثقة، ليست في بيان مجلس الصحافة فحسب، بل في ذاكرة شرفاء السلطة الرابعة أيضاً..!!

    ** وبعد تلك الواقائع مباشرة، تدخل البرلمان – عبر لجنة العمل التي كان يرأسها عباس الخضر – موجها مجلس الوزراء بالنص القائل : (أن يكون لمجلس الصيدلة أمانة عامة ومقر خارج وزارة الصحة وأن يكون الأمين العام متفرغاً)، هكذا النص، أي قصد به إضعاف الدور الرقابي لوزارة الصحة بإخراج مجلس الصيدلة من سلطة الوزارة، بحيث يكون (كما هو حاليا).. خرج مجلس الصيدلة من سلطة ومقر وزارة الصحة، ولكن لم يخرج مستقلاً، أو كمايزعمون..بل خرج كما تشتهي مراكز القوى التجارية الفاسدة والنافذة.. لقد جمعت شركات الأدوية أموالا قيمتها تكاليف إيجار أول مقر للمجلس- لمدة عام – بالعمارات شارع (5)..نعم، الشركات المستوردة – عبر غرفة المستوردين التي يرأسها صلاح كمبال حالياً- هي التي ظلت تدفع إيجار مقر الجهة الرقابية للدواء بالسودان، وكان هذا في العام 2008، وهذا لا يحدث إلا في السودان.. !!

    ** ووثائق الغد ذات التبرعات الموثقة والمستلمة من قبل موظف الحسابات بمجلس الصيدلة هي التي سوف (تفصح وتفضح)، ومعها وثائق أخرى تكشف أن تحالف مجلس الصيدلة وغرفة المستوردين كان – ولايزال – ضد الوطن والمواطن..وعليه، نسأل الناس والحياة : مجلسا رقابيا لايملك قيمة إيجار مقره – بحيث تدقع القيمة الشركات الخاضعة لرقابته – كيف يملك سلطة المراقبة والمحاسبة ؟، بل لماذا لايحفز الشركات الداعمة برفع سعر الدولار عند بيع الأدوية إلى (9جنيهات)..؟ لم يسأل عباس الخضر نفسه هذا السؤال عندما أخرج المجلس الرقابي من سلطة الحكومة ودارها إلى سلطة الشركات – وتبرعاتها – بعد وقائع أدوية شركة كمبال ورشاويها وذاك الحكم القضائي والرفض المعملي و القرار الرئاسي بالتوزيع..!!

    ** والمؤسف،عندما تقدم بعض شرفاء الصيدلة بشكوى ومستندات واقعة تلك التبرعات والهبات – التي دفعتها شركات الأدوية عبر غرفة المستوردين كقيمة إيجار لمقر مجلس الصيدلة – للبرلمان، إجتمعت لجنة التحقيق البرلمانية وحققت في الأمر وأكدت صحة الواقعة، ثم قالت للصحف – على لسان عباس الخضر ذاته – بكل براءة ( نعم تبرعت الشركات لمجلس الصيدلة، ولكن بحسن نية، وخلاص وقفناهم)، والحديث موثق ولا مانع للتذكير..و..عذراً أيها الأكارم، الزاوية لن تسع تفكيك أكاذيب بيان غرفة المستوردين التي يرأسها صلاح كمبال، وهو البيان المراد به تخدير الصحافة و الثراء بغير وجه حق، أي من (عرق الناس)..والأسطر الفائتة محض سيرة ذاتية لمن انتظرنا نزالهم طويلاً، فأهلا بهم في الهواء الطلق، إذ فسادهم يعيد ذاته، ولازلنا على العهد بأن نكون أوفياء لوطننا وأهلنا.. ويتواصل السرد غدا باذن الله، ولكن أغادر هذه الزاوية إلى حيث الصفحات الرحبة التي لاتضيق بالحقائق والوثائق ..!!


                  

02-06-2013, 08:55 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    نداء الي الإمام الحبيب
    February 5, 2013
    بسم الله الرحمن الرحيم..

    ابراهيم منعم منصور..

    أتابع و معي كل السودان جهودك المتتالية علي مر السنوات التي كادت أن تقارب العشرين و أنت تطالب أولي الأمر بتدارك أمر البلاد لعقد المؤتمر الجامع او المؤتمر الشامل او مؤتمر المائدة المستديرة … و هي كلها تصب في أن يلتقي اهل الحكم مع اهل السودان – ثم مع اهل السودان (الذي فضل) لتخليص البلاد من واقعها الذي طالت حبال ازماته الخانقة. سيدي: لا اتوقع كما لا يتوقع غيري ممن يتابعون الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في البلاد ان يستجيب احد لصيحاتك: ليس لان الآذان في صمم و لكن لأن الأستجابة تعني امرين احدهما علقم و الاخر اكثر مرارة.
    الاول هو انهم يتوقعون انه يؤدي الي (المشاركة) الفعلية لا الديكورية مما تجعل الكثيرين يتحسسون رؤوسهم انها تقود الي (تسجيل) و بالتالي (شطب هيثم مصطفي و علاء الدين يوسف و بدر الدين قلق)و ربما اخرين من (التيم الاول – THE FIRST ELEVEN) اي بداية (كسر الهيبة) التي ظلت تزامل اتخاذ مثل هذا القرار: قرارا قد يصل حتي (فيصل العجب) مما يجعل شطب اخرين امرا ان لم يكن سهلا فهو اقل صعوبة. و الشطب في هذه الحالة لا يجعلهم يجلسون في كراسي (الاحتياطي) او بلغة اخري في (استراحة محارب) انما (قلع) الفنلة ليرتديها لاعب جديد.
    اما الامر الاكثر مرارة و الذي يرفضه بل يخشاه الجميع: المدرب و اللاعبون فهو (المحاسبة) علي أخطاء و (فاولات) مباريات طالت ربع قرن. هذه الكلمة: المحاسبة تجعل الكل يتمسك بموقعه – و الكل يحمي الكل. و البعض يحمي البعض – لما يعلمه الكل عن الكل و البعض عن البعض. بل و ما يعلمه حتي (اللاعبين المشطوبين من زمان و الاحتياطي و المتطلعين للتسجيل).

    و اذا حدثت المعجزة – و ستكون بالفعل معجزة – و تم ما طالبتم به سنوات و سنوات فمع من تجلس و مع من تتفق. سبقك مسلحون و مدنيون في اتفاقيات بعضها شهده العالم كله حضورا – و بعضها شهده متابعة و كلها شهدها الجميع (موؤدة) : بعضها قبل ان يجف مدادها و بعضها بعد ان جف ريق من وقعوها – و بعضها معك شخصيا ظننتم بحسن نية انكم اصطدتم بها فيلا و قد وجدناه اقل من ارنب بل اصغر من نملة… و ادي الي انقسام في حزبكم العتيد وجد طريقه مسارا انهارا. و اذا جال بخاطركم ان (الناس) لابد ان يكونوا قد تعلموا بعد الاهوال التي آلت اليها حال البلد فالسؤال ايضا مع (من) تجلسون. هل تعلمون (حقا) لا دستورا او قانونا (من) يحكم السودان. الاجابة اصعب من (لحس الكوع) و اعتذر لاستخدام هذا التعبير في مقامكم. لست متشائما او هازلا و لكنه الواقع.
    ساقني الحديث عن دعوتكم في صحف 27/1/2013 لمؤتمر دائرة مستديرة الي غير الموضوع الذي اردت ان ارسل اليك فيه هذا النداء عن جبال النوبة – و عن النيل الازرق – و عن أبيي: لا لانكم تجاهلتموها حتي الان و لكن لانها ظلت تؤرقني و اردت الاستنجاد بكم.
    فبعد ربع قرن من الفشل: سلمنا امرها الي الاجانب: اليس في السودان من عقلاء او عاقل – فرسانا او فارس:
    عندما دحر الامام المهدي قوات حكومة العهد التركي المصري في معركة الجزيرة ابا راي بالهام و بصيرة ان يخرج من الجزيرة لانها بحكم وضعها الجغرافي محصورة و غير آمنة و لا تشكل مكانا للدفاع ثم الانطلاق في الدعوة. هاجر الي جبال النوبة: ارضا و حصنا و بشرا. آواه السهل و الجبل و رحب به الأهل و جهروا معه بالدعوة. كانت و كانوا مثل المدينة المنورة للرسول الكريم عليه صلوات الله و سلامه … و مثل الانصار. لو لفظوه كما فعلت (الطائف) بخير البشر – او اذا سلموه للحكم التركي المصري – و حتي لو وشوا به نظير ريالات او مناصب لربما و اقول لربما ظل السودان التركي المصري: و لكن الله شرح صدورهم: فكانوا في جبل (قدير) مثل العنكبوت و الحمام في جبل حراء.


    لهذه المنطقة و لاحفاد و سلالات هؤلاء القوم (دين) في عنقكم سيدي الامام يمثل في ادني درجاته (الوفاء). و قد اصبح الوفاء قيمة انسانية بعد ان ارسي دعائمها الاسلام. و لست في موقف من يناصحك و لكني اناشدك يا حفيد و سلالة (المهاجرين و الانصار) ان تذهب و تجلس مع احفاد و سلالات (الانصار) و تعود منهم بما يشكل حلا – او علي الاقل .. يمهد – الي حل للمأساة الانسانية في هذه المنطقة: اذ لها دين في اعناقنا جميعا و لكنه اكثر في عنقكم. لقد تسلم الآن زمام حلها غير أهل السودان
    لقد طلب منا الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ان نقرأ مرة و مرتين و ثلاثة ما حوته وثيقة (كمبالا – فجرا صادقا او كاذبا) و لكن للأسف لم تنشرها حتي الان اي صحيفة سودانية: هاجمها من هاجمها و شتم موقعيها من شتمهم و تبرأ منهم بعض من أرسلهم: و لكن لم ينشرها لنا اي منهم. كل الذي خرجت به من قولهم – و يهمني في هذا المجال جبال النوبة – التي اخاطبكم بشأنها انهم طلبوا لها (حكما فيدراليا) و حسب علمي ان السودان (جمهورية فيدرالية) و لا ينفي عنها هذه الصفة انفصال الجنوب. و مصنفة عالميا ضمن الدول الفيدرالية و الحكم فيها (فعليا) حكم فيدرالي. ثم هب انها ليست كذلك ما يضير ولاية من السودان ان تطالب بحكم فيدرالي.


    بل ما يضير السودان ان تطالب احدي ولاياته او كل ولاياته بحكم فيدرالي هو بالواقع كذلك. هل تخشي عليها من (الانفصال). ابدا لا تخشي فجبال النوبة و دارفور و النيل الازرق (ارض مقفولة – LANDLOCKED) بدون منفذ بحري قريب. الخوف اذا صح المعيار من انفصال الولاية الشمالية و قد المح بعض قياداتها بالفعل و اكثر من مرة لعلاقة (ما) مع مصر و تم توقيع علاقة (ما) مع ليبيا – و الخوف بنفس المعيار من البحر الاحمر و كسلا و ما تردد عن علاقات (ما) مع دولة ارتريا. اذا كان هنالك ما يحرك الوجدان الوطني في وثيقة (كمبالا) ارجو و ارجو و ارجو كما طلبتم منا ان نقرأها ان تنشروها لنا. و كما انني لم اقرأها فاكاد أجزم ان الدعاة الذين هاجموا موقفها و شككوا في عقيدتهم لم يطلعوا عليها. اين هي و لماذا يخفيها الجميع.


    ارجو الا أظلم (النيل الازرق) باسهابي في الحديث عن جبال النوبة. لقد تصدت الي الهجمة الحبشية لهدم الدولة المهدية و ما كان للقائد الزاكي طمل و الرجال الذين حوله و خلفه و منهم في المقدمة جدنا (عبد الرحيم ابو دقل) ما كان لهم ان يصدوا الهجوم و يهزموا الغزاة لولا وقوف مواطني النيل الازرق معهم: بنيانا مرصوصا و صفا بصف بدمائهم و شهدائهم لم يطعنوهم من الخلف و لم يقطعوا عنهم الامداد. و بوقفتهم وقف العدوان و وقفت المهدية علي قدميها في الشرق و استقرت في الداخل.


    السيد الامام: هذه منطقة تتطلب منكم (الوفاء) ان يرد احفاد المهدية لاحفاد و سلالات النيل الازرق بعض الدين ان لم يكن كل الدين فهم يستحقون منكم و من فكركم و من تجاربكم ما يساعد علي الوصول الي حل ايضا للمأساة الانسانية قبل الوطنية في هذه المنطقة. فهي ايضا تسلم الان لغير أهل السودان.
    ابيي مشكلة أَستدرج ابناؤها في خلقها و المساهمة في استمرارها – نصحنا – و نصح اخر مساعد مفتش بريطاني في المنطقة ابناء الزعيمين العظيمين بابو نمر و دينق مجوك في لقاء بمسرح جامعة الاحفاد عام 2006م ان يتسلموا زمام امرهم و لا يتركوا القضية بعد ان عبرت خط الأستواء الي نيفاشا ان تعبر البحر الابيض المتوسط الي محكمةالعدل الدولية في (لاهاي).

    فهي ان صحت انها مشكلة يكون حلها تحت ظل شجرة في (المجلد) او (بابانوسة) و لا حتي (الفولة) بين رجالات القبيلتين و ربما باجاويد من كردفان و دارفور. نصحهم و نصحنا من نعرف منهم الا يذهبوا الي (لاهاي) اذ ان حكم المحكمة الدولية ينفذه مجلس الامن فاذا عبرت المحيط الاطلنطي الي مجلس الامن قد ينتهي اشكال قبلي الي احتلال دولي. كانت النصيحة (لا تتبعوا محترفي السياسة في كل من الخرطوم و جوبا و لا تنساقوا وراء الافندية في كل من الخرطوم و جوبا) سوف تكون النتيجة قبل حل الاشكال حربا و قتلا و حرقا و دمارا بين اهلكم و هم بعيدون آمنون. خاصة و انهم لم يصحبوا معهم الي نيفاشا محمد ابراهيم عبد الحفيظ اول مأمور للمنطقة بعد ان فصلت من مركز النهود و لا مختار الطيب اخر مفتش مركز بها. الان و بعد كل ما حصل و يحصل و رغم وجود قوات (احتلال) بأي صفة و أسم فأنني – كأحد ابناء منطقة و جيرة للطرفين أقول لهم اجلسوا يا (أمراء المسيرية الاثني عشرة و يا امراء الدينكا الخمسة او الستة) اجلسوا مع بعضكم و حولكم عقلاء اهلكم و استعينوا اذا اردتم بزعماء القبائل من كردفان و دارفور او حتي من كل السودان و سوف تصلون الي حل: بعيدا عن المؤتمر الوطني و بعيدا عن الحركة الشعبية و بعيدا عن افندية الطرفين. لا اقول لكم (لا خير فيكم اذا لم تصلوا الي حل و انما اقول كل الخير فيكم و ستصلون الي حل).


    سيدي الامام: الذي دفعني لكي اخاطبكم في امر ابيي – و انتم علي علم به اكثر مني – هو الوفاء. الوفاء للرجل الكبير بابو نمر والد القبيلتين كما اعترف بذلك ابن زعيم الدينكا فرانسيس دينق. بابو نمر كان احد القلة الذين اختارهم القدر لكي يقفوا معكم آل البيت علي فتح ضريح الامام المهدي في ظل الحكم الثنائي و علي احياء و بناء القبة بعد ضربها و تكسيرها في زمن قل فيه الرجال الذين يتقدمون في مثل هذا الموقف في مثل ذلك الوقت. وفاء لاهله المسيرية و العشيرة التي رعاها مثل اهله من الدنيكا. اجلس اليهم و تقدم اليهم بنصح و بدين مستحق يساعد زعماء القبيلتين بما يشكل حلا – او علي الاقل يمهد الي حل للمأساة الانسانية في هذه المنطقة ايضا. فهم ايضا تسلم الان حل مشكلتهم غير أهل السودان.

    اعلم انك قدمت و قدمت و قدمت لكل السودان و لاهل هذه المناطق الثلاث و لم (تقصّر) و لكنه العشم الذي لا ينقطع و مسؤولية الزعامة التي لا تتوقف.
    يقول البعض – و لا اجادلهم اذا كانوا محقين او غير ذلك – ان الحل يكون في معالجة كل مشاكل السودان – كل – مشاكل السودان و ليس في الحلول الجزئية. لقد ظللتم سيدي الامام سنين عددا تتحدثون عن ذلك و هو حق – و لكن بعض الآذان لم تسمعه و التي سمعته لم تقبله او لم تعيه: و المآسي في هذه المناطق يزيد منها هرج الجدل و الاتهامات و الادعاءات و يصم الآذان فيها صوت الراجمات و أزيز الطائرات و يجثم عليها الاحتلال – و هي التي بذرت و روت بذرة الحرية و صدت الغزو و بنت القبة البتضوي الليل و بنت القبة البتضوي الليل.

    و الي ان يستجاب لدعوتكم بعد طول سنين آمل ان تسير جهودكم في هذه المناطق جنبا الي جنب مع انتظاركم الطويل لتقدموا لها علي الاقل خيطا من امل و مقدارا من وفاء: و ابراء لذمة احفاد الانصار لأحفاد الانصار
                  

02-06-2013, 09:45 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الفجر الجديد .... الأهمية والدلالة ..

    بقلم: نجم الدين موسى عبد الكريم
    الأحد, 03 شباط/فبراير 2013 15:27



    لا تخطي عين المراقب العادي الجدل الكثيف الذي أحدثه إعلان ميثاق الفجر الجديد الموقع عليه من قبل أطياف من قوي التغيير السودانية السلمية منها والمسلحه. هناك ربما بواعث كثيره محفزة لمسارات هذا الجدل تلخصت في تفسير أو تأويل مضامين بعض النصوص الواردة في متن هذا الميثاق مدحا أو ذما. ومن ناحيه أخري نري كيف أن هذا الميثاق استحوذ على اهتمام نظام البشير بالدرجة التي كانت فيها ردود أفعاله مرتبكه وعنيفة ومحرضه ضد الجبهة الثورية ومهدده بالوعيد للقوي السياسي الموقعه عليه، لإدراكها واستشعارها بخطورة هذا المنحي الموحد لقوي المقاومة بشقيها من اجل إسقاطه وصناعه البديل.
    بدءا، جدير بالقول، رغم الزخم الذي صاحب هذه الوثيقة والأثر الكبير الذي أحدثته في الحياه السياسية السودانية، إلا انه لم يجرأ احد من قاده هذه المكونات الموقعه عليها بالقول بانها في درجات الكمال وخاليه من العيوب والنقائص بل قالوا بانها قابله للتنقيح وللمزيد من الحوار حولها. وهذا ما يزيدها اهميه علي أهميتها، في ظني هذه المرونة تجعلها الأكثر قدره علي تحقيق التوافق حول القضايا الكبيرة مثار الخلاف وجذب الاخرين اليها. وهذا ما يجعلنا نبني قراءاتنا لها من هذا الجانب الإيجابي الذي يناي عن التطرف في المواقف واملاء وجهه نظر واحده ايا كانت وجاهتها ونصاعه منطقها، تستعصي معها عمليه الحوار والأخذ والرد.
    يمكن تخليص دلالات واهميه هذه الوثيقة في الآتي:
    - أنها بلا شك جهد وطني خالص التقت فيه الإرادة الوطنية الحره، لقاءا هو الثاني تاريخيا بعد مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية and#1633;and#1641;and#1641;and#1637;.
    - جسدت وعيا كاملا لهذه الإرادة بالمخاطر والتحديات التي تهدد مستقبل بلادنا.
    - دحضت افتراءات النظام القائلة بعنصريه وجهويه الجبهة الثورية وبعدها عن الهم الوطني العام وكذلك عزلتها عن نبض الشارع السوداني.
    - إعلان هذا الميثاق أحدث نقله الي حد ما في الخطاب السياسي المبتذل، الذي يستخدمه النظام لوصف خصومه المعارضين خصوصا الجبهة الثورية. فبدلا من لغه التحريض العنصري والآثاره والتخوين واستجداء المشاعر الدينيه، انتقل الي استخدام خطاب يتحدث بلغه وبرغم ما فيها من الاسفاف إلا أنها تتحدث عن أفكار وبرنامج سياسي مطروح من قبل الخصوم في المعارضة.
    - هذه الوثيقة أكدت وبشكل قاطع قناعته الأطراف الموقعه بأهمية الحوار بين كل المكونات للوصول لحاله من الوفاق الوطني. وكذلك أكدت علي انه اي الحوار هو الجانب المفقود في المشهد السياسي فم الفترة السابقة بين طرفي المعارضة.
    - احداث التغيير بعد الوصول لبرنامج الحد الأدنى للفتره الانتقالية وأعاده هيكله الجبهة الثورية وقوي الإجماع الوطني وقوي التغيير الاخري في إطار مجلس انتقالي أو حكومه انتقالية، ستكون هي المره الأولي التي يتشكل فيها البديل لنظام شمولي ببرنامج سياسي لفتره انتقالية معلن مسبقا.
    - لقاء مكونات المعارضة بكل أطيافها سيوحد الجبهة الداخلية ويدفع بالحراك الجماهيري لأحداث التغيير السلمي عبر انتفاضة أو اعتصام مدني. الملاحظ أن هذا الإعلان شكل باعثا بالأمل لجموع الشعب خصوصا بعد انسداد الأفق السياسي أمام المؤتمر الوطني، وفشل حلوله الآمنيه والعسكرية وكل أساليب العسف والقهر والبطش. مع عدم وجود مخرج لازمته الاقتصادية والضايقه المعيشية التي يكابدها المواطن البسيط ، هذا مع تزايد تدهور قيمه العمله الوطنية مقابل الدولار. زد علي ذلك كلفه الحروب في ثلاثه جبهات داخليه ممتده علي نطاق واسع يشمل عده أقاليم بالإضافة الي الأمن العام الذي يستحوذ علي موازنه كبيره.

    الوحدة الطوعية، هيكله الدوله والدين والدولة
    بعض العبارات التي وردت في متن هذا الميثاق أثير حولها الكثير من الجدل والتأويلات خصوصا من قبل الخصوم والذين يختلفون مع الجبهة ابتداءا وبرنامج ها السياسي ثانيه. كمبدأ إقرار الوحدة الطوعية وأعاده هيكله الدوله والدين والدولة. الكثير من ردود الفعل أو المواقف السالبة تجاه هذه القضايا، بنيت علي افتراضات ظنيه او معتمده ومتأثرة برده فعل النظام وتهويشاته وتضلليه للرأي العام، بقصد التحريض ضد الوثيقة والتشكيك في نوايا موقعيها وخلق حاله من عدم الثقه، عندما ربطوا عمدا حق تقرير المصير بإقرار الوحدة الطوعية. وهذا تضليل وتأويل غير صحيح البته. بل العكس هي تأكيد علي وحده تراب السودان وشعبه، في دوله واحده تحمل سماته التي عبر عنها الميثاق بانها "دوله متعدده الثقافات والأثنيات والأديان واللغات، تتأسس هويته السودانية علي رابطه جامعه قائمه علي مكوناته الثقافية وأبعاده الجغرافيه وارثه الحضاري الممتد الي سبعه آلاف سنه". ديباجته الميثاق نصت وكل مضامينه أكدت الحرص علي هذه الوحدة، بل تأسفت للدواعي التي جعلت من انفصال الجنوب قدرا محتوما. ليس هذا فحسب، بل تحدثت عن إمكانية توافر الظروف و الشروط الموضوعية التي تجعل من العلاقة مع الجنوب ذات خصوصيه، تربطها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وتوحدها علائق القربى والتاريخ والمصير المشترك.
    مقاربه فكره إقرار الوحدة الطوعية وربطها بتأكيد وحده السودان وبناء دولته الحديثة أو المدنية، يجسدها واقع الجغرافيا والتاريخ وحقيقه نشوء الدوله السودانية نفسها. إذ أن السودان قبل العام and#1633;and#1640;and#1640;and#1633;م كان مجموعه دويلات وممتلكات أو مشيخات وقبائل متناثره يجمع بينها ما يجمع من العلائق. توحدت بقوه المستعمر في ظل دوله مركزيه لتحقيق أطماعه الاقتصادية والعسكريه، المتمثلة في الذهب والعبيد. ما يعنى أن هذه الوحدة لم تكن نتاجا طبيعيا لمسار تطور مجتمعات و مكونات شعوب هذه البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. واستمر وضع الدوله مركزيا قابضا فى عهد الحكم الوطني الأول إبان المهدية و الحكم الانجليزي المصري . ولم يتغير الحال كثيرا في عهود الحكم الوطني الحديث بعد الاستغلال، رغم تطلعات أهل أقاليم السودان ومطالبتهم بحكم أقاليمهم والمشاركة في مستويات الحكم المركزية في نظام فدرالي يضمن تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة. إلا أن كل الأنظمة المتعاقبة ديمقراطية كانت أو عسكرية، ظلت تنكر هذا الحق المشروع لأهل الأقاليم وفي بعض الأحيان اتبعت سياسات أدت إلى الكثير من الأزمات الإنسانية والجرائم البشعة في حق أهل بعض هذه الأقاليم مع مظاهر الظلم الواضحة فيما يخص شراكه السلطة وعداله توزيع التنمية بين الأقاليم. مما خلق قدرا غير يسيرا من أزمه الثقه بين هذه الكتل الجغرافيه والسلطات المركزيه المتعاقبة مع تفاوت فقط في الدرجة. نتاج هذه السياسات إدي الي انفصال الجنوب ويدفع أطرافا أخري دفعا في ذات الاتجاه.
    ما لا تخطيه البصيرة أن مستقبل بلادنا مهددا في وحدته وتماسكه الداخلي في حال استمرار هذه النهج في أداره البلاد بفرض رويه أحاديه في واقع سمته التعدد والتنوع. والتعدد والتنوع لا يعنيان التنافر أو التضاد بأي حال من الأحوال وانما عنصر من عناصر القوة. من هنا استشعرت قوي ميثاق الفجر الجديد، هذه المخاطر ورأت بان تقطع عليها الطريق وحتي لا نصار الي ذلك المصير رأت أن أقصر طريق هو التعاقد الاجتماعي الدستوري بين هذه المكونات، تتأسس عليه الدوله السودانية المدنية الحديثة المرجوة عبر مؤتمر دستوري، تحسم فيه خيارات الشعوب والقضايا الخلافية الكبري مره واحده والي الأبد. وبالوصول لهذه المصالحة التاريخية بين كل مكونات الشعب السوداني وإقرارها والنص عليها في الدستور الدائم، نكون قد خلصنا انفسنا وبلادنا من حاله الاحتراب مع الذات وانتقلنا الي مرحله جديده يسود فيها الأمن والسلام الاجتماعي وقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة سيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. بعد هذه المصالحة الوطنية التاريخية تستطيع الدوله استخدام القوه لردع أي محاله لتقرير المصير بأي زريعه من الزرايع وسيكون استخدام القوه في هذه الحالة دستوريا ومدعوما شعبيا.
    بهذا المعني نستطيع القول بان فكره إقرار مبدأ الوحدة الطوعية متجاوزه ومتقدمه علي ما نص عليه ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية إذ انه اقر مبدا تقرير المصير. وأيضاً متقدمة علي اتفاقيه السلام الشامل بخصوص منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إذ أن المشورة الشعبية سوف تنزع نحو الحكم الذاتي في حال اكتمال إجراءاتها. وبالتالي ربما تفتح الباب أمام أعاده سيناريو جنوب السودان بخصوص نظام حكم غير منسجم مع النظام السائد. بنظره موضوعيه وعقلانية للأمور نكون باقرار هذا المبداء، قد خطونا الخطوط الأولي في الاتجاه الصيح لبناء دولتنا الوطنية. وهذا ببساطه لانا فشلنا كدوله طول العهود الوطنيه في أداره هذا التنوع والتعدد الذي تذخر به بلادنا، فتنكبنا المسار في اتجاهات أخري أكثر قتامه أضاعت علي بلادنا فرصه أن تكون من اهم واكبر دوله في محيطها الإقليمي والدولي.

    هيكله الدوله السودانية
    قصد منها القيام بإصلاحات جوهريه وبنيويه لاختلالات وتشوهات مؤسسات الدوله التي عبثت بها الإنقاذ من اجل تمكينها في السلطة فحولتها من مؤسسات للدوله الي مؤسسات للحزب. وهذه الإصلاحات تشمل اولا، المؤسسات العسكرية والأمنية بما يضمن قوميتها وحيدتها ومهنيتها.
    ثانيا، إصلاح الخدمة المدنية وتنزيهها من المحسوبية بأعمال اهليه الكفاءة وليس الولاء الحزبي. وتأهيلها بالتدريب وبناء القدرات. في عهد الرئيس النميري كانت هنالك مصلحه للخدمة العامه والإصلاح الإداري وتطورت فيما بعد الي وزاره العمل والإصلاح الإداري. ولا أظن يغيب علي بال احد، بانا ورثنا من العهد الاستعماري خدمه مدنيه متقدمة، استفادت من كفاءاتها وقدراتها بلاد أخري في بناء نهضتها فتقدمت علينا الآن. ثالثا، القضاء، وقصد بإصلاحه، أعاده هيبته واستقلاله من السلطة التنفيذية. الم يكن نظامنا القضائي قبل الإنقاذ كان مشهودا له بالكفاءة والنزاهة والحياد والاستقلاليه حتي في عهود الظلام السابقه؟ ورابعا، أعاده هيكله السياسات الاقتصادية وكذلك الصحه والتعليم بما يحقق أهداف الألفية الثانية فى التنميه الاقتصاديه والصحه والتعليم ...الخ

    الدين والدولة
    قالت الوثيقة "إقرار دستور وقوانين قائمة علي فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة، لضمان عدم استغلال الدين في السياسة". صحيح هكذا ورد النص ولكنه تقنيا يعني ضمانة عدم استغلال الدين في السياسة. ولا يتاكد هذا الا باستقلال القضاء وسيادة حكم القانون واقرار مبدا المحاسبه والمساءله القانونيه لكل تجاوز للصلاحيات المنصوص عليها دستورا. إذا ما بدر ذلك من موظف او موسسه في الدولة. وربما لا يتصور احد بان لا تكون هناك علاقة البته للمؤسسات الدينية بالسلطة التنفيذية أو حتي التشريعية اوالقضائية. وعلي كل حال هذه واحده من القضايا الخلافية التي يتم حسمها في المؤتمر الدستوري المزمع عقده في الفترة الانتقالية وهذا ما قال به الموقعين علي الوثيقة. واكثر من ذلك قالوا أنهم منفتحين للحوار حول كل بنودها وصولا للتوافق المطلوب.

    المرء ليتساءل ما الضير في كل هذا؟ ولا أظنني جانبت الصواب إذا ما قلت بان كل ما ورد، موجود في صميم أدبيات القوي السياسية او نادت به في بعض مراحل نضالها ولربما وثقته مواثيقها أيضاً نصا ومعنا ومجازا. ومع ذلك هناك من يطل علينا ويحدثنا باحاديث من قبيل، هذا الميثاق اشتمل علي بنود ضد الثوابت الوطنية، أو ضد ثوابت آلامه وهذه وثيقة صهيونية إمبريالية وتدعو للفجور والإباحية وهي مفسده في الأرض ووراءها الأمريكان ....الخ. عجبا، لماذا المزايدة علي وطنيه هؤلاء وهم من أبناء السودان الذين ضحوا باغلي ما عندهم وقضوا جل عمرهم من اجل صلاح حال بلادهم ومستقبل شعوبهم وبذلوا لذلك جهدهم. أن يأتي ذلك من المؤتمر الوطني فهذا مفهوم أما أن يأتي من الآخرين فهذا ما لا نفهمه!
    ماهي الثوابت التي تعنيهم ولا تعني هؤلاء؟
    ومن هو الذي يحتكر سلطه إطلاق التوصيفات وتحديد الثوابت الوطنية. كأنما الحقيقة المطلقة تنتهي عندهم. والسؤال، هل هم ينتمون لوطن وامه وهؤلاء الشرفاء ينتمون لوطن وأمه أخري؟

    مها قيل عن هذا الميثاق فلا يختلف اثنان في أهمية دلالاتها وكذلك أهمية ما أحدثته حتي الآن وما سوف ستحدثه في مستقبل الأيام. وهو جهد وطني يحق لكل سوداني الفخر به، لان كل قطاعات الشعب السوداني شاركت فيه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان ذلك من خلال المواقف الدافعة لهذا الاتجاه داخل هذه التنظيمات نفسها أو من خلال التنظيمات الشبابيه والطلاب الذين ما زالوا يمثلون خط المواجهة الاول في تحدي جبروت النظام. وكذلك عبر منابرهم وتنظيماتهم في المهاجر المختلفة. وهذا ما يؤكد الدعم الشعبي لهذه الوثيقة وهذا الالتقاء الوطني والرهان عليه لأحداث التغيير. هذه هي الضمانة الوحيدة لتغيير سلمي تتضمامن معه حتي الأجهزة العسكرية. الجيش السوداني مهما قيل عنه إلا انه سيظل مؤسسه وطنية عريقه لها إرثها وتقاليدها ومواقفها التاريخية المشهودة المنحازة لخيار الشعب. وهذا ما سوف يحدث في اللحظة الحاسمة وما يؤكد ذلك مايدور داخل هذه المؤسسة هذه الأيام. فيجب أن لا نضيع الوقت في تفاضل خيارات النضال التي في كثير من الأوقات ما شغلتنا أكثر مما تشغلنا مواجهة النظام وكأنما هي غايه في ذاتها. نحن أمام فرصة تاريخية يجب أن لا نضيعها حتي لا تنطبق علينا مقولة "السودان بلاد الفرص الضائعة". وما يؤكد زعمنا وقراءتنا هذه، هو الموقف الوطن الشجاع لقوي الإجماع الوطني في بيانها الأخير الذي أكدت فيه رغم وعيد النظام لها بان حوارهم مع الجبهة سيتواصل بغية التفاهم الكامل و لاجل إسقاط النظام. التحية لحزب الوسط الإسلامي علي هذه الخطوة الشجاعة متمثلة في رئيسه الدكتور يوسف الكودة.
    وبهذا يكون الشعب السوداني فى انتظار الخطوات اللاحقة .... ليوقع علي دفتر خلاصه من هذا الطاغوت

    نجم الدين موسي عبد الكريم
    نائب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة
    //////////////////
    Joomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.Com
                  

02-08-2013, 12:40 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    ضعُف الطالب .. وعزّ المطلوب !!(1-3)
    February 8, 2013
    د. عمر القراي..

    “الإنتباهة” تستعين بوقيع الله لتشويه الفكر الجمهوري

    (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا

    وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم

    تسآءل بعض المتابعين، عن هجوم الاخوان المسلمين على الفكرة الجمهورية، في هذا الوقت، بعد ان صمتوا عنها ردحاً من الزمن، خاصة وان الفكرة لم تعد بعد لنشاطها العام، وإن الاحتفال بذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه، لم يتوقف منذ عام 1986م. وكان يبتدره دائماً نفر من كرام المثقفين، ويشارك معهم، أحياناً، بعض الجمهوريين بكتابة مقال أو مقالين في الصحف وبحضور ندوة الذكرى .. وبعد قيام مراكز الاستنارة، أحتفل مركز عبد الكريم ميرغني، ومكتبة البشير الريح، ومركز الخاتم عدلان، وصحيفة أجراس الحرية بالذكرى.. وقدموا عددًا من الندوات العامة، في تلك المناسبة، على مدى سنوات. ثم لما نشأ مركز الاستاذ محمود، تولى هذا النشاط، وقام بتكثيفه، ومع ذلك لم نر صحف الاخوان المسلمين، توظف من يكتب لها ضد الفكرة، كما فعلت ” الانتباهة”، الآن، مع د. محمد وقيع الله، أو الرأي العام مع أمية يوسف، الذي كتب خواطر ومذكرات لعبد الجبار المبارك-رحمه الله- وسماها مكاتبات عبد الجبار لمحمود محمد طه، حتى يوهم القراء ان عبد الجبار قدم نقداً مكتوباً، ولم يرد عليه الجمهوريين.. مع ان ذلك لم يحدث، والذي حدث ان عبد الجبارك حضر وناقش الاستاذ محمود، وهزم في ذلك الحوار، ثم كتب بعد ذلك، إنه رأى شيطاناً قرب الاستاذ، ولذلك عجز عن مناظرته !!

    مأزق الاخوان المسلمين:

    والحق ان الاخوان المسلمين في مأزق حقيقي، فقد أنكشف عنهم الغطاء، وبانت سوأة نظامهم، ولم تعد شعارات الإسلام كافية لتغطي عريهم الفكري والاخلاقي.. فاشتهروا بالفساد، ونهب أموال الشعب، ثم انقسموا حول حطام الدنيا، وكادوا لبعضهم، وسجنوا مرشدهم، ولم يتركوا رذيلة إلا ارتكبوها، حتى اتفق الشعب على إزالت نظامهم الذي قسم الوطن، وباع أرضه، وشتت شعبه بين النزوح واللجوء، وقتل ابناءه في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق .. وحين جاءت وثيقة ”الفجر الجديد”، فزع النظام، وظن ان حملة السلاح والتنظيمات المسالمة قد اتفقوا ضده، وأنهم سيزحفون إليه في الخرطوم، ما دام لا يأبه لمن يموت في أصقاع السودان البعيدة .. ولقد وجه الإعلام لاتهام معارضيه بالعمالة والخيانة، وجند أئمة المساجد المأجوريين ليكفروا خصومه، ولكنه لم يستطع ان يستغل الشعارات الدينية بفعالية، كما حدث من قبل بعد أن سقط عنه رداء الدين .. ولقد كان بعض الجمهوريين، يشاركون بكتابة مقالات في نقد الاخوان المسلمين، ليس من منطلق مخالفتهم للفكرة الجمهورية، ولكن بسبب ما فعلوا بالشعب السوداني .. ويبدو ان تلك المقالات قد ازعجتهم أكثر من غيرها، ففكروا في النيل من شخص الأستاذ محمود، لأنه يمثل النقيض الذي كلما استحضر الناس قيمه، ظهرت لهم مفارقة الاخوان المسلمين، وبعدهم عما رفعوا من شعارات الدين .. لقد درجوا على رفع شعارات الإسلام ومفارقتها، بينما درج الأستاذ محمود على معيشتها دون ضوضاء .. وزعموا أنهم سيعيدون عهد الصحابة، ثم نهبوا السوق، وبنوا العمارات الشاهقة، وجمعوا الثروات، وخاضوا إليها دماء الابرياء، بينما عاش الاستاذ محمود كأحد أهل الصفة في القرن العشرين !! ولقد إدعوا الإيمان بمبادئ فكرتهم، وأدعوا الجهاد من أجلها ليفوزوا بالنصر أو الشهادة ، ولكنهم من فرط الخوف، سلموا بعض اخوانهم للمخابرات الأمريكية، وارادوا ان يسلموا أسامة بن لادن نفسه !! ولقد تولوا قبل يوم الزحف، وحين نظروا هالهم ثبات الأستاذ محمود حتى النهاية على مبدئه.

    قلب الحقائق :

    إنهم يعلمون كل ذلك، ويودون ان تكون الفكرة الجمهورية باطلة، وان يكون هنالك اي تفسير آخر لقيم الاستاذ محمود وتلاميذه، حتى لا يعجب بها الشعب، فيتأثر بكتابتهم ضد الاخوان، وضد حكومتهم .. إنها مهمة صعبة، وتحتاج الى شخص عاطل تماماً من أي فضيلة، ولا يتورع من أسوأ الكذب، وافجر التدليسن، حتى يحاول قلب القيم العليا، لترى وكأنها حدثت بسبب أشياء أخرى، تنفر الناس من صاحب القيم .. ألم يذكر د. محمد وقيع الله في هذه المقالات، ان الأستاذ محمود عاش في حي متواضع، وقال ( يتبنى هذا الرجل منهج البساطة الكاملة في المسكن والعيش، ثم يدعي العلو الكامل ويتشبه بالله والعياذ بالله) ؟! وهل احتاج فرعون أن يترك قصره ويعيش في حي متواضع حتى يقول ” أنا ربكم الأعلى” ؟! ومن أين أتى وقيع الله بهذه الفرية ؟! إنه ينسبها لآخرين، وما دام قد نقلها لنا، فهو إذاً صدقهم !! ومن أين أتى الآخرون -إن كان هنالك آخرين- بهذا الزعم ؟! يخبرنا هذا الباحث، الدكتور، الذي يفترض ان يتبع مناهج البحث العلمي، أنهم وجدوا لوحات معلقة في بيت الاستاذ محمود، بها آيات قرانية يرد فيها اسم الجلالة، فأستنتجوا (منطقياً) أن الاستاذ محمود، يقصد انه هو الله، ولهذا علق آيات بها اسم الله !! هل رأى الناس بلادة حس، وموت شعور كهذا ؟! تكفر شخص، وتتهمة بأن يدعي الالوهية، لمجرد ظن لا اساس له، ثم تلقي بهذه التهمة العظيمة، وكأنك تلقي نكتة ؟! فما ظن وقيع الله واصحابه الوهميون، الذين ادعاهم ليخفي بهم بلاهة حجته، إذا أخبرناهم بأن الاستاذ محمود لم يشتر هذه اللوحات، ولم يوجه بكتابتها، ولم يختر آياتها، وإنما قدمت له هدية، من رجل فنان يدعى (دهشة)، هو الذي قام بخطها وعليها توقيعه .. وحتى دهشة نفسه، لم يختر الآيات، وإنما ذكر أنه رآها في منزل، لعله منزل الشيخ قريب الله .

    وبالرغم من غفلة صاحب ” الإنتباهة” وسذاجته، ربما كان يعلم أن وقيع الله رجل جاهل، وأن مثله لن يستطيع نقد الفكرة الجمهورية، بصورة تفحم اتباعها أو اصدقائها.. وذلك لأنه ربما قرأ مساجلات اخرى لوقيع الله، مع بعض اعضاء المؤتمر الشعبي، وحزب الأمة، وبان فيها ضعفه وخواره .. ولكن الطيب مصطفى، أكثر تورطاً من بقية الاخوان المسلمين في الفساد، لأنه أوثق قربى من الاسرة الحاكمة، وبينما هو في غرقه حين طال النقد شركاته، ومصالح الأسرة، لم يجد أمامه غير ” قشة” وقيع الله فتعلق بها !! وربما وجهت قيادة الاخوان المسلمين السياسية، بالهجوم على الجمهوريين، حتى ينشغلوا بالدفاع عن فكرتهم، وينشغل القراء خاصة الشباب منهم بهذه المساجلات، عما يجري من بيع للوطن، بواسطة المؤتمر الوطني .. وليتهم حين قرروا نقد الفكرة الجمهورية، وجدوا شخصاً عاقلاً، قرأ للفكرة، وصاحب حوارتها بين منتصف السبعينات، ومنتصف الثمانينات، حتى لا يكرر لنا، ما رددنا عليه مئات المرات، من صلاة الاصالة، والإنسان يكون الله والانسان زوج الله، وادعاء ان الاحاديث موضوعة، وهي كلها شبهات اثارها الاخوان المسلمين في جامعة الخرطوم، في تلك الفترة ، ولم يحضر وقيع الله ذلك، لأنه كان حينها في الجامعة الإسلامية، يسعى لأن يكون عالماً من (علماء) السودان .. لو لا أنه تنكر لتاريخه، وسافر ليكمل تعليمه على ايدي (الكفار)، ثم يهنأ بالعيش معهم في أمريكا، بينما اخوانه يهتفون في شوارع الخرطوم (أمريكا روسيا قد دنا عذابها علي ان لاقيتها ضرابها ) !! ثم حين عاد للتواصل مع السودان، بدأ يشيد بنظام الإنقاذ، الذي جاء عن طريق الانقلاب العسكري، ويعتبره النظام الإسلامي المرتجى .. ثم أخذ يتزلف للنظام بمهاجمة د. الترابي الذي كان شيخه ومرشده، والذي كتب فيه كتاباً يمتدحه ويهاجم خصومه، ويدافع فيه عن فتاويه المفارقة. وحين أنقلب على الترابي رد عليه اعضاء المؤتمر الشعبي مما سنعرض له لاحقاً .. ولكن المهم هنا، هو ان تملق وقيع الله لحكومة المؤتمر الوطني، لم يكن كافياً ليمنحه منصباً، مثل بقية المتملقين، فهل تكفي مقالاته التسعة ضد الجمهوريين، لتعطيه ولو وظيفة ملحق في سفارة ؟! ربما ساعده خال الرئيس في ذلك ولم يكن نصيبه فقط حق (الإجارة) على هذه المقالات المتهافتة .

    تآكل قلبه الحقد :

    لقد أدان كافة المثقفين السودانيين، إغتيال الأستاذ محمود محمد طه، ولم يستثن من ذلك إلا قلة من الاخوان المسلمين.. وعبر الشعب السوداني العظيم،عن سخطه على ذلك الحدث المشؤوم، بالاطاحة بالنظام بانتفاضة شعبية رائدة، بعد حوالي سبعين يوماً من تنفيذ الجريمة التي ابطلها وادانها القضاء السوداني، ممثلاً في المحكمة العليا في عام 1986م. ولكن وقيع الله يظهر الفرح والتأييد لهذه الفعلة النكراء، وكأنها كانت تطبيق لحكم إسلامي، قام به أحد الخلفاء الراشدين!! اسمعه يقول (ألقت بالجمهوريين حماقاتهم في السجن المايوي، الذي قضوا فيه نحو عام، ثم أُطلق سراحهم في عفو جزئي، شمل بعض السياسيين المعارضين… ولكنهم ما إن تنفسوا الصعداء، حتى عبأوا أنفسهم من جديد للتصدي لحملة إنفاذ الشريعة الإسلامية التي أعلن تطبيقها في الوقت الذي كانوا مغيبين فيه في السجن، فسيروا مواكب حاشدة من الرجال والنساء ظلت تطوف لأكثر من أسبوع كامل، توزع المنشورات التي تتهم الشريعة: «قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب»، وتتهم قضاة الشرع بعدم الكفاءة العلمية، وبالضعف الأخلاقي، وأن تطبيق الشريعة سيجر على الشعب فترة ظلامية خانقة شبيهة بحياة العصور الوسطى… وأخيراً وقعوا في شرور عواقب أعمالهم، حيث اعتُقلوا وقُدِّموا للمحاكمة، وحكم بالإعدام على زعيم الحزب، أربعة من أتباعه وبينما أمهل الأتباع شهراً حتى يراجعوا أنفسهم، نفذ الحكم في اليوم التالي في الزعيم أمام الجماهير وبحضور القضاة، ورئيس القضاة وحملت جثته على متن طائرة لتدفن في مكان غير معروف)(الإنتباهة 2/2).

    ولو لم يكن وقيع الله مليئاً بالحقد والضغينة، ومجافياً للحياد والصدق، لأدان اعتقال مواطنين لمدة عام دون ان تقدم لهم أي تهمة، لأن الإسلام لا يقبل أن يحبس شخص بغير جريرة، كما ان قوانين حقوق الإنسان ترفض الاعتقال دون تهمة .. ولكن وقيع الله يقول فيما اوردناه أعلاه، ان سبب اعتقال الجمهوريين حماقتهم !! ولو كانت الحماقة سبباً كافياً للاعتقال، لقضى وقيع الله عمر كله بين القضبان .. وذلك لأنه شهد بنفسه على حماقته، فقال (وأنا سريع الاحتدام والاصطدام مع الشخص الذي يختلف معي في الفكر والرأي.. لذلك أحب ان اعمل دائماً على انفراد كامل حتى في مجال عملي المهني وهو التدريس) !!( الصحافة 19/10/2006م). ولقد علقت على مقالة وقيع الله هذه، في ذلك الوقت، بقولي: (أليست هذه حماقة، شهد بها وقيع الله على نفسه دون موجب؟! ألم يسمع بالقول ”ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”؟! وما ذنب هؤلاء الطلاب، الذين تقتضي دراستهم ان يعملوا في شكل مجموعات، وفرق ويفرض عليهم المنهج العلمي نفسه ان يختلفوا مع بعضهم ومع أستاذهم؟! ما ذنبهم ان يكون أستاذهم من الضيق، بحيث يصادمهم، ان هم اختلفوا معه في الرأي؟!)(المصدر السابق).

    الدفاع عن قوانين سبتمبر :

    يقول وقيع الله (عبأوا أنفسهم من جديد للتصدي لحملة إنفاذ الشريعة الإسلامية التي أعلن تطبيقها في الوقت الذي كانوا مغيبين فيه في السجن، فسيروا مواكب حاشدة من الرجال والنساء ظلت تطوف لأكثر من أسبوع كامل، توزع المنشورات التي تتهم الشريعة) . ولكن الجمهوريين لم يتصدوا لتطبيق الشريعة، وإنما تصدوا لتطبيق قوانين سبتمبر 83 ، وهي قوانين جائرة شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه .. ثم انهم لم يخرجوا موكباً يطوف لمدة أسبوع كامل كما ذكر وقيع الله كذباً، وإنما مسيرة، صامتة، اتجهت إلى المحكمة، ولم يوزعوا منشوراً يتهم الشريعة، وإنما يهاجم قوانين سبتمبر التي شوهتها، وخالفت احكامها، حيث قطعت أيادي المواطنين بعد ان اعلنت المجاعة، وتلقت الاعانات من دول (الكفر) وقبلتها !! ولم يرد نقد للقضاة في المنشور، الذي وزع، بأنهم غير مؤهلين فنياً، وضعفوا اخلاقياً، وإنما جاء ذلك في كلمة الأستاذ في المحكمة ..


    ولقد وضح انطباق تلك العبارات على الواقع، من حيثيات المحكمة العليا، التي ابطلت الحكم، فقد جاء فيه ( ولعلنا لا نكون في حاجة للاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم، فقد تجاوز كل قيم العدالة، سواء ما كان منهام وروثاً او متعارفاً عليه، أو ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة، أو انطوى عليه دستور 1973م الملغي رغم ما يحيط به من جدل، ففي المقام الأول أخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت إليه من ان المادة 3 من قانون اصول الاحكام لسنة 1983م كانت تبيح لها -أو لأي محكمة اخرى- توجيه تهمة الردّة)(الاخوان الجمهوريون “1986م” حيثيات المحكمة العليا في قضية الاستاذ محمود محمد طه انتصار للحق ودحض للحكم المهزلة ص 11). وما كان للحكم ان يتجاوز كل قيم العدالة، وكافة اجراءاتها، لو لم يكن القضاة غير مؤهلين فنياً، وضعاف اخلاقياً. ولم يرد في المنشور أن (تطبيق الشريعة سيجر على الشعب فترة ظلامية خانقة شبيهة بحياة العصور الوسطى) كما ذكر وقيع الله، لأن الذي كان يجري لم يكن تطبيقاً للشريعة الإسلامية .. فلماذا كل هذا الكذب والفجور في الخصومة ؟! ومع ذلك هل من يكتب منشوراً يوزعه، ينتقد فيه الحاكم وقوانينه، يحكم عليه في الإسلام بالقتل ؟! وهل إذا حكم في ظل الشريعة الإسلامية على شخص بالقتل، لا يسلم جثمانه لذويه، وتحمله طائرة لجهة غير معروفة، أم ان هذه مفارقات لنهج الشريعة واخلاق الإسلام ؟! لماذا لم ينتقد وقيع الله كل هذه المفارقات ؟!

    إن وقيع الله أحد رجلين، إما أنه رجل جاهل باحكام الشريعة، وبتاريخ الإسلام، ولهذا ظن ان قوانين سبتمبر، التي طبقها نميري -رحمه الله- والتي قطعت يد المختلس من المال العام، وقطعت يد السارق في عهد المجاعة، وامرت بتسور البيوت للقبض على شاربي الخمر، هي الشريعة الإسلامية .. أو انه يعلم بحكم دراسته في الجامعة الإسلامية، بأن قوانين سبتمبر لم تكن الشريعة، ولكنه كتم هذا، وشهد زوراً انها الشريعة، حتى يحقق غرضه، وهو إدانة الجمهوريين، وتصوير خروجهم على الحاكم الجائر، وهو أفضل الجهاد، وكأنه مفارقة دينية، بسبب اعتراضهم على القوانين، التي زعم أنها الشريعة.

    تحري الكذب :

    لقد سبق لوقيع الله، ان تعرض للفكرة الجمهورية، في مقالات نشرت في صحيفة رأي الشعب التابعة للمؤتمر الشعبي، قبل هجومه على الترابي، واشادته بخصمه المؤتمر الوطني.. ولقد حاولت الحصول على كل الحلقات للرد عليه فلم احصل عليها، ثم جاءت مقابلة الصحفي صلاح شعيب مع وقيع الله، فهاجم الفكرة الجمهورية، باثارة مزاعم لا علاقة لها بالفكرة، ولا مصادرها، وحين طالبته بالأدلة، لم يهتم، واخذ يكرر ما قال من قبل، وكان تعقيبي (فهل مجرد قول وقيع الله، بأن الاستاذ قد انكر دعائم الاسلام، يعتبر حيثيات يمكن ان يطلقها في الهواء، ثم يقرر على اساسها، بأن الاستاذ محمود معادٍ للاسلام ؟! أم ان هذه الدعاوى تحتاج الى اثبات من كتب الاستاذ محمود ، لتصبح بعد ذلك، حيثيات تناقش، فتقبل او ترفض، على اساس الفهم ؟! )(الصحافة 26/11/2006م). أما هذه المرة فقد ذكر وقيع الله (وفيما يلي نتولى التعريف بالفرقة الجمهورية السودانية تعريفاً نقدياً، استندنا فيه إلى أكثر من سبع وعشرين كتاباً، وكتيباً، من الكتابات الأصلية لتلك الفرقة)(الإنتباهة 23/1/2013م). وهذه كذبة بلقاء، إذ لم يعتمد وقيع الله على كتب الفكرة الجمهورية، بل ذكر اقوال لا اساس لها، اثارها في فترات مختلفة، بعض السذج من معارضي الجمهوريين، ويمكن لأي عاقل ان يرفضها بمجرد الحس العام ..

    وزاد على هذا الكذب الصراح، إنه يورد بعض النصوص من الكتب، ثم يدخل في قلب النص عبارة من عنده، يدخلها في اقواس النص، ثم يكتب ارجع الى كتاب كذا !! ولئن إلتقى هوى الطيب مصطفى، ووقيع الله، على بغض الجمهوريين، والخوف على المؤتمر الوطني من نقدهم، فجعل ذلك صاحب “الانتباهة”، يقبل هذا التلفيق، وينشره دون تحقق، فإن القراء سيرجعون الى المصادر، ويكتشفون كذبه .. بينما نتخذ مقالات وقيع الله فرصة، لشرح التفاصيل التي شوهها، والتي يحتاج إليها الشباب الذين يثورون اليوم على الاخوان المسلمين، ولا يجدون بديلاً من الدين لفهمهم السلفي المتخلف
                  

02-08-2013, 08:26 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    سبر غور الباحث د. محمد وقيع الله!! ..
    بقلم: عيسى إبراهيم
    الخميس, 07 شباط/فبراير 2013 21:04


    عيسى إبراهيم*

    كتب د. محمد وقيع الله تسع حلقات في صحيفة الانتباهة وسمها بـ "هل كان نميري معجباً بمحمود محمد طه؟" في الفترة من 23 يناير 2013 إلى الثاني من فبراير 2013، لم يخرج فيها من سياق من سبقوه في معارضة الفكرة الجمهورية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ وذلك من خلال نقلٍ مخلٍ، أو فهم قاصرٍ، أو تشويه مقصودٍ، او تخريجٍ مؤوفٍ بروح القطيع، أو اتباعٍ لسابقين غير دقيق وبلا تمحيصٍ، أو قصور شخصي في الوصول للمعلومة الصحيحة!..
    وادعى وقيع الله في مقاله الأول (23 يناير) أنه يعرض تراث الفرق الضالة (ومن ضمنها - حسب رأيه - تراث الفكرة الجمهورية) عرضاً نقدياً منصفاً، وذلك كما يقول "حتى لا ينخدع بظهورها مجدداً بعض من لم تتح لهم فرص الوصول إلى كتاباتها الأصلية"، ويقول أيضاً: "وفيما يلي نتولى التعريف بالفرقة الجمهورية السودانية تعريفاً نقدياً، استندنا فيه إلى أكثر من سبع وعشرين كتاباً، وكتيباً، من الكتابات الأصلية لتلك الفرقة"! هذا بعض ما قاله وقيع الله والذي نحن بصدد تقويمه حسب معياره الذي قدمه..

    دفع أول (مصادر المعلومات – موقع الفكرة الجمهورية)!
    (نلحظ لأول وهلة أن الدكتور محمد وقيع الله لم يشر إلى أي مرجع من كتب الأستاذ محمود أو الفكرة الجمهورية أو كتيباتها استند إليه في هذا المقال الأول بالتاريخ المشار إليه في مقاله الذي نحن بصدده الآن !!..)

    أول دفعٍ نقدمه من جانبنا في وجه دعاوى وقيع الله، ان تراث الفكرة الجمهورية يكاد يكون بجميعه مثبت على موقع الفكرة الجمهورية الأثيري (alfikra.org)، ومبذول لمن يشاء متى يشاء وبلا مقابل مادي، وكما تقول إذاعة الـ (BBC) (بتصرف): "فقط على المتصل أن يتحمل تكلفة اتصاله عن طريق النت"، ويشتمل الموقع على كتب الأستاذ محمود محمد طه التي تفوق الثلاثين كتاباً وكماً هائلاً من كتيبات الجمهوريين وماتزال إدارة الموقع مشكورة تدفع كل ما استطاعت بكتيبات الجمهوريين إلى الموقع لمزيد من التوثيق، اضافة إلى محاضرات الأستاذ محمود محمد طه ولقاءاته المسجلة، وكتابات كثير من الجمهوريين وأصدقاء الجمهوريين، بله وكتابات بعض المعارضين ومن ضمنهم "وقيع الله"، فانظر عزيزي القارىء إلى هذا الكرم الفياض الذي يشمل حتى المعارضين بلا خوفٍ ولا وجل، فهل يمكن لثقة كهذه أن تقابل ببعض ترهات القول الملقى على عواهنه؟!..

    الخطأ الأول الذي يطعن في كفاءة الباحث!

    (كلمة الباحث تشير إلى حرف "الدال" السابق لاسم د. محمد وقيع الله، وحسب العرف الأكاديمي درجة الدكتوراة تعني تاهيل حاملها كباحث في مجال تخصصه وتصبغه بصفة الباحث المؤهل لممارسة البحث)

    يقول وقيع الله: "نشأت الفرقة الجمهورية كحزب سياسي، اسمه الحزب الجمهوري الإشتراكي" وهذا خطأ قاتل، فالحزب الجمهوري الذي يرأسه الأستاذ محمود محمد طه هو "الحزب الجمهوري"، و"الحزب الجمهوري الاشتراكي" حزب آخر ليست له صلة بحزب الأستاذ محمود محمد طه!!، يقول أحمد خير المحامي في كتابه كفاح جيل: تاريخ حركة الخريجين وتطورها في السودان، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، 2002م، ص 95، 96. "ولما وضحت معالم الخلاف واشتد وطيسه بين الاتحاديين والانفصاليين، نشأ الحزب الجمهوري، وهو حزب ينادي باستقلال السودان من مصر وانجلترا على السواء، وقيام جمهورية سودانية" أنظر أيضاً في ذلك "محمد سعيد القدَّال، تاريخ السودان الحديث 1820م-1955م، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، ط2، 2002م، ص 494، 495.." و "التجاني عامر صحيفة الصحافة 16/ 4/1975" ..

    ثاني الأخطاء
    (نسب محمود)!

    يقول وقيع الله عن نسب الأستاذ محمود محمد طه: "ويذكر الأستاذ محمد عمر باشري (هكذا ورد الاسم عند وقيع الله في مقاله الأول بالانتباهة والصحيح محجوب عمر باشري..وهو ما يقدح في دقة الباحث)، أن الجد الأعلى لمحمود هو الشيخ الهميم المعروف في تاريخ التصوف في السودان. «محمد عمر باشري (محجوب عمر باشري كما نوهنا قبل قليل)، دار الفكر، الخرطوم،1981م، ص369»"، وهذا غير صحيح إذ اعتمد الباحث على مصدر واحد حتى يربط فقط بين الأستاذ محمود وشطح الشيخ الهميم كما سماه، ولأن ذلك ارضى هواه، إذ كان على الباحث ان يعدد مصادره أو يلجأ إلى الموقع المعتمد لدى الجمهوريين موقع الفكرة، كما ورد تصحيح لباشري من الدكتور عبد الله الفكي البشير في صحيفة سيارة هي صحيفة الأحداث حيث قال: " أيضاً، أورد البروفسير عون أن الأستاذ محمود ينتسب إلى الشيخ محمد الهميم (وكذلك عند باشري)، وهذا غير صحيح. والصحيح كما ورد في موقع الفكرة الجمهورية، وهو موقع يشرف عليه تلاميذ الأستاذ محمود وهم أقرب الناس إليه، سمعوا منه ونقلوا عنه، جاء في موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت: (وُلد الاستاذ محمود محمد طه في مدينة رفاعة بوسط السودان في العام 1909م تقريباً، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة، حيث يعود نسبه الى قبيلة الركابية من فرع الركابية البليلاب نسبة الى الشيخ المتصوف حسن ود بليل... توفيت والدته – فاطمة بنت محمود - وهو لماّ يزل في بواكير طفولته وذلك في العام 1915م تقريباً، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم، وعملوا معه بالزراعة، في قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته في العام 1920م تقريباً، فانتقل الاستاذ محمود وإخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة). (الفكرة الجمهورية: لمحات من فكر وحياة الأستاذ محمود محمد طه، موقع الفكرة الجمهورية The Republican Thought، الصفحة الرئيسية، "مولده ونشأته"، استرجاع (Retrieved) يوم 12 أبريل 2010م، الموقع على الإنترنت: http://www.alfikra.org" أنظر أيضاً: "صحيفة الأحداث الخميس 30 ديسمبر 2010 الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون الحلقة (19)"..

    ثالث أخطاء الباحث
    (اطلاع محمود)!

    يقول وقيع الله عن الأستاذ محمود: " وفي خلال ذلك وبعده واصل محمود إطلاعه العلمي واغترف كثيراً من تراث الفلاسفة الغربيين، ورجال التصوف الإشراقي" من أين لك ذلك يا د. وقيع الله؟!..ألست باحثاً مفترضاً فيه جدية البحث والصبر عليه والوصول إلى المعلومة الصحيحة لنزاهة البحث وانصاف الخصم، أين مراجعك يا وقيع؟!، فإن لم تأت فها نحن نزودك بالمعلومة من مصادرها الأمينة: في ديسمبر من عام 1972م كانت إليزابيث هودجكنز، طالبة الدكتوراة بقسم التاريخ بجامعة الخرطوم، وقتئذٍ، قد أدارت حواراً مطولاً مع الأستاذ محمود، ونشر الحوار بصحيفة الصحافة آنئذٍ. "وقفت إليزابيث في حوارها مع الأستاذ محمود، من بين ما وقفت عليه، عند الذين تأثر بهم الأستاذ محمود وعند قراءاته، وذلك من خلال سؤالين، تقول في الأول: "نعود الآن إلي شخصك.. من هم المفكرون الذين تأثرت بهم في تطوير أفكارك؟" . والسؤال الثاني: "هل قرأت لمفكرين إسلاميين؟" . فأجاب الأستاذ محمود قائلاً: "في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعنى الذي كان لهم أثر علي حياتي. ولكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي .. والغزالي .. فلقد اتبعت المنهاج وقرأت شيئاً قليلاً .. شذرات من هنا وهناك ولهذا لا أقول بتلمذتي على مفكر معين" . وعن قراءاته أجاب الأستاذ محمود قائلاً: "لم أقرأ لمفكرين إسلاميين طبعا ولكن قرأت قليلاً لماركس ولينين وبرتراند راسل وشو وهج وولز .. والموضوع الذي جئت به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة" انظر في ذلك: "محجوب كرار، "محمود محمد طه في حوار صوفي مع مسز هود جكنز"، (حوار)، صحيفة الصحافة، السبت 16/12/1972م" ..

    خطأ رابع قاتل
    (الخفاض)!

    لم يجد د. محمد وقيع الله في كفاح الأستاذ محمود ضد المستعمر، الذي سماه نوعياً، إلا قضية وحيدة سماها الوقيع "طريفة ومشهورة" وهي في نظره قضية الخفاض، التي أضاف لها من عنده، بغير أمانة ولا ورع قوله: "وهو نوع من الختان المنهك" ليوهم القارىء والمتابع المتسرع ان قانون الخفاض الذي أصدره الانجليز في (ديسمبر 1945) يفرق في منعه بين خفاض منهك وخفاض غير منهك!!..وهو ما لا نجده في القانون المشار إليه..
    يوحي كلام وقيع الله الذي كتبه عن الأستاذ محمود ان الأستاذ كان معارضاً للخفاض من حيث هو، قال وقيع الله: "وبسبب نشراته المعارضة للخفاض" من ضمن قوله "كان محمود في الصف المعارض لمنع الخفاض. وبسبب نشراته المعارضة للخفاض، أرسل إليه مدير الشرطة البريطاني يطلبه" يقصد الأستاذ محمود، وهو امر غير دقيق، فالأستاذ محمود كان معارضاً لاستعمال القانون في محاربة عادة متأصلة في النفوس، وكان معارضاً لتوقيت اصدار القانون في التاريخ المحدد للتنصل من اعطاء السودانيين حق تقرير المصير من قبل الانجليز والموعود به من الحلفاء بحجة اظهار السودانيين بالهمجية والتخلف وأنهم مازالوا يحتاجون للمستعمر للاقلاع عن هذه العادات المستهجنة الأمر الذي انطلى على الكثيرين من قادة الرأي آنذاك والآن ولم ينطلِ على الأستاذ محمود حيث تصدى له، وكان ولا يزال الأستاذ محمود مع التوعية والتربية لايقاف العادة وليس مع القانون أو عن طريقه..
    وكون الأستاذ محمود والجمهوريين ضد الخفاض أمر لا يحتاج إلى دليل أكثر من ما ورد في البيان الأول الذي أصدروه يقول المرحوم طه اسماعيل أبوقرجة: " ومن المهم أن اذكر هنا أن الجمهوريين قد نبهوا منذ أول بيان لهم ضد قانون محاربة الخفاض، في ديسمبر 1945، إلى أنهم لا يدافعون عن عادة الخفاض، وإنما يعارضون المرامي السياسية من وراء القانون، كما يعارضون طريقة محاربة عادة الخفاض بالقانون. فقد جاء في البيان الأول ضد القانون ما يلي:- (لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا. ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة، سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعاً، وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاما).." انظر "مقال د. خالد المبارك يكشف عن حقائق مؤسفة (3 من 3) ثورة رفاعة غيرت وسائل الحركة السياسية وقصَّرت أجل الاستعمار طه إسماعيل أبو قرجة 29 ديسمبر 2002" موقع الفكرة - المقالات..

    خامس الأخطاء
    (تطفيف وعدم دقة)!

    يقول وقيع الله: "وفي يوم السبت ذهب لمقابلة المدير الذي أبرز له المنشور الذي أصدره ووقع عليه باسمه، فأقره محمود وناقش محتوياته مع المدير الذي أحاله أخيراً إلى القاضي البريطاني الذي أرسل محموداً إلى السجن ليقضي فيه عاماً، وذلك لأنه رفض التوقيع على تعهد بحسن السير والسلوك، والإقلاع عن الانغماس في العمل السياسي. وصمد محمود للحكم الظالم، ولكن أطلق سراحه بعد خمسين يوماً من اعتقاله، بموجب عفو شامل أصدره الحاكم العام البريطاني آنذاك" فهل حقاً اطلق سراح الأستاذ محمود بموجب "عفو شامل أصدره الحاكم العام البريطاني آنذاك"؟!..
    الحقيقة غير ذلك يقول الأستاذ محمود عن أسباب اطلاق سراحه لمندوبي معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية، جامعة الخرطوم، حين التقوه: " فى الزنزانة أنا بصوم ما يسمى بالصيام الصمدى عند الصوفية.. الحركة الوطنية بتاعتنا نحن الجمهوريين فى خارج السجن كانت بتشوشر شوشرة كبيرة وترفع المسألة دى وأنه محمود لسوء المعاملة فى السجن مضرب عن الطعام فحصلت قلاقل شديدة جدا ليهم .. قاموا فكروا فى أنو الموضوع دا ما بنتهى كدة ومافى فايدة فيه وبرضو المديرين بتاعين السجن ذكروا لمدير عام السجون أنو الحكاية البيعملها محمود دى راح تثير بعض المساجين للمعارضة (لم يكن يقوم لضباط السجن - حسب تقاليد السجون - أو مدير عام السجون عند مرورهم به) لأنو هو متمرد ونحن كل البنعملو ليهو بنوديهو الزنزانة ودا بزيد عطف الجماعة المساجين فى الدرجة التانية عليه فأحسن يكون فى إفراج عنه .. بعد الخمسين يوم كان فى اقتراح للحاكم العام أن يفرج عنى كعمل رحمة .. وجاء فعلا الجواب بأن يفرج عنى بعد الخمسين يوم كتدخل من الحاكم العام رحمة منه ." انظر في ذلك: " لقاء الأستاذ محمود محمود محمد طه بمندوبي معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية منزل الأستاذ محمود بالمهدية - الحارة الأولى - 22 نوفمبر 1975"..

    الخطأ السادس
    (خارج النص: التحول والأثر)

    محمد وقيع الله هو مؤلف كتاب "التجديد..الرأي والرأي الآخر" الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1989 وخصصه للدفاع عن أفكار وآراء د. الترابي التجديدية، يقول وقيع الله: "حرصت على إيراد نصوص الدكتور الترابي من أصولها، ولم أعتمد على الأقاويل والشائعات" (التجديد..الطبعة الأولى - صفحة 12)..
    في هذا الكتاب أورد وقيع الله تجديد الترابي المعتمد على التفريق بين السنة التشريعية والسنة غير التشريعية، والذي اعتمد عليه د. الترابي في ابراز آرائه التجديدية، والذي استبعد مستنداً عليها، الحديث النبوي الصحيح سنداً ومتناً من مجال العمل به!!..
    اليوم يقف وقيع الله في المعسكر المناوىء للترابي، لقد قلب وقيع الله ظهر المجن للترابي، وتحول مئه وثمانين درجة عن الموقف السابق المؤيد والمآزر للترابي، بعد طول صحبة وقناعة بما يقول الترابي، إلى الموقف المعادي!!..
    نحن الان لسنا بصدد تخطئة د. وقيع الله في ما ارتآه من الخروج على الترابي، فذلك حقه، نحن فقط بصدد سؤال منطقي، وسؤالنا يتلخص في أن ما دفع الترابي إلى الاتجاه نحو التجديد هو كما يقول: "إن القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم (الكلام على لسان الترابي) إنما هي قضايا سياسية شرعية عامة، أكثر منها قضايا خاصة والذي عُطِّل من الدين – في رأي الترابي – أكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية، أما قضايا العبادات الشعائرية والأحوال الشخصية، فالفقه فيها كثير والذي يحفظه المسلمون في هذه القضايا متوفر بصورة كبيرة ومتداول بينهم، يقول الترابي: "أما قضايا (الحكم ) والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلاً فهي معطلة لديهم ومغفول عنها، وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الأحكام الفرعية، ففي مجالها تواجهنا المشكلات والتحديات والأساليب المحرجة".. (المصدر: كتاب النبي المصطفى المعصوم بين دعاوى التجديد ودواعي التطوير – مخطوط - صفحة 39 – عيسى إبراهيم، أنظر أيضاً: عبد الحليم عويس – دكتور – الفقه الاسلامي بين التطور والثبات – كتاب الشرق الأوسط – الشركة السعودية للأبحاث والتسويق – الطبعة الأولى 1989م.صفحة 116.)..
    الأمر في نظرنا ينقسم إلى جزءين جزء يتعلق بالدافع للاجتهاد وجزء يتعلق بالنتيجة التي خلص إليها الترابي وفق اجتهاده، فاذا عذرنا وقيع الله في تبني نتيجة اجتهاد د. الترابي، هل يمكننا أن نعذره في الدافع إلى الاجتهاد لاستنباط حلول مناسبة للمشكل المجابه للترابي ولوقيع الله ولا يزال؟!..أم أن وقيع الله تخلى عن كليهما الدافع والنتيجة؟!..فإن كان ذلك كذلك فهل هو الآن (وهو أستاذ علوم سياسية كما يقول) مع الشورى أم مع الديمقراطية؟!.

    سابع الأخطاء
    (خارج النص: اختبار الصدقية والشجاعة)

    حينما رُشح د. محمد وقيع الله لنيل جائزة سعودية (جائزة الامير نايف العالمية للسنة النبوية والدراسات الاسلامية المعاصرة في دورتها الثانية)، آثر - حين قدم سيرته الذاتية – أن يحذف مؤلفه "التجديد..الرأي والرأي الآخر" من ضمن مؤلفاته، وهو أمر يقدح في صدقيته وشجاعته، إذ كان من الأولى أن يذكره ضمن جهده ويذكر تغير موقفه عن ما ورد في المؤلف من تأييد لآراء الترابي وتحسين لها، ولكنه آثر الهروب عبر الأبواب الخلفية من تحمل نتيجة عمله خوفاً على ذهب المعز الذاهب!!..

    مسك الختام

    حتى لا تنطبق على د. وقيع الله مقولة "أكلت حنظلة وخافت من بتيخة" نقول له بجد: قدم د. الترابي تجديده بثمن باهظ التكلفة، إذ تمثل الثمن في القول بعدم العصمة النبوية في الأمور غير التشريعية - حسب اعتقاده، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه ليتجاوز الترابي الأحاديث النبوية الصحيحة متناً وسنداً بحجة أنها وردت في أمور غير تشريعية ومنها حديث الذباب المعروف والوارد في صحيح البخاري، وقدَّم الأستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع الاسلامي وهو (باختصار أرجو ألا يكون مخلاً) الانتقال من نص فرعي في القرآن خدم غرضه حتى استنفده إلى نص أصلي في القرآن مدخر لحياة الناس اليوم، والرسالة الثانية من الاسلام هي ببساطة (السنة) تكليف النبي (صلى الله عليه وسلم) على قدر طاقته ووسعه، في مقابل (الشريعة) تكليف الأمة على قدر طاقتها ووسعها ومقدرتها، وهنا تأتي الحكمة وراء النسخ إذ أنه ارجاء وليس الغاءً، ارجاء يتوقت الوقت ويتحين الحين!!..



    --------------------


    الدين والسياسة…(2)
    February 8, 2013
    د. الشفيع خضر سعيد..

    · الحكومة تحاول الفبركة واللف والدوران مستفيدة من الملابسات المصاحبة لمشروع الفجر الجديد، بهدف تصوير ما جاء في الميثاق حول علاقة الدين بالدولة، وكأنه دعوة للفصل الميكانيكي القاطع بين المساجد والحياة العامة

    في الجزء الأول من هذا المقال أشرنا إلى أن الخطاب الحكومي يتغطى بالدين كلما إنكشف حال فعله السياسي. وأشرنا إلى أن هذه الظاهرة تدخل ضمن ما أصطلحنا على تسميته بإشكالية علاقة الدين بالدولة، أو علاقة الدين بالسياسة، وهي الإشكالية التي ظلت مطروقة، وبشدة وإستمرارية، في المشهد السياسي في البلاد. وقلنا أن هذه الإشكالية تدفع المرء للتفكير فيها من عدة زوايا، ولا يمل طرحها حتى وإن تم تناولها من قبل عدة مرات. في مقال اليوم، نواصل مناقشة مجموعة أخرى من زوايا التفكير المشار إليها تلك:

    رابعا: من الواضح أن هيئة علماء السودان، وبعض أئمة المساجد، وكذلك بعض الشيوخ الجدد، نذروا أنفسهم لتسخير مواقعهم وخطابهم الذي يمس مباشرة المشاعر الدينية عند المواطن، وخاصة المواطن البسيط، لدعم مواقف سياسية بعينها وتصويرها وكأنها من أصل الدين والتدين. لكنا نلاحظ أن هذا النفر من رجال الدين ظل خطابه متماهيا مع خطاب السلطة السياسية، مؤيدا كل ممارساتها وأفعالها السياسية، لا يعترض ولا ينتقد، إلا نفر قليل منهم، وهولاء كان مصيرهم إما الزجر أو الطرد أو الإعتقال. أنظر إلى ما حاق بالدكتور يوسف الكودة، رئيس حزب الوسط الإسلامي، والذي جاء على لسانه إنه لم يوقع على وثيقة الفجر الجديد، وإنما وقع مع مالك عقار، رئيس الجبهة الثورية، بيانا مشتركا دعا إلى ضرورة العمل السلمي والتغيير السلمي للسلطة. وأضاف أن البيان شدد على أن أمر شكل الحكم والنظام الذي يجب أن يقوم عليه، ومسألة فصل الدين عن الدولة، هي أمور لا يجب البت فيها بين طرفين، بل يجب نقلها إلى مؤتمر دستوري يحدد كيفية حكم السودان.وأكد الكودة تمسك حزبه بالوحدة الطوعية دون اللجوء إلى خرقها أو الخروج عنها بالقوة. النشاط السياسي للدكتور الكودة، عضو هيئة علماء السودان، ولأنه يخالف رؤى الحكومة القائمة، عرضه لهجوم عنيف وإستعداء سافر من قبل زملائه في هيئة علماء السودان ومن قبل بعض أئمة المساجد. جاء في خطبة إمام جامع الخرطوم الكبير، أن الكودة وقع على مخطط الغروب القديم (أعتقد يقصد مشروع الفجر الجديد) الهادف لتدمير السودان وطمس هويته، وأبان أن الخطوة ليست مستغربة خاصة وأن الكودة له آراء، وصفها بالغريبة والشاذة سيما وأنه روج لاستخدام الواقي الذكري للذين يمارسون الزنا للحد من الإصابة بالإيدز.!! أما تصريح البروفيسور محمد عثمان صالح، الأمين العام لهيئة علماء السودان، فيهمنا فيه قطعه بأن الحاكم، وفي حالتنا الراهنة هي سلطة الإنقاذ، ولاه الله على الناس!! على المستوى العام، أعتقد أن هذه العبارة تنسف من ذهن قارئها كل العمليات والممارسات الواجبة والتي يتم بموجبها إنتخاب الحاكم، بل وتنسف العملية السياسية برمتها. فالرئيس هنا يتحول إلى حاكم/سلطان، ولاه الله على المواطنين، وما على المواطنين إلا الطاعة والتسليم. وإذا فكر الناس في الاعتراض على أي من قرارات الرئيس/الحكومة، فهذا يعني الوقوف ضد سلطة الله الممنوحة لهذا الرئيس/الحكومة. وعلى المستوى الخاص، أعتقد أن العبارة تنسف تاريخ الصراع السياسي في السودان، وتسلب القوى السياسية المختلفة حقها المشروع في الوصول للحكم، وفي البحث عن حلول لمشكلة السودان وفق رؤيتها.

    يا تري، هل ينحصر دور رجال الدين هولاء فقط في مساندة الحاكم، ظالما أو مظلوما، والإعتراض، حد الترهيب، على خطاب المعارضة السياسي؟ هل يعقل أن سلوك الإنقاذ، منذ 30 يونيو 1989 وحتى اليوم، لم يشبه ما يستوجب الإعتراض، أو حتى مجرد لفت النظر، من هولاء الشيوخ والأئمة؟ وبعيدا عن السياسي المباشر، ألم يلحظ علماء الدين هولاء ما استجد في السودان على مستوى الواقع الأخلاقي والقيمي في ظل الإنقاذ ومشروعها الحضاري؟ نحن، نكاد نجزم بأن النظام القيمي والأخلاقي في البلاد آخذ في الانهيار الكامل، وأصبح المجتمع، رغم مظاهر التدين الكثيرة، مليئا بظواهر كلها تشكل قنابل موقوتة، ومعاول لتعميق وتوسيع الهاوية التي يمكن أن ينحط فيها المجتمع. كل هذا، ونفر ليس بالقليل من رجال الدين الحكوميين أصبح همهم هو حصر الدين في المظاهر فقط، وفي البرامج المكرسة لتقديم إجابات سطحية على أسئلة متكررة. فلينظر هولاء إلى الشعب وهو يتسول اللقمة وحكامه يعيشون في رفاه ليس بعده. لقد ضاع الإرث الإسلامي المجيد في زحمة سياسة التمكين، ولم نسمع منهم بأن الناس سواسية كأسنان المشط، أو من أين لك هذا، أو إستعادة معنى ” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.

    ومن زاوية أخرى، إفتراضية، ماذا لو تشكلت هيئة جديدة لعلماء السودان، تضم مجموعة أخرى من رجال الدين الذين يوافقون على أطروحات المعارضة السياسية؟ كيف ستكون المعركة بين هولاء العلماء وأولئك، معركة إقحام المقدس في ما يمكن أن يكون مدنس؟

    خامسا: الحكومة تحاول الفبركة واللف والدوران مستفيدة من الملابسات المصاحبة لمشروع الفجر الجديد، وذلك بهدف تصوير ما جاء في الميثاق حول علاقة الدين بالدولة، وكأنه دعوة للفصل الميكانيكي القاطع بين المساجد والحياة العامة. وتلخص لقاء كمبالا في أنه دعوة للرجوع لعهد البارات والأنادي..! ولكن نقاش هذا الموضوع عند واضعي مشروع الميثاق، وفي الحقيقة عند معظم أطراف الحركة السياسية السودانية، هو في حقيقته أعمق من ذلك، لأنه يتعلق بالبحث عن ضمانات تمنع إستغلال قدسية الدين في الجدال والاختلاف السياسي، ويتعلق ببناء دولة المواطنة التي يتمتع فيها جميع المواطنين بنفس الحقوق والواجبات، غض النظر عن عرقهم أو دينهم أو ثقافتهم أو نوعهم أو تعليمهم أو أميتهم. بلغة أخرى، هو يتعلق بتحقيق أوضاع جديدة لا يحتاج السوداني فيها إلى لحية (دعوني أعيش) أو (من أجل أبنائي) حتى يتسنى له الحصول على وظيفة في ديوان حكومي.

    نحن في السودان نعيش، ومنذ ثلاثة وعشرين عاما، تحت حكم جماعة تقول أنها تحكم بشرع الله، وذقنا الأمرين من ممارسات لا علاقة لها بأي دين. وأيضا أخذنا العبر والدروس من تجارب مأساوية مريرة، مثل التجربة الأفغانية، والتي قدمت نماذجا متوحشة تعكس سوء منقلب إستغلال الدين في السياسة. عموما، أعتقد أن أمر علاقة الدين بالسياسة واضح جدا عند رجل الشارع السوداني، وإزداد وضوحا بعد تجربة الإنقاذ. والفكرة من وراء المطالبة بدولة المواطنة، أو الدولة المدنية الديمقراطية، ليست رفضا للشريعة الاسلامية من حيث المبدأ، كما أنها ليست بالدعوة لطرد الدين من حياة الناس، ولم يبشر أصحابها بهدم المساجد والقباب والأضرحة، أو منع بناء “الزاوية”، إو إلغاء إحتفال المولد النبوي الشريف.. فنحن نعتقد بأنه ليس بإمكان أي سلطة، مهما كانت قوتها وجبروتها، أن تفصل شعب عن ثقافته ومكونات وجدانه. والآن الكرة في ملعب أهل الدين المتحالفين مع السلطة القائمة!: أوقفوا الحرب وردوا الظلامات وأحفظوا الحقوق، مثلما فعل الرسول (ص) مع اليهود.

    والسودان المتوارث عن جدودنا وأسلافنا هو سودان الفوراوي والقرعاني والدينكاوي والأدروبي والشايقي والجعلي…الخ، دافعوا عن كرامة الشعب السوداني التي تداس يوميا…، ما هو حكم الشرع في مطالب أهل السدود ومزارعي الجزيرة وغيرهم؟.. طالبوا بمحاكمة المفسدين وسارقي المال العام الذين يمتصون دماء الفقراء ليكنزوا المال والذهب…إفتحوا شبابيك التفكير بدلا عن فتح باب التكفير….: وعندما تفعلون كل ما يرفع ويعلي من قيم الحرية والكرامة والعدالة لن تجدوا أي معارضة لما تطرحونه بإسم الدين….أما الآن فدعونا ندافع عن حقنا في الحرية والكرامة والعدالة

                  

02-09-2013, 09:28 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)



    هل ثمة أمل في مفاوضات لإيقاف الحرب الأهلية في السودان؟
    February 8, 2013

    محجوب محمد صالح..
    [email protected]

    يسعى الاتحاد الإفريقي عبر اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى (لجنة الوساطة الإفريقية) برئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق تابو إمبيكي إلى عقد جولة مفاوضات مباشرة باديس أبابا الأسبوع المقبل بين حكومة السودان والحركة الشمالية قطاع الشمال للوصول إلى اتفاق سياسي يضع حدا للحرب الكارثية الدائرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وإذا تم هذا الاجتماع في موعده فإنه سيكون أول اجتماع بينهما منذ يونيو عام 2011 حين تم التوقيع على اتفاقية (نافع/عقار) التي رفضها المؤتمر الوطني لاحقا.

    الدعوة التي تقدمها لجنة الوساطة للطرفين لهذا الاجتماع تأتي تنفيذا لقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي أجازه في دورة انعقاده الأخيرة التي انعقدت قبل أسبوعين على مستوى رؤساء الدول في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (25 يناير الماضي) واستمعت إلى تقرير من لجنة الوساطة حول مسار المفاوضات بين حكومتي السودان وجنوب السودان في كافة المسارات بما فيها الوضع في الولايتين.

    التفاوض بين الطرفين على أساس اتفاقية (عقار/نافع) الموقعة آخر يونيو عام 2011 التي رفضها المؤتمر الوطني لاحقا نصت عليه خريطة الطريق واعتمده مجلس الأمن في قراره رقم 2046 الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والملزم للطرفين، وقد قبل الطرفان ذلك القرار وبالتالي وافقا على هذه المفاوضات، مما يعني أن المؤتمر الوطني قد تراجع عن قراره السابق برفض الاتفاقية، غير أن حكومة السودان ما زالت ترهن التفاوض مع قطاع الشمال بتسلمها الوثائق التي تثبت أن حكومة الجنوب قد فكت ارتباطها تماما بقطاع الشمال وقد وعدت حكومة الجنوب بتسليم هذه الوثائق في اجتماع اللجنة السياسية المشتركة بين البلدين والمقرر عقده يوم الأربعاء القادم (13 فبراير)، وهذا يعني أن تفاوض الحكومة مع قطاع الشمال قد لا يتم إذا لم تصل تلك الوثائق أو إذا رأى وفد الحكومة أن الوثائق المقدمة غير كاملة، خاصة والحكومة -أصلا- غير متحمسة للمحادثات المباشرة مع قطاع الشمال، ولهذا فإنني لا أعتقد أن التفاوض سيتم في الموعد الذي قرره الاتحاد الإفريقي، لكن يبدو أن الاتحاد الإفريقي ما زال مصرا على دفع هذه العملية إلى الأمام وأن الأعضاء النافذين في مجلس الأمن الدولي يرون أن الوضع الإنساني قد وصل درجة من السوء لا تحتمل تأخيرا، كما أن الاتحاد الإفريقي يشارك مجلس الأمن الدولي القلق حول الأوضاع الإنسانية والأمنية في الولايتين وما أفرزته من نزوح جماعي، وكان ذلك واضحا في اجتماع المجلس الأخير (25 يناير) إذ خص المجلس الموقف الأمني والموقف الإنساني في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بثلاث فقرات في بيانه الذي صدر في نهاية المناقشات:

    • في الفقرة الأولى أعرب المجلس عن قلقه العظيم من تدهور الأوضاع الإنسانية في الولايتين، وكرر رأيه بأنه من المستحيل حل أزمة الولايتين عسكريا وطالب لجنة الوساطة الإفريقية بأن تتقدم بمقترح للطرفين للاتفاق على وقف فوري للعدائيات، وذلك لتسهيل وصول العون الإنساني للمتضررين في الولايتين مع إنشاء آلية لمراقبة التنفيذ.

    • وفي الفقرة الثانية أكد المجلس ضرورة رفع المعاناة الإنسانية وحث حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال على الدخول في مفاوضات من دون شروط مسبقة بغية الوصول إلى حل سياسي للنزاع.

    • وفي الفقرة الأخيرة أشار إلى الاتفاقية التي توصل إليها الطرفان في يونيو عام 2011 (اتفاقية نافع/عقار) التي اعتمدتها خريطة الطريق أساسا للمفاوضات ومسودة الاتفاق المعد في الشهر الماضي كأساس للتفاوض بين الطرفين، وطلب من لجنة الوساطة أن تدعو الطرفين لجولة مفاوضات مباشرة في موعد لا يتجاوز 15 فبراير (الجمعة) القادمة.

    كل الدلائل تشير إلى أن فكرة التفاوض مع قطاع الشمال تجد مقاومة داخل أروقة الحكومة من جناح ما زال يفكر في الحل العسكري رغم أن السودان قد قبل رسميا البحث عن حل سلمي في إطار الاتفاق السابق، وذلك حينما وافق على القرار 2046 وقد جاءت تلك الموافقة لإدراك الحكومة أن صدور القرار تحت البند السابع واقترانه بتهديد بتوقيع عقوبات على الطرف الذي يعيق تنفيذ القرار الذي أصبح ملزما ومن ثم لم يكن ثمة بديل من الموافقة على القرار واللعب لاحقا على عنصر الزمن ووضع الاشتراطات التي تعيق الطريق لبدء الحوار.

    إذا أحسنت الحكومة قراءة الواقع لأدركت أنه لا بديل للحل السلمي، وأن الحروب الداخلية مهما طال أمدها لا بد أن تعود في نهاية المطاف إلى مائدة الحوار، وأن استمرار الحرب يخلق المزيد من الكوارث والمرارات التي تسهم في تعقيد القضية وفي رفع سقف المطالب الجهوية، وقضية الجنوب تقف شاهدا على أن مثل هذه التوجهات تقود إلى أضرار بالغة، وإذا نجحت الجماعات الباحثة عن حل عسكري في عرقلة جولة المفاوضات القادمة فإن ذلك ستكون له آثار سالبة عديدة، والمسألة ليست مرهونة بتحرك إقليمي أو دولي يضغط على الطرفين، ولذلك لا بد أن تكون هناك قناعة سودانية متوفرة لدى طرفي الصراع لحله سلميا عبر التفاوض؛ لأن ذلك هو ما يحقق مصلحة السودان، وبما أن التفاوض رهين برغبة الحكومة أولا فهي تتحمل المسؤولية عن أي تقاعس يطيل أمد الحرب، وسننتظر لنرى إن كان منتصف هذا الشهر سيشهد تغييرا جذريا يقود إلى بدء مفاوضات جادة أم أن مسلسل التسويف والتأجيل سيتواصل!



    -------------------------


    ماذا يحمل إقرار ذمة البشير ونافع وأسامة عبدالله وكرتي!!! ..

    بقلم: سيف الدولة حمدناالله
    السبت, 09 شباط/فبراير 2013 07:45



    في تقديري أنه لم تكن هناك ضرورة - من الأساس - لسن قانون الثراء الحرام، أو أن تُجهِد الدولة نفسها بموضوع تقديم إقرارات الذمة الذي يتطلب القانون تقديمه من رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه والوزراء والولاة والقضاة وضباط الجيش ..الخ، ذلك أنه من بين الصفات التي أنعم بها الله على شعب السودان أنه يعرف كل شيئ عن ذمة أي شخصية عامة حتى لو كان حكم كرة القدم، فالشعب يعلم – مثلاً – أن ذمة الرئيس البشير حينما بلغ السلطة كانت على البلاطة، ولم يكن يملك من حطام هذه الدنيا ولو سيارة (هلمان 60) مثل أقرانه من أفندية الحكومة في ذلك الوقت، حتى أنه يا عيني، ووفق ما رواه بنفسه، إضطر لإستئجار عربة تاكسي عمومي لتأخذه من منزله إلى القيادة العامة لتنفيذ الإنقلاب، كما أن هناك من المسئولين الآخرين الذين يعرف الشعب بأنهم بلا ذمة من الأصل.


    وما حملني لمعاودة الكتابة عن هذا الموضوع، هو تواتر الأخبار التي نُشٍرت حول هذا الموضوع خلال الأيام الماضية ، ومن بينها قيام الرئيس عمر البشير بتشكيل لجنة لفحص إقرارات الذمة من بين أعضائها المكاشفي طه الكباشي (بتاع الطوارئ) والشيخ أبوقناية وآخرين ، وخبر آخر عن حملة يقوم بها النائب العام تهدف لحمل الوزراء والمسئولين على تقديم إقرارات الذمة الخاصة بهم، كما وقع أيضاً على يدي تصريح لمسئول بوزارة العدل قال فيه بأن هناك عدد من المسئولين الحكوميين قاموا بنقل ملكية العقارات المسجلة في إسمائهم إلى أسماء أشخاص آخرين، وذلك بغرض التحايل على قانون الثراء الحرام بعد أن أعلن النائب العام عن عزمه على "تفعيله" خلال الأيام القادمة.


    الحقيقة أن النائب العام لو أراد خيراً بهذا الشعب، فعليه أن يستمر في تعطيل تطبيق قانون الثراء الحرام، برغم أننا لا نعرف من أين جاء النائب بسلطة تعطيل القانون إبتداءً حتى تكون له سلطة تفعيله، فليس من العدل أن تقدم إليه إقرارات الذمم بعد كل ما حدث لها من إنتفاخ، فالذمم المالية التي ينبغي أن يقدم بشأنها الإقرار هي ذمم 1989 وليس ذمم 2013، والقول بغير ذلك يضفي مشروعية على إكتساب تلك الأموال، ومثل هذه النتيجة تسمى في القانون "غسيل الأموال".


    في ذلك، أن قانون الثراء الحرام قد جعل الأساس في تقرير مشروعية الأموال الموجودة في ذمة الموظف العام، هو حصرها – فقط - بما يطرأ من (زيادة) على ما هو مدون في إقرار الذمة الخاص بالموظف، فإذا تقدم وزير - مثلاً - بإقرار ذمة يفيد بأنه يتملك ثلاثة عمارات بمدينة الرياض وفيلا بالمنشية ومزرعة بالباقير وثلاثة سيارات دفع رباعي، يكون إقراره سليماً ومن ثم تقوم اللجنة بقيده كما هو ومعه تعظيم سلام، دون أن يكون لها الحق في سؤاله عن مصدر تلك الممتلكات، ولكن تكون للجنة سلطة سؤاله عن شرعية حصوله على سيارة الأتوس المستعملة التي يرد ذكرها عند تجديده لإقرار ذمتة بعد مرور عام على ذلك.
    والثابت بالقطع، أنه وحتى تاريخ 28/12/2006 لم يحدث أن تقدم مسئول حكومي واحد بإقرار يوضح ما في ذمتة المالية من ممتلكات، وقد وردت هذه الحقيقة بلسان الأستاذ الهادي محجوب مكاوي رئيس إدارة الثراء الحرام بديوان النائب العام الذي أجريت معه مقابلة صحفية في ذلك التاريخ بجريدة الصحافة، ولا يدري أحد على وجه اليقين متى تقدم أي منهم بتقديم إقرار ذمة بعد ذلك، بيد أن الذي يُفهم من تصريحات النائب العام، أنه لا يزال هناك من لم يتقدم بإقرار الذمة حتى كتابة هذه السطور.


    والحال كذلك، فلا ينبغي أن ينطلي الحديث عن "تفعيل" هذا القانون بعد تعطيله لربع قرن، فهذه كذبة كبيرة، ويخطئ من يعتقد بأن هذا النظام يمكنه محاسبة مسئول، فهذه مهمة مستحيلة، لأنه ليس هناك من له ذمة نظيفة من بين أركان النظام ليقوم بمساءلة غيره، فالنظام يخشى أن تتدحرج كرة المحاسبة لأنه يعلم بأنها لن تتوقف، ويعلم بأن كل فاسد تتم محاسبته سوف يكشف فساد مائة يقفون خلفه ومثلهم أمامه، سواء تم ذلك بقانون الثراء الحرام أو الحلال.
    ولكن يبقى السؤال، هل تستطيع حتى الحكومة القادمة محاسبة الفساد الذي جرى في هذا العهد !! وهل تستطيع أن تسترجع الأموال التي تم نهبها !!
    الإجابة على هذا السؤال ليست بالسهولة التي يُطرح بها، وتاريخ ثوراتنا السابقة يجعلنا لا نُسرف في التفاؤل، فقد قامت الحكومة الإنتقالية للإنتفاضة 1985 بإجراء تسويات مالية مع الذين وُجهت اليهم تهماً بالفساد في عهد مايو، حيث قاموا بموجبها بدفع مبالغ مالية لم تشكل سوى جزء يسير مما حصلوا عليه من فسادهم، ولم يتم تقديمهم لمحاكمات، وقد فعلت الحكومة المنتخبة بعد ذلك (إئتلاف الأمة والجبهة الإسلامية) ما هو أسوأ من ذلك، حيث قام النائب العام (حسن الترابي) بإساءة إستخدام السلطة الممنوحة له بموجب القانون (المادة 215 قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1983) بوقف محاكمة وزير البترول ومساعديه الذين كانت قد وجهت إليهم المحكمة أكبر تهم فساد في تاريخ السودان الحديث حتى ذلك الوقت.
    كما يزيد من تعقيد هذا الموقف، ما قامت به الإنقاذ – تحسباً لمثل ذلك اليوم – من تعديل لقانون الإجراءات الجنائية الحالي بإدخال مواد تقضي بسقوط الجرائم بالتقادم، وقد مضت على معظم جرائم الإنقاذ الكبرى المدد الكافية لسقوطها بهذا التقادم، وسوف يخرج كثير من متنطعي القانون وبينهم خصوم لهذا النظام – كما حدث في السابق – لينادوا بالتمسك بحرفية قواعد العدالة التي تقضي بعدم سريان القانون بأثر رجعي .


    ونحن نتمنى أن يختلف الأمر هذه المرة، فلا بد أن يقتص شعبنا لنفسه من هذه المخلوقات التي سرقت عمره وهدمت أحلامه ، وجلبت عليه كل هذا الدمار، فلن يتعافى الوطن بلا محاسبة وبدون قصاص عن تلك الجرائم، وقد أتيحت لكاتب هذه السطور فرصة التباحث مع الأستاذ علي محمود حسنين حول هذه المواضيع، وقد وقفت على الجهد المقدر الذي قام به في صياغة مسودة بالقوانين التي تضمن معالجة كل الثغرات التي تتيح إفلات المجرمين، وسوف نقوم قريباً بإستعراض ما ورد في تلك المسودة لنتيح فرصة مناقشتها، كما أن هناك من أبناء الوطن من يعملون الآن على رصد وتوثيق المعلومات والجرائم والمخالفات والسرقات التي وقعت في هذا العهد وأسماء الأشخاص الضالعين فيها، و..... حتماً سوف نقتص من هؤلاء المجرمين، فليوفروا على أنفسهم مشقة تقديم إقرارات هذه الذمم المخرومة.


    لقد سبق لنا ختم مقال سابق كُتب في ذات السياق، بتناول قصة تُروى في سيرة سيدنا عمر بن الخطاب، ولا أجد أفضل منها لأختم بها هذا المقال أيضاً، فقد رُوي أن الخليفة العادل رأى أبوبكر الصديق - وكان أميراً للمؤمنين - يخرج من خيمة تعيش فيها أرملة فقيرة مع أيتامها الصغار، فلما خرج أبابكر ، دخل عليها عمر وسألها : ماذا كان يصنع عندك هذا الشيخ ؟؟ فقالت له : “جاء إلينا ليصنع لنا طعامنا ويكنس بيتنا ويحلب شياهنا ويغسل ثيابنا” فجلس عمر على الأرض وقال وسط دموعه : ”لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبابكر”. ونحن نقول لأميرنا هذا: لقد أتعبتنا يا عمر.




    -----------------

    احداث جامعة الخرطوم وضرورة وقف العنف


    02-07-2013 11:37 PM
    تاج السر عثمان


    *جاءت احداث جامعة الخرطوم التي تم فيها حرق داخليات الوسط لتؤكد ضرورة وقف العنف في الجامعة واقتلاعه من جذوره، والتضامن الواسع مع طلاب جامعة الخرطوم ودعم مطالبهم من اجل استقرار الجامعة وتقصي الحقائق في حريق الداخليات وجعل جامعة الخرطوم خالية من الاسلحة النارية والبيضاء، وساحة للحوار الفكري والسياسي والاكاديمي ومركز للاشعاع في المجتمع، وتعويض الطلاب المتضررين، وأن تتبع الداخليات الي ادارة جامعة الخرطوم.
    النظام الراهن يقوم علي العنف ويخرق قانون الاحزاب *
    ان طريق العنف الذي انتهجته مليشيات المؤتمر الوطني ضد الطلاب وقمع مسيرات المواطنين السلمية مسدود ، ولن يخدم قضية سوي صب الزيت في النار لتزداد اشتعالا، وهذه المليشيات المسلحة بالاسلحة النارية والبيضاء هي نتاج النظام الحالي.
    معلوم أن النظام الحالي هو نتاج لحركة الاسلام السياسي في السودان تلك الحركة التي قامت علي الاستعلاء الديني والعنصري وقهر المرأة ومعاداة الديمقراطية والشيوعية والتقدم ، وادخال العنف في الحياة السياسية حتي دبرت انقلاب 30 يونيو 1989م،


    وقبل الانقلاب لم تبذل الحركة الاسلامية جهدا معتبرا في دراسة واقع السودان وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية وتطوره التاريخي، ولم تقدم رؤي منتجة وفعّالة لحل مشكلة الأقليات في السودان، وقضايا الاصلاح الزراعي والصناعي والتعليم والصحة ..الخ، وعندما وصلت تلك الحركة للسلطة لم تفعل شيئا سوي أنها تبنت سياسة الاقتصاد الحر في ابشع صوره، وخصخصة القطاع العام، و(روشتة) صندوق النقد الدولي بسحب الدعم عن التعليم والصحة والخدمات والسلع الأساسية، وهي سياسات افقرت الشعب السوداني بحيث اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، حتي اصبحت الحياة لاتطاق تحت ظل الارتفاع الجنوني للاسعار وتكاليف المعيشة مع ثبات الأجور، وانتشار الفساد بشكل غير مسبوق في البلاد، كما دمرت هذه السياسات القطاع العام عن طريق الخصخصة وتم تدمير وبيع مرافق السكة الحديد ومشروع الجزيرة والنقل النهري ، وبيع اراضي السودان الزراعية للشركات الأجنبية، وتدمير القطاعين الزراعي والحيواني والصناعي. ولم يتم تخصيص جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والخدمات حتي تم فقدان 75% من عائداته بعد انفصال الجنوب، كما تم تدمير الخدمة المدنية من خلال تشريد الالاف من الكوادر المؤهلة والمدربة لاهداف سياسية، وادخال نظام التعذيب الوحشي حتي الموت للمعتقلين السياسيين، كما عمّق التفرقة العنصرية ومزق وحدة البلاد وفرط في سيادتها الوطنية( احتلال حلايب من قبل مصر، وأجزاء من شرق وجنوب شرق السودان بواسطة اثيوبيا وكينيا..)، وتم فصل جنوب السودان ، اضافة لاشعال الحروب العرقية في دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وابيي واستمرار التوتر بين دولتي الجنوب والشمال بعد الانفصال.


    ويعبر هذا النظام عن مصالح شريحة رأسمالية اسلاموية طفيلية فاسدة حتي نخاع العظم
    ، وتناسلت وتكاثرت داخل تلك البحيرة الراكدة التنظيمات السلفية الارهابية التي تكّفر رموز الحركة السياسية السودانية المعارضة للنظام، وتهدم القباب وتحرق الكنائس، وتعمق الخطاب العنصري الاستعلائي الذي يفتح الطريق للابادة الجماعية للمجموعات العرقية غير العربية في هامش البلاد.
    ولم تقدم الحركة نموذجا للتنمية يحتذي به رغم وجودها في السلطة لأكثر من 23 عاما ، وحتي الصيغ الاسلامية التي قدمتها كانت فاشلة مثل نظم: البنوك الاسلامية( زيادة الربا) ، ونظام السلم، والزكاة، ولم تسهم تلك النظم في التنمية وخلق نظام اجتماعي عادل.


    تكرار تجارب الفاشية والنازية باسم الاسلام ، ويتضح ذلك من استخدام ابشع اساليب الاعتقالات والتعذيب الوحشي وتشريد الالاف من اعمالهم ومحاولة محو التاريخ السوداني من الذاكرة السودانية وفرض مناهج للتعليم تكرس لايديولوجية التنظيم الاحادية وضيقة الافق، وتضخيم الاجهزة الأمنية وزيادة ميزانيتها لتصل الي اكثر من 75% من الميزانية العامة وتقليل ميزانيتي التعليم والصحة، والصرف الضخم علي جهاز الدولة والاعلام المتضخم وارتباط الحزب بالدولة ، والسيطرة علي النقابات وربطها بالدولة عن طريق مايسمي بنقابة "المنشأة " وتزوير انتخابات نقابات العاملين والمهنيين واتحادات الطلاب والانتخابات العامة، واستخدام العنف وحرق الجامعات في حالة السقوط في انتخابات اتحادات الطلاب كما حدث في جامعتي سنار والبحر الأحمر، وصرف من لايخشي الفقر علي تلك المهازل المسماة زورا انتخابات، اضافة لتوسيع قاعدة القمع بذرائع ايديولوجية والمضايقات الشخصية للمواطنين واصحاب الديانات المسيحية وكريم المعتقدات عن طريق مايسمي بقوانين النظام العام، اضافة الي الغاء ونفي الآخر،وفرض حالة الطوارئ في مناطق جنوبي النيل الأزرق ووكردفان وولاية سنار وجنوب النيل الأبيض، واصدار المزيد من القوانين المبهمة المقيدة للحريات مثل قانون "رد العدوان"، وتحويل حروب الجنوب وجنوبي النيل الأزرق وكردفان ودارفور الي حروب دينية.
    ومن سمات النظام نقض العهود والمواثيق كما حدث في اتفاقيات السلام من الداخل ، وجيبوتي ونيفاشا والقاهرة وابوجا، وحتي اتفاق الدوحة الأخيرة الذي اعلن د. السيسي في البرلمات أنه بات في مهب الريح بسبب عدم التمويل.


    *النظام مصيره الي زوال


    يتجه النظام في مرحلة افوله الحالية وتمزقه الداخلي كما فعل نظام نميري في ايامه الأخيرة الي مصادرة الحريات كما هو الحال في مصادرة الصحف كما حدث لصحيفة "الميدان"، ومنع عدد من الكتاب من الكتابة في الصحف، واصدار المزيد من القوانين المقيدة للحريات، واغلاق المراكز الثقافية، وقمع المسيرات السلمية باستخدام العنف المفرط كما تم في احداث طلاب جامعة الخرطوم الأخيرة. والسير في المزيد من اثقال كاهل المواطنين بالزيادات في اسعار السلع الضرورية ، والمزيد من خصخصة مرافق القطاع العام كما حدث بالنسبة لمصانع السكر، ومحاولة فرض مايسمي بالدستور الاسلامي المزيف.، والمزيد من اشعال نيران الحرب في دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان، واستخدام سلاح تكفير القوي السياسية من ما يسمي بهيئة "علماء السودان ". والتهديد ، كمن يهدد السمكة بالماء، بحل أحزاب تحالف" قوي الاجماع الوطني" التي اوضحت رؤيتها في وثيقة" الفجر الجديد " أنها تسعي لاسقاط النظام بوسائل النضال الجماهيري كما جاء في وثيقة "البديل الديمقراطي".
    ويستمر اتساع المقاومة والاحتجاجات الجماهيرية التي اصبحت متنامية والتي من خلال تراكمها اليومي تفضي الي الانتفاضة الشاملة ضد النظام مهما كانت قوانينه القمعية وجبروت ترسانته العسكرية.

    تاج السر عثمان
                  

02-10-2013, 09:02 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الخرطوم: جامعة خلف القضبان: قصة خمسة وأربعين عاماً من الأسر .
    . بقلم: الساري سليمان
    الأحد, 10 شباط/فبراير 2013 12:05


    [email protected]


    في 8/فبراير/1902م افتتح اللورد كتشنر كلية غردون التذكارية، تخليداً لذكرى عظيم بريطانيا الذي لقي حتفه على يد ثوار المهدية في 26 يناير 1885م. كانت كلية غردون في ذلك الحين مجرّد مدرسة إبتدائية. في عام 1905م تمّ تطبيق نظام الدراسة الثانوية لتخريج مسّاحين ومساعدي مهندسين بالإضافة للقسم الخاص بالمدرسة الحربية. ومن دون الخوض في التفاصيل الدقيقة لحركة التطور التاريخي لجامعة

    فإنّها قد شهدت سلسلة متلاحقة من الإضافات، من اهمّها إفتتاح مدرسة كتشنر الطبية في 29/2/1924م وكانت قائمة بذاتها، ثمّ تلتها على الترتيب، كليات البيطرة، الهندسة، ثمّ الآداب والحقوق، حتى تمّ تجميع كل هذه الكليات في كليّة واحدة سميّت بكلية الخرطوم الجامعية في العام 1951م. كانت مناهج كلية غردون، منذ العام 1937 م، مرتبطة بامتحان الشهادة الثانوية بجامعة كمبردج ببريطانيا، حيث الحصول على هذه الشهادة يؤهل الطالب للدراسة في الجامعات البريطانية. وفي عام 1956 أخذت اسمها الحالي؛ جامعة الخرطوم، وبذلك أصبحت أول كلية إفريقية مرتبطة بجامعة لندن تتحول إلى جامعة مستقلة تمنح شهادتها الخاصة. وتضم حتي الآن حوالى 21 كلية و12 معهد. قصدنا من هذه الفذلكة التأريخية،

    الإشارة إلى أنّ جامعة الخرطوم قد مرّت بكل المراحل اللازمة، واستوفت كلّ الشروط الضروريّة التي يجب أن تستوفيها كي تصبح جامعة محترمة كما هو التقليد السائد في الصروح الجامعية العريقة مثل السوربون وجامعة لندن، فالجامعات لا تقوم هكذا كالأعاصير، في ليلة واحدة، مثل فورة الإنقاذيين التي أسموها ثورة التعليم العالي، فلا هي ثورة ولا هوّ تعليم. من خريجي هذه الجامعة من رفع رأس الوطن والمواطن السوداني عالياً وجعله يتباهى بإنتمائه لأمّة أنجبت هؤلاء الجهابذه الذين تجاوزت معارفهم وفاق صيتهم حدود الوطن، ومن خريجيها أيضاً، وللأسف الشديد، من مسح بكرامتنا الأرض وجعلنا نتوارى خجلاً لمجرّد أننا ننتمي إلى أُمّة خرج من أصلابها "هؤلاء الناس".


    من الصنف الأول، علي سبيل المثال لا الحصر، محجوب عبيد وعبدالملك محمد عبد الرحمن ومعاوية شداد في الفيزياء، وأبوسليم ويوسف فضل في التاريخ وتوثيق ذاكرة الأمة، وعبد الله الطيب والطيب صالح في الأدب واللسانيّات، داود مصطفى والضو مختار في الطب، ومحمد هاشم عوض ومأمون بحيري وعلي عبد القادر وبشير عمر في الاقتصاد، وأكولدا مان تير في القانون، وآدم الزين في الإدارة العامة، وغيرهم من الفطاحلة في البيطرة والزراعة والهندسة الذين صاروا صوىً للسراة في طريق العلم والحق. أمّا الصنف الثاني، فلست على إستعداد أن أدنّس هذه السطور بأسمائهم، وما حدث ليلة الجمعة، نكون في غاية الحشمة، لو وصفناه بعبارات مثل الخزي والعار والندالة والخسّة، "ربّنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا". جامعة بكل هذه الخلفية وبكل هذا العطاء، لماذا ترسف دوماً تحت الأغلال وتتعرض باستمرار للضربات المتتالية؟ ولماذا تثير الهلع في نفوس الحكومات القمعية، ولماذا يصل الأمر إلى هذه الوحشية، لدرجة ترويع الآمنين، وحرق مساكن الطلاب وممتلكاتهم، دون أن يتعرض الجناة لأيّ محاكمة؟.


    هل لأنّ طلاب جامعة الخرطوم كانوا وراء ثورة 21 أكتوبر 1964 م التي أطاحت بنظام الفريق عبود، ولعبوا دوراً بارزاً في انتفاضة 6 أبريل 1985 م التي أطاحت بنظام نميري، وكان لهم العديد من الشهداء في صدامات دامية ضد جميع الديكتاتوريات العسكرية التي تعاقبت على حكم السودان بما فيها النظام الحالي؟. إن كان الأمر كذلك، فإنّ النفور من الإستبداد، والتصدّي للقضايا الوطنية، والتضحية من أجلها، فضائل موروثة في أدب الجامعة منذ خليل فرح وعلي عبد اللطيف، مروراً بالقرشي وسليم والتاية وليس آخرهم محمّد عبد السلام. الخطير في هذه الأحداث بحسب بيان صادر من طلاب الجامعة، أنّ الذين أقتحموا داخليات مجمع الوسط قد استخدموا (الاسلحة النارية "مسدسات" بالإضافة لقنابل الملتوف والسيخ والسواطير)،


    وللسواطير هذه قصة طريفة ومعروفة. وبحسب بيان آخر صادر من تجمع أساتذة جامعة الخرطوم، أنّ "هذا السلوك الهمجي الذي درجت عليه جهات، تدل المؤشرات لعلاقتها بالسلطة الحاكمة". ولا تعليق على ذلك. من الظواهر الملاحظة في الجامعة، أنّ هناك طالب من هذه الفئة، متواجد بالجامعة لما يربو علي الخمسة عشر عاماً، طالبٌ ملتحٍ، واسع العينين، وبنظرة فارغة من أيّ مضمون، تراه يحدّق في الفراغ الكبير منطلقاً من فراغ أكبر، إسمه يحمل معاني الوعيد والإنباء بمصير غاتم، تتجمع حوله مجموعة من الجلاوذة العتاولة، الذين ترسل أعينهم شواظاً كأنّهم سفراء الجحيم. بهم غلظة في النفوس وبلادة في الطبع تتناسب مع المهمّة التي تمّ إنتدابهم لها. وصف بيان الطلاب، الجامعة بالجميلة، وهي جميلة، بل حسناء فاتنة ورقيقة، لكنّها وقعت تحت قبضة الأوغاد، يتعاقبون عليها واحد تلو الآخر، لا يردعهم رادع من ضمير أو دين، كلّما استجمعت أنفاسها انقضّوا عليها من جديد، كأنّما لديهم معها قصّةَ ثأرٍ قديم، يا للبشاعة!، ظلّت على هذه الحال ترسف في أغلال أسرها وتقبع وراء قضبانها خمسة وأربعون عاماً هي عمر الأنظمة الشمولية في السودان.


    الناظر إلى أسوار الجامعة في السنوات الأخيرة، يجد أنّ هناك إهتماماً مبالغ فيه وتوسّع زائد عن الحاجة في الأطواق الحديدية، وإحكام كامل للمداخل والمخارج حتي لتبدو كأنّها ثكنة عسكرية أو مخفر بوليسي. أمّا أخبار الإكتشافات العلمية والبحوث، والإضافات الجديدة في ساحة العلم والمعرفة، فهي مهمّة ثانوية ولا تشغل بالاً.


    الذين لديهم إهتمام بالإقتصاد السياسي الدولي وإقتصاديات التنمية، يعرفون الدكتور ها-جوون جانغ وكتابه زائع الصيت "ركل السلّم" Kicking Away the Ladder الذي ذهب فيه إلى أنّ الدول الغنيّة لكي تصبح غنيّة، استخدمت كل ميزات السياسات التدخلية والإجراءات الحمائية لتعزيز الموقف التنافسي لمنتجاتها في الأسواق الخارجية -أي استخدمتها كسلّم- ولمّا وصلت قمّة الثراء والعظمة، ركلت هذا السلّم بعيداً حتى تمنع الدول النامية والفقيرة من استخدامه وسيلةً للصعود، وذلك بتبنّي سياسات تحريرية أدواتها منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وغيرها من مؤسسات الرأسمالية العالمية. هذا النموذج ينطبق تماماً على قادة الإنقاذ، الذين استفادوا من كلّ الميزات التي يوفرها التعليم الحكومي المجاني، الذي لو لاه ما قامت لهم قائمة، ولمّا وصلوا إلى قمّة السلطة والثراء سحبوا كلَّ هذه الميزات وتركوا أبناء الفقراء يتعاركون بالسيخ والسواطير في ساحة الجامعة، ويشعلون اللهب على ما تبقي من مبانيها.
    Joomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.Com
                  

02-11-2013, 08:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الكُرَةُ في مَلْعَبِ الرَّئيس: تفكُّك الدَّولة السُّودانية: السِّيناريو الأكثر تَرجيحاً


    02-11-2013 09:50 AM
    د. الواثق كمير


    مقدمة
    1. تظل الأزمات السياسية المتلاحقة هي السمة الرئيس والمميِّزة للفترة الانتقالية منذ انطلاقها في يوليو 2005، في أعقاب إبرام اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير 2005. فمنذ نهاية الفترة الانتقالية وانفصال الجنوب، تشهد البلاد مآزق مستمرَّة ومتتابعة على نطاقٍ غير مسبوق، ومناخ سياسي محتقن ومتوتر. فالآن هناك استقطاب “رأسي” حاد وملحوظ بين الحكومة من جهة، والمعارضة السلمية والمسلحة، على حدٍ سواء، وبعض منظمات المجتمع المدني والتكتلات الشبابية، من جهة أخرى. أيضاً، هناك الانشقاقات والانقسامات “الأفقية” داخل الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والحركة الإسلامية، والتي ويا للمفارقة، أتت بالحزب إلى سُدَّة الحُكم، والحركات المسلحة، وتواتر معلومات عن تذمُّرٍ وتمَلمُلٍ داخل القوات المسلحة، مع تنامي الولاء القبلي والعرقي، وظهور الجهاديين والجماعات الإسلامية المتطرِّفة وتصاعُد نشاطاتهم العنيفة والمرعبة. ويتجلى هذا الاستقطاب السياسي الحاد في النزاع المسلح وتدهور الوضع الأمني في دارفور بوتيرة متسارعة، والحرب الدائرة في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتردِّي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد، والعلاقة المتوترة مع الجنوب، وشبح الحرب يلوح في الأفق بين السُّودانَيْن، وفوق ذلك كله، كيفيَّة التعامُل مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة.

    2. حقيقة، هذا الوصف للواقع الماثل أمامنا لا تخطئه عين، بل يلحظه ويراه المراقب، ولا تستقيم معه أي مكابرة أو عنادٍ أو إنكار. فلا حديث يدور في مجالس أُنس المواطنين العاديين سوى هذا المشهد السياسي المحتقن، ومآلات وسيناريوهات المستقبل، وما تحمله الأيام في جوفها من شكوكٍ وتخوُّفات! في ضوء هذه التطوُّرات الخطيرة، فإن المرء لا يملك إلاَّ التفكير في ثلاثة سيناريوهات للتغيير المتوقع والمنتظر.

    السيناريو الأول: الإبقاء على الوضع الراهن

    1.1 أن يستمرَّ الوضع الراهن، ولو بتغييرات بسيطة وسطحية في الشُخُوص والمواقع وبعض السياسات، استجابة لنداءات الإصلاح من داخل الحزب الحاكم والحركة الإسلامية وتهدئة عضويتها الساخطة، دون مساسٍ جوهري ببنية السلطة وتركيبة الحُكم. بالطبع، هذا السيناريو مرهونٌ بقدرة الحزب الحاكم على أن يظل ممسكاً بمفاصل السلطة، ومهيمنا على مؤسسات الدولة، وعلى سيطرته في التحكم والمناورة لاستقطاب بعض القوى السياسية لجانبه والمحافظة على شبكة الولاء patronage القبلي والإثني، بما في ذلك الجيش، واستمراره في اختراق وتقسيم المعارضين له، سواء في الأحزاب السياسية أو الحركات الحاملة للسلاح. فقد يلجأ المؤتمر الوطني إلى استخدام ترسانته الذاخرة بالتكتيكات للوقيعة بين المعارضة المسلحة والسياسية، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة حملتها العسكرية ضد الحركات المسلحة، من خلال الاستفادة من حرص المجتمع الدولي على تفادي الانهيار العنيف لنظام الحكم، بل والدولة نفسها، أو اندلاع حربٍ جديدة بين السُّودان وجنوب السُّودان. كما يُعوِّل الحزب الحاكم على الموقف الداعم من الصين وروسيا في مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، فقد يرضخ النظام أيضاً لبعض الضغوط والمطالب من المجتمع الدولي، مع الاستفادة من قرار الاتحاد الأفريقي بشأن تضامُن الدول الأفريقية مع السُّودان، وامتناعها عن التعاون مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة. ويبدو أن الهدف النهائي للمؤتمر الوطني يكمُنُ في كسب الوقت حتى يحين موعد الانتخابات العامة المقرَّر إجراؤها بنهاية عام 2014، مما يضع الأحزاب السياسية في مواجهة الأمر الواقع، وما من شأنه أن يزيد من ضعف وانقسام القوى المعارضة. من ناحية أخرى، فإن قيادة الحزب الحاكم تعتقد بأن المجتمع الدولي سيدعم، ويثنى على النظام لتنظيم الانتخابات كآلية مقبولة للتداول السلمي للسلطة.

    1.2 ومع ذلك، تشير العديد من المؤشرات إلى صعوبة، إن لم يكن استحالة استدامة هذا الوضع. فلن تكن المشاركة في هذه الانتخابات مقبولة للقوى السياسية المعارضة في ظلِّ إصرار المؤتمر الوطني على الانفراد بالسلطة والهيمنة التامة على مؤسسات الدولة، بينما لا تزال القوانين المقيدة لحرية التنظيم والتعبير والتواصل مع القواعد والجماهير سارية المفعول. وهكذا، سيكون هذا السيناريو قصير الأجل، أياً كان الوقت الذي يستغرقه. وحتى مُنَظِّري الحزب الحاكم يعترفون بأن «نظام الحزب الواحد غير قابل للاستدامة، وأنَّ وجود المُعارضة في النظام السياسي يمثل كابحاً للطُّغيان، يوفِّر البديل للحكومة» (أمين حسن عمر، قناة السودان الرسمية، برنامج مساء الخميس، 10/01/2013). فلقد نبه رئيس مجمع الفقه الإسلامى، الدكتورعصام أحمد البشير، إلى أنه ليس بمقدور أي حزب أو كيان أو جماعة الاستفراد بالحكم عندما قال:" لا يوجد حزب أو جماعة لديها شيك على بياض" (حفل تدشين كتاب "الربيع العربى..ثورات لم تكتمل"، قاعة الصداقة، 31/1/2013).

    1.3 ببساطة، فإن هذا السيناريو لا يؤدي، بأي حالٍ من الأحوال، إلى التحوُّل الديمقراطي، كما لا يُعَدُّ أو يُشكِّل مخرجاً آمناً من الأزمة الوطنية المستفحلة والمتفاقمة في البلاد.

    1.4 فلا يمكن للمؤتمر الوطني، في ظلِّ ما يعانيه من تصدُّعات، أن يستمر في القتال في عدة جبهات، تتزايد يوماً بعد يوم، وأن يُبحر ضد الرياح، ويعمل عكس كل التوقعات. لا شكَّ أن تدهور الوضع الاقتصادي وتراجُع إيرادات الدولة تقيِّد قدرة الحزب في الحفاظ على شبكة الولاء والرعاية واسعة النطاق، على المستويات السياسية والعرقية والقبلية والعسكرية والأمنية، والتي يعتد بها في مواجهة خصومه. أيضاً، لا يمكن للنظام أن يستمر في التعويل على التردُّد الملحوظ للمجتمع الدولي في دعم هدف المعارضة المدنية والعسكرية المُعلن لإسقاط النظام. فالمجتمع الدولي دوماً له أهداف متحرِّكة بحسب الوضع السياسي المتغيِّر على الأرض.

    1.5 من ناحية أخرى، يبدو كما لو أن المؤتمر الوطني يُصِرُّ بعنادٍ على احتكار سلطة الدولة وعلى الاستبعاد الكامل والإقصاء للقوى السياسية الأخرى، بذريعة شرعيَّة الترتيبات الدستوريَّة القائمة على اتفاقية السلام الشامل ونتائج الانتخابات العامة في أبريل 2010 ، في حين تتمترس المعارضة السياسية والمسلحة، إزاء هذا العناد، في موقفها الذي يهدف إلى قلب نظام الحكم. أكد “ميثاق الفجر الجديد”، الذي وُقِّع مؤخراً بين الجبهة الثورية السودانية وقوى الإجماع الوطني، على اللجوء إلى الوسائل السياسية والعسكرية، على حدٍ سواء، لتحقيق هذا الهدف. حقيقة، هذه لعبة صفريَّة يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة، ولا يوجد فيها طرفٌ منتصر، بل خاسرٌ وحيد هو الوطن، ويمكن أن تتحوَّل هذه الأوضاع إلى سيناريو ثانٍ أكثر خطورة:

    السيناريو الثاني: تفكك الدولة

    2.1 يفترض هذا السيناريو تصاعُد العمل المسلَّح، في شكل حرب العصابات، أو الزحف على مركز السلطة، بهدف ممارسة ضغوط متواصلة، جنباً إلى جنبٍ مع جهود المعارضة السلمية، التي تقوم بها بقية القوى السياسية السودانية، من أجل إسقاط النظام في الخرطوم. ومع ذلك، لا يمكن للنضال المسلح أن يحقق هدفه المتمثل في الإطاحة بالنظام بدون دعمٍ سياسيٍ من كل القوى السياسية العازمة على التغيير، بما في ذلك الإسلاميين بمختلف أطيافهم. يفترض إسقاط النظام، من واقع التجربة السُّودانية في 1964 و1985، توافُق وإجماع كل القوى السياسيَّة. في كلا التجربتين، بارك الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة الانتفاضة الشعبيَّة، بينما كان “الإسلاميون”، بمختلف أطيافهم، من ضمن القوى والجموع التي خرجت للشوارع، مندِّدة بالنظام العسكري ومنادية بسقوطه، ولو في مراحل مختلفة من عملية الثورة. ففي عام 1995، عندما تمَّ التوقيع على إعلان أسمرا للقضايا المصيريَّة، توحَّدت تقريباً كل القوى السياسيَّة السُّودانية في الدعوة إلى “اقتلاع” النظام من خلال تكامُل الوسائل السياسية والعسكرية. في المقابل، حالياً نجد أن هذه القوى، ضعيفة ومنقسمة على نفسها كما ينبئ حالها، إما أضحت جزءً من الحكومة، أو تدعم بفتور سافر أي محاولة لإحداث تغيير جذري.

    2.2 على الصعيد العسكري، بالرغم من قرار بعض الشخصيات المعارضة للانضمام إلى الجبهة الثورية السُّودانية، لا يبدو أنه قد أتى بقيمة مضافة، أو غيَّر صورة الجبهة في أعيُن كثير من الناس، إذ لا يزال يُنظَرُ إليها كمنبر حصري للمُهمَّشين على أساسٍ عرقي وإثني، أي أنه يعبِّر عن “متلازمة الجنوب الجديد”. في حين تدعو الجبهة كل القوى السياسيَّة السُّودانية للانضمام إلى صفوفها، و“رفض مسار التسوية السياسيَّة الجزئيَّة مع نظام حزب المؤتمر الوطني، واعتماد نهج شاملٍ لتغيير النظام في مركز السلطة بالخرطوم”. ولكن، في ظِلِّ الوضع السياسي الراهن، لا يوجد توافُقٍ في الآراء بين القوى السياسيَّة السُّودانية على هدف “إسقاط النظام” من خلال العمل المسلَّح، من جهة، وافتقار الجبهة الثوريَّة لوضوح الرؤية والنهج بشأن التعامُل والتحاوُر مع هذه القوى في ضوء الاختلاف في الرأي حول طرق التغيير، من جهة أخرى. وبغضِّ النظر عن إعلان الجبهة الثوريَّة التزامها بتكامُل النضال المسلَّح مع العمل السياسي والمدني، إلا أنه منذ أيام التجمُّع الوطني الديمقراطي، ظلَّ هذا التكامُل مجرَّد شعار وهدف بعيد المنال. كما أنه يفتقر إلى المنهجيَّة الواقعيَّة، أو آليَّة للتنفيذ على أرض الواقع. فالجبهة لم تكشف النقاب عن أي إستراتيجيَّة واضحة في هذا الصدد.

    2.3 فباستثناء التصريحات المعمَّمة عن ضرورة التعامُل مع القوى السياسيَّة المعارضة، لم يتم تحديد آليات بعينها لهذا الغرض، أو تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن. فعلى الرغم من أن التوقيع المتعجِّل على “ميثاق الفجر الجديد” بين الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني يمثل خطوة متقدِّمة نحو الاتفاق على برنامج سياسي مشترك للمعارضة، إلاَّ أن هذه الخطوة فشلت في تقديم الدعم السياسي اللازم للعمل المسلح، والذي سبق أن وفَّرته معظم القوى السياسية، تحت مظلة التجمُّع الوطني الديمقراطي، للجيش الشعبي لتحرير السودان، والمقاومة المسلحة بشكل عام، في التسعينات من القرن المنصرم، ممثلاً في: 1) التوصل إلى توافق في الآراء بشأن آليات إسقاط النظام، 2) تحديد العملية التي من خلالها سيتم تسليم السلطة للقوى الموقعة على الميثاق، و3) تفصيل هيكل تنظيمي، كخطوة لازمة وضرورية لمتابعة تنفيذ مقرَّرات الميثاق. وعلاوة على ذلك، فمباشرة بعد حفل التوقيع على الميثاق، أعلنت الهيئة العامة لتحالف قوى الإجماع الوطني، والأطراف المكوِّنة للتحالف، كلٌ على حده، تحفُّظها و/أو اعتراضها على بعض البنود والقضايا الأساسية المُضمَّنة في الميثاق، داعية إلى المراجعة الشاملة والتدقيق في الوثيقة. وتشمل هذه المواضيع: العلاقة بين الدين والدولة، وهياكل الحكم المقترحة، واستبدال القوات المسلحة السودانية بجيش جديد. في الواقع، استغرق التجمُّع الوطني الديمقراطي سنوات عديدة لعقد مؤتمر أسمرا التاريخي حول قضايا السُّودان المصيريَّة، والتوافق الكامل على مقرَّراته، مع الاتفاق على هيكل تنظيمي، بما في ذلك القوات المشتركة.

    2.4 مع ذلك، فإن عدم الوضوح في تحديد هدف “إسقاط النظام”، في ظلِّ تصاعُد العمل المسلَّح ودق طبول الحرب بين الشمال والجنوب، مع غياب التوافُق بين، والرؤية المشتركة للقوى السياسية المعارضة، يحمل مؤشرات تنذر بتفتت السُّودان. فلا توجد بالبلاد مؤسسة واحدة شرعية ومتماسكة، ربما باستثناء القوَّات المسلحة السُّودانية، (على الرغم من المحاولات المستمرَّة للجبهة الإسلامية والمؤتمر الوطني لتسييسها وأدلجتها وطمس هويتها الوطنيَّة)، بمقدورها إدارة عملية انتقالٍ سلمي للسُلطة. في الواقع، لا يمكن أن نتجاهل أو نقلل من شأن الدور الفعال والمحوري للجيش السوداني في الانتفاضتين الشعبيتين في 1964 و1985. وربما، أثبت الإعلان الرسمي عن محاولتين انقلابيتين، خلال الربع الأخير من العام المنصرم، أن القوات المسلحة، خلافاً لاعتقاد بعض الأوساط، لا تزال على درجة عالية من الحس الوطني وتستجيب لدعوات الإصلاح السياسي، وإن جاءت من الإسلاميين أنفسهم، بما في ذلك تعزيز الديمقراطية وإصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي، وإعادة تعريف العلاقة بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة، ومكافحة الفساد، ومشاركة جميع القوى السياسية في عملية شفافة وتوافقية لصياغة الدستور، تنتهي بتنظيم انتخابات حرَّة ونزيهة.

    2.5 وفي حين لا يشكِّك أحد في أن الظلم والتهميش يُبرِّر ويُضفي الشرعيَّة على اللجوء إلى الكفاح المسلَّح، فإن الحرب مكلفة بشرياً ومادياً، وليست بفعلٍ للتبجُّح أو الاستعراض. إن إخضاع وإضعاف الجيش، إما عن طريق التعدِّي على سلطاته من قبل الجهاز الأمني للنظام، أو أي قوات موازية أخرى، التي قد تُفضي إلى مواجهات دامية، أو من خلال المواجهات والصدامات المستمرَّة مع الحركات المسلحة في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق ودارفور، مما يشكل وصفة جاهزة لتفكُّك الدولة. وستقود مثل هذه الأفعال في نهاية الأمر إلى انهيار سلطة الحكومة المركزية عن طريق تقييد قدرتها على فرض الأمن، مما سيؤدي إلى فقدان السيطرة على الأراضي السودانية، و/أو احتكار الاستخدام المشروع للقوة، مما يجعلها عاجزة عن إعادة إنتاج الظروف الضرورية لوجودها هي نفسها.

    2.6 وبعبارة أخرى، فإن ضعف مؤسسات الدولة السُّودانية، والتكوين السياسي المعقد للبلاد، وغياب الثقل الموازن المُوحَّد لهيمنة المؤتمر الوطني على المركز، والافتقار إلى وحدة القضيَّة والهدف والأساليب بين القوى السياسيَّة، وما نشهده من استقطاب سياسي بين مختلف المتصارعين على السلطة، يجعل الخط الفاصل بين سقوط النظام وتفكك الدولة رفيعاً جداً. وهكذا، في ظلِّ هذه الظروف، يمكن لسقوط النظام، وما قد ينجُم عنه من فراغٍ في السلطة، أن يقود حتماً إلى صراع دامٍ على السلطة من قِبَلِ التنظيمات المسلحة المتعدِّدة من أجل السيطرة على الخرطوم، وأجزاء أخرى من البلاد، واحتمال مواجهة أي احتجاجات شعبية بقمع مُفرِط يقابله عنفٌ مضاد، وهو ما سيكون من المستحيل كبحه أو التحكُّم فيه. وفى ظلِّ تضعضع السلطة المركزية في الخرطوم، فإن الدول المجاورة، والتي تعاني من مشاكل سياسية ونزيف داخلي، قد لا تتوانى من التدخل واحتلال المناطق المتنازع عليها في الحدود المشتركة والواقعة في متناول أيديهم، أو التحالف مع أحد أو بعض الفصائل الداخلية المتصارعة على السلطة لخدمه الأهداف الخاصة لهذه الدول. أما إيران، وبعض الحكومات الإسلامية الأحرى المتعاطفة في المنطقة، ستتقدم الصفوف لمؤازرة ودعم النظام لتفادي سقوطه.

    2.7 يبدو أن هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً، لا سيَّما في ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي شهدتها في البلاد خلال العقدين الماضيين. فقد أسفرت هذه التطورات عن نزوحٍ غير مسبوق للعاصمة القومية، أفرز مجتمعين متباينين، مجتمع الأغنياء (الذين يملكون كل شيء)، ومجتمع الفقراء (الذين لا يملكون شيئاً)، مع تآكُلٍ مستمر في الطبقة الوسطى، مما سيشعل الغضب الشعبي، الملتهب أصلا، وينذر بانقسام حاد قد يفضى إلى قتالٍ أهلي وفوضى عارمة. وهكذا، فإن التهميش والمظالم المتجسِّدة في العلاقة بين المركز والمناطق “المُهمَّشة” يجب أن لا تلهينا عن الغُبن الاقتصادي والاجتماعي للفقراء والمستضعفين في المركز نفسه، مما يهدِّد بنسف السلام الاجتماعي.


    السيناريو الثالث: التسوية السياسية الشاملة

    3.1 هذا هو السيناريو الوحيد الذي من شأنه أن ينقذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، ويحول دون انهيار الدولة، ويحافظ على وحدة أراضي السودان. ويُفترضُ أن يتم التحوُّل الديمقراطي سلمياً بتوافُق كل القوى السياسية، بالطبع بما في ذلك المؤتمر الوطني، وقوى التغيير الآخرين خاصة الشباب (نساء ورجال)، دون إقصاء أو استثناء، على مشروع للتغيير يفضي إلى الانتقال من هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية نحو بناء دولة المواطنة السودانية التى تحترم التنوع. ويشكل هذا التحول هدفاً رئيساً لاتفاقية السلام، والذي فشل الشريكان في الحُكم، خاصة المؤتمر الوطني، وبقية القوى السياسية، في تحقيقه خلال الفترة الانتقالية.

    3.2 "سؤال المليون دولار" هو: كيف يتم تنفيذ هذا الانتقال السلمي والتوصل لتسوية سياسية شاملة؟ وإن كنتُ أزعم بأن هذا هو السيناريو الأكثر تفضيلاً لمعظم القوى السياسية وأطياف واسعة من السودانيين، بما في ذلك الحركات المسلَّحة، وبعض من قوى المعارضة، بل والمجتمعين الإقليمي والدولي، إلا أن الكثير من المُشكِّكين يعتقدون بقوة أن الأولوية ينبغي أن تتجه إلى الإطاحة بالنظام. ويرى هؤلاء أن النظام لا يمكن تحسينه، بل لا بد من إزالة سياساته ومؤسساته وشخوصه نهائياً كشرطٍ مُسبق لأية محاولة إصلاح حقيقي. فمن هذا المنظور، فإنه لا يمكن تحقيق التحول الديمقراطي، بأي حالٍ من الأحوال، طالما ظلَّ المؤتمر الوطني يحتكر السلطة ويسيطر بالكامل على مؤسسات الدولة ويقمع حرية التنظيم والتعبير. ومع ذلك، يتعيَّن علينا هنا أن نعترف بأن نجاح هذا السيناريو يتوقف على قدرة الحزب الحاكم لتغيير سياساته ومواقفه، إما نتيجة لحراك وديناميات داخلية في صفوفه أو بفعل العمل المعارض، أو استجابة لضغوطً خارجية. فإن النظام منهكٌ، لتعرُّضه فعلياً لضغوط على جبهات متعدِّدة على الأصعدة العسكريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، بينما ينتابه قلق متزايد حول احتمالات الانتفاضة الشعبيَّة، على شاكلة الربيع العربي، وهو احتمالٌ لم يعُد تُنكره حتى بعض القيادات البارزة في الحزب الحاكم، ولا سيَّما في ضوء الأزمة الاقتصاديَّة المتصاعدة. وهكذا، يتعرَّض النظام لضغوط متزايدة من القواعد الشعبية للحزب، بل وفي صفوف الحركة الإسلامية، التي جاءت به إلى السلطة، وكذلك من قوى المعارضة السياسيَّة، بالإضافة إلى المجتمع الإقليمي والدولي.

    3.3 ولذلك، فإن الانتقال السلمي لن يتحقق إلا إذا اعترف الحزب الحاكم بعُمق الأزمة وأنه من المستحيل بمكان، في ظلِّ هذا الاستقطاب والمناخ السياسي المحتقن، أن يواجه ويعالج التحديات الجسام لــ"سُودان ما بعد الانفصال" بمفرده ولوحده، أو حتى مع حلفائه. إن المؤتمر الوطني مطالبٌ بأن يُقِرَّ بكينونة القوى السياسية والمدنية السودانية، وصعود قوى جديدة في مناطق النزاع المسلح (دارفور وجنوب كُردُفان والنيل الأزرق) وقواعدها الاجتماعية، وبدورها وضرورة مشاركتها في إيجاد الحلول لمشكلاتنا القومية.

    3.4 في أعقاب مذكرة ادِّعاء المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة في 14 يوليو 2008 (قبل صدور أمر التوقيف في مارس 2009)، كتبتُ سلسلة من المقالات بعنوان “طلقة في الظلام” نُشرت في ثلاث حلقات متزامنة في عددٍ من الصحف اليومية السودانية (الرأي العام، الأحداث، الصحافة) وبعض المواقع الإلكترونية (سودانايل، سودان تريبيون، نيو سودان فيجن، سودانيز أون لاين) خلال شهر أكتوبر2008. كانت الأطروحة الرئيسية لهذه المقالات، وأقتبس: «الإدعاء في حق الرئيس، ناهيك عن اعتقاله، إن ذهب إلى نهاياته المنطقية سيشعل فتيل الصراع على السلطة، حتى في داخل المؤتمر الوطني. وفي ظلِّ كثرة القوى المتطلعة إلى السلطة، وتعدُّد الفصائل المسلحة، واحتدام النزاع في دارفور، وتحفُّز القوى الإقليمية والدولية، ثم غياب البديل المتفق عليه للرئاسة، ينفتح الباب واسعاً، وتتشكل وصفة جاهزة لانهيار الدولة السودانية. فمِمَّا لاشك فيه أن تداعيات إدعاء المحكمة الجنائية الدولية في حق رأس الدولة، مهما يكون رأينا في شخصه أو حزبه، ستعصف بأي فرصة للانتقال السلمي إلى الحُكم الديمقراطي التعدُّدي وتعرِّض البلاد لمصير مجهول قد يفضى بالانزلاق إلى هاوية فوضى شاملة وحرب أهلية مدمِّرة. خلافاً لادِّعاء الحقوقيين والمُشكِّكين من السياسيين، بأن الاتهام الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية سوف ينقل السودان إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً، وستكون فرص السلام أكبر، ينبغي علينا أولاً أن نضمن ونطمئن على بقاء السودان متماسكاً قبل التكهُّن بمستقبله». (الأحداث، 20/10/2008).
    3.5 على هذه الخلفية، ونظراً للمساندة واسعة النطاق والمؤازرة غير المسبوقة التي حظي بها رئيس الجمهورية، داخلياً وإقليمياً وعالمياً، في مواجهة مذكرة إدعاء المحكمة الجنائيَّة، دعوتُ للوقوف خلف الرئيس البشير، مقترحاً دعم ترشيحه للرئاسة من قِبَل جميع القوى السياسية على أساس برنامج وطني توافقي يضع “الوطن فوق الحزب”. سيكون هذا البرنامج بمثابة المانيفستو الانتخابي للرئيس، وهدفه الأساسي أن يقوم الرئيس بإكمال مهمة الانتقال السلمية للديمقراطية والتعدُّدية السياسية. ذلك، خاصة وأن ليس هناك من حزب سياسي آخر قد حسم أمر تقديم مرشحه للرئاسة في ذلك الوقت المبكر. ومن ناحية أخرى، فقد نوَّهتُ إلى أنه من البديهي أن الاتفاق على هذا الترتيب لا علاقة له، على الإطلاق، بالتحالفات الانتخابية لهذه القوى والتي تتنافس على أساس البرامج الحزبية، للفوز بمقاعد الهيئة (الهيئات) التشريعية، والمناصب التنفيذية الولائيَّة.

    3.6 ومع ذلك، اقترحتُ أن موافقة القوى السياسية على دعم الرئيس في الانتخابات لابد أن يقابلها الرئيس بالمثل من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير والخطوات الحاسمة، وهي: 1) إعادة تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” من خلال استيعاب القوى السياسية التي لديها الثقل السياسي والاجتماعي وتتمتع قواعد شعبية، و2) الاتفاق السياسي على برنامج وطني يجمع كل القوى السياسية، جنباً إلى جنب مع شريكي الحُكم، بهدف تمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرَّة ونزيهة، مع الرصد والإشراف على تنفيذ الاستحقاقات المتبقية لإنفاذ التحوُّل الديمقراطي، والتوصُّل إلى تسوية سياسية عادلة للنزاع في دارفور. هذا هو النهج الصحيح والملائم لمعالجة جذور أزمتنا الوطنية. سيجد الالتزام بهذا البرنامج التأييد والمساندة داخلياً وإقليمياً، كما سيُجبِرُ المجتمع الدولي على مراجعة حساباته، فتنجلي الأزمة مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة. وقد استَنَدَت أطروحتي على العوامل الآتية:

    ‌أ- لابد من إدراك أن مسالة العدالة ليست بأمر قانوني بحت، إنما هي قضية لها مسوِّغاتها ودوافعها السياسيَّة، وهذا بالضبط ما حدا بالموقعين على النظام الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة إدخال المادة (16) التي تمنح الحق لمجلس الأمن في تعطيل إجراءات الإدعاء أو تجميد المحاكمة لمدة عام قابل للتجديد إن تناقضت مع متطلبات تحقيق السلام ومقتضيات إشاعة الاستقرار. ولا حاجة للتأكيد بأن مجلس الأمن يعمل وفقاً لأجندة سياسية لضمان إرساء قواعد السلم والأمن الدوليين، كما يتبع لمنظمة الأمم المتحدة، والتي في جوهرها تمثل تجمعاً سياسياً عالمياً.

    ‌ب- موضوع العدالة الجنائية والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب لم يغب عن أجندة التفاوض في نيفاشا، بل تواضعت أطراف النزاع على تقديم السلام والاستقرار ومعالجة أمر العدالة في إطار أشمل للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح.
    ‌ج- من ناحية أخرى، فإن هناك النشطاء الحقوقيين مِمَّن يؤمنون بأولوية، ووجوب وضرورة تحقيق العدالة أولاً، دون مراعاة أو اعتبار لما قد ينجُمُ عن ذلك من عواقب وخيمة وفوضى عارمة. لو كان الأمر كذلك لتمسَّكت الحركة الشعبية بإنزال العدالة قبل وقف حرب طويلة الأمد ارتُكبت خلالها الفظائع وانتُهكت حقوق الأبرياء، ولما صافح الزعيم الراحل، د. جون قرنق، ووضع يده في يد الرئيس. وفي الواقع، فقد أعلنت الحركة الشعبية تضامُنها الكامل مع الرئيس بعد صدور مذكرة ادِّعاء المحكمة الجنائيَّة، بل ترأس سلفا كير، الذي خلف جون قرنق في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، اللجنة العليا التي شكَّلها الرئيس بنفسه لمعالجة الأزمة التي خلفها قرار المحكمة. كما قال مالك عقار، نائب رئيس الحركة الشعبية للسيد الرئيس عند مخاطبته جماهير ولاية النيل الأزرق بمناسبة الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع تعلية خزان الروصيرص في 14 أغسطس 2008: «إن الاستهداف موجودٌ ولكن أقول إن مذكرة أوكامبو هي “بلبصة ساكت”». وزاد مؤكداً وقوفه خلف رئيس الجمهورية: «وإنت السيد الرئيس، زول كبير وبالتالي لا تلتفت “للبلبصات”. كلنا خلفك من أجل التنمية، وسر ونحن وراك».

    ‌د- وحتى بعد تفاقُم الحرب في دارفور وتدهوُر الظروف الإنسانية، بكل ما صاحبها من تضخيمٍ إعلامي لم تحظ به حرب الجنوب التي كانت أشد شراسة وأكثر وحشية، لم تتصدَّر العدالة الجنائيَّة أجندة القوى السياسية المعارضة، إلا بعد صدور إدعاء المحكمة الجنائية الدولية، بل كان الاهتمام منصباً على كيفية حلِّ النزاع سلمياً، والتوصُّل إلى تسوية سياسية مرضية.

    ‌ه- ظلَّت مصداقية المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، ولم تزل، موضوعاً مثيراً للجدل، تختلف حوله آراء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حتى وسط الدول الأعضاء في كل العالم، بما في ذلك الدول الغربية والولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، فإن معظم دول العالم الثالث، وفى أفريقيا بالذات، حتى إن كانت من المصادقين على النظام الأساسي للمحكمة، تطعن في عدالة المحكمة بسبب الانتقائية، وازدواجية المعايير، والخضوع لدوافع سياسية. وقد تمَّ التعبير عن هذه الشكوك بصوتٍ عالٍ في الاجتماع الأخير (الثالث والستون) للجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2008. وهكذا، اصطفت الأغلبية الساحقة من البلدان الأفريقية والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بحزم خلف البشير في إدانة مذكرة الادِّعاء. وفي 3 يوليو 2009، أصدر الاتحاد الأفريقي قراراً قضى بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، مطالباً مجلس الأمن الدولي بتأجيل العملية التي بدأتها المحكمة وفقاً لأحكام المادة 16 من نظام روما الأساسي. ومع ذلك، لا بد من التأكيد على أن تفعيل عملية التأجيل هذه، بدوره، يدعو إلى إجراء إصلاحات قضائية وإنشاء آليات العدالة الانتقالية والمصالحة التي تؤدي إلى ثقافة المساءلة، وتنفيذ التدابير القانونية والقضائية لوضع حد للإفلات من العقاب في جميع مناطق النزاع المسلح.

    الكرة الآن في ملعب الرئيس

    1. بعد أربع سنوات من نشر سلسلة مقالاتي، في أكتوبر 2008، أعادت مجموعة الأزمات الدولية(ICG) أطروحتي إلى الحياة، في أحدث تقريرٍ لها عن السُّودان، بعنوان: “إصلاح أساسي أم المزيد من الحروب؟”، في 29 نوفمبر 2012. ويشدِّد التقرير على أن النزاع المُزمن في السُّودان لا يزال مستمراً، مدفوعاً بتركيز السلطة والموارد في المركز. وهكذا، فإن النظام في الخرطوم يواجه أزمة عميقة وتحديات متعدِّدة تهدِّد وجوده، واستقرار السُّودان بشكل عام. ومع أن الكثيرين يأملون في انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية قد تجبر البشير والمؤتمر الوطني للتنحِّي عن الحكم، إلا أن هناك خطر كبير في أن يفضي أي من الاحتمالين إلى مزيدٍ من العنف. ووفقاً لمجموعة الأزمات، فإن الحل يكمُنُ في حكومة انتقالية أكثر شمولاً، وذات مصداقيَّة، بمشاركة المؤتمر الوطني، وحوار وطني هادف حول دستور جديد، وخارطة طريق لتغيير دائم في كيفية حُكم السُّودان. فإذا اتخذ النظام خطواتٍ ملموسة من أجل عملية انتقالية ذات مصداقيَّة، فإنه يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية إرجاء محاكمة البشير لمدة عام، قابل للتجديد، بموجب المادة (16) من نظام روما الأساسي، على أن لا يكون هناك التزامٌ بالتجديد إن تراجع البشير عن تعهُّده بالإيفاء بمستحقات عملية الانتقال.

    2. بطبيعة الحال، فلقد تدفقت الكثير من المياه تحت الجسر خلال هذه السنوات الأربع، من حيث التطوُّرات الجديدة والمتغيِّرات التي ظهرت في هذه الأثناء. وتشمل هذه التطوُّرات: انفصال الجنوب، وتكوين دولته المستقلة، واندلاع الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، وتصاعد العُنف في دارفور، وتزايد التوتر مع جنوب السُّودان، والاحتكاكات المرصودة، والصراع على السلطة داخل الحزب الحاكم نفسه. لذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ما تزال الأفكار التي أوردتها في أطروحتي صالحة وقابلة للتطبيق بعد انقضاء هذه المدة؟! أم أن هذه المتغيِّرات الجديدة جعلتها عديمة الجدوى ومنتهية الصلاحية؟!
    3. من جانبي، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن اقتراحي ما زال ضرورياً، وأن هذه التطورات الجديدة تجعله أكثر أهمية مما كان عليه قبل أربع سنوات مضت. أثبت التطوُّر التاريخي لنظام “الإنقاذ” أن الرئيس هو الشخص الوحيد الذي يحظى بموافقة وقبول جميع الفصائل في المؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية التابعة له. وعلى الرغم من الفهم بأن الرئيس هو الوحيد الذي يمتلك القدرة للحفاظ على الحزب والحركة الإسلامية معا، إلا أن هناك بعض الذين يعتبرونه عبئاً، خاصة في أعقاب مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية. مع ذلك، فإن الأسماء المطروحة والمتداولة كبديل للرئيس لا يبدو أنها تتمتع بقاعدة يعتد بها داخل المؤتمر الوطنى أو تأييد من قبل القوات المسلحة لحشد وتعبئة الناس حول أى منها. وهكذا، يظل الرئيس رمزاٌ القوات المسلحة والقائد الأعلى للجيش، وكذلك يتسنَّم مقاليد السلطة بشكل كامل، ويسيطر على، ويدير بمهارة، عملية الصراع المحتدم على السلطة بين الأجنحة المتنافسة داخل المؤتمر الوطني. وقد تجلى ذلك من خلال الصراع الملحوظ على خلافة الرئيس في السلطة (الذي سبق أن أعلن عن عدم نيته للترشُّح لفترة رئاسية قادمة)، والذي طفا على السطح في أعقاب الإعلان الرسمي عن الحالة الصحية للرئيس والعمليات الجراحية التي أجراها خلال الربع الأخير من العام المنصرم. وعلاوة على ذلك، فقد أصبح الآن رئيس الهيئة القيادية العليا للحركة الإسلامية السودانية، إلى جانب رئاسته للحزب الحاكم.

    4. بهذه المواصفات، فعلى الرئيس أن يخلع جلباب الحزب الضيق ويتوشَّح بعباءة كل السُّودان/الوطن بتبنيه لبرنامج لا يلبي رغبات ناخبيه فحسب، بل يتعداها ليستجيب لمطالب القوى السياسية، والتي في أصلها استحقاقات دستورية قائمة على اتفاقيات مع هذه القوى ذاتها، وبذلك يُرضي الرئيس مواطنيه من كافة الاتجاهات، ويحافظ على مكتسبات كل الشعب السوداني وتطلعاته لسلامٍ دائمٍ ولحياة آمنة وكريمة. وها هو الرئيس نفسه، في مخاطبته للشعب السوداني في أعقاب فوزه في الانتخابات، يؤكد أن: «شكرنا في هذا اليوم يشمل كل الذين وقفوا معنا وأيَّدونا من قطاعات الشعب كافة، وكذلك يشمل من لم يُؤيِّدونا، ولكن لا يخصم عدم تأييدهم لنا من مواطنتهم شيئاً، فرئيس الجمهورية يمارس سلطاته كرئيسٍ للجميع، وهو مسئولٌ عنهم، هذه حقيقة أؤكدها والتزامٌ أعلنه. يدينا وعقولنا مفتوحة لكل القوى العاملة في إطار الدستور، بالتواصُل والتحاوُر والتشاوُر لتأسيس شراكة وطنية نواجه بها التحديات». وبدورها، تستدعي هذه الاستجابة لطموحات كل المواطنين اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لترجمة كلماته إلى أفعال ملموسة.

    5. إن الرئيس، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، لم يعُد مجرَّد رئيس للجمهورية، يمارس صلاحياته وسلطاته العادية، بل إنه المسئول الأوَّل عن أهم عملية انتقال سياسي وتحوُّل دستوري بعد استقلال البلاد في 1956. وبهذه الصفة، وكضامنٍ أوَّل لسلامة الترتيبات الدستوريَّة التي قامت على اتفاقية السلام، فهو أيضا المسئول الأول عن إبعاد شبح تقسيم وتشظي البلاد، والحفاظ على سلامة ما تبقى من السُّودان القديم. فهناك كثيرون يعتقدون خطأ بأن اتفاقية السلام تُعنَى فقط بإنهاء الحرب بين الشمال والجنوب، غافلين عن أن للاتفاقية هدفان توأم، هما: 1) وقف الحرب وتحقيق السلام، و2) التحوُّل الديمقراطي. فحين أنه من الصحيح أن الفترة الانتقالية قد انتهت رسمياً بعد استقلال جنوب السُّودان، إلاَّ أن عدد من القضايا العالقة وترتيبات ما بعد الانفصال لا تزال قيد المفاوضات. وهكذا، فإن بنود كل من اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة، بين المؤتمر الوطني والتجمُّع الوطني الديمقراطي، فيما يتعلق بالتحوُّل الديمقراطي لا يزال يتعيَّن تنفيذها. وبهذا الفهم، فإن قضايا الاتفاقية العالقة لا تقتصر على النزاع في المناطق الانتقالية الثلاث )جنوب كُردُفان، النيل الأزرق، وأبيي(، بل إن الانتقال إلى الديمقراطية هو في حدِّ ذاته أحد القضايا العالقة الهامة.

    6. لذلك، ما زال لدى الرئيس البشير فرصة ذهبية في لعب دور تاريخي حاسم، الأمر الذي سيحوِّله إلى بطلٌ قومي وزعيمٌ سياسي، يقود من خلاله عملية توافُقٍ سياسي على برنامج وطني يستجيب للتحديات الجسام التي تكتنف الأزمة الوطنية الماثلة، وعلى آليات تنفيذه. فلدى الرئيس صلاحيات دستوريَّة واسعة تتيح له تطوير حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة التي من شأنها أن تجنب تدهور الأزمة والانحدار نحو السيناريو الثاني. تشمل هذه الخطوات:
    ‌أ- تكريس وتخصيص الفترة المتبقية من ولايته لقيادة عملية إنجاز المهام التي لم تكتمل في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، والمنصوص عليها في الدستور القومي الانتقالي، وذلك بهدف ضمان الانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي تعددي.
    ‌ب- ابتدار، والشُّروع في، حوار صريح ومباشر وجاد مع جميع القوى السياسية في المعارضة من أجل التوصُّل إلى توافُقٍ وطني واتفاق سياسي على العناصر الأساسية لبرنامج “قومي” يُفضي التنفيذ الأمين له إلى مقابلة التحديات التي تواجه البلاد في هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخها الحديث.

    ‌ج- توسيع قاعدة الحكم من خلال تشكيل “حكومة مشاركة” حقيقية، على المستويين الاتحادي والولائي، وذلك بتمثيل القوى التي لها ثقلٌ سياسي وقاعدة شعبية لدعم تنفيذ هذا البرنامج، بغضِّ النظر عن مشاركتهم في الانتخابات الماضية أو مقاطعتهم لها، في هذه الظروف الاستثنائية.

    ‌د- تحديد أولويات برنامج الحكومة، وعلى رأسها: مخاطبة ومعالجة القضايا العالقة وقضايا ما بعد الانفصال، واستكمال المتطلبات المتبقية من إنفاذ عملية التحوُّل الديمقراطي، من خلال تنفيذ جميع البنود ذات الصلة من اتفاقية السلام الشامل، واتفاق القاهرة. وهذه تشمل، وقف الحرب في جنوب كُردُفان والنيل الأزرق، حلَّ قضية أبيي بطريقة من شأنها الحفاظ على تلك المنطقة كجسرٍ للتمازج بين الشمال والجنوب ونموذجاً للتعايُش السلمي، وإنهاء الحرب والنزاع المسلَّح في دارفور، جنوب كُردُفان، والنيل الأزرق، بالنزوع إلى منهج شامل يتجاوز الحلول الجزئية بما يحقق العدالة والسلام الدائم، وإرساء مبدأ الشفافية والمساءلة والعدالة الانتقالية وعدم الافلات من العقاب والمحاسبة علي اقتراف الجرائم الجسيمة وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان.
    ‌ه- البدء في صياغة آليات ووسائل المصالحة الوطنية الشاملة، وتضميد الجراح في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق المتأثرة بالحرب.

    و- الشروع في مراجعة دستوريَّة شاملة في سياق عملية تتسم بالتوافُق والشمول والشفافيَّة والمشاركة الواسعة لكل القوى السياسيَّة والمدنيَّة، بغضِّ النظر عن الشكل الذي تتخذه هذه العملية، وذلك بهدف معالجة، والتوصُّل إلى توافُق الآراء بشأن كل القضايا الخلافيَّة الوطنيَّة.

    ‌ز- تمهيد الطريق والتوصُّل إلى توافقٍ في الآراء مع جميع القوى السياسية المتنافسة على الشروط اللازمة والتشريعات الضروريَّة لتهيئة المناخ وتسوية أرضيَّة الملعب لإجراء انتخاباتٍ حُرَّة ونزيهة بما يرضي هذه القوى، بما في ذلك تشكيل هيئة ذات مصداقيَّة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها.

    7. وبالمثل، فإن قوى الجبهة الثورية وأحزاب المعارضة السياسية عليهم أن يظهروا للشعب السودانى، فى المقام الأول، وللمؤتمر الوطني بأنهم جادون في الدخول في حوار واسع مع جميع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة. الكثير من السودانيين، حتى بين أولئك الأكثر ليبرالية وممن نالوا حظا أكبر من التعليم، لا يرون كيف يمكن لهذه القوى أن تساعد فى تحريك الأوضاع الراهنة إلى الأمام، خاصة إذا كانت هناك فرصة حقيقية لحوار وطني يؤدي إلى الإنتقال والتحول السلمى. إن ميثاق "الفجر الجديد" يعطي الأولوية للوسائل المدنية والديمقراطية للتغيير. ومع ذلك، يتعين على الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطنى الشروع في جهود علنية وملموسة توصل من خلالها رسالة إلى الشعب السوداني مفادها أنهم، في المقام الأول، يقفون مع التغيير السلمي والتسوية السياسية الشاملة. لاشك، أن مثل هذه الجهود تعزز عملية التوافق الوطني، ويمكن أن تشمل: أ) إنشاء لجنة رسمية من قبل هذه القوى تعهد إليها مهمة التواصل والحوار مع المؤتمر الوطني وبقية القوى السياسبة حول العناصر الأساسية للتوافق الوطنى، ب) إبتدار حملة إعلامية، من جاب هذه القوى، في جميع أنحاء البلاد لتوصيل أي من الرسائل التى تفيد باستعدادهم للمضي قدما في تنفيذ التسوية المقترحة، وج) إجراء مبادرة تهدف بوجه خاص إلى حوار الشباب-الشباب، عبر أحزابهم السياسة المختلفة، خاصة بعد أن أصبحت السياسة فى الحركة الطلابية فى الجامعات تتسم بالعنف المفرط والأذى المتبادل.

    8. أنا مدركٌ لأن ما طرحته من اقتراح سيرفع حواجب أعيُنٍ كثيرة، وقد يبدو مُرُّ المذاق لبعض الأطراف، وشاقٌ على نفس البعض الآخر، إلا أنه يهدف إلى وضع حلٍ سلمي للأزمة الوطنية المحتدمة، وبالتالي تجنُّب انهيار الدولة السودانية، وإحباط الحلول المفروضة من الخارج. وبالمثل، لستُ بحاجة لأن أؤكد بأن اقتراحي يتوقف على اعتراف الرئيس، وكذلك المؤتمر الوطني، بأن نطاق وحجم الأزمة السودانية والمخاطر التي تهدِّد وجود الدولة نفسها، أكبر بكثير من كل تجاربهم السابقة، مما يجعل اللجوء إلى المقاربات المعتادة والوصفات الجاهزة مجرَّد ممارسة عقيمة. إن التحديات التي تجابه البلاد حالياً أضخم بكثير من قدرة أي حزبٍ أو تنظيمٍ على معالجتها بمفرده.


    خاتمة
    1. للمفارقة، تجئ احتفالات السُّودان هذه الأيام بذكرى الاستقلال السابعة والخمسين، من الحكم الاستعماري، والبلاد منقسمة على نفسها من كل النواحي، رأسياً وأفقياً. فإلى جانب هشاشة مؤسسات الدولة، يُشكِّل هذا الانقسام الوصفة المثالية لتفكُّك الدولة. فنحن نفتقر إلى رؤية مستقبليَّة واضحة وقيادة توافُقيَّة ملهمة، وهما عاملان أساسيان من بين العوامل الحاسمة والمطلوبة لتحجيم ولَجْمِ النزاعات المسلحة المتفاقمة، والانقسامات السياسية العميقة، والانبعاث المقلق للنزعات العرقيَّة والإثنيَّة والقبليَّة، وبالتالي الحفاظ على تماسُك ما تبقى من البلاد، وتجنُّب تفكُّك الدولة. حدث ذلك في الصومال، من بين حالاتٍ أخرى، وربما يحدُث في السُّودان. ففي الواقع، لم يُفلح التجانُس الإثني واللغوي والديني في إنقاذ الصومال من التمزُّق وفشل الدولة. فالحكمة التقليديَّة القائلة بأن السُّودانيين في مأمنٍ من، وبمنأى عن مثل هذا السيناريو المُرعب، بحُجَّة تفرُّد تركيبته الاجتماعية وخصوصيَّة ثقافته وقيمه السائدة، لا تصمُدُ في وجه الواقع الماثل. فلا يمكن للموروثات الاجتماعيَّة والثقافيَّة أن تمنع العُنف والصراع المنفلت على السُّلطة بدون، على الأقل، وجود قواسم مشتركة بين القوى الرئيسيَّة ومنبرٌ سياسيٌ مُوحَّد، أو توفُّر الحكمة لدى القيادات والطبقة السياسيَّة السودانية ككل. في الواقع، لم يتحقق الانتقال السلمي في أي بلد بالعالم في غياب قيادة حكيمة وبصيرة.

    2. لا يمكن أن نتصوَّر أن إسقاط النظام والتغيير السياسي سيتم، هذه المرَّة، بالطريقة التقليديَّة من خلال نقل السلطة بواسطة القوات المسلحة، كما حدث في 1964 و1985، أو في الثورتين التونسية والمصرية في 2011. وبطبيعة الحال، هذا لا يستبعد انتفاضة شعبية أخرى، ولو بشكلٍ مختلف، وبتكلفة بشريَّة وماديَّة باهظة. ومع ذلك، فلدى الرئيس البشير فرصة تاريخيَّة، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السُّودان، لاتخاذ قراراتٍ جريئة لإنقاذ البلاد من الانزلاق إلى الهاوية، وتحويل نفسه إلى بطل قومي، مع استعادة المصداقيَّة المفقودة للمؤتمر الوطني. فعلى الرغم من أن جنوب السُّودان قد انفصل في عهد الرئيس، قد يجد له التاريخ العُذر، خاصة أن الانفصال كان استجابة لطموحات وتطلعات الجنوبيين في عملية شفافة ونزيهة بدرجة كبيرة، وبأغلبيَّة ساحقة في الاستفتاء على تقرير المصير. ولكن، إن أخذ السيناريو الثاني مجراه، فسيُسجِّل التاريخ أن السُّودان تمزَّق وتفتَّت تحت قيادة ورعاية الرئيس البشير.

    3. وأخيرا، من المهم أن نفهم أن رسم هذه السيناريوهات، خاصة السيناريو الثالث، لا يهف إلى تقديم وصفات جاهزة لا تقبل الجدل لمآلات التغيير السياسي فى السودان. بل، إن الغرض من هذا التمرين هو المساعدة على تجاوز المأزق الحالي وتحريك الجمود في الوضع السياسي الراهن، وخلق راي عام يضغط في وجهة المساومة التاريخية، من خلال إثارة النقاش وإثراء الحوار حول الطرق الواقعية والعملية لتحقيق الإنتقال السلمي والتسوية السياسية الشاملة. وهكذا، فقد إكتفت جميع القوى السياسية، بما فيها الحزب الحاكم والمعارضة السياسية والحركات المسلحة، بالإدلاء ببيانات عامة ومعممة تؤكد على تفضيلهم لخيار الحل السياسي السلمى. ومع ذلك، فإن إضفاء قدر من المصداقية على هذه التصريحات، تستوجب على هذه القوى التقدم بمقترحات واقعية وملموسة للإجابة على "سؤال مليون دولار": كيف يتحقق هذا الإنتقال السلمى؟ ولا تمثل مساهمتى هذه سوى مجرد محاولة نحو الإجابة على هذا السؤال.


    تورونتو- كندا
    [email protected]


    --------------------

    المسألة السودانية: فشل البناء الوطني وتجربة الإسلام السياسي


    02-11-2013 09:49 AM
    ياسر عرمان

    ورقة مقدمة بمعهد مونتيري للدراسات الدولية
    بدعوة من منظمة Global Majority "غلوبال ماجوريتي"
    • ياسر عرمان

    الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان
    سكرتير الشؤون الخارجية للجبهة الثورية السودانية
    1 فبراير 2013

    موجز الأفكار المقدمة في الورقة:

    • ما هي المسألة الشمالية والمسألة السودانية؟
    • لماذا يعتبر السودان دولة فاشلة؟
    • الأزمة الإنسانية: المساعدات الإنسانية قبل الحل السياسي: الأولوية لإنقاذ الأرواح الآن
    • الإسلام السياسي عاملٌ مهددٌ للوحدة الإفريقية
    • الفجر الجديد: الطريق نحو المضي قدماً
    • الوحدة السودانية: وحدة بين دولتين مستقلتين
    • خاتمة

    بدايةً، أود أن أعرب عن عميق شكري وتقديري للجالية السودانية، وللناشطين السودانيين في ولاية كاليفورنيا. والشكر والتقدير موصولان أيضا لمعهد مونتيري للدراسات الدولية، ولمنظمة Global Majority "غلوبال ماجوريتي" وللسادة الأجلاء نيكولاس، ومايكل، وحمدان الذين جعلوا هذه الفعالية ممكنة اليوم، للتأمل والتفكير في إحدى المسائل الإفريقية الأهم ألا وهي المسألة السودانية، التي هي في جوهرها مسألة تواجه وتثير تحديات عصيبة أمام جميع الدول الإفريقية لكونها تتمثل في تحديات البناء الوطني والتشكل القومي.

    وسأشدد على وجه الخصوص-خلال العرض الذي أقدمه اليوم- على تجربة الإسلام السياسي في السودان، بما تمخضت عنه من نتائج مريرة مؤلمة تجسدت في الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفوق ذلك، انفصال جنوب السودان. وبالنظر إلى تزايد نشاط حركة الإسلام السياسي في إفريقيا، فإنه يتعين الأخذ بتجربة الإسلام السياسي في السودان على محمل الجد..كل الجد من قبل القارة بأسرها وجميع الإفريقيين بالضرورة.

    لنبدأ عرضنا هذا بتقديم تعريف موجز للمسألة السودنية من وجهة نظرنا نحن في الحركة الشعبية لتحرير السودان.

    فما هي المسألة الشمالية و المسألة السودانية؟

    • كثيرا ما يُنظر إلى السودان استنادا إلى تقسيمات وثنائيات نمطية بعينها مثل: الشمال-الجنوب، مسلمون-مسيحيون، عرب-أفارقة..إلى آخره. غير أن هذه الثنائيات والتقسيمات النمطية لا تعدو عن كونها ابتسارا وتبسيطا مخلين للمسألة السودانية. و الأن ، وقد أصبح شمال السودان كيانا قائما بذاته له خصائصه في التنوع العرقي والديني واللغوي والثقافي القائمة بذاتها عقب انفصال جنوب السودان. ولذا يجب النظر إلى هذا الكيان الذي يجسد المسألة السودانية التي نعنيها.
    • إن المسألة الشمالية هي أزمة ناشئة عن غياب مشروع شامل لبناء الأمة منفتح على الجميع، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني قوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فضلا عن حفظ التوازن بين المركز والأقاليم. ويتشكل "السودان الجديد" الذي نصبو إليه عند تحقيق هذين الهدفين الرئيسيين: مشروع البناء الوطني وعملية التشكل القومي على نحو مغاير تماما لما هو قائم الآن.
    • ذلك أن المشروع الوطني الراهن يقوم على معايير في غاية الضيق والمحدودية، لطالما أدت إلى تهميش وإقصاء أغلبية السودانيين على أسس دينية وثقافية وعرقية واقتصادية وسياسية، علاوة على ممارسات الإقصاء والتهميش القائمة على أساس النوع.
    • ولا يتمخض التعاضد المستمر بين سياسات التهميش ونظام الحكم الشمولي الديكتاتوري إلا عن مزيد من استمرار الحروب وعدم الاستقرار.
    • ولئن اختار الجنوبيون الانفصال وإقامة دولتهم المستقلة، فإن ذلك مردّه في الأساس إلى عدم الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي والثقافي من جهة، وسوء إدارته من جهة أخرى، علاوةً على انعدام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
    • وعليه فقد نشأ جنوب سياسي جغرافي جديد تماما في شمال السودان نفسه. وبات واضحا بعد انفصال الجنوب التقليدي أنه لا يمكن للسودان أن يظل بلا "جنوب" جغرافي جديد، تمارس عليه ذات السياسات التي أدت إلى انقسام الجنوب التقليدي.
    • وبات واضحا بالقدر ذاته أن الجنوب التقليدي لم يكن مجرد كيان جغرافي فحسب، بل هو رقعة ذات بعد إنساني في المقام الأول. وخاض ذاك الجنوب كفاحا طويلا ومريرا من أجل الاعتراف بالتنوع والعدالة الاجتماعية. والآن، يستمر الكفاح نفسه من أجل نيل الحقوق ذاتها في الجنوب الجديد الناشئ حديثا في شمال السودان.
    • ويجدر القول أن الجنوب الجديد في شمال السودان تقطن في ربوعه وعلى امتداد أراضيه مجموعات عرقية متنوعة- عربية وغير عربية على حد سواء. فقبائل الرزيقات والمسيرية وغيرهما في غرب السودان، والرشايدة وغيرهم في شرق السودان، بما في ذلك طيف عريض واسع من التكوينات العرقية هي جميعا جزءا لا يتجزا من جنوب السودان الجديد. وكذلك النساء وفقراء المدن وغيرهم من القوى المهمشة.
    • لقد أدت سياسات المؤتمر الوطني الحاكم إلى اندلاع حرب شاملة في جنوب السودان الجديد، من دارفور وحتى منطقة النيل الأزرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة ما بين السودان وجمهورية جنوب السودان التي استقلت حديثا تتسم بالتوترات ولا تزال تعيقها الكثير من المسائل العالقة.
    • وبالتالي، فإنه لا سبيل إلى وجود دولتين تتوفر لهما مقومات البقاء وتتمتعان بعلاقات استراتيجية في جمهورية جنوب السودان وجمهورية السودان إلا بإحداث التحول السياسي اللازم في الخرطوم، وعندما تتقاسم كلتاهما قيما ديمقراطية مشتركة. وكما نعلم، فقلّما تندلع الحروب ين دولتين ديمقراطيتين. وفي المقابل، فإن الطموح إلى إيجاد علاقات طيبة وسلمية بين جوبا والخرطوم في ظل النظام الإجرامي الحاكم في الخرطوم، إنما هو أشبه بالأمل في إيجاد علاقات طيبة سلمية بين فرنسا وألمانيا في ظل نظام هتلر النازي.
    • ونتيجةً لتمسك قيادة المؤتمر الوطني بالإبقاء على ذات السياسات البالية التي أدت إلى انفصال الجنوب، وهي سياسات تقوم على الهيمنة وضيق الأفق والمعايير والإفلاس الأيديولوجي والكفر بالتنوع وعدم الاعتراف به-على النحو الذي كرسته خطاب عمر البشير، منها على سبيل المثال الخطاب الشهير الذي ألقاه في مدينة القضارف، وغيره من الخطابات التي أعقبت انفصال جنوب السودان، فقد وضعت تلك الخطب الأساس اللازم لشن حرب جديدة على جنوب كردفان و النيل الأزرق.
    • تأسيسا على السياسات المذكورة أعلاه، استهدف المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بالشمال التي رأى فيها مهددا سياسا وعسكريا رئيسيا مرعبا لنظامه. وبالنتيجة، فقد شن النظام الحرب على جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق. وهي حرب أسفرت حتى الآن عن نزوح ما يربو على 900000 من النازحين المدنيين بمن فيهم أولئك اللاجئون الذين عبروا الحدود إلى داخل حدود إثيوبيا وجمهورية جنوب السودان.
    • حدث كل ذلك في وقت لم تحل فيه أزمة دارفور بعد، في حين لم تتمكن الحلول الجزئية التي تمخضت عنها مفاوضات الدوحة وأبوجا من التصدي للأسباب الجذرية للمشكلة. ذلك أن مرتكبي تلك الجرائم الشنعاء أنفسهم يمثلون طرفا أساسيا في تلك الحلول، في حين تقوم الحلول الجزئية المذكورة على مبدأ الإفلات من العقاب والمساءلة. وقد استلزم هذا الوضع توحيد إرادة وجهود الحركة الشعبية لتحرير السودان ومجموعة حركات التحرر السودانية التي تشكلت في دارفور، لتؤسسا معا الجبهة الثورية السودانية بصفتها ائتلافا أصبح قادرا الآن على جذب قوى المعارضة السودانية وحشد إرادتها على امتداد السودان كله من أجل تغيير النظام.
    • وبالنظر إلى التجارب التاريخية للانتفاضات الشعبية وحركات المقاومة المسلحة السابقة، فإنه لا يمكن إحداث أي تغيير جوهري في السودان إلا بإحداث تحول جوهري في الخرطوم. فسياسات الخرطوم هي التي أدت إلى تهميش وإقصاء غالبية السودانيين، ثم إن الخرطوم هي التي شنت الحرب على جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور. وعليه، فلا سبيل إلى الوصول إلى حل مستدام لمشاكل السودان وأزماته إلا بإحداث التحول اللازم في المركز وليس في أطراف السودان وأقاليمه. والواقع أن جمهورية السودان الحالية لها تاريخ يعود إلى ثمانية آلاف عام، وكانت جزءا من حضارة وداي النيل العظيمة. ولطالما اتسم السودان بتنوع تاريخي متصل. ويتألف السودان مما يزيد على أربعمائة قبيلة ومجموعة عرقية، وينطق أهله بما يربو على ستين لغة متباينة. ولكي تحسن إدارة هذا التنوع التاريخي والمعاصر في آن، فإن السودان بحاجة ماسة إلى معالجة جديدة لجميع الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية تقوم على أساس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفصل الدين عن الدولة.
    • ويقتضي إحداث أي تحول جوهري في اقترانه بإحلال السلام المستدام في السودان بانتهاج نهج شامل ومفارق للحلول الجزئية. ونستدل على ذلك بأن نظام عمر البشير قد وقّع نحو 43 اتفاقية للسلام ولم يلتزم بتطبيقها جميعا إما جزئيا أو كليا، علاوة على تشديد قبضته على المركز وحراسته وتأمينه ضد إحداث أي تغيير فيه.
    • ومن المثير للاهتمام أن البشير وبعض أفراد طغمته باتوا مطلوبين للمثول أمام العدالة الدولية. وهذا يعني عمليا أن المجتمع الدولي مؤيد لتغيير النظام. وللمفارقة، فإن ممارسة المجتمع الدولي تنحو في الوقت ذاته إلى معارضة أي دعوة لتغيير النظام!
    • وتكمن المفارقة الأخرى في أن البشير لا يزال متهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يعترف به ويواصل التعامل معه ونظامه في ذات الوقت الذي يشيح فيه بوجهه عن الممثلين الشرعيين لضحايا النظام، كما هو الحال مع ممثلي الجبهة الثورية السودانية. وقد آن الوقت لأن تعترف الهيئات الدولية بضحايا النظام وتتعامل مع ممثليهم الشرعيين.
    • ويقينا فإن من الأهمية بمكان أن أي نهج يرمي إلى التوصل إلى إحلال السلام الدائم في السودان سيقتضي بالضرورة عملية شعبية قوامها مشاركة الشعب، وليس مجرد التوصل إلى حل توفيقي بين اللاهثين وراء السلطة والجاه، وتسوية لا تتجاوز خدمة مصالح النخب السياسية وحدها. وسواء تعلق الأمر بعملية دستورية أم باتفاق سياسي، فإنه يجب أن تكون تلك العملية مشرعة الأبواب والنوافذ على الأحزاب السياسية قاطبةً، فضلا عن مشاركة منظمات المجتمع المدني.
    • وتقترح الحركة الشعبية فترة مؤقتة أو انتقالية توكل إليها مهمة عقد مؤتمر دستوري لجميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السودان بهدف الإجابة عن السؤال الذي لم يزل دون إجابة منذ فجر الاستقلال في عام 1956: كيف يحكم السودان؟ قبل من يحكم السودان؟
    • وفي نهاية الأمر، فإنه ليس أمام الطغمة الحاكمة في الخرطوم سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقبل الطغمة التغيير أو أن يتم تغييرها. وقد اقترحنا نحن في الحركة الشعبية خلال اللقاءات والاجتماعات التي عقدناها الأسبوع الماضي في واشنطن وفي الأمم المتحدة في نيويورك أن منبري الدوحة وأديس أبابا-المعنيين بحل مسائل الحرب في السودان- لن يتسنى لهما تحقيق أهدافهما إلا بتوحيدهما في منبر واحد، وأن الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي برئاسة ثامبو مبيكي عليها إيجاد حل دائم وشامل للمشكلة السودانية. ولهذا السبب فإننا ندعو إلى منبر واحد فقط. وفي حال مواصلة نظام الخرطوم تعنته ورفضه التوصل إلى تسوية سلمية شاملة، فإن الخيار الآخر المتاح هو أن يطيح الشعب السوداني بالنظام وينشئ على أنقاضه نظاما ديمقراطيا يقوم على حقوق المواطنة المتساوية.


    لماذا يعتبر السودان دولة فاشلة؟

    لقد أصبح السودان اليوم دولة فاشلة بكل المقاييس، تستنزف ما يزيد على نسبة 70% من ميزانيتها القومية في شن حرب ضد شعبها، في ذات الوقت الذي تخصص فيه أقل من نسبة 2% من الميزانية نفسها لخدمات الصحة والتعليم، علاوة على الاعتراف بها عالميا كونها من أكثر دول العالم فسادا. وقد بلغت نسبة المواطنين السودانيين الذي يعيشون تحت حد الفقر 98%. وبذلك فهي سيدة الفاشلين أجمعين بلا منازع. وفي سياق مسيرة الدولة الفاشلة هذه، فقد السودان ربع إجمالي سكانه مقترنا بخسارة ثلث رقعة أراضيه بسبب فصل جنوب السودان. ولا ريب أن استمرار السياسات نفسها يهدد ما تبقى من السودان حاضرا ومستقبلا. فقد واصلت حكومة السودان ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق مواطنيها. وبالنتيجة فقد أصبح بعض كبار المسؤولين الحكوميين متهمين لدى المحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه. وعلاوة على ذلك، فقد خصمت الحرب الأهلية 38 عاما من سنوات استقلال السودان البالغة هذا العام 57 عاما، في حين ظلت سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساءلة هي السياسة المتبعة. ولا غرو أن هنالك اليوم ما يزيد على 4 ملايين مواطن سوداني إما من النازحين أو اللاجئين أو المهاجرين أو من المقيمين في شتات المنافي.

    الأزمة الإنسانية: المساعدات الإنسانية قبل السياسة: الأولوية لإنقاذ الأرواح الآن

    عشية استقلال جنوب السودان مباشرة شن البشير الحرب على جبال النوبة ثم تجاهل لاحقا كافة النداءات التي وجهت إليه من قبل الآلية الرفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي بقيادة رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ثامبو مبيكي، والنداءت الموجهة إليه من قبل الجارة إثيوبيا والمجتمع الدولي. ومزق البشير اتفاق السلام المبرم في 28 يونيو 2011 الذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب في جبال النوبة. بل وسّع البشير نطاق حربه إلى منطقة جنوب النيل الأزرق في ذات الوقت الذي واصل فيه حربه على دارفور. وفوق ذلك كله، فقد انتهج البشير سياسات وإجرات تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى كلتا منطقتي الحرب الجديدتين. وتمثل هاتان المنطقتان الآن أسوأ أزمة إنسانية في القارة الإفريقية. فقد أرغم الكثير من المدنيين على الفرار من بلدهم بصفة لاجئين أو نازحين داخليا مع حرمانهم من وصول المساعدات الإنسانية التي هم في أمسّ الحاجة إليها. وكما تعلمون فإن منع وصول المساعدات الإنسانية يعتبر جريمة حرب بموجب أحكام القانون الدولي. والأشد فظاعة أن عمليات القصف جوا وبرا لا تزال مستمرة ضد المدنيين.

    لقد وقّعت الحركة الشعبية على اتفاقين في 18 فبراير و4 أغسطس 2012 مع المجموعة الثلاثية- الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة. غير أن نظام الخرطوم أحبط كلا الاتفاقين لأنه لا يزال يواصل سياسة التسويف وكسب الوقت نفسها إلى جانب منع وصول المساعدات الإنسانية باعتبار أن ذلك جزءا من استراتيجية الحرب التي يتبناها. وقد دعت الحركة الشعبية كلا من الآلية الإفريقية الرفيعة ورئيس مجموعة الإيقاد المكلفين بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2046 إلى وضع نهج جديد يهدف إلى منع الخرطوم من مواصلة سياسة التسويف وكسب الوقت والمضي في تنفيذ سياساتها العدوانية مثلما هو الحال في التعامل مع المجموعة الثلاثية. والحركة الشعبية على أتم الاستعداد لوقف العمليات العسكرية فورا بما يساعد على توفير ظروف مواتية لتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول إلى حل شامل لمشاكل السودان، فضلا عن إنشاء منطقة آمنة خالية من العمل العسكري بين جمهوريتي السودان و جنوب السودان، لا سيما وأن الحركة الشعبية تسيطر على ما يزيد على نسبة 40 في المائة من الحدود الدولية بين البلدين.

    وفي الوقت ذاته، فإن الأوضاع آخذة بالتدهور في دارفور التي تشهد موجة جديدة من جرائم الحرب- على نحو ما حدث في مناطق هشابة وكتم وجبل مرة- حيث ترعى حكومة الخرطوم ارتكاب تلك الجرائم في حين تقف قوة حفظ السلام الإفريقية التي نشرت هناك مكتوفة الأيدي بسبب محدودية تفويضها، بالإضافة إلى حيل وألاعيب نظام الخرطوم التي لا حدّ لها. فتلك القوة لحفظ السلام نشرت في منطقة لا يوجد فيها سلام ليحفظ أصلا. أضف إلى ذلك، أن أصحاب المصلحة الحقيقيين والأطراف الرئيسية في النزاع ليسوا طرفا في العملية. والواقع أن اتفاق الدوحة –كما تراه الخرطوم- ليس سوى غطاء يستغله النظام الحاكم لارتكاب مزيد من جرائم الحرب. وفي هذا السياق، فإن الأزمة الإنسانية في الإقليم هي ملمح آخر من ملامح الدولة الفاشلة في الخرطوم، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء السودان. وبين هذا وذاك، فإن الانقسامات الداخلية قد شقت الحزب الحاكم من أعلى مستوياته القيادية إلى أدناها. وما الاتهامات وحملات الاعتقال التي طالت مؤخرا عددا من قادة المؤتمر الوطني سوى دليل قاطع على ذلك. ولذا نكرر القول أن الحل الجزئي لم يعد حلا ناجعا للمشكلة السودانية.

    الإسلام السياسي عاملٌ مهددٌ للوحدة الإفريقية

    تواجه إفريقيا اليوم تهديدا جديا وخطيرا لوحدتها من قبل الكثير من جماعات الإسلام السياسي. فقد تولى بعضها مقاليد الحكم سلفا في بعض الدول الإفريقية الهامة، من بينها السودان ومصر وتونس، بينما تضطلع بعض جماعات الإسلام السياسي بأدوار محورية في بلدان أخرى كالصومال وليبيا ومالي. يضاف إلى ذلك، أن جماعات الإسلام السياسي تنشط في بلدان أخرى وتعلن عن أجندتها على الملأ في كل من نيجيريا وكينيا وتنزانيا. وهناك دول أخرى مثل إثيوبيا وجنوب إفريقيا وملاوي تواصل فيها جماعات الإسلام السياسي العمل في الخفاء.

    لماذا تشكل جماعات الإسلام السياسي مهددا للوحدة الإفريقية؟

    بدايةً، يجب القول أن الإسلام عقيدة دينية تتسم بالتسامح خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياق الإفريقي. ومن المعروف تاريخيا أن الإسلام قد أسهم إسهاما بارزا ومقدّرا في توثيق الوشائج والصلات بين شعوب القارة في الكثير من بلدانها، ليسهم بذلك في تحقيق قدر عال من الوحدة الإفريقية نفسها. وعليه، فإن من الخطأ الفادح الخلط بين الإسلام بوصفه عقيدة للتسامح والتعايش السلمي بين المجتمعات والشعوب من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى.

    فالإسلام السياسي ليس سوى أيديولوجية حزبية تتوسل الإسلام وتستغله لتحقيق مصالح دنيوية سياسية واقتصادية محضة. وخلافا لعقيدة الإسلام، فإن جماعات الإسلام السياسي لا تتسم بالتسامح مطلقا وتكفر بثقافة التنوع الديني والثقافي. وتبدي هذه الجماعات عداء لحقوق المرأة ولنظم الحكم الديمقراطي على الرغم من أن بعضها قد انتخب ديمقراطيا كما هو الحال في مصر وتونس. فهناك مؤشرات واضحة على أن تلك الجماعات تتجه أكثر فأكثر نحو الانقلاب على الديمقراطية وتبنّي نهج الحكم الشمولي بديلا عنها. وهي تتخذ في ذلك منحى مشابها لما حدث في الثورة الإيرانية التي صنعتها كافة شرائح وفئات الشعب الإيراني، غير أنها اُختطفت من قبل مجموعة عقائدية تمكنت في نهاية المطاف من إنشاء نظام ديكتاتوري قابض ومستحكم باسم الثورة الإيرانية.

    ولا ريب أن هناك صراعا عميقا في مصر وتونس بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية التي تمكنت من تحقيق الانتقاضة الشعبية وإحداث التغيير في كلا البلدين. ومع ذلك فقد كان الفوز بالسلطة من نصيب جماعات الإسلام السياسي لأنها أكثر تنظيما وظلت تواصل عملها في الخفاء منذ سنوات طويلة. والواقع أن تلك الجماعات تميل إلى اختطاف ثورات الشعوب والمضي بها في اتجاه معادٍ لتلك الشعوب ولأمانيها وتطلعاتها كما رأينا في التجارب آنفة الذكر.

    ومن هنا، فإننا بحاجة إلى التمييز بين الانتفاضات الشعبية وأهدافها المتمثلة في بناء الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية بديلا عن الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية، وجماعات الإسلام السياسي التي لا تختلف أجندتها الاجتماعية والسياسية عن أجندة الأنظمة السابقة التي أُطيح بها عبر انتفاضات شعبية.

    ولا يزال الوضع السياسي في مصر يكتسب أهمية بالغة بالنسبة للسودان وإفريقيا وللعالم العربي أيضا، نظرا إلى أن حركة الإسلام السياسي في مصر "الإخوان المسلمون" هي الحركة السياسية التي تحتل المرتبة الثانية مباشرة في القارة الإفريقية من حيث القِدَم إذ تاتي مباشرة بعد المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا الذي ناهز عمره الـ100 عام في حين يبلغ عمر تنظيم "الإخوان المسلمون" 85 عاما كونه تأسس في عام 1928. وهناك مؤشرات واضحة جدا على أن هذه الحركة ستمضي بمصر صوب نهج النظام الإيراني. ومن شأن ذلك أن يلقي بآثار وتداعيات سلبية بالغة على السودان والقارة الإفريقية بأسرها.

    ما هي أهمية تجربة الإسلام السياسي في السودان بالنسبة للقارة الإفريقية؟

    وتتلخص الإجابة عن السؤال في أن السودان، بما يتمتع من تنوع هائل إنما هو تجسيدٌ مصغّر للقارة الإفريقية. ثم إن السؤال الذي لا يزال يواجه السودان منذ نيل استقلاله في خمسينيات القرن الماضي، هو السؤال نفسه التي واجهته القارة الإفريقية ولا تزال تواجهه اليوم: كيف تبني دولة ديمقراطية حديثة في سياقٍ من التعدد الديني والثقافي؟ والإجابة المباشرة العملية والموجزة التي تقدمها جماعة الإسلام السياسي في السودان عن هذا السؤال تتلخص في تجاهل وإنكار تنوع المجتمع السوداني جملة وتفصيلا. فمنذ استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو 1989 عمدت إلى فرض رؤية تقوم على إلغاء التنوع وتسعى إلى أسلمة وتعريب المجموعات العرقية غير العربية، بل لم تتردد في إقصاء كل سوداني مسلم لا يشاطر الجماعة الإسلامية القابضة أيديولوجيتها السياسية. وفرضت الجماعة هذه مجموعة من البرامج الاجتماعية والسياسية التي أسفرت عن تهميش الغالبية العظمى من السودانيين، ونزعت عن النساء السودانيات أبسط الحقوق والحريات التي تقوم عليها إنسانيتهن. بل تبنت السياسات نفسها إزاء كل من يخالف النظام الحاكم ورؤاه الأحادية المستبدة. ولكي يتسنى للنظام فرض رؤاه الفاشية هذه فلم يكن له بدُّ من اتخاذ العنف وسيلة وسحق كل من يخالفه الرأي بقبضة من حديد، علما بأن من يخالف ذلك الطيش ليس سوى الغالبية العظمى من الشعب السوداني. ومن المنطقي أن تمخضت تلك الرؤية عن ارتكاب أشنع الجرائم في تاريخ السودان الحديث، من قبيل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وتفتيت وحدة البلاد ودفع الجنوبيين دفعا نحو الانفصال.

    وفوق ذلك، فإن للمؤتمر الوطني الحاكم- الذي يمثل جماعة الإسلام السياسي في السودان- علاقات عميقة وأنشطة مثيرة للقلق مع غالبية جماعات الإسلام السياسي في إفريقيا. وتخرّج الكثير من قادة هذه الجماعات وتلقوا تدريبهم على وسائل وأساليب عمل هذه الجماعات في جامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم. وعلاوة على ذلك، فإن هناك علاقات متينة للغاية بين حكومتي السودان وإيران يشارك في سياقها السودان في حالات وأنشطة عديدة تتم خارج حدود السودان وتلحق أضرارا بالغة بمصالح السودان الوطنية، بما في ذلك تخريب العلاقات بين السودان والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إيران تعتبر شريكا في بناء مجمع الصناعات الحربية السودانية، علما بأن منتجات هذا المجمع وأسلحته تُصوّب في الأساس إلى صدور المواطنين المدنيين السودانيين في الأساس، غير أنها تشكل جزءا لا يتجزأ من استراتيجية حركة الإسلام السياسي في إفريقيا، التي جعلت من السودان منصة انطلاق حربية لإشعال نيران النزاعات الإقليمية في القارة الإفريقية والشرق الأوسط على حد سواء. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التنوع الديني والثقافي الذي تتسم به المجتمعات الإفريقية، فإن النتيجة التي ستسفر عنها تجربة الإسلام السياسي في السودان، ستكون هي نفسها في الدول الإفريقية الأخرى، بما فيها مصر. وعليه، فإن من الأهمية بمكان أن يأخذ المثقفون الأفارقة والحكومات الإفريقية، فضلا عن الحركات السياسية والاجتماعية الإفريقية تجربة الإسلام السياسي في السودان على محمل الجد، في إطار التصدي لتنامي نشاط حركة الإسلام السياسي في إفريقيا. وإلا فستكون الخسارة فادحة جدا كما هو الحال في كل من السودان ومالي.
    وينبغي أن تكون هذه المسألة في مقدمة المسائل التي يناقشها جميع المعنيين بمستقبل إفريقيا، إلى جانب المعنيين بمستقبل الإسلام بوصفه عقيدة دينية متسامحة.


    الفجر الجديد والمضي قُدُماً:

    لقد وقّعنا في الخامس من يناير 2013 وعقب انعقاد اجتماع تاريخي للجبهة الثورية السودانية، وقوى الإجماع الوطني، وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني، ومشاركة بعض منظمات النساء والشباب على وثيقة "ميثاق الفجر الجديد" التي تقدم الإجابة عن السؤال الرئيسي من أجل توحيد قوى المعارضة السودانية، بما في ذلك الترتيبات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية والآلية اللازمة لمشاركة جميع قوى المعارضة السودانية، وتعزيز قدرة الشعب السوداني على الإطاحة بالنظام الديكتاتوري القائم عبر انتفاضة شعبية سلمية، من شأنها أن تمهد الطريق أمام وضع حد للحروب وإقامة نظام ديمقراطي يستند إلى سيادة القانون وعلى أساس المساواة الكاملة في حقوق المواطنة. وعلى الرغم من التحفظات والملاحظات التي أبداها بعض الموقعين على الميثاق، فقد حظيت الوثيقة بتأييد واسع النطاق على مستوى القواعد الشعبية العريضة والناشطين السودانيين. فقد هز ميثاق الفجر الجديد أركان النظام، ووضع المعارضة السودانية في موقع سياسي متقدم. وقد أعربت جميع الأطراف الموقعة على الميثاق عن ضرورة أن يشارك الجميع وأن يعملوا معا على تحسين وتطوير الميثاق كي يكون قادرا على تلبية طموحات الشعب السوداني، ويتسنى له توحيد قوى المعارضة جميعا في منبر واحد. وسنواصل العمل على تحقيق هذا الهدف الذي نثق بإمكانية الوصول إليه قريبا.



    الوحدة السودانية .. وحدة بين دولتين مستقلتين:

    لا شك أن انفصال الجنوب يمثل خطأً إنسانيا فادحا يمكن جبره وتصحيحه عن طريق إيجاد شكل آخر للوحدة بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة. فقد آثر جنوب السودان إقامة دولته المستقلة بسبب غياب مشروع شامل لبناء الأمة، علاوة على غياب عملية سديدة للتشكيل الوطني تقوم على خصائص الواقع السوداني الموضوعي، وعلى التنوع التاريخي والمعاصر الذي يتسم به السودان.

    وتأسيسا على التزامنا بوحدة القارة الإفريقية وبتحقيق رؤية السودان الجديد، فإننا على إيمان عميق بإمكانية الوصول إلى وحدة بين السودان وجنوب السودان تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة كل واحد منهما. وسنواصل العمل من أجل بلوغ هذا الهدف. فالاتحاد الأوروبي يقدم مثالا جيدا وملهما على إمكانية حفظ التوازن اللازم بين سيادة كل واحدة من الدول المستقلة الأعضاء فيه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الوحدة فيما بينها جميعا.

    الخاتمة:

    • لا تزال رؤية "السودان الجديد" سديدة فاعلة ولها من مكامن القوة والإلهام ما يمكنها من بناء دولة تتوفر لها مقومات البقاء وتستند إلى المواطنة والاعتراف بالتنوع وبقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفوق ذلك فهي رؤية قادرة على تحقيق السلام والمصالحة الوطنية على أساس العدالة. وعلى إثر انفصال جنوب السودان، لا يزال السودان بلدا زاخرا بالتنوع كما كان من قبل الانفصال. ويقينا فإن ما يجمع السودانيين جميعا إنما هي سودانويتهم بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية أو النوع أو الانتماء الجغرافي.
    • وقد تسنى لنا في العام الماضي توحيد فصائل المعارضة السياسية المسلحة وغيرها من قوى المعارضة الأخرى في إطار الجبهة الثورية السودانية. وفضلا عن ذلك، فإننا في غمار عملية سياسية تاريخية جديدة هي ميثاق الفجر الجديد الذي جمع معا بين ممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشباب والنساء والنقابات والاتحادات المهنية. وهي عملية في غاية الأهمية والجدية، وينبغي مواصلة العمل على تحسين ميثاق الفجر الجديد وتطويره. ذلك أنه يمثل الطريق الوحيد الآن لتحقيق التحول الديمقراطي وإنهاء الحروب وبناء مستقبل مشترك لجميع السودانيين يقوم على الإجماع السوداني. وليس بوسعنا أن نغير الماضي، بطبيعة الحال، غير أن بوسعنا الاتفاق على اجندة للمستقبل لبناء سودان على أسس جديدة، لكي نكون جميعا أصحاب مصلحة مشتركة في ذلك المستقبل.
    • تشكل حركات الإسلام السياسي في القارة الإفريقية عاملا مزعزعا لاستقرار القارة، ومن المؤكد أنها ستلحق أضرارا بالغة بمجتمعات وبلدان القارة، بل بعقيدة الإسلام نفسها على نحو ما حدث في السودان الذي دفع ثمنا باهظا ليس أقله وحدته ومستقبله معا. وبالتالي، فإن من الأهمية بمكان أن تحظى القوى الديمقراطية في البلدان الإفريقية التي تشكل ثقلا موازيا ومناهضا لحركات الإسلام السياسي، بالتضامن والدعم اللازمين من جميع القوى المحبة للديمقراطية والسلام. ولا يزال السودان الآن شريكا فاعلا للكثير من حركات الإسلام السياسي في إفريقيا والشرق الأوسط. ومن شأن تحقيق التحول الديمقراطي في السودان أن يشكل إضافة إيجابية للقارة الإفريقية وللاستقرار العالمي عموما.
                  

02-14-2013, 04:38 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    ضعُف الطالب .. وعزّ المطلوب !!(2-4)
    February 14, 2013
    د. عمر القراي..

    ..”الإنتباهة” تستعين بوقيع الله لتشويه الفكر الجمهوري

    (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ* ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) صدق الله العظيم

    تشوية المعاني العرفانية

    لقد أشار أحد محاوري وقيع الله من حزب المؤتمر الشعبي، الى ميله للوهابية، خاصة بعد ترشيحه لجائزة الأمير نايف العالمية.. ولعل محاولة استرضاء السعوديين، بإتباع نهج الوهابية، بالإضافة الى ضعف الفهم العام، هي التي جعلت وقيع الله يخوض في المعاني العرفانية، الرفيعة، بالإعتراض دون فهم، والرفض دون تروي، والتعوذ من حقائق الدين، والإنكار للاحاديث النبوية، بدعوى أنها موضوعة، مما جعله يتقحم هذه المعارف، العميقة، وهو يطفو على سطحها، مضطرباً يمنة ويسرة، وكأنه الثور في مستودع الخزف !!

    يقول وقيع الله (وزعم محمود أن الله ــ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ــ قد خلق هذا الوجود من ذاته، وأن ذاته هي الذات الواحدة، أو النفس الواحدة التي وردت في الآية. وذهب إلى أن الإنسان «في تطوره وترقيه ينقلب مرة ثانية ليلتحم بذات الله، ويرجع إلى أصله» واستدل بالآية الكريمة: «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه» وبالآية الكريمة: «وأن إلى ربك المنتهى» راجع الأخوان الجمهوريين، عقيدة المسلمين اليوم، الخرطوم ص 51-54)(الإنتباهة 25/1/2013م). ثم زاد على ذلك بقوله :

    . (إن محموداً لم يقل صراحةً في محفل عام إنه هو الله، كما لم يزعم في واحد من كتبه أنه قد وصل إلى مرتبة الإله، ولكنه لم ينف كذلك أن الإنسان يمكن أن يصبح زوج الله، بل أكد هذاــ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ــ حيث ذكر أكثر من مرة في كتبه أن الله خلق الإنسان من ذاته، مستدلاً بالآية الكريمة: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها»، وقال إن الله لم يخلق الوجود من عدم لأنه تعالى يقول: «أم خلقوا من من غير شيء أم هم الخالقون؟» … وهكذا نرى السعي الحثيث لإثبات ألوهية الإنسان، أو إمكانية ألوهية الإنسان)(المصدر السابق).

    فما هو وجه الحق في كل هذا التخليط ؟؟ إن مقتضى التوحيد هو أن نعرف، ونقر، بأن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ معه، وليس لوجوده بداية، ولا نهاية .. قال تعالى من قائل (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وكونه تعالى الأول، يعني بالضرورة، أن الشئ الثاني، قد جاء منه. فالبداية كانت وجوده سبحانه وتعالى، ولم يكن بإزائه شئ اسمه العدم، ليخلق منه .. وعلى كل حال، ما دام كلمة (العدم) تعني لا شئ، فالبداهة تقرر انه لا يمكن أن يجئ شئ من لاشئ !! ولقد قال جهلة المشركين أنهم خلقوا من لاشئ، فنعى عليهم الله ذلك، وقال (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ؟!)، فكما استنكر عليهم ظنهم بانهم خلقوا انفسهم، أستنكر عليهم ظنهم بأنهم خلقوا من لا شئ !!

    لقد خلق الله الوجود، كله، وعلى قمته الإنسان، من نفسه .. قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) .. والنفس الواحدة، هي نفسه تبارك وتعالى، ولئن قبل في مجال التفسير القريب، ما قاله المفسرون، من ان النفس الواحدة، هي نفس آدم، فإن هذا، من حيث الحقيقة، لا يستقيم من عدة وجوه . منها أن آدم نفسه من الناس، وهو مخاطب مثلهم، بأن يتقي الله، الذي خلقه من نفس واحدة !! ومنها أن نفس آدم ليست واحدة، لأنه كسائر البشر، منقسم بين ما يظهره للناس، وما يخفيه عنهم، وبين نوازع الخير ونوازع الشر، واما النفس الواحدة فهي نفس الله الواحد الأحد. ومنها ما ذكرناه من أن نفس آدم ما دامت ليست الوجود الأول، فهي لا بد أن تكون قد جاءت من الوجود الأول، وهو ذات الله-نفس الله.

    والخلق إنما تم بالتنزل، فالله تبارك وتعالى أحاط بالوجود علماً قبل ان يوجده، ولما كان سبحانه لا يعلم بجارحة، وإنما يعلم بذاته، فمعنى ذلك أن الذات تنزلت الى مرتبة العلم.. ثم حين أرادت أن تخلق الوجود، تنزلت من العلم الى الإرادة، فخصصت صورة الخلق، وفق إحاطة العلم. ثم تنزلت من الإرادة الى القدرة، فابرزت الوجود، وفق إحاطة العلم وتخصيص الإرادة. ولهذا فإن أصل الأسماء التي تم بها الخلق هي : العالم، المريد، القادر. ولجهل وقيع الله، إستنكرأن تكون نفس الإنسان، قد جاءت من نفس الله، فمن أين جاءت روح الإنسان ؟! قال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) .. فإذا كانت روح الإنسان من روح الله، فما الذي يمنع ان تكون نفسه من نفس الله ؟!

    أما قول وقيع الله (وذهب إلى أن الإنسان «في تطوره وترقيه ينقلب مرة ثانية ليلتحم بذات الله، ويرجع إلى أصله») فهو قول نكر، وهو من سوء فهمه، ولم يرد عند الجمهوريين، رغم انه لعدم امانته، وضعه بين قوسين، ونسبه الى احد كتبهم !! فالقول بالاتحاد بذات الله، أو الحلول فيها، ليس صحيحاً، ولم يقل به الاستاذ محمود محمد طه، بل قال (والذات الإلهية مثلنا الأعلى في هذا التطور، ولكننا لن نكون جزءاً منها، لأنها لا تتجزأ. ولن نذوب فيها، إلا في معنى أننا نذيب نقائصنا في كمالاتها. ولن نتحد معها، لأنها مطلقة ونحن محدودون.. وإنما أمرنا معها أمر المتطور من بداية الكمال الى نهاية الكمال، لكن هذه النهاية مطلقة، فيصبح حظنا من التطور سرمدياً، مستمراً … فليس لكمال البشر نهاية، لأن نهايتهم الله، وليس لله نهاية .. “وأن الى ربك المنتهى” ولا منتهى .. بإيجاز كمال الإنسان أن يكون الله، ولن يكون لأنه ليس لله نهاية فيبلغها ولا صورة فيكونها وإنما كمال الإنسان، في هذا الباب، أن يكون مستمر التكوين –مستمر التطور من النقص الى الكمال)(أسئلة وأجوبة –الكتاب الأول، يناير 1970م ص 10-11).

    وحتى يشوه وقيع الله هذا الفهم الواضح، بأن “يكون الله” معناها هو السير ترقياً نحو كمال الله، الذي لن يبلغ، لأنه مطلق، أورد نصاً مبتوراً، فقال (وتحدث محمود عن إمكان الوصول إلى الإلوهية، في أعقاب حديث له عن القضاء والقدر، فقال إن النفس تصل، بعد أن تعرف سر القدر إلى «وحدة ذاتها»، و «ها هنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية، فيومئذٍ لا يكون العبد مسيراً، وإنما هو مخير، ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله، معاوضة لفعله، فيكون حيا حياة الله، وعالماً علم الله، ومريداً إرادة الله، وقادراً قدرة الله، ويكون الله)(الإنتباهة 25/1/2013م) ولكن النص الكامل هو (وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والاشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث ان تحدث وحدة ذاتها، فتصير خيراً محضاً، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.

    هاهنا يسجد القلب، والى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيراً، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه الى حرية الإختيار، فهو قد أطاع الله حتى اطاعه الله، معاوضة لفعله .. فيكون حياً حياة الله، وعالماً علم الله، ومريداً ارادة الله، وقادراً قدرة الله، ويكون الله.

    وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقاً بقوله تعالى عن نفسه ” كل يوم هو في شأن” والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال “تخلقوا باخلاق الله أن ربي على صراط مستقيم” وقد قال تعالى ” كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون”)(الرسالة الثانية من الإسلام-الطبعة الرابعة ، اكتوبر 1969م ص-107-108).

    ولقد وقف وقيع الله عند عبارة ” ويكون الله”، ولم يكمل النص، ليخلص الى أسئلة ساذجة، ظنها لسطحيته من المعضلات، فقال (إذا أُتيح لنا أن نسأل زعيم الحزب الجمهوري الذي هلك: كيف يصبح الإنسان حيّاً حياة الله، وحياة الله لا تنتهي، وكيف يصبح الإنسان عالماً علم الله، وعلم الله شامل محيط لا يعزبُ عنه شيء، وكيف يكون الإنسان مريداً إرادة الله وقادراً قدرة الله، وإرادة الله وقدرته مطلقتان؟ فإنه يجيبنا بالحديث الموضوع السابق: «تخلقوا بأخلاق الله»)(الإنتباهة 27/1/2013م). مسكين وقيع الله، فهو لا يعلم أن حياة الإنسان لا تنتهي بالموت الحسي، بل لا يعلم أن الموت حياة في حيز جديد، أكمل من حياتنا الدنيا، بل ان حياتنا الدنيا، مجرد لعب، بجانب الحياة الحقيقية في الآخرة.. وفي هذا المعنى، يجئ قوله تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).. فحياة الإنسان لا تنتهي، لأن فيه روح الله، ولهذا إتصف بصفات الله النفسية السبعة، وهي أن الله حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم .. وهو تبارك وتعالى قد خلق الإنسان حياً، وعالماً، ومريداً، وقادراً، وسميعاً، وبصيراً، ومتكلماً. غير أن صفاته في طرف الكمال، بينما صفاتنا في طرف النقص. وإلى كون صفاتنا هي صفات الله، الإشارة بقوله تعالى (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)، ومعلوم ان السميع البصير، إنما هو الله تبارك وتعالى، والى هذا الشبه في الصفات الإشارة بالحديث النبوي (إن الله خلق آدم على صورته).

    ولكن وقيع الله، لا يقبل الحديث بهذه الرواية، ويقدم رواية أخرى، يطرح لها فهماً سقيماً، فيقول (وهم يستدلون على ذلك بالحديث القائل: «لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك لأن الله خلق آدم على صورته». وهذا الحديث صحيح، ولكن يقول العلماء في معناه إن الله تعالى قد خلق آدم على الصورة التي صنعها له …. ويكون المعنى بذلك أن الله تعالى أوجد آدم على الهيئة التي خلقه عليها)(الإنتباهة 27/1/2013م). وكذلك خلق البقرة على الصورة التي صنعها لها، وخلق الشجرة على الصورة التي صنعها لها، وخلق وقيع الله على الصورة التي صنعها له، فهل يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح الخلق، أن يقرر هذه البديهة ؟! فما ظن وقيع الله إذا أخبرناه ان الحديث ورد كما أوردناه، كما جاء برواية أخرى، هي (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) ؟! فإن شق ذلك على وقيع الله، واستنكره، وتعوذ منه، وأتهمنا بأننا نورد أحاديث موضوعة –مما سنرد عليه لاحقاً- فإن ذلك يدل على انه لا يقرأ حتى لاشياخه الوهابية فقد جاء (السؤال: ما صحة الحديث الذي في صحيح البخاري في كتاب الإستئذان ” إن الله خلق آدم على صورته” وقال ابن حجر رحمه الله “قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن” ما صحة هذا الحديث ؟ الجواب:هذا هو الصواب الحديث صحيح مثل ما قال اسحق واحمد وغيرهم ومعناه سميع بصير وليس معناه مثل سمع ابن آدم وبصره يقول الله سبحانه ” ليس كمثله شئ وهو السميع العليم” يعني أن الله خلق آدم على صورته سميعاً بصيراً متكلماً) (موقع فتاوي عبد العزيز بن باز على الرابط التالي : ).www.binbaz.org/sat/mat/3344

    ومراد الدين بكل تشاريعه، أن نسير من صفاتنا الناقصة، نحو صفاته الكاملة .. فإذا تم هذا السير المجيد لأحدنا، بفضل الله، ثم بفضل الترقي، في كل جزئية من جزئيات الزمن، فإنه يصح ان يوصف بصفات الكمال، لأنها اصبحت ميراثه، بما يؤول إليه حاله، وقد اسبغ الله عليه صفاته.. وفي الحديث (وما يزال عبدي يتقرب الى بالنوافل حتى احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها ).

    ومن سوء الخلق، وبداوة الطبع، أن يردد وقيع الله، عبارة (الذي هلك)، كلما ذكرالاستاذ محمود، وهو يقصد الإساءة الى رجل لا تلحق به سيئة .. ومن حسن التوفيق، أن معنى الكلمة الحقيقي، لا يحتوي على المعنى السلبي، الذي اعطته الثقافة الدارجة، وظنه وقيع الله، لافتقاره لادنى معرفة، هو المعنى.. فلقد وصف الله بها نبيه، ورسوله، يوسف الصديق عليه السلام، فقال تعالى من قائل ( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) .. أما الأستاذ محمود محمد طه، فلا يصح ان يقال عنه أنه مات !! لأنه عاش في سبيل الله، وقتل في سبيل الله، فهو حي، وإن لم يشعر بذلك وقيع الله وأمثاله، من موتى الأحياء .. إقرءوا إن شئتم قوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ).

    التلفيق وسوء التخريج بغرض التنفير:

    وحين وجد وقيع الله، أنه لو إعتمد على كتب الفكرة، لن يستطيع تنفير الناس منها، ولما كان لا يرعى للحق حرمة، أخذ يذكر كلما سمعه، أو خطر بباله، وينسبه للجمهوريين، دون أن يفكر في كتابة مرجع أو مصدر، أو يذكر من أين أتى به، فقد قال (سئل مرة محمود محمد طه في محاضرة عامة له، هل تصوم رمضان؟ فقال إني آكل في نهار رمضان ولكني لا أشبع. وسئل هل تحج ؟ فقال:« إني أطوف حول قلبي»)(الإنتباهة 28/1/2013م). إن كل محاضرات الأستاذ محمود العامة مسجلة، وموجودة الآن لدى الجمهوريين، ففي أي محاضر قال ذلك؟! إنه مجرد تلفيق وكذب رخيص.

    يقول وقيع الله (ومن طرائف حزب الجمهوريين أن زعيمهم الهالك كان أمردَ لا يبقي على لحية ولا شارب، وذلك من أجل مزيد من التشبه بالله في زعمهم، والعياذ بالله من هذا الشرك المبين. وقد أخذوا ذلك من الحديث المكذوب الموضوع الذي يتردد كثيراً في كتاباتهم واستشهاداتهم، وهو الحديث الذي يقول : «ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي، فرأيت الله في صورة شاب أمرد…) الى أن يقول (وعندما يواجه الجمهوريون بالأحاديث الصحيحة في الشوارب واللحى يردون ذلك بدعوى أنها من أحاديث العادات ولا تلزم المسلمين في شيء!)(المصدرال سابق). أولاً (الأمرد هو الشاب الذي بلغ خروج لحيته وطر شاربه ولم تبد لحيته)(راجع لسان العرب –باب مرد).. ولكن الشيخ الكبير يسمى حليقاً إذا كان لا يترك لحية ولا شارباً. فلو لا الحقد، والرغبة في التشويه، والغرض الذي بلغ حد المرض، هل يمكن ان يتصور وقيع الله، أن الأستاذ محمود، وهو شيخ، يمكن ان يظن أنه لو حلق، سيشبه الشاب الأمرد، الذي جاء في الحديث، وبذلك يشبه الله ؟! اللهم هذه غثاثة، اضطرنا إليها من لا خلاق لهم !! فما هو الحق في امر حلق اللحية والشارب؟؟


    إن الجمهوريين دعاة الى بعث السنة النبوية، وهي عمل النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة والاخلاق.. والمظهر سنة عادة وليست سنة عبادة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر الى أجسادكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم)، فلا عبرة دينية بالمظهر.. والذي يدعوا الى سنة العبادة، لا بد ان يتجنب سنة العادة، حتى لا يضلل الناس، لأن السنة لا تحتمل الزيادة ولا تحتمل النقصان .. ومما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويلحق بسنة العادة، إطالة الشعر، وإطالة اللحية، وحلق الشارب، ولبس الخف، ولبس العمامة، وحمل العصا، وحمل السيف، وركوب البعير، وكل هذا لا يفعله الجمهوريون .. فهل يفعله وقيع الله في امريكا اليوم

    ------------------------


    الدين والسياسة (3)
    February 14, 2013
    د. الشفيع خضر سعيد..

    ظلت هذه التجارب تؤطر لإقتصاد السوق وسياسة التمكين الإقتصادي للخلصاء وأخوة التنظيم، دون أدنى إعتبار لشرائح الفقراء والمحرومين.

    في الجزئين (1) و(2) من هذه السلسة من المقالات عن الدين والسياسة، تناولنا عددا من النقاط، أسميناها زوايا التفكير، حول إشكالية علاقة الدين بالسياسة، بإعتبارها الإشكالية التي ظلت مطروقة، وبشدة وإستمرارية، في المشهد السياسي في البلاد. وقبل أن نختم مناقشتنا بإستنتاجاتنا الأساسية حول هذه الإشكالية، وهو ما سنتناوله في مقالنا القادم، نواصل اليوم تسليط الضوء على جانب آخر من جوانب إستغلال الدين في السياسة، والمتمثل في جعل الدين وكأنه مجرد إطار لتجميل المشاريع الدنيوية، مهما بلغت هذه المشاريع من القبح والدمامة. معظم التجارب التي حكمت بإسم التوجه الإسلامي، بما في ذلك تجربة الإنقاذ في السودان، إتسمت بالابقاء على دولة لا تستند على حكم القانون، وتقلصت فيها مساحة ممارسة العدالة، بالمعنى المتعارف عليه دوليا وتاريخيا، بحيث أصبح الناس لا يثقون في عدالة وحياد ومعنى إستقلال مؤسسات العدالة والحقوق، بما في ذلك مؤسسة القضاء.


    والمسألة هنا لا تتعلق بالسياسة وقضايا الرأي فقط، وإنما الأمر تعدى ذلك ليدخل في قضايا ونزاعات حياتية، مثل نزاعات الأراضي أو الجرائم المرتكبة من أفراد أجهزة النظام، بما فيها جرائم القتل. ومن ناحية أخرى، ظلت هذه التجارب تؤطر لإقتصاد السوق وسياسة التمكين الإقتصادي للخلصاء وأخوة التنظيم، دون أدنى إعتبار لشرائح الفقراء والمحرومين. كل هذه الممارسات والسياسات تتم تحت غطاء التحليل (من الحلال)، الذي يحلل كل شيئ لأهل هذه التجارب ويحرمه على الآخر، ما دام يتم بإسم تحكيم الشرع والإيمان، ومادامت المظاهر الشكلية للإلتزام الديني، وليس قيم الدين الحقيقية، متوفرة ومنتشرة بكثرة، من الزبيبة واللحية الكثيفة إلى السبحة الطويلة التي تكاد تعيق صاحبها أو صاحبتها عن السير.

    وفي محاولة لإكمال الصورة، رأيت أن أقتطف بعض الإشارات من الكاتبين المصريين، الدكتور علاء الأسواني، الأديب والروائي وكاتب المقال السياسي المعروف، والكاتب والصحفي وائل لطفى، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية (2007). في كتابه (هل نستحق الديمقراطية)، تحدث علاء الأسواني عن ضباط الأمن المصريين الذين يؤدون الصلاة فى اوقاتها، ويصومون ويحجون الى بيت الله..، لكن كل هذا لا يمنعهم من ممارسة عملهم اليومى فى التعذيب والضرب وإستعمال الكهرباء فى صعق المعتقلين. كما أشار إيضا إلى الأطباء الذين يتركون المرضى بلا عناية حتى يتمكنوا من اداء صلاة التراويح. كذلك، تحدث عن ما أسماه التدين البديل، مشيرا إلى إن الذين يتبنونه “يصومون ويصلون ويحيون الناس بتحية الاسلام، ويلزمون زوجاتهم بالحجاب ولنقاب، و ربما يشاركون فى مظاهرة ضد الرسوم الدنماركية أو منع الحجاب فى فرنسا، أو يكتبون الى بريد الاهرام منددين بالكليبات العارية…، وهم يعتقدون بعد ذلك انهم أدوا واجبهم الدينى كاملا غير منقوصا.


    وهم لا يهتمون اطلاقا بالشأن السياسى ولا يهتمون بموضوع التوريث،… بل ان بعضهم لا يرى بأسا فى ان يورث البلد من الاب الى الابن و كأنه مزرعة دواجن! المتدين البديل لا يعتقد اساسا ان له حقوقا سياسية كمواطن، وفكرة الديمقراطية لا تشغله، وأقصى ما يفعله بهذا الصدد ان يدعو الله ان يولى عليه من يصلح، ثم يحدثك بحماس عظيم عن عظمة الخلفاء العظام مثل عمربن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز.” ويقول الأسواني: ” إن التدين البديل مرض محزن اصاب المصريين فأدى بهم الى السلبية والغفلة. فالدفاع عن مبادئ الاسلام الحقيقية: الحرية والعدالة والمساواة، مسألة محفوفة بالمخاطر فى مصر ستؤدى حتما الى السجن وقطع الرزق و التشريد. اما التدين البديل فلن يكلفك شيئا، وهو يمنحك احساسا كاذبا بالطمأنينة و الرضا عن النفس”.

    أما الباحث وائل لطفي، وفي كتابه (الدعاة الجدد)، لفت النظر الى كون الائمة الجدد يدعون مؤيديهم الى الابتعاد عن مشاكل الصراع السياسى، والركون إلى تفسير كل ما يقع عليهم من عنت على انه قدر أو عقاب على ذنب شخصى. و يوضح وائل لطفى ان الدعاة الجدد، ورغم ان ظهورهم على المسرح المصري جاء كردا تلقائيا على رفض العنف والارهاب باسم الاسلام، ورغم انهم يظهرون بمظهر عصرى، او اذا شئت ليبرالى، ويستفيدون من الفضائيات، ومنتجات الغرب التكنولوجية وغيرها، الا انهم يرفضون العقل النقدى ويدفعون مؤيديهم الى حالة عمى تجعلهم بعيدين عن الوقائع اليومية.

    بإختصار، نحن نود القول بأن ما يجري في السودان اليوم، من إستغلال للدين في السياسة، وغض النظر عن النوايا، هو في النهاية سيفضي إلى إستخدام الدين ككابح ضد التغيير والتقدم الإجتماعي، وذلك من خلال محاولات طمس ملامح الشخصية السودانية عبر طرح ثقافة دينية تعنى بالمظاهر دونا عن جوهر الاسلام، ومن خلال محاربة البعد الشعبي للتدين في السودان. وأعتقد أن هيمنة وكنكشة الإنقاذ على السلطة في البلاد، جاء مخالفا للخط التاريخي المتعلق بالفتح الاسلامى فى السودان، والذى جاء مسالما، متقبلا للثقافة اليومية، ومنفتحا عليها بدرجة ان اصبحت اللغة العربية هى لغة التحاور و التفاعل بين القبائل المختلفة العرق والدين فى السودان. وهذه الهيمنة السلطوية احدث تصدعات مهولة بفصلها للجنوب،


    وبمباركتها للحرب الاهلية الدائرة فى البلاد، وعمقت من المأزق الذى تمر به البلاد والذي يضع الآخرين، وحتى الاسلاميين فى الاحزاب والجماعات المختلفة بما فيهم اهل الطرق الصوفية، يضعهم فى خانة المتورط و المسئول عما يحدث من شرور.. و ليس أمام الإنقاذ، التي تطل علينا صباح مساء لتذكرنا بأنها تحكم بإسم الإسلام، ليس أمامها خيارات كثيرة: فإما ان يرضوا مشاركة الاخرين فى اقتسام الثروة والسلطة، ويعترفوا بوجود هولاء الآخرين كاجسام حية، مرئية، لها كامل المشروعية في السودان مثل غيرهم، و اما ان يستمروا فى سياسة التطهير و التصفية و التخوين و التمكين و التكفير و بالتالى يستمر القتال وتتفاقم الأزمة. (نواصل)

                  

02-14-2013, 10:10 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    جبهة الدستور الإسلامي.. ميثاق الفجر الإسلامي (1)
    التفاصيل
    نشر بتاريخ الأربعاء, 13 شباط/فبراير 2013 09:24


    التاريخ: 5/2/2013م النمرة: ج/د/الإسلامي/1
    الموافق:24/ربيع الأول/1434هـ


    «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» سورة الملك 22


    تـوطئة:

    < < لقد ظل الخطاب العلمانى فى بلادنا يتذرع بالجنوب بوجود مجموعة سكانية لا تدين بالإسلام فى رفضه لتحكيم الشريعة الاسلامية وإقرار دستور إسلامى يحكم جميع شؤون حياتنا وظل التجاذب والاستقطاب بين الخطابين الإسلامى والعلمانى هو سيد المشهد السياسى فى البلاد منذ خروج المستعمر ولم تهنأ بلادنا بحكم اسلامى مبرأ من كل عيب تحت سيف الضغوط الخارجية التى اتخذت من الداخل وتناقضاته الدينية مدخلاً للتدخل فى حياتنا السياسية ولقد كانت الحكومات طيلة هذه الحقبة منذ الاستقلال تضع الف حساب لمطالب الخارج وضغوطه وتحاول تدجين الداخل وإلهائه عن مطالبه الحقيقية التى تمثل ضمير الامة وهويتها ورغم انفصال الجنوب واستقلال الحركة الشعبية بدولة تحكمها وفقًا لشريعة الغاب التى يرزح تحت نير تسلطها أبناء الجنوب الا أن اذيالها فى الشمال وحلفاءها من العلمانيين مازالت ضغوطهم تتواصل لإقرار دستور علمانى وقد اتخذوا لذلك جميع الوسائل للحشد والدعوة لمشروعهم الأجنبي عن عقيدة الأمة وهددوا بالثورة الشعبية بل والحرب الضروس التى لا تبقي ولا تذر من دارفور الى ولاية النيل الازرق معتمدين فى ذلك على التأييد الإقليمى والدولي وقام فيهم عقبة بن أبى معيط خطيبًا ان اصبروا على آلهتكم انكم لأنتم الغالبون وتم تتويج جهودهم المضنية فى تحقيق مشروع السودان الجديد بتوقيع وثيقة الفجر الجديد،


    وفى ظل هذه الحملة الشرسة لا يمكن لأمتنا أن تحقق أهدافها فى الحياة تحت ظل حكم إسلامى بمجرد الامانى والدعوات الباردة الخالية من حراك حقيقى وضغط فعال فان تكافؤ الضغوط هو الذى يصنع للامة ما تريد بل رجحان كفة الضغط الاسلامى هو الكفيل بإخراص ألسنة العلمانيين واستجابة النظام لشعار ظل يرفعه لا تسنده حقائق الواقع من تراجع مستمر وتدحرج بالبلاد نحو الهاوية، والضغوط هذه لا ينهض لها الا كيان مجتمعة كلمته ومتحد مشربه وماضية عزيمته وواضح تصوره وجاهزة آلياته واجهزته وقادرة قياداته على إبداع وسائل وأساليب مبتكرة وفعالة لادارة أزمة مستقبل السودان الشمالى والدستور بعبقرية وحكمة تبلغ الأمة ما تريد لتكتب فى تاريخ السودان مشهدًا جديدًا بعيدًا عن التجارب الخداج التى أورثتنا فى أحسن صورها إسلاماً معتلاً يأخذ من القرآن حيناً ومن الغرب أحياناً كثيرة ويتخير من كتاب الله عز وجل.

    إن وضوح الرؤية ومُضي العزيمة وصلابة الارادة والقدرة على تحويل التعاطف الشعبي العام الى عمل منظم وفعّال هو التحدى الذى يجب علينا النجاح فيه وتجاوزه بمخاطبة شواغل الشعب الحقيقية فى العيش الكريم والعزة والكرامة والعدالة وفقاً لهدى الإسلام، لم تكن قضية الهوية حاضرة فى الصراع السياسي فى بلادنا التى شهدت ثلاثة انقلابات عسكرية وثلاث حكومات ديمقراطية، إن الصراع كان ياخذ أبعادًا تتعلق بالوضع الاقتصادى، السياسي، الأمنى.


    وكان التدافع بين الاحزاب والمجموعات السياسية فى طبيعة نظام الحكم لا هوية الدولة، ولم تشهد دولة إسلامية فى تاريخنا الحالى صراعاً على هذا النحو، فقد كان النظام المصري البائد منذ ثورة يوليو 1952 نظاماً علمانياً لكن مصر ظلت دولة لها قدر من الحضور فى محيطها العربى والاسلامى ولم يعمل النظام على تمييع قضية اللغة ولم يكابر فى حقيقة الانتماء إلى العالم الإسلامى بل إن مصر ناصر والسادات ومبارك تعتبر نفسها قائدة للعالم الإسلامى والعربى رغم علمانية نظامها ولم يعمل هذا النظام رغم علمانيته المتطرفة على إعادة مصر إلى عهدها الفرعونى ولا عصرها المسيحى بل لم تكن الكنائس تصدق فى مصر الا من رئيس الجمهورية مباشرة فلا يحق لمحافظ ولا وزير أن يصادق على بناء كنيسة.



    أردنا بهذه المقدمة القول إن السودان يشهد مرحلة من الصراع السياسي لم يشهدها منذ الاستقلال!!، والمتأمل فى وثيقة الفجر الجديد يجد أن الوثيقة لا تتحدث عن هوية النظام ولا عن شكل الحكم ولا عن تداول السلطة وإنما تتحدث بالأساس عن تغيير جذرى لهوية الدولة ولغتها الرسمية، وطمس متعمد لعقيدة الأمة ومرجعيتها الثقافية. إن مشروعًا على هذا النحو لا يمكن أن تواجهه الأمة بخطاب سياسي أجوف او ترضيات على مستوى قسمة الثروة والسلطة أو استقطابات تخاطب مظاهر الأزمة وتتجاهل جذورها وأسبابها !!

    فهذه المعالجات الانقاذية الخاطئة لم تزد الأمة الا رهقًا ومشروعها الفكرى الا تراجعًا والتدين فى مجتمعنا الا انحسارًا وواقعنا الاسلامى إلا إحباطًا والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.. إن مواجهة هذا المشروع المدمر والخطير تتطلب اصطفافًا إسلامياً وتوبة نصوحًا ترفع غضب الله ######طه عنا، إن سنة الاستبدال لا تجامل نبياً مرسلاً ولا ولياً صالحاً والله عز وجل استبدل أنظمة فى محيطنا العربى لم تكن تحكم باسم الدين ولم تكن تخطئ باسم الشريعة ولم تكن تظلم باسم الاسلام ولم تكن تفسد باسم الرسول عليه الصلاة والسلام والاستبدال هذا تحكمه سنن وقوانين والله يسوق العالم كله نحو النصر المظفر للإسلام والأمة قد جربت الشرع المبدل والشرع المؤول ولم يبق أمام الناس الا عصر الشرع المنزل فتلك دورة التاريخ لكل دين أنزله الله عز وجل.


    والمعارضة الواهمة التى تريد أن تحاكى الربيع العربي دون إدراك منها لسنن الله عز وجل عليها أن تعلم أن الانقاذ إذا اراد الله استبدالها فإنه باذن الله تبارك وتعالى واحسانًا به الظن لن يستبدلها بمعارضة كمبالا العلمانية العنصرية فى محيط إقليمي يهتف كله الشعب يريد تطبيق الشريعة والسودان وشعبه الطيب موعود بأحد خيارين ليس للموقوذة والنطيحة من العلمانيين فيهما نصيب إما أن تتبدل الإنقاذ وتنصلح ذاتياً وإما أن تستبدل بخير منها «ثم لا يكونوا أمثالكم» والصادقون فى انتمائهم إلى هذه الأمة ودينها من أبناء السودان رابحون فى الحالتين. وبين يدى ميثاق الفجر الإسلامى لا بد من تسجيل بعض الوقفات:


    وجه الأزمة وتقاطيعه:


    أ. لقد قطعت الحركة الإسلامية بانقلابها العسكرى الطريق على مشروع السودان الجديد واتفاقية أديس أبابا «1988» التى كانت تنص على حل القوات المسلحة واعادة تشكيلها وابعاد السودان عن محيطه العربى وابعاد الدين عن الدولة وقوانينها إلا ان الانقاذ ما رفضته جملة قبلته بالقطاعى وان كان يشكر لها تأخير المشروع للتنزل الكامل ما يزيد عن عشر سنوات إلا أن المراقب والمطلع يرى تنزل المشروع على مراحل وعن طريق التجزئة مما يشير الى نتيجة خطيرة إن مضت الامور على هذا النحو فإن مشروع السودان الجديد بركنيه العنصرى والعلمانى سيرى طريقه الى التحقق.


    ب. إن «24» عامًا من الحكم أمضتها الإنقاذ فى اللهث وراء ارضاء الغرب خوفًا على كرسي الحكم من الزوال وسعيًا لاستخراج شهادة حسن سير وسلوك بقبول اتفاقيات وحلول لم تزد الدولة الا ضنكًا مع ترضيات لعملاء الغرب وسعيًا حثيثًا للتحالف مع العلمانيين فى ظل شراكات وهمية مع جماعات العمل الإسلامى يمنحون فيها الفتات من السلطة بغرض التذويب لا الشراكة الذكية الصادقة المفضية للعمل المشترك الواعى والحقيقى فلم تكسب الانقاذ البعيد «العلمانيين» وخسرت القريب «الإسلاميين» وانفضَّ عنها بعض المخلصين من بنيها وانتجت سياساتها واقعًا منافقًا لا هو للاسلام بصدق انتسب ولا هو من الغرب اقترب كانت هذه بعض ملامحه:


    1/ قيام الحقوق والواجبات:- على أساس المواطنة هى العلمانية بعينها فى ثوب مخادع قليل من يتفطن له ويدرك خطورته على هوية الدولة؛ ذلك أن التنوع المزعوم المراد به تفكيك مركزية الحضارة الإسلامية فى الدولة فصراع المركز والهامش الذى دشنته اتفاقية نيفاشا وشرعنت له فى دستور 2005 فى خطوة عجولة لإيجاد حل لأزمة متطاولة وتحت سيف الضغوط الخارجية هو فى حقيقته صراع بين الحضارة المركزية والحضارات الهامشية فى السودان التى استطاع الاسلام أن يكون بديلاً لها بالدعوة والحوار إذ لم يدخل الاسلام الى السودان بالقوة ابتداء، وقضية المواطنة فى اطار السودانوية كهوية جديدة مستحدثة وكأساس لعقد اجتماعى هى خطوة أولى فى طريق إقامة مشروع السودان الجديد وتغييب الدين عن أوجه الحياة والانقاذ يعترف قائد سفينتها أن البلاد تحكم بدستور مدغمس!!.


    2/ سلكت الانقاذ أخطر مسلك سياسي:- فى قسمة الثروة والسلطة يقوم على المحاصصة الجهوية والقبلية مما جعل الجميع يعمل على استحضار المكون القبلى الاولى فى التعاطى السياسي بعد ان افلحت العهود الماضية منذ تحالف عمارة دنقس وعبد الله جماع فى السلطنة الزرقاء فى تغييب هذا البُعد العنصرى وتشكيل عقل جمعى مختلف لم تكن القبلية والجهوية فيه حاضرة على نحو ما قررته نيفاشا وأعادت نبشه واخراج رفاته ونفخ الروح فيه، هذا المسلك من أخطر آثاره تفكيك الكتلة الاسلامية وتمزيقها قبلياً، فلم يكن لانفصال الجنوب المباين عقائديًا فى أغلبه أي أثر فى اتجاه وحدة اللحمة الاسلامية ووحدة موقفها تجاه القضايا الكلية لا سيما تلك المتمثلة فى إسلامية الدستور وشكل نظام الحكم ذلك ان الكتلة الاسلامية عملت فيها أيادى المتربصين فى السودان فقسمتها اثنياً وقبلياً ومذهبياً وحركياً.


    3/ تفكيك المنظومة الامنية والعقيدة العسكرية: باتفاقيات الترتيبات الأمنية التى اعتمدت قوات ذات طبيعة جهوية وقبلية وادماجها فى قوات الشعب المسلحة على هذا النحو وبتلك القسمة أو القبول بها فى إطار القوات المشتركة ذلكم الواقع الذى افرزته الاتفاقيات المتعددة جعلت للسودان جيوشاً لا جيشًا وجعلت للسلاح عقائد عسكرية لا عقيدة واحدة وجعلت مسؤولية الامن الداخلى والخارجى تتوزعه قوات مشتركة بعضها يتبع للدولة وبعضها يتبع لحزب او حركة او قبيلة، هذا الواقع المأساوى والامنى الخطير من أعظم تقاطيع وجه أزمتنا السياسية خطورة وقد جنت الحكومة ثماره الحنظل وأشواكه من التصرفات الحمقاء والعنصرية لبعض منسوبي قواتها النظامية على أساس قبلي فكثرت حوادث الاغارة والحرق والتدمير للعديد من القرى من قبل قوات ترتدى الزي الرسمى الذى من المفترض ان يكون مرتدوه نجدة للضعيف وحماية للعرض والمال والأنفس فسقطت بذلك هيبة الدولة وفقد الناس فى تلك المناطق الثقة فى مؤسساتها الرسمية وذهبت كل قبيلة تبحث عن تسليحها الذاتى وسواعد بنيها لحماية ممتلكاتها فى دولة المشروع الحضارى وفى دولة تصرف على الأمن والقوات النظامية ما يقارب «80%» من الميزانية!!. فلم يجد الشعب أمنًا فى بعض المناطق ولا وجد مالاً للصحة والتعليم!!.


    4/ اعتماد تقرير المصير للجنوب: رغم حالته الخاصة وظروفه الموضوعية القائمة على الحفاظ على رأس المال بدلاً من الربح اعترافاً بحالة الوهن والضعف الذى أصاب البلاد والضغوط العنيفة التى مورست إلا أن فيروس تقرير المصير أصاب أجزاء أخرى من جسد الامة بعد قبول الانقاذ فى نيفاشا بادماج مناطق شمالية «النيل الازرق وجبال النوبة وأبيي» فى تفاوضها مع حركة جنوبية، وجعلت ذلك الاتفاق جزءًا من دستور البلاد هذه الخطيئة السياسية ولم تكن خطأ فحسب جعلت المدركين لطبيعة الخطة B «التفكيك ثم إعادة الدمج فى إطار مشروع السودان الجديد» يطالبون بتطوير المشورة الشعبية إلى تقرير مصير، والانقاذ قد عودتنا ان مرفوضات اليوم ومحرماته تصبح غدًا مباحات وتشريعات يحرسها الفقه التبريرى وإنا لنربأ بالمخلصين من أبناء الحركة الاسلامية والغيارى من قادتها أن يقبلوا كتابة التاريخ عنهم أن الحركة الاسلامية استلمت السودان دولة واحدة فأحالتها الى خمس دول!! وأن ذلك كائن ما لم نقف وقفة قوية واضحة تعبيرًا عن يقظة الضمير الذى باعه البعض فى دهاليز السياسة والحكم، ونبتغى فيها نجاة النفس من عذاب الله يوم الوقوف بين يديه فإنه جرم لن يغتفر ستدرسه الاجيال فى كتب التاريخ والجغرافيا!!.


    5/ إن المعالجة الكارثية لأزمة دارفور: التى انطلقت من تصنيف التمرد تصنيفًا قبليًا ومن ثم بدلاً من تفكيك خلفيته القبلية بالتفريق بين سفهاء القبيلة وحكمائها والاستعانة بصلحاء القبيلة نفسها لمواجهة مفسديها مضت الانقاذ فى التحالف مع قوى قبلية أخرى بتسليحها وشرعنت سلاحها وحركتها، هذه القوى التى اتخذت من سلاح الحكومة نفسه والغطاء الرسمي آلية لتصفية حساباتها العرقية فى عمل غير أخلاقي وبربرية لم تشهدها الا عصور الجاهلية المظلمة، هذا المسلك السياسي والأمنى فى التعامل مع الأزمة وهذا الفرز القبلي الذى ساهمت الانقاذ فى تكريسه بسوء إدارة الملف جعل الانقاذ بين نارين: نار الاخلاق وهى ترى بعض شعبها تُحرق قراه وتدمر مساكنه وتنهب ممتلكاته وجيشها على مبعدة من المجازر لا يتحرك ونار مواجهة حلفائها العنصريين فتفتح بذلك على نفسها جبهتين تخرج دارفور كلها عن سلطة الدولة والحالة هذه بقراءة موضوعية أزمة حقيقية تطيش معها عقول اولي النهى لكن السبب الرئيس فى دخول هذا النفق المظلم هو المعالجة الخاطئة ابتداء والانقاذ تحصد ما زرعت!!. والتمادى فى تضليل الرأي العام بعدم حدوث مجازر فى دارفور وحروب قبلية بغطاء حكومى يبقى خطابًا عاريًا من الصحة يصلح للحشد فى مواجهة محكمة الجنايات الدولية لكنه لا يصلح فى مواجهة العدل الإلهى وبسبب هذا الظلم تساق البلاد من أزمة الى أزمة وفق سنن كونية لا تجامل أحداً ولا تستثنى جماعة ولا أمة.. وهذا يستوجب الاعتراف بهذه الخطايا واعتماد معالجات شرعية تخرجنا من طائلة سيف الغضب الالهى.


    6/ لقد كانت مواقف بعض جماعات العمل الإسلامي:- والدعاة والعلماء والفقهاء دون الواجب الشرعي الذى يحتم عليهم الصدع بالحق والنصح بدون مداورة ولا مداهنة فى بلد تضربها أزمات طاحنة وهويتها الاسلامية مهددة تهديدًا جديًا ماحقًا اكثر من التهديد الذى تواجهه الهوية الاسلامية فى افغانستان والعراق المحتلين من قبل امريكا فإن ما تم ويجرى استكماله فى بلادنا بطريقة سلمية وقليل من الحربية أكبر من ما انجزته امريكا بحربها العسكرية فى البلدين المذكورين فليس فى العراق وأفغانستان صراع على هويتهما الاسلامية وظلت تلك الجهات تتبنى الرواية الحكومية فى جلسات التنوير السياسي ثم تنفض مكبرة مهللة ونزيف البلاد يقطر دماً فى أطرافها ومشروع السودان الجديد يربض فى القصر الجمهورى قرارات واجراءات وترتيبات على قدم وساق كرست للاحباط فى الوسط الاسلامي وجعلت بعض قادته من تولوا حقائب وزارية ومواقع تنظيمية يرون وجوب الاعتراف والاعتذار لا لجهة التوبة الى الله من التقصير فى إقامة دينه ولكن لجهة التقصير فى الحفاظ على وحدة التراب بعدم قبولنا لحاكم نصراني ورفضنا لتمرير مشروع السودان الجديد!!


    7/ لم يعد خافياً على أحد الفساد: الذى يزكم الأنوف والعالة رعاة الشاة الذين تطا ولوا فى البنيان والأنشطة الاقتصادية الموقوفة حصرًا على أفراد وجهات والإعفاءات الجمركية التى تباع فى الاسواق والتجنيب الذى يمارسه بعض المتنفذين والفواتير المليارية لصيانة البيوت والمكاتب والعمولات الدولارية على المصادقة لمستثمرين أجانب لاقامة مشروعات والمناشط الوهمية التى تصدر لها الفواتير الكذوب بمئات الملايين واستيراد الآليات والمعدات الاستراتيجية مغشوشة والأدوية منتهية الصلاحية وما تقارير المراجع العام إلا الجزء الظاهر من جبل جليد الفساد.


    8/ التوسع غير المدروس: في التعليم أحدث اختلالات اجتماعية وتراجعات أكاديمية وتدنيًا فى جودة التعليم ورفع الدولة يدها عن دعم التعليم وفتح الباب على مصراعيه للتعليم الخاص أنهى تدريجيًا التعليم الحكومى مما جعل التعليم على ضعفه خدمة لا يستطيعها الا الميسورون فتوقف أبناء الاسر الفقيرة عن مواصلة تعليمهم بل وعجز البعض عن إلحاق ابنائهم بالتعليم ابتداء مما ينذر بزيادة فى نسبة الأمية ومستقبل مظلم فى قطاع التعليم وأصبحت جامعاتنا تخرج بشهادة البكالريوس من هم أقل كفاءة من خريجى مدارسنا الوسطى سابقاً.


    9/ إن الاستجابة للضغوط الأجنبية ووصاية البنك الدولى وابتلاع روشتة صندوق النقد الدولى المميتة كاملة من تخفيض لقيمة الجنيه والتحرير العبثى للاقتصاد وآليات السوق الحر الفوضوية والمتوحشة التى زادت الاغنياء غنى والفقراء فقرًا فى ظل رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية والخدمات الضرورية وزيادة الضرائب وتوسيع مظلتها وتنويع الجبايات وزيادة سعر المحروقات هذه الاستجابة المخزية لروشتة صندوق النقد الدولى المتخصص فى إفقار الشعوب واستنزاف الاقتصاديات الوطنية لصالح رفاهية الرجل الابيض هى أس ازماتنا الاقتصادية رغم دعاوى أسلمة الاقتصاد وتحرير الإرادة السياسية والاقتصاد الاسلامي بريء من هذه التشوهات.


    10 /الانهيار الكبير فى الاقتصاد السودانى وتعويم الجنيه وتدنى سعر الصرف فى مقابل الدولار من جراء سياسات اقتصادية مضطربة وترهل حكومى على مستوى السلطة التنفيذية والحكم الفدرالى المنهك لميزانية البلاد ومواردها لا سيما فى ظل محاصصة قبلية وجهوية لم ترض أحداً فاختفت الطبقة الوسطى ولم يبقَ إلا غناء فاحش أوفقر مدقع ومن مظاهر التراجع الاقتصادي المريع أن تصبح عملة الدولة الوليدة «جنوب السودان» أعلى صرفاً من الجنيه السودانى لقد أصبح الاقتصاد السودانى حقل تجارب ومن المضحكات المبكيات صدور ثلاثة قرارات متناقضة فى أمر خطير مثل السياسات النقدية فى أقل من ثلاثة أشهر كل ذلك من مطبخ واحد كان وما يزال يدير اقتصاد البلاد وفى هذا وحده تحرير لشهادة عدم الأهلية.


    11/ لقد تم اعتماد سياسة التحرير الاقتصادى بدعوى رفع يد الدولة عن حركة الاقتصاد ومنع دخولها منافسة للقطاع الخاص إلا أن صورة أبشع من ذلك وقعت وهى دخول رجال الدولة بشركاتهم الخاصة وواجهات الحزب الحاكم الاقتصادية منافسة للقطاع الخاص ومستفيدة من كل التسهيلات بما أحال الدولة الى مزرعة خاصة يرتع فى نهب خيراتها واحتكار جميع الأنشطة الاقتصادية الكبرى حفنة من النفعيين، هذا الاستثمار الخاص فى الانشطة الاسرع ربحية كان على حساب إهمال وتدمير المشروعات الاستراتيجية كمشروع الجزيرة والمناقل والسوكى رغم النفرة الزراعية التى صرفت عليها المليارات فاتسعت دائرة الفقر ولم تفلح قيم التعفف المغروسة فى وجدان شعبنا من منع البعض التسول فى المساجد والطرقات لشدة العوز وضيق الحال بينما انتفخت جيوب المنتفعين من هذه السياسات.


    12/ ومضت سياسات الخصخصة فى إعفاء الدولة عن واجباتها تجاه المواطن وبيعت المؤسسات الرسمية بثمن بخس لمصلحة بعض المتنفذين بعمولات دولارية لم تخف على راعى الضأن فى الخلاء واعتراف الدولة بالعجلة وتراجعها عن بعض القرارات فى هذا الصدد يكشف عن حالة الارباك التى يُدار بها هذا الملف.
    13/ إن تقديم أهل الولاء على أهل الكفاءة أحدث أكبر نزيف فى الخدمة المدنية منذ الاستقلال وجعل البلاد طاردة للخبرات والمهارات تحت دعاوى الصالح العام وإلغاء الوظيفة ففقدت الكثير من الأسر الكريمة مصدر دخلها وراح حملة الشهادات العليا وأصحاب الخبرات يطرقون أبواب دول المهجر أو يزاولون الاعمال الهامشية فى صورة شائهة لم تحترم لهم علمًا ولم تقدر لهم عطاء وخبرة.


    14/ رغم التمنع الظاهرى الذى تبديه الحكومة من قبول القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن إلا أن ما تم تنفيذه كان كافيًا فى انتقاص سيادة البلاد واستباحة أراضيها للجيوش الأممية والإفريقية والمنظمات الاجنبية التى عاثت فى الأرض الفساد استقطابًا لضعاف النفوس فى عمل استخباراتي مدمر دبلج التقارير ولفق القصص والحكاوى والأفلام فى تشكيل صورة عن السودان لا تشبه مجتمعه الطاهر ومضت منظمات اخرى فى نشاط تعليمي وثقافى طامس للهوية مفسد للأخلاق واذا فاحت رائحة تلك الانشطة المجرمة واصدرت الجهة المختصة قراراً بطردها من السودان أعادها عملاؤها والمنتفعون من وجودها بمظلة ثانية واسم مختلف فى تعامل حقير لا يخفى على ذى لب.


    15/ لقد كان توقيع اتفاقية نيفاشا تحت الضغوط انكساراً لإرادة قيادة لم يبخل عليها شعبها وشبابه بدم ولم يتأخروا عنها فى نفير، ورغم الانتصارات العسكرية إلا ان الهزيمة الماحقة كانت على مائدة التفاوض فهذه الاتفاقية المشؤومة وحدها كانت كافية لسحب الشرعية عن سلطة لم تكن وفية لشهدائها وهى تترك قبورهم فى الجنوب تدنسها أحذية الصليبيين وتشرب على رؤسهم خمر الانتصار.


    16/ إن وثيقة الفجر الجديد بأبعادها العلمانية والعنصرية هى نتاج أزمة إدارة البلاد فلا الناس حكموا باسلام نقى وشرع منزل حتى يروا عدالة أحكامه وجمال شرائعه وبركة تطبيقه ولا قدم نموذجًا مشرفًا على مستوى طهر اليد ونزاهة الحكم ورشد السياسات وسعة الصدر فى قبول اهل القبلة وانصاف أهل الملل الاخرى على قاعدة الشفافية والصراحة لا على قاعدة المداهنة والمداورة، وأعظم من ذلك قبحاً تقديم نموذج سيئ فى الفساد لم تشهده أيٌّ من حقب الحكم التى سبقت الانقاذ مع تفخيخ للساحة السودانية عرقيًا من باب فرق تسد والعمل على إضعاف الجماعات والاحزاب وتمزيقها فعاد وبال ذلك كله على الانقاذ نفسها فاتسع الفتق ولم تستطع له من رتق.


    17/ إن التخويف من البديل لم يعد كافيا لانتزاع مشروعية البقاء فان حواء السودان لم تعقم وبغض المعارضة ومشروعها العنصرى العلمانى لا يعنى حب الانقاذ والرضاء عن طريقة إدارتها للبلاد ومن ثمارهم تعرفونهم وبلادنا قد وصلت إلى المرحلة الفارقة واللحظة التاريخية الحاسمة لا سيما وان الانقاذ عودتنا ان مطالب المعارضات المسلحة تضحى بعد فترة دستورًا للبلاد تحت سيف الضغوط الخارجية والاستنزاف الداخلى والتصدع فى الصف وانفضاض المخلصين وحالة الاحباط التى تضرب خيار الناس وقد صُدموا ممّا رأوا وعاصروا فكتبت المذكرات التصحيحية وأطلقت المبادرات النصوحة التى تم الالتفاف عليها وإجهاضها كل ذلك يتطلب عملاً فاعلاً وتحركاً جاداً يُخرج البلاد من عنق الزجاجة وحافة الانهيار.
    نواصل
                  

02-17-2013, 05:01 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    561139_472481096118951_747563220_n8.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    لن تحل قضية دارفور إلا في اطار قومي
    February 15, 2013
    سليمان حامد الحاج..

    صرح وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين بانحسار التمرد بدارفور عدا جيوب ضيقة شرق جبل مرة. وهو تصريح ينافي حقائق الواقع على أرض دارفور. وهو محاولة فاشلة مثل سابقاتها لحسم الصراع في دارفور عبر الحرب وليس الحوار الموضوعي.

    فالأحداث التي وقعت في اليومين الماضيين باختطاف رهينتين أردنيتين يتبعان للبعثة العسكرية المشتركة الافريقية الدولية (اليوناميد) ونزوح 850 آسرة من وسط دارفور بسبب احداث قولو، وتعرض القوات النيجيرية بمنطقة الجنينة غرب دارفور لكمين راح ضحيته عدداً من الجنود. وهناك احدث كتم بشمال دارفور و التي راح ضحيتها محافظ المنطقة،ومؤخراً أحداث هشابة . هذه وغيرها من الأمثلة تدحض حديث وزير الدفاع عن انحسار التمرد وحصره في منطقة ضيقة في شرق جبل مرة. بينما وقعت هذه الأحداث في جميع ولايات الاقليم.

    ثم هنالك سؤال مشروع يفرض نفسه وهو: اذا كان (التمرد) قد انحسر فما هى الأسباب التي دعته للذهاب وفي معيته وزير الداخلية وعقد اجتماعات في الولايات ووضع الخطط لحسم (التمرد) في دارفور.؟! وما هو دور قوات اليوناميد في المنطقة إن لم يكن هو حماية المدنيين و العائدين من المعسكرات؟

    لقد عبر السيسي رئيس السلطة الاقليمية عن استيائه لعودة 70% من النازحين مرة آخرى للمعسكرات بسبب التوتر الامني بعد ان عادوا طواعية الى قراهم للاستفادة من فصل الخريف الماضي. وهذا يؤكد ايضاً عدم صحة حديث وزير الدفاع. وليس بعيداً عن الاذهان ماحدث في الاسبوعين الماضيين من قتال عنيف ادى لتشريد وتضرر 100 الف شخص في الصراع الذي دار بين قبيلتين عربيتيين في منطقة جبل عامر بشأن الذهب بولاية شمال دارفور. وحتى هذه الأحداث تتحمل مسؤوليتها سلطة الانقاذ و التي فتحت الباب على مصرعيه وتركت الحبل على الغارب عندما صمتت عن البحث العشوائي عن الذهب عن قصد لتشغل المواطنين بقضايا بعيدة عن مشاكلهم اليومية معها وهى تعلم علم اليقين بفشل مشروع الذهب هذا من فشل تجربة بنك السودان وما حدث في مناطق السودان الأخرى.

    ان قضية دارفور لن تحل قريباً بالأساليب التي اتبعتها الانقاذ طوال السنوات الماضية وبرهنت على فشلها. وكل يوم تتفاقم المشكلة وتزداد تعقيداً. المؤتمر الوطني هو الذي أدى الى تدويل القضية ومع ذلك يصرح المتنفذون فيه – كذباً- بأن مشاكل السودان لن تحل إلا سياسياً وداخلياً وبعيداً عن اي فرض لحوارات او حلول تأتي من الخارج.

    ومع ذلك تضع الحكومة حل قضية دارفور في يد حكومة قطر وفقاً لاتفاق الدوحة. وقطر هى التي تشرف على كيفية الحل، بما في ذلك دفع المال لتسيير ادارة الحكم في كل دارفور. اكثر من ذلك ظلت الحكومة تماطل منذ توقيع اتفاق الدوحة في دفع نصيبها لتعمير دارفور والتزمت امام المانحين و العالم اجمع بدفعه. ولهذا ظلت قضية اعادة النازحين ووضع الاسس اللازمة لعودتهم الى ديارهم الأصلية مشروطةً بدفع الحكومة لالتزاماتها.

    ان عدم التزام الحكومة بالقيام بواجباتها، يتمثل حتى في البنود التي لا تحتاج الى دفع أموال. فعلى سبيل المثال هناك تقديم كل الذين ارتكبوا جرائم في حق اهل دارفور من حرق للقرى بمن فيها من آسر وممتلكات و اغتصاب للنساء و الصبايا تحت سن البلوغ و القتل الجماعي وغيرها من الجرائم التي لا تحصى. كلها تشكل حاجز صد لعودة النازحين الى قراهم الاصلية. ومن عاد منهم رجع من حيث أتى بسبب انعدام الأمن و الاستقرار وممارسة المجرمين لذات الجرائم التي ارتكبوها دون تقديم اي منهم للمحاكمة.

    يفاقم من ذلك الوضع المآساوي وقوف العديد من الولاة ضد القرارات التي يتخذها رئيس السلطة الانتقالية. لقد اكدنا في الحزب الشيوعي السوداني ان قضية دارفور لن تحل عبر الحرب ولا تغذية الصراعات القبلية التي يؤجج نيرانها حزب المؤتمر الوطني الحاكم تنفيذاً لسياسته المتمثلة في شعاره الدائم (فرق تسد) .

    لقد توافق والى وسط دارفور يوسف تبن مع رأي الحزب الشيوعي بقوله ان مجتمع دارفور سئم الحرب و الصراعات القبلية ويتطلع الى السلام واعتبر اتفاق الدوحة يمثل طوق النجاة لهم، وآقر بوجود احتقان قبلي يجب ان تتواصل الجهود لمنع انفجاره عبر مؤتمر لادارة التعايش السلمي.

    اننا سنظل نكرر ولن نمل ذلك متمثلين الحكمة أو المثل القائل (لن يستقيم الظل و العود اعوج). فقضية دارفور قضية قومية لا يمكن حلها عبر القهر و العنف وتأجيج الصراعات القبلية، بل بالحل القومي الذي يجلس فيه اهل السودان ودارفور للحل السياسي الديمقراطي الشامل للوصول عبر الحوار لحل مأساة دارفور.

    حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي جُرًب عبر السنين لم يحل مشكلة دارفور، بل بعيد انتاج ازمتها بمختلف الوسائل و السبل لتمرير اجندته المسكوت عنها، لتحويل ثروات دارفور الى غنائم لحفنة الرأسمالية الطفيلية المسيطرة على السلطة و الثروة في البلاد. ولهذا فهو ليس جاداً وليس جديراً بحل قضية دارفور.

    ونؤكد ايضاً أن حل هذه القضية لن يتم طالما بقى نظام المؤتمر الوطني في الحكم. ومن يجرب المجرب تحيق به الندامة.

    لا طريق لحل مأساة دارفور إلا بذهاب هذا النظام و جلوس آهل السودان جميعاً للاتفاق على تقسيم السلطة و الثروة ومعاقبة المجرمين بما فيهم المقدمين للمحاكم الدولية


    -------------

    حكومة السودان وتحديات حقوق الإنسان
    February 15, 2013
    .. بقلم: محجوب محمد صالح

    حقوق الإنسان لم تعد شأناً داخلياً تتعامل معه الحكومات داخل أراضيها حسب ماترى بل أصبح معياراً دولياً يتعامل المجتمع الدولي على أساسه مع كافة الدول القومية وتحكمه معايير وقواعد وأسس وأعراف وقوانين ذات طبيعية عالمية.

    وقد آن الآوان أن تتعامل حكومة السودان مع قضية حقوق الإنسان بسياسات تستصحب هذه الحقيقية – والسودان ظل لفترة طويلة واقعاً تحت المراقبة الدولية التي يفرضها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحت المادة الرابعة من أجندته وكان ومازال يواجه إنتقادات دولية بسبب سجله في حقوق الإنسان مما يؤثر سلباً على علاقاته مع العديد من الدول ولكن السودان نجح قبل أكثر من عام تقريباً بمساندة عربية وأفريقية في الخروج من حصار تلك الحالة وأصبحت (الحالة السودانية) تعالج تحت البند العاشر في أجندة المجلس الذي ينص على أن يقدم المجلس والمجتمع الدولي العون للسودان لبناء قدراته في مجال حماية حقوق الإنسان.

    ووضع (الحالة السودانية) تحت البند العاشر يعني أن يعين المجلس (خبيراً مستقلاً) في حقوق الإنسان يفوضه المجلس بأن يرصد مدى التطور الذي يحدث في السودان في مجال حقوق الإنسان ويوصي بما يجب تقديمه من عون للسودان في مجال بناء القدرات – وعملية (الرصد) تقضي بالضرورة أن يتقدم الخبير المستقل بتقرير للمجلس حول أي تقدم يحدث وأي إنتهاكات تقع بحيث يستطيع المجلس أن يتعامل مع الحالة السودانية على ضوء ملاحظات الخبير المستقل – وقد اختار المجلس العام الماضي أستاذا للقانون في جامعة بريطانية متخصصا في حقوق الإنسان هو الأستاذ مشهور اديبايو النيجيري الأصل وجدد المجلس ولايته في شهر سبتمبر الماضي إلى عام آخر وقام الخبير بزيارته الثانية للسودان مطلع هذا الشهر
    وفي نهاية الزيارة عقد مؤتمراً صحفياً أوجز فيه ماوقف عليه في السودان فأشاد بما اعتبره تحسناً قد طرا في بعض المجالات وفي نفس الوقت عرض ماوصل إلى علمه من إنتهاكات مستشهداً بأحداث وقعت مؤخراً ورصدها وسيضمها في تقريره القادم وقد آثر أن يعلن عنها تفصيلاً قبل أن يغادر الخرطوم وأصدر بياناً حدد فيه تلك الإنتهاكات.

    التحدي الذي يواجه الحكومة الأن هي أنها أعتبرت خروجها من المادة الرابعة التي تضعها تحت الرقابة الدولية إلى البند العاشر الذي يمنحها الحق في الإستفادة من العون الدولي لبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان – اعتبرت ذلك الإنجاز نصراً سياسياً كبيراً ولكن الإنتهاكات التي رصدها الخبير المستقل من شأنها أن تهدد ذلك النصر الذي أحتفت به.

    لقد أورد الخبير المستقل في تقريره ملاحظات حول إنتهاكات لحقوق الإنسان وصلت إلى علمه حول الأوضاع في الخرطوم ودارفور ووعد بأن يبحث في زيارته القادمة الأوضاع في النيل الأزرق وجنوب كردفان وشملت ملاحظاته عن دارفور وباقي السودان مايلي:

    • احساس بالقلق من أن الجرائم المرتبطة بالصراع في دارفور تحاكم أمام المحاكم العادية بدلاً من المحاكم الخاصة اتي نصت عليها وثيقة الدوحة وأن الموظفين المعنيين بحقوق الإنسان قد حرموا من الوصول إلى هذه المحاكمات
    • أشار إلى ( تضييق الخناق ) على منظمات المجتمع المدني ومنعها من تقديم الشكوى إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان مما دعا اللجنة للإحتجاج على هذا المنع – وناشد الخبير الحكومة الكف عن مثل هذه الأعمال ودعم اللجنة الوطنية لممارسة سلطاتها القانونية.

    • دعا الخبير الحكومة للسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية واحترام الحق في حرية التجمع وحرية التعبير وحرية الصحافة وخلق بيئة مواتية وحوار سياسي حول العملية الدستورية القادمة
    • أعرب الخبير عن قلقه بشأن اعتقال وإحتجاز رموز المعارضة السياسية وغيرهم مع أن بعضهم يعانون من مشاكل صحية ويحتاجون لعناية صحية عاجلة وناشد الحكومة إطلاق سراحهم فوراً أو تقديمهم للمحاكمة.

    • قال أنه علم من أصحاب المصلحة الذين إلتقاهم عن إنتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان من جانب جهاز الأمن وأنه ناشد الحكومة أن تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد حتى يضع جهاز الأمن موجهات حقوق الإنسان في الإعتبار عند تنفيذ مهامه.

    ومهما كانت الصيغة التي عبر بها الخبير عن رأيه في هذا البيان فأن كل ما أشار إليه سيكون وراداً في تقرير لمجلس حقوق الإنسان في دورته القادمة مما سيثير مناقشات عديدة في تلك الدورة وإذا كانت الحكومة حريصة على الحفاظ على الوضع الجديد الذي حصلت عليه قبل أكثر من عام فسيتعين عليها أن تتعامل بجدية مع الملاحظات التي أبداها الخبير المستقل.

    أن قضية انتهاكات حقوق الإنسان في السودان ستظل قائمة ومؤثرة على وضع الحكومة الدولي ومثار شكوى داخل السودان وخارجه إلى أن يحدث تغيير حقيقي يؤدي إلى حماية تلك الحقوق من إي إنتهاكات ولا تستطيع الحكومة أن تلوم المجتمع الدولي على أي قرارات يتخذها إذ تجاهلت مثل هذه الملاحظات الهامة التي تسلط الضوء على الإنتهاكات وماعاد في عالم اليوم من سر تستطيع الحكومات القومية إخفاؤه


    ----------------

    لا يخسر الأسلاميون فى دوله المواطنه بينما يخسر الكثيرون فى الدوله الدينيه!

    لا يخسر الأسلاميون فى دوله المواطنه بينما يخسر الكثيرون فى الدوله الدينيه!
    02-15-2013 01:50 PM

    اذا اجريت دراسة علميه دقيقه على عينات عشوائيه من (الأسلاميين) من مختلف دول العالم، فسوف يكتشف الباحث بـألاضافة الى (جرثومة) الميل للعنف والقتل والأرهاب وسفك الدماء التى غرست فى دمائهم عن طريق (المنهج) التحريضى التكفيرى االمحفز على ذلك العنف والقتل، كثير من المشاكل والعقد والأمراض النفسيه والجروح الذاتيه الناتجه فى الأساس عن مؤثرات بيئيه، زادت من ميلهم لذلك العنف والقتل وللهيمنة والسيطرة والأستحواز وقهر الآخرين والأستماع بتعذيبهم وبفرض الرأى (الواحد) عليهم، ولذلك كله ارادوا أم لم يريدوا تجدهم سرعان ما جنحوا الى تبنى أنظمة ديكتاتوريه وشموليه باطشه حتى لو جاءت بهم الصناديق من خلال انتخابات ديمقراطية ارتضوها، ولولا ذلك فماذا نسمى ما يحدث فى مصر الآن من مظاهر استبدايه مغلفه باكاذيب وأنكار وأختلاق مؤامرات؟
    ولقد ذكرت فى أكثر من مرة أن وصول (الأخوان المسلمين) فى مصر الى كراسى السلطه قد افاد القوى الديمقراطيه والليبراليه فى المنطقة، بل والعالم كله بصورة لا يمكن أن يتخيلها عقل أى انسان، وأن لم يظهر مردود ذلك فى الوقت الحاضر ، فسوف يظهر واضحا وجليا على فى المستقبل القريب جدا بسبب تمتع (مصر) باعلام مهنى حر ومستقل، يكشف فى كل يوم مخازي (الأخوان) والتيارات الأسلاميه المختلفه وفشلهم فى ادارة الدول الحديثه وامكانية التصالح والتوافق مع شعوبهم.
    فجميع اكاذيبهم وخدعهم ونقضهم للعهود ومبرراتهم (الثعلبيه) كشفت وتم فضحها بواسطة ذلك الأعلام القوى.
    فحينما تم حصار المحكمه الدستوريه ومنعت من اداء دورها وبرروا ذلك الفعل على طريقتهم لم يصمت الأعلام على الرغم من أنهم حاولوا أن المساواة بين حصار مكان أقامة الرئيس قصر (الأتحاديه) مع حصار المحكمه الدستوريه مع أن حصار المحكمه كان اولا وسابقا، وثوار القوى المدنيه والديمقراطية لم يذهبوا ويعتدوا عليهم عند حصارهم (للمحكمه) أو عند محاصرتهم (لمدينة الأنتاج الأعلامى) كما فعل التيار الأسلامى مع (الثوار) الذين تظاهروا وأعتصموا سلميا أمام قصرالأتحاديه وقبل أن يتحرش بهم (الأسلاميون) ويزيلوا خيامهم فى اليوم الثانى، من خلال (مليشيات) الأخوان، التى اعتقلت وعذبت بعض الناشطين السياسيين المتظاهرين والمعتصمين سلميا .. وهذا السلوك جعل مجموعه من أؤلئك الثوار يفعلون نفس الشئ سريعا مرتدين اقنعه سوداء، وأطلقوا على انفسهم (البلاك بلوك) معلنين استهدافهم (للأخوان) دون غيرهم من باقى القوى السياسية المصريه، فقانون الطبيعه يؤيد ذلك ويقول (كل فعل له ردة فعل مساوية له ومضادة فى الأتجاه).
    وهذا ما حدث عندنا فى (السودان) كذلك قبل مصر، فحينما سمح النظام لنفسه بفتح بيوت الأشباح وتعذيب المعارضين وأعلان (الجهاد) على المختلفين معه ومن لهم مطالب من أهل الجنوب وأبناء دارفور، ولم يكتف بذلك بل قام بتأسيس (كتائب) و(مليشيات)، موازية للجيش السودانى المفترض أن يكون قوميا، عرفت باسم (الدفاع الشعبى)، دورها الأساسى حماية النظام الفاسد والباطش، لا (الوطن)، وتحدى النظام المعارضين سلميا وقال أنهم أستلموا السلطه بالسلاح وقوة العضلات ومن يطلب السلطه فعليه أن يسلك ذات الطريق، بعدها مباشرة ظهرت الحركات الثوريه المسلحه، فاصبحوا الآن يتباكون ويقولون بأنهم لن يتخلوا عن السلطة الا عبر صناديق الأنتخابات وهم يقومون بتزويرها و(خجها) وحسم نتيجتها من (المطبعه)!
    نفس ما حدث فى السودان يعاد ويكرر فى (مصر) مع بعض الأختلافات لأختلاف ظروف البلدين ، فالأخوان هناك لا يريدون أن يعترفوا بأن الأعلان الدستورى (المعيب) هو سبب كل المشاكل والعنف الذى يحدث فى مصر الآن، والذى تعمدت من خلاله جماعة (الأخوان المسلمين) فرض دستور على المصريين، أخوانى ، سلفى وهابى، وهذه حقيقة الصراع الذى يدور هناك، فالقوى المدنيه المصريه تستشعر الخطر ومحاولات (الأسلاميين) المستمرة لتغيير هوية مصر المدنيه و(أخونتها) وتحويلها الى دوله دينيه (اسلامويه) شبيهه بالصومال وافغانستان وفى افضل الأحوال مثل (السعوديه)، مع عدم وجود بترول يسكت أصوات الجوعى والمحتاجين الذين لا تهمهم السياسة كثيرا.
    ومن هذه الزاويه نقول .. فى ظل الدوله المدنيه الديمقراطيه (الليبرالية) الحديثه، التى تمنع تدخل الدين فى السياسة لا يخسر (الأسلاميون) شيئا، ولا يضارون فى دينهم ومعتقداتهم وأسلوب حياتهم .. حيث لم نسمع من قبل فى مصر أو السودان أو سوريا أو العراق أو غيرهم من الدول حتى فى ظل أنظمه (شيوعيه) أو يساريه، أن مواطنا منع من اداء صلاته أو زكاته أو من أن يصوم ويذهب للحج أو من أن يعفى لحيته أو من أن يتزوج وفق (شريعة) القرن السابع، بعقد ومهر وشهود وولى أمر واشهار ومن كان اسلاميا وأرد أن يكتفى فى فرحه بمن يقرأ له سورة يس أو البقره أو كان صوفيا وأتى (بمداحين) ، أو جاء بمطربين، كبارا أو شبابا أو حتى أتى بفنان مثل (حماده بت) كما يفعل كثير من (الأسلاميين)، جميعا لم يسألهم أو يعترض عليهم أحد فى كآفة الأنظمه التى تعاقبت على السودان.
    وكمثال لتلك الحريه الدينيه التى يتمتع بها (الأسلامى) فى دوله (علمانيه) فلقد راينا خلال موسم الحج الماضى عدد كبير من الحجاج الجنوبيين أستأجرت لهم حكومتهم طائرة الخطوط السودانيه، وقامت بأكثر من رحله وهم مواطنى دوله (علمانيه)، تتعامل مع الأديان كآفة على مسافة واحده، وفى وقت كان الجنوب يشهد فيه صعوبات ماليه بسبب توقف تصدير النفط (المتعمد) من نظام (طالبان) شمال السودان، وقد قالوها علنا بأنهم لن يسمحوا بتصدير ذلك النفط الا بعد أن يركع الجنوب ويستجيب لكآفة مطالبهم غير العادله.
    الشاهد فى الأمر أن (الأسلاموى) لا يضار مطلقا فى دوله ليبرالبه أو علمانيه ولا يجبر على ارتكاب معاصى ولا يكره على فعل لا يرغب فيه، اللهم الا اذا كان الضرر عنده هو أن يمنع من فرض دينه وشريعته ورؤاه وافكاره واسلوب حياته على الآخرين كما كانت تفعل حركة (طالبان) بجلد من يحلقون لحاهم وتعتبرهم كفره ومشركين.
    أما فى ظل دوله (دينيه) فأن من يدعون تدينا وتاسلما يسعون للهيمنة والأحتكار والأستحواذ ويجعلون من مواطنى الدوله غير المنتمين لفكرهم مواطنين درجه ثانيه وثالثه، وذلك لا يحدث برغبة منهم فى الأساس وأنما لأن منهجهم و(شريعتهم) تطالبهم بذلك وتعتبر عملهم ذاك (جهاد) يستحق الأجر والثواب (فهى لله .. لا للسلطة أو للجاه) و(لا لدنيا قد عملنا) حتى لو امتلكوا منطقة (كافور) وشيدوا فيها القصور .. والعمل المقصود هو أن لا يوادوا من يحاربون الله ورسوله أى (الكفار) أى غير المسلمين ومن يوالونهم من المسلمين وهؤلاء هم العلمانيين والليبراليين والأشتراكيبن وأن صلوا وصاموا وتزوجوا بماء وشق تمره، لكنهم يقفون مع حقوق المرأة ومع مساواتها بالرجل ويتعاملون مع معتنقى الديانات كلها دون تمييز، وهذا ما لا يرضى (الأسلاميون) ولهذا كانوا يعتبرون حربهم فى (الجنوب) جهادا ومن يرفضون الحرب (طابور خامس) وضللوا كثير من البسطاء والأميين وأنصاف المتعلمين بذلك الفهم ولا زالوا يواصلون التضليل حتى اليوم، حيث لا زلنا نسمع حديثا عن الجهاد وأغنيات وحفلات تقام ولا أدرى اين هو الجهاد فى السودان ؟؟ وكيف يتحدث منافق مثل (نافع) عن الجهاد وهو يقطع عشرات الآلاف من الأميال لكى يستجدى الصين الشيوعيه والسويد (العلمانيه)، ويرجع خاسرا يفرضون عليه شروط واملاءات يجب ان ينفذها قبل أن يتعطفوا عليه بشئ من المساعدات والدولارات، التى تصرف فى الأحتفالات والتكريمات ولهى الشعب عن قضاياه الأساسيه وتذهب الى جيوب المنافقين والأرزقيه والمأجورين.
    وفى الدوله الدينيه يضار المواطن المسيحى دون شك .. و تضار المرأة المسلمة أو غير المسلمه فجميع تلك الفئات ليس من حقها جميعا الترشح لمنصب رئيس الجمهوريه، ولمناصب أخرى مهمه فى الدوله .. فألأول (كافر) والمرأة ناقصة عقل ودين وخاب قوم ولوا امرهم امرأة، حتى لو كانت عالمه فى الفلك أو الطب أو السياسة أو القانون طالما انها تحيض وتلد.
    وما لا ينتبه له كثير من (الأسلاميين) أن نسبة الألحاد بين الشباب فى العلم عامة كما أكدت العديد من الأحصاءات قد تزائدت ونسبة الذين يبدلون دينهم الأسلامى ويتحولون الى ديانات أخرى فى مقدمتها المسيحيه قد تزائدت كذلك ومن بينهم من يسمون (بأحمد) و(على).
    والسبب فى ذلك يرجع الى عدم وجود نموذج محقق للقيم الأسلاميه فى الوقت الحاضر، بل كلما تسمع كلمة الأسلام اصبحت تجدها مرتبطه بالعنف والأرهاب والقتل والقبح والتخلف والفساد والمتاجره بالدين .. والخطاب الأسلامى غير مقنع فى الوقت الحاضر ولا يتناسب مع روح العصر، ومن يتصدون للدعوى فى معظمهم من زمرة (الأغبياء) غير المثقفين بصورة عامة ولذلك فهم غير مقنعين ويفرضون على المستمعين الأحكام والفتاوى غير (المقنعه) مثل ارضاع الكبير .. وزواج القاصرات ولذلك يسببون ربكة فكريه شديده عند العقلاء والأذكياء من الشباب جيل الكمبيوتر والأنترنت والفيس بوك.
    فبخلاف سلوكيات العديد من الأسلاميين وانتهازيتهم وأنانيتهم وفسادهم، فهم يسمعون من الشيوخ والفقهاء أن الدين الأسلامى عادل لا يميز بين الناس الذين ولدتهم امهاتهم احرارا، لكنهم من جانب آخر يشاهدون على القنوات الفضائيه فى كل يوم المتطرفون الأسلاميون يقتلون انسانا برئيا هناك أو هناك بسبب معتنقه مسيحيا كان او بوذيا .. أو يفجرون سيارة كما يحدث فى (سوريا) الآن دون أن يهتموا لوجود ابرياء فى ذلك المكان، والمتدين الحقيقى مسلم أو غير مسلم يضحى بنفسه ويواجه الموت لكنه لا يقدم على قتل برئ من أجل تحقيق انتصار دنيوى أو من أجل ايذاء خصم سياسى أو دينى أو من أجل الوصول لكراسى السلطه ، اللهم الا اذا كان جهاد السيف يعلو على الجهاد الأكبر .. جهاد النفس.
    وحتى عند الشيوخ (المعتدلين) أو من يدعون الأعتدال، يسمع منهم الشباب عن حقيقة التمييز بين المسلم وغير المسلم وبين الرجل والمرأة فى الشريعة.
    الشاهد فى الأمر .. الخطاب الدينى الأسلامى، فى الوقت الحاضر لا يدخل القلب ولا يقنع العقل.
    ولهذا وقع (الكوده) وهو عضو فى هيئة علماء السودان على ميثاق الفجر الجديد الذى يفصل الدين عن الدوله، أو عن مؤسسات الدوله لأن (الدوله) لا دين لها وتلك كانت كذبة كبرى عاش بها (الأسلاميون) لفتره طويله من الزمن، ولحقه ابن شيخ (الهديه) أحد مؤسسى الحركة (الوهاببيه) فى السودان.
    مسك الختام:
    • النظام يرى من حقه أن يتعاون مع ايران وأن يحصل منها على السلاح لكى يواجه به خصومه المواطنين وجيرانه (الجنوبيين) وحدهم فتشاد (انكحوا) رئيسها امرأة و(مصر) تركوا لها حلائب!
    • والنظام لا يعلم أنه بذلك يجر قدم اسرائيل لتصبح أكثر قربا وعمقا فى المنطقة.
    • والحل يكمن فى أن يذهب النظام ويرحل غير مأسوف عليه، بعد أن أفسد الحياة وأجدب الأرض وثبت فشله فى أكثر من 23 سنه، وعليه أن يفكك مؤسساته ومليشياته قبل أن يرحل حتى لا تراق المزيد من الدماء، كما نسمع من رئيس النظام فى كل لقاء له مع الأرزقيه والمأجورين والمحفزين.
    • ولكى لا يشكوه شعب السودان لربه وهو فى الحكم، وبعد أن يتركه طوعا أو كرها.
    • ومصر فى عصر (الأخوان) تسير فى نفس خط السودان فى عصر (الأخوان الأنقاذيين) الذين كانوا تبعا فأصبحوا شيوخا.
    • غلاء فى المعيشه ورفع للأسعار وزيادة فى الضرائب والجمارك و(تمكين) وأخونة وعلاقات بدأت تسوء مع كثير من دول العالم .. وما خفى أعظم.
    تاج السر حسين




    --------------------



    الدين والسياسة – هيئة علماء السودان
    Updated On Feb 16th, 2013

    بقلم/ عمر شرارة

    درجت ما تسمى هيئة علماء السودان على إصدار العديد من الفتاوى فيما يخص الجانب السياسي والاقتصادي – وتتجاهل الجانب الاجتماعي وأخر فتاويها الاقتصادية كان جواز الإقتراض الربوي للحكومة من البنوك والصناديق العالمية، وأخرها في الجانب السياسي تكفير الموقعين على وثيقة الفجر الجديد بكمبالا.

    وفي تصريح أدلى به الأمين العام للهيئة بروفسور محمد عثمان صالح لوكالة السودان للأنباء ونشر بمجمل الصحف السيارة بالبنط العريض:
    هيئة علماء السودان تكفر الموقعين على ميثاق كمبالا. جاء فيه (كل إنسان مسلم عليه الإعتراف بحكم الله عزوجل حسب ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة – مؤكداً أن هذه الاحكام ينفذها الحاكم الذي ولاه الله على الناس مضيفاً … إن كل من زعم أنه لا يجب الحكم بما أنزل الله أو سعى لترويج فصل الدين عن الحياة العامة، كما ورد في وثيقة كمبالا. يكون وقع في المحظور لأن هذا الوجوب. والإعتراف والتطبيق لحكم الله واجب على الجميع . وأوجب ما يكون على الحاكم وعلى الرعية السمع والطاعة).

    وكما ورد في صدر الخبر: اعتبرت هيئة علماء السودان كل من وقع على وثيقة كمبالا التي تدعو لفصل الدين عن الدولة خارج عن الملة والدين: وقبل أن أدلف لمناقشة هيئة علماء السودان ممثلة في أمينها بروفسور محمد عثمان صالح.


    أولاً :- أوجه الأسئلة التالية للسيد الأمين العام للهيئة ! هناك مجموعة من المسميات لهئيات دينية – هيئة علماء السودان- الرابطة الشرعية لعلماء السودان – المجلس الأعلى للإفتاء: هل هي مسميات لجسم واحد؟ أم هي هيئات مختلفة؟ وما هي مهام كل هيئة، علماً بأنها جميعاً تمارس الإفتاء ومن أي قانون وتشريع تستمد وجودها القانوني؟ هي هيئات رسمية حكومية؟ أم هي هيئات طوعية؟ من ينفق عليها ويعطي منسوبيها أجراً – أم هي لله؟ وما هو السند والأصل الديني لوجودها؟ وماهي الحاجة الدينية والدنيوية إليها؟ علماً بأنه في مصر يقوم الأزهر بإصدار الفتاوى الشرعية .

    ثانياً : كلمة عالم هل هي هبة ومنحة أم لقب يناله صاحبه بكده وجهده وكدحه وعطائه، وما هي إسهامات هؤلاء النفر المنتمون لهذه الهيئات في المجالات الفكرية والعلمية والثقافية نقرأ كتباً ومجلات ودوريات يصدرها كثير من الذين نالوا حظاً من العلم والمعرفة الدينية وغيرها من المعارف الإنسانية يثروا بها الحياة فكراً ووجداناً ويثيرون كثير من القضايا ويطرحون كثيرا من الأراء ويتخذون كثيراً من المواقف فيما يمس حياة الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأين هؤلاء من جهد أولئك؟ وهل أن مبلغهم من العلم إصدار الفتاوى حسب حاجة الدولة الدولة؟ ماذا قدموا لنا وللعالم وللفكر الإنساني من اسهامات ومساهمات حتى يثبتوا لنا أنهم أهل علم وأهل وعي وثقافة دينية؟.

    ثالثا يكفيني فيهم قولاً ما قاله عنهم دكتور يوسف الكودة الذي كان منهم وانسلخ واستقال في جريدة السوداني عدد رقم -2561 – الصادر بالسبت السابع من فبراير 2013 (فليعلم الأئمة والسياسيون والعلماء أن التكفير من اختصاص المحاكم. وليس من اختصاصهم والتكفير سيرتد عليهم. والذين يقولون هذا الكلام عني هم علماء السلطان). وأنا بدوري أسأل ما جدوى صحة هذا الحديث النبوي وإلتزامهم به: من كفر مسلماً فقد كفر. ثم أتى إلى ما ورد في صدر المقال من تصريح بروفسور محمد عثمان صالح وألخصه في التالي:ــ

    1- كل مسلم عليه الإعتراف بحكم الله.

    2- إن هذه الأحكام ينفذها الحاكم الذي ولاه الله على الناس.

    3- إن كل من زعم أنه لا يجب الحكم بما أنزل الله وسعى لترويج فصل الدين عن الحياة العامة يكون وقع في المحظور.

    ولابدأ بالنقطة الأولى التي اتفق معه فيها، ولكن أقول فوق ذلك أن الواجب لايقف عند الإعتراف . ولكن هذا فوق ذلك يعني الإلتزام به قولاً وعملاً . وهل قرأ البروفسور محمد عثمان صالح قوله تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون بالخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). وهل هم ملتزمون بهذا الأمر الألهي – مع السلطان – الذين يحمون ظهره بفتاويهم …أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.

    الله تعالي في كتابه القرآن يقول أن الله يأمر بالعدل والإحسان، ويقول أيضاً واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.

    ويقول أيضاً: إن الله لا يحب المفسدين. ألا يعيش البروفسور وهيئته ما وصل إليه حال البلاد والعباد من فساد وظلم وإنحطاط في الأخلاق ليس فقط وسط المحكومين ولكن وسط الحاكمين.

    ويقول في الثالثة – إن كل من زعم أنه لا يجب الحكم بما أنزل الله وسعى …الخ. اذا كان مجرد الزعم والسعي لفصل الدين عن الحياة العامة يمثل وقوعاً في المحظور، فماذا يسمى البروفسور محمد عثمان وهيئته وهيئاته المساماة بالشرعية.

    الممارسة العملية لفصل الدين عن الحياة العامة أم هل يستطيعون أن يسموا ما تمارسه السلطة – من مصادرة الحريات الجماعية والفردية والقتل والتعذيب والتشريد بالفصل ومصادرة الحقوق ونزعها بالقوة . والفساد الذي ضرب بأطنابه كل مفاصل الدولة تحكيماً لشرع الله وإعمالا له وممارسة لأحكامه؟ أنا لم أسمع ولم أقرأ ولم أشاهد أحدكم قال في وجه هؤلاء الحكام اتق الله. فهي صعبة عصية عليهم علماء السلطان وعلى السلاطين.

    إن الله جلا وعلا لا ينصب الحكام ولا يختارهم – ولولا ذاك لما اختلف المسلمون الأوائل في يوم الثقيفة في من يلي أمرهم، الحكام بشر يختارهم البشر . وهذا مقصد ديني لكي لا تكون لحاكم أو احكامه قدسية قد قالها المهدي محمد أحمد المهدي – مخاطبا أولئك الذين اصدروا الفتاوى لمصلحة المستعمر:( يا علماء السوء) وكان وصفاً محقا ومستحقاً لأولئك الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله.

    ( إنكم افسدتم أمر دينكم بأن جعلتموه بضاعة مزجاة لمكاسب دنيوية وشوهتم أمر الدين، الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها ديناً قيماً يوجه سلوك الناس ويرتقي بأخلاقهم، تتجسد فيه روح الإخاء والتسامح والطهر والعفة والعفاف، الدين المعاملة، الدين الصدق أكبر الكبائرالكذب الذي يهدي للفجور فلا تجعلوا أمر الدين مطية يركبها المتسلطون ليلهبوا ظهور شعوبهم ويشبعهم عسفاً وجوراً بدعوى حاكمية الله.

    هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
                  

02-18-2013, 10:18 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    سر المعبد فى مصر والسودان: هل فسر الخرباوى الماء بعد الجهد بالماء؟.

    بقلم: الفاضل عباس محمد علي
    الأحد, 17 شباط/فبراير 2013 19:51

    قضيت الأسبوع المنصرم مع كتاب "سر المعبد" للأستاذ ثروت الخرباوى الصادر بالعام الذى تصرم لتوّه، وسعدت كثيراً بروح مصرية أبية أنقذها الله عز وجل من حبائل وشراك "الإخوان"، وسعدت بالمعلومات الثرّة التى أوردها الكاتب من الباطن – وشهد شاهد من أهلهم - عن هذا الجهاز الشيطاني، رغم أن التوثيق ليس بطريقة 1+1=2 إنما فى سياق سرد شبه روائي، مع الإبقاء علي الأسماء الحقيقية كما هي، وبالاعتماد على حوارات شفهية مع بعض الثقاة. ولقد تقدم الخرباوى باستقالته من التنظيم قبل عشر سنوات، بعد أن ظل لفترة طويلة متردداً، ربما بسبب رغبته فى جمع المزيد من المعلومات عن "الإخوان"، والتى بذل فى سبيلها جهداً مقدراً، كأنه يستخلصها من شدوق الأراقم، فى تنظيم مافيوزي ماسوني مجبول علي السرية.



    والشيء الرئيس الذى يأخذه الخرباوى على الإخوان هو أنهم قد انحرفوا عن الفلسفة الأساسية التى كانت تدعو لسبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأخذوا يكفّرون المجتمع برمّته، فما لم يكن فى تنظيمهم...هو جزء لا يتجزأ من " جاهلية القرن العشرين"، ولقد حدث هذا الإنقلاب على يد التكفيري الأب سيد قطب منذ منتصف الستينات. ورغم ذلك، فإن الخرباني يأتي بالعديد من الأدلة التى تشير إلي أن البنا نفسه يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، مسؤولية تأليه تنظيم الإخوان باعتبارهم أصحاب رسالة سماوية كونية، هادفة لإعادة الخلافة التى ستنضوى تحت لواءها كل الشعوب الإسلامية، وذلك ما كان يحلم به حسن البنا الذى أراد أن يكون الخليفة الجديد للدولة الجامعة التى سيتم بناؤها بحد السيف، متأسياً بعبد العزيز آل سعود، ولذلك فقد أنشئ "النظام الخاص" منذ أيام البنا، ليكون نواة للمليشيات العسكرية الإخوانية التى ستنفذ عملية "التمكين" عندما تحين ساعتها، ولينفذ عمليات الإغتيال للخصوم السياسيين التى شرع النظام الخاص فيها منذ عهد البنا (الخاسندار والنقراشي باشا) واستمرت حتى اليوم، ومن هنا كان شعار الإخوان منذ البداية "سيفان وبينهما مصحف"، مأخوذاً من دولة آل سعود التى كانت المثل الأعلي لحسن البنا.

    ومن ناحية أخري، كانت حركة حسن البنا منذ تأسيسها عام 1928 عبارة عن رد فعل حانق لانهيار الخلافة العثمانية قبل ذلك ببضع سنوات على سنابك العلمانيين بقيادة كمال أتاتورك. ولقد تأكد للخرباني أن هنالك تأثّر واضح بالماسونية الدولية التى كانت رائجة للغاية فى عشرينات القرن المنصرم، وهنالك إشارات قوية بالكتاب إلي أن سيد قطب كان ماسونياً، وكذلك العديد من أقطاب الإخوان، والجدير بالذكر أن كلمة "إخوان" نفسها مأخوذة من الماسونية، بالإضافة لقسم الولاء للنظام الخاص، والشفرة والهيكل القيادي والعديد من الطقوس التنظيمية، وثقافة السرية المطلقة الصارمة، واسترتيجية حكم العالم بأسره بواسطة التنظيم الأوحد فى نهاية الأمر.


    ولقد توصل الخرباني فى آخر الأمر إلى أن النظام الخاص قد تغلغل وأضحي جزءاً من الجيش المصري، وأصبح خلية نائمة داخل الجيش النظامي يعمّرها إخوان ملتزمون ولكنهم غير معروفين إلا لنفر محدود بقيادة التنظيم، وهو يلمح إلى أن هذه الخلايا قد نشطت فى الآونة الأخيرة...وكان لها القدح المعلّي فى فوز الإخوان بالانتخابات ووصولهم للسلطة بعد انتفاضة 2011.


    وما حيّرني كثيراً...أن محامياً مثقفاً واسع الإطلاع وذا شغف بالحرية واستقلالية الرأي... وذا شجاعة لا تخطئها العين مثل الخرباني...ظل موجوداً داخل تنظيم الإخوان لثلاثة عقود كاملة...رغم أن المآخذ التى دفعته للاستقالة موجودة بالتنظيم منذ منتصف الستينات...ولو كان يحتاج لبعرة تدل علي بعير، أو بيان بالعمل، فلماذا لم ينظر فى تجربة الإخوان المسلمين بالسودان منذ يونيو 1989، أم أن السودان هذا خارج بوصلة المثقفين المصريين بالمرة، إن لم يكن خارج خريطة الشعوب الإسلامية والعربية بإطلاقها. فلو نظر الخرباني جنوباً وسأل عن حقيقة ما ظل يدور بالسودان..لما احتاج لكل ذلك العناء الذى تجشّمه ليتأكد من أن الإخوان يتآمرون سراً للانفراد بالأمر بالقوة، وأنهم يكفرون أي شخص أو حزب أو فكر سواهم، وأنهم جماعة ماسونية هدفها السلطة والتمكين وليس أي اعتبارات وطنية أو اعتبارات خاصة بالتقدم الاقتصادي أو تحسين أحوال الكادحين والمطحونين من المسلمين التى ظلت كما هي منذ خروج المستعمر، وهي الهموم الخاصة بلقمة العيش وتعليم الأبناء وتأمين الوظائف والمسقبل المستقر.



    لماذا لم يسمع الخرباني بما فعله الإخوان المسلمون بالسودان، ولقد ظلت المعارضة مقيمة بمصر منذ بداية التسعينات، تنظم الندوات والإجتماعات التنويرية، وتسوّد صحائف الجرانين، مثل "الوفد" و"الأهالي"، ثم "الاتحادي الدولية" الصادرة من القاهرة، وتحدث زخماً وضجيجاً وهي تستغيث بالعرب والمسلمين وكل الدنيا من حكومة الإنقاذ الإخوانية التى سطت على الحكم فى الخرطوم، وتسلطت علي رقاب السودانيين لربع قرن كامل؟ فإذا لم يسمع الخرباني أياً من تلك الأصوات فى عقر داره، من ياترى كان يسمعها؟ أم أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، فكان الخرباني يظن أن إخوته بالجنوب يقومون بالواجب الجهادي خير قيام، وما هذه الأصوات المعارضة إلا رجع الصدي للعلمانيين والملاحدة ومن لفّ لفّهم؟
    عموماً، إذا لم يسمع الخرباني بما جناه الإخوان المسلمون فى حق السودان، فليسمع به الآن، طالما أصبح مثقفاً ذا نزعة إنسانية ومشاعر وطنية جياشة ويقظة سياسية لا تنطلي عليها أباطيل الإخوان الماسونية المتأثرة بالصهيونية، ودونه القوقل وكل مظان البحث الموضوعي الشفاف، هذا إذا لم يتمكن من السفر للسودان، وهو على مسافة ساعة ونصف طيران من القاهرة. وأعجب كيف أنا نخف للقاهرة بسبب وبلا سبب، مرة ومرتين فى العام، وليس هنالك سوداني واحد لم يذهب لمصر فى حياته، مع أن إخوتنا المصريين لا يعرفون أحياناً أين يقع السودان هذا. المهم، للخرباني ولغير الخرباني من أولي النهي، فإن قصة الإخوان فى السودان يجب أن تكون حلقة فى أذن القوى الوطنية المصرية، حتى لا يتكرر لديهم ما حدث فى السودان، وحتي لا يحتاج مثل الخرباني للاجتهاد والاستنباط ليعرف حقيقة الإخوان، فهم فى السودان كتاب مفتوح وقد طبقوا كل سيناريوهاتهم التمكينية المدفونة فى أضابير الكتب ورسائل حسن البنا. فها هو النموذج الإسلاموي علي الطبيعة.


    • فى سنينهم الأولي بالسلطة اعتقلوا آلاف الناشطين وغير الناشطين السودانيين من مثقفين وعمال وعسكريين وزعماء سياسيين مركزيين وإقليميين، وزجوا بهم فى الزنازين الضيقة وفى "بيوت الأشباح" التى مارسوا فيها أخس وأرذل أنواع التعذيب مثل الاغتصاب (للرجال) والجلد والسحل والصعق بالكهرباء، ولم يقدموا أي أحد لمحاكمة مدنية أو عسكرية. وفى أول عام لهم، افتعلوا مؤامرة قالوا إنها كانت تدبر لانقلاب عسكري، فقتلوا بالرصاص ثمانية وعشرين من خيرة الضباط الوطنيين السودانيين بلا محاكمة، ودفنوهم فى مقبرة جماعية، بينما كان جزء منهم فى سكرات الموت، ولم يسلم الروح بعد لبارئها.
    • فصلت الحكومة الإخوانية الجديدة كل المهنيين والفنيين فى جهاز الدولة الذين ما كانوا فى تنظيم الإخوان، وبينما شردوا بذلك مئات الآلاف من السودانيين ودفعوا بهم للمهاجر البعيدة، فقد كان فى ذلك أيضاً ضربة للخدمة المدنية لم تفق منها حتي الآن، وتشتيت للجيش والقوات النظامية، مما جعلها تخوض حرباً خاسرة فى الجنوب اضطرت من جرائها فى آخر الأمر أن تستسلم وتسلم ذلك الجزء العزيز من الوطن لمليشيا الجنوبيين، ولم يكن أولئك الجنوبيون يطالبون بالاستقلال الكامل....مجرد حكم ذاتي إقليمي فى إطار سودان موحد...ولكن الإخوان لم يرغبوا فى استيعاب ثقافات وشعوب غير مسلمة داخل مشروعهم الإسلاموي الهادف للتوسع باتجاه الخلافة الكونية التى كانت أحلامها تراود حسن البنا.


    • خاضت الحكومة حرباً جهادية فى الجنوب، استخدمت فيها الطيارون والطائرات العراقية والإيرانية، وغاز الخردل والقنابل العنقودية والأسلحة المحرمة دولياً، واستعبدت أسرى الحرب من النساء والأطفال، وباعتهم فى أسواق النخاسة، فخلقت أجواءاً من الحقد والرغبة فى الثأر من الصعوبة محوها، وكان ذلك أيضاً من الأسباب التى قادت لإنفصال الجنوب فى نهاية الأمر عام 2011.
    • ما كاد نظام الإخوان يفرغ من حرب الجنوب ويشرع فى مفاوضات السلام بكينيا، حتى أشعل حرباً جهوية شوفينية أخري بدارفور ضد سكانها الأصليين من قبائل الفور والزغاوة والمساليت وكافة الإثنيات غير العربية (رغم أنها مسلمة مائة بالمائة)، منذ عام 2003، مستخدمة القبائل شبه العربية كالمحاميد والزيادية والعريقات والقرعان والطوارق...كمخلب قط، مدعومة بالتسهيلات اللوجستية من قبل الجيش النظامي، ومسبوقة بالغارات الجوية للطيران الحربي الحكومي الذى استهدف قري أهل دارفور وسواها بالأرض. وكان من نتائج تلك الحرب استشهاد اربعمائة ألف دارفوري، وتشريد مئات الآلاف الذين لا زالوا بالمعسكرات المؤقتة بالدول القريبة، مثل تشاد وإفريقيا الوسطي، حتى اليوم. هل سمع بهم الإخوان المسلمون المصريون، وهل أرسلوا أي إغاثة لهم، مثل تلك التى تذهب لغزة؟


    • وبعد انفصال الجنوب قبل نيف وعام، أشعل نظام الخرطوم فتنة أخري بجنوب كردفان والنيل الأزرق، لا لسبب إلا لأن هذه الإثنيات ليست عربية، شأنها شأن أهل دارفور، وما زاد الطين بلة أن بعضهم مسيحيون. وظلت هذه الحرب مستعرة منذ ما يقارب العامين، وليس هنالك أي ضوء فى آخر النفق، بل عناد وعدوانية إخوانية غير مسبوقة، ولقد أصدر والي جنوب كردفان، كما جاء فى شريط فيديو بث لكل العالم، أصدر أوامره لقواته بألا يبقوا علي أحد حياً من العدو، حتى لو رفع يديه مستسلماً، إذ ليس لديه وقت لمحاكمات أسري.
    • نكب السودان بفقدان الجنوب...الذى ذهبت معه 90% من الموارد النفطية، وسرعان ما انعكس ذلك على الأوضاع الإقتصادية، تضخماً وغلاءاً وشظف عيش ومعاناة يواجهها أهل السودان العاديون. أما سدنة النظام الإخواني فقد ولغوا فى مترتبات التمكين طوال العقدين المنصرمين، وكونوا طبقة من المهراجات المنعمين الذين يبعثون أبناءهم وبناتهم للتعليم بالخارج، بينما تهالكت البنية التحتية السودانية حتى أصبحت رميماً وانهار التعليم والخدمات الصحية وصحة البيئة، وبيعت أراضي السودان للأجانب وتوقفت الخطوط الجوية خطوط النقل النهري والسكة حديد..إلخ.

    وهكذا، فقد ساءت الأحوال فى بلاد السودان للغاية، ورئيسها ووزير دفاعها مطلوبون أمام محكمة الجنايات الدولية بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. ولما تنادت المعارضة مؤخراً فى كمبالا، ووضعت يدها فى يد الحركات الحاملة للسلاح وأقنعتها بسلوك طريق التغيير السلمي، وبعدم استخدام السلاح إلا للدفاع عن النفس، ووضعت برنامجاً للتدرج نحو السلطة، ثم للمرحلة الانتقالية التالية لسقوط النظام، جن جنون الحكومة، وعادت للسنين الأولي للإنقاذ، سنين الإعتقالات التحفظية الفظة وبيوت الأشباح. وبينما هي تتحدث تحت الأغطية عن ثمة حل لمشكلة السودان تشارك فيه كل القوى السيساسية، نراها تبطش بالمعارضين الطاعنين فى السن والمنهكين بالأمراض المستعصية، وذلك بغرض التمادي فى إخافة الشعب، وبغرض الاستمرار فى سياسة التمكين بالقوة التى اكتشفها الخرباني فى رسائل حسن البنا. أي أن النمر الإخواني لا يستطيع تغيير جلده، والطبع لديه يغلب التطبع، ومما لا شك فيه أن الإخوان، سواء فى مصر أو تونس أو السودان، لن يتخلوا عن السلطة بالتي هي أحسن...و لا مفر من أن يجبروا علي ذلك بالقوة. وإلي أن يتم ذلك، فسيستمر التردي الإقتصادي والإداري، وستستمر معاناة الكادحين، إلى أن يجعل الله أمراً كان مفعولاً. والسلام.


    ---------------------

    رداً على سيناريوهات الواثق كمير: الرئيس هو المشكلة لا الحل!!

    رداً على سيناريوهات الواثق كمير: الرئيس هو المشكلة لا الحل!!



    02-18-2013 08:47 AM
    سيف الدولة حمدناالله

    (تعقيب على مقال د. الواثق كمير)

    من بين ما يميز الدكتور الواثق كمير، أنه يمتلك الشجاعة التي تجعله يقف في مساندة رأيه مهما جلب عليه من مصائب، وليس في هذا القول شيئ من الموالاة أو المشايعة برغم توافر أسبابها بحكم ما تربطني به من صداقة قديمة على خلفية صلة النسب التي تجمعنا والتي جعلت كلانا يقف على درجة قرابة واحدة من الذرية التي نجمت عنه، ومثل هذه الشجاعة هي التي جعلته يعلن إنضمامه للحركة الشعبية دون أن يأبه للطوب الذي كان يُحدف عليه، حتى أصبح من قادتها السياسيين، في الوقت الذي كان فيه معظم مؤيديها من الشماليين- في ذلك الوقت- يفعلون ذلك من خُرم الشباك، وبعد توقيع إتفاقية نيفاشا، رفض "كمير" أخذ نصيبه من السلطة التي آلت للحركة الشعبية، حين إعتذر عن قبول المنصب الذي عُرض عليه (سفير بالخارجية)، فعاد لمباشرة عمله كخبير بالمنظمات والوكالات الأممية، من بينها مركز أبحاث التنمية الدولية بكندا، ووكالة التنمية الدولية التابعة للأمم المتحدة وغيرهما، فالرجل عينه مليانة، فهو من أصحاب شهادة الدكتوراة "بالقديم"،وعمل أستاذ بكلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم، في الزمن الذي كان فيه مدرس الوسطى يوازي بروفسير هذه الأيام.

    كان لا بد من هذه الحديث كمقدمة لازمة لفهم الخلفية التي كتب بها "كمير"مقاله الذي جاء بعنوان "الكرة في ملعب الرئيس"، وتم نشره بعدد من المواقع الإلكترونية، وواقع الأمر أنني كنت قد إضطلعت على المقال – بكرم من صاحبه - قبل نشره، كما وقفت على التعليقات التي وردت إليه حوله من عدد من أصحاب الرأي، من بينهم الدكتور أمين مكي مدني والسيد/ الصادق المهدي والدكتور الشفيع خضر والأستاذ/ فتحي الضو وآخرين، وقد إخترت – خلافاً لذلك - أن أقوم ببث تعليقي على المقال على الهواء مباشرة، عسى أن يدفع ذلك بالدكتور الواثق لإستعراض الآراء التي وردت إليه بما يثري الحوار حول هذا الموضوع الشائك.

    ولمن فاتهم الإطلاع على المقال، لا بد من تلخيص ما ورد فيه، ومهما برعت في التلخيص، فسوف يبقى مُخِلاً لمحتوى المقال وينتقص من قيمتة، ولذا، ننصح ذوي الإهتمام بالإطلاع عليه كاملاً. والملخص يقول: أن الوطن يسير نحو أحد ثلاث سيناريوهات، الأول: إصرار الحزب الحاكم على إستمرار الوضع الراهن بإقصاء الآخرين والسيطرة على جهاز الدولة وإستمرار الحروب والتدهور الإقتصادي والفساد وتوتر العلاقات مع حكومة الجنوب بما يُنبئ بنشوب حرب بين البلدين في أي وقت،وتنامي الولاء القبلي والعرقي، وأن هذا الوضع سيقود للسيناريو الثاني: وهو تصاعد العمل المسلح والزحف للسيطرة على المركز، ويرى أن ذلك سوف يؤدي إلى إنهيار الدولة وتفككها بالكامل نتيجة لما سيحدث من تصارع بين الفصائل المسلحة والقوى السياسية الأخرى عند سقوط النظام، وذلك لعدم وجود توافق سياسي بين تلك الفصائل والقوى السياسية الأخرى على النحو الذي كشف عنه توقيع ميثاق الفجر الجديد، مما يفضي إلى مواجهات دموية فيما بينها، وفيما بين أفراد الشعب بعضهم ضد بعض، كما يرى أن ذلك الوضع سوف يغري دول الجوار لتضع يدها على أجزاء من البلاد، وهو ما يعني نهاية الدولة وليس نهاية النظام.

    أما السيناريو الثالث: أن يقوم الرئيس بعمل "تسوية سياسية شاملة" تقوم على أساس طرح برنامج وطني تتوافق عليه كل القوى السياسية والحركات المسلحة يضع الوطن فوق الحزب، تتولى تنفيذه حكومة "وحدة وطنية"، تنتهي بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة، ولذا، يرى الدكتور الواثق بأن "الكرة في ملعب الرئيس"، الذي يؤهله وضعه الحالي بإعتباره الشخص الوحيد المقبول من الجيش والحزب الحاكم، للقيام بهذا الدور، ثم دعى المعارضة المسلحة والقوى السياسية الأخرى إلى قبول بقاء الرئيس في الحكم حتى نهاية فترة ولايته الحالية، ويرى أن ذلك هو المخرج الوحيد من إنزلاق السودان للهاوية بحسب السيناريو الثاني.
    من جهتنا، ليس لدينا خلاف مع الدكتور الواثق كمير فيما أورده في السيناريو الأول والثاني، بل أننا ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك، حين قلنا في مقال لم يمض على نشره إسبوعين أن الكارثة التي تنتظر الوطن سوف تتحقق حتى لو تم سقوط النظام بثورة شعبية لا بعمل عسكري، بيد أننا نختلف مع الدكتور الواثق كمير في أن يكون حل هذه المعضلة بيد الرئيس البشير، فالرئيس هو المشكلة لا الحل، والواقع من يقرأ السيناريو الذي وضعه الدكتور الواثق حول الدور الذي يمكن أن يقوم به الرئيس في معالجة أزمة الوطن، يُخال إليه أن من كتب هذا الكلام مراقب دولي لا مواطن سوداني، فمن جهة فهو حديث يتسم بالمعقولية والمنطق السليم، ولكنه يبقى حديث نظري لا يأخذ في الإعتبار ما يجري على أرض الواقع، واقع الطرفين، النظام والمعارضة.

    مشكلة تحقيق هذا السيناريو أن الرئيس البشير لا يعتقد بأن هناك مشكلة من الأساس، أو أنه – على أفضل تقدير - لا يدرك حجم المشكلة ، بل أنه يرى عكس ذلك تماماً، فالرئيس يعتقد أن الوطن يعيش أفضل فترة في عمره، ويعتقد أنه لم يحدث أن وقف الشعب وراء حكومة بمثلما فعل مع الإنقاذ، بل أنه يرى أن الشعوب العربية التي قامت بالثورات في مصر وتونس واليمن، لم تفعل ذلك الاٌ لأنها إستلهمت ذلك من تجربة حكم الإنقاذ، أي والله.

    والرئيس يعتقد أن الشعب يعيش في سلام وإنسجام ومحبة، وهو لا يعترف بالحروب التي تجري في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، و يعتبر أن ما يجري هناك ليس سوى أعمال إجرامية يقوم بها حفنة من العصبجية والخارجين عن القانون، وأنهم يفعلون ذلك ضد رغبة الأهالي في تلك المناطق، والأدهى من ذلك أنه يؤمن بأنه قادر على القضاء عليها بطرف أصبعه.
    والحال كذلك، كيف يستقيم أن يقوم الرئيس بمعالجة مشكلة لا يرى أنها موجودة من الأساس!!!

    ومن جهة ثانية، لم يأخذ هذا السيناريو في الإعتبار حقيقة أخرى هامة، وهي أن العصابة التي تلتف حول الرئيس لن تسمح له بأن يكتب نهايتها بمثل هذه السهولة، فالرئيس لا يسوى شيئ بدون هذه العصابة، ولا يستطيع أن يستمر في الحكم ليوم واحد دون مساندتها، ولا يقدح في صحة هذا القول بقوة ومقدرة الرئيس في الإطاحة بعدد من رموز النظام الأقوياء بكل سهولة، فالرئيس لا بد له أن يرتكز على جناح في الإنقاذ حتى يستطيع ضرب الجناح الآخر، ولكنه لا يستطيع أن يضرب كل الأجنحة – وفق معطيات السيناريو – دفعة واحدة، ولو أنه فعل ذلك لن يخرج من الإنقاذ سوى بزوجتيه.

    بيد أن الأهم من كل ذلك هو الطرف الآخر، وهو المعارضة وبقية الشعب، وللإنصاف فإن السيناريو الذي طرحه الدكتور الواثق كمير لم يتجاهل المرارة التي تجرعتها المعارضة والشعب من وراء هذا النظام، بيد أنه يرى أن يسمو الجميع فوق تلك الجراح من أجل الوطن، ولكننا نرى أن هذه دعوة موغلة في التفاؤل، ولا يخفف من حِدة هذا الزعم ما حدث في بلدان أخرى قبلت المعارضة فيها مشاركة جلاديها الحكم (روبرت موقابي – زمبابوي)، فمثل هذه الترتيبات تسبقها تحضيرات وإستعداد لتقديم تنازلات من الطرفين عبر وسائط وتحت ظروف معقدة توفرت بتلك الدول، وما يقف عقبة أمام تحقيق ذلك في السودان، أن الرئيس البشيرمن أرباب السوابق في محيط الغدر بالشركاء والتنكر للإتفاقيات التي يبرمها، فهو لم يترك لنفسه ذرة مصداقية لم يستنفدها، فهو يلعق حديثه - في جرأة - قبل أن يبرح صداه الآذان، فليس هناك ثمة سبب واحد يدعو المعارضة – من واقع نقض الرئيس لعهوده السابقة - للإطمئنان على تسليم رؤسها إليه بهذه السهولة بعد كل التجارب المريرة.

    وأخيراً، فإن الجراح التي خلفها هذا النظام في نفوس الشعب طوال ربع قرن غائرة ولا تزال تنزف بغزارة، فقد إرتكب هذا النظام كل الموبقات في حق الشعب من قتل ودمار وتشريد وإعتقالات وتهجير ومظالم وفساد، ولا يمكن القبول بالمسئول الأول عن كل هذه الجرائم ليكون هو الحل، فليس صحيحاً أن الكرة ليست في ملعب الرئيس، والصحيح أن الرئيس يلعب بنا الكرة.

    سيف الدولة حمدناالله
                  

02-20-2013, 08:11 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)


    ضعُف الطالب.. وعزّ المطلوب!!(3-4) ..

    بقلم: د. عمر القراي
    الأربعاء, 20 شباط/فبراير 2013

    06:23
    "الإنتباهة" تستعين بوقيع الله لتشويه الفكر الجمهوري

    (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) صدق الله العظيم

    التفسير والتأويل:
    يقول وقيع الله (وقد فسروا قول الله تعالى: «قل الله» بقولهم: «كن الله»، وفسروا: «والتين والزيتون وطور سنين»، بأن التين هو العقل، والزيتون هو القلب، وطور سنين هو النفس، وإلى آخر تلك التخرصات التي لم يقرهم عليها مجادل وهم من المثقفين الذين انصرفوا عن الحوار معهم لافتقاد المنهج في الحوار) (الإنتباهة 1/2/2013م). هذه العبارة، نموذج لسائر كتابة وقيع الله، فهي على قصرها، تحوي الكذب، والتخليط، وعدم الوعي بما يقول الآخر، والنقل الخاطيء للنصوص التي يراد نقدها. فالأستاذ محمود لم يقل ان هذا تفسير، بل قال إنه تأويل. وكانت الأمانة تقتضي أن يورد وقيع الله ذلك، ثم ينتقد التأويل بما شاء، أو ينكر وجود التأويل، كما يفعل سائر الوهابية.. أما النقل الخاطيء، الذي قد يكون سببه التعجل، وعدم الرجوع الى المراجع، فقد دل عليه لخبطته للعبارات التي نقلها، على غير الوجه الذي وردت به في مصادرها.. فقد جاء أن التين اشارة الى النفس، والزيتون الروح، وطور سينين العقل، والبلد الأمين القلب. والجمهوريون لا يجادلون معارضيهم بالتأويل، حتى ينصرف عنهم من لا يقبل أو لا يفهم التأويل، كما ادعى وقيع الله. ولا يطالبون الناس بقبول ما جاء من تأويل، في كتب الأستاذ محمود، لأن ذلك من علم الباطن، وسائر الناس لا حظ لهم فيه، إلا من شمّر في طلبه.. ومعلوم أن للقرآن ظاهر وباطن، لأنه كلام الله،والله تبارك تعالى ظاهر وباطن، وقد قال عن نفسه (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (للقرآن ظاهر وباطن وله حد ومطلع).. ولكن الجمهوريين يطلبون من الناس أن يقبلوا تطوير التشريع،بالانتقال من نصوص الوصاية الى تحقيق الديمقراطية، والاشتراكية، والمساواة التامة بين الرجال والنساء.. وهذا ما يدور حوله الجدل، لأن يقوم على ظاهر القرآن، الذي بنيت عليه الاحكام، التي يصلح بها شأن المجتمع..


    ولكن يجب ألا ينكر التأويل من حيث هو، ويقفل بابه، لمجرد أننا لا نفهم معانيه، التي لا تتقيد دائماً باللغة العربية، وذلك لأن فيه حقائق الدين الكبرى، والتي منها تنزلت حكمة التشاريع والاحكام.. ولأن كثير من الآيات، لا يمكن ان تفهم، بمجرد الأخذ بمعاني الكلمات الظاهرة، كما هي في اللغة العربية، ولا بد من تأويلها.. ومن ذلك مثلاً، قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)،ففي اللغة العربية إنما يجئ الغائب، تقول: جاء زيد الى البيت، معناه أنه لم يكن فيه من قبل. فهل هناك مكان لم يكن الله فيه حتى يجئ إليه؟!
    ومن التأويل المشهور، تأويل ابن عباس لقوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا). إذ قال: الماء القرآن والأودية القلوب. فهل درس وقيع الله تأويل ابن عباس هذا في الجامعة الإسلامية، وقبله أم اعتبره (تخرصات)،مثل قول الاستاذ محمود ان التين النفس والزيتون الروح؟!

    ينكر الاحاديث ويأخذ بالظنون:
    وكعادة الوهابية، في إنكار كل حديث لا يفهمون معناه، أخذ وقيع الله يصف الأحاديث التي وردت في كتب الجمهوريين، بأنها موضوعة، فقد قال (اما حديثا ما وسعتني أرضي ولا سمائي... إلخ و«تخلقوا بأخلاق الله» فهما حديثان موضوعان، وقد أنكرهما علماء الحديث، ولا يستطيع الجمهوريون أن يقدما لهما أصلاً من أي من كتب الحديث الصحاح)(الإنتباهة 25/1/2013م). إن الذي يقرأ كلام وقيع الله هذا، يظن أن صحيح البخاري وصحيح مسلم استوعبا كل الاحاديث الصحيحة.وأن أي حديث لا يوجد فيهما لابد أن يكون موضوع أو ضعيف. وهذا من جهل وقيع الله، بما انفق عمر في دراسته.. لأن البخاري ومسلم، ذكرا أنهما لم يجمعا في كتابيهما كل الاحاديث الصحيحة!! فقد جاء (قال السخاوي في فتح المغيث: قد صرح كل منهما بعدم الاستيعاب. فقد قال البخاري فيما رويناه عن طريق ابراهيم عن معقل عنه: ما ادخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح خشية ان يطول الكتاب. وقال مسلم: إنما اخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل ان ما لم أخرجه من الحديث فيه ضعيف. وقال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بانهمالم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله، لا انه يحصر جميع مسائله)(مركز الفتوى- موقع الشبكة الإسلامية على الانترنت: تحت هل جمع البخاري كل الاحاديث الصحيحة).


    إن منهج علماء الحديث، في الاعتماد على سلسلة الرواة، لمعرفة صحة الحديث، وإن خدم غرضه في الماضي الى حد كبير، ليس منهجاً دقيقاً..لأن الحديث لم يجمع في عهد الصحابة، ولا التابعين، وإنما جمع في عهد بني أمية، وبعد الفتنة الكبرى، وتفرق المسلمين، وحاجة كل جماعة لأسانيد لدعم مواقفها.. والذي يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم،لا يعجزه ان يضع سلسلة قوية لذلك الحديث، يأخذ بها المصنفون. وسبب نكران الاحاديث الصحيحة، ما يرد فيها من معرفة دقيقة، تصادم تصورات العوام، وعند ذلك يمكن ان ينكروا على الصحابي نفسه- دع عنك أحد رواة السلسلة- ما حدث به، مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.. ولذلك قال أبوهريرة، فيما روى البخاري (أخذت من رسول الله وعاءين فأما احدهما فقد بثثته. وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم) وهذا يعني انه أمسك نصف ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يروه، حتى لا يقتله الناس، لشدة استنكارهم تلك الاحاديث، لعدم فهمهم لمعانيها. بل ان الأصحاب أنفسهم، رضوان الله عليهم، قد يستنكروا ما لا يوافق فهمهم، وإن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة!! ومن أمثلة ذلك، ما روى البخاري، عن ابي هريرة (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا رجل يركب بقرته إذ قالت له: ما خلقنا لهذا وإنما خلقنا للحرث والضرع!! فقالوا: أبقرة تتكلم يا رسول الله؟! قال: أنا أؤمن بذلك وابوبكر وعمر)!!
    إن المنهج القويم لمعرفة صحة الحديث، هو نسبته الى القرآن.. فإذا وافق القرآن فهو صحيح، وإن لم يوافق القرآن فهو غير صحيح، مهما كان حظه من الرواية. فهل الاحاديث التي انكرها وقيع الله تجد سندها في القرآن؟!


    أما حديث (ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)، فيدعم شطره الأول قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ويدعم شطره الثاني،أن قلب المؤمن يسع القرآن، قال تعالى (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ). والقرآن كلام الله، وكلامه صفة قديمة، قائمة بذاته، والقرآن لدى التناهي، ليس غير الذات الإلهية.. ولذلك قال في حقه (حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)، فهو في القاعدة جعل باللغة العربية، ولكنه في القمة، في أم الكتاب، وصف بأنه العلي الحكيم. فإذا وسع القلب القرآن، فقد وسع الله، سعة معرفة، وليست سعة مكان.


    وأما حديث (تخلقوا باخلاق الله إن ربي على صراط مستقيم)،فيدعم شطره الثاني، قوله تعالى(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). ويدعم شطره الأول، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم، والناس من بعده، بالاستقامة، وهي الثبات على الصراط المستقيم..وذلك في قوله تعالى(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فما دام الله على الصراط المستقيم، ونحن أمرنا ان نكون على الصراط المستقيم، فقد أمرنا ان نتخلق باخلاق الله. ويدعم ذلك أيضاً قوله تعالى (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).. والإسلام دعا المسلمين الى حسن الخلق، فقد جاء في الحديث (روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن إن أحسن الحسن الخلق الحسن)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(حسن الخلق خلق الله الأعظم)، فهم إذاً قد دعوا الى التخلق باخلاق الله.
    ولقد انكر وقيع الله حديث المعراج، وهو طويل، ومنه (...رأيت ربي في صورة شاب أمرد فوضع يده على كتفي فاحسست ببردها بين ثديي وعلمني علوم الاولين والآخرين... الخ) ولأن الحديث جاء في باب التشبيه، أنكره العديد من السلفيين، واعتبروه من الاحاديث الموضوعة،ولكنه صحيح. ويدعمه من القرآن ما جاء عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله في المعراج، قال تعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى؟!)، وهذه رؤية لحظة الشهود الذاتي، ثم رآه في تنزل عن ذلك، قال تعالى (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى).. وفي هذا التنزل، جاءت الصورة البشرية، التي اشار إليها الحديث. ولقد اشار اليها القرآن، في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ).


    وحين لم يجد وقيع الله، من كتب الاستاذ محمود والجمهوريين، ما يشوه فكرتهم، بالقدر الذي يطمح إليه، أخذ ينشر ظنه السئ بهم، ويحاسبهم عليه!! فقد قال (ويظن محمود، كما يظن أتباعه، أن آية أخرى القرآن الكريم تحدِّث عنه شخصياً، وهي الآية التي تقول: «ويبعثك ربك مقاماً محموداً». فها هو اسم «محمود» يذكر على التحديد في القرآن الكريم! وبجانب ذلك يظن محمود كما يظن أتباعه أن الإنسان الواصل إلى درجة الحلول والاتحاد مع الإله، لا بد وأن يكون أسمر اللون)(الإنتباهة 27/1/2013م) كيف عرف وقيع الله ذلك الظن؟! ولماذا لم يورد مصدره إن كانت له اشارة في كتب الجمهوريين؟! وهل سمع وقيع الله، وهو يزعم أنه باحث، بباحث ناقد، يورد ما يعتبره ظن الكاتب، ثم يقوم بنقد ذلك الظن؟! ومن أخبر وقيع الله بأن الجمهوريين يؤمنون بالحلول والاتحاد؟! هل هذا مستوى نقد لمثل الفكرة الجمهورية؟! اسمعه يقول (ولما كان سيدنا آدم، عليه السلام، أسمر اللون، لأن اسمه اشتق من الأدمة، فقد استنتج الجمهوريون أنه كان إفريقياً)(المصدر السابق). فهل آدم كان أسمر اللون، لأن اسمه اشتق من الأدمة، أم أن اسمه اشتق من الأدمة، لأنه كان اسمر اللون؟! بعبارة أخرى، هل أوجد آدم أولاً، أم اسمه؟!لقد خلق آدم اسمراً، ولذلك سمى آدم، وليس العكس. نعم لما كان آدم اسمر، فقد استنتجنا انه نشأ في افريقيا، فهل يعلم وقيع الله إنه اسمر ثم استنتج أنه كان في شمال أوربا؟! ثم إذا سلمنا بأن وقيع الله جاهل بعلوم الأحياء، والأنثروبولوجي، لأنها لا توجد في الجامعة الإسلامية، ألم يشاهد برامج الجغرافيا الطبيعية، في التلفزيون، عندما كان في أمريكا، فيعرف من كل ذلك، ان افريقيا هي الموطن الأول للإنسان؟!
    يقول وقيع الله عن الجمهوريين (قالو ان أول انسان "واصل" سيبعث في افريقيا وانه سيبعث عند ملتقى النيلين الافريقيين الابيض والأزرق لأن الله تعالى يقول "مرج البحرين يلتقيان"... سيبعث عند مدينة الخرطوم الأفريقية لان الله سبحانه وتعالى يقول "سنسمه على الخرطوم")(المصدر السابق) أين قال الجمهوريون كل هذا الكلام؟! في اي كتاب أو في أي محاضرة أو في أي مقال؟! ما هو هدف وقيع الله من كل هذه الاكاذيب؟! إذا كانت الفكرة الجمهورية باطل فهل يقضى عليها بالحق أم بالكذب؟؟

    موضوع الصلاة:
    يقول وقيع الله (أن فكرة واحدة من أفكارهم مثل رفع الصلاة، كانت كفيلة بنسف الأفكار الأخرى للحزب، وتنفير الناس منها) (الإنتباهة 1/2/2013م). فإذا كان وقيع الله، بملكاته الذهنية المتواضعة، التي تطالعنا في هذه المقالات، قد اكتشف حقيقة ان موضوع الصلاة،قد نفر الناس من الفكرة الجمهورية، فهل يمكن ان يغيب ذلك على الاستاذ محمود؟؟ فلماذا لم يطرح بقية الفكرة، ويتبع في أمر الصلاة تصور عامة المسلمين، حتى يكسب الكثيرين، ولا ينفر الناس من الفكرة؟!الجواب: لأنه صادق، ويعلم بأن ما يقول به هو الحق، وان خالفه، ونفر عنه بسببه الناس.


    يقول وقيع الله (يفرِّق محمود محمد طه بين نوعين من الصلاة: الأولى، وهي صلاة التقليد، والثانية وهي صلاة الأصالة. أما صلاة التقليد فهي تلك التي يقلد فيها المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليلها: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وأما صلاة الأصالة فهي تلك التي يؤديها المسلمون ابتداءً من القرن العشرين».... راجع: محمود محمد طه، رسالة الصلاة، الخرطوم، 1972 م، ص77) (الإنتباهة 28/1/2013م). هذا ما ذكره وقيع الله، وهو لم يرد في كتب الجمهوريين، ولم يرد في المرجع الذي اشار اليه، والى صفحته، ويمكن للقراء الرجوع الى المصدر في موقع الفكرة، ليروا مبلغ جرأة وقيع الله، على الكذب الصراح!! ويقول أيضاً (وهكذا أصبحت الصلاة، وسيلة للوصول إلى مرتبة الأصالة "وهي مرتبة الاتحاد مع الله" نعوذ بالله العظيم - ومتى ما حققت هذه الغاية، بطلت مهمتها وانتهى دورها، وأصبحللمرء صلاة خاصة لم يشرحها لنا محمود) (المصدر السابق). أين قال الجمهوريون إن مرتبة الاصالة هي مرتبة الاتحاد مع الله؟! إن كان هذا فهم وقيع الله، فهو فهم سقيم، كان ينبغي عليه ان يصبر عليه، ويرجع الى المراجع، ويتحقق، حتى لا يورد نفسه المهالك، بمثل هذه الجهالات (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ).


    للصلاة قاعدة ولها قمة. قال تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). ففي القاعدة، فإن الصلاة تعين صاحبها على تجنب الفواحش، والترقي الى مكارم الاخلاق.. ولكن الذكر اكبر منها، وهو غايتها، والذكر هو الصلاة في القمة، ويعني الحضور مع الله بلا غفلة عنه. والصلاة وسيلة لتحقيق الذكر، قال تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).. ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة في القاعدة، صلاة المعراج، فقال (الصلاة معراج العبد الى ربه). وسمى الصلاة، في القمة، صلاة الصلة، فقال (الصلاة صلة بين العبد وربه). ولقد أتى جبريلعليه السلام، بصلاة المعراج، وشرح كيفيتها للنبي بمكة، ولكن صلاة الصلة، تمت للنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج، بعد ان توقف عنه جبريل، وسار الى الله وحده، فتم له الشهود الذاتي، وكان ذلك هو قمة صلاة الصلة، ولم يكن جبريل حاضراً تلك الصلاة، ولا يعرف عنها شيئاً.. وصلاة الصلة، ليست نقطة، وإنما هي حال، يبدأ ببداية الحضور، داخل صلاة المعراج، التي هي الصلوات الخمس المعروفة.. وكلما زاد الحضور في الصلاة، زادت صلاة صلتنا، في صلاة معراجنا، حتى يمتلئ هيكل صلاتنا بالحضور، فلا نغفل عن الله في الصلاة، أبداً.. فإن تم ذلك، وهو عزيز المنال، إنتقل الحضور خارج الصلاة، لمعاملة الخلق بين الصلوات.. وكلما زاد حضور العبد مع الله، في معاملته للخلق، زادت صلته بالله، وعلمه به على نحو مختلف عن علم الآخرين، وتغير تبعاً لذل سلوكه، حتى كان له أسلوبه الخاص، الذي يسير به حياته، وفق مرضاة الله، حسب ما وعى عنه، وهذه هي اصالته.. وهي تتحقق له في إطار تقليده للنبي صلى الله عليه وسلم.وهذا هو المعنى المقصود، مما ورد في سائر كتب الأستاذ محمود والجمهوريين، من ان صلاة التقليد (صلاة المعراج) وسيلة الى صلاة الاصالة (صلاة الصلة).والاصالة التي تحقق للعباد المجودين، داخل إطار التقليد النبوي الشريف، هي الحالة العامة، التي يجب ان يبشر بها المسلمون، ويسعون لاتقان صلاة معراجهم، ليحققوها..

    أما قمة الاصالة، التي يتم بها سقوط التقليد، فإنها لا تتأتى إلا بعلم، يحقق رؤية شاملة، غير مسبوقة، وهي تتعلق بفرد، يستطيع هو، وحده، ان يدفع عن أصالته، ولا يجوز لغيره من المقلدين، أن يتحدث، في غيابه، عن أصالته.. والذي يهمنا، هو وجود مبدأ الأصالة في الإسلام في الصلاة، وانها مطروحة، وممكنة التحقيق، بل أنها غاية الصلاة، التي نؤديها الآن، وهذا هو محل الحوار، والجدل، لا اصالة الاصيل الواحد.

    د. عمر القراي


    [email protected]


    -------------------------



    خطاب جوابي من الإمام الصادق المهدي للدكتور إبراهيم منعم منصور
    الثلاثاء, 19 شباط/فبراير 2013 16:31



    10 فبراير 2013م
    خطاب جوابي
    للحبيب إبراهيم منعم منصور

    لك مني جزيل الشكر على ندائك الظريف نهجاً، البليغ أسلوباً، الثقيل وزناً.
    وصاياك مقبولة وهي من باب حث اليتم على البكاء، أو مقولة الحكيم: لقي المريد إلى المراد مريداً.
    وسوف أذكر لك كم حاولنا أن ننصح صناع القرار فكانوا معنا كقوم نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) [1].
    ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع وخلاصته مدخله لذلك: لكل ظاهرة في الوجود سواء كانت طبيعية أو اجتماعية قوانين تحكمها.
    القوى السياسية المشكوك في شرعيتها تحرص على نفي الآخر للانفراد بالشرعية الشكلية، لذلك صار النظام الحاكم في السودان حريصاً على استبعاد أية قوى وطنية تشاركه في اتخاذ القرارات المصيرية، ولكن هذه الحساسية لا توجد في إطار المداخلات الخارجية، لذلك نجدهم يفرون من مشاركة أهل الوطن ويرحبون بل يستدعون مشاركة الأجانب لسببين: الأول: هؤلاء لا يتقاسمون معهم الشرعية، والسبب الثاني: أنهم يرون في المداخلات الخارجية وسيلة لاكتساب شرعية دولية، ههنا أيضا فجوة الشرعية تفسر غياب الحساسية من المداخلات الأجنبية، ما جعل كل قضايا السودان الداخلية مدولة بدرجة غير معهودة في تاريخ السودان ولا في تاريخ الجيران.
    الحقيقة إذن، النظام يتعمد ابعادنا عن أية مشاركة في حل مشاكل البلاد، حتى إذا أدرك أن لنا قدرات يمكن توظيفها في حل بعض تلك المشاكل، وحتى إذا أدرك أن موقفنا في بعض تلك القضايا ملتزم وطنياً.
    1. عندما وقع الانقلاب في 30 يونيو 1989م كان هناك مشروع سلام جاهز ليبرمه مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م. مشروع ليس فيه دور لأية جهة أجنبية، وليس فيه ذكر لتقرير المصير، وكل ما فيه مطالب الحركة الشعبية بنصيب عادل في السلطة والثروة، والمطالبة بالتخلي عن تحالف الدفاع المشترك، والمطالبة باستثناء غير المسلمين من أية أحكام إسلامية. ولولا "عقدة" الشرعية لكان أول ما يفعله النظام الجديد بعد الانقلاب هو أن يؤسس على ما سبق ويواصل، ولكنه حرص على هدم كل ما سبق، والبدء من المربع الأول. ولكن سياسات النظام الجديد ركزت على الحسم العسكري وشجعها على ذلك انهيار نظام منقستو وقيام نظام جديد صديق في أثيوبيا.
    2. وفي مرحلة لاحقة استبعدنا تماماً من أي دور في عملية السلام، وعندما أبرمت اتفاقية السلام في يناير 2005م أصدرنا دراسة وافية وضعت الاتفاقية والدستور الجديد في الميزان وقلنا: إن هذه الاتفاقية ستجعل الانفصال جاذباً، وأن تعليق نقاط مهمة سيجعل تجديد الحرب وارداً، وأن استمرار الأجهزة والقوانين الشمولية إلى أن تستبدل دون وضع حد زمني سيحول دون التحول الديمقراطي. وقد كان.
    3. وانتقدنا بروتوكول أبيي لأنه إذ جعل مصير المنطقة مترتبا على الاستفتاء ذكر الدينكا "نقوك" وآخرين فكان عدم ذكر المسيرية سبباً في اختلاف مستمر، ثم اسند الأمر للجنة وصفت بأنها لجنة خبراء محايدة، وقلنا إن رئيسها دونالد بيترسون ليس خبيراً ولا محايداً، والتقينا بممثلين للدينكا وللمسيرية بعد رحلة للمجلد، وكان رأينا واضحاً، وهو أن حل هذه القضية هو مهمة سكان المنطقة حصرياً، وينبغي أن يترك لهم الأمر لكيلا يكون سجالاً بين حزبي نيفاشا، وأدى السجال إلى الاحتكام لمحكمة لاهاي الدائمة للتحكيم، وقبل طرفا الاتفاقية تحكيم لاهاي، ولكن طرفاً من سكان المنطقة رفض ذلك التحكيم وعاد الأمر للمربع الأول. إن أمر أبيي الآن محتقن بعوامل الحرب، ولا يمنع اندلاعها إلا الحماية العسكرية الأثيوبية بتمويل دولي.
    4. وقلنا إن العبارات التي صيغ بها بروتوكولا جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، هشة للغاية، ومع هذه الهشاشة أهمل أمر المشورة الشعبية، ومصير الفرقة (9)، والفرقة (10) على طوال الفترة الانتقالية، ومع هذا الموقف الهش زاد الأمر تعقيداً بانفصال الجنوب، وصار الموقف مأسويا؛ فدولة الجنوب تعتبر أن لها التزاماً بموجب البروتوكولين، والدولة السودانية تعتبر أن الجنوب بعد انفصاله صار دولة أجنبية لا يصح لها أن تتدخل في شئون السودان الداخلية. وكنا نرى ضرورة حسم أمر البروتوكولين قبل استفتاء الجنوب، ولكن هذا لم يحدث، واندفع طرفا اتفاقية السلام في انتخابات كنا نرى أنها ستقود لحرب لأن شعاري الطرفين هما:الأول "النجمة أو الهجمة"، والثاني "هارون أو القيامة تقوم".
    لذلك كتبنا خطابا للسيدين عمر حسن أحمد البشير، وسلفا كير ميارديت ننصح بالاستمرار في ترتيبات انتقالية، وعدم إجراء انتخابات. أرسلنا الخطابين لهما في 15أبريل2011م ولكن مرة أخرى كان الباب مسدوداً.
    هكذا دخلت الدولتان السودانيتان بسبب الإهمال والأخطاء في طريق مسدود، واندلعت الحرب الحالية، وواضح أن استمرارها وما صحبها من مأساة إنسانية سوف يجعلها مدخلاً للتدويل الذي وضع إطاره القرار الدولي رقم (2046).
    5. فيما يتعلق بدارفور فقد قلنا إن نذر الأزمة الجديدة مختلفة عن مشاكل دارفور التقليدية لذلك دعونا لاجتماع كل عناصر دارفور في العاصمة من كل الأحزاب في دار الأمة في يونيو 2002م، واجتماع آخر لنفس الحضور بداري بالملازمين بعد تفجر الأزمة في 8 مارس 2003م. وقلنا إن الأمر ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويتطلب حلاً سريعاً وقومياً. وكان موقف المؤتمر الوطني أن الأمر تحت السيطرة ولا حاجة لرأي الآخرين.
    - وفي فبراير 2004م كون النظام لجنة برئاسة السيد عز الدين السيد شاركنا فيها فوجدناها لا تستمع لرأي فأعلنا انسحابنا منها،. وفي مايو 2004م توصلنا لاتفاق مع المؤتمر الوطني حول دارفور، ولكن كالعادة لم يتعامل مع الاتفاق بأية درجة من الالتزام، وفي يونيو 2004م عقدنا ورشة في جامعة الأحفاد وأشركنا فيها العناصر الدارفورية من كل الأحزاب، ولم يسمع النظام لنا، هذا بينما كان النظام يتبضع الحل في عواصم خارجية.
    - ومباشرة بعد الورشة، في أواخر يونيو 2004م تمكنا من زيارة ولايات دارفور، وبعد العودة للعاصمة عقدنا مؤتمراً صحافياً في دار الأمة ونبهنا لخطورة الموقف وأعلنا عن تعديات على حقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقلنا: ما لم يجر تحقيق ومساءلة فسوف تأتي مساءلة دولية، وقد كان بعد أربعة شهور مما قلنا، فأرسل مجلس الأمن بعثة تحري لدارفور وعلى ضوء تقرير تلك البعثة التي طابق تقريرها ملاحظاتنا التي أُهملت أصدر مجلس الأمن القرار (1593) وأحال أمر المساءلة للمحكمة الجنائية الدولية. وفي نوفمبر 2005م عقدنا لقاءاً للقوى السياسية والمدنية بدار الأمة بأم درمان وتم توقيع وثيقة دافور التي احتوت على مطالب أهل الإقليم وإعلان مبادئ دارفور المقترح ووقع عليها طيف سياسي ومدني عريض، ولدى إبرام اتفاقية التراضي مع المؤتمر الوطني في مايو 2008م تم تضمين كافة تلك المطالب، ولكن الاتفاق أجهضه صقور النظام. وفي أكتوبر 2008م شاركنا في مبادرة أهل السودان (ملتقى كنانة) لحل قضية دارفور وقدمنا ذات الرؤى المعتمدة باتفاق التراضي، ولكن تم الالتفاف عليها من جديد. وحينما قدم السيد ثابو أمبيكي تقريره لحل المشكلة دعونا القوى السياسية كافة في 28 أكتوبر 2009م لاجتماع لمناقشة تقديم مذكرة جماعية للاتحاد الأفريقي بخصوص تأييد تقرير لجنة الحكماء، وقد كان.
    - في أوائل عام 2006م مر بنا د. مجذوب الخليفة رحمه الله، واستشارنا في مهمته بصفة شخصية، وكان يفاوض فصائل دارفور المسلحة. قلنا له التزم بالآتي وسوف تتمكن من إبرام اتفاقية عادلة في دارفور:
    o فيما يتعلق بالمشاركة في رئاسة الدولة، وإدارة الحواكير، ووحدة إقليم دارفور، وحدود دارفور مع الأقاليم الآخرى تعود حقوق أهل دارفور كما كانت في عام 1989م.
    o فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين حقهم أن يعودوا لمناطقهم آمنين وأن يعوضوا تعويضاً فردياً وجماعياً.
    o فيما يتعلق بحقوق أهل دارفور في السلطة والثروة يعترف لهم بنصيب يساوي نسبة السكان، على أن ينص على هذه الحقوق في الدستور.
    قلت له هذه الأسس وحدها الكفيلة بتحقيق السلام العادل الشامل في دارفور. رفض الاقتراح لأنه في نظره يتناقض مع ثوابت "الإنقاذ" وثوابت اتفاقية نيفاشا. هذا العناد والانفراد هو السبب في استمرار أزمة دارفور وتعقيدها الراهن.
    - وفي مايو 2010م وتعاوناً بين معهد ماكس بلانك للقانون المقارن والقانون الدولي في هايدلبريج بألمانيا، ومعهد أبحاث السلام في جامعة الخرطوم، وبعد تشاور واسع أصدرا وثيقة هايدلبرج، وثيقة أهتممنا بها اهتماماً خاصاً ودعونا كافة عناصر دارفور في الخرطوم وقمنا بتحليل ودراسة للوثيقة وأصدرنا توصيات اعتبرنا فيها أن هذه الوثيقة من أفضل المساهمات لدراسة وحل مشكلة دارفور مع تحفظات وإضافات رأيناها، وكان يمكن للوثيقة أن تصلح أساسا لحل المشكلة ومع ما قمنا به من مرافعة لصالحها رفضها المؤتمر الوطني ووأد وثيقة صالحة للحل.
    - وفي 14 يوليو 2011م اتفق على وثيقة الدوحة وعقدنا ورشة عمل في أغسطس 2011م لدراسة الوثيقة ومع ما فيها من إيجابيات حددناها، فقد اشتملت على طائفة من السلبيات، ورأينا أنها لن تحقق السلام المنشود لأسباب فصلناها، وقد كان.
    - وفي 22 يناير 2011م أصدرنا مشروع الخلاص الوطني، وحددنا فيه الإطار الصحيح لإنهاء الأزمات والتعامل مع جبهات الاحتراب الحالية عبر مؤتمر جامع وفق إعلان مبادئ للقضايا المختلفة. لاحقا فصلناه بتكوين لجنة مؤتمر السلام السوداني في مايو 2012م والتي فرغت من صياغة مشروع السلام الشامل والتحول الديمقراطي الكامل في 11 يوليو 2012م. ومنذ ذلك الحين قمنا بمخاطبة كل القوى السياسية لقبول مشروع الخلاص الوطني وفيه علاج لأزمة دارفور، والأزمات الأخرى. المؤتمر الوطني تمنع عن الاستجابة وهو ما زال يفضل طلب حلول المسائل الداخلية بتدخلات أجنبية، والمدهش أنه مع حرصه على تحويل كل قضايا السودان للخارج يشكو من التآمر الخارجي دغدغة لمشارع وطنية.
    6. وستجد أننا حاولنا التوسط في كافة النزاعات القبلية التي صارت مختلفة من طبيعتها التقليدية:
    ‌أ. كان نزاع الموارد محدوداً بأرض الفلاحة وأرض الرعي، ولكن دخل عاملان جديدان أكثر بريقاً وأكثر إثارة هما البترول والذهب، وعامل ثالث هو استعانة النظام بعناصر قبلية من دول مجاورة لإحلالهم محل المجموعات المشكوك في ولائها للنظام.
    ‌ب. سياسات النظام إذ سيست الخدمة المدنية أضعفتها وجعلتها مهملة لواجبها الإداري وأكثر اهتماما بالمكاسب الحزبية.
    ‌ج. الإدارة الأهلية أخضعت للتعبية الحزبية ما أفقدها احترامها التقليدي وضمها في الغالب لزفة المطبلين للنظام بلا موضوعية.
    ‌د. سياسات النظام دربت أعداداً كبيرة من الشباب وسلحتهم دون ضبط حركاتهم، كما استقطبت الحركات المسلحة أعداداً كبيرة من الشباب، ونتيجة لانقسامات تلك الحركات صار عدد كبير من الشباب مدربين ومسلحين دون ارتباط بأية نظم.
    هكذا انتشرت جماعات شبابية مسلحة ومدربة لا تخضع لأوامر الإدارة الأهلية ولا لأي شكل منظم، هؤلاء عززوا صفوف الخريجين العاطلين عن العمل الذين ما عادوا خاضعين لقيادة قبائلهم.
    هذا الشباب المتعلم المدرب المسلح جذبته النزاعات القبلية للوقوف مع عشائرهم ما جعل الاحتراب القبلي الحالي يختلف نوعياً مما كان عليه الحال.
    أخي الحبيب
    في إحدى مذكرات الإمام عبد الرحمن قال: أغلبية أهل السودان الساحقة وقفت مع الإمام المهدي وقدمت في سبيل ذلك تضحيات جسيمة وأنا أشعر لهم بالدين على هذا التأييد. وهذا أحد أهم أسبابي للتعلق بشعار السودان للسودانيين وفي هذا المجال لا شك أن لأهل جبال النوبة نصيباً مهماً، لقد احتضنت الجبال المهدية في مهدها إذ توجه لها الإمام المهدي بعد واقعة أبا، وخرجت منها أقوى عوداً وانطلقت منها لتحرير السودان كافة من القبضة العثمانية المتقوية ببريطانيا، ولدى أفول شمس الدولة كانت جبال النوبة من جديد ملاذاً لخليفة المهدي ومن معه بعد كرري فظلوا فيها حوالي عام في ضيافة أهلها البواسل حتى غادروها طوعاً وتوجهوا قاصدين أم درمان، و"فرشوا" أخيراً في أم دبيكرات. وكان للجبال كذلك دورٌ مقدر في مساندة الحركة الاستقلالية من الاحتلال الثنائي.
    وكانت الجبال بالنسبة لي المحطة الأهم في عملي السياسي الميداني في البداية، ما يزيد من الهمة للعمل على وضع حد لهذه المأساة السياسية والإنسانية التي جعلت المنطقة مسرحاً لعمليات حربية مستمرة، ومأساة إنسانية شردت مئات الآلاف، ومنعت المنظمات الدولية الإنسانية حتى الآن من تقديم العون المطلوب رغم قبول المبادرة الثلاثية.
    كذلك هنالك دين خاص لأهل دارفور ليس للسبب العاطفي أن جدتنا منهم وأن أواصر الرحم ممتدة لكثير من قبائلهم، ولكن لأسباب موضوعية كذلك تؤكد أهمية دارفور في الكيان السوداني، وموقف أهلها القوي مع حركة الاستقلال الأول إبان الدعوة المهدية، ومع حركة الاستقلال الثاني مع الدعوة الاستقلالية، وما قدموا في سبيل ذلك من تضحيات وتأييد امتد في العهود الديمقراطية.
    ومع اهتمامنا المكثف على نحو ما شرحنا هنا بالنصح والتوجيه لولاة الأمر الحاليين دون جدوى فإننا كما قد تعلم منذ 7 مايو 2012م شرعنا في اتصالات مباشرة مع القوى السياسية كافة، ومع أصحاب الشأن المحلي، والقبلي، والمدني، والمسلح في كافة الأقاليم التي حُمل فيها السلاح، بهدف الدعوة لمشروع سلام عادل وشامل، وفي هذا الصدد قمنا ونواصل النداء للقبائل وأهل الشأن في مناطق التجاور بين قبائل السودان ودولة الجنوب أن يبرموا اتفاقيات تعايش سلمي كما كان حالهم تاريخياً وألا يستجيبوا لسياسات التطبيل للحرب من الخرطوم وجوبا، بل يجتهدون في التعايش الأخوي بين جيران تجبرهم ظروفهم الحياتية أن يتعايشوا لأن بينهم مطالب حياتية ومصاهرة تغفلها الاعتبارات السياسية في المركز.
    كذلك نحن ندعو لنظام جديد في البلاد حددنا معالمه بصورة واضحة يحقق للبلاد السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي بكل الوسائل ما عدا العنف وأهمها وسيلتان:
    الأولى: ملتقى جامع لوضع خريطة طريق على نحو ما حدث في جنوب أفريقيا عام 1992م.
    الثانية: بعد أن يبرم ميثاق النظام الجديد من القوى المتطلعة لنظام جديد نواصل التعبئة عبر الاعتصامات حتى الإضراب العام في سبيل إقامة النظام الجديد.
    بعض السذج سياسياً يعدون تحركات حزب الأمة المحسوبة تعرضه لنوع من الاختراق. من يقرأ الأحداث بموضوعية قد يجد اختراقاً ولكن دور حزب الأمة فيه دور فاعل لا مفعول به. إن صح تعبير "مخترق" في أمرنا فهو بكسر الراء لا فتحها، ولكن (الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [2].
    إن ليل الوطن حالك ولكن أكثر الليل سوادا هو الذي يسبق الفجر (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [3]:
    ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ




    أخوك
    الصادق المهدي
                  

02-20-2013, 08:48 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    مامون حميدة وتدمير الصحة ..

    بقلم: د. سيد عبد القادر قنات
    الأربعاء, 20 شباط/فبراير 2013 11:21

    بسم الله الرحمن الرحيم

    كفلت كل الشرائع العيش الكريم للإنسان الذي كرمه الله والحياة الكريمة لايمكن أن تكتمل دون إكتمال صحته وعافيته وتوفير معيناتها وسهولة الوصول والحصول عليها وتقديمها الذي لا يرتبط بالغني أو الفقر، بل إن الدول التي ترعي مصالح مواطنيها و تعتمد عليهم كليا في التنمية والبناء والتطور والعمران ترعي مصالحهم الصحية بكل ما تملك من مقومات وليس بعيدا عن الأذهان معركة باراك أوباما من أجل صحة ورفاهية الشعب الأمريكي والتي كسبها أخيرا لصالح المواطن.


    الشعب السوداني كان ينعم بخدمات صحية في جميع مرافقها ومجانا ، و كانت مضرب المثل في العالمين العربي والأفريقي وكوادر الصحة السودانية مشهود لها بالخبرة والكفاءة .
    منذ أن تسنمت حكومة الإنقاذ مقاليد السلطة بدأ العد التنازلي في تقديم الخدمات الصحية ففشلت حتي ما أطلق عليه الثورة الصحية والآن الخدمات الصحية في عهد بروف مامون وبعد الأيلولة وصلت إلي كارثة نأمل أن يلتفت القائمون علي أمرها و إشراك كل الحادبين والكوادر الصحية ومنظمات المجتمع المدني والقيادات السياسية من أجل التفاكر والتشاور في أمر يهم مستقبل هذا الوطن وصحته وعافيته.
    إن قانون الصحة العامة لعام 2008م والذي تم التوقيع عليه بواسطة السيد رئيس الجمهورية وأصبح نافذا تُقرأ فقراته كالآتي:
    المادة 28 من القانون تقول: تُقدم الرعاياة الصحية الأولية للفئات التالية مجانا :
    1/ جميع الحالات الطارئة
    2/ الأطفال دون الخامسة
    3/ الولادات الطبيعية والقيصرية
    4/خدمات الرعاية الصحية الأساسية(تطعيم وغيره ورعاية ما بعد الولادة)
    وقد ألزم القانون كل مستويات الحكم بتنفيذ ما جاء فيه.
    بعض مؤشرات تدهور الخدمات الصحية :
    1/ إزدياد معدل وفيات الأطفال،
    2/ إزدياد معدل وفيات الأمهات،
    3/ إنتشار الأوبئة بصورة مُلفته مثل الملاريا ، البلهارسيا ، الإيدز ، الكلازار وعمي الجور والسل وسوء التغذية وغيرها.
    4/زيادة نسبة السرطان لحد الكارثة، ،
    5/ أما إرتفاع أسعار الأدوية فحدث ولا حرج والدولة لا تُحرك ساكنا ، بل رفعت يدها نهائيا إلا من مُعالجات خجولة بين الفينة والأخري وإن وصل المريض للطبيب فإنه يعجز أن يصل إلي الدواء،
    5/ لم تحظي الصحة إلا بالفتات الذي لم يتعدي 2% من ميزانية 2013م مُقارنة بالصرف علي الأمن والدفاع،
    6/ظاهرة هجرة الأطباء والكوادر الصحية بالآلاف وعدم إلتفات الدولة لهذه المصيبة
    7/عدم وجود خُطة للإرتقاء بالكوادر تدريبا وتعليما ، بل حتي عدم وجود خارطة صحية واقعية.
    8/ مقاليد الصحة تُدار بإهل الولاء و أهل الخبرة والكفاءة والمقدرة نصيبهم الإهمال المُتعمّد والحرب ضدهم
    9/ بيئة ومناخ العمل أصبح طاردا حتي بالنسبة للمريض دعك من الكوادر
    10/ أصبحت الصحة مسرح للصراع بين قادة الوطن وإغتنام الغنائم وما رشح أخيرا في سوق الدواء وليس بعيدا عن الأذهان محاليل كور والسيدوفان وغيرها.
    11/لا يخفي تسارع التدهور في الفترة الأخيرة والذي أصبح ظاهرة لكل من يملك بصر وبصيرة والمواطن يقف عاجزا عن الوصول إلي الخدمة وإن وصلها فإنه يعجز عن مجاراة أسعارها فحوصات وتنويم ودواء وعمليات.
    12/ صارت مناظر الروشتات في المساجد والطرقات والمكاتب شاهدا علي فشل الدولة في مجال الصحة.
    كل هذا معروف وأكثر ومُعاش واقعا مأساويا يدفع ثمنه المواطن السوداني وهو في أسوأ الظروف- المرض- فأكثر من 95% من الشعب السوداني يعيشون تحت خط الفقر وهنا تكمن المأساة.
    الآن هنالك هجمة شرسة وفق تنظيم وخطة للإجهاز علي ما تبقي من نظام صحي كنا نأمل أن يلتفت القائمون إلي إصلاحه وتعميره ولكن نراهم عيانا بيانا بدأوا في تدمير ما عمره الشعب السوداني علي مدي عقود بكده وإجتهاده.
    بدأوا بتشريد العاملين الشرفاء بسوء نية وقصد بخلق بيئة ومناخ عمل طارد ، ثم بتفكيك الموءسسات القائمة أصلا بدعوي الإحلال والإبدال ونقل الخدمات للأطراف والتي لا يختلف الجميع في أحقيتها بالخدمات ولكن إنها دعوة حق أُريد بها باطل والنماذج كثيرة خصوصا في ولاية الخرطوم التي تربّع علي صحتها وزير نعتبره أكبر مُستثمر في التعليم الطبي والخدمات الطبية ورغم أن الجميع يتشكك في نواياه منذ البداية لأن مصلحة القطاع الخاص تتعارض مع العام والدليل هجمته الأخيرة بل قوله أن مستشفي الخرطوم لن تقوم لها قائمة ولو صرفت كل أموال البترول فيها، هنا تكمن عقلية المستثمر والجحود والنكران لإرث وتاريخ وطن ومُستقبل أمة وشعب أوصلك لدرجة البروفسير علي حسابه وفي جميع مراحل الدراسة،:
    كيف تتحدثون عن نقل الخدمات للأطراف ويتم قفل سلامات؟
    كيف يتم تجفيف حوادث الأطفال بجعفر أبنعوف والكل يعلم ويعرف ويعي ما تقدمه من خدمات مجانا بالكامل؟ إنها ثاني أكبر مستشفي في العالم تقدم خدمات بهذه الكثافة للأطفال ، بل إنها تجربة إحتذتها اليونسيف ونقلتها إلي دول أخري في أفريقيا .
    لمصلحة من يتم قفل المشرحة؟
    لمصلحة من يتم نقل بعض أقسام مستشفي الشعب؟
    لمصلحة من يتم تجفيف ونقل بعض أقسام مستشفي الخرطوم؟
    إن الشكوك التي راودت العاملين في الحقل الصحي قد أصبحت واقعا مُعاشا وقد بلغت الجُرأة بتعيين مامون حميدة وزيرا لصحة الخرطوم علي الرغم من تلك الشكوك المُسبقة التي صارت حقيقة الآن ،و إستمراره عنوة رغم الرفض الشامل له من كل العاملين في الحقل الصحي بما في ذلك كوادر الولاء، والسبب إنه يتنفس سياسة الهدم والإجهاز علي ما تبقي من القطاع العام للصحة، كيف لا والدولة تريد أن تتخلص من الصحة ومنصرفاتها نهائيا ولهذا وجدت ضالتها في مامون حميدة المستثمر الأول في الصحة تعليما وخدمة، فبعد هدم العام سيكون الخاص الوحيد في الساحة..
    إن إتجاهات الدولة وسياساتها تجاه الخدمات الصحية يتعارض مع قانون الصحة العامة لعام 2008م وهو مُلزم لكل مستويات الحكم ولكن الصرف علي الصحة صار عبئا علي الخزينة العامة،وما دروا أن هذه الخزينة هي مِلك للمواطن وهو صاحب الحق في كيفية الصرف.


    لقد بلغت الجرأة ببروف مامون أن يدّعي ملكية المستشفي الأكاديمي الخيري وأن يستغله أبشع إستغلال لكلياته الطب والصيدلة والأسنان، والجميع يعلمون أنه مستشفي خيري ومن بناه الآن في رحمة الله،والوالي ينفي ملكية مامون بل يوءكد ملكية الدولةوهذا تناقض وفوضي بين المسئولين أدي إلي تدهور الصحة.
    الأطباء هم رسل إنسانية ولهذا لن يقفوا مكتوفي الأيدي وأمام ناظريهم ما يحل بالصحة وموءسساتها من خراب وتدمير وتجفيف ، إنهم يدعون أن تكون الصحة في أعلي سلم أوليات الدولة ، إنهم ليسو ضد التوزيع العادل وتقديم الخدمات للأطراف ، بل هذا هدفهم ومبدأهم ، ولكن أن يكون وفق رؤيا واضحة المعالم دون المساس بالموجود أصلا ، لماذا لا يتم تأهيل وبناء مرافق جديدة في الأطراف حسب خارطة صحية متفق عليها؟أليس في الإمكان ترك القائم أصلا ليستمر في تقديم خدماته بل و تنميتها وتحديثها؟ هل يتعارض ذلك مع التجويد كما ونوعا؟ إن الأطباء يدعون إلي إعادة الكشف الموحد وأن يكون الصرف علي الصحة مُقاربا لما أوصت به الصحة العالمية في حدود 15% من الميزانية مع تحسين بيئة وشروط ومناخ العمل وتوفير جميع المعينات والمعدات من أجل تقديم خدمات عالية الجودة ومواكبة للتطور العالمي في هذا الشأن
    إن قبيلة الأطباء هم القلب النابض والعقل الراجح فيما يختص بقضايا الصحة ولهذا ندعوهم لمناهضة جميع القرارات التي تقود إلي سوء المنقلب في الصحة، بل عليهم الدفاع عن عرينهم ومن غيرهم يدافع ويزود عنه ؟.
    إن مسئوليتهم الوطنية والتاريخية والأخلاقية تفرض عليهم أن يقفوا سدا منيعا ضد جميع القرارات التي تقود إلي تجفيف وتفكيك وهدم الموءسسات العلاجية القائمة بحجة نقل الخدمات للأطراف والتي هي جزء من مبادئنا وأهدافنا و لا يمكن أن نساوم علي الهدم والتجفيف والتفكيك إطلاقا ،بل نود أن نري أن تلك الأطراف قد إكتملت بنيتها التحتية بالطريقة التي تخدم المواطن وتوفير جميع سبل تقديم خدمة شاملة للمواطن مع خلق بيئة ومناخ صالح للعمل وعدالة توزيع الخدمة إنفاذا لقانون الصحة العامة .
    السياسات الحالية ستقود إلي خصخصة الخدمات الصحية وتوزيع تجمعات الأطباء في المستشفيات الكبيرة بإعتبارهم خميرة عكننة للسلطة وليس الهدف هو الأطراف وصحة الإنسان إطلاقا.
    فيما يختص بالمستشفي الأكاديمي الخيري سنطالب بفتح تحقيق شفاف وطعن قانوني في معرفة الكيفية التي تمت بها أيلولة هذا الصرح الحكومي العام إلي بروف مامون وإستغلاله بطريقة خاصة لكلياته الطب والأسنان والصيدلة وما زالت الدولة تدفع المليارات فيه وتعجز عن دفع إستحقاقات ومال تسيير لمستشفيات أخري.
    كما سنطالب بتوضيح كيفية تركيز كل الخدمات الصحية في جنوب الخرطوم ، بشائر وإبراهيم مالك والأكاديمي الخيري وبقية العاصمة القومية أصبحت كما منسيا وهذا يدل علي عدم وضوح رؤية وعدالة توزيع ونقل الخدمات للأطراف بالتساوي.
    يديكم دوام الصحة وتمام العافية والشكر علي العافية
    sayed gannat [[email protected]]


    ------------------

    هلْ خُلِق السُّودان في كَبَد (10)؟ (أنظر الوثيقة الفضائحية)! ..

    بقلم: فتحي الضَّـو
    الأربعاء, 20 شباط/فبراير 2013 11:15
    [email protected]

    هذه خاتمة السلسلة أعلاه، ولكنها ليست خاتمة المِحنة التي نعيشها وجعلت وطناً شامخاً يقف على حد السيف بين أن يكون أو لا يكون. كأنه يحيا في القرن السابع عشر ويسترجع تراجيديا وليم شكسبير بذات العبارة الشهيرة التي جرت على لسان (هاملت)To be, or not to be: that is the question. نعم ذلك هو السؤال، ولكن من كان يظُن أنه سيعيد إنتاج نفسه ويصبح سؤالاً مؤرقاً لوطن حائر يقف في ردهات القرن الحادي والعشرين وهو مهدد في كيانه وكينونته. يعلم المتابعون إننا في سياق هذه السلسلة، حاولنا بجهد المقل أن نجيب على سؤال محوري طرحناه بوضوح،


    حول الأسباب التي أقعدت انتفاضتي يونيو ويوليو من العام الماضي - بل ما قبلهما وبعدهما من مشاريع هبات شعبية - في ألا تمضي لنهاياتها المنطقية. والتي بحسب تقديراتنا تتمثل في إسقاط نظام العصبة ذوي البأس، وبحسب أحلام (الحسيب النسيب) في زمان مضى.. اقتلاعه من جذوره! وحري بنا القول أننا في رحلتنا هذه استصحبنا تساؤلات المراقبين السياسيين، وهم يحصون من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحاصر النظام، بما يفوق كل الأسباب التي أجمعت عليه ثورات الربيع العربي!
    قلنا في الإجابة، إن العبء الأكبر يقع على عاتق القوى السياسية التي تقاعست عن أداء واجباتها ومواصلة دورها التاريخي وما درجت عليه في مناهضة الأنظمة الشمولية. وفي ذلك أشرنا تحديداً إلى مواقف السيد الميرغني المزدوجة، والتي كبّلت الحزب العريق وأدخلته في (كرنتينة) بائسة.

    كما أشرنا إلى تناقضات السيد المهدي والتي بدورها قزّمت الحزب العتيد وسلبته (فحولته) السياسية. وذكرنا ثالثة الأثافي في الحالة (التحنيطية) التي دخل فيها الحزب الشيوعي، وسحبت معها تاريخاً تليداً في مناهضة الأنظمة الديكتاتورية. وبذات القياس لم نرَ في معارضة المؤتمر الشعبي سوى محض انتهازية سياسية تطمح لاسترداد عرش الطاغوت وهو صنيعها. بيد أنه قبل هذا وذاك ينبغي أن نوجه المسؤولية للواقفين على السياج الذين حدد مارتن لوثر كينج موقعهم في الخارطة بقوله (إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى!) فهم من أصاب حياتنا بالخسار والبوار والعوار!


    على الجانب الآخر، ففي الحديث عن النظام الديكتاتوري المتجبر وآلياته، ليس خافياً بالطبع الأجندة الظاهرية والتي اتخذت من البطش والعنف والترهيب وسيلةً، والقتل والسحل والتنكيل غايةً. وتعلمون أن جلاوزة النظام لم يتورعوا في أن يعلنوا على الملأ تخصيص 70% من ميزانيات الدولة - وعلى مدى أكثر من عقدين - للأمن والدفاع. أي تسخيير كل الموارد بما في ذلك البترول الذي كان ينبغي يلبي حاجيات الناس من صحة وتعليم وتطور ورفاهية. ودونما كثير تفصيل يعلم المراقبون مسيرة النظام الدامية والشاملة في انتهاكات حقوق الإنسان السوداني، والتي لم تتوقف عند حد العنف البدني وإنما شملت العنف اللفظي أيضاً، بهدف الإساءة والحط من قدر معارضيه بصورة عرّضت قيم ومثل وأخلاق مجتمع توارثوها كابراً عن كابر لامتحانٍ عسير. بيد أننا هنا نود أن نحصر فيما يلي حديثنا حول الأجندة الباطنية التي توسلها النظام لقمع الانتفاضات ودرء المواجهات الشعبية قبل أن يستغلظ ويقوى عودها!


    أولاً: هذه النقطة تعيدنا لجاهلية النظام في بواكير استلامه السلطة، حينما عمد إلى إجراءات تعسفية سُميت افتراءً بالفصل للصالح العام. كانت سياسة قطع الأرزاق تلك عملاً مدروساً وممنهجاً قصد به فتح الباب لما سُمي بــ (سياسة التمكين) ولا يظنن أحد أن فصل ما يناهز ربع مليون من قطاعات الخدمة المدنية والنظامية، مضى دون ترك آثار صادمة خلخلت بنية المجتمع وأورثتنا أجيالاً مشوهة. تدهور التعليم واعتلّت الصحة، ازدادت رقعة الفقر وتطاول البؤس، تفشت ظواهر النفاق والحسد والانتهازية وساد الكذب والخداع والتباغض، اضمحل الوازع الديني فصار الناس يتبارون في التدين المظهري، انتشرت الجريمة كماً ونوعاً وراجت المخدرات وتعاطي الكحول بين الشباب في الجامعات والمدارس، تمددت الرذيلة وانحسرت الفضيلة، وشهد للإنحلال الأخلاقي دور خُصصت للطفولة الضائعة فضجت بساكنيها من زغب الحواصل بلا أمومة أو أبوة.


    ربّ قائل هذه هي ذات الأجندة الظاهرية التي خبرناها من العصبة طيلة سنيها في السلطة، ولكن أين الأجندة الباطنية التي تدّعي؟ للمتسائلين نقول إن الإجراءات القمعية سالفة الذكر، تؤدي بالضرورة إلى هتك نسيج المجتمع وخلق شخصية مسلوبة الإرادة، غاية همها ملء وعاء بطنها إن وجدت لذلك سبيلاً، غضّ النظر عن حلاله من حرامه. تقضي سحابة يومها لاهثة وراء جزرة لن تطولها، وتعود في المساء تجرجر أذيال الخيبة بلا حراك أو أي رغبة في فعل شيء، فتغمض عينيها وتنام ملء جفونها عن خيبتها. تلك إجراءات قمعية هدفت إلى تحويل الإنسان السوداني إلى دابة تقاد كيفما اتفق. هي ذات الإجراءات التي اتبعتها النازية والفاشية لترويض شعوبها. ذلك قد يفسر حالة اللامبالاة التي غشيت مضارب البعض، فأصبح سقوط النظام تمنٍ والنضال ضده ترف ومضيعة للوقت. لهذا يكثر تنظير القائلين.. هل هذا هو الإنسان السوداني الذي عرفناه؟ فتتمدد الدهشة وينحسر اللسان!


    ثانياً: موازاة مع السيناريو سالف الذكر، فتحت العصبة منافذ البلاد على مصراعيها لتفريغها من الناشطين السياسيين والنقابيين وسائر المواطنين لتقليص مساحات التذمر والتمرد والثورة. على مدى عقدين من الزمن أصابت البلاد حمى الهجرة الجماعية، خرج الناس بالملايين زرافات ووحدانا. ومن نكد الدنيا على السودانيين أن لا أحد يعرف عددهم وهم مغتربون في الخارج، كما لا يعرف أحداً عددهم وهم مستغربون في الداخل. لكن إن شئت تقريباً لصورة مهشمة، فانظر ذماً في مكان مدح لكرار التهامي، والمذكور - للذين لا يعرفونه - كائن قال عن نفسه إنه (كان غواصة الجبهة الإسلامية في الجامعة) ذلك حينما سُئل عن كيفية تسنمه هذا المنصب وهو من غير أهل الولاء. ما علينا أن أساء البعض لأنفسهم بما يستوجب احتقارهم، المهم أنه قال إن جهاز المغتربين الذي يرأسه، يصدر ثلاثة آلاف تأشيرة خروج يومياً!
    حول ذات الكارثة، قال أحمد كرمنو (الصحافة 12/2/2013) وهو إنقاذي برتبة وزير دولة للعمل: (هاجر خلال عام 2012 نحو 94230 شخص منهم 5028 طبيباً) وللمحنة وجه آخر في سفر النزوح الجماعي. ففي دارفور حيث الإنسان عصي على الإحصاء حياً وميتاً، بلغ عدد النازحين داخل وطنهم وفي دول الجوار ما يناهز الثلاثة ملايين نسمة.


    أضف إلى ذلك نصف مليون في جنوب كردفان، ونصف مليون في جنوب النيل الأزرق بسبب الحروب الصامتة وويلاتها. ويقال إن المغتربين والمُهجَّرين لأسباب سياسية وإقتصادية بصورة شاملة يقدر عددهم (خبط عشواء) بنحو خمسة إلى ستة ملايين نسمة. إذا كنت يا عزيزي القارىء ممن يحسنون حسابات الحقل والبيدر فستعلم - يا هداك الله - أن البلاد رحل ثلثها وهلك ثلثها وبات الثلث الأخير ينتظر قدره! ونقول بمثل هذا النهج تمسك النظم التوتاليرية على مفاصل الدولة والمجتمع!


    ثالثاً: ما يزال الحبل على الجرار، فمن ضمن الثلث الذي تبقى، وضع دهاقنة النظام شريحة الشباب نصب أعينهم بعد أن تكاثر عدد العاطلين في أوساطهم وبلغ ما نسبته 47% وهي نسبة تجعل أي نظام ديكتاتوري يتحسس مواقع كراسيه. فحتى يتم تفريغهم من أحلامٍ قد تأتي ولا تأتي، فكّر العباقرة ثمَّ قدروا فروَّجوا لشيء اسمه (حُمَّى الذهب) وعمدوا إلى سريانه بين الناس بقصص أشبه بالأساطير، فسلبت لب أي شاب حتى أصبح لا حراك له سوى أن يمم وجهه شطر الصحاري على أمل أن يعانق الأحلام العذبة التي راودت مخيلته ردحاً من الزمن. وبمثلما كان يصنع جهاز الدعاية النازي رواياته، أصبح جهاز الأمن والاستخبارات برعاية محمد عطا المولي يضخ لوسائل الإعلام قصصاً أشبه بالخيال فتسرى بين المحرومين سريان النار في الهشيم!
    بالطبع ذلك مما لا يعوزه مكرهم فجاءوا بشخص حذق البصاصة والفجاجة واللجاجة.

    إذ صار مشاهدو الفضائية السودانية التي تُصدِّر الكآبة لهم، يطالعون وجه كمال عبد اللطيف وهو بكامل حلته في الحقول، تتبعه كاميرا تلفزيونية بيمينه، وطبيب لفّ سماعة طبية حول عنقه على شماله. ولمن فاته مثل هذا المشهد الدراماتيكي، نسأله ألا يدع أحمد البلال الطيب يفوته أثناء انفعاله بالذهب وهو ينز نفاقاً وعبطاً ولبطاً. سترى أيضاً موظف بربطة عنق في صحراء بيوضة يقول إنه مندوب بنك السودان وأمامه ميزانه و(ويل للمطففين) وحتى تكتمل الصورة سيملأ الشاشة شخصاً سيماه في وجهه من أثر الفساد، يقول إن مهمته ربانية تتمثل في جباية الزكاة وأنصبتها. هم سيقولون لك إن أكثر من نصف مليون شاب تائهون في هذه البوادي والصحارى، ولكنك لن تندهش إذا علمت أن الرقم يساوي ثلاثة أضعاف العدد المذكور. شباب هائمون في ظروف صحية قاسية، يموتون بإحدى الوسيلتين، أما لدغات الأفاعي أو طمراً في ذات الحفر، هذا بغض النظر عمّا يمكن أن يعتري نفوسهم من تغييرات سايكولوجية تقتلهم وهم أحياء. ذلك عبث وجرم لا يغتفر. هل كان أحد من السودانيين لا يعلم في هذا البلد الظالمة حكومته أن هناك ثروات تغور وتفور وتمور في باطن أرضه بصورة تعجز أي راصد. وهل يظنون أن محمد علي باشا غزا السودان للترفيه والتنزه؟ لم تكن ثروات البلاد يوماً محل شك، فالشك ظل دوماً يحوم حول مردودها. ولهذا نعلم جميعاً إنه لمثل هذا تثابر الأنظمة الشمولية في تشتيت شمل الشباب حتى تأمن غضبهم!


    رابعاً: هذا سيناريو لن نتوه في دهاليزه كثيراً، لأن الناس كشفت سره وخبرت حيله، فقد عملت السلطة الجائرة على تطبيقه بفنون تدهش أي حاوٍ. فالإسلاميون الحاكمون قوم جُبلوا على بيع دينهم وشراء ذمم الناس، وفي ذلك دأبوا على تصويب أسلحتهم نحو شرذمة من الانتهازيين والوصوليين والذين في قلوبهم غرض ومرض من القوى السياسية الأخرى. فيغدقوا عليهم المال لتسييل لعاب الطامعين، وينشروا عليهم الوظائف بهدف جذب المتخاذلين. وبين هذا وذاك تصبح سياسة فرق تسد منهجاً لتفريغ وتركيع وإذلال هذه القوى، مستخدمين في ذلك حيلاً ودهاء لم يسبق لها مثيلاً في تاريخ الديكتاتوريات!


    خامساً: لم يقتصر الأمر على تشتيت الناس وتهجيرهم قسراً حتى لا يكاد المرء يطالع موقعاً جغرافياً لم تطأه قدم سوداني، وطبقاً لبراعتهم في فقه البيوع رأوا في المهاجرين مشروعاً استثمارياً يدر عليهم مالاً وفيراً. فتفننوا في فرض الضرائب والأتاوات والجبايات، وزادوا عليهم بالزكوات والتبرعات وأشياء أخر ما أنزل سلطان بها فرمان. هل تعلم يا قارئي الكريم أن التحويلات السنوية لهؤلاء تبلغ سنوياً ما بين خمسة إلى ستة مليار دولار بالتقديرات الرسمية، ثلثها من مغتربي المملكة السعودية. فالمغتربون في عُرفهم هم بالفعل بقرة حلوباً، ومقابل ذلك يواجهون عنتاً في الإجراءات وتعسفاً في المعاملات، أما حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية فذلك ترف لا قِبل لهم به! لقد تحولت السفارات إلى (بقالات) للبيع والشراء، وأصبحت أوكار أمنية ترصد أنفاس المغتربين وتلاحقهم بسوط عذاب!


    حتى لا يقال عنا ضرب لنا مثلاً ونسى (أم السفارات) في الجباية. فقد علمت من مصادر موثوقة في البنك السعودي الهولندي أثناء ترددي على المملكة العربية السعودية بدءاً من منتصف التسعينات الماضية للعلاج، أن سفارة النظام في الرياض تورد في حسابها البنكي مليون ريال يومياً، وتُحوّل في ذات اليوم إلى بنك السودان المركزي. لم تطل دهشتي يومذاك إذ علمت أنه إلى جانب جبايات الضرائب وشقيقاتها، فقد كانت السفارة استثناء بين السفارات حيث يوجد في بطنها فروع بنوك تقوم بالتحويلات للمغتربين، مثل بنك أمدرمان الوطني والبركة وشركة الأسواق الحرة وشهامة ومضاربات أراضٍ وهلمجرا. واستمر هذا الحال على هذا المنوال، ثم مضى على السفارة حين من الدهر، علمت بعده من مصادر بنكية أخرى أن حسابها أُغلق في البنك المذكور عام 2008 بسبب فضيحة مائة ألف دولار مزورة إندست وسط المبلغ المُورد. وبعده قامت بفتح حساب آخر في بنك (؟) وأصبح رقم التحويل يتزايد تبعاً لزيادة أعداد المغتربين، إلى أن وصل الآن لما يتراوح بين مليون ونصف ونصف ريال إلى مليونين، ويصل أحياناً إلى ثلاثة ملايين ونصف عقب العطلة الأسبوعية، وإلى هنا ننصح المتسائلين الكف عن أسئلة إن تبدى لهم حتماً ستسوءهم!


    لكن حتى نريح هواجس هؤلاء فقد اخترنا وثيقة حديثة صدرت قبل نحو أسبوعين ضمن الطبعة الثالثة من كتابنا الأخير الموسوم (الخندق/ دولة الفساد والاستبداد) فليتأملها المغتربون بصورة عامة ومغتربو المملكة السعودية بصورة خاصة، وهم في ذات البلد التي وصفت العصبة مليكها بأقذع الأوصاف والشتائم ومع ذلك لا يستحي الرئيس "الضرورة" من التوجه نحوه للتطبيب. فانظروا نهاية هذا المقال كيف تتبعثر ملايينكم ويتفرق عرقكم بين المفسدين!


    صفوة القول، هذه هي بروتوكلات حُكام صهيون، إنها محاولة لفتح كوة في الحائط الصلد، لعلنا نقف على مواقع الزلل فنقوِّمها ونترصد مراكز الخلل فنجتنبها. إذ أن الديكتاتوريات التي تعاقبت على حكمنا سلبتنا أعز ما نملك، حتى صار البعض منَّا يرى الفساد فيغض عنه البصر، ويُرمى له الفتات فيمعن فيه النظر!
    آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!

    معالي الدكتور / مصطفى عثمان اسماعيل الموقر
    السلام علكيم ورحمة الله وبركاتـــــــــــــه
    سبق وان بعثت برسالة سابقة لسعادتكم حول تكوين جالية منطقة مكة المكرمة و قد تم تحويل الخطاب من مكتبكم الى مكتب معالي البروف غندور .. ومنذ ذلك الزمن ونحن نطرق كل الابواب حيال تحويل مال الجالية التى هي في الاساس تم فرضها من قبل الجالية للتبرع بمبلغ 25000000 خمسة وعشرون مليون دولار ابان الحرب في الكرمك وقيسان و قد استمرت حتى بعد تحقيق المبلغ المستهدف و قلنا لا بأس طالما في عدم قواتنا المسلحة الا انه وبعد ان ساد السلام في البلاد سعى رئيس واعضاء مجلس تنسيق الجاليات المنطقة الغربية الى وزارة الدفاع لتقاسم المبلغ في عهد الفريق بكري حسن صالح والذي بدوره تكرم ووافق على ذلك مشكورا مأجورا . واستمر التصرف في هذه الاموال لحلحلة بعض مشاكل المغتربين ولكن بمساهمات يسيره لا تعالج مشكلة احد .. و حدثت ايضا متغيرات هنا في المهجر من الزام المقيمين بالتأمين الصحي وقد قلل ذلك من مشاكل العلاج وحوجة الصرف عليه و كذا الزام سائقي المركبات بالتأمين عليها مما ايضا خفف من او انهى مشاكل الديات ..

    و لما بلغ المبلغ المجمع لدى الجالية مبلغا مقدر اصبح يفكر فيه كل بطريقته و كيف يمكن ان يستفيد من هذه المبالغ وعلى سبيل المثال لا الحصر هنا مقترح تقدم به احد الاخوة بالجالية المنتهية دورتها لاستثمار هذه الاموال في شقق مفروشة في السودان واعترض عليه اعضاء المجلس ومن هنا بدأت هذه الخلافات الكبيرة التي تحول دون تكوين جالية جده.. و في هذه الاثناء يظهر سعادة السفير خالد محمود الترس الذي قام هو بدوره بإيقاف مندوبي الجالية المكلفين بالتصرف في هذه الاموال وحول كامل التصرف فيها الى مكتبه .. و اصبح ضلعا ثالثا في خلافات الجالية ..

    و اثناء احتفالنا بانتصار القوات المسلحة اقترح رئيس المؤتمر الوطني بالطائف مباشرة بالمبادرة بتحويل هذه المبالغ الى اصلها و دعمنا هذا الاقتراح مهللين مكبرين ,, الا ان سعادة السفير حين جاء دوره هاجم المقترح في كلمته واشار الى ان معالجة مشاكل المغتربين هنا اولى بهذه المبالغ .. و بعد ذلك واصلنا مشوارنا منافحين ولم نصل الى اي حلول و لما جاء العدواني الاسرائيلي الغاشم .. تقدمت برسالة عبر صحيفة الانتباهة الى رئيس ومجلس اعضاء الجالية شارحا فيه ضرورة تحول هذه الاموال كما هو مرفق .. و ايضا لم يحرك احدا ساكنا .. الشاهد في الامر ان سعادة السفير خالد الترس لا يسمح لاحد بالتحدث عن هذا الموضوع .. لذا ارفع لكم ..

    و لاسيما وانني علمت من مصدر موثوق انكم ابان توليكم حقيبة وزارة الخارجية اكدتم ان علاقة القنصلية بأموال الجاليات فقط دور حفظها كأمانة طرفهم وأن كامل التصرف فيها لاصحاب الحق اللائحي.. و لا تفوتني الاشارة الى ان هذه الاموال اصبحت تصرف فقط حسب السلطات التقديرية لسعادته دون الالتفات لما يحكمها من لائحة .. كما تجدر الاشارة الى ان اس مشاكل تكوين الجالية و صراعاتها هذه الاموال.. امل اذا كان هذ الامر من اختصاصكم سرعة البت بتحويل كامل ال( مائة ريال ) و المبالغ المجمعة بالقنصلية بعد مراجعتها الى القوات المسلحة او اعفائنا من دفعها اذا كانت البلاد والقوات المسلحة ليست بجاجتها وأن لم يكن في دائرة اختصاصكم
    حفظكم الله ورعاكم ..

    اخوكم /حافظ فتحي محمد صالح

    موبايل: 00966507741835
    صورة طبق الأصلJoomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.Com

    ------------------


    مصادرة الحريات وتوسيع دائرة الحرب طريق مسدود .. بقلم: تاج السر عثمان
    الأربعاء, 20 شباط/فبراير 2013 11:16


    معلوم أن وثيقة الحقوق التي تشكل الباب الثاني من دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005 م ، كفلت حرية التعبير والاعلام ، وحرية التجمع والتنظيم.
    ورغم حقوق الانسان التى كفلتها الوثيقة كما أشارت في المادة ( 27 - 3 ) : " تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءا لايتجزأ من هذه الوثيقة". الا أن القوانين المقيدة للحريات افرغت الوثيقة من محتواها .
    فاذا أخذنا على سبيل المثال المادة (28 ) بعنوان : الحياة والكرامة الانسانية ، والتى جاء فيها ( لكل انسان حق اصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية ، ويحمى القانون هذا الحق ، ولايجوز حرمان اى انسان من الحياة نعسفا ) ، نجد انه منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005 م تم انتهاك هذا الحق باطلاق النار على مظاهرات سلمية في بورتسودان وامرى وكجبار وطلاب جامعة الجزيرة مما ادى الى وفاة بعضهم ، وهذا لاشك انتهاك صريح لحقوق الانسان ولوثيقة الحقوق ولحق الحياة التى كفلتها. والمثال الثاني انتهاك المادة( 33 ) بعنوان الحرمة من التعذيب والتى تنص ( لايجوز اخضاع احد للتعذيب أو معاملته على نحو قاس أو لاانساني أو مهين ) ، وعلى سبيل المثال حوداث التعذيب الكثيرة التي حكي عنها وابرزها ناشطون سياسيون وصحفيون بعد احداث مظاهرات يونيو ويوليو 2012م ضد الغلاء وارتفاع الاسعار.
    والمثال الثاني المادة ( 40 - 1 ) : التى كفلت الحق في التجمع السلمي ، التى تم انتهاكها بالتصدى بالقمع للموكب السلمية والوقفات الاحتجاجية ضد الزيادات في الاسعار، ومصادرة انشطة المراكز الثقافية ، ومواكب المفصولين ، ومنع ندوات الاحزاب السياسية في الاماكن العامة، وورش العمل لمنظمات المجتمع المدني حتي تم اغلاق بعضها مثل : مركز الدراسات السودانية ، ومركز الخاتم عدلان ، وبيت الفنون ..الخ.، .
    *تم انتهاك المادة ( 39 - 1 - 2 - 3 ): التى كفلت حرية التعبير والاعلام ، باغلاق الصحف ، واعتقال الصحفيين، ومنعهم من الكتابة ، ومصادرة بعض الصحف الحزبية مثل: صحيفة "الميدان ". واصدار المزيد من القيود علي الصحف التي تتعارض مع وثيقة الحقوق في الدستور الاتتقالي.
    صفوة القول ، انه في ظل القوانين المقيدة للحريات والتى مازالت سارية المفعول ، اصبحت وثيقة الحقوق حبرا على ورق. مما شكل انتهاكا فظا للدستور.
    ونلاحظ هنا تجاهل مجلس الأحزاب لخرق الدستور ومصادرة حقوق الاحزاب التي كفلها الدستور، عندما حول مجلس الاحزاب شكوي جهاز الأمن للاحزاب حول وثيقة " الفجر الجديد" التي ردت عليها . علما أن ماتم حول " الفجر الجديد " كما اوضحت الأحزاب التي حضرت اجتماع كمبالا في يناير 2013م، كان بهدف الوصول لحل شامل لقضايا الوطن. ومثلما تفاوض المؤتمر الوطني في اديس ابابا مع الحركة الشعبية وتم توقيع اتفاق نافع / عقار التي تم التراجع عنه، اضافة الي وضوح وسيلة التغيير لاحزاب قوي الاجماع الوطني كما جاء في وثيقة " البديل الديمقراطي" والتي طرحت اسقاط النظام عن طريق النضال الجماهيري والاضراب السياسي والعصيان المدني ، مع حق " الجبهة الثورية " في العمل المسلح والتي اجبرها النظام علي ذلك.
    *اضاع المؤتمر الوطني فرصة ذهبية تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، اذ كان من شأن تنفيذ الاتفاقية وبقية الاتفاقات الأخري(القاهرة، ابوجا، الشرق،...الخ)، أن يحدث اختراقا حقيقيا في جدار الشمولية، من خلال انجاز التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية، والالتزام بدستور سنة 2005م، وان يكون جهاز الأمن مهنيا مهمته جمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وتكوين مفوضية انتخابات حرة ومحايدة، واحصاء سكاني وسجل انتخابي متفق عليه، وخدمة مدنية مستقلة، وفرص متساوية في اجهزة الاعلام التي يحتكرها المؤتمر الوطني، وقضاء مستقل، وانجاز الحل الشامل والعادل لقضية دارفور، مما يفضي في النهاية الي انتخابات حرة نزيهه تفكك النظام الشمولي، وتفتح الباب للوحدة الطوعية والديمقراطية للبلاد.
    ولكن المؤتمر الوطني ابي واستكبر استكبارا في الارض ، وخرق العهود والمواثيق وزّور الانتخابات تزويرا مفضوحا، حماية لمصالح الفئات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية القابضة علي مفاتيح السلطة والثروة في البلاد. وكانت النتيجة انفصال الجنوب، والمزيد من تدهور الاوضاع الاقتصادية، وعودة الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
    يحاول النظام عبثا العودة لفرض ديكتاتورية فاشية باسم الاسلام بهدف المزيد من نهب ثروات البلاد وبيع اراضيها وممتلكاتها واصولها ، والارهاب باسم الدين والشريعة كما فعل نظام النميري عام 1983 عندما فرض قوانين سبتمبر 1983 علي الضعفاء وترك كبار اللصوص من قادة وسماسرة النظام يسرحون ويمرحون ، وتم اعدام الشهيد محمود محمد طه، ورغم ذلك تواصلت مقاومة الحركة الجماهيرية حتي تمت الاطاحة بالطاغية نميري في ابريل 1985م. كما يسعي النظام لتوسيع دائرة الحرب، ويعلن أنه لن يتفاوض مع متمردي الشمال . علما بان طريق الحرب مسدود بعد تجربة اكثر من عشرين عاما ، والذي كانت تكلفته باهظة من: الاف القتلي والجرحي وملايين المشردين والنازحين. وخرق المؤتمر الوطني للعهود والمواثيق ادخل البلاد مرة اخري في درب الالام والموت واشتعال نيران الحرب والتي من المتوقع ان تؤدي الي المزيد من تمزيق ماتبقي من الوطن.
    كما تزداد الاوضاع المعيشية تدهورا جراء الارتفاع المستمر في اسعار السلع والخدمات حتي اصبحت الحياة لاتطاق كما يتضح من موجة اضرابات العاملين والوقفات الاحتجاجية بسبب عدم صرف المتأخرات كما هو الحال بالنسبة للعاملين في جامعة الخرطوم ، وضد اغلاق مستشفي جعفر ابنعوف للاطفال، وضد قمع الطلاب وحرق داخليات طلاب جامعة الخرطوم وضد بيع الاراضي في سنار، وضد الخصخصة وقطع ارزاق الناس وبائعات الشاي....الخ.
    كما تزداد المقاومة لمصادرة الحريات والتي تتلخص في المطالبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين فورا او تقديمهم لمحاكمة عادلة ، وضد اغلاق المراكز الثقافية ومصادرة الصحف وحقوق التعبير، وقمع المواكب والاحتجاجات السلمية التي يكفلها الدستور.
    بالتالي، من المهم خلق اوسع جبهة للدفاع عن الحريات ووحدة الوطن ومنع توسيع دائرة الحرب والديكتاتورية المدنية باسم الانتخابات الزائفة واستغلال الدين والدستور الاسلامي المزيف. والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين فورا، وضد مصادرة الحريات والحقوق الديمقراطية، الغاء المواد في قانون الأمن الوطني التي تجيز الاعتقال التحفظي لمخالفتها الصريحة لأحكام المواد:27(3)،(4) و28 و29 ، 34 (2) من الدستور الانتقالي، والتي تهدر التحول الديمقراطي وتنتهك سيادة حكم القانون. فاستمرار الحرب ومصادرة الحريات سياسة مقضي عليها بالفشل، وحتما سوف ينتزع شعب السودان الحريات والحقوق الديمقراطية ويطيح بالشمولية والديكتاتورية، كما حدث في اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس- ابريل 1985م















    . Copyright © 2013 www.sudaneseonline.com. All Rights Reserved.
    .
                  

02-21-2013, 08:27 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)



    مِهْنَةُ التَّكْفِير!
    February 21, 2013
    كمال الجزولي..

    ليت “هيئة علماء المسلمين” السودانية انتفضت عندما كشف المراجع العام عن تجاوزات مالية خطيرة في ديوان الزكاة (!)، حيث تُصرف حوافز “العاملين عليها” من بند “الفقراء والمساكين” (الانتباهة؛ 3 يناير/كانون الثاني 2013)، بمثل انتفاضها لانضمام عضوها يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي -في 31 يناير/كانون الثاني 2013- إلى قائمة القوى السياسية الموقعة -بكمبالا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2012- على وثيقة “الفجر الجديد” مع قوى المعارضة المسلحة، ونقده القاسي للحزب الحاكم، متهماً إياه بتخريب الدين والدنيا، فأصدرت فتواها -في اليوم التالي مباشرة- بخروج الموقعين أجمعهم، وضمنهم الكودة، “من الملة والدين!” (سونا؛ 1 فبراير/شباط 2013).

    (1)

    لكن “الهيئة” تراجعت معتبرة بيانها محض رأي معمم لا يتعلق بشخص معين (سونا؛ 3 فبراير/شباط 2013). أما الكودة فقد أعلن -ربما لعدم اقتناعه بما ذُكر- في القاهرة استقالته من “الهيئة”، واصفاً إياها بأنها “تفتي لصالح السلطان!” (وكالات، 9 فبراير/شباط 2013)، وذلك بعد أيام قلائل من إطلالة الأمين العام “للهيئة” من فضائية أم درمان متوعِّداً بمحاسبة الكودة “لسفره إلى كمبالا دون إذن!” (فضائية أم درمان؛ 5 فبراير/شباط 2013).

    الراجح أن التكفير قد وقع ولحق بالمعارضة لقاء تطرق وثيقة “الفجر” لمسألة “الدين والدولة”، مع أن ذلك النص لا يصحُّ أن يُقرأ بانفصال عن مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (يونيو/حزيران 1995)، والذي يحظر تأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية، مما يعني “التمييز” بين “الدين” و”السياسة”، علماً بأن أحداً لم يجرؤ على تكفير تلك الأطروحة، أو يجرؤ على التشكيك في هذا “التمييز” النبوي الشريف.

    أما النص الذي وقعه الكودة وكفرته “الهيئة” فيتحفظ مبدئياً حسب البند/4 منه على البتِّ حالياً بشأن “علاقة الدين بالدولة”، مرجئاً الأمر ليقرر فيه الشعب من خلال المؤتمر الدستوري والاستفتاء، حسبما أوضحه الكودة بنفسه (قناة الحرة؛ 14 فبراير/شباط 2013). رغم ذلك راحت “الهيئة” تسند فتواها بلا تروٍّ إلى قوله تعالى “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” (سودانايل؛ 1 فبراير/شباط 2013).

    (2)

    يلزمنا -قبل أن نمضي قدماً في فحص صلاحية ذلك الإسناد- أن نلاحظ أن تلك ليست غير واحدة من آلاف حالات التكفير عبر تاريخ الدولة العربية الإسلامية، فضلاً عن الدولة السودانية؛ كما أنها بالقطع ليست حالة نادرة لأداء “الهيئة” لدور يبدو مرسوماً، ضمن تقسيم عمل ما فتئ يتكرر بينها هي ومثيلاتها وبين السلطة السياسية!

    فبالنسبة للملاحظة الثانية، اقتصر النظام دائماً على حديث السياسة، تاركاً حديث الدين لهذه “الهيئة” ومثيلاتها، حيث يمكن مقارنة بياناتها بتصريحات رموز السلطة، سواءً في هذه الحالة أو في الحالات السابقة.

    أما أسطع نماذج التكفير -إلى حدّ القتل- فيتبدى في مصائر أغلب الخلفاء الراشدين، حيث طال الأمر عمر بن الخطاب عام 23هـ، وعثمان بن عفان عام35هـ، وعلي بن أبي طالب الذي قتله عام 40 هـ القارئ الخوارجي عبد الرحمن بن ملجم، لكون الخوارج اعتبروا قبوله التحكيم “السياسي!” مع معاوية كفراً بواحاً، فطالبوه بالتوبة، فلم يستجب، فقتلوه!

    ومن ذلك أيضاً تكفير البخاري بشهادة ثلاثة آلاف عالم قبل أن يموت منفياً؛ وتكفير ابن حنبل وسجنه وتقييده بالجنازير، وإجباره على السير على قدميه من طرسوس إلى بغداد، وضربه بالسياط تحت الشمس وهو صائم في أواخر رمضان؛ وتكفير الغزالي وحرق كتبه؛ وتكفير ابن حزم ونفيه إلى أحراش إسبانيا؛ وتكفير السهرودي وسجنه وقتله خنقاً؛ وتكفير ابن تيمية وسجنه وتعذيبه حتى الموت؛ وتكفير التبريزي وسلخ جلده حياً؛ وتكفير ابن القيم وحرقه؛ وتكفير الحلاج وصلبه.

    وأما في التاريخ الحديث فقد جرى تكفير أبي ماضي، وجبران، والشابي، والحكيم، وسلامة موسى، وطه حسين، ونجيب محفوظ الذي كاد يقتل، ونوال السعداوي، ونزار، ودرويش، وأدونيس، وسميح، وإحسان، والغيطاني، والعروي، والجابري، والقمني، وسلمان رشدي الذي أهدر الخميني دمه، وفرج فودة الذي اغتيل، ويوسف إدريس، وفؤاد زكريا، وجابر عصفور، وعادل إمام، وخليل عبد الكريم، وعبد الرحمن منيف، وأسامة أنور عكاشة، ونصر حامد أبو زيد الذي صدر حكم بالتفريق بينه وبين زوجته.

    وأما في السودان فقد كفَّر الأزهريون المهدي؛ وكفَّر المهدي الأتراك وسائر من لم يؤمن بدعوته؛ وجرى تكفير الشاعر التجاني يوسف بشير وفصله من المعهد العلمي؛ وتكفير محمود محمد طه وإعدامه؛ وتكفير جماعة أنصار السنة واستهدافهم بمجازر المساجد؛ وتكفير واستتابة القاضي النيل أبو قرون الذي شارك في تكفير وإعدام محمود؛ كما جرى تكفير الكاتب الطيب صالح؛ والصحفي محمد طه محمد أحمد؛ والصادق المهدي، وأعضاء الحزب الشيوعي، والجبهة الديمقراطية، وأحزاب ومعتنقي الديمقراطية والاشتراكية، والموالين للنصارى، على حد تعبير إحدى الفتاوى؛ وكفَّرت جماعة تدعي العلم المرحوم كدودة، ووراق، والدسيس، وحيدر إبراهيم، وكاتب هذه السطور، وأهدرت دمهم مقابل عشرة ملايين جنيه للرأس!

    كما كفَّرت “الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة” حسن الترابي، قائلة إنه “مرتد يجب أن.. يعلن توبته على الملأ”؛ وكفَّر الترابي علي عثمان؛ ثم ما لبث أن أبرم مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية في جنيف عام 2001، شملت تعبيراً غامضاً عن علاقة الدين بالدولة، مما جلب عليه تكفير جماعات مختلفة (انظر كتابنا “عتود الدولة”، دار مدارك 2010، ص 112-117).

    (3)

    الشاهد أن “الهيئة”، بتكفيرها للموقعين على وثيقة “الفجر” -بمن فيهم الكودة- لم تنجز سوى إضافة كمية إلى ممارستها التاريخية لهذه “المهنة” التي يبدو أنها لن يكون لديها ما تفعله إذا اضطرت للانفطام منها؛ فضلاً عن تكرار ذات الحُجج التي بهتت تماماً جراء سوء الاستخدام للديباجات الدينية والنصوص المقدسة، حتى أضحى هذا الاستخدام بلا طعم، خصوصاً وقد تمزقت أقنعته الزائفة في الكثير من مصادر المعرفة الإسلامية التقليدية والمعاصرة.

    ولهذه الجماعات في السودان تاريخ حافل بالمواقف التي تتلبس صحيح الدين، على حين لا تخدم في الحقيقة سوى مصالح دنيوية خاصة ومرتبطة بوشائج لا تنفصم مع مصالح الأنظمة في كل فترة. لقد أصدر “علماء السودان” مثلاً بياناً إبان معركة “الجزيرة أبا” عام 1970 بين نظام مايو اليساري آنذاك وتحالف الأنصار والإخوان المسلمين وغيرهم، حيث قال البيان: “إن مبادئ مايو لا تخرج عن مبادئ الإسلام التي تقوم على العدل والإحسان ومحاربة الظلم والفساد، لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب ديني قبل أن يكون واجباً وطنياً، والخروج عليها خروج على أمر الله، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الإسلام!!” (الأيام؛ 3 أبريل/نيسان 1970).

    لقد صار إلى افتضاح جهير حرصُ الجماعات التكفيرية على تفادي النصوص التي تدحض ادعاء الحكم بالحق الإلهي، والتشبث بالنصوص التي تعتقد خطأ أنها تدعم ادعاءها الغليظ ذاك. فمثلاً، الآية الكريمة التي استندت إليها فتوى “الهيئة” هي إحدى آيات ثلاث (44، 45، 47) من سورة المائدة تحاول “الهيئة” بلا طائل أن تؤسس على مظهرها اللفظي العام فهمها السياسي الخاطئ لشعار “الحاكمية” الخوارجي القديم: “ومن لم (يحكم) بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون…، الظالمون…، الفاسقون”.

    غير أن هذا الفهم قد تزلزل في الأذهان بفضل ثقات المفسرين، كابن كثير، والنيسابوري، والسيوطي، ممن أجمعوا على دلالة مصطلح “الحكم” القرآني باعتبارها “القضاء” لا “السياسة”، مثلما أجمعوا -بمنهج مناسبة النزول- على أن هذه الآيات لا تتصل بالسلطان، بل بإقامة بعض الحدود كالقتل في حالة أقوام من اليهود ارتكبوه، ثم أضمروا أن “يتحاكموا” إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) فإن “حكم” بالدية أخذوا قوله، وإن “حكم” بالقصاص لا يسمعون منه؛ وكذلك الزنا في حالة اليهود الذين جعلوا تسويد الوجه مع الجلد محل الرجم التوراتي، وفى الحالين كانت المآرب الدنيوية هي محرِّكة الأفعال. ومن ثمَّ، فإن سحب دلالة “الحاكمية” إلى حقل “الحكومة” ليس سوى نموذج للتمادي في اللجاجة والمماحكة، بدافع القفز إلى “الحكم” شهوة وطموحا (خليل عبد الكريم؛ لتطبيق الشريعة لا للحكم، ص 15، 16).

    لقد علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمته قاعدة “تمييز” مشمولة بقوله: “ما أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به” (رواه مسلم وابن ماجه وابن حنبل). ويقر حتى بعض مفكري الإسلام السياسي في المنطقة بأن هذا “التمييز.. أصبح واحداً من علامات النضج والرشد لهذه الإنسانية” (د. محمد عمارة؛ الإسلام والسلطة الدينية، ص 104).

    وإذن، ما من مسوِّغ نقلي أو عقلي لادعاء التكفيريين بأنهم ينزلون الناس على “حكم الله”، لا على “رأيهم”، متجاهلين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا أمَّر أميراً على جيش أو سريَّة أوصاه: “إذا حاصرت أهل الحصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تعلم أتصيب حكم الله فيهم أم لا” (رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وابن حنبل).

    هكذا ترك الإسلام أمر “الدنيا” لفهوم المسلمين يستهدون إليه بهداية الرشد في القرآن والسنة. وبغير هذا الإدراك لا نستطيع مجرد مقاربة “حديث التمييز” الذي كان -ولا بد- تحت لسان عليٍّ كـرم الله وجهه وهو يستمع إلى كلمة الخوارج في معركة صفين بينه ومعاوية: “لا حكم لبشر، لا حكم إلا لله”! فدمغها بكونها “كلمة حق يراد بها باطل” (نهج البلاغة، ص 65)؛ مثلما كان -ولا بد- تحت لسان الفاروق عمر (رض)، حين أوجز دنيوية مفهوم “السلطة السياسية” في الإسلام ووظيفتها، قائلاً: “ولاَّنا الله على الأمة لنسدَّ لهم جوعتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن أعجزنا ذلك اعتزلناهم”.

    (4)

    والمعلوم أن “أصول” الإيمان ثلاثة: الألوهية، والنبوة، واليوم الآخر، وليس من بينها مبحث “الإمامة” الذي يندرج تحته الفكر السياسي الإسلامي (د. محمد عمارة؛ الإسلام والسلطة الدينية، ص 77). ويؤكد الغزالي أن كل ما عدا هذه “الأصول” هو من “الفروع”، كـ”الإمامة”، ويقول: “واعلم أن الخطأ في أصل الإمامة.. لا يوجب شيء منه التكفير” (فيصل التفرقة..، ص 15). ويشدد الشهرستاني على “أن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد” (نهاية الإقدام، ص 478). وابن تيمية ينفى أن تكون “الإمامة” من الأصول، فلا هي من أركان الإسلام، ولا من أركان الإيمان، ولا من أركان الإحسان (منهاج السنة، ج1، ص 70).

    ومحمد عبده يؤكد: “أن الدين لم يعلم المسلمين.. تفصيل سياسة الملك..، وقد أرشدنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى وجوب استقلالنا دونه في مسائل دنيانا” (الأعمال الكاملة، ج 3 ، ص 420، 426). أما ابن خلدون فيقرر أن “.. شبهة الشيعة الإمامية في ذلك إنما هي كون الإمامة من أركان الدين.. وليست كذلك، إنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق” (المقدمة، ص 168).

    أخيراً، ليس أبلغ من قول الأفغاني، في ضوء هذا الفهم، أن من معاني الاستخلاف “أن تكون الأمة في مجموعها حرة مستقلة..، فلا يتصرف في شؤونها العامة إلا من تثق بهم..، وذلك منتهى ما يمكن أن تكون به سلطتها من نفسها”؛ بل ويذهب إلى أن الحاكم إذا حنث بقسمه على صون الدستور “.. إما يبقى رأسه بلا تاج، أو تاجه بلا رأس” (الأعمال الكاملة، ص 478-479).
                  

02-23-2013, 12:13 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    ضمور أسطورة أمدرمان ..

    بقلم: صلاح شعيب


    السبت, 23 شباط/فبراير 2013 06:51



    ضمرت. ضمرت فاعلية أمدرمان. بل شبعت ضمورا. كانت أسطورة الثقافة، والأدب، والسياسة، والصحافة، والنغم، والرياضة والتجارة، والحداثة السودانوية، إلخ. برغم دورها الرائد في التشكيل النسبي لملامح الثقافة السودانية إلا أن أبناء الإسلام السياسي المدينيين، والقرويين، هزموا أبنائها، وبناتها، شر هزيمة، وصار الخارج يتخطفهم كما الموت، واحدا تلو الأخرى. ضرب أبناء ود درو، والملازمين، وحي العرب، والموردة، مكلومين بأرجلهم إلى قفار أريزونا، والمكسيك، وتورنتو، وسيدني. وفي الداخل تكاد حاجتهم إلى التجمع قد صعبت في ظل مساواة التعليم لأكتاف أبناء الأقاليم مع أبناء أبروف العلايل.


    كان أستاذنا الأمدرماني، والرياضي، النعمان حسن (أبو سامرين) مؤلف مسرحية (نقابة المنتحرين) يحاول في الزمن الديموقراطي الأخير، وليس الآخر، لم شعث الفضاء الأمدرماني. أراد أن يجمع أبناء الخرطومين وأمدرمان، مضافا إليهم أبناء توتي، في رابطة حزبية عسى ولعل يكون لهم صوت مختلف عن صوت برلمان الانتفاضة. ولكن فجأة قطع التتار الطريق أمام ذلك التجمع المأمول فيه رد جزء من قساوة أبناء أم برمبيطة، والشكينبة، وشبا، والشوال، وشنقل طوباي. ولكن يبدو أن النعمان الذي أراد بتلك المسرحية التعبير عن رفضه للواقع قد انتحر بصمته هو الآخر. فهو كأول رئيس تحرير لصحيفة رياضية في السودان صار ضيفا على الصحف، والتي حرر شهادة ملكيتها، وترأس تحريرها، أبناء الأقاليم القريبة والبعيدة، والحمد لله على كل حال.
    المعني بأمدرمان الضامرة ليس فقط الإذاعة والتلفزيون، وكماين كباجابها التي جلبت التصحر، وموردتها، ودار رياضتها، وطابيتها المقابلة النيل، التي احتفل الإنقاذيون قبل عام بمرور قرن على إنشائها، إنما أمدرمان هي جماع تمددها الثقافي على خرطوم كتشنر، ومسرح الجاليات، وبحري الوابورات، وحقول الصناعات، وشارعها. والأكثر من ذلك فإن لأمدرمان تمددها على مدني، وبورتسودان، وكسلا، والأبيض، وعطبرة، حتى بدت لهجات هذه المدن نسخا تنماز عن بعضها البعض، ولكنها متورطة في استعارة لهجة أمدرمان الأكثر تحديثا بين لهجات البيئات السودانية.


    كانت نهاية التأثير اللوجستي لأمدرمان في تشكيل سياستها، وسياسة المدن التي تتبع لها صاغرة، قد تم بعد الإنقاذ، وذلك حين تسنى لنافع التمدد لضرب علمانيتها، كما ظن المشرع الحضاري. فروح نافع ذي الإحساس الجاف والجاهل بما فعلته أمدرمان في ترقيق حس التخاطب مستبطن في شخص كل إسلامي، وإن تظرف. ولقد ضمر تأثير المدينة حين تسنى للحاج آدم أن يهدد، جهرا، بطرد كل أبناء أمدرمان، وغيرهم من مدينته الإسلامية الفاضلة. أما كمال عبيد فقد هدد بألا يمنح حقنة واحدة للجنوبيين، ولا يستثنى في ذلك بالطبع ذرية عبد المنعم عبد الحي، والملاكم الدولي النعيم فرج الله، وحفيدات العازة محمد عبدالله.
    -2-
    يا سبحان الحي الدائم. للتاريخ أحكامه القاسية، ولكنها هي الحتمية التاريخية التي هجمت على إرم ذات العماد، وأثينا، وسوبا، ومروي التي كانت تصهر الحديد للعالم. وللأيديولوجية خطوط تماسها مع (الجهل البديع) ولكنها مبررة بالتقاعس دون مجابهة هوسها، وفسادها، وفجورها. ولكن ما الذي بقي حتى لا يفرفر الكروان عبد الرحمن الريح في مقبرته، وألا يجري عبدالله حامد الأمين، صاحب الندوة الأدبية، عاريا نحو حوش الخليفة الذي حاصرته رأسمالية الإسلام السياسي بالأكشاك القبيحة الصنع. وما الذي بقي من شئ يجعل شيخا مثل صادق عبدالله عبد الماجد ألا ينتبه للخراب الذي أصاب مدينته؟. ثم ما الذي يضحك من قفشات الهادي نصر الدين أكثر من أن الجراد آت إلى الحواشات وهو تعب كما صرح أحد المتنفذين، وما هو المثير في كتاب المؤرخ الأمدرماني شوقي بدري حين نقرأ أن الفأر تعشت برجل مريض المناقل؟!
    لقد قنع أبن أمدرمان يسن عمر الإمام، وجلس في بيته، أو بيت أبيه، ولسان حاله يقول هزمتنا عصبية حسن مكي الذي قال بأن الحركة الإسلامية مشروع نيلي للجاه والسلطان، وليست هي لله. ويضيف الإمام أنه يستحي دون حض المصلين في مسجد الحارة الثامنة على إتباع السلوك القويم. وهل هناك من مخرج لسيد عبد العزيز وشقيقه جحجوم كابتن مريخ الخمسينات، وهما قد رسخا مزيج أمدرمان الإثني بعد أن أخذا من جينات أمهما المسلاتية أم جاهين، ومن دماء أولاد الريف؟.


    كان الشاعر محمد الواثق الذي دخلت معه الحراسة يوما عقب نشري لحوار معه مرفقا بقصيدة له يهجو فيها مدينة كوستي قد تنبأ باحتضار أمدرمان الرمز. ولكن يبدو أن احتضار أمدرمانه لم يكن احتضارا رمزيا للدنيا، أو السودان، أو جامعة الخرطوم، أو الإله حتى. وها قد تجسدت رمزية الواثق احتضارا خلاقا لكيمياء المدينة التي هجا نساءها، وثعابينها، وجواسيسها، ومثلييها، مثلما هجا بفظاظة مدن مدني، والقضارف، وكوستي التي قال فيها:
    سميت باسم غريب الدار نازحها
    ما كانت كوستي على قدر من الشرف
    وأذكر أنه حين أصدر الأستاذ الجامعي ديوانه الذي قال باحتضار البقعة، كما أسماها المهدي، انبرى له أساطين المدينة في الشعر، والكتابة، والصحافة، وحاول الشاعر عبدالله محمد زين الذي غادرنا قريبا إفحامه إبداعيا. وكاد بعض سكان أمدرمان أن يتصرف مع الشاعر كما تصرف معه (أداريب) كسلا الذين أتوا يوما إلى جامعة الخرطوم بسيوفهم المشرعة ينوون رقبته عقب هجائه المر لكسلا عبر قصيدة ساخنة. ولولا تدخل البروف عبدالله الطيب مدير الجامعة آنذاك لأطيح برأس شاعر أمدرمان تحتضر. ويا ليت زميل الحراسة السابق الواثق يعيد طبع ذلك القريض الرمز، ويضيف إليه ضمور التأثير الأمدرماني الآن على كل حقول الإبداع السوداني.


    -3-
    نحن إذن إزاء حال من الموات المجتمعي لهذه المدينة التي مثلت نقلة في الحداثة باتجاه ما ينبغي أن يكون عليه مختلف مدن وقرى السودان. فعلى المستوى السياسي كان هناك سياسيو أمدرمان من كل الاتجاهات السياسية بتأثيرهم القوي في ناتج الإبداع السوداني. فسياسيا كان أنصار اليمين، واليسار، والوسط، والتكنوقراط، هم الذين يرسمون النهج السياسي للبلد، ويحددون مسارها بعد أن سودنوا الوظائف التي بلغت نحو ثمانمئة ونيفا. أما أدباء المدينة فكانوا يقودون الأدب نحو حداثة التفعيلة عبر صلاح أحمد إبراهيم، ومصطفى سند. أما صحافة أبو الصحف أحمد يوسف هاشم، وصحافة العتباني فقد كانت الرأي العام الذي يعبر عن ما تريده أمدرمان للأقاليم ولمستقبل بني سودان. ومغنوها يوزنون كمنجاتهم ويدهنون الرق على التون الخماسي أمثال كرومة، وسرور، ولاحقا التاج مصطفى، والجابري، وإبراهيم عوض، وصلاح محمد عيسى، والطاهر إبراهيم، والفلاتية، كلهم كانوا يرسلون النغم المشبع بالطرب، ويلهجونه بطبع الحقيبة التي قيل إنها خرجت من محمد ود الفكي، ورسم مواويلها عبد الكريم عبالله مختار الشهير بكرومة، ومعه الحاج محمد أحمد سرور الذي ما يزال مدفونا في أسمرا. ونشرت الصحف مؤخرا بأن بلدية المدينة تنوي تجميع المقابر القديمة لعمل توسعة ما يعني أن مقبرة أبن أمدرمان وزعيم نغمها سيختفي، إذ أن الإسلام السياسي غير معني بفضيلة تكريم هذا الكروان بأن ينقل رفاته ليدفن في ترب ود البكري.



    هكذا تهمل أمدرمان التي كانت أبيات شعرائها تتلى كما الأحاديث الشريفة. ويا لقريحة صالح عبد السيد أبو صلاح، وسيد عبد العزيز، وعوض جبريل، وابراهيم الرشيد، وعبدالله النجيب، ومحجوب شريف، وهاشم صديق. أما مسرحيو المدينة أمثال العبادي، وخالد ابو الروس، وخورشيد، ومحمود سراج ود أبقبورة، والصباغ فلا يتذكرهم أحد رغم أنهم كانوا يلعبون على تون سودنة الدراما وأكسسواراتها. لقد ضربت رياضة أمدرمان و(تمكنوا) في رئاسة أنديتها. لقد جاءوا إليها دون أن يعرفوا تاريخ جقدول، وجاد الله، وابو العائلة، وبرعي القانون، والنقرين، وعلي قاقرين، وسيماوي، وسليمان عبد القادر أبو داؤود، وأحمد أبو كدوك.
    أمدرمان بخلاف دور أبنائها الذين ولدوا فيها استوعبت من أتوا إليها وأصبغت على لسانهم مراد لسان حالها برضا. وبعض الأنثربولوجيين الجدد يرون أنها دجنتهم لإبداعيتها حتى أن مغنيا مثل وردي افتتن بسحر نغمها، وإيقاعها التم تم، وفرضت عليه سطوة تقاليد الغناء أن يتخلى عن الغناء الذي يجيده بلغته الأم، واختبر صوته بـ(قسما بمحياك البدري) أو (ضامر قوامك لاح) أو (يجلي النظر يا صاح منظر الإنسان).


    أما الآن فقد انتصر التاريخ القاسي الأحكام على الإذاعة التي حكمت ذوق السودانيين، وماعاد مبدعو الأقاليم يأبهون للانتظار الطويل في استقبال الإذاعة حتى يؤذن لهم بالدخول. فقد وجدوا في القليل المجاني من اسفير البنتاغون مجالا لعرض أفانين الباسنكوب، وام كيكي، والربابة، والوازا، وام دقينة، والجكتك، وأبرة ودرت. كما أن ما كان عليه نص امدرمان الذي به يشتهر المغني فقد تعرض لضربة على يد الماركسي مصطفى سيد أحمد وتحقق له مجدا. وأخيرا جاء أمين حسن عمر ابن عطبرة وعوض جادين ابن برام الكلكة، أو دبة الفقرا، لا يفرق، ليقضيا على سطوة أبناء المدينة، حيث منعا زعيم موسيقاري المدينة الأول برعي من الدخول لدار الإذاعة. إنهما حددا أغنيات مثل (يا هو دي) أو (لتنزلن) كمقياس يجب أن يؤلف على نهجهما الثوري الموسيقار الأمدرماني الكبير. هكذا بكل بساطة يحدد الإسلاميان للموسيقار نغمته رغم أنه كان حاضرا بشحمه، ولحمه، وعظمه، احتفال افتتاح دار الاذاعة في مبنى بوستة امدرمان، أيام كان أمين وجادين في رحم الغيب.


    والأكثر أسفا من ذلك طرد الإسلاميان أبناء امدرمان المذيعين والبرامجيين شرد طردة في ملابسات إعادة الصياغة. فمات المعلق الامدرماني المخضرم علي الحسن مالك غبنا، ولولا وساطة الرشيد بدوي عبيد لما دخل الإذاعة ثانية، وتحايل عبدالرحمن عبد الرسول وعاد بالشباك. ومات العاقب كمدا، وتركوا ابن أمدرمان المذيع الفاتح الصباغ يعاني في مرضه. أما المذيع الكبير عبد الرحمن أحمد أبن شاعر المؤتمر أحمد محمد صالح، وأخ الشاعر الكبير الذي أقترح إسم (حقيبة الفن) صلاح فقد مات بالإهمال بينما يتعالج أفراد الأمن في (ساهرون) و(رويال كير)، وإن لزم يبعثوا إلى الخارج مكرمين، ومعززين.
    -4-
    هكذا، قسرا، استهدف المشروع الحضاري ضمن استهدافاته الكثيرة إرث أمدرمان الباذخ، وخصوصا سوقها الذي صار مكانا للبيئة المتسخة. وفي زيارتي الأخيرة مررت بشارع نادي الخريجين فطار كيسا فارغا والتصق بوجهي وتصارعت معه لأطرحه بينما نظرت لمن في الشارع خجلا ووجدت كل المارة تقاوم هذه الأكياس كما لو أنهم يقاومون النحل بينما غبار المارين أهاج جيوبي الأنفية. وعلى مقربة من النادي العريق الذي شهد مطاحنات الحوار حول تحقيق الاستقلال فقدنا اثر المعهد العلمي الذي درس فيه التيجاني يوسف بشير وكاد الاسلاميون أن يعرضوا الجامع الكبير في مزاد سري. لقد هجم طفيلية الإسلاميين على مرات السوق وفسحاته وأفسدوا نظامه القديم حتى أنه يتعين عليك التحضير لبحث مضن من أجل العثور على قهوة جورج مشرقي وقهوة يوسف الفكي سينما برمبل، والبوستة. ولعل هذه من أعمق آثار أمدرمان التي كانت لها وهجها في الثلاثينات، والأربعينات، إلى مطلع الثمانينات، إنها الأماكن التي شكلت السودان، وبدت لأبناء، وبنات أمدرمان مرتعا للذكرى، والحنين، والشجن.


    مشكلة أمدرمان، غير الوحيدة، هي أنها كانت ضحية السيوسيولجي في تمثلاته السودانية العشائرية. والسيوسيولجي، غدار ومختال، ولا تقف أمامه القداسات، وإلا كانت سوبا ما تزال مؤثرة على (مخرجات) السودنة اللاحقة. أرادت أمدرمان أن تخرج من ريفيتها لترتبط بالاقتصاد العالمي، ولكنها لم تكن لتملك مقومات التطور ولذلك سهل للترابي أن ينقض عليها بصياغته التي لم تجد معارضة من مجتمعها المدني الغارق في النوستالجيا. فالمدينة تفتقر إلى مؤسسية تحميها من تهديم بناءاتها التاريخية، والاقتصادية المتخلفة، فإذا كان سوقها لا يزال عشوائيا فكيف تستطيع أن تنافس عالميا. بنيتها التحتية الغائبة، وولعها بالهلال والمريخ المنصرف عن مكر السياسي، وأنصارها الغارقون في التهويمات الصوفية، ومثقفوها الأفندية الذين تجاذبتهم آيديلوجيات ما بعد الأربعينات، لم تتح للمدينة صوتا تحقق به تنميتها كما هو حال الواشنطنيين الذين كونوا خمسمائة منظمة مجتمع مدني تسهر على حقوق المدينة أمام تغولات سيناتورات تكساس واريزونا وغيرهم. إنها جمعيات للقانون، والهندسة، والفن، والأثر التاريخي التي تنهض كل يوم للجهاد المدني الحقيقي أمام المطامع الرأسمالية لنخبة الحزبين.


    ربما كان أبو سامرين متقدما في فكرته إبان الانتفاضة لتقوم رابطته الأمدرمانية مقام رابطة أبناء واشنطون الحريصين على مدينتهم، ولكن يبدو أن للحداثة أكثر من عقبة أمام الطفيلية البرجوازية التي هزمت نضال عبد الخالق وسلمته للشناق، كما قادها مكرها إلى الفتك بابن المدينة محمود محمد طه الذي كان يناضل وحده لتجنيب المدينة من هوس التطرف. وربما كانت هناك مشاريع طموحة للأحفاد، ولكن للأسف شاهدنا مؤخرا في التلفزيون أن أحد البروفيسيرات يتحدث وسط هذا الضجيج عن سمنار تستضيفه الجامعة المناضلة لتناول أوراق علمية كتبت عن الدستور مساهمة من الجامعة في إعداد الدستور القادم للإخوان. وهكذا توظف قلعة من قلاع المدينة لتوطين الطشاش الذي حذر منه الشاعر أزهري محمد علي حين قال إن الطشاش غيب إحساس الرضا، ومسح الروح بالغباش.
    -5-
    مأساة أمدرمان، من جانب آخر، هي أنها صورة مكبرة لمأساة مدن سودانية كثيرة كانت تقاوم بتجمعها القبلي المتضام تصحر المعرفة السودانية بالعالم، وبأهمية قيامه على التعدد الديني، والثقافي، والجغرافي،إلخ. كانت مدن مدني، عطبرة، وبورتسودان، والأبيض، والفاشر، وكادوقلي، وكسلا، ورفاعة، ونيالا، وسنار، ودنقلا، تحاول أن تخرج عن حالها الأربعيني البائس لترتبط بدورة الاقتصاد العالمي حتى تزدهر بمثال المنتجات التي تقدمها. وكانت أسواق هذه المدن، ومستشفياتها، ومدارسها، ودور السينما فيها، ورياضتها، وفرقها الغنائية والمسرحية، وقدرتها على امتصاص المعرفة القادمة من أمدرمان، وبيروت، والقاهرة، وجهد نخبتها الحميم بها، يشي بأن النقلة من العشائرية إلى الإقليمية في شقها القومي ممكن برغم بطء المسار نحو المثال، وتغولات السياسي الشمولي.


    ولهذا الاستقرار التنموي النسبي كانت هذه المدن تصدر إلى أمدرمان عددا من المبدعين في كل هذه المجالات، وخصوصا مدني التي منحت ثيمات أمدرمان السياسية، والغنائية، والإعلامية، والرياضية، مددا كبيرا. بل إن التنافس بين المدينتين خلق تطورا كبيرا في الخلاصة الإبداعية في هذه المجالات، ولكن لأن مدني توأم الروح للمدينة كان استهداف المشروع الحضاري لها باكرا، وعنهجيا. وكانت الضربة القاصمة لاقتصاد مدني تفتيت مشروع الجزيرة الذي كان يمثل للمدينة حراكا اقتصاديا كبيرا. وبتدمير هذه المدن وقطع دابر تطورها النسبي الذي كان يمكن أن يجلب لها بنيات تحتية في الوعي، والصناعة، ويعزز تسامحها الإثني النسبي، تقاعست أمدرمان عن تطوير ذاتها، وغاب التنافس الشريف الذي كان يتيح لمبدعيها تحسين أدوات إبداعهم.


    إن نعي أمدرمان هو نعي لكل المدن التي أخذت شبه صورتها الحديثة، والعزاء لأبنائها يصل، أيضا، إلى كل أبناء الأقاليم الذين تركوا مدنهم عقب شغل المشروع الحضاري غير المتسامح مع المبدعين منهم. والغريب أن أبناء الأقاليم الذين أتوا إلى أمدرمان هربا إليها صدتهم أمدرمان الحديثة التي سيطر عليها سودانيون غلاظ الطبع وخيروهم بين الصمت، أو الهجرة، أو المشاركة في ذبح رمزية أمدرمان، كما مثلنا بتدافع د.أمين وجادين. بعضهم غلبتهم المعايش الجبارة، ورهط منهم صمت وفضل أن يعيش على الحواف في عمل يتماس مع أهداف المشرع الديني وإن لم يكن يصب في مصلحته بشكل مباشر، وهناك آخر لحق بأبناء أمدرمان في الخارج ليكونوا سودان الدياسبورا المعارض.


    حق لأبناء أمدرمان أن ينهضوا في ظل نهوض الجهويات التي تنوي إعادة ترتيب التساكن وفق معايير ما يسمى بدولة المواطنة. فهذه الجهويات برغم استهدافها لحقوقها إلا أنها غيبت تمثيل أبناء أمدرمان، وكل هذا الحراك ينبغي أن يحفز أبناء أمدرمان للنضال السلمي لأجل أن يكون الوالي الذي يتحمل مسؤولياتها من أبنائها في زمن الحكم الفيدرالي المتوطنة فكرته على حكم الاقاليم نفسها بنفسها. ولا أدل على هذا الموت لأمدرمان من أن الانتخابات أسقطت بنيها وأتت بأبناء الأقاليم ليحكمونها، بعد أن كانت أمدرمان تتحكم عليهم.


    على أية حال، كان مثقفو أمدرمان الأعلى صوتا هم عرفات محمد عبدالله ومحمد محمد علي ومحجوب باشري ومحمد عشري الصديق ولاحقا حسن شمت، وكمال الجزولي، وهاشم صديق، ومحجوب شريف، وليلى المغربي، والعاقب محمد حسن. أما الآن فالذين يسيطرون على أجهزة إعلامها بعلو صوتهم فهم إسحق أحمد فضل الله، والطيب مصطفى، والهندي عز الدين. صباح الخير يا أمة أمدرمان. سلام..سلام يا مهد المقاومة..هبوا يا أبناء وبنات أمدرمان حتى ينبعث طائر الفينيق!
    salah shuaib [[email protected]]
                  

02-25-2013, 07:26 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    هل عادت أيام العدالة الناجزة؟

    د. أمين مكي مدني

    هل عادت أيام العدالة الناجزة؟!
    التاريخ: 25-فبراير-2013 العدد:7010 رأي
    أمين مكي مدني:


    تناولت بعض الصحف اليومية، ربما واحدة أو اثنتان، وفى اقتضاب غريب، نبأ تنفيذ السلطات حكماً بالقطع من خلاف على أحد المواطنين أدين بارتكاب جريمة الحرابة فى إحدى مناطق النزاع المسلح غربى البلاد. ومصدر استغرابنا للنبأ أنه لم يتم تناوله بالتعليق، نقداً أو مساندة، من أى من الإعلاميين والحقوقيين والإسلاميين والسياسيين وعلماء الاجتماع أو غيرهم. والخبر مر مرور الكرام كأي حادث مرورى أو عقد قران أو نتيجة مباراة رياضية. ونقول إن الأمر ينبغى أن ينال حيزاً أكبر بكثير، ويستاهل أكثر من مجرد التوقف عنده والإمعان فيه. فالمعروف أن جريمة الحرابة وعقوبة القطع من خلاف استحدثت إبان الفترة الأخيرة من العهد المايوى ضمن ما سمي «قوانين سبتمبر 1983م» التى أدخلت بموجبها عقوبات الحدود الشرعية الإسلامية ضمن القانون الجنائى. ومن المعروف أيضاً أن الغرض من وراء إصدار تلك التعديلات كان سياسياً أكثر منه عدلياً، أو إسلامياً، وهدف إلى ترويع المواطنين وإدخال الرعب فى نفوسهم لتكريس حكم الطاغية الذى سمى نفسه إماماً للمسلمين! .


    ويذكر من عاصر تلك الفترة أنها تزامنت مع إعلان حالة الطوارئ فى البــلاد وتكوين ما ســمي محاكم «العدالة الناجزة» التى سامت المواطنين ترويعاً وإرهاباً بإصدار الأحكام الاستثنائية العاجلة بالجلد والقطع والقطع من خلاف والإعدام والصلب. ومن لا يذكر إعدام الأستاذ محمود محمد طه بابتداع جريمة الردة التى لم تكن حتى معّرفة فى القانون؟ وإعدام وصلب الواثق صباح الخير بسبب أنه «اشتهر» بالسرقة والسطو؟ ثم القطع والقطع من خلاف لمئات من بؤساء المواطنين المعدمين، خاصة أبناء الجنوب وغرب البلاد، من العطالى والمشردين الذين اضطرتهم ظروف حياتهم لمخالفة القانون لسد حاجياتهم البسيطة وإقامة الأود، حين صعبت أو استحالت فرص العيش الكريم. كما أن النظام الحاكم آنذاك لم يكن معنياً بمآل أولئك المقطوعين بعد أن استحالت كل فرص كسب العيش الشريف، خاصة بعد فقدان الأطراف. ولم يكتف النظام الحاكم بذلك، بل وصل إلى حد إغلاق وطرد إحدى المنظمات الغربية «غير الإسلامية»؟ التى جاءت بمشروع ومعدات لتركيب الأطراف الاصطناعية لمن فقدوها، من منطلق أنهم، بهذا المشروع، يقللون من آثار العقوبة الشرعية الإسلامية، كما لم يسع النظام إلى تبني أى مشروع لإعادة تأهيل المقطوعين أو كفالة أية وسيلة لكسب عيش كريم بعد فعل ارتكبوه ودفعوا أطرافهم ثمناً لذلك.


    ويذكر المعاصرون لفترة ما بعد نميرى، إبان انتفاضة أبريل 1985م وخلال الديمقراطية الثالثة «1989 ــ 1986م»، أن الكتابة والحديث كثر عن ضرورة إلغاء قوانين سبتمبر من القادة السياسيين وأصحاب الفكر والرأي والكتاب، غير أنه لا الحكومة الانتقالية «ونتحمل بعض وزرها» ولا الحكومة التعددية المنتخبة بواسطة الجماهير، جرأت على إلغاء تلك القوانين، بمعنى إلغاء العقوبات الحدية التى تشترط، أو ينبغى أن تشترط، بالنسبة لجرائم السرقة والحرابة كفالة العدالة الاجتماعية والأمن والعدل والمساواة، أعلى القيم الإسلامية. كما ذهب الكثيرون للاستشهاد بتجميد عقوبة حد القطع فى عام الرمادة بواسطة الفاروق عمر، رضي الله عنه.


    ونتاج تلك الرؤى نشب النزاع بين الإلغاء والإبقاء على تلك االقوانين فى وجه تشدد بعض غلاة الإسلاميين، أن ظلت العقوبات ضمن بنود القانون الجنائى إلى يومنا هذا. غير أن تجميداً غير معلن كان مصيرها، ففى البداية صدرت بعض أحكام حدية لم تنفذ، ثم انتــقل الوضــع من بعد ذلك إلى «تجميد» تام غير معلن. فعلى الرغم من أن النصوص باقية ضمن القانون، وعلى الرغم من كثير من الإدانات بجرائم وفق تلك النصوص، توقفت المحاكم تماماً عن إصدار أحكام بتطبيق حدي القطع والقطع من خلاف، وذلك فى تناقض مع صريح نص القانون، في ما يعرف بجعل القانون مسخرة أي ( Mockery)، حينما يدرك القضاة وجود نصوص قطعية يحكمون بخلاف ما يرد فيها. وهنا يثور تساؤل مهم يخص رجال الدين والحقوقيين، قبل أية فئات أخرى، هو إن كان ذلك بتوجيه من رئيس القضاء أو مجلس القضاء الأعلى، أو حتى رئيس الجمهورية فى سياق نهج سياسى اتخذته الدولة، أو كان توافقاً «تآمراً» على عدم اتباع صريح القانون؟ فى الحالين غير مقبول، وفيه خروج على القانون ينبغى مساءلة القائمين عليه، ناهيك عن حجة كونه تعطيلاً لأصول الدين خلافاً لمبدأ من لم يحكم بما أمر الله.
    واستمر الحال على هذا المنوال ما يقارب الثلاثين عاماً لم يتم إبانها قطع لطرف أو طرفين لأى شخص أُدين بحد السرقة أو حد الحرابة. والرد على هذه التساؤلات ينبغى أن يأتى من الهيئة القضائية، بدءاً من محكمة أول درجة وحتى المحكمة العليا، كما من حكام الدولة الذين يدعون الحكم بما أنزل الله، إن أرادوا لدعواهم أن تصح.



    وباستعراض تلك التساؤلات عن لى خاطر ربما يكون هو السبب فى تنفيذ حكم القطع المشار اليه، محاولة من المتشددين الذين نشطوا فى الآونة الآخيرة العودة إلى الدعوة إلى إصدار الدستور الإسلامى، الذى لا يرون فيه غير القطع والجلد والإعدام والصلب والرجم، دون انتباه إلى مقتضيات الإسلام فى توفير سبل العيش الكريم والأمن الاجتماعى والعمل والتعليم والصحة والسكن، وكل ما يغنى الإنسان عن الحاجة لمخالفة الشرع أو القانون، لتوفير قوت يومه وأسرته. وحالنا اليوم يغني عن السؤال بعد أن انهارت جميع مشروعات التنمية الزراعية والصناعية والخدمية، وانتشر الفساد ونهب المال العام علانيةً، وانعدمت سبل العيش الكريم كافة، واضطرت غالبية المواطنين إلى الهجرة او التسول او الانحراف الخلقى او مخالفة القوانين احتيالاً أو سرقة أو نهباً مسلحاً لتوفير وجبة أو دفع كلفة علاج أو تعليم أو سكن.


    ودونما إطالة نعود الى تساؤلنا لماذا تم تنفيذ حكم القطع من خلاف بعد ما يقارب الثلاثين عاماً دون أن يُلغى أو يعدل خلالها القانون؟ أم يا ترى نحن عائدون إلى فترة العدالة الناجزة وأحكام القطع والصلب، دونما اعتبار لإيفاء حاجيات المواطن التي تغنيه عن مخالفة القانون وخرق مبادئ شرع الله؟

    ------------------

    ومع ذلك .. ستشرق الشمس من جديد ..

    بقلم: محمد سليمان
    الأحد, 24 شباط/فبراير 2013 20:43


    مواطن فى احدى القرى النائية يحاول العبور الى قريته يحمل الطعام لاطعام ابنائه الذين ينتظرونه ولا يعلم تفاصيل اغلاق الحدود واعلان حالة الطوارى ومتغيرات السياسة لكنه تفاجا بمطر غزير من الرصاص بواسطة احد الجنود الذى نفذ تعليمات قائده الاعلى والمواطن يروح ضحية واطفاله فى انتظاره وبدلاً من ان ياتى لهم بالطعام تاتى جثته ليتحول شوق اللقيا الى مطر من الحزن الثقيل هذه هى بعض تفاصيل اغلاق الحدود بين السودان و دولة جنوب السودان بعد صدور قانونshoot to kill الزائع الصيت وتخبطات السياسين يدفع ثمنه المواطنيين المغلوبين على امرهم ، ومثل هذه الصور المرعبة تحدث كل يوم ودارفور شاهدة والنيل الازرق وجبال النوبة والشرق وكجبار وما حدث ويحدث من انتهاكات جسيمة فى حق الشعب هو ان الوطن كله اصبح يعيش تحت قانون shoot to kill !.


    نحن فى حاجة ماسة لوقف الحرب المدمرة التى حصدت ارواح الالاف وشردت الالاف فى بلد يحاول ان يخرج من اتون الحرب لكن لا يستطيع بفعل سماسرة الحرب وتجارها الذين يكسبون ويجنون الاموال باهلاك الانفس ويمتصون دماء الغلابة والابرياء ليعشون فى رغد العيش والاخرين يكتون بنيران الحرب المعاناة .


    تطلعات الشعوب لا تتوقف نحو تحقيق الحرية والعدالة وتبادل الخبرات فى مجالات التنمية ومشاركة الجميع فى ادارة شئون حياتهم بطرح الرؤى والافكار النيرة التى تساهم فى تحقيق ما يصبون اليه نحو غداً مشرق فبالتالى ما يدور فى الساحة السياسية السودانية بعد توقيع وثيقة الفجر الجديد وترحيب بعض القوى السياسية وتحفظ بعضها فى بعض البنود هو ثمرة الحراك المتواصل من قبل جماهير الشعب السوداني متمثل فى قواة السياسية ومنظمات المجتمع المدني نحو رسم صورة جديدة للوطن المتعدد والمتنوع وكيفية ادرته ووقف الحرب ونزيف الدماء ورفع المعاناة ، لكن الحزب الحاكم حاول كعادته معاقبة القوى السياسية التى وقعت على الوثيقة وتخويفها باعتقال بعض القيادات التى وقعت على الوثيقة ومحاولة فرض الخطاب الدينى لمحاصرة القوى السياسية وذجها فى خانة اعداء الدين والوطن لتعبئة الشارع ضد تحالف القوى السياسية للمعارضة من جهه وتحالف الجبهة الثورية من جهه اخرى لارباك الساحة والاستمرار فى التضييق على الحريات ومواصلة القمع ومصادرة الحقوق والحريات .


    ومنذ صعود المؤتمر الوطني الى سدة الحكم وعلاقة السودان فى تدهور مستمر بل اشعل الحروب وقسم البلاد وفشل فى ادارة السودان المتعدد والمتنوع فبرنامجه لا يصلح للحكم وبالتالى فان القوى السياسية تحاول خلق واقع جديد لادارة السودان برؤية جديدة كلية يتساوى فيه الجميع دون اقصاء لاحد لوقف الحرب وبناء دولة المواطنة بالاضافة الى بناء علاقات دولية جديدة قوامها الاحترام المتبادل وحسن الجوار وادارة الاقتصاد ولملمة ما تبقي من السودان .
    الان والصراع قد احتدم ومعاناة المواطنين فى تزايد مستمر وسماسرة الحرب من حزب المؤتمر الوطني يريدون استمرار الحرب لانهاك الشعب ومصادرة مواردة وذج المزيد من الشباب الى اتون الحرب ليصبحوا وقودها وهم لا يتقدمون الصفوف بل يتوارون خلف هؤلاء المغلوبين على امرهم ..


    والذى يدفع حزب المؤتمر الوطني لمواصلة تعنتة وعدم استجابته الى تقديم التنازلات حتى يتحقق الامن والاستقرار والسلام الشامل والعادل هو انه قد تجاوز نقطة اللاعودة بفعل الجرائم المتعددة التى ارتكبها فى حق الابرياء من الشعب من جهه ويخاف من المحاسبة ومن جهه اخرى فان الصراع الداخلي فى الحزب قد وصل مرحلة من يتراجع عن توجهات الحزب المدمرة سيفصل ويتعرض للمحاسبة ولايجد حتى من يرفع معه الفاتحة من اخوته بالامس او كما قال مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع على نافع .


    -------------------

    مذكرة من تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل حول مشروع الجزيرة والمناقل
    السبت, 23 شباط/فبراير 2013 19:01




    بسم الله الرحمن الرحيم
    تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل
    التاريخ:
    قال تعالى (وقل أعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنين)
    وقال تعالى ( إذا حكمتم بين الناس فأحكموا بالعدل)
    وقال صلي الله عليه وسلم ( من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به)
    السيد/ النائب الأول لرئيس الجمهورية
    الموضوع مذكرة حول مشروع الجزيرة والمناقل
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جاء في خطابكم بتاريخ 5/ فبراير/2013م بود مدني ( أن كتاب مشروع الجزيرة سوف يفتح تحت أضواء كاشفة للمزارعين واتحادهم والمراكز البحثية والرأي العام ) وها نحن نرفع إليكم كتابنا.
    تقع الجزيرة في وسط السودان بين النيل الأزرق والنيل الأبيض بين خطي عرض (15 15 ) شمالاً وتمتد جنوباً حتى خط السكك الحديدية الذي يربط بين سنار علي النيل الأزرق وكوستي علي النيل الأبيض وبين خطي طول ( 40 – 32 ، 30 – 33) هذا الموقع أكسبها أهمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عبر تاريخها الطويل حيث شهدت قيام مملكة علوة ثم سلطنة الفونج كما لعبت دوراً هاماً في مقاومة الحكم التركي المصري كما كان لها دوراً هاماً في قيام وانتصارات الثورة المهدية ومقاومة الحكمة الانجليزي المصري كما شهدت تحولات اقتصادية هامة تمثلت في احدي معجزات وعجائب الدنيا ألا وهو مشروع الجزيرة والمناقل.
    لا يخفي علي أحد الدور الرائد لمشروع الجزيرة والمناقل منذ قيامه عام 1925م في مساحة وصلت 2.2 مليون فدان وهو بذلك أكبر مشروع في العالم يروي بالري الانسيابي بترعة يصل طولها حوالي 323 كيلومتر من سنار حتى مشارف الخرطوم تعرف بترعة الجزيرة وترعة المناقل. وترعة المناقل التي يصل طولها 210 كلم تتفرع منها المواجر بطول 643 كلم والقنوات الفرعية بطول 3249كلم مزودة بأبواب بعدد 27922 باباً وهدارات بعدد 2472 لتنظيم عملية الري كل هذا يتطلب جهداً متصلاً للنظافة والصيانة وإعادة التأهيل.
    ينتج 70% من جملة الأقطان و 65% من جملة إنتاج القمح و 32% من جملة الفول السوداني و 12% من إنتاج الذرة.
    ساهم علي المدى الطويل بأكثر من 45% من جملة الصادرات قبل دخول البترول. قامت علي أك######## كل المصالح والوزارات والمدارس والمستشفيات حتى ميناء بورتسودان وجامعة الخرطوم. يوفر فرص عمل وخدمات لأكثر من 4 مليون نسمة كما كان الضامن لحكومة السودان في حصولها علي القروض من الدول والمؤسسات المالية العالمية للصرف علي التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو بهذا كان يمثل عصب وعماد الاقتصاد السوداني.
    قامت بتنفيذ مشروع الجزيرة الرأسمالة الناشئة في انجلترا علي أحدث ما توصلت إليه العلوم الزراعية لإنتاج حاجتها من القطن وفق نظام ري وتركيبه محصولية ودورة زراعية ونظام ري وعلاقات انتاج وفق وحدة إنتاجية واحدة فقد صمم منذ البداية ليكون وحدة إنتاجية لا مشاريع متعددة فقد صمم من أجل المزاوجة بين الحاجة لتطبيق عمليات الميكنة الزراعية والحيازات الفردية التي تؤمن وجود كثافة سكانية مناسبة لتوفير العمالة الكافية وفي العام 1950م تم تأميم المشروع من الشركة الزراعية تحت قانون خاص لم يقف الأمر عند هذا الحد تم قيام مصلحة الخدمات الاجتماعية لتراعي الجوانب الاجتماعية والخدمية لكل القاطنين في المنطقة المروية بميزانية 2% من جملة صافي أرباح القطن فقد أسس كل المؤسسات التعليمية والصحية والآبار ، بالإضافة إلى الناحية الثقافية من تعليم الكبار ومحو الأمية والتدبير المنزلي والأندية ، بالإضافة للبيئة بزراعة الأحزمة للحماية من الزحف الصحراوي.
    في عام 1962م اشترط البنك الدولي اصلاحات هيكلة في مشروع الجزيرة لتقديم القروض لحكومة السودان وتسديد ما عليها من ديون فقد تمثلت توصيات خبيره الدكتور رست برفع الحد الأدني للحيازة الزراعية 360 فدان في الجزيرة و270 فدان بالمناقل وهذا يعني التخلص من 80 ألف مزارع من 114 ألف مزارع فوراً وإلغاء العمل بالحساب المشترك والعمل بالحساب الفردي بالإضافة إلى تغيير صيغة التمويل من التمويل عن طريق البنك المركزي بضمان الإنتاج إلى التمويل عن طريق الزراع من المصارف وتحمل كل المخاطر إلا أن هذه التوصيات وجدت مقاومة من كل المزارعين والحادبين علي مصلحة هذا المشروع وفي العام (1980م) وصلت بعثة البنك الزراعي ، حيث وضعت برنامج تعمير وتحديث مشروع الجزيرة في إطار برنامج إسعافي ركز علي دور القطاع الخاص وتغيير علاقات الإنتاج من الحساب المشترك إلى الحساب الفردي علي أن يكون متحملاً كل تكلفة الإنتاج بالإضافة إلى رسوم الماء والأرض حيث وافق عليه الرئيس جعفر النميري موسم ( 1980 – 1981) رغم موقف المزارعين الرافض لذلك.
    وفي مطلع عام 1992م وبعد وصول حكومة الإنقاذ للسلطة تم إعلان سياسة التحرير الاقتصادي التي تقوم علي خصخصة القطاع العام تردت الأوضاع في مشروع الجزيرة نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج والضرائب والتمويل عن طريق محفظة البنوك التي وصلت أرباحها إلي 54% مما قلل العائد وأرهقت كاهل المزارعين بالديون كونت الحكومة لجنة برئاسة د.تاج السر مصطفي للنظر في مستقبل مشروع الجزيرة التي توصلت إلى التخلص من البنيات الأساسية وفتح الباب للقطاع الخاص وإعادة هيكلة المشروع ، قوبل التقرير برفض واسع النطاق الأمر الذي جعل الحكومة تبحث عن طريقة أخري يحقق سياستها الاقتصادية ممثلة في سياسة التحرير الاقتصادي مكان قرار اللجنة العليا للتخلص من المرافق العامة بإعلان قرار خصخصة المشروع رقم [1115] بتاريخ 8/10/1996م.
    وفي أواخر 1999م تزامن وصول بعثة البنك الدولي ووصول بعثة منظمة الفاو لإجراء تجربة روابط مستخدمي المياه وقد تم اختيار مكتب عبد الحكم بالقسم الأوسط بتمويل منهما حيث تقوم هذه التجربة علي أساس المزارع المنتج المستقل لتحقيق خصخصة المشروع وعلي ضوء هذه التجربة ومقترحات البنك الدولي تم إعداد قانون من قبل عدد من الأكاديميين والتنفيذيين واتحاد المزارعين عرف بقانون 2005م ، وقد قدم علي عجل وتم التوقيع عليه 9/5/2005م وبهذا تحقق حلم البنك الدولي منذ لجنة رست حيث تسارعت وتيرة تنفيذ القانون بمنهجية صارمة.
    وبدأت بتشريد وتصفية كل العاملين مكانت الهيكلة التي بدأت منذ إعلان خصخصة المشروع وتواصلت حتى قانون 2005م فكانت هيكلة 1996م – 1998م – 2000م – 2003م – 2007م – 2009م حتى أصبح عدد العاملين أقل من 3%.
    كما تم تحويل وحدات المشروع الهندسة الزراعية – المخازن – المحالج – الاتصالات – السكك الحديدية كمشاركات مع فتح الباب أمام القطاع الخاص شركات أفراد مقاولين متعهدين فكانت شركة دال والتنمية الإسلامية ومركز سنار وغيرها بدلاً عن الهندسة الزراعية وشركة روينا والدرب الأخضر والأفراد بدلاً عن مؤسسة الحفريات وشركة البابونيل والتجارية الوسطي بدلاً عن إكثار البذور والمتعهدين والمقاولين بدلاً عن سكك حديد الجزيرة ومحفظة البنوك بدلاً عن وزارة المالية والبنك المركزي.
    كل هذه السياسات ساهمت في ارتفاع التكلفة ليصبح المزارع عاجزاً عن توفير مقومات الإنتاج فتدنت الإنتاجية وقل العائد. إن الإذلال والإفقار للمزارعين كان بغرض التخلص منهم بغرض الحصول علي الأرض أيعقل أن يطالب البنك المزارع ببيع حيزاً من أرضه لتسديد قيمة واحد جوال قمح؟؟.
    نعلم تماماً أن عدم توفير التمويل الكافي لمدخلات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وتقاوى وتحضير الأرض في الوقت المحدد ، الفوضي في التركيبة المحصولية والدورة الزراعية وغياب البحوث وتحويل المشروع لري بالطلمبات قلل من عدد الريات حيث أكدت كل الدراسات أن العامل الحاسم في الإنتاج هو توفير عدد الريات الكافية وتوفير مقومات الإنتاج في الوقت المحدد مسئولية من هذه؟ حتماً ليست مسئولية المزارع! إن الذين يتحدثون عن خسارة المشروع ومديونية المزارعين هم حتماً يتحدثون عن خسارة ومديونية وهمية بغرض نزع الأرض وتحويل فقراء المزارعين لعمالة بالمشروع وأطراف المدن لتحقيق هذا الحلم كان قانون 2005م لتحقيق حلم الرأسمالية الطفيلية والبنك الدولي.
    غير قانون 2005م صيغة التمويل من ضمان الإنتاج إلى ضمان الأرض بغرض الاستيلاء على الأرض وعندما فشلت كل صيغ البنوك في الحصول على الأرض باعتبار أن الأرض ملكية منفعة وليس من حق المزارع بيع جزءاً منها لهذا فتح سوق الأرض استناداً علي قانون 2005م المادة (16) والمادة (17) والتي تلزم المزارع المالك ملك منفعة بسداد قيمة الأرض حتى تسجل له الحواشة حيث يدفع المزارع صاحب 4 فدان في 5 قصادات.
    4 × 5 = 20 فدان
    20 × 400 = 8.000 قيمة أصول
    20 × 1585 = 31.700
    الجملة = 49.700
    من أين لهذا المزارع بهذا المبلغ حتماً سيجد نفسه تحت رحمة الشركات أو البنوك إما بالتنازل أو الرهن أو البيع ليجد نفسه خارج أرض الجزيرة والمناقل فالتحية لملاك الأراضي والتحية للقضاء السوداني الذي أوقف قرار لجنة توفيق أرض المشروع والتحية للجنة ملاك الأرض وهي تتابع قضيتها العادلة.
    إلا أن الهجمة على أراضي المشروع اتخذت شكلاً آخر لتكتمل هيمنة رأس المال المحلي والعالمي تم تقسيم المشروع إلى (23) وحدة إنتاجية تم توزيعها إلى 9 شركات باسم أفراد ومجموعات تنتمي لهذا النظام من قيادات الاتحاد والمؤتمر الوطني قامت هذه الشركات من أصول هذا المشروع وعلى حساب المزارعين والعاملين شركة روينا/ عمر العوض/ ياسر وعلي ... وها هي تطرح عقودات الاستيلاء علي الأرض.
    استمرت الهجمة المنظمة علي المؤسسات وممتلكات المزارعين بدءاً بمطاحن قوز كبرو ومصنع العلف ومصنع الملكية للغزل والنسيج والجمعية التعاونية للحاصدات والدكاكين في الحصاحيصا ومدني والمخازن والصيدلية بود مدني والأسهم بالبنوك ( بنك المزارع) والشركات ( شركة الأقطان) وممتلكات المزارعين والمشروع بورتسودان عدد (37) مخزن و (176) منزل بالإضافة إلى (10) منازل فخمة و(2) عمارة وسط سوق بورتسودان بالإضافة إلى المبني الرئيسي الذي يتكون من طابقين بالإضافة إلى (4) مكاتب وصيدلية وفرن وطاحونة وعدد من الدكاكين جميعها علي أرض خاصة بالمشروع.
    واستمرت وتواصلت الهجمة على سكك حديد الجزيرة التي كانت شريان لنقل كل مدخلات الإنتاج حيث بدأت الهجمة ليلاً حيث سجلت مضابط الشرطة العديد من البلاغات ( طابت – المدينة عرب – المسلمية) حتى أصبحت نهاراً جهاراً فقد كانت تعمل بكفاءة وفقاً للعمليات الفلاحية وعمليات حليج القطن.
    يبلغ طول سكك حديد الجزيرة (1200)كيلومتر تعمل بها (60) قاطرة مزودة بعدد (1848) عربة تساعدها (6) ترلي موتر وعدد (54) ترلي يد بالإضافة (20) عربة إشراف هذا بالإضافة إلى (190) محطة رئيسية وفرعية وتفتيش ونقاط دورية خلوية بالإضافة إلى (3) موتر قريدر و (5) مولدات كهرباء وآليات وأدوات مساعدة.
    جبال من الصواميل والفلنكات وآلاف الأطنان من الحديد ، أيعقل أن تباع (حديد خردة) بما فيها القطارات التي تجري علي الخطوط ولمن بيعت ولمصلحة من ؟؟ مخالفين بذلك قرار رئيس الجمهورية رقم (308) لسنة (2006) بتاريخ 20/8/2006م أن التقديرات الأولية لسكك حديد الجزيرة تزيد عن 200 مليون دولار هذا بالإضافة للكادر البشري الذي اكتسب الخبرة لقد تقدمت شركة صينية لتأهيل سكك حديد الجزيرة لتصبح ناقلاً للمحاصيل وترحيل المواطنين تمشياً مع قرار رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية.
    كيف تم هذا؟ إن سرقة ونهب وتدمير مرفق بهذا الحجم والحيوية لهو جريمة يجب محاسبة مرتكبيها حيث هنالك العديد من البلاغات.
    وتواصلت الهجمة علي مشروع الجزيرة فكانت دلالة الهندسة الزراعية التي كانت تقوم بكل عمليات تحضير الأرض ( الحرث العميق – الهرو – السراب – حفار أبو عشرين – رش المبيدات – الطراد – الزراعة) كل هذه العمليات تؤدي وفق جدول زمني وفق للمواصفات الهندسية والبحوث الزراعية. فقد تم في دلالة بيع عدد (8) حفار أبو عشرين و (58) جرار ثقيل و (50) جرار دسك و (173) جرار سراب و (170) آلة نشر السماد و (70) زراعة قمح و (20) آلة رش آفات و (5) ورش مجهزة بكل الاحتياجات ، إن جميع هذه الآليات تعمل بطاقة 70% بالإضافة إلى العربات والجرارات والآليات الملجنة وها هي المحالج تغلق أبوابها بعد أن تمت خصخصتها وهيكلتها وتحولت إلي شركة بعد أن كانت توفر فرص عمل للآلاف من العمالة الثابتة والموسمية بكل من الحصاحيصا (7) محالج والباقير (1) و (5) محالج بمارنجان.
    إن نهب وتدمير المشروع والمزارعين حيث تابعنا ملف فساد شركة الأقطان من تلاعب في أسعار الفواتير وتأسيس عشرات الشركات للأبناء والزوجات وتحويل الصفقات إلى النافذين والتنفيذيين والمحاسيب هذا بالإضافة لسجلها الحافل في قضايا السماد والمبيدات والتقاوي والتلاعب في أسعار الخيش لإذلال وإفقار إنسان الجزيرة والمناقل علماً بأن أسهم مزارعي الجزيرة والمناقل تصل إلى أكثر من 40% من أسهمها وقد أكدنا مراراً أن أرباح هذه الشركة يمكن أن تمول مشروع الجزيرة والمناقل وكل المشاريع المساهمة فيها لعشرات السنين.
    إنها قضيتنا لأننا أصحاب هذه الشركة والشركة التي قامت علي أك########ا نحن من يملك أسهم هذه الشركة لأن هذه الشركة تعمل منذ إجازة قانون 2005م لتحقيق حلم رأس المال المحلي والعالمي للحصول علي الأرض.
    فقد كانت السبب الأساسي في خروج مشروع الجزيرة والمناقل من سوق القطن عندما ربطت التمويل مقابل الأرض في عقدها المذل عن طريق البنك الزراعي موسم (2006 – 2007م) مما جعل المزارعين يرفعون شعار ( تمويل كامل أو إضراب شامل) فتقلصت المساحات سنوياً حتى وصل موسم (2010م – 2011م) أقل من (17) ألف فدان علماً بأن متوسط المساحة التي كانت تزرع قبل قانون 2005م (350) ألف فدان وأن العائد (23) مليون دولار بنسبة لا تزيد عن 1.8% من جملة العائدات الغير بترولية.
    هل يعقل أن يحدث هذا ؟؟!! أن يتم بيع أصول ومقومات الإنتاج تحت دعوى النهضة الزراعية أو النفرة الخضراء والبيضاء أو التنمية ورفع معدلات الإنتاج علماً ووفقاً لكل الدراسات والتقارير وما كتب أن هذا المشروع لا يحتاج سوى إعادة تأهيل لبنياته الأساسية بعد عطاء ثر تجاوز (80) عاماً علماً بأن كل هذه الأصول ملك لمزارعي الجزيرة والمناقل كما أن معظم المنشآت الحكومية سددت من أرباح المزارعين موسم (1949م – 1950م) وموسم (1950 – 1951م) التي كانت قيمتها (23) مليون جنيه استرليني ( ثلاثة وعشرون جنيه استرليني) للحكومة البريطانية عبارة عن:
    (1) قيمة ميناء بورتسودان.
    (2) توصيل سكك حديد إلى الخرطوم – مدني – بورتسودان.
    (3) قيمة بناء الوزارات بالخرطوم.
    (4) بناء كلية غردون.
    (5) بناء خزان سنار والقنوات والمواجير حتي نهاية المشروع.
    (6) قيمة سكك حديد الجزيرة.
    (7) قيمة المحالج والهندسة الزراعية (آليات). ( راجع كتاب آرثر جينسكل).
    كل هذا النهب والفساد والتخريب تم بيد ومشاركة مجلس إدارة مشروع الجزيرة والمناقل واتحاد المزارعين حيث عقدت الاجتماعات والورش وتم وضع الخطط والبرامج من عرق وجهد المزارعين لتنفيذ هذه الجريمة.
    لقد ظللنا نتابع مجريات قضيتنا ضد الاتحاد بعد الحكم الأول الصادر بتاريخ 4/11/2006م بقبول الطعن شكلاً وموضوعاً تقدم اتحاد المزارعين بطلب مراجعة بالرقم 36/2007م أمام المحكمة العليا والتي حكمت برفض المراجعة ايجازياً. كما تقدمنا بتاريخ 22/4/2007م بطلب لمسجل التنظيمات بوقف وتجميد نشاط اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل دورة (2006م – 2009م) ورغم قرار المحكمة الثاني استمر الاتحاد رغم انتهاء دورته منذ 2009م يكتب شهادة فناء هذا المشروع.

    السيد/ النائب الأول لرئيس الجمهورية:
    إنها نماذج مختصرة لما يتعرض له هذا المشروع من تدمير بغرض تصفية ونهب ممتلكاته والحصول علي الأرض ونعلم أن هذا يعرض نسيجه الاجتماعي للتمزيق. لقد سبق أن تقدمنا بمذكرة إلى السيد/ والي ولاية الجزيرة بتاريخ 22/6/2009م ولقد استبشرنا خيراً بتصريحات السيد/ رئيس الجمهورية خاصة بعد تقرير اللجنة الوزارية الصادر بتاريخ يوليو2009م برئاسة بروفيسور/ عبد الله عبد السلام أحمد وعضوية دكتور/ أحمد محمد آدم ودكتور/ عمر عبد الوهاب وبروفيسور/ مأمون ضو البيت إننا في تحالف المزارعين نري أن مقترحات الإصلاح التي تقدمت بها اللجنة هي المدخل الأساسي لمعالجة قضايا المشروع والتي تمثلت في الآتي:
    مقترحات الإصلاح:
    بعد أن تم استعراض النواحي التاريخية التي مر بها المشروع وتحليل الوضع الراهن وتشخيصه والظروف المحيطة به خاصة بعد البدء في تطبيق قانون مشروع الجزيرة للعام 2005م ، وما ألم بالمشروع من معوقات ومشاكل قادت إلى تفكيك وتصفية العديد من الوحدات الداعمة والمؤثرة على العملية الإنتاجية داخل المشروع ، بعد كل ذلك كان لا بد من الخروج ببعض التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تعين في الخروج من الوهدة التي يعيشها المشروع الآن:
    1. حتى يستقيم الأمر لا بد من معالجة الآثار السالبة التي نتجت عن تطبيق قانون عام 2005م وذلك بتعديل المواد التي تسببت في ذلك. أما قضية تمليك المزارعين حواشاتهم لمدة 99 عاماً التي واجهت معضلة في تنفيذها وصعوبة بالغة على أرض الواقع ، رغم علم اللجنة أن هذا الأمر ليس له تأثير كبير علي العمليات الزراعية بالمشروع وكذلك الإنتاج والإنتاجية. وقد ظل المشروع طيلة عمره الذي امتد لأكثر من 80 عاماً لم يحرم ذلك أي مزارع في التصرف في مزرعته بالإيجار أو البيع. أما جانب ملاك الأراضي تري اللجنة أن يتم فوراً رفع الإيجارة إلى قيمة مناسبة ثم النظر في كيفية معالجة الفترة الماضية.
    2. إدارة شبكة الري توكل بكاملها لوزارة الري والموارد المائية (صيانة وتشغيلاً) من خزان سنار إلى فم أبو عشرين، وعلي المزارع أن يتولي توزيع المياه داخل مزرعته بإشراف المفتش. علي إدارة المشروع مساعدة المزارعين الذين يحتاجون إلى تسوية وتسطيح أراضيهم بصورة يسهل معها توزيع المياه داخلها. وفي هذه الحالة تتولي وزارة المالية الاتحادية مسئولية تمويل وزارة الري والموارد المائية بالكامل ، مقابل رسم مناسب علي المحاصيل المروية.
    3. روابط مستخدمي المياه بالمشروع لا بد أن يتسع دورها في نطاق خدمة المزارعين بمعني أن تساعد في توفير مدخلات الإنتاج ومتابعة العمليات الزراعية على مستوى الحقل ، والتصدى للمشاكل والمعوقات التي تعترض العمل الزراعي على مستوى الحقل. أما المسئوليات التي أوكلت لها من خلال تطبيق قانون عام 2005م لا تتماشي مع امكانيات ومقدرات المزارعين وليس من سبيل أن تلعب الروابط الدور الذي يراد منها اليوم، وأثبتت التجربة الماضية الفشل الذريع الذي منيت به ، ويسند ذلك تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار.
    4. رغم أن شبكة الري الممتدة داخل المشروع هي عنصر توحيد لكافة العمل الإداري داخل المشروع أو هكذا ينبغي أن تكون ، ولكن هناك امكانية لتقصير الظل الإداري في المستقبل المنظور وذلك من خلال تقسيم المشروع إلى قسمين كل ذي شخصية اعتبارية بكافة المقومات.
    • مشروع الجزيرة (القديمة).
    • مشروع المناقل (الامتداد).
    وفي هذه الحالة يمكن أن توزع الامكانيات بين المشروعين ، وهذا يعني أن تدعم الدولة كلا المشروعين من ناحية البنيات الأساسية حتى يضطلع كل مشروع بالدور المطلوب منه. ويمكن أن يقسم بعد ذلك في المستقبل المنظور على أربعة مشاريع في حدود 500 ألف فدان لكل.
    5. إن ما يجري من دراسات لتغيير نمط الزراعة لا بأس به إن تم علي أسس علمية ولكن التجارب الخاصة بتغيير نمط الري الحالي فيما يسمي بالري الحديث (الري بالرش أو الري بالتنقيط أو الهايدروفلوم) فتري اللجنة أنه لا طائل من ورائها بل هي مضيعة للجهد والمال والوقت. عليه لا بد من بذل جهد أكبر لصيانة وتحسين إدارة شبكة الري الحالية بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ، وأن تعاد الشبكة إلى سابق سيرتها بعد تأهيلها. ونحسب أن الشبكة الحالية لو أحسنت إدارتها قادرة علي تلبية احتياجات المشروع المالية بكفاءة كبيرة وبأقل التكاليف. وهذا يدعم ما ذهبنا إليه في ثانياً أعلاه.
    6. إن خروج المحاصيل النقدية من مشروع الجزيرة Cash Crops مثل القطن (دون بديل مناسب) وفقدان السودان لأسواقه المحلية والعالمية لشيء جد خطير ينذر بمستقبل يكتنفه الغموض.
    7. إن عدم الاستمرارية أو الاستدامة في زراعة أي محصول مستوطن يعني انقطاع التقاوي الخاصة به وبالتالي خروجه تماماً من الدورة الزراعية ، وإعادته إن لم تكن مستحيلة سوف تواجهها العديد من الصعوبات والمشاكل ، وما تجربة تقاوي القمح وزهرة الشمس المستوردة وما جلبته من مشاكل وحشائش ضارة وأمراض لم يعرفها السودان من قبل ببعيدة عن الأذهان.
    8. إن النمط الزراعي بالمشروع سوف يحدث فيه تغيير كبير بعد اكتمال تعلية خزان الروصيرص. حينها سوف تتوفر المياه طيلة العام دون انقطاع مما يتيح للمشروع ادخال محاصيل معمرة وأخري ذات عائد كبير في فترة حرجة ( أبريل حتى يوليو) ، إضافة إلى المحاصيل الشتوية ذات الدخل المرتفع وفوق هذا وذاك الإنتاج الحيواني والبستاني.
    ويومها يمكن للمشروع أن يرتفع بالكثافة الزراعية إلى 300% أو نحو ذلك مما يعظم الفائدة منه علي المستوى المحلي والمستوي القومي.
    9. إن ما يشهده المشروع من تدني ولفترة ليست بالقصيرة تجعله يتجه وبسرعة إلى المجهول ليس من جانب الري وحسب بل من جوانب عديدة ليس أقلها ظهور مرض الساق الأسود وما أدراك ما هو؟ ( بعد أن غاب عن المشروع منذ ثلاثنيات القرن الماضي). إضافة إلى انتشار حشائش غريبة بالمشروع مع تكاثر شجرة المسكيت؟
    10. يتوقع أن تواجه البلاد بنقص في المياه خلال العشرين عاماً القادمة وذلك بسبب التنافس علي مياه النيل بين دول حوض النيل ، فمع ازدياد السكان سوف يزداد استهلاك دول حوض النيل من المياه بما فيها السودان، مما يتطلب وضع سياسة قومية واضحة الأهداف تترجم بواسطة استراتيجية يوفر لها المناخ الصالح حتى نتمكن من حسن إدارة وتنمية المياه بصورة متكاملة ومستدامة ويشمل ذلك حسن إدارة الري بالمشاريع الكبري وعلى رأسها مشروع الجزيرة.
    11. إذا كانت الزراعة هي المحرك الأساسي للاقتصاد القومي بالسودان ويعتمد عليها أكثر من 80% من سكانه في معاشهم فإن الدعم الحكومي للزراعة من خلال السياسات المشجعة أو التمويل اللازم أمر في غاية الأهمية. فدول الاتحاد الأوربي وضعت 49% من ميزانياتها لدعم الزراعة خلال عام 2007م ( تقدر بـ 50 مليار يورو) وكذلك الولايات المتحدة التي تدعم دعماً مباشراً 20 محصولاً يأتي علي رأسها الانتاج الحيواني (الأعلاف ) 34% ثم محصول القطن 17% وهكذا. في حين أن حكومة السودان وضعت ما لا يزيد عن 3% فقط من ميزانيتها لنفس العام والحال كذلك هذا العام أيضاً. عليه لضمان تشغيل مشروع الجزيرة بالصورة المطلوبة فلا بد أن تعمل الدولة على دعم كافة الأنشطة الزراعية بما في ذلك التسويق.
    12. إن قضية التمويل كانت وما زالت واحدة من القضايا التي ظل يدور حولها الحديث طويلاً وهناك العديد من التجارب التي لم يصادفها النجاح.
    تري اللجنة أن الأمر في غاية البساطة لو صدقت النوايا وذلك من خلال توفير التمويل بواسطة الدولة أو المصارف بالقدر الكافي في كافة أنحاء المشروع (أي نقاط) بالقرب من مواقع المزارع السكني بإجراءات مبسطة وميسرة. والتمويل متاح للذي يريده لأن عدداً مقدراً من المزارعين لديهم المقدرة علي تمويل أنفسهم. وفي هذه الحالة على إدارة المشروع أن تجد لنفسها مصادر دخل من خلال بعض الرسوم الإدارية المفروضة علي الفدان وفي أضيق حيز ، ولكن الأهم من ذلك هو تنمية مقتينات الإدارة داخل المشروع مثل ( الأراضي البستانية ، المخازن ، الإدارات الخدمية ، . .. الخ) وكان يمكن لبعض الإدارات الخدمية بعد تحويلها إلى شركات تعمل على أسس تجارية أن يكون لها عائد كبير يخفف على المزارعين عبء تكلفة الإدارة ولكن ما حدث من تصفية وبيع لتلك الإدارات كان خطأ قاتلاً. وعلي الدولة أن تبني لا أن تهدم وما جري للمشروع في السنوات الماضية كان لسوء تصرف الإدارة وللحكومة دور عظيم في حدوثه.
    13. اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل تم انتخابه علي أسس نقابية كسائر النقابات بالبلاد وعلي فرضية خدمة المزارعين والدفاع عن قضاياهم ولم يكن ذلك تفويضاً من القاعدة لتمثيلهم في مجالس الإدارات أو التحدث باسمهم في القضايا المالية والإدارية التي تحتاج إلى إعادة أسس الانتخابات التي بني عليها قيام الاتحاد الحالي. وإلى حين تغيير ذلك ينبغي أن تولي الدولة اهتماماً خاصاً بقضايا الإدارة والتمويل والتسويق نيابة عن جمهور المزارعين. وحتى قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م لم يشر إلى اتحاد المزارعين صراحة في أي من مواده أو حتى تلميحاً ، عليه لا بد من إعادة النظر في الكيفية التي يمثل بها المزارعون داخل مجلس الإدارة.
    14. إن التجارب السابقة لمقدرة اتحاد المزارعين على إدارة المؤسسات التنموية لا تبشر بخير ، مما يجعلنا نتخوف علي مصير مشروع الجزيرة ، بل التجربة القصيرة في السنوات القليلة الماضية لهي أوضح دليل علي ذلك. فهناك مشروعات عملاقة قامت باسم المزارعين كان يقود إدارتها اتحاد المزارعين فشلت واختفت تماماً من الوجود وصارت أثراً بعد عين نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر.
    • مؤسسة المزارعين التعاونية.
    • مطاحن الغلال بقوز كبرو.
    • مصنع نسيج المزارعين ( شرق ود مدني – الملكية).
    • مصنع ألبان الجزيرة
    15. إن إدارة مشروع كبير مثل مشروع الجزيرة يحتاج إلى قيادة مقتدرة وكادر ذي خبرة وتدريب. وما رشح من معلومات عن الدراسة التركية التي خلصت إلى أن حاجة المشروع للكادر البشري لا تتجاوز 328 فرداً يعد ضرباً من الترف الذهني الذي يجانب الحقيقة والواقع ، بل حتى أبسط المنطق. وإذا كان الارتكاز على روابط مستخدمي المياه هو ما قاد إلى تلك النتيجة فالأمر قد جانبه التوفيق للعديد من الأسباب والتي ورد قدر كبير منها في صلب هذا التقرير.
    16. إن تصفية وبيع بعض من أصول مشروع الجزيرة يحدث لأول مرة منذ إنشاء المشروع ، وكان من المفترض أن تؤهل لا أن تصفي لأنها العمود الفقري للنشاط الزراعي بالمشروع ، عليه توصي اللجنة بوقف تصفية وبيع أصول المشروع من منشآت ومباني وغيرها فوراً وإجراء تحقيق عن الأسباب التي أدت إلى ذلك ولماذا حدث هذا أصلاً ومن الذين تسببوا في ذلك؟
    //////////////Joomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.Com
                  

02-26-2013, 07:25 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    "الانتباهة" تستعين بوقيع الله لتشويه الفكر الجمهوري
    ضعُف الطالب .. وعزّ المطلوب!!(4-4)
    عمر القراى


    (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) صدق الله العظيم

    جهله بالتاريخ:
    كتب وقيع الله (نشأت الفرقة الجمهورية كحزب سياسي، اسمه الحزب الجمهوري الاشتراكي، في أوآخر أكتوبر من عام 1945م)( الانتباهة 23/1/2013م). ولم يخبرنا هذا (الباحث)، من أين أتى بهذه المعلومة الخاطئة، ولو لم يكن جاهلاً بالتاريخ السياسي لهذا البلد، لعلم انه كانت هنالك ثلاثة احزاب جمهورية: الحزب الجمهوري الاشتراكي، ورئيسه الأستاذ بابكر كرار – رحمه الله - والحزب الجمهوري الإسلامي، ورئيسه الاستاذ ابراهيم بدري – رحمه الله - والحزب الجمهوري، ورئيسه الاستاذ محمود محمد طه.



    يقول وقيع الله (ويذكر الأستاذ محمد عمر باشري، أن الجد الأعلى لمحمود هو الشيخ الهميم المعروف في تاريخ التصوف في السودان)(المصدر السابق). ثم ذهب يحدثنا عما ورد في كتاب "الطبقات" عن الشيخ محمد الهميم، من شطح، ومفارقة للشريعة، تحت عنوان "شطح وراثي"، يشير إلى ان افكار الاستاذ محمود، إنما هي شطح موروث عن جده الهميم. وبدلاً من ان يرجع الى وثائق الجمهوريين في هذا الأمر، التقط كتاباً ضعيفاً، معظم ما به أقاويل لا سند لها - كاتبه هو الاستاذ محجوب عمر باشري وليس محمد عمر باشري- عن الشخصيات السودانية. ولقد اعترض الجمهوريون على ما ورد في الكتاب، في وقته، ووعد كاتبه بالتصحيح. والحق أن الشيخ محمد بن عبد الصادق الركابي، المشهور بالهميم، والمدفون بالمندرة، شرق مدينة الفاو، ليس جد الأستاذ محمود!! وهل يعلم وقيع الله، ان الشيخ الهميم عاصر بدايات دولة الفونج، وهو لو كان جد الاستاذ، لكان جده العاشر أو أكثر؟! فهل يمكن ان نقبل رأي من يحدثنا، مثلاً، بأن حماقة د. محمد وقيع الله، التي اعترف بها، وأشرنا لها في المقال السابق، سببها أن جده العاشر كان أحمق؟! وإذا كانت الحماقة لا تورث فكذلك الشطح!!



    ومن الجهل بالتاريخ أيضاً، قول وقيع الله (وقد أصدر الاستعمار قانوناً يمنع عملية الخفاض الفرعوني للصبايا ويعاقب القابلة التي تجري تلك العملية بخمسة أعوام سجناً. كان محمود في الصف المعارض لمنع الخفاض. وبسبب نشراته المعارضة للخفاض، أرسل إليه مدير الشرطة البريطاني يطلبه)(المصدر السابق). إذ لم يكن الاستاذ محمود في الصف المعارض للخفاض، ولم يرسل المدير البريطاني للأستاذ محمود بسبب نشرات معارضة للخفاض.. وإنما سجن الاستاذ محمود أولاً، بسبب منشور معارض للاستعمار، ثم جاءت حادثة الخفاض لا حقاً.. فقد جاء (مثل الأستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام لا يشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات أويودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك ولكن الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن، وقد اقتيد لتوه إلى سجن كوبر "الرأي العام 3/6/1946م").


    ولقد أوضحنا من قبل للطيب مصطفى، حين اثار نفس الفرية، بأن ذلك محض كذب، ونشر ذلك التوضيح، في صحيفة أجراس الحرية، ولكن وقيع الله لا يقرأ، وحين يقرأ لا يفهم، كما سنوضح لاحقاً، فقد جاء (ولقد كذب الطيب مصطفي، حين قال إن الاستاذ محمود كان يؤيد الختان الفرعوني، فقد جاء في منشور الحزب الجمهوري، الذي كان سابقاً لثورة رفاعة "اننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني، أو نحلل الاسباب التي اوحت بها لابناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة ابتدعتها حكومة السودان ابتداعاً وتريد ان تجبرنا على اتباعها" ويمضي المنشور ليقول "إن الخفاض عادة سيئة ولها مضارها المتعددة، ولكن السودانيين كبقية الشعوب لهم عاداتهم الحسنة، وعاداتهم السيئة والعادات السيئة لا تحارب بالقوانين وإنما بالتربية والتعليم الواعي .. لا شك ان مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس، تأصل الخفاض الفرعوني، دليل قاطع على ان حكومة السودان، أما ان يكون قد رسخ في ذهنها اننا شعب تستطيع القوة وحدها ان تثنيه عن كل مبدأ، أوعقيدة أو ان تكون قد ارادت ان تقول للعالم الخارجي، أن السودانيين قوم متعنتون، وان تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ... أما القانون في حد ذاته، فهو قانون أريد به إذلال النفوس، وإهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة .. قل لي بربك أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟ وأي كريم يرضى بأن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيرته للطبيب للكشف عليهن؟! عجباً لكم ياواضعي القانون أن تستذلونا باسم القانون! أومن الرأفة بالفتاة ان تلقوا بكاسبها في السجن؟!" "منشور الخفاض- الحزب الجمهوري 1946م")(أجراس الحرية يناير 2010م).



    يقول وقيع الله (وفي أوآخر سنة 1951م خرج محمود من عزلته ليواصل نشاطه العام من جديد، وكان أول ما بدأ العمل فيه أن دعا إلى افتتاح مدرسة للحديث النبوي، وكان يتجول بنفسه لجمع التبرعات، وكان مظهره وهو خارج من عزلته يشبه مظهر علماء الحضارات القديمة وحكمائها، حيث خرج بشعر كث، ولحية وافرة، وملابس رثة، ورأس عارٍ، وطفق يلقي على الناس أحاديث غريبة، ويحاورهم بمنهج لم يستوعبوه )(الانتباهة 24/1/2013م) من أين جاء وقيع الله بهذه المعلومات؟! هل هي مشافهة سمعها من أي شخص في ونسة؟! وهل لدى وقيع الله صورة فوتغرافية حتى يصف مظهر الأستاذ؟! وأين هذه المدرسة المزعومة؟! ولماذا مدرسة للحديث النبوي؟! هذا كذب صراح، وما كان وقيع الله ليحتاج له، لو لا انه كتب عند الله كذاباً!!

    جهله بالشورى وبالديمقراطية
    يقول وقيع الله (إن محمود يتناسى - مرة ثانية - أن آية الشورى التي سميت عليها سورة كاملة في القرآن نزلت في مكة وهي الآية التي تقول عن الجماعة المسلمة المكية: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» وهي آية لم تنسخ قط لأن ما تضمنته من الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لم ينسخ قط. يضاف إلى هذا التحكم في استخدام إستراتيجية ضرب القرآن بعضه ببعض أن هذا الفهم يستبعد كل ممارسات الصحابة الرشيدة لحريتهم، من اختيار للخلفاء إلى توجيه النقد والتقويم إليهم، وإلى كل ممارسات الشورى والحسبة في مجتمع النبوة، ومجتمع الخلفاء الراشدين)(الانتباهة 29/1/2013م).


    ولو كان وقيع الله يعرف، لعرف أن الآية التي أوردها، لا تحوي حكماً، وإنما تصف حال المسلمين في مكة .. فهم يصلون، وينفقون، ويتشاورون في امورهم. والنسخ لا يقع إلا مع وجود حكمين متعارضين. ولهذا فإن آية الشورى، التي نسخت الديمقراطية، التي هي من أصول الإسلام في أمر الحكم، إنما هي قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) قد أمرت النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من يحكم المسلمين، وفق الشريعة، بأن يشاور من يشاء ممن حوله، ولكن له الحق، إذا عزم على امر، ان يتوكل على الله، ويمضيه، وإن خالف من شاورهم. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يشاور اصحابه، وكثيراً ما ينزل عند رأيهم، ولكنه يمكن ان يخالفهم، كما حدث في صلح الحديبية .. وتلك ايضاً كانت سيرة خلفائه، فقد خالف ابوبكر رضي الله عنه الناس، واصر على قتال مانعي الزكاة. فالشورى ليست ديمقراطية، وليست نظام حكم، وإنما هي آلية اتخاذ قرار. أما نظام الحكم في الشريعة الإسلامية،

    فهو نظام وصاية الفرد الرشيد على الجماعة.. وهو نظام غير ديمقراطي، لأن الخليفة فيه، يجمع في يده كل السلطات، ويمكن ان ينفذ حكمه، ولو خالفه كل الشعب!! ولئن ناسب ذلك النظام العرب، وهم يخرجون من ظلام الجاهلية في القرن السابع الميلادي، فهو لا يناسب الناس اليوم. ولهذا دعا الاستاذ محمود، لتحكيم قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، باعتباره نص دستوري، يمكن ان يشرع منه للديمقراطية، وذلك لأن رفع سيطرة الفرد لا يمكن ان يتم، إلا إذا شاركت الجماعة في حكم نفسها، وهذا لا يمكن إلا بالتمثيل النيابي، الذي تقوم عليه الديمقراطية. وليس صحيحاً أن الصحابة كانوا يختارون الخلفاء، كما قرر وقيع الله أعلاه دون علم. فلقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر للصلاة، ففهموا أنها اشارة الى تخليفه. وولى أبوبكر عمراً، قبل وفاته، وقال (وليت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا واطيعوا)، وحدد عمر ستة، وحصر الخلافة فيهم. ولم يشارك جميع المسلمين، ولا اهل الامصار في كل ذلك، وإنما يوقعون البيعة، بعد ان يحدد الخليفة وفق التوصية، وليس وفق اختيار الناس.



    ولوقيع الله إعجاب متردد بالديمقراطية، التي يمارسها الغرب، وهو لفرط جهله، يظن انه يمكن الجمع بينها وبين الشورى!! وقد سبق ان نبهنا الى ذلك التخبط، فجاء (وحين سأله المحاور بناءً على حديثه السابق "هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسوية؟" اجاب بقوله "لا أعتقد .. من جانب آخر أعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته" .. ولعله قبل ان يسجل الصحفي هذه الإجابة الواضحة التي فحواها أننا لا نحتاج لاستيراد الديمقراطية من الغرب، وإنما يجب ان نتمثل الشورى القديمة ونتفهمها، إذا بوقيع الله يفاجئه بقوله "لكن لا مانع من الاستزاده بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب خاصة الولايات المتحدة الامريكية وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقة حيّة وقوية وناضجة وشريفة"!! نحن هنا أمام جهل مزدوج جهل بالفرق بين الديمقراطية والشورى من ناحية، وجهل بتزييف الولايات المتحدة الامريكية للديمقراطية من ناحية اخرى. فوقيع الله يظن انه يمكن ان يطبق الشورى ثم يزيد عليها الديمقراطية الغربية في نفس الوقت)(الصحافة أكتوبر 2006م).

    جهله بالرأسمالية وبالشيوعية
    يقول وقيع الله (وهكذا ينسب محمود الإسلام برسالته الأولى إلى الرأسمالية، وهي نسبة غريبة بالطبع لأن نصوص الإسلام تهدر وتهدم وتحرم معظم دعائم الاقتصاد الرأسمالي، من ربا واحتكار واستعمار واستغلال للضعفاء. وكل ذلك مما لا يمكن أن يقوم النظام الرأسمالي بدونه، كما لا يمكن أن يقال إن الدولة المسلمة تقف عاجزة عن التدخل في السوق ولا تقوم بضبطه أو ترشيده عند الضرورة .....


    وطبعاً فقصة الشيوعية منسوبة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أمر لا يستحق الرد)(الانتباهة 29/1/2013م). إن النظام الرأسمالي، هو النظام الذي يبيح ملكية وسائل، ومصادر الإنتاج، للفرد، أوالافراد القلائل في صورة شركة أو شراكة. والاحتكار، والربا، والاستغلال، تتبع كنتائج للنظام الرأسمالي، ولكنها ليست التي تميزه عن غيره، وإنما تميزه الملكية الفردية التي لا تقيد. وما دام النظام الاقتصادي، وفق الشريعة الإسلامية، لا يمنع الفرد من أن يملك المزرعة، التي يعمل بها العشرات، أو المصنع الذي يعمل فيه مئات العمال من الأجراء، ولا يطالبه إلا بنسبة ضئيلة من دخله، هي مقدار الزكاة، فإنه نظام رأسمالي، وإن كان ملطفاً بالدعوة الأخلاقية للصدقة، والبر، وعدم الاحتكار. ولهذا كان في مجتمع الصحابة، أهل الصفة، الذين يسكنون المسجد، ويعيشون على ما يتصدق به عليهم الميسورون.. وفيه الاثرياء، الذين يمولون الجيش، ومنهم من كان ذهبه يكسر بالفؤوس!! أما النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يجمع المال، ولا يدخره حتى يبلغ نصاب الزكاة، وإنما كانت زكاته هي ان ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة .. وهو حين يفعل ذلك، غايته أن يشيع المال بين الجميع، فلا يكون بيد القلة دون الكثرة، ولذلك قال (كان الأشعريون إذا أملقوا أو كانوا على سفر وضعوا ما عندهم على ثوب واقتسموه بالسوية أولئك قوم هم مني وأنا منهم)، من هنا، جاء وصف الأستاذ محمود للنبي الكريم، بأنه عاش الشيوعية في قمتها، وهو ما استنكره وقيع الله، وقال عنه (... وطبعاً فقصة الشيوعية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمرلا يستحق الرد)!! فهل يظن وقيع الله ان الشيوعية تعني الماركسية، وتعني الإلحاد، ولذلك لا يمكن ان ينسب النبي صلى الله عليه وسلم إليها؟! أوما علم ان الشيوعيين ظهروا قبل الماركسية، وكانوا مجموعة من العمال، المسيحيين، الفرنسيين، الذين يعيشون في تجمعات، ويتقاسمون بينهم كل ما يملكون، وقد أعجب بهم ماركس وسمى عليهم فكرته؟!

    جهله بالقوامة وبحقوق المرأة
    يقول وقيع الله (إن القوامة المشار إليها هنا لا تعني قوامة الرجل مطلق الرجل على كل النساء، وإنما هي قوامة الرجل على زوجته، وهي قوامة في نطاق الزوجية، ولو أرادت المرأة أن تفض هذه القوامة فما عليها إلا أن تفض علاقة الزوجية فتتحرر من تلك العلاقة... إن القوامة لا تعدو أن تكون رئاسة للأسرة لا يمكن أن تعطى للزوجة، ولا أن يشترك فيها الزوجان، وإنما يتولاها الزوج وحسب)(الانتباهة 30/1/2013م). هذا مبلغ علم وقيع الله، فما هو الحق في أمر القوامة؟؟ يقول تبارك وتعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ( "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة ولذلك كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الاعظم لقوله صلى الله عليه وسلم "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري،


    وكذا منصب القضاء "وبما أنفقوا من اموالهم" أي المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم في كتابه، وسنة نبيه، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والافضال فناسب أن يكون قيماً عليها .. قال الحسن البصري: جاءت امرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو أن زوجها لطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص. فانزل الله عز وجل "الرجال قوامون على النساء" فرجعت المرأة بغير قصاص. "واللاتي تخافون نشوزهن" أي النساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على ازواجهن، والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عن المنفعة له، فمتى ظهر منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه، فان الله قد أوجب حق الزوج عليها، وطاعته وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والافضال. قوله "وأهجروهن في المضاجع" قال على بن طلحة عن ابن عباس: الهجر هو ألا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويولها ظهره. وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة: ولا يكلمها ولا يحادثها. "واضربوهن" إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم ان تضربوهن ضرباً غير مبرح)(تفسير ابن كثير – الجزء الأول ص 491-492). وسئل الشيخ ابن تيمية: (هل يجب على المرأة أن تخدم زوجها؟ قال: وقيل وهو الصواب وجوب الخدمة فإن الزوج سيدها في كتاب الله وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العاني والعبد الخدمة)(ابن تيمية: فتاوي النساء ص 265).


    ولما كانت القوامة لا تتعلق فقط بالازواج وإنما كل الرجال قوامون على كل النساء كما جاء في صريح النص فقد حرمت المرأة في الشريعة من أي دور فعال في المجتمع. يقول أبو الأعلى المودودي، زعيم الجماعة الاسلامية في باكستان - رحمه الله - ("الرجال قوامون على النساء" "النساء 34" "لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة" رواه البخاري، هذان النصان يقطعان بأن المناصب الرئيسية في الدولة رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى أو ادارة مختلف مصالح الحكومة لا تفوض الى النساء، وبناء على ذلك فإن مما يخالف النصوص الصريحة ان تنزل النساء تلك المنزلة في دستور الدولة الاسلامية أو ان يترك فيها مجال لذلك. وارتكاب تلك المخالفة لا يجوز البتة لدولة قد رضيت لنفسها التقيد بطاعة الله ورسوله)(أبو الأعلى المودودي – تدوين الدستور الاسلامي ص 57). ومن حسن التوفيق، أن أحكام الشريعة في أمر المرأة ليست كلمة الدين الاخيرة، وان بعث الاسلام يقتضي تطويرها، على نحو ما جاء في كتاب تطوير شريعة الاحوال الشخصية، للاستاذ محمود محمد طه، فليراجعه القارئ الكريم.


    أما بعد، فإن وقيع الله رجل جاهل، من أي النواحي اتيته .. فهو جاهل بالتاريخ، وجاهل بالشريعة التي يدعي الدفاع عنها، ويفترض ان يكون قد درسها بالجامعة الإسلامية، وجاهل بالمفاهيم الحديثة، كحقوق المرأة، والديمقراطية، والشيوعية .. وفوق ذلك، لا يتحلى بأي قيمة أخلاقية، ويكذب كما يتنفس!! ولو كان الأمر يتعلق به، ما استحق أن تهرق قطرة من مداد في الرد عليه. ولكننا قصدنا تصحيح التشويه، الذي ربما يكون قد أثر على بعض القراء الصادقين، الذين ما كان ليخطر ببالهم مبلغ الكذب والتحريف، الذي قد يتورط فيه وقيع الله. ولقد علق بعض القراء، بأن هدف وقيع الله، والطيب مصطفى، من هذه المقالات- وقد نجحا فيه- هو صرفنا عن النقد السياسي لحكومتهم، بالدخول معهم في جدل غير متكافئ، ولا ينتهي، لأنهم يكررون نفس اقاويلهم، ولا يعبأون بالردود.. وإني إذ اتفق مع أولئك القراء في ملاحظتهم الذكية، لا اوافقهم على نجاح وقيع الله والطيب مصطفى، في صرفنا عن نقد حكومتهم ..

    بل إننا بكشف مستوى ضحالة وقيع الله، إنما نؤكد ذلك النقد. فلو لا ان الحكومة فاشلة، وسيئة، وعاجزة، لما تقرب اليها أمثال وقيع الله وتسقطوا رضاها.. ولو لا ان الانتباهة صحيفة متهافتة، وبعيدة عن المهنية، لما نشرت له، وجل ما يكتب دون مستوى النشر. ورغم علمنا بعدم حياد الاخوان المسلمين، حمل الأخ علاء بشير، ردنا على وقيع الله الى المسؤولين في صحيفة الانتباهة، وقابل مدير التحرير، وطلب منه نشره عملاً بالعرف الصحفي المعروف بالحق في التعقيب.. ولكنه رفض ذلك، وتعذر بما يظهر ضآلة قامته، بإزاء حرية الصحافة. ولعل هذا الموقف، قد أوضح مفارقة هذه الجماعة، وكتابها، وصحفها، وحكومتها، بأبلغ مما فعلت هذه المقالات.
                  

02-28-2013, 11:16 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الفجر الأسلامى .. وحديث النظام الخائب أخيرا عن حلائب!
    بريد إلكتروني [email protected]
    تاج السر حسين

    الفجر الأسلامى .. وحديث النظام الخائب أخيرا عن حلائب!



    قلنا من قبل بأن كل من يقحم الاسلام فى فعل سياسى أو عمل دنيوى لا علاقة له بالدين لا يعدو أكثر من منافق متنطع أو أرزقى مأجور متاجر بأسم ذلك الدين ومسئ له أكثر من خصومه، حيث لا شئ اسمه بنك اسلامى وبنك كافر .. وأتوبيسات اسلاميه تصلى وتحج وتصوم وأتوبيسات كافره أو ليبراليه وعلمانية .. وهذا ينطبق على مجموعة الأرزقية الذين خرجوا معلنين عن شئ اسمه (الفجر الأسلامى) كرد فعل على ميثاق (الفجر الجديد) الذى وقعت عليه العديد من القوى السودانية فى (كمبالا) والذى يحتوى على العديد من الجوانب الأيجابية ويرسم شكلا جيدا للدوله السودانية وحلا لمشكلة كيف يحكم السودان لا من يحكم السودان، بالطبع يمكن أن يراجع وأن يعدل وأن يضاف اليه ما يجعله أكثر قوة وأكثر استجابة لطموحات شعب السودان بكافة تفاصيله ومعتقداته وثقافاته،

    وبذلك يكون أنسانيا وأخلاقيا أكثر من (الفجر) المضروب الذى قيل أنه أسلامى وذكر فيه اسم الأسلام مواصلة فى تضليل الأميين وباقى أفراد الشعب البسطاء .. ولو كان للذين اعلنوه أدنى علاقة بالأسلام ، لسمعنا بدلا عنه على لسان أحدهم مثلما قال الصحابى (لعمر بن الخطاب) لا (عمر البشير) ، حينما لاحظ له يرتدى جلبابا طويلا وبدأ خطبته (بأسمعوا وأطيعوا) فقال له : (والله لن نسمع ولن نطيع حتى نعرف من أين أتيت بهذا الجلباب الطويل)؟


    وبدلا من تأسيسهم لذلك (التنظيم) المأجور لقالوا (للبشير) وزمرته الفاسدة والله لن نهلل خلفكم ولن نكبر معكم مرة أخرى، الا بعد أن تعتذروا وتعلنوا توبتكم وتزرفوا دموع الندم وتستغفروا عن جرائمكم ومخاذيكم فى حق شعب السودان وتسببكم فى أن تأكل العديد من حرائر السودان من اثداهن وفى عدم قدرة (ملجأ) المايقوما لأستيعاب المزيد من (اللقطاء) عيال الله، فى الخرطوم دعك من باقى جهات السودان.
    لم يكن مستغرب من (الأسلاموييين) تجار الدين مثل ذلك الفعل (الخائب) فهذا هو سلوكهم وتلك اخلاقياتهم فى أى مكان (فالمنهج) واحد.
    فكما حدث فى السودان حيث ظل نظام (الأخوان المسلمين) تجارالدين يعمل على تقسيم كآفة الأحزاب والحركات السودانيه، فالأمه جعلوا منه 4 أفرع والأتحادى 5 والعدل والمساواة 3 والحركه الشعبيه 2، كذلك فعل نفس الشئ رفاقهم اخوان مصر، ولكى يضعفوا (جبهة الأنقاذ الوطنى) سرعان ما استعانوا بالأرزقيه والمأجورين واصحاب المصالح الشخصيه مؤسسين من خلالهم ما سمى (بجبهة الضمير الوطنى) ، والغرض من كل ذلك التشويش على الجماهير البسيطة لكى لا تستطيع التمييز بين جبهة تعمل أجل انقاذ وطنها وجبهة أخرى بلا ضمير تدعى انها جبهة (ضمير).

    الشاهد فى الأمر ان تلك المجموعة التى أعلنت عن تأسيس ما سمى (بالفجر الأسلامى) بالأضافة الى متاجرتها بالدين فهى مثل (غراب) ينعق خارج السرب ولا تدرك مشاكل الوطن والمخاطر التى تهدده، وأما ان يصبح سودانا موحد يحكم على نحو يرضى تطلعات كآفة أفراد شعبه أو أن يشهد المزيد من التمزق والتفتت وربما انفصالات أخرى، تجعل منه عدة دويلات بناء على رغبة جماعة (طالبان) السودان ومتطرفى (بوكو ) حرام (الأتقاذ) أعداء التطور الحتمى الذين لا زالوا يعيشون فى كهوف ومغارات عمرها أكثر من 1400 سنة، وبعد أن تقع الفاس فى الراس يبدأون فى (الولولة) والحديث عن مؤامرات خارجيه ودور أمريكا واسرائيل، مع أن الحل سهل وبسيط وهو تأسيس دوله سودانية ديمقراطية حديثه تقوم على مبدأ المواطنه المتساوية التى لا تميز السودانيين بسبب دينهم أو جنسهم أو عرقهم أو ثقفاتهم، كما يدعو ميثاق (الفجر الجديد) وكما ظل يدعو من قبل شرفاء السودان واحراره الذين لم يتاجروا بجراحات الوطن وأزماته من اجل تحقيق مصالح شخصية وامتلاك المبانى الشاهقه والسيارات الفارهه ونكاح مثنى وثلاث من النساء وتخزين الأموال فى بنوك الداخل والخارج.

    أما بخصوص التصريحات غير الجاده اوالخجوله التى اطلقها أخيرا النظام الخائب عن حلائب، بعد صمت طويل خلال فترة حكم (مبارك) وبعد أن تولى الأخوان السلطه فى مصر فسببه، ليس شعورا منهم بسودانيية حلائب التى باعوها بعد مشاركتهم فى محاولة أغتيال مبارك فى أديس اباتبا عام 1995، وأنما لأنهم ظنوا بأن اخوان مصر سوف يكونوا اقرب اليهم من أى جهة سودانية ولن يأتمروا بأمر امريكا، فاذا بهم يفاجئوا بالنظام المصرى يلتقى بأحد قادة حركة العدل والمساواة (الاصلية) لا التى يصنعها النظام، اضافة الى ذلك فقد واجه النظام وسفارته فى القاهره بمواقف وتظاهرات وتدوات (عرتهم) لم تكن متاحه على ذلك القدر خلال فترة (مبارك) ولم يقدم على المشاركه فيها الا نفر قليل من شرفاء السودان.


    أضافة الذى ذلك فعلينا الا ننسى بأن قرار اغلاق الأنفاق بين مصر وغزة، التى كان يهرب من خلالها السلاح، من السودان أو عبره القادم من ايران، قد حرم النظام من سيوله ماديه ضخمه لا يعرف حجمها بالضبط وأن عرفت الجهة التى توفرها وتقف خلفها.
    فى نهاية الأمر لا فرق بين جماعة الفجر الأسلامى وهذا النظام الخائب الذى كلما أختلف مع النظام المصرى تحدث عن حلائب من وراء حجاب أو نقاب أو خمار أى على طريقة حديث نساء السودان فى زمن سابق مع الرجل الغريب، خلف باب مواراه.

    مسك الختام:
    • اوباما .. يوصى مرسى بنساء مصر وبأقباطها خيرا!!
    • اقتراح على طريقة (الأأنقاذيين) لماذا لا يفكر السيدان (الصادق المهدى) و(الميرغنى) الغاء حزبيهما وتاسيس حزب جديد يسمونه (المؤتمر الوطنى - جناح السلام)؟
    تاج السر حسين – [email protected]
                  

03-01-2013, 10:13 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    مَا بَالُ هذا المُجْتَرِئ علَى أَشْراطِ العَوْلَمَة ..!
    (فِي مَدْحِ الجُّنُونِ بِمَا يُشْبِهُ ذَمِّهِ) ..

    بقلم/ كمال الجزولي
    الخميس, 28 شباط/فبراير 2013 19:30


    إن جاز لنا استخدام مصطلحات الهندسة، لقلنا إننا نخطئ حين لا نحفل في تحليلاتنا وتكوين وجهات نظرنا، إلا بمداخل الزَّوايا "المنفرجة" للقضايا، مع أن الزوايا "الحادَّة" التي تتمثَّل، عادة، في مواقف تقدح زناد الأسوة الحسنة، قد تكون، في أحيان كثيرة، أجلَّ أثراً، وأكبرَ خطراً، مما يستوجب التَّنويه بها كأفضل مداخل لهموم مجتمعاتنا. ومن أكثر القضايا إثارة، الآن، لاهتمام الصَّحافة والرأي العام السُّودانيين، قضيَّة "مستشفى ابن عوف" التي عادت للانفجار، بعد إن عكست، قبل زهاء العقد، نموذجاً معياريَّاً لموقف المثقَّف المهني في السُّودان، وفي كلِّ البلدان الفقيرة، تعالياً على الأثرة، ومغالبة لشحِّ النَّفس، وبذلاً لأجل الشَّعب والوطن بلا منٍّ ولا أذى. وإذ نعود لما كتبنا وكتب الكثيرون عنه، أوان ذاك، فإنما يدفعنا "جزاء سنمار" الذي يتعَّرض له، هذه الأيَّام، للأسف.


    (1)
    لم أتشرَّف بمعرفته شخصيَّاً، بل لم أرَه في حياتي، وحتى عندما تناقل الإعلام، عام 2002م، أن رئيس الجُّمهوريَّة منحه أرفع الأوسمة، وأمر بإطلاق اسمه على المستشفى "الحكومي" الوحيد المخصَّص للأطفال، لم أصدِّق، ردحاً طويلاً من الزَّمن، أنه، للغرابة، سلخ سنوات عزيزة من عمره في تشييده، كما أن وسواساً سياسيَّاً حالَ، أصلاً، دون أن أعير الأمر كبير اهتمام لكثرة ما مُنِحَتْ أوسمة، وأطلِقتْ أسماء!
    مع ذلك، ورغم أن أمره لم يستوقفني، البتة، إلا عندما تفجَّرت حكاية إبعاده الغريبة عن مستشفاه، مطلع سبتمبر 2004م، فإنني، بعد أن توفَّر لديَّ من سيرته ما استيقنت من صحَّته، أجزم بأنه يستحقُّ كلَّ ما جرى ويجري له، جزاء أصوليَّته المهنيَّة القاسية، ومسطرته الأخلاقيَّة الصَّارمة، الكفيلة بإحراجنا، نحن معاشر المثقَّفين المهنيين "الوطنيين"، وإدخالنا في أظافرنا من الكسوف! ودرءاً لشبهة المغالاة في هذا القول، أدعوكم لأن تسمعوا قصَّته، وتحكموا بأنفسكم.


    تخرَّج الرَّجل بدرجة الامتياز في كليَّة الطب بجامعة الخرطوم، منتصف ستِّينات القرن المنصرم، وما أدراك ما تلك السِّتِّينات، بل ما أدراك ما خريجو جامعة الخرطوم، وقتها، وما خريجو كلية طبِّها بالذات، مِمَّن كنَّا قلنا في مناسبة سبقت إنهم، لشدَّة تميُّزهم، كان اسم مهنتهم يُطلق على الثِّياب النِّسائيَّة تنعُّماً: "ضُلع الدَّكاترة"، وعلى الشَّاي الجَّيِّد تحبُّباً: "دم الدكاترة"، ولا يتمُّ لمغنِّية تطريب إلا بالثَّناء، جهرة، عليهم: "الدكاترة ولادة الهنا"!


    لكنه بدلاً من أن يسلك الطريق "القويم" لأي طبيب يريد أن يتخصَّص في بريطانيا، مثلاً، فيكبِّد الدَّولة نفقاته، فعل ذلك على نفقة أهله .. فتأمَّلوا! والأنكى أنه، ما كاد يفرغ من التخصُّص في طبِّ الأطفال، حتى حزم حقائبه، راكلاً "الفرصة" التي أتيحت له، باكراً، بالعمل هناك، وعاد، منذ أوائل السَّبعينات، إلى بلده الذي سار وصفه، على ألسنة كثير من متعلميه، بـ "الحفرة"، تضجُّراً! وعندما سأله "العقلاء" عن سبب تلك "الحماقة"، أجاب ببساطة: حبُّ الوطن، والتَّشوق لعلاج أطفاله، وتدريب كوادره الطبِّيَّة الشَّابَّة! وحقاً .. الجُّنون فنون، ومن الحبِّ ما قتل!


    تعب، بطبيعة الحال، تعباً شديداً كي لا ينقطع عن التَّرقي، مع "كدح الحبِّ" هذا، في مدارج العلم، طوال العقود الأربعة الماضية، حتى نال زمالة الكليَّتين الملكيَّتين البريطانيَّتين للباطنيَّة، ولطبِّ الأطفال. وتخيَّلوا .. لو لم يكن هذا الطاؤوس العالمثالثي المُفتري قد "تهوَّر"، ورفض ما عرضه عليه، قبل أكثر من أربعين سنة، أبناء "السَّلف الصَّالح"، حسب ما كان ربائب الاستعمار يطلقون على الإدارة البريطانيَّة، لكان الآن، على الأقل، مستشاراً بوزارة صحَّتهم! وفكروا بأنفسكم ماذا تعني، في هذا الزَّمن الأغبر، وظيفة المستشار بوزارة الصِّحَّة البريطانيَّة!


    وليت الأمر وقف عند ذلك الحد! فلكأنه كشَّاف مسلط على حال الإنتلجينسيا في هذه المنطقة من العالم، إذا به، بدل أن ينصـرف لتأسـيس مستشـفاه الخاص، مثله مثل سـائر مـن حـباهم الله بسطة الرِّزق في بلادنا الفقيرة، ولو كان فعل لما جرؤ أحـد على سؤاله عن ثلث الثلاثة، فإنه جعل هاجسه الأوَّل والأخير، منذ عودته، ليس فقط أن يشيِّد للأطفال، بماله الخاص وعرق جبينه الشخصي، مستشفى "حكوميَّاً!" على أرض يملكها هو، ويقدَّر ثمنها بالمليارات، بل وأن ينتزع لهـم فيه حـقَّ العـلاج المجَّـاني .. كمان! فهل، بربِّكم، هذا كلام؟! هل من العقل أن يحفر إنسان في الصَّخر، بأظافره العارية، لأجل أن يوفِّر العلاج المجانيَّ لأطفال فقراء السُّودان، غير عابئ لا بهيبة البنك الدَّولي، ولا بوصفات صندوق النَّقد الدَّولي، ولا بشروط منظمَّة التِّجارة العالميَّة، ودون أن يعمل أدنى حساب لـ "وكلاء" هذه المؤسَّسات في مفاصل الدَّولة، مِمَّن لا تروقهم، في العادة، مثل هذه التَّصرُّفات؟! أفما كان خليقاً به، لو كان لديه ناصح مخلص أمين، أن يكتفي بالمشي جنب الحائط، يعيش حياته في هدوء، ويربِّي عياله في صمت، وينأى بنفسه عن مواطن "الشُّبُّهات"، ويبعد، عموماً، عن الشَّرِّ ويغنِّى له! لكن لمن تقول، والمقتولة لا تسمع الصَّائحة؟!

    (2)
    حجبوا عنه المُعينات، ووقفوا يتفرَّجون، واثقين من أن "الفشل" حليفه الوحيد، ومآله الحتمي، مهما عافر أو دافر! لكنه مضى، بعناد عجيب، يستثمر علاقاته الدَّاخليَّة والخارجيَّة، كفارس أسطوري طالع من قلب أحجيَّة سحيقة! ولو كان لدى أولئك عُشر معشار علاقاته تلك "لأحسنوا" استثمارها في ما "يفيد" و"يجدي"! سوى أن هذا العاشق المجنون "بدَّدها" كلها في جلب المال ليصرفه على مشروع "حكومي!"، فضلاً عما صرف من جيبه، ومن جيوب أهله، وأصدقائه، بل وطال مهرجان الإنفاق هذا حتَّى مرتَّبه الشَّهري على مدى سنوات طوال .. فتخيَّلوا! أليس هذا هو "الغاوي" الذي "ينقِّط" بطاقيَّته، كما في المثل الشَّعبي؟!


    وكل هذا كوم، وحكاية شغله اليدوي كوم آخر! فليس نادراً ما كان زملاؤه وتلاميذه وأصدقاؤه "يضبطونه" منغمساً في أعمال البناء بيديه، وفى أعمال النِّجارة بيديه، وفى أعمال الحِّدادة بيديه، فيُحرجون، ويُضطرَّون للتَّشمير عن أكمامهم لمعاونته! طبيب .. اختصاصي، يعمل عمل البنَّائين والعتَّالين وعمَّال اليوميَّة، لا لبناء بيته الخاص حتى، وإنما لبناء مؤسَّسة "حكوميَّة"؟! بالله عليكم إن لم يكن هذا هو "الجُّنون" بعينه، فما يكون "الجُّنون" إذن؟!

    (3)
    عام 2002م نظر سدنة سياسات "التَّحرير الاقتصادي"، فأصابتهم الرَّعدة لمَّا رأوا مستشفى "حكوميَّاً" للأطفال يتخلـق بسعة ستُّمائة سرير، رغم كلِّ العوائق التي وضعوها في طريقه، ورأوا المسئول عنه ما زال راكباً رأسه، يصرُّ على مجانيَّة خدماته في كلِّ مراحلها، ابتداءً من الكشف، وحتى صرف الدَّواء نفسه!
    ساعتها كان لا بدَّ من عمل حاسم يوقف تلك "المهزلة"! فاستصدروا قراراً بنقله للعمل بموقع آخر قبل أيَّام من حفل الافتتاح! لكنهم سرعان ما تبيَّنوا، على ما يبدو، أن تنفيذ ذلك القرار كان غير ممكن عمليَّاً، بعد أن وافق رئيس الجُّمهوريَّة، بالفعل، على تشريف الحفل! ثم أصبح التَّنفيذ مستحيلاً تماماً بعد أن أمر الرَّئيس بتقليد الرَّجل وساماً رفيعاً، بل وتسمية الصَّرح "الحكومي" نفسه باسمه! ورغم الغموض الذي يحيط بتلك الواقعة، إلا أنها اقتضتهم، على أية حال، الانحناء أمام العاصفة ريثما تمر، ليعودوا بعد عامين، ويسلموه، مع نهاية أغسطس 2004م، قرار عزله من إدارة مستشفى بناه بيديه، ويحمل .. اسمه!

    (4)
    إدخال العِصِي في الدَّواليب لم يتوقف، قط، لا خلال ذينك العامين، ولا بعدهما. فكله إلا مجانيَّة العلاج! هل "العولمة" هذر؟! وهل منظمة التِّجارة العالميَّة لعب؟! وهل لأولئك "الأفنديّة" عمل غير التأكُّد من استيفاء شروط هذه المنظمة، وأهمِّها أن تنفض الدَّولة يدها، نهائيَّاً، من أيِّ نشاط إنتاجي أو خدمي، بما في ذلك الصَّحَّة، وأن تفكَّ أيَّ قيد عن "سياسة التَّحرير"، ما يعنى إطلاق مارد "اقتصاد السُّوق" من عقاله، مدعوماً بأحابيل "التكيُّف الهيكلي"، و"الانكماش الاقتصادي"، وما إلى ذلك من وصفات البنك والصُّندوق والمنظمة، أو قل "الغول" الجَّديد الذي يراد له أن يلتهم الدَّولة الوطنيَّة، ويحلَّ محلها، ويقوم مقامها؟! ويللا .. بَلا أطفال بَلا لمَّة!


    تلك هي العناوين الرَّئيسة لاستراتيجيَّة الرَّأسمالية العالميَّة لما بعد الحرب الباردة؛ فمَن يسمح، إذن، بأن ينكث غزلها طبيب حالم لم يجد نفسه محتاجاً لأن يكون شيوعيَّاً، أو اشتراكيَّاً، أو حتى إسلاميَّاً مِمَّن يؤمنون بأن العدالة الاجتماعيَّة هي جوهر هذا الدِّين الثَّوري، كي يأنس في نفسه الكفاءة للمنافحة عن مجَّانيَّة العلاج؟! لقد أخضع السُّودان لهذه الوصفات حتى تدحرج حجم إنفاقه الحكومي على قطاع الصَّحَّة إلى ما لا يتجاوز 0,08% من إجمالي ناتجه القومى خلال السنوات 1998م ـ 2000م، أي في وقت إطلاق مشروع المستشفى (تقرير الحكومة البريطانيَّة عن الأوضاع في السُّودان لسنة 2001م ، ص 83)؛ أمَّا في الميزانيَّة الحاليَّة فقد فاق الصَّرف على الأمن والدِّفاع والقطاع السَّيادي ميزانية الصَّحَّة والتَّعليم، مجتمعين، بأكثر من 1000% (!) أفلا يعنى ذلك أن الرَّجل يَسبَح عكس التَّيَّار؟! ألم أقل لكم إنه يستحقُّ، برأسه النَّاشف هذا، كلَّ ما جرى له .. وأكثر؟!


    لم تُصدِّق وزارة الماليَّة للمستشفى، إلا عام 2004م، بالميزانيَّة المطلوبة للتشغيل منذ عام 2002م، والتي لم تتجاوز مبلغ 462 مليون جنيه "حوالي 180 ألف دولار فقط، وقتها"! وقد قيِّد التَّصديق بأقساط متباعدة، بعد أن "انقضم" منه مبلغ 62 مليون جنيه،بلا منطق واضح، وبعد أن حفيت قدما الرَّجل في السَّعي بين الإدارات والأقسام (الرأي العـام؛ 3 نوفمبر 2004م). أمَّا الطاقم الذي كان طلبه لقسم العناية المكثَّفة فلم يُبتَّ في شأنه (المصدر)؛ وأمَّا الاختصاصي الذي كان طلبه لقسم حديثي الولادة فلم يتم تعيينه إلا يوم إعفائه (المصدر)؛ وأما السيسترات البالغ عددهن 65، واللاتي تم تعيينهن بشقِّ الأنفس، بعد مماطلات طويلة، وبعد أن دفع الرَّجل مبلغ 5 مليون جنيه من جيبه الخاص كحوافز ومصروفات للجنة المعاينة، وأحضر بنفسه خياطاً خصَّص له غرفة مجاورة للجنة، لإعداد الزِّي الرَّسمي فوراً لمن يقع عليها الاختيار، فقد سُحبن "بطريقة غريبة"، بعد مرور أقلِّ من أسبوع على تعيينهن (المصدر). ولم يستطع لا وزير الصَّحَّة ولا وزير الماليَّة مواجهة تلك الحقائق الصَّريحة، أو إعطاء تفسير مقنع لتلك التَّصرُّفات المريبة!

    (5)
    حكاية "مستشفى جعفر بن عوف" حكاية جدَّ عجيبة، فقد ظلَّ، منذ افتتاحه عام 2002م، يمثِّل جزيرة العلاج المجَّاني الوحيدة في قلب محيط هادر من الخصخصة والخدمات الصِّحِّيَّة مدفوعة الأجر! وكان، قبل إقالة مؤسِّسه وبانيه د. جعفر بن عوف من إدارته عام 2004م، يضمُّ 16 تخصُّصاً، مع كلِّ المعينات التَّشخيصيَّة والمعمليَّة والعلاجيَّة، ومخزناً للأدوية المجَّانيَّة التي تكفي لمدَّة عام، وخمساً وستِّين حاضنة أطفال، وستَّ غرف عمليَّات، ووحدتين للتَّكييف والأوكسجين المركزيين، وثلاثة مصاعد عاملة "لم يبق منها غير واحد"؛ وقد أسهم في تخفيض نسبة وفياَّت الأطفال من 30% إلى أقلِّ من 1%.


    مع ذلك انقلبت وزارة الصَّحَّة الولائيَّة، خلال الأيَّام الماضية، تخليه من الأطفال المرضى، وسط صراخهم، وعويل ذويهم، وتُعمل معاولها فيه هدماً، بحجج واهية يصعب هضمها! فحتى لو صدَّقنا، جدلاً، حجَّتها في أن نقل الخدمات الطبِّيَّة إلى الأطراف هدفه الوصول إلى المواطنين في أماكن سكنهم، أفما كان الأكثر عدالة، إذن، الإبقاء على هذه الخدمات وسط العاصمة على مسافة واحدة من جميع هؤلاء المواطنين، طالما أن الحكومة عاجزة عن تشييد ما يكفي من المرافق الخدميَّة الطبِّيَّة قريباً من أماكن سكنهم؟! ثم ما هي حجَّتها في الرَّبط بين نقل الخدمات الطبِّيَّة إلى أماكن سكن المواطنين وبين إلغاء مجانية العلاج التي كان يوفرها مستشفى ابن عوف؟! بل ما هي حجَّتها في استثناء المستشفيات "الخاصة" من هذا النقل، والإبقاء عليها وحدها في وسط العاصمة، بما في ذلك مستشفى السَّيِّد وزير الصَّحَّة نفسه؟!
    د. ابن عوف يمثِّل، قولاً واحداً، النَّموذج الفريد الذي يصعد، عن جدارة، إلى مستوى الهمِّ "العام"، فيسـتحقُّ، في زمن العقلاء القتلة هذا، أن نخلع "عمائمنا" تبجيلاً .. لجنونه النَّبيل!


    ------------------

    سباق "المواثيق".. ضوء في آخر النفق ..

    بقلم: خالد التيجاني النور
    الخميس, 28 شباط/فبراير 2013 19:33

    [email protected]

    حكى سياسي ضليع أن ممثلي "الإسلاميين" في قيادة الجبهة الوطنية السودانية المعارضة لنظام نميري منتصف السبعينيات كانوا يجهدون أنفسهم في إحكام صياغة مواثيق مغلظة تؤكد على الوجهة الإسلامية وتطبيق أحكام الشريعة في نظام الحكم الذي كانت تحالف المعارضة ينوي إقامته عند نجاح مساعيه لإسقاط نظام النميري، وكان زعيماً بارزاً في الجبهة الوطنية يسارع دائماً على التوقيع على أي ميثاق يتضمن النصوص أعلاه دون تردد، ولما كان زملاؤه المقربون يحتجون على صنيعه وينعون عليه الخضوع لأجندة "الإسلاميين"، كان يرد عليهم قائلاً دعونا من ذلك فهو مجرد حبر على ورق، هل تظنون أن أحداً سيحفل بما هو منصوص فيها عندما نحقق غرضنا، دعونا ننجز مهمتنا الأساسية أولاً إسقاط النظام، وبعدها لكل حادثة حديث.


    تكشف تلك القصة الواقعية عن مثال نموذجي للعقلية الانتهازية التي اتسم بها غالب ممارسات الطبقة السياسية السودانية التي عرقلت نشوء مشروع وطني راكز وأصابته في مقتل بغلبة التكتيكي على الاستراتيجي في نهج ممارستها للعمل السياسي، ولذلك تجدها مولعة بإبرام المواثيق والعهود لتحقيق أغراض مرحلية محددة في أوقات وظروف سياسية بعينها، لكنها لم تثبت أبداً أنها كانت جدية في إلتزامها بما تتعهد به من اتفاقات.
    ولذلك لا يبدو مستغرباً في العرف السائد وليس فريداً ولا نسيج وحده ممارسة الاستهانة بالعهود والمواثيق والتمادي في نقضها، في نعي شهير لمولانا أبيل ألير لهذا المسلك، وهو داء قديم متمكن من عقلية الطبقة السياسية السودانية، لا يكاد ينجو منه أحد منذ بواكير انشغالها بالصراع على السلطة بلا رصيد من أجندة مصالح وطنية عليا تتسامى فوق المصالح الحزبية الضيقة.


    وما تقسيم السودان بعد نحو ستة عقود من الاستقلال إلا إحدى الثمرات المرة لأول تنكر للطبقة السياسية لعهدها للجنوبيين عشية الاستقلال بتحقيق مطلبهم المًلح بالفدرالية، التي كان قصر النظر السياسي وغياب الرؤية المبصرة يصورها حينها كفراً بواحاً وسبيلاً سالكاً للانفصال، وهو ما تحقق فعلاً في عهد الحكم الحالي الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري بزعم عريض, الحفاظ على وحدة البلاد في وجه تمرد زاحف أواخر الثمانينيات فإذا هو يسلم بتقسيم البلاد على مائدة التفاوض في نصر بلا حرب لدعاة الوطنية الجنوبية وضغوط الانفصاليين الشماليين، وليحقق "النظام الإسلامي" الحاكم بنفسه "المؤامرة" التي كان يتهم الاستعمار والغرب بتدبيرها لفصل الجنوب وتفتيت وحدة البلاد. وهو ما يقود لسؤال بدهي طالما أن قادة الحكم مقتنعون بهذا الاتهام الذي لا يزالون يرددونه في المنابر العامة، فلماذا إذن رضوا بأن يكونوا هم أنفسهم أداة تنفيذ المؤامرة المزعومة؟!


    وما كانت الانقلابات العسكرية في ظاهرها، المدنية الحزبية في جوهرها لأول أمرها، التي تحكمت في البلاد لنحو خمس عقود وعرقلت استقرارها ونهوضها، إلا ثمرة أخرى لتنكر بعض النخب السياسية لعهود دستورية تواثقوا عليها لتأسيس نظام ديمقراطي يكفل الحرية والتبادل السلمي للحكم، ولكن استعجالها للوصول إلى السلطة أو لمجرد السعي لتصفية حسابات بسبب صراعات مريرة قادها للتنكر لتعهداتها لتتحول لاحقاً هي نفسها إلى ضحية لتآمرها وبأيدي من قادتهم إلى السلطة بليل.


    وهكذا جرى توقيع العديد من المواثيق بين الأطراف السياسية السودانية، التي يؤكد التنكُّر لها في كل مرة سوء الظن في رشد النخبة السياسية، كان من أشهرها ميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي تواثقت عليه القوى السياسية عقب انتفاضة أبريل لمنع عودة الحكم العسكري بعد التجربة المريرة لنظامي عبود ونميري، وفي ظل صمت لم يخلو من تواطؤ وشماتة بعض دعاة الديمقراطية اليوم تمكن النظام العسكري الثالث من مفاصل السلطة ليلبث فيها إلى يوم الناس هذا.


    وجاء ميثاق أسمرا في أعقاب مؤتمر القضايا المصيرية منتصف تسعينيات القرن الماضي جامعاً قوى المعارضة الرئيسية في مواجهة الحكم الإنقاذي، وما لبث إلا قليلاً حتى تسللت قواه الرئيسية لواذاً متحللة من عهودها لبعضه البعض، لتنخرط في مفاوضات جزئية مع "المؤتمر الوطني" لتنجب العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تفاوتت حظوظ موقعيها في الاغتراف من كعكة السلطة والثروة، ولكن قادت كلها في نهاية الأمر إلى نتيجة واحدة إضفاء المزيد من التعقيد على الأزمة الوطنية التي تفاقمت في عصر ما بعد التقسيم، التي تنذر بالمزيد من التشرذم والتمزق في بلد لا تنقصه الأزمات المستفحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
    أما الحكم الإنقاذي فقد فات "الكبار والقدرو" في تفننه في إبرام المواثيق والاتفاقات مع معارضيه، والتي لا تعني له إلا وسيلة لـ "يقطع بها فَرَقة"، ثم السعي من أول يوم في التفلُّت من التزاماتها في لهاث لا ينتهي من أجل الاحتفاظ بالسلطة وبأي ثمن، لا يحمل هماً ولا يعبأ بالتبعات على الوطن، حتى إنه يستحق بجدارة الدخول في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بكثرة الاتفاقيات السياسية الموقعة في حالة إدمان تفاوض مستدام لم يسبقه عليها أحد من العالمين.


    بهذه الخلفية التي تثبت خلو الذاكرة والممارسة الفعلية للطبقة السياسية السودانية على امتداد طيفها من رصيد أخلاقي في احترام المواثيق والعهود يشفع لها في أن تكون محطَّ آمال وطنية حائرة في سبل الخروج من المأزق الوطني الراهن، يثور تساؤل كبير حول جدوى "المواثيق" التي تغرق الساحة السياسة السودانية حالياً، وإلى أي مدًى ستكون جدية وصالحة وتملك القدرة على انتشال السودان من محنته الحالية إذ ليس هناك ما يثبت أن النخب السياسية المتصارعة نسيت شيئاً أو تعلمت شيئاً من سيرتها المنكرة في التنكُّر للعهود والمواثيق حتى بعد أن وصل حال البلاد إلى شفا الانهيار والتشرذم.


    ففي الساحة تدور حرب سياسية ضروس بين ثلاثة مواثيق، "الفجر الجديد" لجماعات المعارضة المدنية والثورية، و"الفجر الإسلامي" لجماعات إسلامية خارجة من تحت عباءة "الحكم الإنقاذي"، و"الدستور الجديد" الداعي له حزب المؤتمر الوطني الحاكم، تتسابق للتأثير على مجريات الوضع السياسي الراهن وخلق النظام السياسي السوداني الجديد الآخذ في التشكل بعد انتهاء عصر الدولة السودانية الموحدة التي خلفت الاستعمار بتقسيم البلاد وفصل الجنوب، وتنذر بالمزيد من التفتيت لما تبقى منها في ظل استمرار النزاع المسلح في "هلال التمرد" الممتد من دارفور، مروراً بحدود الجنوب الجديد، وحتى النيل الأزرق شرقاً. مع غياب أفق لتسوية سلمية شاملة.
    من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه "المواثيق" الثلاث تشكل لافتات لتوازنات القوى وفق المعطيات الراهنة، وتشير إلى التوجهات العامة وتكتيكات الأطراف السياسية المنضوية تحتها بأكثر مما تعبر حقيقة عن تضامن صارم شديد الإلتزام بتعهداتها، ولذلك تصح قراءتها في خانة قدرتها على تحريك الفعل السياسي، في ما تبقى نصوصها خاضعة للفهم بمنطق التكتيك المرحلي ولا تعني بالضرورة أنها تعبر بدقة عن الالتزام المستقبلي بتعهداتها.


    ولذلك فإن "ميثاق الفجر الجديد" نال قصب السبق في إثبات قدرته على كسر حالة الجمود وملء الفراغ الناجم عن غياب مبادرة فعالة تشغل الساحة السياسية بأجندة البحث عن مخارج من المأزق الراهن. ولعله لم يدر بخلد قادة الحركات الثورية والمعارضة المدنية وهم يوقعون في العاصمة الأوغندية كمبالا في السادس من يناير الماضي على هذا الميثاق على عجل، وبلا تدابير محكمة مما أوقعه تحت دائرة النقد من بعض مؤيديه، بأنه سيجد كل هذا الصيت الذائع.
    وفي الحق فإن أصحاب "الفجر الجديد" مدينون بالشكر الجزيل لخصومهم في "المؤتمر الوطني" الذين قادوا بالنيابة عنهم حملة علاقات عامة ناجحة غاية في التوفيق لأغراض المعارضين، وفي دلالة بالغة على خلو جراب الحزب الحاكم من حس سياسي محنك، فقد نقل هجوم قادة الحكم الضاري هذا الميثاق من حدث كان من الممكن أن يظل معزولاً في ضواحي كمبالا تتداوله المواقع الإسفيرية، إلى حدث سياسي حاضر بقوة في قلب العاصمة الخرطوم ليصبح الشغل الشاغل للساحة الوطنية والمحرك للأجندة الوطنية.



    والسؤال المطروح لماذا تكفل الحزب الحاكم بقيادة حملة العلاقات العامة الناجحة هذه لصالح "ميثاق الفجر الجديد" على الرغم من أن هدفه بالطبع هو مكافحته والقضاء عليه؟. هل أخطأ الهدف ام أخطأ الوسيلة والتصويب؟. من الواضح أن قادة المؤتمر الوطني رأوا في نصوص الميثاق في شأن علاقة الدين والدولة والتي تنص على "إقرار دستور وقوانين قائمة على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استقلال الدين في السياسية"، فرصة لدمغ التحالف الجديد بـ"العلمانية"، وسانحة يمكن اهتبالها لكسب الرأي العام المحافظ إلى جانب الحزب الحاكم الذي تآكلت شعبيته بسبب الأزمات المتلاحقة لا سيما الاقتصادية الضاغطة بشدة على المواطنين، فضلاً عن تضعضع مشروعيته الإسلامية تحت ضربات الانقسامات والانتقادات الحادة التي يواجهها من الإصلاحيين في داخل صفوفه.
    كما وفرت دعوة "ميثاق الفجر الجديد" لإعادة هيكلة القوات التنظامية مجالاً لتعزيز مخاوف اهالي الوسط من تبعات سيطرة قوى الهامش مما هو راسخ في الصورة الذهنية الرائجة عن تحولات جذرية في تركيبة وتوازنات المعادلة الراهنة في البلاد والتي أفرزت صراع المركز والهامش بكل محمولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.


    من الصعب التكهن بقياس مدى النجاح الذي لقيه خطاب "المؤتمر الوطني" في استثارة تعاطف الرأي العام النيلي، ولكن يجدر لفت النظر إلى أن حدة لغة خطاب قادته وتناقضها أحياناً، فضلاً عن لجوئه إلى إعادة تقديم نفسه كحارس للبوابة الإسلامية مع استدعاء شعارات يفضحها الواقع المعاش، قللت إلى درجة كبيرة درجة التجاوب مع الحملة المضادة، وتبدو المسألة في الوعي العام أقرب إلى جولة جديدة من الصراع على السلطة مع المعارضة أكثر من كونها فصلاً جديداً في صراع حقيقي على الوجود والهوية.
    ولعل أصحاب "ميثاق الفجر الجديد" مدينون أيضاً بالشكر الجزيل لجماعة ميثاق"الفجر الإسلامي" الذين أصابوا الحملة الحكومية ضدها في مقتل، ذلك أن ميثاق الخرطوم الذي يأتي رداً على ميثاق كمبالا، في سياق ثنائية الإسلامية مقابل العلمانية، إلا أنه في للواقع عزز إلى درجة كبيرة افتراضات ميثاق المعارضة، في شأن تشخيص الأوضاع المأزومة الراهنة التي تعيشها البلاد، ومع اختلاف المنطلقات إلا أن الميثاقَين توصلاً إلى نتيجة مشتركة فيما يختص بتحميل نظام المؤتمر الوطني لا غيره المسؤول عن إدخال البلاد في نفق مظلم.


    ومن يقرأ الانتقادات الحادة لحكم المؤتمر الوطني التي حفل بها "ميثاق الفجر الإسلامي" سيتعين عليه أن يفرك عينيه جيداً ليتأكد إن كان يقرأ في وثيقة "الفجر الجديد" أم ميثاق "الفجر الإسلامي"، وهي للمفارقة علامة إيجابية أن التناقض الحاد بين الطرفين في المنطلقات أفرز في نهاية الأمر أرضية مشتركة في تشخيص المأزق الراهن الذي تعيشه البلاد، مما هو محل إنكار مستميت من الحزب الحاكم. وهو ما يؤكد أن الحاجة الملحة للتغيير أصبحت مطلباً عاماً لا يمكن تفاديه، وإن بقي السؤال الكبير من يشكل ملامح المرحلة المقبلة؟، وهل يملك لطرف واحد أن يحدد خياراتها، أم أن الشعب صاحب المصلحة الحقيقية هو الذي يفرض في نهاية الأمر النظام السياسي الذي يتوق إليه بكل حرية.


    والمفارقة الأخرى أن الميثاق الإسلامي شنَّ هجوماً لاذعاً على المعارضة المدنية والمسلحة، لكنه أفسد في الوقت نفسه على "المؤتمر الوطني" الاستفادة من "الكرت الإسلامي" حيث نعى على النظام الحاكم أوراق اعتماده الإسلامية واعتبره يرفع شعارات من باب الأماني "ظلَّ يرفعها بلا سند من حقائق الواقع من تراجع مستمر وتدحرج بالبلاد نحو الهاوية"، ورماه بكل مثلبة من النفاق واقتراف الفساد إلى تكريس القبلية، قبل أن تصنف جماعة "الميثاق الإسلامي" نفسها هي الأخرى معارضة تسعى لخلافة النظام الراهن عند سقوطه لتحقيق ما تصبو إليه من "حكم إسلامي خالص".


    من الواضح أن "المؤتمر الوطني" الذي أجهده إدمان اللعب على تناقضات الآخرين يجد نفسه أخيراً محاصراً بين قطبي رحى، وقد انقلب السحر على الساحر، ولم يعد في جرابه حيل جديدة يستخدمها لتخفيف حدة عزلته غير المجيدة، التي ازدادت بفعل التمرد عليه حتى من قِبَل أقرب وأخلص مؤيديه، ولم يعد من سبيل إلى المزيد من الهروب إلى الأمام بترحيل الأزمات وتأجيل حلها في انتظار معجزة ما.


    فقد كشف الحراك الذي أحدثه ميثاق "الفجر الجديد", على علاته الكثيرة, أن الحزب الحاكم لا يملك أية مبادرة للخروج من النفق الذي أدخل فيه البلاد بعد ربع قرن من الحكم المطلق، وأن التعامل بردود الفعل لم يعد ذا جدوى، وأن التخويف من أجندة المعارضة لم تعد كافية لحشد التأييد، وأن استخدام حجة كتابة دستور جديد للبلاد لا تصلح في حد ذاتها كمبادرة سياسية لتخليص البلاد من أزمتها في غياب إرادة سياسية مدركة ومستعدة لدفع استحقاقات ذلك. وفي غياب توافق وطني واسع على تعاقد على الأسس الجديدة لبناء دولة سودانية جديدة من بين الركام الحالي.
    نقلاً عن صحيفة إيلاف السودانية
    الاربعاء 27 فبراير 2013


    ------------------------


    موقع الميدان | موقع الحزب | اتصلوا بنا يوسف حسين: تهديدات الرئيس بمنع الأحزاب من العمل لا تخيف المعارضة خبير حقوق الإنسان : هناك مؤشرات لدخول عناصر من القاعدة إلى دارفور مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي يعلن تضامنه مع الشعب السودانى تصريح صحفي من الناطق الرسمي مصرع وجرح العشرات في تجدد الإشتباكات القبلية المسلحة في شمال دارفور جهاز الأمن يمنع مؤتمر صحفي بالخرطوم تجدد أحداث العنف الطلابي بجامعة أمدرمان الأهلية بيان نقابة أطباء السودان الميدانفعالياتملفاتالوثائقالانتخاباتجرائم الانقاذفكر وثقافةما كتب عناعن الحزبعن الميدانفيديوEnglishUpdated On Feb 27th, 2013

    قراءة في المشهد السياسي:


    الدين والسياسة…(5)

    الشفيع خضر

    .ولا يمكن قبول أن تستأسد فئة بإسم الدين لتعطي قدسية لمشيئتها ورؤاها السياسية حتى تفرضها على الآخرين


    · أثبتت التجربة أن الإسلاميين وهم في منصة الحكم لا يملكون مشروعا حقيقيا يخاطب القضايا الحياتية للمواطن

    كيف نرى، نحن في السودان، العلاقة بين الدين والسياسة؟. في الإجابة على هذا السؤال، ناقشنا في المقال السابق نقطتين: في الأولى، حاولنا تتبعالجذور التاريخية لنشأة علاقة الدين بالدولة، مستندين إلى بحث للبروفسر محمد إبراهيم خليل، وجهرنا بدعمنا لوجهة نظره التي تنفي أزلية وحتمية وقدسية العلاقة بين الدين والدولة. وفي النقطة الثانية، أكدنا على قناعتنا بأن ليس كل من يدعو إلى الربط الوثيق بين الدين والسياسة، يقع ضمن دائرة المتهمين بإستغلال الدين لتحقيق مآربهم السياسية الخاصة. ونواصل مناقشة بقية النقاط المتعلقة بإجابتنا على السؤال أعلاه:

    3- دائما ما يتجنى أنصار الإسلام السياسي على دعاة فصل الدين عن السياسة، فيتهمونهم بأنهم يدعون للإلحاد وطرد الدين من المجتمع، وأنهم يسعون إلى نشر الموبقات وفتح الأنادي والبارات وبيوت الدعارة، بل ويتم تصويرهم وكأنهم يسعون لوضع موانع في طريق أداء مناسك العبادة، أو أنهم ينادون بإستبدال دفن الجنازة بحرقها!! وبالمقابل، وفي مواجة ذلك يرفع أنصار الخيار الإسلامي شعارات من نوع (لا ولاء لغير الله)، و (الإسلام هو الحل). ونحن نقول: نعم، لا ولاء لغير الله، وهل يمكن لأي مؤمن عاقل أن يقول غير ذلك؟. نعم لا يمكن طرد الدين من الحياة أو المجتمع، ولكن أيضا لا يمكن تسييس الإسلام لصالح الأجندة والمطامح الشخصية للباحثين عن السلطة بأي ثمن بإدعاءات عريضة بإسم “الإسلام”. ولا يمكن قبول أن تستأسد فئة بإسم الدين لتعطي قدسية لمشيئتها ورؤاها السياسية حتى تفرضها على الآخرين. وفي الحقيقة نحن نفهم شعار (لا ولاء لغير الله) بأنه يعني رفض السلطة المطلقة، ورفض حكم الفرد مقابل سلطة المؤسسات الجماعية، ورفض قمع الآخر بإسم الله، ورفض تمكين البعض من ذوي الحظوة، ورفض إنفراد القيادة بالرأي مقابل تشجيع المبادرة الشعبية وتأسيس المؤسسات الجماهيرية الوسيطة التي تساهم في ردم الهوة بين القاعدة والقيادة. ولا يمكن رفع شعار لا ولاء لغير الله ردا على مطالبات الجماهير بحقوقهم. فالجماهير ستحس بالقيمة الحقيقية لهذا الشعار، عندما يكون هم الحاكم هو إعطاء كل ذي حق حقه، وعندما تعلو قيم الشفافية والمحاسية، وعندما تتجسد العلاقة المباشرة بين هذه الجماهير ومؤسساتها المنتخبة دون تزوير أو تلاعب. أما بالنسبة لشعار “الإسلام هو الحل”، فقد أثبتت التجربة أن الإسلاميين، وهم في منصة الحكم، لا يملكون مشروعا حقيقيا يخاطب القضايا الحياتية للمواطن. أنظر إلى تجربة الانقاذ، حيث شهد السودان سن القوانين التي تنص وتنفذ بصرامة، حد الحكم بالاعدام، كما في قضية النقد الاجنبي، ثم تلغى بعد أيام، كما شهد الاتفاقات التي تبرم ثم تنقض بعد ساعات، وشهد التدهور المريع في مرافق حيوية كانت تعمل بكفاءة إلى حد ما، مثل السكة حديد…، والآن، وبعد مرور سبع سنوات على فرض قانون مشروع الجزيرة (2005)، والذي ساهم بشكل فعال في إنهيار المشروع، يتبارى قادة الإنقاذ، وبرنة أسف زائفة، في الحديث عن ضرورة إعادة النظر في هذا القانون، وضرورة تقصي الحقائق حول أسباب إنهار المشروع…، وكل ذلك تم بإسم “الاسلام هو الحل”.

    4- الذين يحكمون بإسم الدين، وأنصارهم من تيارات الإسلام السياسي، يحاولون طمس وإخفاء جوهر الصراع السياسي والإجتماعي في البلد، ويصورونه وكأنه صراع بين الإسلاميين ودعاة الدولة الدينية من جانب، والعلمانيين ودعاة الدولة المدنية من جانب آخر. لكنهم بالتأكيد سيجدون صعوبة بالغة، وفق تصويرهم هذا، في تفسير حرب المسلمين في دارفور، وفي تفسير مطالبات وإحتجاجات أهل السدود واصحاب الاراضى فى مشروع الجزيرة، بل سيعجزون تماما في تفسير المفاصلة الكبرى التي أدت إلى الإنقسام إلى المؤتمرين الشعبي والوطني! وبالتأكيد من مصلحة دعاة الدولة الدينية إظهار الصراع السياسي على أنه صراع بينهم وبين دعاة فصل الدين عن الدولة. لكنه في الحقيقة، أو كما نراه نحن، هو صراع بين قلة تدير البلاد وفق رؤاها ومصالحها، ولا تريد ان يشاركها الاخرون فى صناعة المصير الوطنى، مستخدمة الدين سلاحا لإخراس الآخرين ولإخضاع البشر والموارد المادية لصالح أجندتها، وبين مجموعة تريد المشاركة العادلة في السلطة والتوزيع العادل للموارد المادية، وتؤسس لدولة المؤسسات وحقوق الإنسان، والتي لا كبير فيها على القانون، مستخدمة فصل الدين عن السياسة كأداة وصمام أمان حتى لا يستغل الدين في تمرير وتبرير الظلم والعسف.

    5- أعتقد من الخطأ إختزال مفهوم الدولة المدنية في مجرد شعار فصل الدين عن السياسة، أو التعامل مع المفهوم وكأنه عقيدة ضد الدين. لكن، أيضا من الخطأ إعتبار فصل الدين عن السياسة، ضمانا كافيا لسيادة وكفالة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش الكريم. فقد شهد التاريخ تجارب علمانية قدمت أسواء أنواع الديكتاتوريات والأنظمة المعادية لحقوق البشر، بما في ذلك حق الحياة، مثل ألمانيا النازية وروسيا الستالينية وعدد كبير من أنظمة العالم النامي. والدولة المدنية لا تقوم على معادة الدين، بل ترتكز على مبادئ لتنظيم المجتمع، يأتي في مقدمتها إحلال مفهوم الفرد المواطن محل مفهوم الرعية، وتسييد مبدأ الإعتراف المتبادل مع الآخر، وإعتبار أن السلطة تنبع من الشعب وليس من سلطة “الحق الإلهي”، وأن العلاقة بين الإنسان وربه هي علاقة فردية ومباشرة لا تحتاج إلى وسيط أو رقيب، وهي ضد التكفير ومع ضمان إستقلال الإرادة وحرية البحث والتفكير والإجتهاد في كل المسائل، بما فيها المسائل الدينية. ومفهوم الدولة المدنية ليس مفهوما مستوردا من الغرب، بل له جذوره الضاربة في عمق الفكر العربي الإسلامي وفي تاريخ مجتمعاتنا، حيث أن رجال الإصلاح الديني، الذين شكلوا جزءا من الإنتلجنسيا التنويرية الحديثة، كانوا قد لعبوا دورا بارزا في إشاعة مبادئها، حتى وإن لم يستصحبوا المصطلح. وبعد ثورة يناير المصرية، وفي خضم الصراع المحتدم بين تيارا الإسلام السياسي والتيار المدني، أصدر الأزهر الشريف وثيقة تاريخية هامة بينت أن مبادئ الدولة المدنية العصرية لا تتعارض مع الحفاظ على القيم الروحية والإنسانية والتراث الثقافي، بل تحمي المبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة وضمير العلماء والمفكرين من التعرض للإغفال والتشويه أو الغلوّ وسوء التفسير من قبل التيارات التي ترفع شعارات دينية أوطائفية أو أيدلوجية متطرفة.

    6- ما هو الهم الرئيس عند المواطن البسيط؟ هل هو توفير العيش الكريم، أم مصدر التشريع في الدستور؟ وإذا كان هذا المواطن يعاني من شظف العيش ومن المرض والظلم وموت الأطفال، وفي نفس الوقت يرى الآخرين يرفلون في نعيم لم يخطر بذهنه أبدا، هل سيكون راضيا مسلما بقدره لمجرد النص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وأن الدولة إسلامية؟ هل ما يهمه هو شكل الحياة وانماط المعيشة اليومى والقضايا المجتمعية، أم الجدل والصراع حول إسلامية أو مدنية أو علمانية الدولة؟…، أسئلة تحمل في طياتها إجاباتها الواضحة والبسيطة.

    7- أخيرا، نحن نطرح مفهوم النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، أو الدولة المدنية، بإعتباره الأقرب لواقعنا من مصطلح “النظام العلماني” ذو الدلالات الأكثر ارتباطا بالتجربة الأوروبية، وبإعتباره يعبر عن تمايز طريق شعب السودان نحو الدولة الديمقراطية الحديثة عن طريق شعوب ومجتمعات أوروبا. وحتى لا نختزل أو نبتزل مفهوم العلمانية، فن الممكن تناوله في مقال ومقام آخرين. أما في هذا المقام وهذا المقال، وبالإستناد إلى خلفية الواقع الموضوعي لبلادنا، فنود إقتراح أن تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين على مبادئ النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، والتي نعتقد أنها من الممكن أن تلبي أشواق أصحاب الخيار الاسلامي، وطموحات دعاة الدولة المدنية. ومن ضمن هذه المبادئ:
    - الأساس هو المساواة في المواطنة، مع كفالة حرية العقيدة وحرية الضمير.

    - الشعب مصدر السلطات والحكم يستمد شرعيته من الدستور، مع التقيد الصارم بمبدأ التداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ومبدأ الفصل بين السلطات.

    - الإلتزام بقواعد الحكم الرشيد، وبمبادئ الشفافية والمحاسبة.

    - المشاركة العادلة في للسلطة، والتوزيع العادل للموارد والثروة، مع الإلتزام الصارم بتوفير الحياة الكريمة للمواطن.

    - 1- ضمان الحقوق والحريات الأساسية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضمان حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القوانين السودانية، ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لها، ويعتبر غير دستوري. 2- سيادة حكم القانون واستقلال القضاء. ويكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري. 3- كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني. وأعتقد، وفق هذه المبادئ، يمكن أن تتسع الاجتهادات لكي تشمل مصادر التشريع الدين والعرف مع عطاء الفكر الإنساني وسوابق القضاء السوداني.

                  

03-05-2013, 09:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    مذبحة المجتمع المدني السوداني الثانية: المأساة والمهزلة معاً
    د.عبدالوهاب الأفندي
    2013-03-04

    خلال الأسابيع القليلة الماضية، أظهرت الحكومة السودانية همة عالية في إغلاق عدد من مراكز البحوث والجمعيات المدنية، كان من أبرزها مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ومركز الدراسات السودانية وبيت الفنون. وعندما حاول ممثلون عن عدد من المراكز التي أخطرت بقرارات الإغلاق في ديسمبر الماضي تسليم مذكرة لمفوضية حقوق الإنسان الرسمية، حاصرت أجهزة الأمن مقر المفوضية ومنعت المحتجين من تقديم مذكرتهم. الأجهزة منعت كذلك مفوض حقوق الإنسان من مقابلة المحتجين خارج المبنى.
    وكانت الحكومة قد شنت حملة سياسية وإعلامية اتهمت فيها بعض المنظمات بتسلم دعم أجنبي بغرض زعزعة الاستقرار في البلاد وإسقاط النظام، كما اتهمت أخرى بكونها واجهات لحركات مسلحة. وقد تميزت الهجمة على هذه المنظمات بشراسة استثنائية، بلغت حد اعتقال بعض مسؤولي المراكز ومصادرة ممتلكاتها. ولم يتم اتباع الإجراءات القانونية برفع الأمر إلى القضاء أو إتاحة فرصة الاستئناف، أو حتى كما رأينا- السماح للمتضررين بالتظلم لدى مفوضية حقوق الإنسان.
    ويذكر أن نظام الإنقاذ بدأ عهده بأكبر مذبحة لمنظمات المجتمع المدني في تاريخ البلاد، حيث قام بإغلاق كل الصحف والأحزاب والنقابات والمنظمات المدنية، وهو إجراء صعب فهمه، لأنه كان تعطيلاً للطاقات وإضعاف للبلاد. وقد كان أكثر ما أزعجني وقتها وضع القيود على منظمات الإغاثة، خاصة في عام 1990، حين كانت بعض نواحي البلاد تواجه خطر المجاعة. فقد كان هناك هوس عند الأجهزة الأمنية بأن منظمات الإغاثة الأجنبية هي بعض أدوات المخابرات الغربية، وهو سوء فهم مزدوج، أولاً لأن طبيعة هذه المنظمات تجعلها في حالة مناكفة دائمة مع دولها، خاصة وأن من يعمل في صفوفها هم غالباً من أصحاب النظرة المثالية الناقدة لآليات الرأسمالية العالمية. وتشكل هذه المنظمات صداعاً لدولها لأنها تمارس الضغوط عليها باستمرار لصالح فقراء العالم الثالث. ويرجع سوء الفهم ثانياً لأن التجسس على السودان لا يحتاج لكل هذا التعب، فأسراره، إن كانت هناك أسرار أصلاً، مبذولة بغير ثمن ولا جهد، وكثيراً ما يتطوع بها كبار المسؤولين. بل إن هناك صحافيين يدبجون مقالاتهم من تقارير الاستخبارات، أحياناً بدون تصرف.


    مهما يكن فإن تلك المحاولة لقمع المجتمع بكامله كانت كارثة كبيرة، عادت على البلاد والنظام بأضرار لا نهاية لها. ولم يلبث النظام طويلاً قبل أن يبدأ التراجع عنها، كما قام بتحرير السوق والسماح بإنشاء الأحزاب، وعقد الصفقات مع الحركات المسلحة. وكان المأمول أن يكون البعض قد وعى ذلك الدرس، وأدرك أولاً أن مثل هذا القمع لا يجدي شيئاً، كما أنه يعود بالضرر على البلاد والعباد. ففي هذه الأيام التي أصبح فيها العالم قرية، يمكن إنشاء مركز أبحاث أو صحيفة في كاليفورنيا أو واق الواق، فتصل رسالتها كاملة غير منقوصة إلى كل بقاع السودان. وقبل ذلك تصلها المعلومات في أحيان كثيرة قبل أن تصل المسؤولين.
    ولا ننسى هنا أن الحكومة تصدع كل صباح هذه الأيام بالدعوة لكل معارض للمشاركة في الحوار حول صياغة الدستور، وتشنع على من يرفض المشاركة وهم غالبية أحزاب المعارضة- بأنهم يرفضون الحوار الذي لا تقوم للديمقراطية قائمة بغيره. ولكن أضعف الإيمان في حوار مثل هذا هو أنه، إذا نجح، فيسمح لقوى المعارضة بكامل الحرية في تشكيل الأحزاب، وتمكنها من المنابر الإعلامية، ولا تسمح فقط بإنشاء منظمات المجتمع المدني من كل نوع، بل تبادر بدعمها وإسنادها. فلعل الأولى إذن، قبل الحوار، السماح لمنظمات المجتمع المدني القائمة أصلاً بالاستمرار في عملها، خاصة وأنها أنشئت تحت طائلة قوانين موجودة أصلاً، وقدر من الحريات هو أقل مما تطالب به المعارضة.


    إذن كيف تدعو الحكومة للحوار صدر النهار وتكفر به آخره، وكيف تبذل الوعود للمعارضة المسلحة بالمشاركة في العملية السياسية والتمتع بكامل الحريات، ثم هي تقوم بمعاقبة المنظمات المدنية ذات مطالب الحد الأدنى، خاصة المراكز التي لا مهمة لها سوى تيسير الحوار وممارسته؟


    حقيقة نحن في حيرة من أمرنا من نظام يبدو أنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد، بل لا تعرف يمينه ما تصنع شماله. فقبل أيام قامت جهات أمنية بإبعاد مواطن أمريكي من أصل صومالي من العاصمة السودانية بطريقة فجة وغريبة، حيث داهم رجال أمن غرفته بعد منتصف الليل واقتادوه إلى المطار و قاموا بترحيله. ولكن الطريف أن الرجل دخل البلاد بتأشيرة نظامية، وتم استقباله من مسؤولين كبار في الحزب الحاكم في قاعة كبار الزوار، وكان في نفس ذلك اليوم في لقاءات مع كبار المسؤولين، ومن بينهم وزير الداخلية. ويعود بعض من هذا لأن الرجل، الذي عمل وزيراً في حكومة الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد، كان على علاقة طيبة مع المسؤولين، ويزور البلاد بصورة دائمة. ولكنه كان قبل ذلك الممثل الإقليمي لمنظمة إغاثة دولية تعمل في دارفور، تم إيقاف نشاطها رداً على قرار المحكمة الجنائية بمطالبة الرئيس السوداني عمر البشير للمثول أمامها. وكما هو واضح فإن هذا القرار لم يكن له علاقة بالمنظمة وعملها.



    ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن الرجل دخل إلى البلاد بطريقة مشروعة، وكان في حوار مع كبار المسؤولين، ومنهم وزير الداخلية الذي لم يعلم بقرار الإبعاد إلا في اليوم التالي (وهو اليوم الذي كان الضيف سيسافر فيه أصلاً). وهذا يطرح سؤالاً مهماً حول من يدير البلاد، وبأي عقلية ووفق أي منطق وفهم؟ فإذا كان مقر مفوضية حقوق الإنسان التي أنشأتها الدولة (وهي ليست منظمة مجتمع مدني) يحاصر من قبل قوات تمثل الدولة، وإذا كان ضيوف البلاد يروعون في منتصف الليل ويطردون دون علم وزير الداخلية، ألسنا أمام دولة هي في حالة حرب مع نفسها، إن صح إطلاق صفة الدولة عليها؟


    الأدهي من كل ذلك أن هذه الردة إلى جاهلية الإنقاذ الأولى تأتي بعد ربع قرن من الانفراد بالسلطة. وإذا كان التبرير للهجمة الأولى على منظمات المجتمع هو تنفيذ سياسة 'التمكين' (وهي سياسة يتبرأ منها اليوم كبار مهندسيها) فإن العودة إلى ذلك المنهج في وقت يزعم فيه الحزب الحاكم أنه بلا منافس في شعبيته وقوة أنصاره، يشير إلى أحد أمرين: إما أن الحزب يعرف قدر نفسه ويرتعد كلما هبت نسمة باتجاهه، وإما أن الأجهزة الأمنية تعربد بدون مبرر حتى من حجة تأمين النظام، وهي حجة باطلة على كل حال.
    وأذكر في هذا الأمر حواراً دار بيني وبين أحد أقطاب اليسار المصري في مطلع التسعينات بعد أن صرح الرجل في مؤتمر كنا نحضره في دولة أوروبية بأن الخطر على الحريات في مصر لا يأتي من النظام الغاشم وإنما يأتي من الجماعات الإسلامية. فقلت للرجل: لقد احتكرتم معشر العلمانيين السلطة في مصر أربعين عاماً، فقتلتم وسجنتم وشردتم، وهيمنتم بلا منازع على الإعلام والتعليم والاقتصاد، ثم تأتي بعد كل هذا لتشكو من الإسلاميين المهمشين؟ فهل يعني هذا أن أنكم تطلبون أربعين عاماً أخرى من الاستبداد حتى تتخلصوا من 'الخطر الإسلامي'؟ في اعتقادي أن الحل هو أن تعترفوا بأنكم خسرتم المعركة، وتكتفوا بإدارة معركة أخرى تطالبون فيها بضمان حقوقكم كأقلية. فليكن الحوار من الآن فصاعداً حول ما هي الضمانات التي تريدونها لتسليم السلطة للشعب حتى لا تصبحوا، مثل خصومكم، ضحايا للنظام الجديد.


    غضب الرجل من مداخلتي غضباً شديداً، ورفض طوال الفترة الباقية من المؤتمر أن يتحدث إلى أو حتى مصافحتي. وعندما حييته مرة أثناء مروري به قال لي غاضباً: ما ذا تريد مني بعد أن أحلتني إلى المعاش؟ ولعل الطريف والمؤسف- في الأمر هو أن الرجل، الذي كان قد تجاوز وقتها سن المعاش بدهر طويل، كان سيكون رحمه الله- في حال أفضل لو أنه تقبل المعاش بأريحية، لأنه تحول فيما بعد إلى أحد أقطاب ('والعياذ بالله' على سنة الزميل حسنين كروم) التطبيع مع إسرائيل.
    وفي اعتقادي أن نفس النصيحة التي وجهناها لصاحبنا الذي انتقل من أقصى اليسار إلى اقصى مراحل الانبطاح للامبريالية، تصدق في حق إخواننا الإنقاذيين الذين تحولوا بدورهم من رافعي شعارات 'أمريكا روسيا قد دنا عذابها' إلى مرحلة الافتخار بكونهم 'عيون وآذان المخابرات الأمريكية في افريقيا'. فإذا كانوا بعد ربع قرن من الحكم التسلطي المنفرد يخافون من بضعة أفراد لا سلاح لهم سوى مايكروفون وبضعة كراس وأجهزة كمبيوتر في بيت مستأجر، فإن من الحكمة أن يدخلوا في نقاش جدي مع بقية أطياف المجتمع حول شروط التقاعد المريح، وكيفية تسليم السلطة إلى الشعب. ذلك أن استمرارهم في السلطة في هذه الحالة لن يكون إلا بارتكاب المزيد من الجرائم في حق الشعب، أو العمالة والارتماء في حضن الأجنبي، أو الاثنين معاً في الغالب. وقد أخذوا سلفاً من كل بنصيب كما فعل أشياعهم من قبل.


    وقد كان الأخ الواثق كمير نشر الشهر الماضي مقالة بعنوان 'الكرة في ملعب الرئيس' يدعو فيها الرئيس عمر البشير لأخذ زمام المبادرة في قيادة الانتقال الديمقراطي. ولا شك أن من العقل والحكمة الأخذ بهذه النصيحة، فلو أن حسني مبارك وزين العابدين بن علي كانا على شيء من الحكمة، وبادرا إلى التغيير، لكان كلاهما يعيش اليوم في بلده معززاً مكرماً في قصر 'رئاسي معاشي' يغشاهما فيه الأصدقاء القدامي ويعرج عليهما فيه كبار الزوار، ويا دار ما دخلك شر (إلا الشر القديم). ولكن لله تعالى مقادير لا راد لها، وإذا أراد بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، ويزين لهم الشيطان أعمالهم ويقول لهم لا غالب لكم اليوم من الناس، حتى يأتي أمر الله.

    ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن




    ---------------------

    الأخوان المسلمون بين الأمس واليوم : نبيذ قديم فى قوارير جديدة
    March 5, 2013
    الفاضل عباس محمد علي..

    أوردت مجلة “روزاليوسف” فى عدد 16 فبراير الماضي مقابلة مطوّلة مع أحد الإخوان المسلمين أعضاء الجناح العسكري “النظام الخاص” المشتركين فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر عام 1954 – يدعي خليفة مصطفي عطوة – المتهم الثالث،….. ولقد جاءت الحقائق التالية علي لسانه:

    1. هنالك تنظيم عالمي للإخوان المسلمين يترأسه “المجلس الأعلي للإرشاد”، وهو الذى أشرف على تأسيس الفرع المصري برئاسة حسن البنا.

    2. سلمت المخابرات البريطانية حسن البنا عام 1928 مبلغ 500 خمسمائة جنيه لتكوين “جمعية مكارم الأخلاق”، وبالفعل أنشأها البنا… ولكنه أسماها “جمعية الإخوان المسلمين.”

    3. أسّس البنا الجناح العسكري عام 1943 ليقوم بالإغتيالات اللازمة وليستعد لدوره المستقبلي فى الاستيلاء علي السلطة؛ وقام الجناح بتصفية أحمد ماهر رئيس الوزراء عام 1945، كما دشّن سلسلة من التفجيرات منها “تفجيرات سينما مترو” التى أدين بسببها بعض الإخوان، وكانت ردة فعل التنظيم العسكري اغتيال المستشار الخازندار رئيس محكمة الاستئناف، فقام النقراشي باشا رئيس الوزراء (الذى تم اغتياله كذلك لاحقاً بواسطة الجناح العسكري) بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال جميع كوادرها القيادية ماعدا حسن البنا، إذ كان البنا قد أصدر بياناً أدان فيه منفذي التفجيرات وقال عنهم: إنهم “ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين”، كما أصبح واضحاً أن البنا علي صلة وثيقة بالقصر (الملك فاروق). ونتيجة لذلك، قام الجناح العسكري باغتيال حسن البنا أمام دار حزبه بميدان رمسيس، ولم يتحرك قادة الإخوان الموجودين لإسعافه، وتركوه ينزف لمدة 14 ساعة…حتي صباح اليوم التالي، ففارق الحياة قبل أن ينقل للمستشفى، ولم يحضر أي من الإخوان تشييع الجثمان، وتركوا ذلك لزوجه وبناته لوحدهم.

    وفي إحدي الندوات التى قدمها الأستاذ الخرباوي بأبوظبي الأسبوع الماضي، سألته عن صحة هذه الأشياء، فأجاب كالآتي:

    • فيما يختص بالتنظيم العالمي فهو ما زال موجوداً، ورئاسته بنيويورك، غير أن المنطقة العربية تقع كذلك تحت إمرة المرشد المصري الموجود بالقاهرة (حالياً محمد بديع)، وكل تنظيمات الإخوان بالدول العربية تدين له بالولاء وتبايعه على المكره والمنشط، بيعة مباشرة أو بالوكالة، مما يخلق تناقضاً بين ولاء كل منهم لوطنه من جانب وللجماعة من الجانب الآخر، والجماعة بالقطع تأتي قبل الوطن، ومن هنا تجد عداء الإخوان “للشعوبية” أي “الوطنية”، وتمسكهم بالأممية الإسلاموية.

    • أما علاقة الإخوان بالمخابرات الغربية فهي أيضاً مثبتة تاريخياً، غير أن المبلغ الذى تسلمه حسن البنا عام 1928 كان 300 فقط وليس 500 جنيه مصري.

    • ومسألة اغتيال حسن البنا فعلاً لغز كبير؛ وقد تحدث إبنه وابنته مؤخراً عن هذا الموضوع وقالا بأن اغتيال والدهما لم يكن بالطريقة التى تم الترويج لها، وهنالك سر يكتنف هذا الموضوع وسيقومان بكشف النقاب عنه فى كتاب سيصدره ابن المرحوم، سيف الإسلام. وقال الخرباوي إن جماعة الإخوان المسلمين عرّضت أبناء الشهيد البنا لضغوط شديدة، كان من نتيجتها أن توقف كلام أبناء حسن البنا عن مقتل أبيهم، وأكد الخرباوي بأن الكتاب المذكور لن يري النور مطلقاً.

    هذا ما قاله الخرباوي، وفى كتابه “سر المعبد” المزيد من مثل هذه المعلومات. ولكن المشكلة الكبري التى يواجهها العالم العربي برمته أن الإخوان المسلمين، برغم كل ذلك، انطلوا على كتل ضخمة من الجماهير العربية، وتربعوا علي دست الحكم – عبر بوابة الانتخابات - فى مصر وتونس والمغرب – (وفى المغرب جاءوا لكراسي الحكم بدون انتفاضة) – والسودان: (حيث بطشوا السلطة بانقلاب عسكري قبل ما يقارب ربع قرن، وما زالوا متشبثين بها)؛ والإخوان يحدثون ضجيجاً هائلاً وحراكاً مستمراً بكل من البحرين (بتحالف وثيق مع إيران) واليمن وليبيا وسوريا والكويت، والسعودية بين الفينة والأخري. و لا يبدى الإخوان أي نوايا نحو التنازل أو الانفتاح أوالمشاركة أو الرضوخ لرغبة الشارع فى الوصول لحلول وسطي تتضمن دستوراً علمانياً يسمح بوجود دولة تعددية ديمقراطية بالمعني الأصلي للكلمة، وما زال خطابهم يشمله الغموض فيما يختص بحقوق الأقليات المسيحية وحقوق المرأة وحرية التعبير.

    ولقد وضّحت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للشرق الأوسط…. ومصر خاصة…أن الحكومة الأمريكية بلا أدني شك وراء ما يحدث فى الشرق الأوسط، وأنها القوة الحقيقية الداعمة للإخوان المسلمين باعتبارهم – حسب رؤية الورش التى تطبخ قرارات السياسة الخارجية الأمريكية – صمام الأمان الوحيد المتوفر للاستقرار بمنطقة شديدة التوتر وكثيرة القلاقل، ولا يهم كثيراً أي نوع من الدكتاتوريات يخططون لفرضها علي شعوبهم، فحيثما اتجه سحابها، سيصب خراجها باتجاه الخزائن الأمريكية فى نهاية التحليل، حيث أن الولايات المتحدة هي الموئل للحسابات السرية والممول بالأسلحة وقطع الغيار والحافظ لأسرار الفساد وسرقات الأباطرة الحاكمين بمثل هذه الأنظمة، وهي التي تمسك بطرف الحبل الذى يحيط بعنق إسرائيل….وتستطيع أن ترخي لها العنان فتعتدي على من تريد، دون وازع من أمم متحدة أو مجلس الأمن…طالما أن أمريكا تتمتع بحق النقض…كما تستطيع أن تكبح جماح الدولة العبرية إزاء هذه أو تلك من دول المنطقة…فإسرائيل منذ تأسيسها ###### الحراسة المخلص للمصالح الأمريكية.

    ولذلك، رغم الرفض الجماهيري الواضح لحكم الإخوان المسلمين بمصر وتونس والسودان، علي سبيل المثال، فإن الأنظمة الإخوانجية بهذه الدول الثلاث تبدو مطمئنة كأن شيئاً لم يكن، ولم تتأثر بحالة عدم الاستقرار التى سادت لفترة طويلة من الزمن، وحالة الانكماش، بل الانهيار الإقتصادي… والشرخ المريع الذى يشهده الشارع السياسي بكل منها. ويتساءل المراقبون عن كيفية الخروج من هذا المأزق…وعن وجود أو عدم وجود ضوء فى آخر النفق!

    و لا أستطيع أن أتحدث بشيء من البيان والتبيين إلا عن الحالة السودانية…وهنا أيضاً يحتار الدليل…ويقف حمار الشيخ فى العقبة.

    فلقد راهنت المعارضة السودانية لأكثر من 15 سنة على ما يسمي بالتجمع الوطني الديمقراطي الذى ضم كل الأحزاب (باستثناء الإخوان المسلمين)، والنقابات ومنظمات النفع العام، بالإضافة للقوة العسكرية الأكبر: الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل العقيد الدكتور جون قرنق. ولكن تضافرت عناصر شتى فى إضعاف ذلك التجمع رويداً رويداً إلي أن تفرق أيدي سبأ، وتهالك نحو الخرطوم أفراداً وجماعات، وانتهي بها الأمر جميعها – أي الفصائل المكونة للتجمع – لتصبح جزءاً تابعاً لحكومة البشير، …ورضوا بالفتات، واستخدمتهم حكومة الخرطوم تكتيكياً ، لخدمة أغراض عارضة وتمويهية، ولفظتهم لفظ النواة فى آخر النهار، فأصبحوا كالمنبت…لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقي. وتلك العوامل هي:

    • لعبت الحكومة الأمريكية دوراً مفصلياً فى ترتيب محادثات سلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية (بمعزل عن باقي التجمع) فى مشاكوس بكينيا عام 2002، تلك المحادثات التى تمخضت عنها فى النهاية مفاوضات نيفاشا بكينيا نفسها…والتى خرجت منها اتفاقية السلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية فى يناير 2005. ولقد تدثرت الحكومة الأمريكية برداء شفاف إسمه “مجموعة دول الإيقاد” وهي إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي ويوغندا وكينيا، والسودان…بالإضافة لأصدقاء الإيقاد : الولايات المتحدة والنرويج وإيطاليا، ولكن الوجود الفعال طوال تلك المحادثات فى كل من ماشاكوس ونيفاشا علي مدي ثلاث سنوات كان لمندوبي المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية…إذ كانوا هم الذين يقودون المحادثات فعلياً، كمايسترو الفرقة الموسيقية، وكانوا يقومون بالدعم اللوجستي والتزييت والتشحيم اللازم والمساعدة فى حل العقد وتقريب الرؤوس، مع توزيع مظاريف يومية مكدسة بالدولارات لكل المشاركين فى المحادثات، من الطرفين، تسمى مصاريف أتعاب. وعندما تكللت تلك المحادثات فى نهاية الأمر باتفاقية السلام الشامل CPA التي وضعت حداً لحرب استمرت لأكثر من عشرين سنة….اعتبرتها الدبلوماسية الأمريكية نصراً لها، وتباهت بها كثيراً وروّجت لها، ودافعت عنها بالظلف والناب، ولا زالت تفعل ذلك. ولقد تابعت الحكومة الأمريكية سير الاتفاقية على الأرض حتى استفتاء عام 2011 الذى كانت نتيجته انفصال الجنوب، مربط الفرس.

    • ما كان التجمع طرفاً فى محادثات كينيا… بإصرار من الحكومة السودانية التى تميل دائماً للحلول التجزيئية وللانفراد بالخصم، بعيداً عن حلفائه الآخرين، وبمباركة من الحكومة الأمريكية التى وصفت التجمع بالضعف والتشرذم وعدم وضوح الرؤيا، ويبدو فى حقيقة الأمر أن الحكومة الأمريكية تخلت عن الشمال برمته وركزت على الجنوب الذى أوشك أن يخرج بدولة أفريقية مسيحية ناطقة بالإنجليزية وصديقة للغرب وإسرائيل (مساحتها ثلاثمائة ألف ميل مربع)…وذلك فى حد ذاته إنجاز منقطع النظير….لم تتمكن الحكومة الأمريكية من تحقيق شيء قريب منه فى كل البؤر التى تورطت فيها وانفقت عليها النفس والنفيس…مثل الصومال والعراق وأفغانستان… ومسلسل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

    • كان التجمع بدوره فى أضعف حالاته مع نهاية التسعينات، فقد تفاقمت الصراعات الداخلية بين الأحزاب المكونة له، وكان من نتيجة ذلك أن تخلي حزب الأمة عن التجمع كلية وأبرم إتتفاقية ثنائية مع حكومة الخرطوم (إتفاقية جيبوتي 2000) عادت كوادره بموجبها للخرطوم وشارك بعضها فى السلطة. ولقد نجحت الحكومة ليس فقط فى تفتيت التجمع، إنما سعت ونجحت فى تفتيت حزب الأمة القادم الجديد إلي حضنها، فضمت جناحاً منه ولفظت الآخر، ثم انقسم الجناح التابع لها إلي عدة أجنحة…وهكذا دواليك.

    • منذ نهاية التسعينات، كان تجار الحزب الإتحادي الديمقراطي (الذى بقي بالتجمع) يكثرون من زيارة القاهرة حيث تتواجد قيادة التجمع، ويلحون عليها فى الوصول لثمة صفقة مع حكومة الخرطوم، ويتحجّجون بأن مصالحهم قد أضيرت وأن الإخوان المسلمين قضوا تماماً علي الطبقة الوسطي التقليدية واستبدلوها بنفر أشعث أغبر قادم من بطون الريف وتلافيف الحرمان… بشرهٍ ونهمٍ وافتئاتٍ علي حقوق الآخرين….فساهمت تلك الضغوط فى تسليك محادثات القاهرة بصيف 2005 التى تمخضت عن اتفاقية يونيو من ذلك العام، وبعدها مباشرة غادرت فلول التجمع المتواجدة بالخارج…غادرت بلاد المنفى… وعادت للخرطوم وشاركت فى الحكومة بمقدار ضئيل ومساهمة رمزية ليست ذات أثر…وظل توازن القوى لصالح الإخوان المسلمين حتى اليوم.

    وهكذا، شدد الإخوان المسلمون قبضتهم على السودان، واكتسبوا نوعاً من الشرعية بوجود الأحزاب المعارضة فى كنفهم، مشاركة فى الحكومة وفى البرلمان بشكل أو بآخر، مما أغراهم بصياغة دستور دائم يضمن لهم الوجود السرمدي علي كراسي الحكم، وهو الدستور الإسلامي الذى سيشرعن دولة الخلافة ويقنن ولاية الأمير الذى كان قد فاز فى الانتخابات الرئاسية بأغلبية ساحقة (بغض النظر عن رأي الآخرين فى تلك الانتخابات التى لم تكن شفافة، كما شابتها جميع أنواع التزوير).

    وبالطبع، لا يهم الإخوان كثيراً ما يحدث للوطن السوداني، فهم كغيرهم من الإخوان المسلمين ليسوا شعوبيين، ولهم رسالة استراتيجية واحدة، تلك التى تصوّرها مؤسس الحركة حسن البنا، وهي إعادة الخلافة الإسلامية، وهي رسالة تمتد بالضرورة خارج الحدود، وقد يدخل فى إطارها المسلمون فى مالي ونايجيريا وتشاد، بالإضافة للصومال….كملحقات للخلافة الأم فى قاهرة المعز.

    لا يهم الإخوان فى كثير أو قليل أن إتفاقية نيفاشا كانت وبالاً على السودان، فقد تم الانفصال قبل أن تحسم مسائل المشورة الشعبية التى نصت عليها الاتفاقية فيما يتعلق بمنطقة أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ولم يتم ترسيم الحدود بين دولتي الشمال والجنوب…وهي حدود تمتد لألفي كيلومتر…يقطعها جيئة وذهاباً أعراب من البدو وجنوبيون رعاة لا يعرفون معنى الحدود الدولية…كما تم الانفصال قبل أن تحسم الأمور الخاصة بالنفط وأنابيب توصيله والرسوم والمستحقات لكلا الطرفين…وغير ذلك من المسائل الاقتصادية والحياتية التى تهم شعوب الشمال والجنوب، والتى ما زالت المفاوضات الخاصة بها تراوح مكانها منذ الانفصال قبل عام ونصف.

    ولقد تم انفصال جنوب السودان دون أن يتم التوصل لحل خاص بمشكلة دارفور التى ظلت مستعرة منذ عام 2003…ومع أن الحكومة الأمريكية أبدت اهتماما بهذه المسألة فى أول الأمر…وزار الممثلون والشخصيات الأمريكية معسكرات النازحين الدارفوريين بتشاد وإفريقيا الوسطى…إلا أن الإعلام الأمريكي صرف النظر عن مسألة دارفور بالمرة…وذلك حتى لا يحدث أي تشويش بالنسبة للقضية الأخري الأكثر أهمية للإستراتيجية الدولية الأمريكية…وهي جنوب السودان…وظلت دارفور في مربعها الأول، بل ربما تآمرت المخابرات الأمريكية لإسكات صوت المعارضة الدارفورية…إذ يقال إن الطائرات الفرنسية المنطلقة من تشاد هي التى أودت بالدكتور خليل ابراهيم قائد حركة العدل والمساواة بأحد أصقاع دارفور…ومن المستبعد أن تقوم المخابرات الفرنسية والجيش الفرنسي بهذه الخطوة دون تنسيق مع الأمريكان…وهو التنسيق الذى شهدنا طرفاً منه فى الآونة الأخيرة عندما تدخل الجيش الفرنسي فى شمال مالي وطرد منها جماعة القاعدة المتشددين…بضوء أخضر ومؤازرة معلوماتية ولوجستية من المخابرات المركزية الأمريكية.

    ولقد تداعت بعد الانفصال سلسلة من الحروب بين جيش الخرطوم وفروع الحركة الشعبية قطاع الشمال بمنطقة جنوب كردفان، حيث تقطن قبائل النوبة، ومنطقة جنوب النيل الأزرق موطن الإنقسنا والبرون وغيرها من القبائل الإفريقية التى تحلم بثمة حكم محلي فدرالي يبعدها عن هيمنة المركز الخرطومي العروبي الذى عرضها للتهميش الموروث من العهد الاستعماري …والذى تسبب فى عدم مجاراتها للتقدم الاقتصادي الاجتماعي النسبي الذى شهده باقى الوطن، رغم تعثره وكبواته المستمرة.

    هذه الأزمات المستعصية التى يعيشها بلد كالسودان هي بسبب التعنت والعناد الآيدلوجي الذي يتمسك به الإخوان المسلمون، وتراهم يرددون ما قاله محمد مرسي مؤخراً بإن تخلي الإخوان عن السلطة من رابع المستحيلات، ولسان حالهم يستذكر ما قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه: “لن أخلع لباساً ألبسنيه الله.” وهكذا سيستمر الإخوان فى البطش بشعوبنا، خاصة وهم يجدون الضوء الأخضر من الحكومة الأمريكية (إلي حين إشعار آخر).

    ولكن الخطورة الحقيقية تكمن فى أن مخطط الإخوان يستهدف المنطقة بأسرها، وكما عرفنا فى ندوة أبوظبي يوم 24 فبراير، فإن تنظيم الإخوان العالمي موجود الآن بدولة قطر، وهي التى تدعم تحركات المنظمات المتطرفة المشبوهة بمنطقة الخليج، وهي التى تقف وراء التمدد السلفي بشمال إفريقيا والصحراء الكبري، وهي التي تدعم النظام السوداني بسخاء شديد، وتعيد له توازنه كلما سدد له الشارع المعارض ضربات موجعات….إذ تحقنه بهبات نقدية ضخمة تحافظ علي سعر عملته المحلية إزاء الدولار…وتساهم بالاستثمارات الهائلة التى جيّرت ملايين الأفدنة من الأراضى الزراعية لصالح حفنة من الرأسماليين القطريين…وهي التى توشك أن تشترى مصر بقضها وقضيضها….من قناة السويس حتي المناطق السياحية بالأهرامات والأقصر.

    فما هو الحل، والحالة هذه؟

    إن الشعوب لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تري بلدانها تباع فى المزاد العلني والخفي لحفنة من الرأسماليين المحليين المتحالفين مع الإمبريالية الأمريكية…فالولايات المتحدة نفسها ليست إلا نمر من ورق….و لا ننسى أبداً أن شعوباً ضئيلة الإمكانيات كالفيتنامي والكوبي مرغوا أنف الإستعمار الأمريكي فى التراب….أما الأباطرة المحليون…فهم كأباطرة الأمس الذين تهاووا كأنهم أعجاز نخل خاوية…مثل حسني مبارك وبن علي والقذافي…وستبقي الشعوب….

    فقط علينا أن نرفع من درجات اليقظة والوعي…وأن نواصل فى رسالتنا التنويرية الخاصة بفضح تكتيكات واستراتيجية الإخوان المسلمين محلياً وإقليمياً ودولياً…وهذا ما لن نكف عنه حتي الرمق الأخير.

    ألا هل بلغت اللهم فاشهد!

    والسلام.



    ------------------

    إستهداف المسيحيين : لمصلحة من ؟
    March 4, 2013
    فيصل الباقر..


    وصل عمى البصر والبصيرة بالعقل المُتاسلم المأزوم فى السودان – للأسف - درجة من الغلو والتعصُّب الدينى البغيض، فى التعامل مع الآخر، يصعب فهمها وتوصيفها وإدراك معانيها وعلى الكثيرين من أهل السودان الذين عرفوا أنّ الإسلام الذى شبُّوا وأجدادهم الاوّلين عليه ، هو دين تراحم ومودّة ودعوة بالحسنى.

    هاهم دُعاة دولة ( خلافة ) آخر الزمان، يمضون خطوة فى الطريق (غير المُستقيم ) يُسخّرون أجهزة أمنهم الرسميّة و” كتائبهم الجهاديّة ” لتنفيذ حملات و” نفرات ” ” إيمانيّة ” “هلاليّة “جديدة لإلغاء الوجود والتواجد ” الصليبى ” - على حد زعمهم وبؤس تفكيرهم وتدبيرهم – وهم فى حالتنا هذه مواطنين سودانيين كاملى الدسم والأهليّة من معتنقى الدين المسيحى فى السودان ( الفضل ).وقد إختار الدُعاة الجُدد الزمان والمكان، لتبدأ معركة تصفية البلاد من (الآخر والمُختلف) فى قلب عاصمة (الخلافة الإنقاذيّة ) لتمتد عاجلاً أو آجلاً إلى غيرها من ( الأمصار )، بغرض تجفيف أو ” تطهير” (بلاد الإسلام ) من الآخر الدينى ،عبر إستخدام عنف الدولة وتمرير حملات التنكيل والإعتقال .. وقد بدأ المُخطط – لمن لا يعرف – قبل وقت طويل ،آثرت فيه- وقتها الدولة – أن تعلن زوراً وبهتاناً – عبر كل موجة و” حملة ” أنّها مُجرّد أحداث فرديّة، ولا تشكّل – بأىّ حال من الأحوال – نمطاً أو سياسة مُعتمدة بمباركة وتأييد ” أولى الأمرمنهم ” وخاتم (أمير المؤمنين ).

    تُرى لمصلحة من يتم إستهداف قيادات الصف الأوّل من معتنقى الديانة المسيحيّة فى السودان بينهم قساوسة ومبشّرين و” تُهدم ” كنائس وتُغلق مؤسسات صحيّة تابعة لها ومراكز ثقافيّة وتُصادر كُتب وأفلام وإرشيف؟

    الذى يحدث من إنتهاك لحقوق المسيحيين فى سودان (الإنقاذ)،هذه الأيّام ، لا يمكن عزله- البتّة – عن المناخ الذى يتم فيه ” تفريخ ” عناصر الهجوم والعنف المادّى والمعنوى ضد الإسلام الشعبى وموجات هدم الأضرحة والإساءة للرموز الدينيّة الإسلاميّة ومنع الإحتفال بالمولد النبوى الشريف وفتاوى تكفير المُعارضين السياسيين وحملات إغلاق المراكز الثقافيّة ومُنظمات حقوق الإنسان ، فالتطرف الدينى والسياسى عدو الجميع ،و هو – من قبل ومن بعد – بؤس يُنظّر له ويدعمه (فقهاء الظلام ) وما على الأجهزة التنفيذيّة سوى السمع والطاعة. فأنتبهوا يا أولى الألباب


    ------------------

    الحكومة لا تستقيم إلا برأى يخيفها
    March 5, 2013
    امال عباس..

    قال الكواكبي.. الاستبداد شر أبوه الظلم وأمه الإساءة وأخوه الغدر وأخته المسكنة وعمه الضُر وخاله الاذى وأبنه الفقر وبنته وعشيرته الجهالة ووطنه الخراب.

    تأملت هذه الكلمات مليئاً وأنا استعرض مسيرة هذا الاستبداد بعائلته المدمرة.. على مدى التاريخ.. تاريخ الأمم التي دمرتها هذه العائلة.. وتاريخ الأمم التي دمرت العائلة.. عائلة الاستبداد وكتبت تاريخها بأحرف من نور.. طافت بذهني وقائع استحضرها معكم وأنتم تراقبون مسيرة هذا الشر وعائلته بين ثنايا حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    كان حمدان قرمط وعبد الله بن المقفع يتأملان التناقض المريع بين الثراء المترف والفقر المميت اللذين يكتنفان الحياة في بغداد في عصر هارون الرشيد.. كان الغني الذي يموت بالتخمة والفقير الذي يموت بالجوع.. وكان العلماء لا يجدون قوت يومهم ويرحلون من بلد الى بلد وكل منهم يحمل كتبه في (خرج) على ظهره فتبتل الكتب وتفسد من العرق المتصبب من ظهور العلماء في رحلة البحث عن كسرة الخبز وجرعة الماء.. وكأني بأمين بيت المال عندهم يقول ليست هناك ضائقة معيشية وليست هناك جوع؟؟!!

    وثار الزنج في وجه العباسيين واستولوا على البصرة وقتلوا آلاف المصلين أثناء صلاة الجمعة.

    وثار القرامطة ثورة عارمة وعاصفة داعين الى المساواة والعدالة الاجتماعية

    واخمدت نيران الثورتين ولم تخمد الفكرة في العقول والنفوس.. فكرة الثورة على الخلفاء والسلاطين والحكام الذين يحكمون بالاستبداد وعائلته تحت راية الإسلام.

    وكانت أفكار جمال الدين الافغاني للثورة بالمفهوم الإسلامي ضد الاستبداد والظلم.. دافع الافغاني وهو السني عن ثورة المهدي في السودان.. وكتب في صحيفة العروة الوثقى يدعو المسلمين لتأييد المهدي الثائر في السودان على صلف واستبداد الاستعمار التركي فالوطن الاسلامي كان قد مزقته اوربا حين التهم الفرنسيون الجزائر وتونس وسيطرت انجلترا على الهند ومصر واستولت هولندا على اندونيسيا.

    كان الافغاني يقول وعلمنا التاريخ ان الحكومة لا تستقيم إلا برأى يخيفها ويلزمها أداء واجباتها فاذا لم يكن الأمر كذلك فالطبيعة البشرية تملي على الحكام أن يستأثروا بالمنافع.

    عندما اراد الملك فاروق في مصر أن يتحول الى خليفة مسلمين تصدى له الشيخ عبد الرازق احد تلامذة الافغاني ورفض الخلافة المحمولة من تركيا الى مصر على السفن الانجليزية.

    كل مسلم حريص على دينه يبحث عما يجمع وينبذ ما يفرق فالناس من شتى الاجناس سواسية أمام الله كاسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

    لكن بعض الجماعات ترفع رايات الإسلام وتخرج على الدولة بدعوى أنهم وحدهم المسلمون الناجون من النار وغيرهم كفرة وزنادقة مثواهم النار وبئس المصير أنهم يفرقون ويسيئون للإسلام ولثورة الإسلام المنفذة دوماً من أجل العدل والمساواة والقائمة أساساً على الفكر والعقل لا على البندقية والسكين والفؤوس.

    هذا مع تحياتي وشكري
                  

03-06-2013, 07:07 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    إِنِّي كَفَرتُ بِصنَمِكُم الذي تَعبُدُون! ..

    بقلم: فتحي الضَّـو
    الثلاثاء, 05 آذار/مارس 2013 21:00


    [email protected]
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدّعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضُون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    عندما استلمتم السُلطة بانقلاب عسكري صبيحة الثلاثين من يونيو1989م كنا نعيش في ظل وطن ممدود ونظام ديمقراطي برلماني معدود. أياً كان ضعفه وقواه، ومهما بلغ من فجوره وتقواه، فقد ذهبنا إلى صناديق الاقتراع واخترناه طواعية بملء إرادتنا. ليس لأننا نؤمن بأنه الحكم الأمثل لبلادنا فحسب، ولكن لأن واقع بلادنا نفسه يشهد بذلك. فنحن شعب كثرت إثنياته حتى كاد أن يعجز الأنثروبولوجيون عن عدِّهم وحصرِّهم. ونحن قوم تعددت دياناتهم لدرجة احتار الثيوقراطيون في تعايشها كما الحمل الوديع قرب ذئب لئيم. ونحن أناس تباينت ثقافاتهم فصار الديمغرافيون يحسدوننا على ثرائها أكثر من شعوب تمنتها ونصبت لها شركاً فعزّ تصيُدها. من أجل هذا كانت الديمقراطية غايتنا والحرية وسيلتنا، ذاك هو النظام المثالي الذي آمنا به وقلنا إنه من سيحفظ لنا حقوق هؤلاء وإن كبُرت ويُبيِّن واجباتهم وإن صغُرت. وقلنا إنه النظام الذي سينقلنا من ظلام التطرف إلى نور الحضارة والانفتاح، وقلنا إنه النظام الذي سينهض بوطننا نحو آفاق التميز والتقدم والازدهار. وأخيراً قلنا إنه النظام الذي سيكفل لنا مقعد صدق بين القبائل والشعوب والأمم!
    (2)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدّعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضُون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    لم نكن يومذاك نشتجِر في يوم سقيفة بني ساعدة طلباً لخلافة بغير وسائلها وطرقها وآلياتها. فليس بيننا من هو في مقام علي بن أبي طالب فيزهدها، وليس فينا من هو في قامة أبي بكر الصديق لتأتيه تجرجر أذيالها. لم نكن عصرئذٍ تخيم فوق رؤوسنا موقعة جمل ولا حرب نهروان ولا مذبحة كربلاء ولا معركة صفين، حتى ينادي فينا منادٍ يدعوننا لرفع المصاحف على أسنة الرماح. لم يكن عهدئذٍ ثمة فتنة كبرى ولا صغرى ولا يحزنون، لم يكن وقتئذٍ قد تمايزت صفوفنا بين أمويين وعباسيين، أو انقسمنا إلى سنة وشيعة، أو تقوقعنا بين مهاجرين وأنصار. على هدى المواطنة الحقة تواصينا، وكان المواطنون كأسنان المشط لا فرق بين أحدهم وآخر إلا بقدر ما اتّخذ الحرية ديناً والديمقراطية دنيا. كنا نعبُد الله على حرفٍ، ونتدافع بالمناكب نحو رحاب وطن عظيم، يرحم فيه كبيرنا صغيرنا ويوقر فيه صغيرنا كبيرنا. لم نكن في حاجة لأذقان تشهد سلامة إسلامنا، ولا لغُرة فوق جباهنا تؤكد سمو إيماننا. كنا نُزكي في صمتٍ ونصوم بخشوع ونُصلي في قنوتٍ وندعو ربنا بلا قنوط! فيا أيها الناس إن كان دينهم يدعو للفتنة، ويُفرق بين المرء وأخيه في دولة المواطنة، ويأمر بالمنكر وينهي عن المعروف، فاشهدوا أني بريء من دينهم ومما يعبدون!
    (3)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدّعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    كنا إذا وقفنا اعتدلت قامتنا كبرياء، وإذا جلسنا تواضعت أجسادنا بلا خيلاء. هبطتم علينا كالجراد ففغرنا أفواهنا دهشة وطأطأنا رؤوسنا خجلاً. كانت الديمقراطية أكبر همنا ومبلغ علمنا، تمنيناها مبرأة من العيوب ولم نقل إنها قرآن مُنزَّل أو إنجيل جديد. ارتضيناها لأنها غدت سُنة ماضية في حيوات البشر، يعزّ الشعب بهاَ من يشاء ويذلُّ من يشاء. هي ذات الديمقراطية التي أخرجت شعوباً من ظلمات العصور الوسطى إلى رحاب الحضارة والتقدم والازدهار. لكننا كنا في غفلة من أمرنا، أو كُنا من البراءة بمكان بحيث ظننا أن مسيلمة قُبر مع الأولين متوسداً كذبه. بل كنا من السذاجة حين اعتقدنا أن عبد الله بن أبي سلول لن يعود شاهراً نفاقه ودجله فوق محنتنا. وكنا من اللامبالاة بدرجة لم نتخيل فيها أن أكثر من بروتس كان يعيش بين ظهرانينا، وقد خبأوا خناجرهم خلف ظهورهم ليوم كريهة وطعان جِلس. كنا كالحمقى الذين يبحثون عن ظلٍ في ليلة السكاكين الطويلة، ولم يكن ثمة ظل يومئذٍ سوى ظل الحقيقة. فيا أيها الناس إن كان دينهم يشيع التخلف ويحض على المؤامرة، ويحرض على الكذب، وينشر النفاق بين بني البشر، اشهدوا أني بريء من دينهم ومما يعبدون!
    (4)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدّعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    بعد أن نجحتم في الانقلاب المشؤوم الذي دبرتوموه بِاسمِ الدين بحيلٍ يعجز الحواة عن فعلها، شرعتم بِاسم الله في تدنيس أرض كانت عذراء كقلوب ساكنيها، وبِاسم الله ولغتم في الفجور حتى زلزلت الأرض زلزالها، وبِاسم الله سعيتم في فضاءات الوطن فملأتموها ظلماً وجوراً وحروب حتى تصدّعت أركانه واشتعلت نيرانه. قتلتم شباباً يفعاً بتهمة أصبحت بعدئذٍ دينكم ودنياكم وآخرتكم. أزهقتم أرواح طلاب أبرياء كانوا يرومون علماً يستبينوا به سبل الحياة وينشدون أخلاقاً تعينهم على نوائب الدهر. أهدرتم دماء من خالفكم الرأي والرُؤى، وقطعتم أرزاق عباد الله الكاظمين الصبر والغيظ، كان ذاك يوم أن تلثم الصحابي مجذوب الخليفة وجعل المنبر مقصلة كما الحجاج بن يوسف، وقال إني أرى رؤوساً قد أينعت في الخدمة المدنية والنظامية، فهب لمؤازرته في الحملة الانتقامية تابعه الطيب محمد خير (سيخة) فراحت بعدئذٍ جحافل المفصولين تجوب الأرض بحثاً عمَّا يسد الرمق ويحفظ الكرامة. ولأنه لا فضيلة مع الجوع، فقد أكلت القوارير بأثداهن، واستطعم اللاجئون خشاش الأرض في معسكرات الذُل والهوان. فيا أيها الناس لو كان هذا دينهم الذي يقطع الأرزاق، ويقتل النفس التي حرم الله، ويعلن الحرب على أناس شهدوا بربوبية الخالق تبارك وتعالى، فاشهدوا أني بريء من دينهم ومما يعبدون!
    (5)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدّعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضُون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    يا أيها الكهنوتيون الجدد، بِاسمِ الله والجهاد خضتم حرباً في جنوب البلاد ظللنا نردد منذ اندلاعها وحتى مقدمكم البئيس، أنها حرب ذات مظالم سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة المعالم، ظلَّ المخلصون يثابرون في اجترار الحلول تلو الحلول، منها ما كان قاب قوسين أو أدنى، كما الحال في الاتفاقية التي درأت الحدود (قوانين سبتمبر) بالشبهات، فدبرتم من أجلها الانقلاب وأعلنتم الحرب الدينية على مواطنيكم وقسمتموهم بين فسطاطين، جنوب كافر وشمال مسلم. طار التوصيف في الآفاق واستقر الوصف في النفوس، فبهت من بهت وفزع من فزع وكفر من كفر. ثمَّ مضى حين من الدهر تطايرت النعوش كما يتطاير الفراش حول النار. ألقمتم الثكالى حجراً فتجمد الدمع في المآقي، وشيعتم الوهم بين الناس بأساطير وأباطيل فتخثر الحزن في القلوب. ثمَّ انقلبتم على أعقابكم خاسرين بعد أن هش كفار من وراء الحدود عصاهم، فاضطربت أحوالكم وتقطعت أوصالكم وأذعنتم وقلتم سوف نجنح للسلم، فكان الثمن وطناً بأكمله قرباناً في مذابح الفداء، ليس للدين الذي تتظاهرون بمناسكه ولكن من أجل السلطة التي تتشبثون بطقوسها. فيا أيها الناس لو كان هذا دينهم الذي يقيد الحريات ويكمم الأفواه، ويحرف كلم الله، ويخدع عباد الله، ويفتري على خلق الله، فاشهدوا أني بريء من دينهم ومما يعبدون!
    (6)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضُون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    بِاسمِ الله ودينه الذي يحض على طعام المسكين، كنزتم الذهب والفضة والبترول، عبدتم الدولار والدينار والريال والدرهم. بنيتم للفساد بيوتاً تطاولت طبقاً فوق طبق. وركبتم دواباً تباينت أحداً مع أحد. بينكم صال السارقون فغضتم الطرف عن اختلاساتهم، وجال المرتشون فأصابكم وقر من أثر الخنوع. أقمتم الحدود على الضعفاء الذين لا يقوون على العيش بما يكدحون، وتركتم الأقوياء الذين يأكلون أموال الوطن بالباطل وما يدخرون. بِاسمِ الله والإسلام صرنا بفضلكم إرهابيون ونحن الذين كنا حينما نذبح خراف الأضحية تقطر عيوننا دماً ودمعاً. أصبحنا بأفعالكم مشردين ونحن الذين كانت تتقطر قلوبهم لوعة على فراق وطنهم ولو لبضعة أيام مما تعدون، أضحينا بجرائركم مجرمون ونصابون ومشبوهون ونحن الذين كنا نعتز بسمو أخلاقنا وجمال قيمنا وأصالة معدننا. فيا أيها الناس لو كان هذا دينهم الذي يشجع على الباطل ويحيد عن الحق، يزين الفساد ويحث على أكل أموال السحت، لو كان دينهم هذا الذي يرهب ولا يطعم من جوع، يرعب ولا يؤمن من خوف، فاشهدوا أني برىء من دينهم ومما يعبدون!
    (7)
    يا من تفترون على الخلق كذباً، تدعون ظلاً لله في أرضه، وتُفوضُون أنفسكم حُكاماً بِاسمِه على عباده..
    إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. هؤلاء يا الله صنعوا أصناماً من المال والسلطة والجاه والفساد والاستبداد والذل والهوان وسوء الأخلاق وعبدوها!
    هؤلاء تاجروا بديننا ومأكلنا ومشربنا وصحتنا وتعليمنا وثرواتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وحياتنا وأحلامنا وآمالنا وطموحاتنا وأمننا وسلامنا وأرزاقنا وثقافتنا واجتماعياتنا، وفوق كل ذلك هؤلاء تاجروا بك يا رب العالمين.. تباركت وتعاليت وتنزهت عما يزعمون!
    يا أيها الناس، اشهدوا أني بريء من أصنامهم التي يعبدون، ومن دينهم الذي يزعمون، وآمنت بربي الذي لا يعرفون!!
    آخر الكلام: لابد من الديمقراطية ولو طال السفر!!



    -----------------

    حول سيناريوهات د. الواثق كمير ..

    بقلم: ياسين حسن بشير
    الأربعاء, 06 آذار/مارس 2013 05:50


    صحيفة القرار- الأحد- 3 مارس 2013

    اطلعت على نص المقال الذي سطره د. الواثق كمير بعنوان "الكرة في ملعب الرئيس... تفكك الدولة السودانية السيناريو الأكثر ترجيحاً" ونشر على ثلاثة أجزاء بصحيفة الصحافة بالأعداد رقم 7013 + 7014 + 7015 على التوالي بتاريخ 9 و10 و11 فبراير 2013م.

    يتلخص مقال د. الواثق في أن السودان يعيش أزمة وطنية عامة تتعدد مظاهرها وهناك ثلاثة سناريوهات للتغيير... السيناريو الأول هو إحداث بعض التعديلات التجميلية للواقع الحالي دون تغيير جذري ويعتقد أن هذا السيناريو لن يعالج الأزمة الوطنية العامة... السيناريو الثاني هو التغيير المسلح للنظام عبر تحالف بين الحركات المسلحة والمعارضة الداخلية ويرى أن هذا السيناريو سيؤدي إلى تفكك الدولة... ويخلص إلى أن السيناريو الثالث هو الأنسب لإنقاذ البلاد وتجنب حالة انهيار الدولة وهو سيناريو "التسوية السياسية الشاملة".
    قبل أن أسترسل في الحديث أود أن أعبر عن شكري وتقديري للدكتور/ الواثق كمير لجديته في التعامل مع الشأن العام السوداني فكتابة الأفكار والآراء وتقديمها للآخرين تعتبر درجةً عالية من الجدية... فلم يدمر السودان إلا عقلية "الونسة" السياسية لأن التنمية السياسية في دولة متخلفة كالسودان تقوم على الحوار الوطني... والحوار الوطني يقوم على الكلمة المكتوبة... قدِّم لي رأياً أو فكراً مكتوباً لكي أستطيع أن أحاورك حوله ولكنني لا أستطيع أن أحاورك في أطروحات هوائية شفاهية لا يمكن الإمساك بها.
    أسجل بوضوح أنني أتفق مع د. الواثق بأن السودان يعيش أزمة وطنية عامة وحادة لها عدة مظاهر سياسية واقتصادية واجتماعية ذكر بعضها ولا داعي للتفصيل فيها لأنها معلومة بتفاصيلها حتى للمواطن السوداني العادي... كما اتفق معه أيضاً بأننا يجب أن نتفادى أي فعل سياسي يؤدي إلى انهيار الدولة مهما كانت قسوة الواقع الحالي لأن انهيار الدولة يعني الجحيم بذاته وحرق حاضر ومستقبل وطن وشعب بأكمله... فهل إسقاط نظام حكم سياد بري في الصومال كان يتطلب تدمير الدولة الصومالية ودخول الشعب الصومالي في جحيم لا نهاية له؟
    أود أن أضيء بعض الجوانب وأضيف بعض الملاحظات لما ذكره د. الواثق... وألخص ذلك فيما يلي:-
    أولاً: تعاني الحركة السياسية السودانية بكل أحزابها وفصائلها الحاكمة والمعارضة... الموجودة داخل وخارج السودان... ذات التوجه السلمي والمسلح... من ضعف الكفاءة السياسية... الكل يجيد الحديث ولا يجيد العمل... القوى الحاكمة تتحدث ليل نهار ولكنها عاجزة عن معالجة إشكالات سياسية وأمنية مشتعلة توجد هوامش عريضة لمعالجتها... والقوى المعارضة السلمية والمسلحة تتحدث أيضاً وتنافس القوى الحاكمة في تدبيج الحديث النظري ولكنها عاجزة عن التحرك الفعلي لتغيير الواقع سلمياً أو بالسلاح... نتج عن هذا ما يمكن تسميته بـ "توازن الضعفاء"... الكل يقف في مكانه لا يستطيع أن يتقدم خطوة فتسير الأمور بقوة الدفع الذاتي... ولأن طبيعة العصر الذي نعيشه تتطلب التطور الصاروخي فإن هذا الجمود يعني الاتجاه نحو الخلف أيضاً بسرعة صاروخية.
    إن حالة "توازن الضعفاء" التي نعيشها منذ سنوات قد ولدت حالة من الإحباط واليأس السياسي وسط المواطنين... وتبلور ذلك في اللامبالاة وعدم التفاعل مع الأطروحات السياسية أياً كان مصدرها... الحكومة أو المعارضة... إنها مرحلة فقدان الأمل وهذه مرحلة خطيرة يجب أن تثير اهتمام القوى والعناصر الوطنية المستنيرة وتعمل على الخروج من حالة "توازن الضعفاء" ليس بأسلوب تدمير المعبد على رؤوس الجميع وإنما بأسلوب تنظيم إدارة المعبد ليعيش داخله الجميع دون تمييز ودون مكايدات ودون أحقاد ومواجهات مدمرة.
    ما لاحظته أن جميع القوى السياسية المنظمة في جانب الحكومة والمعارضة تتصرف وكأن السودان أرض جرداء لا يسكنها بشر ولا يوجد على سطحها غير حزب المؤتمر الوطني وأحزاب المعارضة... لا أحد يهتم بالوضع النفسي السياسي للجماهير السودانية... ولا أحد يسأل نفسه لماذا تمارس الجماهير حياتها اليومية بكل ما فيها من قسوة دون أن تلتفت إلى ما يدور فوقياً من صراع سياسي؟؟
    ثانياً: إن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي قد أثبتت أنه لا مستقبل للتحالف بين الأحزاب السياسية المعارضة والحركات المسلحة... ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي عندما ارتفع منحنى العمل المسلح هرولت الأحزاب المعارضة لتكوين وحدات مسلحة رمزية ليس قناعة في العمل المسلح ولكن لخوفهم من تقدم قوات التحالف وقوات الحركة الشعبية في ذلك الوقت وإدراكهم لأن مَنْ يحمل البندقية ستكون له الغلبة السلطوية... وليس مستبعداً أن تكون تلك الأحزاب المعارضة قد تآمرت على العمل المسلح وأضعفته بشكل أو بآخر لضمان الغلبة السياسية لها إذا ما سقط نظام الإنقاذ... هذه الهواجس السياسية ناتجة عن انعدام الثقة بين القوى السياسية السودانية... فكل حزب وفصيل يخاف من الآخر ولكن يتعامل معه لأسباب تكتيكية... كل طرف يخدع الآخر ويرغب في الاستفادة منه مرحلياً وكل طرف يعلم أن الآخر يخدعه... لذلك تظل التحالفات هشةً وغير فاعلة لأن الخطوات لا تحسب وفق معيار مصلحة الوطن وإنما وفق معيار المكاسب الحزبية الآنية الضيقة والمحدودة... إنه نوع من الطفولة السياسية الضارة بالوطن بل وبالأحزاب والفصائل السياسية السلمية والمسلحة نفسها... لذلك لا أعتقد أن هناك أمل في أن تحالف المعارضة السلمية مع الحركات المسلحة يمكن أن يقدم لنا معالجة سياسية للأزمة الوطنية العامة.
    ثالثاً: هناك إشارات كثيرة من عدة جهات معارضة لبعض المجموعات التي ترفع راية الإصلاح داخل المؤتمر الوطني تحت مسميات مختلفة... وما أود أن أسجله بوضوح أن هذه المجموعات لا يمكن إضافتها إلى قوى التغيير الديمقراطي لأنها تنطلق من خلفيات دينية سطحية فطيرة... تتحدت عن الإنقاذ الأولي في بداية التسعينات وترى أن الإنقاذ قد انحرفت عن مسارها ويجب أن تعود إلى سيرتها الأولى... ترى أن اتفاقية السلام الشامل كانت خطيئة سياسية كبيرة وانفصال الجنوب تنازل ضار من قبل الإنقاذ وخيانة لدماء الشهداء ولتضحيات المجاهدين والدبابين فالحرب كانت أفضل من الانفصال ولو استمرت لقرن قادم... ترفع راية توحيد الصف الإسلامي وتجميع أهل القبلة... ترى أن هناك تنازلات كبيرة قد قدمتها الإنقاذ للمجتمع الدولي... تنظر للفساد وكأنه قضية دينية وليست سياسية. في تقديري أن هذه المجموعات الإصلاحية داخل المؤتمر الوطني تحمل نفس العقلية السياسية الطلابية التي جاءت بها الإنقاذ قبل ربع قرن وأجبرت على التغير تحت ضرورات التجربة العملية لحكم دولة في وسط إقليمي ودولي معقد للغاية يجب عليك أن تتعايش معه... لذلك لا أعتقد أن ظاهرة المجموعات الإصلاحية داخل المؤتمر الوطني هي ظاهرة إيجابية يمكن أن تكون مفيدةً أثناء الحديث عن التغيير الديمقراطي للواقع السوداني.
    أعود الآن إلى "سؤال المليون دولار" الذي طرحه د. الواثق كمير في ختام مقاله وهو: كيف يتحقق التغيير السلمي؟
    بداية أؤكد أننا في حاجة إلى مساومة تاريخية... وعندما نقول مساومة تاريخية فهذا يعني أن تتقبل جميع الأطراف الحاكمة والمعارضة... السلمية والمسلحة تقديم تنازلات سياسية لأن السودان قد أصبح وطناً "قابلاً للكسر" ويجب أن نتعامل معه بحذر وبعناية فائقة وبعقلانية بعيداً عن الحماقات والعنتريات السياسية.
    إن طريق الانتقال السلمي هو طريق الخلاص الوطني ويمكن أن ألخص ملامحه الرئيسية في النقاط التالية:-
    أولاً: اعتراف وإقرار الأخوة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم حالياً بأن هناك أزمة وطنية حادة يجب أن يساهموا في معالجتها بالتعاون مع القوى السياسية السودانية الأخرى بمختلف توجهاتها ومواقفها من النظام الحاكم حالياً... وأن حزب المؤتمر الوطني كحزب حاكم لن يستطيع معالجتها منفرداً أو متحالفاً مع بعض القوى مع إهمال القوى الأخرى.
    ثانياً: أن يقبل السيد/ رئيس الجمهورية الاستقالة من رئاسة وعضوية حزب المؤتمر الوطني ويصبح رئيساً محايداً حزبياً.
    ثالثاً: أن يتم تكوين مجلس أعلى للخلاص الوطني من قادة جميع الأحزاب والفصائل السياسية السودانية العاملة داخل وخارج السودان سواءً أكانت تتبع أسلوب العمل السياسي السلمي أو ترفع السلاح ولا يستثنى أحد من ذلك لأي سبب من الأسباب بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني وعلى أن يترأس هذا المجلس رئيس الجمهورية ويمنح المجلس السلطات التشريعية الانتقالية.
    رابعاً: قبول حزب المؤتمر الوطني والأحزاب المشاركة معه في الحكومة حالياً التنحي لصالح حكومة تكنوقراط انتقالية مدتها أربع (4) سنوات يتم اختيارها من الكوادر الوطنية المؤهلة لإدارة المجالات المختلفة والغير ملتزمة حزبياً وعلى أن يعتمد هذه الحكومة المجلس الأعلى للخلاص الوطني.
    خامساً: يحدد المجلس الأعلى للخلاص الوطني مهام الحكومة الانتقالية فيما يلي:-
    معالجة القضايا الملتهبة في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
    • معالجة جميع القضايا العالقة بين السودان ودولة جنوب السودان وتطبيق نصوص اتفاقيات سبتمبر 2012م بين البلدين ووضع الأسس الصحيحة والسليمة لعلاقات ودية ووطيدة بين البلدين تحقق مصالح الشعبين.
    • تحسين علاقات السودان الخارجية الإقليمية والدولية وإزالة حالة المقاطعة والحصار الحادثة حالياً وتغيير الصورة السالبة للسودان في المجتمع الدولي.
    • التعامل القانوني والدبلوماسي مع ملف المحكمة الجنائية الدولية عبر بيوتات قانون دولية عريقة دون أن يعني ذلك القبول بما صدر من قبل المحكمة.
    • ترسيخ قومية القوات النظامية وإزالة أي شوائب حزبية علقت بها خلال السنوات الماضية.
    • وضع الأسس العلمية والواقعية لمعالجة تشوهات الهيكل الاقتصادي مع وضع برنامج إسعافي لمواجهة الضائقة المعيشية.
    • إزالة جميع مظاهر الهيمنة الحزبية بجهاز الدولة وتحويله إلى جهاز قومي مستقل إدارياً ومهنياً ومالياً مع وضع اللوائح والأنظمة والقوانين التي تنظم الأداء وتسد الثغرات التي يدخل عبرها الفساد الإداري والمالي.
    • إلغاء جميع القوانين واللوائح والأنظمة الاتحادية والولائية التي تقيد الحريات العامة وتهيئة مناخ ديمقراطي يضمن حرية مشاركة الجميع في إدارة شؤون وطنهم.
    • إلزام جميع الأحزاب والمنظمات السياسية السودانية على إقامة مؤتمراتها القاعدية وترسيخ علاقاتها بالجماهير وصياغة برامجها ورؤاها حول معالجة القضايا الأساسية للمجتمع السوداني ومقترحاتها لنصوص الدستور الدائم للسودان.
    • الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية ديمقراطية حرة مع بداية العام الرابع للفترة الانتقالية وعلى أن يتم ذلك وفق دستور 2005 الانتقالي.
    • تسليم السلطة للحكومة الديمقراطية التي سيشكلها البرلمان المنتخب ديمقراطياً وذلك في نهاية الفترة الانتقالية.
    • يحال موضوع صياغة دستور دائم للسودان للبرلمان المنتخب ديمقراطياً بعد أن يكون المناخ السياسي قد تغير واصبح ملائماً للمشاركة الحرة الفاعلة.
    في تقديري هذه النقاط التي أوردتها فيما سبق قد طرحت لأكثر من مرة ومن عدة جهات ويبدو أن هناك شبه اتفاق حولها لذلك أعتقد أنها تحتاج لمزيد من الدراسة والتفصيل بواسطة مجموعة تبادر لقيادة مساعي الخلاص الوطني... وأقول للدكتور/ الواثق كمير... إذا فشلنا في اكتشاف الطريق إلى المساومة التاريخية التي تنقذ البلاد فإن السيناريو الأول سيندمج في السيناريو الثاني وسيحدث انهيار الدولة لأن إبقاء الحال على ما هو عليه سيعني مزيداً من التأزم وبالتالي الوصول إلى نتائج السيناريو الثاني ليس بالضرورة بسبب الصراع المسلح بين المعارضة والحكومة وإنما بسبب انفجار قنبلة موقوتة داخل السودان وستنفجر حتماً إذا تعاملنا مع شؤون الوطن ببرود ولا مبالاة وكأن الأمر لا يهمنا.
    مع احترامي وتقديري للأخ د. الواثق كمير ولجميع القراء المحترمين الذين يتفقون أو يختلفون مع ما طرحته من آراء وأفكار... وليستمر الحوار ونطلع على آراء وأفكار أخرى من أجل الخلاص الوطني.


                  

03-18-2013, 05:35 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)




    قضاة مجرمون!! ..

    بقلم: د. عمر القراي
    السبت, 16 آذار/مارس 2013 17:34
    [email protected]

    (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) صدق الله العظيم
    من عجائب الإخوان المسلمين، التي لا تنتهي، جاء (أكد نائب رئيس القضاء السوداني عبدالرحمن شرفي أن القضاء السوداني يتمتع باستقلالية كاملة ولا يخضع لسيطرة أي جهةand#1644; وأعلن تمسك الخرطوم بتطبيق حد الحرابةand#1644; ملوّحاً بتدريب قضاة على البتر لتنفيذ الأحكام الحدية في حال رفض الأطباء تنفيذها. وكشف شرفي في لقاء مع صحف محلية عن تنفيذ 16 حد حرابة وحد السرقة عام 2001م مؤكداً التمسك بتطبيق الحدود الشرعية من دون أي حرج. وانتقد رفض دوائر خارجية وأطباء لتطبيق حد الحرابة على المدنيين منوهاً الى ان الطبيب الذي يرفض تنفيذ حكم الله سيخضع للمحاكمة. وقال "نحن نقدس كتاب الله ولا نقدس قسم ابوقراط" وتابع "وجاهزون لتأهيل بعض القضاة للعملية الطبية وكيفية البتر") (الحياة 13/3/2013م).


    نحن هنا، أمام جريمة نكراء، بشعة، راح ضحيتها مواطن بسيط، وآخرين لم نسمع بهم، إلا من حديث هذا القاضي المعطوب!! كما أننا أمام مأساة حقيقة، يروج لها أخ مسلم، جاهل بالشريعة، وبالقانون، وبحقوق الإنسان التي يحويها قسم ابوقراط، وفوق ذلك، يمتلك سلطة، ويتمتع بدرجة نائب رئيس القضاء!! ولقد قيل ان تهمة الرجل انه سرق (لوري)، فكان جزاؤه ان قطعت يده ورجله من خلاف!! وفي محاولة بائرة، لتبرير هذا الفعل المنكر، ذكر بعض الكتاب المأجورين، انه سلم (اللوري)، بحمولته التي ربما حوت مؤن وأسلحة، لحركة مناوي المحاربة لحكومة المؤتمر الوطني!! فهل يجعله كل ذلك –لو صح - مرتكباً لجريمة الحرابة ليطبق عليه حدها؟!


    قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فشرط الحرابة في الشريعة،هو محاربة الله ورسوله، بالخروج عن الاسلام، وعن طاعة الدولة التي تطبقه أولاً، ثم السعي في الأرض بالفساد .. فإذا حارب الله ورسوله بالكفر بهما، وحارب الحاكم المسلم بالخروج على طاعته، وظفر به يقتل.. وإن زاد على ذلك قطع الطريق، ونهب الاموال، يقتل ويصلب ..وإن نهب الاموال وهتك الاعراض يقتل. وإن اخاف الناس، وقطع الطريق، ونهب المال يقطع من خلاف.. وان اخاف السابلة ولم يؤذ احد ينفى من الأرض.. هذه هي احكام الحرابة كما نقلها الفقهاء عن الاصحاب، فهل فعل هذا المسكين أي من ذلك؟!إنه لم يحارب الله ورسوله، بل هو اقرب إليهما من قادة المؤتمر الوطني، من الاخوان المسلمين، فهو على كل حال سرق (لوري) واحد، بينما سرقوا ما يساوي ملايين (اللواري)، والاراضي، والعمارات، والسلع، ونهبوا مال الشعب، وباعوا مشاريعه، وأراضيه، وباعوا البترول، ولم يعطوا منه الشعب شيئاً، وفرحوا الآن بالاتفاق على أجرة مروره، ليضعوها في حساباتهم الخاصة، دون ان تؤثر في حياة المواطنين..


    ولم نسمع بأن أحد منهم، حتى الذين كشف المراجع العام فسادهم، قطع، أو سجن، تطبيقاً للحرابة أو غيرها من احكام الشريعة. ومع كل ذلك، ورغم ما يعرف الشعب، من فساد النافذين في هذا النظام،جاء عن هذا القاضي المأجور (وذهب مولانا شرفي الى التأكيد بأن المحكمة العليا أحكامها ناجزة حتى على رئيس الجمهورية الذي يحق لها مراجعة قراراته. وأضاف: "لا حصانة لقرارات رئيس الجمهورية التي تناقض مبدأ المشروعية"، قاطعاً باستقلالية القضاء السوداني وعدم وجود أي جهة تهيمن عليه مع عدم السماح لأي جهة بالتدخل فى الأحكام التى تصدر وقطع بأن أي شخص أيا كانت صفته يقدم للقضاء بتهمة اختلاس مليارات الجنيهات يخضع للقضاء ويحاكم دون مجاملة ووفق معايير العدالة وينال حظه من مراحل التقاضي والطعون) (السوداني 12/3/2013م). فإذا كان نائب رئيس القضاء يكذب بهذه الصورة الفاضحة، ليمالي السلطة التنفيذية، فما هو أمل المظلومين في العدل، حين تجور عليهم السلطة ويلجئون للقضاء؟!


    ومن جهل نائب رئيس القضاء بالشريعة قوله (بعد تنفيذ عقوبة القطع من خلاف يتم إيداع النزيل بالمستشفى للعلاج على حساب الدولة وينال علاجه وغذاءه الى أن يتماثل للشفاء") (المصدر السابق). فالشريعة لا تعتبر المجرم مريض، حتى تعالجه، وتغذيه على حساب الشعب، الذي أجرم في حقه، ولهذا لم يعرف مثل هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم، وهم أفضل من فهم الشريعة وطبقها. فلماذا ترك نائب رئيس القضاء الشريعة خلف ظهره، واخذ بأسباب الطب الحديث، التي تقوم على تخفيف الالم عن المريض، وهو ما نص عليه قسم ابوقراط، الذي قال انه لا يحترمه؟! ومن المفارقة للشريعة، أيضاً، ان يتم تخدير المريض، فلا يشعر بألم القطع، كما حدث لكل الحالات المذكورة في مستشفى الشرطة. وذلك لأن العقوبة قصد بها المشرع الألم الناتج عن القطع، ولم يقصد فقط فقدان العضو. ولقد طبق الاصحاب رضوان الله عليهم الحد، فكان من يقطع، يدخل باقي يده أو رجله في زيت حار، ليوقف النزيف فلا يموت. ولكننا إذا طبقنا ذلك اليوم، فإننا سنعرض الشخص الى مضاعفات، من جراء الحريق الذي يسببه الزيت الحار، قد تودي بحياته. هذا ما اتاحه لنا العلم الحديث، ولم يكن متوفراً للاصحاب في الماضي .. وهذا الاختلاف، في حد ذاته، شبهة يجب ان تدرأ الحد، فلا يقوم الحد ما دام في اقامته خطر على حياة المعاقب. هذا هو اتباع الشريعة بمعرفة حكمتها، وهو اولى من تخدير المعاقب، ليتجنب الألم، ومنع المضاعفات، بالمضادات الحيوية والعناية، والتغذية، ثم حرمانه من يده أو رجله، مع مفارقتنا للشريعة، في كل الاجراءات الحديثة التي نقوم بها، في بتر العضو بالمستشفى.


    ثم من أولى بأن يطبق عليه حد الحرابة، هذا المواطن المسكين، أم من اشعل الحرب في دارفور، فقتل أكثر من مأتي ألف مواطن سوداني، واجبر حوالي مليونين على اللجوء، والنزوح، وقطع الطريق، واغتصب النساء واخاف الناس؟! لماذا لم يطالب هذا القاضي التالف، بأن يطبق حد الحرابة، على الذين يقصفون المواطنين العزل بالطائرات في جبال النوبة، والنيل الازرق، ويمنعون الاغاثة عن النساء والاطفال ليموتوا جوعاً؟! إن الشريعة لو طبقت بحق، لنفذ حد الحرابة على الاخوان المسلمين، الذين يحكمون السودان اليوم، من قمتهم الى جنود الدفاع الشعبي، والأمن، الذين ارتكبوا كل هذه المجازر.


    ثم كيف يتبجح هذا القاضي الجاهل، بأن قطع المواطن المسكين، كان من باب تطبيق حد من الحدود الشرعية، والشريعة نفسها غائبة؟! ألم يقل السيد رئيس الجمهورية، إنما طبق حتى الآن (شريعة مدغمسة)، وأن الشريعة الصحيحة ستطبق في مقبل الأيام، وما زال الدستور الاسلامي المنتظر، في طور الاعداد؟! فلماذا تقطع الأيدي والأرجل من خلاف، قبل ان تأتي الشريعة السمحاء، على أيدي (حرامية) المؤتمر الوطني؟! إن الشريعة اكرم على الله، وأعز، من أن يأتي بها أمثالكم!! ألم تنشر صحفكم، أن احد قادة حزبكم، ونائب حاكمكم لأحد الاقاليم، قد ضبط مع فتيات، واتهم بالزنا، وقمتم بجلده، رغم انه متزوج، وحكم الشريعة رجمه بالحجارة حتى يموت؟! ألم تنشروا قريباً، أن أحد كبار قادتكم، وممثل حزبكم في محلية شيكان، اغتصب فتاة قاصر، ساومتم اهلها ليتنازلوا من القضية، لقاء مبلغ ضخم، يدفعه حزبكم، ولما رفضوا حكمتم عليه بالسجن - حتى تخرجوه بعد فترة كما فعلتم بغيره من قبل - مع ان استغلال منصبه، يجعل جريمته، من ضمن الفساد في الأرض؟! هل تريدون تطبيق الحدود لترهبوا بها الآخرين، واعضاء حزبكم - وهم اكثر الناس فساداً - يكونون بمعزل عنها؟!


    ومهما يكن من أمر، فإن الحدود في الشريعة، لا تطبق الا بعد ان يستقر الإيمان في النفوس، عن طريق التربية .. وهذه هي الحكمة في تأخر نزول احكامها. ثم هي لا تطبق، الا على مجتمع الكفاية، لأن الحاجة الملحة، والجوع، والفقر المدقع، يضطر الشريف من الناس للسرقة، وللنهب، ولا يمكن ان يحد الجائع .. والشعب السوداني معظمه تحت خط الفقر، والحكومة هي التي اضطرته للنزوح، وفقدان العمل، وهي التي دمرت مشاريعه الزراعية والصناعية، ودفعت به للحاجة الملجئة، ثم بعد كل ذلك، ترهقه كل يوم، بزيادة الاسعار، وبالضرائب، والجبايات، حتى ينشغل بالفقر القاهر، عن المطالبة بالحريات .. ولهذا، لا يمكن أنتعتبر اي أحكام تطبقها الحكومة هي الحدود الشرعية، قبل ان يرفع عن كاهل الناس، هذا الافقار والتجويع.


    ومن ضرورات تطبيق الشريعة، التي سكت عنها هذا القاضي البائس، ان يطبقها الحاكم في نفسه، وفي بيته أولاً، قبل ان يطالب بها الأمة، لأنه زعيمهم وقدوتهم.. فإن عجز عنها، أو عصى الله بمفارقتها، فلا طاعة له على أحد، ولا وجود لحكم الشريعة .. ولهذا قال الصدّيق الأكبر، رضي الله عنه، حين ولي الخلافة (أطيعوني ما اطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم)!!
    فإذا قام السيد الرئيس، بمحاسبة المفسدين من اعضاء حزبه، وبطانته، وصفى شركات اخوانه، وزوجاته، وخاله، وصادر اموالهم لصالح الشعب، وارجع اموال الاخوان المسلمين المهربة الى ماليزيا، وغيرها من دول العالم، وتنازل عن البذخ في مسكنه، وملبسه، ومأكله، وعاش كواحد من الناس، واوقف سفك الدماء في دارفور،وجبال النوبة، والنيل الازرق، وجنح الى مصالحة شعبه، واطلق سراح المعتقلين السياسيين، واعاد مراكز الاستنارة التي صادرها، وسمح بحرية الصحافة، وحرية وسائل الاعلام، واقام العدل في مكان كل المظالم، فيمكن، حينذاك، ان يقول انه سيطبق الشريعة .. ولكن لا يمكن ان يطبقها، وهو والغ في جميع هذه المفارقات لما قال الله ورسوله!!


    أما السيد نائب رئيس القضاء، الذي اطلق هذا التصريح المختل،وزعم أنه سيحول به القضاة الى جزارين للبشر، يقطعون ايديهم، وارجلهم، بلا شريعة، ولا قانون، ولا اعتبار لحقوق الانسان، فإنما هو رجل مرتزق، يساند نظاماً فاسداً، يسوّق له باطله، ويجوز له جرائمه، باسم الشريعة والقانون، حتى يأكل من فتات موائده .. فهو لا يشرف القانون، ولا يشرف مهنة القضاء، ولا يشرف الشعب السوداني الذي أوصله الى هذا المنصب .. حسبه انه باع دينه، بما ظنه دنياه، فخسر الدنيا والآخرة!!
    د. عمر القراي



    -----------------

    بلاغ لمجلس الأحزاب ..

    بقلم: فيصل محمد صالح
    الثلاثاء, 12 آذار/مارس 2013 20:57

    أفق بعيد

    تشكل مجلس شؤون الأحزاب السياسية بناء على قانون الأحزاب السياسية الصادر عام 2007، وفقا للمادة (40 ) من الدستور. ومهمة المجلس تسجيل الأحزاب، ومتابعة ومراقبة أنشطتها المختلفة لضمان التزامها بالدستور والقوانين السارية في البلاد. وقد قام المجلس بالجزء الأول من مهمته خير قيام، حيث أشرف على تسجيل الأحزاب السياسية القائمة بتوفيق أوضاعها، ثم تابع تسجيل الأحزاب الجديدة.


    ثم نام المجلس نوما عميقا، خاصة بعد تعيين رئيسه وزيرا للعدل، لم تذكره الحكومة لم يذكره أحد، حتى احتاجت له الحكومة في صراعها مع الحركة الشعبية، وسعيها لتجريم الحركة وعضويتها وإخراجهم من حلبة العمل السياسي في البلاد. لهذا سارعت الحكومة بتكملة عضوية المجلس "المستقل بحسب الدستور، والمادة (6) من قانون الأحزاب السياسية" بتعيين رئيس جديد وتكملة عضويته. واجتمع المجلس بشكل عاجل واصدر قراره بشأن الحركة الشعبية، وتم طرد عضائها من البرلمان، وانتهى الأمر.


    لم نسمع بالمجلس مرة أخرى إلا بعد الضجة التي صاحبت التوقيع على وثيقة الفجر الجديد، إذ سارعت الحكومة بشكوى الأحزاب التي وقعت على الوثيقة وطالبت المجلس بحلها. ولأن المجلس لا يرفض للحكومة وأجهزتها طلبا، فقد سارع بكتابة خطاب للأحزاب ، وبدأ في مساءلتها، تمهيدا لتقديم أوراقها للمحكمة.
    أمام المجلس فرصة ذهبية ليثبت استقلاليته، وبأنه يتحرك بناء على ما يراه من مخالفات الأحزاب المسجلة للدستور والقانون، بغض النظر عن هذه الأحزاب وقياداتها، ومدى قربهم أو بعدهم من مراكز السلطة.
    حملت الصحف الصادرة خلال اليومن الماضيين خبرا نشر في كثير منها، يتحدث عن اخلاء حزب المؤتمر الوطني لمقره والانتقال لمقر مؤقت، تمهيدا لهدم المبنى القائم وبناء مقر جديد بمنحة مهداة من الحزب الشيوعي الصيني.


    انتظرت ليوم أو يومين لأسمع أن الدنيا مادت تحت اقدام المؤتمر الوطني وقياداته، وتابعت خطبة صلاة الجمعة لأسمع رأي الأئمة والدعاة في موضوع كبير وخطير مثل هذا، يتجاوز موضوع جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم، لكن خاب ظني. لم أسمع استنكارا من أي طرف، ولم أقرأ أن مجلس الأحزاب تحرك في هذا الأمر الجلل، فقررت أن أكون وفيا لمواطنتي، ولتأكيد احترامي لدستور والقوانين المرعية في البلاد، أن أتقدم بهذا البلاغ، طبقا للمادة 10(أ) من قانون الأحزاب السياسية.
    السادة رئيس وأعضاء مجلس شؤون الأحزاب السياسية: لقد اعترف المؤتمر الوطني، وأعلن في الصحف، أنه تلقى منحة مالية لبناء مقره من الحزب الشيوعي الصيني، وهو حزب أجنبي حاكم في دولة الصين الشعبية، ويستند للماركسية اللينينية بنسختها المعدلة صينيا.


    وبما أن في هذا الأمر مخالفة للمادة 14(د) ، والمادة 21(3) من قانون الأحزاب السياسية، والتي تنص على وجوب أن تكون مصادر تمويل الأحزاب شفافة ومعلنة، وتجرم قبول أي هدية مالية من جهة أجنبية، كما أن تلقي حزب سوداني مساعدات مالية من حزب أجنبي يتعارض أيضا مع الأمن الوطني للبلاد، ويضع قرارها المستقل في خطر، خاصة إذا كان هذا الحزب يتولى الإدارة السياسية والتنفيذية والأمنية للبلاد ، فإني أطلب من سيادتكم دراسة الأمر، وتحويل ملف حزب المؤتمر الوطني، ومقره في شاع أفريقيا بالخرطوم، إلى المحكمة.
    وإذا جاز لي تقديم اقتراح شعبي لمعالجة الأمر، فإني اقترح معاقبة حزب المؤتمر الوطني بما تراه المحكمة، ومصادرة المبلغ المخصص لبناء أبراج الحزب، وتخصيصها لصالح مستشفى جعفر ابن عوف للأطفال



    ----------------

    مصفوفة" وسيدها غايب !!
    مصفوفة الرقبة

    03-16-2013 03:24 PM
    سيف الدولة حمدنالله

    لا أدري من اين جاءت الإنقاذ بمفردة "المصفوفة" التي أطلقتها هذه الأيام في وصف إتفاقية قائمة وموجودة، ولا يمكن لأحد أن يفهم لماذا يعيش أهل الإنقاذ هذه الحالة من النشوة والإبتهاج بسبب هذه الإتفاقية التي كانوا يرفضها قولاً فصلاً، لمجرد أن إسمها قد تغير من "إتفاقية" إلى "مصفوفة"، فليس هناك سبب يجعل نفساً تُقدم على أكل وجبة "دجاج" بكل شهية وهي تعافه لمجرد أنه قد قيل لها بأن الوجبة قد طُبخت بلحمة "ديك"، فهذا خداع للنفس وإستخفاف بعقول الناس.

    الواقع أن هذه "مصفوفة" وسيدها غائب، فالشعب المعني بها لن يمضي عليه وقت طويل حتى يكتشف بأن هذه "مصفوفة" للسطو على عائدات البترول لا لتحقيق السلام بين البلدين، ولا يحتاج بلوغ هذه النتيجة تحليل عميق للمعطيات التي تقود إليها، فالأسباب التي حملت بحكومة الإنقاذ على رفض تنفيذ إتفاقيات أديس أبابا لا تزال موجودة ولم تتغير، وحتى قبل يوم واحد من حدوث هذه الحفاوة ب "المصفوفة"، كانت الإنقاذ تشترط الحصول على تعهد "كتابي" من حكومة الجنوب بفك إرتباطها بالحركة الشعبية قطاع الشمال، كما أنها كانت تشترط تنفيذ إتفاقية الترتيبات الأمنية قبل موافقتها على تصدير البترول، ومنطق الإنقاذ في ذلك، وهو منطق معقول، هو أنها إذا قبلت بتصدير البترول قبل حسم القضايا الأمنية، فإنها سوف تساعد خصمها في القضاء عليها.

    أفضل وصف لهذه "المصفوفة" جاء على لسان ياسر عرمان الذي كنت أتحدث إليه في محادثة هاتفية، حين قال بأنها إتفاقية لتأجيل المشاكل بين البلدين، وهو محق في هذا الوصف، ذلك أن ما فعلته هذه "المصفوفة" أنها قامت بضبط توقيت إنفجار القنبلة على تاريخ غير معلوم للطرفين، ولكنها في النهاية لا بد أن تنفجر، فتوقف تصدير البترول هو عَرَض للعِلٌة وليس سببها، ومن البلاهة الإعتقاد بإنقضاء المرض لمجرد زوال الحمٌى التي نجمت عنه نتيجة عمل "مكمدات" باردة ما دامت أسباب المرض لا تزال تنخر في جسم المصاب، فالذي أصدر قرار وقف تصدير النفط هو حكومة الجنوب لا حكومة الإنقاذ، وقد حدث ذلك – سواء بالحق أو بالباطل – كنتيجة لشكوى الجنوب من عدم مقدرته على ممارسة رقابته على عمليات إستخراج وتصدير النفط، وعدم ممارسته لسيادته على أرضه وممتلكاته بباطنها، وإدعائه بقيام الإنقاذ بسرقة كميات من النفط وبيعه دون علمه، وبالنتيجة رأت حكومة الجنوب بأن بقاء النفط في باطن الأرض أفضل لأجياله القادمة من تسليمه لخصومه.

    كما أن هناك كثير من القضايا المستعصية على الحل بين الطرفين من بينها مشكلة ترسيم الحدود والنزاع حول تبعية بعض المناطق الحدودية وأعقدها "أبيي"، وليس هناك ما يشير بقرب التوصل إلى حل بشأنها، وقد سبق لنا القول - في مقال سابق - بأن غاية ما يتمناه أيٌ طرف للآخر هو أن يزول من سطح الأرض لا أن يهنأ بخيرات مثل هذه "المصفوفة" من عائدات البترول، والذي جاء فيه أيضاً أن الذي يبلغ به الحد لأن يُصدر قانوناً – كما فعلت الإنقاذ - يعطى بموجبه الحق للشرطي لأن يطلق النار على المواطن من بلده ليزهق روحه لمجرد ضبطه وهو يسلم قطعة خبز لأخيه في الجنوب (قانون رد العدوان)، لا يمكن أن يؤتمن على مصافحة غريمه دون أن يقوم الأخير بعد أصابعه، فما حمل الطرفان – هذه المرة أيضاً - على توقيع هذه "المصفوفة" شيئ آخر يقال له بالتعبير البلدي “الشديد القوي”، والأصح الشديدان القويان: عصا مجلس الأمن واللهفة للحصول عائدات البترول.

    فالقضايا العالقة بين الطرفين لا تزال في وضعها بين السماء والأرض، ولم تتحرك بوصة واحدة من الوضع الذي كانت عليه عند توقيع إتفاقيات أديس ابابا، وكل الذي فعلته هذه "المصفوفة" أنها وضعت "بطانية" على الجرح حتى لا يرى أي من الطرفين الصديد الذي يخرج منه، ذلك أن "المصفوفة" لم تحسم النزاع حول المناطق الحدودية، ولا الترتيبات الأمنية، وغاية ما حققته "المصفوفة" أن الدولتين قد إتفقتا على سحب قواتهما من الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين لمسافة عشرة كيلومترات لتصبح المساحة الواقعة بينهما بلا كفيل.

    للمفارقة، في الوقت الذي قابلت به الإنقاذ هذه "المصفوفة" بحفاوة وكأنها قد وضعت بها نهاية لأحزان البلاد جراء الحروب التي تشهدها، تعيش الإنقاذ أسود أيامها على صعيد نتائج المعارك التي تخوضها في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، للحد الذي باتت فيه الإنقاذ تكشف فيه عن ضعفها وهزائمها بنفسها من واقع البيانات العسكرية التي تعلنها بنفسها فيما يُشبه الإستسلام، ومن ذلك ما قال به "الصوارمي" عن إنسحاب الجيش من منطقة "مفو" بالنيل الأزرق وإضطرار القوة المقاتلة للتراجع إلى داخل مدينة الكرمك بسبب كثافة نيران جيش الحركة الشعبية وضخامة عدد المقاتلين (كان الصوارمي قد أعلن قبل يوم من هذا البيان أن القوات المسلحة قد "طهٌرت" النيل الأزرق كلياً من المتمردين). ومن ذلك أيضاً صدور بيان من الجيش يحكي عن مشاركة مرتزقة "بيض" ضمن قوات الحركة الشعبية كتبرير مبطٌن للهزيمة، كما بات في حكم المعلوم بأن هناك ما يشبه الحصار على كثير من المدن الكبرى في دارفور "نيالا والفاشر" والنيل الأزرق "الكرمك" وجنوب كردفان التي لخٌصت أزمتها النائبة البرلمانية "عفاف تاور" التي قالت أنه لم يعد في مقدور أيٌ مواطن أو مسئول الخروج من أي مدينة داخل الإقليم لمسافة خمسة كيلومترات.

    تُخطئ الإنقاذ بإعتقادها – كما يردد أركانها - بأن هذه "المصفوفة" سوف تمكنها من حسم الحروب التي تشتعل في أركان البلاد لأنها تمكنها من وضع يدها مع حكومة الجنوب التي "كانت" تقوم بمساندة ودعم من يقاتلونها، فهذا تفكير قاصر وأخرق، فالحرب التي يجري رحاها في دارفور وفشلت الحكومة في حسمها لم تبدأ بعد أن أصبح الجنوب دولة مستقلة حتى يقال بأنه كان يدعم الحركات التي تقاتل في دارفور، فحين بدأت حرب دارفور - قبل أكثر من عشر سنوات - كان الجيش الشعبي يحارب في الجنوب بالبندقية من نوع "أبوعشرة" التي كان يستخدمها العساكر في زمن الإستعمار، وهي الحرب التي ما إزدادت الحرب الاٌ بعد أن لأبرمت الإنقاذ إتفاقاً مع حكومة الرئيس التشادي "دبِي" رفع بموجبه يده من دعم مقاتلي تلك الحركات، وكانت الإنقاذ تعتقد بأن ذلك سوف يؤدي إلى إضعافهم وتسهيل القضاء عليهم، كما لم يؤثر نهاية نظام العقيد القذافي برغم ما هو معروف من دوره في دعمها ومساندتها بالسلاح.

    بل أن التاريخ يقول أكثر من ذلك، من واقع تجربة الإنقاذ نفسها مع حرب جنوب السودان، حين هللت لسقوط حكم الرئيس الإثيوبي منقستو (1991) الذي كان يدعم جيش حركة تحرير السودان، وإعتقدت بأن ذلك سوف يمكنها من القضاء عليه خلال بضعة أسابيع، فيما إستمرت الحرب وإزدادت ضراوة بعد ذلك حتى تحقق لجيش تحرير السودان "الأصل" أن يُملي على الإنقاذ كل ما كان يحلم به من قبل وصولها للحكم.

    والحال كذلك، لا تستطيع الإنقاذ أن تخدع الشعب بمثل هذه "المصفوفة"، لمجرد إطلاق هذه التسمية عليها، فليس هناك شك في أنها "مصوفة" وسيدها غائب، فهي لن تحقق سلاماً بين البلدين، ولن توقف الحروب التي تجري في أطراف البلاد، فالشعب لن تطاله فائدة من وراء هذه "المصفوفة"، فالغرض منها أن تجري الأموال من جديد في أيدي اللصوص، وسوف لن يمض وقت طويل حتى ينفجر برميل البارود الذي كتبت به هذه "المصفوفة"، فليس هناك أمل في أن يكون لواحد من أهل السلطة عقل ليدرك به أين تكمن العلٌة التي تدفع بالبلاد نحو الهاوية، ولا أدري كم من الوقت ينبغي أن يمضي لتعرف الإنقاذ هذه الحقيقة، بيد أنه لا ينبغي علينا أن نقف نتفرج على ذلك، فتغطية الأذنين لا يعني زوال الضجيج بأية حال.



    سيف الدولة حمدناالله
                  

03-25-2013, 09:16 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    فِي ذلك فليتنافس المُفسِدون! ..

    بقلم: فتحي الضَّـو
    السبت, 23 آذار/مارس 2013 11:20


    [email protected]
    ما زالت الوثائق تنهال علينا مثلما ينهال على رؤوسنا صقيع هذه البلاد الذي تموت من جرائه الحيتان، كما قال الأديب الراحل الطيب صالح طيب الله ثراه. وفي هذا يطيب لنا أن نستعير مقاربةً أخرى راسخة للزعيم الراحل إسماعيل الأزهري، ونقول كلما سألونا من أين لكم هذه الوثائق؟ أجبناهم بوثيقة أخرى. بين يدينا وثائق جديدة لمشروع قديم لم ير سوى نور الورق ونار المفسدين. أما نحن فقد رأينا نشرها لأننا لا نستطيع معها صبراً حتى نلحقها بالطبعة الرابعة لكتابنا الموسوم بــ (الخندق/ دولة الفساد والاستبداد في السودان) والذي ضمَّ بين دفتيه خزي وعار وشَنار العُصبة ذوي البأس. ولم تستطع مواجهته سوى بمطاردة الكِتاب حيثما حلَّ والتضييق على من يريد اقتنائه ما استطاعوا لذلك سبيلاً. ومن قبل أن نبسط هذه الوثائق بين يدي قراء الصبر شيمتهم والعدل غُرَّتهم، حري بنا أن نستعرض بعض الملاحظات حول خطيئة المنقذين الكبرى (نجلي بها النظر يا صاح) أو كما قال شاعرنا الراحل العظيم سيد عبد العزيز، بالرغم من أنه قصد به وصفاً هو من السمو بمكان حتى وإن تطابق عجز البيت مع فاسدٍ (طرفه نائم وصاحي) وهمو كثر!


    أولاً: على عكس ما زعم البعض، ليس بالضرورة أن تكون الوثائق التي تتسرب وتصل لغُمَار الناس ونحن منهم، هي جهد مفسدين والغين في الفساد نفسه. فالوالغ هم من يتستر على صحبه وهو فيهم، ولا يكشف سرهم حماية لذاته وليس حباً في سواد عيونهم. وعوضاً عن الزعم المذكور نحن نعتقد تواضعاً أن فضح الأسرار غالباً ما يتأتى بإحدى الوسيلتين، إما وخز ضمير متأخر أو لتباين مصالح المفسدين أنفسهم. وبينما الأولى لا يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم، فإن الثانية تظهر عندما تخضع للقاعدة الذهبية التي تقول (إذا اختلف اللصان ظهر المسروق) وهي القاعدة التي أثبتت التجارب صحتها بل وفاعليتها بمرور الزمن. وتعلمون يا سادتي كذلك أن المفسدين يتراصون كأسنان المشط في أقبية الفساد، بيد أن غرائز الحقد والكراهية والشحناء والبغضاء والكيد والحسد تبرز بينهم عندما يتفاضلون في الثراء، فينكشف حينئذٍ السارق ويظهر المسروق!
    ثانياً: المعروف أن العصبة الحاكمة في السودان سرقت السلطة بليلٍ، وطبقاً لهذا المفهوم ليس غريباً على من فعلوا ذلك استحلال كل شيء حتى وإن تضاد مع الدين الذي يتبعون. ومن جهة ثانية فالمعروف أيضاً أن هرم الفساد كلما اتسعت قاعدته كانت وقائعه آيلة للكشف والفضح والتعرية، فما بالك في فساد أصحاب الأيادي المتوضئة والأفواه المتمضمضة، والذي صار له لسان وشفتين وأصبح يُعبر عن نفسه دونما كثير اجتهاد!


    ثالثاً: بل يمكن القول إن فسادهم أصبح ديناً له سنن وفرائض، فيه امتزج الحلال بالحرام وتطابقت بينهما الأمور المتشابهات. وصارت له أسماء غير ما تعارف عليها بنو البشر منذ أن هبط أبوهم آدم إلى الأرض، وأضحت لفاسديه هويات لم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب كائن من الناس، وغدا بشيرهم ونذيرهم وهو الفاسد الأكبر، ومن بيده الثواب والعقاب. ثم وجدنا أنفسنا في يوم كيوم الحشر يستحيل العثور فيه على عفيف شريف طاهر اليدين من ملتهم، لدرجة بات فيها الغول والعنقاء والخل الوفي أيسر منالاً!
    رابعاً: نعم إن ما يميز فساد المنقذين أنه صار مرتبطاً بهوية دينية تدعيها عصبتهم، الأمر الذي أحدث تشويشاً رهيباً في نفوس وعقول الكثيرين، خصوصاً البسطاء الذين جُبلوا على دين الإسلام بالفطرة وتقاصرت امكانياتهم عن التفقه فيما يدعم معتقدهم ويوطد أركانه في سلوكياتهم. مثل هؤلاء رأوا العصبة ترتاد المساجد فشهدوا لها بالإيمان امتثالاً لقول رسولهم الكريم، وفي مناسبات أخر رأوا ذات العصبة وهي تعيث فساداً في الأرض ضجت منه السماء. فما الذي يمكن أن يتوقعه المرء من أناس بنوا مرئياتهم العقدية على خيال محدود وفساد ممدود؟!
    خامساً: في خضم جدلٍ كهذا ليتنا كنا نعيش في دولة عصرية تعتمد على شفافية الاستبيانات والإحصاء وحديث الأرقام الذي لا يكذب، وذلك حتى نستطيع أن نتبين كم عدد الذين دخلوا الإسلام في ظل حكم العصبة ذوي البأس، وكم عدد الذين غادروا ساحته بعد أن رأوا تناقض أقوال الذين يدعون الحاكمية مع أفعالهم. فحينئذٍ ستسقط المزايدات بأمل أن يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!


    سادساً: على صعيد آخر، المفارقة أن ثمة فئة تحسبهم في مصاف المتعلمين ولا نقول المثقفين ولا المتفقهين، بعضهم غادر ساحة الحاكمين لأسباب يقولون عنها إنها أيدولوجية وليست سلطوية كما هو معروف لنا. هؤلاء ما زالوا يكيلون بمكيالين إذ يغضون الطرف عن خطايا الحاكمين، في الوقت الذي يسارعون فيه إلى صقل سيوفهم وتطريق حناجرهم بدعوى أن أحد رعايا فسطاط الكفر أساء لدين الله. ونحن نسأل هؤلاء عمن هو المؤذي الحقيقي للعقيدة؟ هل هو من أظهر غير ما أبطن وجعل الدين مطية لتحقيق أهداف دنية أم آخر لا يسوى عند الله جناح بعوضة كما يقولون؟


    سابعاً: في تواصل شئون وشجون الفساد دعونا نهبط للأرض قليلاً متلمسين آثاره السالبة على الناس. إذ لا تعرف البشرية في مسيرتها الدنيوية خطيئة لها آثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدمرة مثلما فعل ويفعل الفساد. فأسوة بما تساءلنا به دينياً من قبل، ليت أهل السودان يتساءلون دنيوياً عن حالهم ووضعهم بين الشعوب والأمم لو أن ثروات بلادهم بكثرتها - كماً وكيفاً - وُزعت بالعدل والقسطاس على الناس ولم تنهبها العصبة نهب من لا يخشى إفقار بلاده!
    ثامناً: في تقديرنا إن الفساد مثل الخمر ما أسكر كثيره فقليله حرام. والسكوت على الفساد يورث الخوف والجبن والخنوع والنفاق والمداهنة. ومن عجبٍ فإن بعض الناس درج على الاستخفاف بحجمه واستصغار شأنه، ولا يدري المرء أهو طعن في مصداقية من انبرى لتعريته صغر أو كبر أم هو تعمُّد مد يد العون للمفسدين ليسدروا في غيهم؟!
    تاسعاً: من العصبة أناس يدعون الطهر والعفاف ويحاولون الظهور بمظهر البرىء، وهؤلاء تعرفهم من لحن القول وادّعاء الذل والمسكنة، في حين يعلم الناس أن العصبة جميعها على قلب رجل واحد وقد بزوا أبناء سيدنا يعقوب في التآمر. إذ عندما يتعلق الأمر بالفساد يدبرون عن الدين ويقبلون على الدنيا، بعضهم لبعض ظهيراً، لإدراكهم أن أي كبش فداء يمكن التضحية به يعني التضحية ببقية القطيع، لهذا عزّ على الناس رؤية أحد سدنتها وقد حوكم، لأنه سيجر من خلفه جيشاً عرمرماً في سياق كشف المستور، ولذا فالفساد هرمي في سلطة العصبة، أي بدءاً بالرئيس "الضرورة" القائل (إذا ما في مفسدين نجيبهم من وين؟) إلى سادن اللجنة الشعبية في المدن والقرى والضواحي!


    عاشراً: صحيح أن العصبة ذوي البأس تيبست جلودهم من أكل مال السحت، وصحيح أنهم ارتدوا أقنعة واقية ضد الحياء والخجل، وصحيح أنه أصابهم وقر فباتوا لا يسمعون، وصحيح أنه حلَّ بهم عمي فصاروا لا يرون فسادهم، وصحيح أيضاً أنهم لا يبالون ولا يرعون وهذا ما دأبوا عليه طيلة سنوات وجودهم في السلطة، ولكن ينبغي ألا يكون ذلك دافعاً للتقاعس أو مثيراً للإحباط، بل من المهم التذكير بأن توثيق الفساد هو واجب وطني ومسؤولية أخلاقية ليوم شره مستطير!


    أحدى عشر: في سلطة الإنقاذ نجد أن الفساد قد اكتسب أشكالاً وألواناً، فلم يتوقف الأمر على الفساد المالي وإنما تبعه الإداري والأخلاقي والاجتماعي والثقافي والرياضي وهلمجرا. وفي خضم ذلك تراهم وقد ابتذلوا حتى الألقاب فلمزيد من التورية تطلق الألفاظ على عواهنها مثل الشيخ والأستاذ والمفكر والدكتور والعارف بالله وخادم القرآن... ألخ، فلا غرو عندئذ أن تشمل وثائقنا هذه اثنان ممن مُنحوا الصفة الأخيرة بكرم حاتمي وثالثهم باسط ذراعيه بالوصيد، مما أكتسب فسادهم هوية جديدة!
    في المحور الثاني أو الجزء الأخير من هذا المقال دعونا نستجلي غموضاً اكتنف وثائق الفساد التي سنطرحها بين أيديكم بشروح في المتون واستظهار الحواشي، لتزيح ما قد يمكن أن يلتبس أمره على البعض في فساد أغطش ليلنا وكسف ضحانا!
    أولاً: لمزيد من الإيضاح نأتي لقراءة خلفية هذه الوثائق، فالمعنيون فيها من العصبة هم قال عنهم المتنبي (ألقاب مملكة في غير موضعها/كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد) أولهم (المفكر) أمين حسن عمر، ذلك الذي عُرف بنخنخة الكلام وعرجفة المقام وخيلاء الحِسان. وثانيهما (المفكر) حسن مكي وقد قال عنه صديق لنا إنه جرىء فيما لا يعلم، وآخرهم (المجاهد) حاج ماجد سوار الذي ترقى في مدارج عصبته ببطولة صفعه معلماً كاد أن يكون رسولاً!


    ثانياً: في الجانب الآخر من هذه العقود هناك شركة لن تجدها في أرض الواقع (ميدواي سنشري تكنولوجيز المحدودة) مثلما لن تجد مشروعاتها الإنشائية والبالغة وفق نصوص العقد 95 مليون دولار وقد تطاولت أمام عينيك! وصاحب هذه الشركة من الجنوب اللبناني اسمه إسماعيل سدار، وجاء وفي معيته رهط من بني جلدته وآخر أمريكي الجنسية وثالث من رومانيا وبينهم سوداني لأسباب ستضح مراميها.
    ثالثاً: هذه الشركة وأصحابها اختفوا من الوجود.. لماذا؟ حدث هذا بعد أن (وقع الفأس في الرأس) إذ حدثني السيد يوسف (أ) وهو رجل أعمال ممن ينفرون من العصبة وأمثالها. قال لي إنه مدفوعاً بحسه الوطني جمع قرائن ووضعها أمام حاج ماجد سوار تؤكد أن مالك الشركة الذي جاء بقضه وقضيضه وكان يصرف صرف من لا يخشى الفقر، هو ببساطة عميل لجهاز الموساد الإسرائيلي، فبهت الوزير الهمام وعندما أدرك المذكور أن سره إنكشف أو في طريقه لذلك، غادر البلاد خلسة بما خف وزنه وغلا ثمنه، ولم يترك أثراً من ورائه سوى هذا الورق الذي نضعه بين أيديكم!
    رابعاً: وإن سألتم كيف جاءت هذه الشركة؟ نقول لكم وفقاً لمصادرنا، جاء بها وزير الدفاع الأسبق الفريق إبراهيم سليمان بطموح واحد فقط وهو أن يُدرِجوا ابنه هيثم (بمثلما سبق ودرَّج ضباط آخرون العباس شقيق المشير) ولهذا تطالعون إسم ابن الفريق يتلألأ وسط حاملي أسهم الشركة الوهم!
    خامساً: وقع مع هذه الشركة (المفكر) أمين حسن عمر عندما كان وزير دولة في وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ووفقاً للمصادر التي سربت لنا هذه الوثائق فإنه وصحبه خصص لهم 20% وهي نسبة غير مرئية في العقد وتسميها العصبة بأسماء شتى ليست الرشوة واحدة منها على أية حال!
    سادساً: لأسباب نجهلها ظل المشروع يداور مكانه لعامين حسومين، بالرغم من أن العقد ينص على التسليم بعد ستة شهور. خلالها غادر (الأمين) كرسي الوزارة وخلفه آخر ذو اسم برّاق (حاج ماجد سوار) وفي العام 2010 وقّع ملحقاً يقضي بتوجيه بنك السوداني في تسريع فتح خطاب الضمان لتعجيل التنفيذ ويقضي بتسليم المشروعات التي تنوء بحملها الورق في نهاية نفس العام (من الأفضل قراءة التفاصيل في العقد) أما المفكر الآخر فقد وقّع مع ذات الشركة عقد لمشروع وهمي أيضاً عبارة عن سكن لطلاب جامعة أفريقيا وقاعات محاضرات، وهي الجامعة التي ظل يرأس مجلس إدارتها حتى تهتك الكرسي الذي يجلس عليه، وقبل شهور قليلة أقيل بواسطة مجلس الإدارة بأسباب لم يكشف عنها النقاب، ولكن تردد أنه متورط في قضية فساد أخرى مع إيرانيين من (الجمهورية الإسلامية) وتلك قصة أخرى!
    سابعاً: السؤال الذي يتوارد للذهن، كيف لعقد بهذه الضخامة في المال والمنشآت لا يمر عبر مجلس الوزراء الذي يفترض فيه أن يجيزه ويخصص له موارده المالية من الوزارة المعنية بذلك؟ وكيف لوزير دولة أن يوقع مثل هذا العقد الذي يفترض أن يكون من مسؤولية الوزير أو الوكيل التنفيذيان؟
    ثامناً: العقد الذي يحتوى على سلسلة فنادق ومنشآت كثر خاص بــ (إنشاء وتطوير مدينة الشباب الرياضية/أرض المعسكرات) ولعلم القراء هذه غير المدينة الرياضية المتعارف عليها والتي زكم فسادها الأنوف هي الأخرى!
    تاسعاً: هب أن هذا العقد ليس فيه رائحة فساد، فالسؤال الذي يتوارد للذهن، هل يقع ضمن أولويات بلد يقبع ملايين من شعبها في معسكرات الذل والهوان في دارفور والحرب مستعرة، وملايين يعيشون على الكفاف في أطراف أخر وبينهم من يموت بأمراض الفقر، إن لم يقتلهم العطش أو المسغبة!
    عاشراً: ترى ما الذي حمله معه العميل الهارب من أسرار ذات صلة بالهجمات الإسرائيلية التي استباحت البلاد مثنى وثلاث ورباع؟ وكم من عميل مثله يعيش في دولة المشروع الحضاري؟
    هذا ما عنّ لنا من قراءة عجلى لهذه الوثائق، أما أنتم يا سادتي، فطالعوها بتأن وإمعان ربما وجدتكم أكثر مما ذهبنا إليه. فمن ما يحمد لأصحاب الضمائر اليقظة أنهم سواء في أزمنة الديمقراطية أو غياهب الديكتاتورية يظل القلم الذي يحملونه أشد مضاضة على المفسدين من وقع الحسام المهند!
    آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
    نظراً لكثرة الوثائق فقد وضعناها في فيديو (يو- تيوب) وهو على الرابط التالي، بالطبع يمكن استخدام المعينات التقنية لتكبير وتثبيت كل وثيقة لحين قراءتها على مهلٍ. http://www.youtube.comيرجي نسخ الرابط وتشغيله من المسطرة


    ----------------

    اتحاد الكتاب السودانيين: تحديث التخلف ..

    بقلم: د. حيدر إبراهيم
    الخميس, 21 آذار/مارس 2013 11:56



    منهم ومتبري منهم

    الشيخ فرح ود تكتوك


    قررت في البداية تجاهل بيان اتحاد الكتاب السودانيين عن جحود مدير مركز الدراسات السودانية،بهدف عدم إثارة معارك جانبية سوف تثير الشماتة.
    كما أنني فهمت البيان في حجمه الطبيعي باعتباره تصفية حسابات شخصية من قبل عضوين فقط، قاما باختطاف مؤسسة ديمقراطية، وللأسف تمثل –افتراضا-عقل وضمير هذا الشعب المغلوب علي أمره. ويضاف الي ذلك أنني مشغول بعمل كبير عن التاريخ الاجتماعي للسودان ولا أريد الخروج من أجوائه للمهاترات التي أجادها اصحاب البيان واعترف بأنني لا أستطيع مجاراتهم في هذه الموهبة الربانية الفريدة.
    استشهد بمقولة الاستاذ ( محمود محمد طه) حين يطلب منه تلاميذه الرد علي اسفاف خصومه: "كل زول يدي العندو". أخوانا في اتحاد الكتاب لو كان عندهم شيء غير العنف اللفظي والمهاترة واغتيال الشخصية، لقدموه. فهم للأسف تربوا في أحزاب أوحت لهم أن القوة في العنف وتقليل قيمة الآخرين وعدم احترامهم طالما لم تشملهم الطبيعة بنعمة الايديولوجية التي احتكرتها هذه الأحزاب التقدمية. فقد قلت في الورشة عن طريق (الاسكايب) أنني عاتب، وهذه كلمة ودودة وشديدة التهذيب،عند الذين ليس في قلوبهم مرض. ولم أصدر بيانا ولم أقل "أشجب" أو "أدين" موقف اتحاد الكتاب.وبيانهم نفسه يقول:-"...( الما رادك ما لامك) كما نقول. ولكن للعتاب شروط منها العلم بحقائق الموقف المستوجب للوم ودقائقه بأفضل مما توافر لحيدر في القاهرة. ورأس هذه الشروط في اللوم أن يقع على بينة من حسن النية".أعلم أن لي نية واحدة هي التي جلبت لي كل هذا الحقد والعداء غير المبرر.ولكن كان البعض يترصد وقرر القيام بحملة الدفتردار التأديبية ويجب ألا يضيع هذه الفرصة.وسكت،
    لكن عندما رأيت خطاب الدورة الكارثة يذكر ضمن أهم إنجازات الاتحاد البيان التأديبي عن جحود مدير مركز الدراسات. وقلت هؤلاء قوم استفزازيون وحقّارين. وتأسيت بأن وضع الندي في موضع السيف فعلا مضر ويجلب لك سوء الأدب. فقد كان عليّ أن استوعب كيف لي، وقد بدأت التدريس عام1966 ويأتي بعض صبية عام2013 ويصفونني بالجحود، رغم كل العمر الطويل الذي أفنيته في خدمة هذا الوطن بلا امتنان ولا طمع. فهذه صفة ########ة لو يعلم من أطلقوها مجانا. ولكن شكرا لهم فقد أجابوا علي سؤال (الطيب صالح): من أين أتي هؤلاء؟ صارت الاجابة واضحة مادام في الجانب الآخر من يصدرون مثل هذه البيانات عن رفاق لهم. فقد أتوا من عيوبنا وقصورنا. وقلت فعلا: كما تكونوا يول عليكم! فهؤلاء معارضون وديمقراطيون يشبهون حكامهم تماما. فلماذا نغضب من لغة نافع والطيب مصطفي واسحاق فضل الله، هل لأنهم إسلامويون؟ عذرا، هناك من يشبهونكم في المعسكر المقابل، يشتركون معكم في الجلافة والعنف والعنجهية.
    كنت أطمع أن يخاطبني رئيس الاتحاد بنفس اللهجة والروح التي خاطب بها ابراهيم غندور رئيس قطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، بصفته الاخري كمنسق الملتقي التفاكري (الدوحة) يطلب منه تحديد موعد للقاء أعضاء الملتقي. ولكن هذا الأخ، للأسف، يحمل حقدا جارفا وخالدا، منذ أن عارضت طريقة ترشيحه نفسه لرئاسة الجمهورية. والحقيقة استغرب كيف يستطيع إنسان في مثل هذه السن أن يحمل مثل هذا العبء من الحقد ويتجول به طوال هذا الوقت؟

    *******
    تصور أيها القارئ الكريم أن يفخر اتحاد كتاب في الدنيا في خطاب دورته، بإنجازات تتمثل في تأديب "شبكة الصحفيين" ثم مدير مركز الدراسات السودانية؛ ببيانات رادعة! كنت انتظر أن يعدد الاتحاد، ويسرد عدد الكتب والاصدارات التي نشرها خلال عام الدورة، وعدد المسرحيات التي أخرجها أعضاؤه، والأفلام التي أنتجها منتسبوه، ومعارض التشكيل والندوات والمؤتمرات.هذا مجرد هلاوس،لأن قيادات الاتحاد التي اشتهرت بسبب ابداعها في الشعر والمسرح والقصة،لا يستطيع الشاعر منهم الآن أن يذكر لنا متي قرض آخر قصيدة شعرية؟ ولا المسرحي متي كانت آخر مسرحية ؟فقد باعد الانشغال بالترهات المسافات بين كتابة مسرحية واخري .ولايقدم الروائي أو القاص آخر رواياته أو مجموعات قصصه.
    أما القضية الثانية، وهنا استشهد بخطاب الدورة حرفيا الجزء الخاص بالانجازات،جاء فيه ما يلي:
    " أ/3: لكن، ومع أن العمل العام، بطبيعته، مطروح للنقد والتقويم، إلا أن اللجنة، بقدر ما رحبت بالنقد العفيف، وحرصت على الاستماع إليه يصدر من مواقع الحدب وحسن النية، سواء من داخل الاتحاد أو من خارجه، بقدر ما قامت بواجبها في اتخاذ المواقف الصارمة في الدفاع عن الاتحاد إزاء أية محاولة متعمَّدة لاستهدافه بسوء التفاهم المفتعل، أو التجريح الغوغائي الظالم، أو الإشانة المغرضة لسمعته بالباطل، أو ما إلى ذلك من المتاعب التي ابتلي بها العمل المدني العام في بلادنا للأسف. ومع أننا لم نضطر لمواجهة شئ من ذلك، خلال العام المنقضي، سوى في حالتين فقط، فإنه يجدر بنا التنويه بهما هنا، ولو بشكل مقتضب، وذلك، أولاً، من باب التوثيق، وثانياً من باب التنبيه لأهمية عدم التغافل عن مثل هذه المحاولات، وضرورة مجابهتها بالحسم اللازم، خاصة عندما يكون عدم البراءة فيها جلياً، وذلك كالآتي".
    يذكر الحالة الاولي عن "شبكة الصحفيين ثم يورد حرفيا:"الحالة الثانية: هي المشكلة التي افتعلها، أيضاً، مدير مركز الدراسات السودانية المعطل مع الاتحاد، حيث تحدث عبر الإسكايب إلى ورشة عمل نظمها حزب الأمة بداره بأم درمان في 13 يناير 2012م، منتقداً اتحادنا لكونه لم يصدر بياناً يشجب فيه تعطيل المركز؛ وبخس كل الجهد الذي بذله الاتحاد مع منظمات أخرى،
    ولم يتراجع مدير مركز الدراسات عن موقفه الخاطئ هذا حتى بعد أن علم بكل تلك الحقائق، الأمر الذي اقتضانا، بعد صبر طال أكثر من شهر، إصدار بيان في 16 فبراير 2013م نعينا عليه فيه أنه جَهِلَ ولم يطلب العِلم، وعَلِمَ ولم يعمل بما عَلِمَ! "
    نعود الي الامساك بالقضية من جذرها ونستشهد بالبيان الأصل،لكي نفهم لماذا لم يتراجع مدير مركز الدراسات عن موقفه الخاطيء؟وأركز علي موضوعين التكريم ثم عدم المضي في رفع قضية؟يقول البيان في المستهل:-
    " الاتحاد غير مشحود ليقف مع المركز في محنته، فسالفه على الثقافة السودانية محفوظ عندنا، رغم مآخذ بعضنا الكثيرة عليه؛ ولهذا، بل وربما مع هذا، كرمناه في بعض بواكير مؤتمرات الميلاد الثاني لاتحادنا، ووضعنا صورة مديره في صالة العرفان بدار الاتحاد، وما تزال في موضعها".
    من البداية يطل الخبث واللؤم وسوء الطوية،حين يتحدث البيان عن "مآخذ بعضنا الكثيرة عليه".وكان يجب ذكر المآخذ "من باب التوثيق والتنبيه"كما قال البيان قبل أسطر قليلة.ولكن ترك هذا لخيال وتخمينات المتلقي.ولكن أذكر نيابة عنهم أهم المآخذ، وقد تكررت،وهي:عدم المؤسسية في المركز.وقد أوضحت اختياري في التسيير الأفضل لعمل المركز،خاصة وأنني أعرف جيدا "مؤسسية" التربيطات والشلليات وكيف تجري الانتخابات؟ والقوائم الجاهزة التي يبصم عليها يوم التصويت.وأعلم كل اشكال الاقصاء والاستلطاف وعدم الاستلطاف.ومن مظاهر المؤسسية الزائفة وتحديث التخلف،أن الاتحاد صار أقرب الي الادارة الأهلية يسيره عمدة أوشيخ خط بدرجة بروفسير بمساعدة كوميسار لثقافة هي مجرد سياسوية فجّة تصدر البيانات عن معارك (هجليج) ومصنع اليرموك. فالاتحاد في تنافس مع الاحزاب الكسيحة علي حساب الابداع والخلق. تصور أن الاتحاد عجز عن إصدار دورية منتظمة،ليس لأسباب مالية لأنه حاصل علي منحة معتبرة من الاتحاد الاوربي. ولكن بسبب الفقر في القدرات والموهبة وعدم المثابرة في الكتابة الجادة،والجري وراء أعمدة الصحف اللقيطة غير معروفة المنبت.
    لجأ البيان للتدليس في موضوع تكريمي، فقد وقف (الكوميسار) ضد تكريمي في الدورة الأولي، وشنت بعض الصفحات الثقافية هجوما علي الاتحاد، وأذكر بالتحديد د.وجدي كامل،وتساءلوا عن أسباب استبعادي والمركز عن التكريم؟ولم يرد أحد،ولكن في الدورة الثانية وبمنتهي الفهلوة قررت الإدارة الأهلية تكريمي، وقد رفضت ذلك التكريم واعتبرته مجرد خزعبلات، ولم أحضره ولم استلم درعا أو درقة. واتحدى الاتحاد أن ينشر أي صورة ليّ تثبت أنني قد شاركت في مهازل وألاعيب الاتحاد،واستلمت من مسؤول منهم درعا مثلا.وهذه مسألة تكون عادة موثقة ولا تحتاج للمغالطات.والسؤال مازال قائما بدون رد :- ماذا حدث في الدورة الأولي ولماذا كان الاستبعاد؟
    لقد عاتبت الاتحاد،ليس افتعالا لمعركة ولكن تذكيرا بالدور الحقيقي للاتحاد. لأن وظيفته هي الدفاع عن الثقافة والتنوير،وهنا يتميز عن نقابة النقل الميكانيكي أو عمال البحرية. توقعت بيانا خاصا بالثقافة والمثقفين ثم بعد ذلك يأتي عملهم الجماعي مع الكونفدرالية أوغيرها. ولكن يبدو أن الاتحاد مازال يعمل بعقلية (الكومسومول) والحشد وكثرة التوقيعات.للعمل الثقافي جانب فردي وخصوصي،بالذات هناك في الاتحاد من يتكلم عن الحداثة، ومابعد الحداثة، ودريدا وفوكو، أمثال هؤلاء الحداثيون يجب الا يكونوا مجرد رعية أو قطيع يسيره العمدة.

    أما الأمر المتعلق بالتقاضي، نقرأ معا ثم أرد:-
    " لقد بدا لنا في الاتحاد أن حيدر ربما كان أقلنا عناية باستمرار مركزه في الخدمة الثقافية، أو لعله يرى إمكانية تحقيق هذه الاستمرارية بوسائل أخرى! ذلك أن الكونفدرالية والحملة تواثقتا على رفع دعوى إدارية باسم المنظمات المعتدى عليها لاستنفاد الجانب الحقوقي من المسألة. وطلبتا من القائمين على هذه المنظمات التوقيع على تكليف هيئة المحامين الذين تم تعيينهم للبدء في هذه الإجراءات، وتصادف أن كان الأمين العام للاتحاد هو أحد قادة الهيئة المشار إليها. لكن ممثل مركز الدراسات في الخرطوم اعتذر عن توقيع التكليف بأنه تلقى مهاتفة، لعلها عن طريق الإسكايب أيضاً، من حيدر بالقاهرة، منعه فيها من ذلك التوقيع بحجة أنه لا يثق في جدوى مثل هذه الإجراءات! ثم حدث، بعد ذلك، أن عاد حيدر، من تلقاء نفسه، واتصل بأحد أعضاء هيئة المحامين، معرباً عن رغبته في الانضمام إلى الإجراءات! لكنه ما لبث أن انقلب، بعد أيام قلائل، واتصل بنفس المحامي، معتذراً عن الانضمام، ومبرراً ذلك بأنه لا يريد أن يزجَّ بممثله بالخرطوم في مثل هذه المتاعب".!



    أولا،هذا النص القصير به أربع علامات تعجب-كما يلاحظ القارئ- وهذا لزوم الغمز واللمز،فكيف يمكن أن آمن مثل هذا أن يدافع عني وعن المركز؟هؤلاء أعداء وكانت عدواتهم أشرس وأخبث من جهاز الأمن. فقد قاموا منذ قيام المركز بنشر دعاية التمويل الأمريكي، لن أدخل الآن في تفاصيل الحرب القذرة التي أطلقوها في القاهرة منذ مولد المركز. ولكن اكتفي بتوضيح فحوى البيان. ولابد من القول أنني لم أطلب أي مساندة قانونية لأن لديّ طرق أخري. ولكن ما حدث بالضبط، هو أنه بعد محادثة مع الاستاذ معز حضرة المحامي، طلب مني ارسال تفويض قانوني ووافقت. كتبت التفويض ولكن اتصلت بالاخ معز مستفسرا عن أسماء المحامين القائمين بالأمر. وبعد أن عرفت الأسماء، لم أرسل التفويض لأنني وجدت أسماء ليست مؤهلة انسانيا للدفاع عن المركز، لأنهم ليسوا أصدقاء حقيقيين ولم يقفوا معه ايجابيا في الماضي. وهم الآن يريدون" شو إعلامي" يكرس مسرحية الدفاع عن حقوق الانسان والحريات.قلت للاخ حضرة هؤلاء ممثلون سيئون، فقد تم تزوير الانتخابات كاملة ولم يرفعوا ولا قضية واحدة. أما الفساد فالمراجع العام ينشر لهم البينات القاطعة ولم يتبرع أي استاذ بتبني قضية وملاحقة المفسدين.هذه أولويات عامة وقوية وتهم الشعب السوداني كله. والآن يقبع في السجن منذ شهور: انتصار العقلي، ود. محمد زين، وعبدالعزيز خالد، والمفتي، والكودة. وسيتكرر معهم الاهمال الذي تعرض له علي السيد ورفاقه عام2007.


    رفضت دفاعهم لأن علي رأسهم أستاذ كبير وناشط عالمي،جاء مرة للمركز بكتاب يريد نشره وطلب منّا تجهيزه فقمنا بذلك، وأرسلنا المخطوطة له خارج مصر.وظللنا ننتظر لإكمال المهمة، وكانت المفاجأة حين وجدنا الكتاب يصدر من دار (المستقبل العربي) لصاحبها الاستاذ ( محمد فائق) رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان. وتزحلقت علي الموقف لأنه تكرر، ولكنني فجعت حين قابلت الاستاذ (هاني مجلع)، ممثل مؤسسة فورد بالقاهرة، وذكر ضمن الحديث أنهم مولوا كتاب فلان. وهنا فهمت،نظام شيلني واشيلك، فالمؤلف له مصالح مشتركة مع ( فائق) فلماذا يضيعها من أجل مركز الدراسات السودانية؟مثل هذا غير مؤهل أخلاقيا في هذه الظروف لأن يدافع عننا. أما الحادثة الثانية، فقد كانت خلال الاحتفال باليوبيل الذهبي للاستقلال،حيث اكتشفنا أن تكلفة احضار الفنان( مارسيل خليفة) عالية،قلنا نعمل تذاكر اكرامية ب50 جنيه لاصدقاء المركز.ذهب أحد أعضاء المركز لأحد الاسماء التي ستدافع عننا،فرد عليه: والله أنا المركز ده مليم واحدة ما ادفعها له! كويس موقف نحترمه ولكنه جاء للحفل في كامل مشمشه وهندامه مصطحبا بعض من يحب.طبعا يستحيل أن أقبل أن يكون لمثل هؤلاء فضل الدفاع عن المركز لانهم ليسوا اصدقاء حقيقيين وصادقين.
    في النهاية أنا حزين أكثر مني غاضب،أن تدار أعلي مؤسسة ثقافية بعقلية القطيع ،وحقيقة هناك اشخاص أحترمهم كنت أريد أن أعرف هل صوتوا علي هذا البيان بالموافقة وبنفس هذه اللغة والنفس والروح؟
    أما مظاهر التخلف المخلوط بحداثة مغشوشة،فهي:-
    1: أين التداول وروح الشباب ولماذا الكنكشة في ان يرأس الاتحاد عام2012 شخص كان علي رأس (أباداماك) عام1965؟ لماذا نلوم الصادق المهدي الذي صار رئيسا في ذلك الحين؟
    2: أين هو وجود الاتحاد في النشاطات الاقليمية والدولية؟ وهل تكفي ندوات "أغاني البنات" التي أوردها خطاب الدورة في الانجازات،دليلا علي حيوية الاتحاد؟
    3:عنوان الندوة السنوية هذا العام ،وهو:"نسبنا الحضاري"منتهي الانصرافية وسوف تكرر سؤال: هل نحن عرب أم أفارقة بعد فصل الجنوب؟هذه القضية الوهم والماسخة.لماذا لا نتحدث عن المستقبل ونطرح أسئلة ثقافة المستقبل من تعليم، وعقلانية، ودولة حديثة، وتكنولوجيا، وعولمة، وتجديد ديني؟سوف يأتي المشاركون بأوراق تمت تلاوتها عشرات المرات في ندوات سابقة،وهي نفسها مع تغيير التاريخ فقط.أنه الكسل الفكري والتصحر الثقافي الذي جعل المثقف السوداني يهتم بجحود زميل اكثر من اهتمامه بفكرة جديدة أو كتاب جديد.
    إن السودان يتقدم بخطوات سريعة من حالة الدولة الفاشلة إلي حالة الدولة المنهارة ،ويقترب من الدورة الخلدونية في التفسخ والانحلال.ولا يمكن تجنب السقوط إلا إذا أبعدنا هؤلاء الطواويس والنرجسيين من قيادة حركة الفكر والثقافة،لأن السمكة تفسد من رأسها ورأسنا قد فسد تماما.أفيقوا من هذه الاحقاد والضغائن وأحلام العصافير،أنكروا ذواتكم مرة واحدة في هذا الزمن الحرج من مصير الوطن.




    ---------------------

    المُعْضِلَةُ اللُغَويَّةُ فِي النِّزاعَاتِ السُّودانيَّة! .

    . بقلم/ كمال الجزولي
    الخميس, 21 آذار/مارس 2013 11:53


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    من بين كلِّ مشكلات بناء الدَّولة الوليدة في جنوب السُّودان، بعد انفصاله في عقابيل حرب أهليَّة ضروس لم تتوقف، منذ 1955م، سوى لسنوات معدودات، ما تنفكُّ المشكلة اللغويَّة تطلُّ برأسها، وبإلحاح استثنائي، في أيَّة مناسبة، حتَّى لو كانت ورشة عمل تدريبيَّة كالتي أقيمت بجوبا، مؤخَّراً، حول حقوق النِّساء، حيث انطرح مطلب كتابة الدُّستور باللغات المحليَّة كضرورة لتيسير فهم النُّصوص، حسب النَّائبة البرلمانيَّة فويبي فونا (المصير الإليكترونية؛ 18 يناير 2013م). كذلك من بين كلِّ هموم الحركة الشَّعبيَّة/شمال، في مناطق سيطرتها بجبال النوبا بجنوب كردفان، حيث ستكمل الحرب الأهليَّة الجَّديدة عامها الثاني بعد ثلاثة أشهر، ما تنفكُّ نفس المشكلة تطلُّ برأسها في أيَّة مناسبة، حتى لو كانت الامتحانات النهائيَّة لتلاميذ يدرسون بالإنجليزيَّة، وفق المنهج الكيني، تحت إشراف إدارة التَّعليم بالحركة، في ظروف الحرب، وتشرُّد عشرات الآلاف بين معسكرات اللجوء والنزوح (مركز جنوب كردفان الإعلامي؛ 22 فبراير 2013م).
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1)
    تركيزنا على هذين النَّموذجين ليس، فقط، بجامع الآيديولوجيَّة والقيادة السِّياسيَّة لدى "الحركة الشَّعبيَّة" في كليهما، رغم أن ذلك قد يكون كافياً في حدِّ ذاته، بل، أيضاً، بجامع التَّناقض بين توفُّر عنصر الفدائيَّة لدى بعض المجموعات الإثنيَّة غير المستعربة/غير المسلمة في بلادنا، والتي تقاتل ضدَّ ما تعتبره استضعافاً لها، من جهة، وبين افتقار نفس هذه المجموعات، من جهة أخرى، إلى عنصر الوعي بذاتها على صعيد مكوِّنها الثَّقافي! وتأكيداً لهذه المفارقة، ما من أحد، بالغاً ما بلغت عداوته للحركة الشَّعبيَّة في الجَّنوب سابقاً، وفي جنوب كردفان وغيرها حاليَّاً، يمكن أن ينكر روح الفداء التي ظلت تتحلى بها هذه الحركة في حربها مع المركز. مع ذلك، عند بلوغها الاستقلال في الجَّنوب عام 2011م، وبدلاً من أن تعمل على تطوير إحدى اللغات المحليَّة لتصبح اللغة الرَّسميَّة للدَّولة الوليدة، لجأت لاعتماد الإنجليزيَّة على هذا الصَّعيد، مواصلة لمكابرة سياسيَّة قديمة ظلت تتمثَّل في الدَّفع الحثيث من جانب أقسام مختلفة من الإنتلجينسيا الجَّنوبيَّة نحو إقصاء العربيَّة التي هي، في المقام الأوَّل، لغة أفريقيَّة، مثلما ظلت تتمثَّل في الإصرار العنيد على تضمين الإنجليزيَّة في النُّصوص الدُّستوريَّة كلغة رسميَّة للجَّنوب، رغم أنها ليست لغة أفريقيَّة، دَعْ انحصار استخدامها بين أقليَّات النُّخب المتعلمة. كذلك جرى، في بعض سياقات هذا التَّخبُّط، اقتراح السَّواحيليَّة، أيضاً، كلغة للإقليم (Nile Mirror, Feb. 1974). وقد يجدر بنا أن نشير، هنا، إلى أنه لم يشذ عن تلك المكابرة سوى البرنامج الذي اختطه جـوزيف قـرنـق، إبَّـان توليـه وزارة شـئون الجَّـنوب قبيـل إعدامـه (1969م ـ 1971م)، حيث شرعت إدارته، بتأثير، ولا ريب، من برنامج الحزب الشِّيوعي الذي كان ضمن قيادته، في دراسة تبنِّى إحدى لغات الجَّنوب، كالدينكا الأوسع انتشاراً، لتكون لغة الإقليم القوميَّة. بل لعلَّ اللافت هنا، بوجه خاص، أن جوزيف قد جعل من تلك المهمَّة أولويَّة تسبق حتَّى التَّنقيب عن النَّفط الذي اعتبر استخراجه، في ظروف استمرار الحرب الأهليَّة، سبباً إضافيَّاً للتباعد بين الشَّمال والجَّنوب!



    (2)
    وفي تقرير خاص نُشر مؤخَّراً (موقع "نيلان" على الشبكة؛ 14 فبراير 2013م)، طرح أبراهام داليانق ثلاث مفارقات في غاية الأهميَّة حول تجليَّات هذه المعضلة اللغوية في دولة الجَّنوب الوليدة: المفارقة الأولى أن الإنجليزيَّة ما تزال بعيدة عن أن تكون اللغة الرَّسميَّة، لأسباب عملية ليس أقلها أن أغلبيَّة الرَّسميين تلقوا دراساتهم بالعربيَّة في الخرطوم. أمَّا المفارقة الثَّانية فهي أن العربيَّة ما تزال تمثِّل أداة التَّواصل اليوميَّة lingua franca بين مختلف المجموعات الإثنيَّة، رغم أن الشَّكل السَّائد منها، والذي يُعرف بـ "عربي جوبا"، يمزج، بصورة شديدة الخصوصيَّة، بين العربيَّة العاميَّة وبين ألفاظ وتصاريف غير عربيَّة، لكن قدرة الجَّنوبيين على استخدام هذه اللغة تتفاوت من منطقة لأخرى، فعلى حين يستطيع الجَّميع، مثلاً، فهمها والتحدُّث بها في الولاية الاستوائيَّة الكبرى، لا تستطيع ذلك سوى القلة في ولاية البحيرات، ما يجعل الاستعانة باللغات المحليَّة، عن طريق الإعلام المسموع عبر محطات الـ FM المتعدِّدة، ضرورة ملجئة. وأمَّا المفارقة الثالثة فهي أن نفس الدُّستور الانتقالي لسنة 2011م الذي فرض الإنجليزيَّة "لغة رسميَّة عاملة"، أوجب أيضاً احترام، وتطوير، وتعزيز هذه اللغات المحليَّة التي تتكلمها نحو 64 قبيلة.
    هكذا يمثِّل الافتقار إلى لغة جامعة موحِّدة، فضلاً عن تفشِّي الأميَّة بأحد أعلى معدَّلاتها في العالم، واحداً من أكبر التَّحدِّيات الشَّاخصة في أفق التَّواصل عبر الإعلام المقروء بالذات، خصوصاً مع سكان الرِّيف.
    من جهة أخرى تتَّخذ هذه المعضلة اللغويَّة أحد أبرز وجوه تجليَّاتها، في الدَّولة الوليدة أيضاً، على مستوى التعليم الجَّامعي. فمَن تلقوا تعليمهم العام بالعربيَّة في دولة الشَّمال الأم، قبل الانفصال، ثمَّ التحقوا، بعده، بجامعات الجَّنوب، يعانون الأمرَّين من التعلم بالإنجليزيَّة. وقد فسَّر أحد هؤلاء سبب رسوبهم في الامتحانات بأنَّهم، ببساطة، لا يستطيعون فهم الأسئلة! ووفقاً لراديو "مرايا إف إم" أضحت أجندة صراعات الطلاب تشمل حتَّى لغة التَّدريس، فخلال عشرة أيام فقط تمَّ تنظيم احتجاجين كبيرين على تلقي المحاضرات بالإنجليزيَّة في جامعتين مختلفتين! وفي ذلك، بالقطع، أثر من الإضعاف الممنهج الذي تعرَّضت، وتتعرَّض له الإنجليزيَّة، كلغة للعلم الحديث، ضمن تخبُّط السِّياسات الرَّسميَّة في الدولة السُّودانيَّة منذ انقلاب 1989م، مِمَّا يلقي على عاتق دولة الجَّنوب الوليدة بمهمَّة دعم وتعزيز مقدرات الطلاب، على الأقل في مستوى التَّعليم الجَّامعي، ورفع تأهيلهم لاستخدام الإنجليزيَّة كلغة للأكاديميا، باعتبار أن ذلك أضحى، منذ زمن بعيد، ولأسباب عدة، من ضرورات العصر؛ لكنه لا ينهض، إطلاقاً، كمبرِّر لإهدار قضيَّة تطوير اللغة المحليَّة، سواء في مستوى التَّواصل، أو الاستخدام الرَّسمي.
    هنا تبرز أهميَّة العربيَّة؛ فعلى حين تثور، حاليَّاً، المشكلة الخاصَّة بلغة التَّعليم الجَّامعي في الجَّنوب، تكاد لا تنتطح عنزان على كون العربيَّة ما تزال تؤدِّي دورها في كلا الاتِّجاهين: لغة للتخاطب بين المختلفين الإثنيين في الشَّارع، وفي الجَّيش الشَّعبي، بصفة خاصة، منذ عهد قيادة جون قرنق، وحتى قيادة سلفا كير، حاليَّاً، ولغة، كذلك، للتفاعل الاجتماعي للطلاب أنفسهم، بل حتَّى لنشاطهم السِّياسي في الحرم الجَّامعي خارج قاعات المحاضرات.


    وهكذا، في حين يبدو، على هذه الخلفيَّة المعقدة، أن الطريق ما يزال طويلاً أمام دولة الجَّنوب لتطوير لغة واحدة جامعة، إزاء ضرورات التنوُّع الإثني، ومهام إدماج العائدين من الشَّمال، فإن المرء ليدهش من المنهج العدمي الذي تهدر به نخبة الحركة الشَّعبيَّة الحاكمة اللغة العربيَّة، مع أنَّها اللغة الوحيدة المؤهَّلة، حاليَّاً، رغم الكثير من التَّعقيدات، ورغم عهود الصِّراعات المريرة، كي تكون، ليس، فقط، لغة التَّواصل الاجتماعي اليومي، بل ولغة المعاملات الرَّسميَّة، لينقلبوا يبحثون، بشقِّ الأنفس، عن لغة "أخرى" تجمع وتوحِّد أشتات التَّكوينات القوميَّة شديدة التَّنوُّع!


    (3)
    الوضع في جبال النوبا بجنوب كردفان لا يختلف كثيراً. وفي مبحثنا بعنوان "جبال النوبا الإنجليزيَّة"، المنشور منذ ما يربو على العقد، قبل أن يُعاد نشره كفصل ضمن كتابنا بعنوان "الآخر" الصَّادر عن "دار مدارك" عام 2004م، كنا قد نبَّهنا إلى خطورة نفس المنهج العدمي الذي تعاملت به الحركة الشَّعبية مع قضيَّة اللغة في مناطق سيطرتها بالجِّبال، عقب اتِّفاقها مع الحكومة، مطالع الألفيَّة، على وقف إطلاق النَّار واقتسام النُّفوذ في جنوب كردفان.
    لقد كان المأمول، وقتها، أن تفتح ترتيبات السَّلام هناك طريقاً سالكا لبسطه على مستوى السُّودان كله، بما يحافظ على وحدة شعوبه، وسلامة أراضيه؛ أي أن يشكل سلام الجِّبال نموذجاً يحتذى في مناطق النِّزاعات السُّودانيَّة الأخرى، خصوصاً دارفور. غير أن الآيديولوجيَّة التي تبنَّتها الحركة لم تكن لتساعد على ذلك، حيث سعت، في ما يتَّصل باللغة مثلاً، للترويج، على أوسع نطاق في أوساط النوبا، للفكرة الزائفة حول أن الإنجليزيَّة هي لغة "التَّحرير!"، بينما العربيَّة هي لغة "الطغيان!"، أو القاطرة التي نقلت إليهم الشَّريعة الإسلاميَّة وسلطة الخرطوم! ولم تصعب على مراسل إحدى المحطات الأجنبيَّة ملاحظة أن تلك المشاعر العدائيَّة تجاه اللغة العربيَّة إنما تلخِّص الكثير من العداوات الثقافيَّة، والدِّينيَّة، والعرقيَّة، والسِّياسيَّة (موقع "بي بي سي"؛ 21 يوليو 2004م).
    ونسبة لندرة من تلقوا تعليماً يمكنهم من تدريس الإنجليزيَّة هناك، بسبب الحرب الأهليَّة التي دارت رحاها، في تلك المناطق، لعشرات السنين، فقد اضطرت الحركة لاستيراد مدرِّسين من كينيا ويوغندا! وروى المراسل، في بعض تقاريره، أن التلاميذ والمدرِّسين بمدرسة كاودا أبلغوه بأنهم، في منطقتهم تلك، يتحدثون الإنجليزيَّة فقط؛ كما أكد له مرافقه جوما إبراهيم، المفتِّش بمدارس الجَّيش الشَّعبي، قائلاً: "نحن هنا نتحدث بالإنجليزيَّة فقط. غير مسموح للأطفال التَّحدُّث بالعربيَّة في المدرسة". ويستطرد المراسل في ملاحظته قائلاً إن تلك السِّياسة ليست، في حقيقتها، غير ردِّ فعل، أو تمظهر معكوس، لنظام آخر، حيث كان التَّحدُّث باللغات المحليَّة، على أيام هيمنة حكومات الخرطوم على الجنوب، ممنوعاً داخل المدارس؛ وكان المدرِّسون الشَّماليون يحضُّون التلاميذ على التَّحدُّث بالعربيَّة. لكنه ما يلبث أن يستدرك قائلاً إن ما يتمخض، مع ذلك، عن جهود تعميم الإنجليزيَّة مختلف، فعليَّاً، على أرض الواقع؛ ويدلل على ذلك بأنه، وهو يغادر المدرسة، مرَّ بفتيات يرددن أغنية، أثناء لعبهنَّ في الباحة، ولما سأل مرافقه جوما عن لغة تلك الأغنية أجابه الأخير بشيء من التَّردُّد: "نعم، كما ترى .. إنهنَّ ينشدن بالعربيَّة!" (المصدر).
    هكذا تكذِّب معطيات الواقع ترويجات الآيديولوجيَّة! فالعربيَّة في جبال النوبا، كما في غيرها من المناطق، أوسع انتشاراً، وأعمق تأثيراً، من الدِّعاية الانفصاليَّة بالغاً ما بلغت من الكثافة والنشاط. وربَّما تكفي، على هذا الصعيد، ملاحظة المراسلين الأجانب أن الأوامر يجري تناقلها بين صفوف جيش الحركة باللغة .. العربيَّة! وأن عمال الإغاثة السُّودانيين الذين يديرون مشروعات للجمعيَّة الخيريَّة التَّابعة للكنيسة النرويجيَّة في كاودا يعقدون اجتماعاتهم المسائيَّة اليوميَّة بالإنجليزيَّة، بينما يتبادلون أحاديثهم خارج الاجتماعات .. بالعربيَّة! واعترف أحد ضبَّاط جيش الحركة بأنه يتحدَّث العربيَّة بطلاقة أكثر حتَّى من لغته الأصليَّة، وإن كان ذلك، كما قال، يشعره بالخزي (المصدر).

    (4)
    يجدر بالحركة الشَّعبيَّة، من موقعها في ريادة حركة الهامش، أن تعيد النظر في سياستها اللغويَّة بوجه عام، وفي سياستها إزاء العربيَّة على نحو خاص، فهي تتنكب الجَّادة بشأنها مرَّتين: مرَّة حين تتعاطى معها كجزء من مكونات البنية الفوقيَّة superstructure، كالأعراف، والتَّقاليد، والمعتقدات، والأمزجة، فتستهدفها بالكراهة والرَّفض، بينما هي ليست كذلك، ومرَّة أخرى حين تسعى، حتَّى وفق الافتراض، جدلاً، بأنها كذلك، إلى محوها وهدمها بالقرارات، والتَّعليمات، والأوامر!
    العربيَّة هي اللغة الأفريقيَّة الوحيدة الأكثر تأهيلاً لأن تكون أداة تواصل بين مفردات أمَّة، كأمِّتنا، لم تعبُر طور التَّكوين، بعد، ولأن تضحى حامل ثقافة المشروع الدِّيموقراطي للوحدة المتنوِّعة في بلادنا، إذا تمَّ تخليصها مما شابها، تاريخيَّاً، وعلق بها، من عيوب الاستعلاء والتَّعصُّب البغيضين. وربَّما كان من دلائل تمام هذا التأهُّل أن العربيَّة ظلت تتفاعل، بتلقائيَّة وسلاسة، مع غيرها من اللغات الوطنيَّة في بلادنا، برغم أدواء السِّياسات الرَّسميَّة، فما انفكت تتشقق، شعبيَّاً، إلى لهجات عربيَّات كثر، كعربي أم درمان، وعربي جوبا، وغيرهما شرقاً وغرباً.
    ولعل المفارقة تبدو جليَّة، هنا، حين نذكر كيف أن مانفستو الحركة الأوَّل (1983م) حمَّل الاستعمار وحده وزر "التَّفريق" بين أبناء الوطن الواحد "ليسود"! والمقصود من ذلك، بالطبع، ما سمى بـ (السِّياسة الجَّنوبيَّة) التى استنَّتها الإدارة البريطانيَّة خلال الثلث الأوَّل من القرن العشرين، وأقامت هيكلها الأساسي على ترسانة من القوانين والإجراءات الرَّامية لاستبعاد المؤثِّرات الشَّماليَّة، وإعاقة التَّقارب بين شطري الوطن الواحد، آنذاك، كقانون الجَّوازات والتَّراخيص لسنة 1922م، وقانون المناطق المقفـولة لسنة 1929م، واللذين قُصد منهما أن يصبح الجَّنوب، فضلاً عن جبال النوبا الشَّرقيَّة والغربيَّة، أرضاً أجنبيَّة بالنِّسبة للسُّوداني الشَّمالي، وإلى ذلك قانون محاكم زعماء القبائل لسنة 1931م، وفرْض الإنجليزيَّة لغة رسميَّة للجَّنوب، وتحديد عطلة نهاية الأسبوع فيه بيوم الأحد، وتحريم ارتداء الأزياء الشَّماليَّة على أهله، وابتعاث طلابه لإكمال تعليمهم في يوغندا، وما إلى ذلك.
    على أن المفارقة ما تلبث أن تزداد جلاءً حين نذكر، أيضاً، أن الأمر لم يحتج، برغم كلِّ تلك السِّياسات وتطبيقاتها، طوال ما يقارب نصف القرن، إلى أكثر من إبداء حسن النيَّة، عن طريق الوعد بتلبية أشواق الجَّنوبيين للحكم الفيدرالي، كي يصوِّت نوَّابهم، في أوَّل برلمان، مع إعلان استقلال السُّودان .. الموحَّد!


    ------------------

    انظروا إلى "الحزب الحاكم" متورطاً ..

    بقلم: خالد التيجاني النور
    الخميس, 21 آذار/مارس 2013 12:01


    [email protected]

    لولا أنني أعرف الأستاذ فيصل محمد صالح زميلاً عزيزاً غاية في التهذيب وصحافياً مهنياً متميزاً وكاتباً رصيناً لما ترددت في وصف إيقاعه ب"المؤتمر الوطني" في "ورطة عظيمة" بأنها فعلة تنطوي على قدر غير قليل من"اللؤم السياسي", ف"المؤتمر الوطني" الذي تسميه الصحافة من باب التدليل والحذلقة أحياناً ب"الحزب الحاكم", وقع جراء ذلك في "شر أعماله" وفي مأزق لن يكون خروجه منه ممكناً أو سهلاً بغير كلفة عالية تفقده برجه "العاجي" أو "الصدقية" التي يغدقها على نفسه.
    والقصة أن فيصلاً, بحس صحافي عال, التقط خبراً مر به الجميع بلا اهتمام مع خطورة دلالته, وقد تكسرت النصال على النصال مع كثرة الأخبار المفجعة والموجعة في بلادنا حتى لم يعد يبالي بها الكثيرون. فقد تواترت أنباء صحافية أن "المؤتمر الوطني" يتباهى بأن الحزب الشيوعي الصيني تبرع له بأموال لبناء برج فاخر من الطوابق ذات العدد ليكون مقراً لرئاسته. وما كان في ذلك من غبار لو أن مديري "المؤتمر الوطني" اتسموا بقدر من التواضع وعدم مغالطة الواقع واعترفوا أن نظامهم مثل نظام حليفهم الصيني نظام حزب واحد يملك أن يفعل ما يشاء دون أن يتشدق بالديمقراطية وإن أقام مسرحاً لها, ويا دار ما دخلك شر.
    وبمناسبة العلاقة الاستراتيجية التي يقول المؤتمر الوطني "الإسلامي" إنها تربطه بالحزب الشيوعي الصيني (....) ضع ما يناسبك في الخانة الخالية, والتي لم نسمع بحمد الله فتوى ضدها مما يؤكد أنها حلال بلال, فإنني اقترح على الرفاق هنا من باب الترفيه أن يحولوا تنظيمهم إلى الحزب الشيوعي الصيني – فرع السودان عسى أن ينالهم رضا "المؤتمر الوطني" ويتركهم في حالهم او يجدوا لهم نصيباً من خيرات بكين, وربما يصبحوا شركاء في السلطة. بيد أن ما يحير المرء حقاً ولا يجد له تفسيراً لماذا يعشق حزبنا الحاكم الشيوعية الصينية ويعتبرها حليفاً استراتيجياً و"يكجن" الشيوعية السودانية ويعتبرها رجساً من عمل الشيطان.
    ما علينا نعود إلى موضوعنا ففي خطوة تدل على حسن إدراك وحس وطني عال وجه فيصل بلاغاً صحافياً مفتوحاً إلى مجلس الأحزاب ثم أتبعه بإجراء قانوني برفقة محامين في مواجهة "المؤتمر الوطني" الذي خرق القانون الذي يجرم تلقي الأحزاب السياسية أموالاً من جهات أجنبية. لأن في صنيعه الحسن هذا اختبار جدي للنظام السياسي, وللنظام العدلي وفق قواعد اللعبة التي وضعها "المؤتمر الوطني" نفسه لا بقواعد لعبة غيره, كما أن من شأن هذه الخطوة أن تكشف عيوبه على رؤوس الأشهاد إن تنكب طريق تطبيق القانون.
    ويحي فيصل بخطوته هذه سنة حسنة في السعي لتأسيس حكم القانون وشفافية الممارسة السياسية, وإن بدا الطريق طويلاً, إذ يخطئ المعارضون بانتهاج سياسة عدمية باعتزال هذا الدور المهم, وما من شئ أكثر راحة للطبقة الحاكمة من تركها تطلق وعوداً وشعارات ثم لا تجد من يختبر جديتها. صحيح قد لا يكون المناخ القانوني ملائماً تتوفر فيه شروط العدالة الواجبة, لكن الإصلاح والتغيير لا يأتي بالزهد والجلوس على الرصيف, بل بالخوض في وحل الواقع حتى ينبلج الصباح.
    ومأزق "المؤتمر الوطني" يأتي من إصراره على الزعم أن البلاد تعيش في بحبوحة نظام ديمقراطي كامل الدسم, وفي دولة يحكمها القانون, وأنه حزب ديمقراطي يحكم بأغلبية منتخبة شعبياً, ليس ذلك فحسب لا يفتأ قادته يتحدون معارضيهم بأن ينازلونهم في الانتخابات المقبلة, ومن يسمع مثل هذه التصريحات الولهى بالديمقراطية والاحتكام إلى الاختيار الشعبي يكاد يظن آثماً أن "المؤتمر الوطني" جاء إلى السلطة محمولاً على أعناق الجماهير متناسياً أنه ربيب نظام جاء إلى الحكم بإنقلاب عسكري, وأنه حزب تم تصنيعه لإكمال الديكور السياسي للطبقة الحاكمة حتى أن أغلب الإسلاميين الذي صنعوه يفضلون الجلوس على الرصيف ولعنه في الظلام بدلاً من الانخراط فيه ولذلك ظلت تسيطر عليه وتحتكره فئة قليلة على مدار أكثر من عشرين عاماً. والسؤال ما دام مديرو الحزب الحاكم مولعون إلى هذه الدرجة بالديمقراطية والانتخابات فلماذا لم ينتظروا صناديق الاقتراع في العام 1989؟.
    تصرف "المؤتمر الوطني" وهو يقبل الهدية الصينية دون أن يرف له جفن, بل ويتباهى بإعلان ذلك, في مخالفة واضحة لأحكام القانون التي تجرم حصول الأحزاب السياسية على هبات أجنبية, وهو قانون هندسه دهاقنة الحزب وليس غيرهم, تصرف ينم عن شئ واحد الفقدان الكامل للحس السياسي, وتدني الكفاءة والحنكة السياسية, وهو على أي حال يكشف العقلية الحقيقية التي يتعامل بها المؤتمر الوطني مع نفسه قبل غيره, فهو لا يرى نفسه حزباً سياسياً مسؤولاً وواعياً عليه أن يحسب تصرفاته بدقة وأن يتحرى احترام قواعد اللعبة التي صنعها بنفسه, بل يتعاطى السياسة بعقلية مصلحة حكومية ملحقة بالجهاز التنفيذي للحكومة وليس قائداً لها كما يفترض.
    ولذلك يتعامل مديرو "المؤتمر الوطني" مع حزبهم باعتباره جهازاً بيروقراطياً حكومياً لا يستطيع الفطام من ثدي الامتيازات والمساعدات الحكومية المفتوحة خزائنها أمامه بلا قيود, بدلاً من أن يستمد وجوده الحقيقي من قواعد شعبية فعلية تمده بأسباب الحياة وتضمن له الوجود خارج مظلة السلطة. وما يبدو من وجود قاعدي لا يعدو أن تكون تحالف مصالح معهود طالما خبره الناس في ظل الأنظمة الشمولية, وهي مصالح ليست بالضرورة كلها ذاتية, ولكن تقتضيها أيضاً تحقيق مصالح جماعات اجتماعية تتحالف عادة مع أي سلطة تملك الثروة لتحقيق مطالب ومكاسب معينة, وهي ولاءات متحولة لن تصمد بمجرد فقدان السلطة لأنها ستتحول إلى صاحب السلطة الجديد. ولذلك تتبخر مثل هذه الأحزاب الاصطناعية الشمولية بمجرد خسارة السلطة.
    والمازق الحقيقي أن مديري "المؤتمر الوطني" يتعاملون مع استحقاقات العمل السياسي ويتعاطون مع خصومهم باعتباره حزباً صنع على عين السلطة, وأنه وجد ليخلد في السلطة بأية وسيلة, ولا يتصور نفسه لأي سبب خارج أسوارها أو بعيداً عن ظلها, ولا يبدو مستعداً لأي خيار غير تصور نفسه جزءً من لعبتها, ومن أجل ذلك يبدو مستعداً للذهاب بعيداً ليضمن الخلود فيها, وما إبداء استعداده لمنازلة خصومه انتخابياً إلا لأنه يضمن أن تكتيكاته المعروفة ستحقق له هذا الهدف, وفكرة تداول الحكم أو خروجه من اليد لأي طرف آخر, والتحول للمعارضة يبقى مجرد حلم ليلة صيف. فالطبقة الحاكمة لم تقبل بتدوير السلطة وتبادلها سلمياً حتى داخل "المؤتمر الوطني" نفسه ولا حتى في "حركته الإسلامية" فكيف ينتظر أن تقبل للأخرين ما تحرمه حتى على مواليها.
    بتلك العقلية لا يرى "المؤتمر الوطني" نفسه ملزماً بقواعد اللعبة حتى على ضوء تلك القوانين التي وضعها بنفسها معطياً نفسه الحق تجاوزها متى ما شاء لأنه يعرف أنه ليس هناك من يستطيع محاسبته أو مساءلته على الخروج عليها, ولذلك يبقى الدستور والقانون مجرد كلمات منمقة وهبات تمنح أو تمنع حسب حسابات السلطة ومزاجها السياسي, وليست حقوقاً اصيلة بمقتضى العدالة والنزاهة, وهي طريقة تحاكي فعلة مشركي مكة الشهيرة الذين يقال أنهم كانوا يصنعون آلهتهم من العجوة فإذا جاعوا أكلوها.
    وليست تلك هي المكشلة فحسب فقادة الحكم يعطون أنفسهم الحق في محاكمة خصومهم على الهواء, يتهمونهم بتصريحات صحافية, ثم يحاكمونهم مباشرة, ثم يطلقون الأجهزة التنفيذية لتنفيذ أحكامهم, وأما من يفترض بهم إقامة العدالة وحراستها و فلا عزاء لهم إذ يبدو أنهم مشغولون جداً بمطاردة صغار اللصوص وبؤساء المجرمين. إذ طالما "شالت" الحكومة حال خصومها سواء كانوا سياسيين أو جميعات مجتمع مدني معترف بها رسمياً, أو صحافيين أو غيرهم تطاردهم بتهم تلقي أموال أجنبية, وتزيدها من تهم الخيانة والعمالة, والسؤال ما الذي يجعل ما يجرمه قانون الحكومة نفسها حرام على الجميع وحلال عليها؟!!
    كيف سيبرر "المؤتمر الوطني" فعلته بتلقي أموال أجنبية ويعلنها جهاراً نهاراً دون أدنى وازع بمخالفة القانون أو المسؤولية الأخلاقية, وهو الذي طفق يوزع شهادات الوطنية على البعض ويحجبها عن بعض مواطنيه لمجرد اختلافهم معه في الرأي, أهذه هي عدالة الشريعة في ظنهم التي طالما تغنوا بها شعارات وأزوروا عن استحقاقاتها , ألم يقرأوا مقومات ومقتضى العدالة التي أثبتها الحق عز وجل في كتابه العزيز "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا, اعدلوا هو أقرب للتقوى", هل بعد هذا الهدي الواضح من سبيل لجرأة على الحق باسم رب العالمين.
    صحيح يستطيع "المؤتمر الوطني" ببعض الفهلوة, وكثير من قوة العين الخروج من هذه الورطة, أو ببعض الذكاء إن وجد من يحسن تدبر سبيل يجنبه هذا المازق اللزق الذي وجد نفسه فيه متلبساً لأن مديريه لا يحسنون التصرف خارج دائرة العقلية البيروقراطية, ويثبتون أكثر من ذلك انهم لا يأبهون بالقانون أو لا يلقون له بالاً, و"أن الأمر كله عندهم صابون", فالديمقراطية التي اكتشفوا محاسنها أخيراً وينادون الخصوم لمنازلتهم باسمها انتخابياً, هي مسألة أكثر من مجرد صناديق اقتراع, هي قبل ذلك سيادة حكم القانون, حقاً لا قولا, وتكافوء الفرص, والشفافية والنزاهة, وأن ينطلق الجميع للسباق من منصة واحدة, ولكن أن يقيد أرجل وايدي خصومه ويعصب عيونهم ثم يدعوهم للتسابق فذلك مما يثير السخرية.
    وفعائل "المؤتمر الوطني" المنكرة هذه لا يرميه بها خصومه ممن يستسهل قادته اتهامهم حتى بالخرج من الملة, بل يأتي من أقربين لا يستطيعون التشكيك في نياتهم تجاه الحكم أو ضمهم في زمرة الخوارج, وها هو الأستاذ الطيب مصطفى يكتب في عموده منتقداً تضييق الحكومة وحزبها الحريات على الأحزاب السياسية بما فيها للمفارقة حزبه الذي يعتبره كثيرون وجهاً آخر للمؤتمر الوطني, أو حتى الحزب الحقيقي الخفي لبعض كبار قادته.
    انتقد الطيب مصطفى بشدة نائب رئيس "المؤتمر الوطني" د. نافع ونعى عليه تخطي الحدود في معاركه التي لا تنتهي بانتقاده لقوى المعارضة المصرية التي نعتها بعدم الديمقراطية لمعارضتها لحكم مرسي في وجود رئيس حزب العدالة والحرية الحاكم بمصر الذي نأى بنفسه عن الخوض في ذلك, ######ر الطيب من الديمقراطية المزعومة في السودان قائلاً له بالحرف"لن تستطيع يا نافع أن تقنعنا نحن في الأحزاب السودانية أنك تتيح لنا ما يمكننا من مزاولة العمل السياسي الديمقراطي, وانك وحزبك وحكومتك ترموننا في اليم مكتوفين وتأمروننا ألا نبتل بالماء".
    وتساءل عن كيفية ممارسة العمل السلمي الديمقراطي, بما يقطع الطريق على الحركات المسلحة, والأحزاب ممنوعة من مخاطبة جماهيرها إلا من داخل دورها. بالطبع في الوقت الذي يسرح فيه المؤتمر الوطني ويمرح في طول البلاد وعرضها بإمكانيات الشعب التي تتحكم فيها الحكومة, وباحتكار وسائل الإعلام الحكومية كافة لأنشطة "المؤتمر الوطني". ووجه الطيب مصطفى سؤالاً حارقاً هل كان مديرو المؤتمر الوطني سيرضون لأنفسهم هذه الحالة من تكميم الأفواه والقدرات إن كانوا في المعارضة, وتساءل عبثاً عن موقع ما يحدث عن المشروع الحضاري, وعن عدالة الإسلام وشريعته؟.
    كل هذه اسئلة منطقية, ولكن المشكلة إلى من توجهها, فالطبقة الحاكمة تفترض أن المطلوب من معارضيها أن يسبحوا بحمدها وأن يمكونها من الخلود في السلطة, لا أن يعارضوها, لأنه تكرمت عليهم وسمحت لهم بقدر محدود من النشاط, يضيق ويتسع وفق حساباتها, لا بحكم الحرية المكفولة بالدستور, ولا بحق القانون المفترض تساوي الجميع أمامه, وتقتضي قواعد الشريعة الحق أن الجميع سواسية أمام القانون لا فرق بين رئيس ومرؤوس "ولو كانت فاطمة بنت محمد" دعك من هوى أدنى من مقامها بما لا يقاس. فالحرية حق كفله الحق عز وجل لعباده, "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" والحق في الحرية الذي يعتقد هؤلاء أنها منحة يملكون أن يعطوها أو يمنعونها لا يمكن عدادها في باب الحرية أصلاً, وتفقد قيمتها ابتداءً عندما تصبح هبة.
    وما يثير الاستغراب حقاً ليست هذه التغول على مقاصد الإسلام وتجير شعاراته لصالح فئة لا ترى لوجودها في السلطة بديلاً, بل هذه القدرة العجيبة من الجرأة على رب العالمين, هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم قضاة باسمه تعالى ليمنعوا على خلقه ما لم يمنعه عليهم. ويختصرون في نقائصهم الإنسانية كل قيم الدين حتى باتوا بفعائلهم هذه يصدون عن سبيل الله حقاً. لا نريد أن نفسد على قادة الحكم بهجة سلطتهم, بل لدينا رجاء واحد افعلوا ما يحلو لكم فقط رفقاً بالإسلام, ورحمة بعباد الله.
    يواجه قادة المؤتمر الوطني مأزق أخلاقياً قبل ان يكون دينياً, وزد عليه مأزقاً وطنياً فلو ان حال البلاد بعد ربع قرن من سيطرة الطبقة الحاكمة عليه كان مما يسر لقلنا لا تثريب عليهم و"مبروك عليهم" أما وان حال البلاد مائل إلى درجة لا تحتاج إلى مغالطة الواقع سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ويواجه بوادر تحولات اجتماعية خطيرة, وتفككاً غير مسبوق بعد تقسيمه, وانفلات أمني توشك أن يفقد الدولة السودانية معنى وجودها, فذلك كله أدعى لأن يوقف مديرو "المؤتمر الوطني" الأسلوب البهلواني الذي يحاولون به معالجة أمور البلاد الخطيرة التي لا تحتمل الجدل البيزنطي, ومن المؤكد أن قادة "المؤتمر الوطني" يدركون في قرارة أنفسهم أكثر من أي طرف آخر الهاوية التي يقودون إليها البلاد.
    والحديث عن الانتخابات القادمة باعتبارها هي الحل, ترف في غير محله, فحال البلاد لن ينتظر انتخابات لا تتوفر لها أدنى الشروط الموضوعية لتستحق أن يراهن عليها باعتبارها مبادرة جدية. كما أن الأصرار على هذا السيناريو الانتحاري التمسك بالسلطة بأي ثمن ولو كان ذهاب ريح ما تبقى من الوطن لن يورثهم إلا خسارة في الدنيا قبل الآخرة, ومن العظات في التاريخ وفي الواقع المعاصر ما يغني, والشعوب أبقى من حكامها ولن تنتظر حتى تساق إلى هذا المصير البائس وهي تنظر يائسة.
    ولكن من يقنع مديرو "المؤتمر الوطني" أن الأمر لا يتعلق بصراع مستميت للتمسك بالسلطة مهما كان الثمن في مواجهة معارضين, بل يتعلق اساساً بمسؤولية تجاه مواطنيهم الذين لا ينبغي أن يدفعوا ثمن تنازع عبثي على السلطة بين المتناحرين عليها.

    عن صحيفة إيلاف السودانية
                  

03-31-2013, 11:20 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    البشير أم ظلاله ؟ .. مآلات الصراع وأوهام التنحي !! ..

    بقلم: فايز الشيخ السليك
    الجمعة, 29 آذار/مارس 2013 16:37


    [email protected]
    حين تقدم الدكتور حسن الترابي . عراب المشروع الحضاري وقتها بقائمة ضمت ثلاثة أسماء إلى المشير عمر البشير لإختيار أحدهم لخلافة الزبير محمد صالح في منصب النائب الأول الذي شغر بعد مقتل الزبير في حادثة الطائرة الشهيرة في فبراير 1998 ، رد البشير بأنه لن يقبل أن يكون رئيساً لشيخه، فإما أن يستمر هو رئيساً في منصبه ، أو أن يتولى الترابي الرئاسة بدلاً عنه، لأن ذلك لا يستقيم ، ولا يمكن أن يكون الترابي نائباً له، "وهل تعلو العين على الحاجب ؟"، و حرق الرجل ورقة الترابي ، لينتهي الأمر في يد البشير ليختار أحد " العليين " ، لكنه رفض اختيار علي الحاج تحت مبرر أن الأخير لا يحترمه ، فهو لا يوف بمواعيده معه، وإن جاءه في المكتب فهو يأتي من غير مواعيد، وهذا يعني في خاتمة المطاف ترجيح كفة علي عثمان محمد طه.


    والآن بعد خمسة عشرة عاماً يتحدث الناس عن من يخلف البشير ؟. أهو علي عثمان نفسه؟ أم نافع علي نافع ؟ أم أن ثمة مفاجآت ترقد عند منعطفات الطريق، وأن خلف الكواليس ؛ يهيئ لاعبون جدد أنفسهم للتقدم فوق خشبة مسرح العبث الإنقاذي للعب دور البطولة، بعد أن أعلن البشير " عدم رغبته في الترشح للرئاسة مرة أخرى، ومع أن إعلان البشير لا يزال مثار شك، لأن الرجل الدكتاتور عودنا على إعلان موقف ثم تبني مواقف مناقضة له ، وأن كثيراً من المواقف تثبت أنه بلا مصداقية ، ودوننا تصريحاته الكثيرة حول " عدم السماح بمرور نفط الجنوب عبر الشمال، ولا حوار مع الحشرة الشعبية ، وإما هم في الخرطوم أو نحن في جوبا؟" ، ولا حوار مع قطاع الشمال؛ هذا غير سجل طويل من الأكاذيب التي يمكن أن تضع الرجل في حالة " الكذب المرضي "من الناحية " السيكولوجية". في وقت تضيق فيه كل الظروف الخناق علىه، فهناك " شبح أوكامبو والمحكمة الجنائية في جرائم دارفور، وهو ما يجعل البشير متشبثاً بالكرسي إلى آخر نفس ، أو حتى ينهد المعبد بمن فيه، وما فيه، بعد أن تقلصت مساحات مناوراته، وقل عدد مدارج هبوط طائرته الرئاسية بين مطارات الدنيا كلها، مضافاً إلى كل ذلك "سيكولوجية الطغاة" وما يتسمون به من سمات لا تشبه سمات الشخصية السوية، وعبر التاريخ القريب والبعيد ؛ ما من طاغية قدم له طوق نجاة إلا وركله، مثل صدام حسين، ومعمر القذافي وهتلر ، وختى ابن نوح ، لأن سيكولوجية الطغاة والمستبدين، تتسم برفض الحقائق، ورسم صورة مغايرة للواقع ، تعبر عن تسلطهم واستبدادهم، فهم في ظلامهم يعمهون، وما البشير إلا واحداً من هؤلاء، فهؤ يأخذ من قذافي بعضاً من هوس، ومن صدام بعضاً من استبداد، ومن فرعون بعضاً من طغيان، ومن هتلر بعضاً من عنصرية وفاشية . أي أنه مزيج من بعض صفات الطغاة السابقين له. أي أنه دكتاتور مكتمل الأركان إلا أنه ينقص كذلك كثيراً من ما ذكرناهم، حتى لا نظلمه أو نظلمهم. ولذلك اخترنا " بعض "


    .
    وفوق ذلك هناك مراكز قوى رفعها البشير درجات فوق سلالم المجد ولو كان زائفاً، وقطط سمان أثرت في أزمنة الغفلة الإنقاذية، وحمت ما نهبته من مواردنا بسياجٍ من الاستبداد، فكون الاثنان حلفاً مقدساً؛ لن يسمح للبشير أن يذهب فجأة، ويتركهما مكشوف الظهر للعواصف والمخاطر، ومثل هذه المجموعات هي كالخفافيش لا تتحرك سوى تحت جنح الليل البهيم، ولا يكون لها وجود سوى عبر أنظمة مستبدة أو عنصرية، وهم "لبلاب سياسي" لا ينمو سوى على أكتاف الآخرين، و" طفيليات" ضارة لا تنبت سوى فوق جبال التفسخ والفساد، ومثل هؤلاء تعودوا على خلق آلهة لأنفسهم ، ولو من العجوة يتعبدون بها، كي تقربهم من السلطة والجاه زلفى ، ويخادعونها ليخدعوا بها الآخرين، وهي مراكز قوى تحكم باسم المستبد الأعظم، فهي تنفذ له طلباته وتعبر عن رغباته، وتترك له الواجهة والوجاهة والصورة واللهو والعبث، وتمنحه سطوة السلطة وجاه المال، ليظل هو الآمر الناهي ، ومنذ عام 2005 بعد تراجع دور علي عثمان محمد طه بسبب قوانين لعبة الصراعات الإنقاذية، ظل البشير هو محور تماسك أقطاب صراعات السلطة والمال يعد أن خلقوا له مساحات تمنحه الكلمة الأخيرة، لكنهم يناورون فيما بينهم في ذات المساحة . ولذلك يسعى كل طرف صراع في حال توازن الضعف بينهما للاستقواء بالبشير وسلطته، إلا أن ذات الطرف حين يشعر بالقوة يفكر في الإطاحة بالبشير ليحل محله ، لكن قوانين اللعب الإنقاذي تدفع الطرف الضعيف هذه المرة للاستقواء بالبشير، والوشاية بغريمه. ولتقريب الصورة أكثر فقد صعد نجم علي عثمان طه عقب " المفاصلة " بعد إنقلاب طه وجماعته على شيخهم الترابي الذي علمهم السحر، إلا أن اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 والتي وقعها طه مع الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق ديمبيور أدت إلى خفوت نجم علي ليعلو نجم نافع ، الرجل الأمني الأول وصاحب بيوت الأشباح الشهيرة ، وبعد سنوات يقوى دور بكري حسن صالح ، وهو يشبه " الزعيم رقم صفر " الذي يمسك بالخيوط من وراء نظارته السوداء، ومعه عبد الرحيم محمد حسين منذ انفصال الجنوب ، فصار النظام تحت إمرة " مجموعة أمنية عسكرية" صغيرة، فأمسك بكري بخيوط الأمن بعد الاطاحة بصلاح قوش ووقف طموحه وتمدده، مثلما أمسك بخيوط القصر الرئاسي ، وكذلك العلاقات الخارجية، و مع بكري تولى عبد الرحيم الملفات العسكرية، ليحكم البشير عبر عبد الرحيم وبكري ومجموعة اقتصادية صغيرة من القطط السمان. لتتحول كل أجهزة الدولة إلى أذرع باطشة وقامعة لصالح البشير وجماعته وحاشيته وأسرته .
    ولذلك ليس غريباً ان نرى " مهرجانات النفاق" ، وأن نسمع عن جماعات تطالب البشير بالاستمرار في الحكم لأن الشعب السوداني يريد ذلك، وعن خطب رنانة، وفتاوي علماء السلطان، بشرعية استمرار البشير في الحكم حمايةً لأمن البلاد، وربما نشاهد مسيرات الرجرجة والدهماء، والصفيقة والهتيفة التي تعلن عن استعداداها لتقديم " ارواح 30 مليون سوداني فداءً للبشير ". هذه كلها عوامل تجعل من رغبة البشير " حديث إفك" ومناورة، وتخدير للحالمين من المعارضين، ومن الذين سولت لهم أنفسهم التواقة لعودة السلطة إليهم من جديد.
    ولو أخذنا حديث البشير هذه المرة مأخذ الجد، وقرر فعلاً التنحي بسبب " ظروف صحية أو ضعوطات إقليمية " وفرت له ضمانات بحياته وثروات أسرته ؛ فإن الصراع سوف يحتدم بين الأجنحة.


    ما هي حظوظ علي عثمان ؟.


    كثيرون يرون في علي عثمان طه مفكراً خطيراً، و سياسياً محنكاً، مع أنه ليس سوى رجل "براقماتي " مصاب بشهوة السلطة حد الجنون، ويكفي أنه أكثر من نصف عمره ولحوالى 37 عاماً ظل يتقلد الوظيفة العامة تلو الوظيفة، ابتداءً من رقيب مجلس شعب نميري، إلى زعيم معارضة البرلمان في الحكومة التي انقلبت على النميري في ثمانينيات القرن الماضي، ثم كان أول المنقلبين على السلطة الديموقراطية، ليظل تنفيذياً مع نظام "الإنقاذ" قرابة ربع القرن، منذ أن كان يدير الأمور، وراء حجاب، في غياب شيخه الترابي الذي ذهب إلى السجن حبيساً، في السنة الأولى من عمر الإنقاذ، ولم نسمع للرجل مؤلفاً في السياسة أو الفقه، أو حتى في القانون، بل إن القانون كان أول ضحايا الرجل، وهو دارس القانون في جامعة الخرطوم، فدعنا عن مشاركاته في حكم نميري، أو مشاركته في تدبير الانقلاب على نظام حكم ديمقراطي، بل أن للرجل تصريحات شهيرة مثل " shoot to kill " أي أطلق النار لتقتل" ، وهو يرفع لبرلمانه الصوري قانون بإعلان الجنوب دولةً عدوةً، وهو ذاته من وقع السلام مع الجنوب، لكنه في حمى المزايدات السياسية، والعمل على نيل رضاء العسكري البشير، لا يتورع رجل القانون عن التهديد بسيفه، مثلما قالها خلال المفاصلة بين شيخه الترابي، ورئيسه البشير، في اجتماع شهير قال فيه " سيوفنا مع البشير"، وظل يرفع سيفه كلما شعر بخطر يدنو من كرسيه، وظل يمارس النفاق، والتلفيق في أسوأ صور لسياسي، أو رجل متعلم، ودارس قانون.



    وينافس طه في صراع الورثة نافع علي نافع، وهو معروف بعقليته الأمنية، وسلوكه العدواني في التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى افتقاره لما يمكن أن يؤهله لمنافسة طه ، والذي بدأ يتحرك بدقة في اتجاه آخر، وهو توحيد أجنحة الحركة الإسلامية، حيث التقى بالدكتور علي الحاج محمد في ألمانيا ، واتضح أن طه بدأ في تسويق بضاعته عبر مشروعات " أصلاحية " تتنباها بعض القواعد داخل الحركة الإسلامية وحزبها الحاكم مثل الدعوة للحوار والمشاركة ، مع اكتفاء الرجل بتعميمات وتهويمات دون الدخول في تفاصيل واضحة، ويستشف من لقاء طه وعلي الحاج أن الأول يريد ارسال رسائل إلى الداخل والخارج ، أنه سيقود " إصلاح الداخل " وأنه حسبما جاء في مقترحات قطرية بتنحي البشير في سياق مصالحة إسلامية، اتقاءً لرياح التغيير والثورة التي بدأت تهب، مع ربط ذلك بدعم أمريكي يريد " هبوطاً آمناً " للبشير ولنظامه ، وهو ما يعمل طه للتأسيس له .
    إلا أن لا طه ولا نافع يستطيعان خلافة البشير لعدة أسباب أهمها ، أن البشير لو كثرت عليه الضغوط وصار لا بد من تنحيه بد، فسوف يوكل الأمر لمن يثق فيه، وإلى من يوفر لها الضمانات، وهو ما لا يتوفر سوى في صديقيه العسكريين عبد الرحيم وبكري، ولذلك ليس من المستبعد أن يكسب بكري صراع خلافة البشير وورثة حكمه، ومع دعم البشير فإن بكري بخلفيته العسكرية، ثم تصعيده في داخل " الحركة الإسلامية " نائباً للأمين العام ، وقد تسلم بكري المنصب استعداداً للاستيلاء على السلطة في حال غياب البشير عن المسرح.
    إن كثيرين مهمومين بصراعات طه ونافع، إلا أن اللاعب الأساسي وفرس الرهان هو بكري حسن صالح ، لكن مع احتدام الأوضاع ربما تظهر وجوه أخرى مثل الفريق الفاتح عروة وهو رجل أمني وعسكري وذو علاقات بالولايات المتحدة الأمريكية ، وربما يكون هو " الطيار " الذي سيهبط بالطائرة التائهة .
    ومع كل ذلك ؛ ما باللنا نحن فاستمرار البشير هو استمرار للأزمة، و أن غيابه " الجسدي " يعني وجود مؤسساته باستبدادها وفسادها، من خلال ظلاله، وهي ظلال باهتة .
                  

04-03-2013, 06:24 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    الخدعة الكبرى !!
    April 2, 2013
    د. عمر القراي..

    (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) صدق الله العظيم

    في الآونة الاخيرة، شهدت الساحة السياسية أحداثاً هامة، يجب الا نتركها تمر دون الوقوف عندها. من هذه الاحداث، البدعة الجديدة، التي خرج بها الاخوان المسلمونعلى الناس، كمزيد من القهر، والتسلط، والارهاب.. واستهدفوا بها كسر روح المقاومة في الشباب، وسوقه للاستكانة عن طريق إذلاله، حتى ينشغل بالخوف على نفسه، عن مجرد التفكير في الانضمام الى معارضة سلمية، أو مسلحة، بغرض اسقاط النظام. فقد أخذت عربات تابعة للقوات النظامية، تجوب الشوارع، وكأنها تبحث عن اعداء الوطن!! وهي في الحقيقة، تبحث عن أي شاب طويل الشعر، لتقبض عليه، وتحلق له شعر رأسه، على قارعة الطريق، والمارة بنظرون اليه، وهو مسلوب الارادة، أمام قوة غاشمة، مسلحة، مستعدة لايذائه، واعتقاله، وسجنه، لو أبدى أي رفض، أو مقاومة، لما يرتكب في جسده من فعل لا يوافق عليه !! وهكذا تصادر حريات الناس قسراً، دون ان يرتكبوا أي جريمة، يمكن ان يعاقب عليها أي قانون .. ما هو المبرر لهذه البدعة السخيفة ؟! هل حلت الحكومة كل مشاكل السودان،وانهت الحروب، وقضت على الفقر والبطالة، وزادت المرتبات، وخفضت اسعار السلع، وحققت الرخاء الاقتصادي، ودفعت ديونها الخارجية، ورفعت من قائمة الدول المساندة للارهاب، واستقام امر البلاد والعباد، ولم تعد هناك مشكلة تعكر صفو الأمن، الا الشعر الطويل لبعض الشبان ؟! هل هناك أي قانون انساني، يعطي أي حكومة، الحق في ان تتحكم في مظهر المواطنين بالقهر والقوة ؟! وهل هذا العمل استعراض للقوة، أم له سند من الشريعة (المدغمسة) التي قالوا أنهم يطبقونها ؟! وهل الشعر الطويل نفسه، يعتبر في الاسلام خطيئة، وهل في الشريعة عقوبة (حلق الشعر) لأنه طويل ؟! ألم يكن طول الشعر، وطول اللحية، من سنة العادة، التي درج عليها النبي صلى الله عليه وسلم والاصحاب رضوان الله عليهم ؟! ماذا لو قال أحد الشبان انه يطيل شعره لأنه يريد تقليد للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه، في تطويل الشعر، كما يقلدهم الاخوان المسلمون في اطالة اللحية؟!

    إن الاخوان المسلمين، لم يوظفوا القوات النظامية لارتكاب هذا الاعتداء السافر، حرصاً على الشريعة، أو الفضيلة، أو المظهر المتزن. وانما هم يتذرعون بأي ذريعة، ليجدوا فرصة لاخافة الناس، ومعرفة مدى تحملهم للمذلة، والخضوع بسبب الخوف، وذلك تمهيداً للدستور الاسلامي الذي يعدونه الآن.. والدستور الاسلامي، نفسه، لم يقصد به وجه الله، وإنما الغرض منه ممارسة عقوبات قاسية، بدعوى انها الدين، حتى يتقبلها الرأي العام، والعقوبات القاسية، الهدف منها اسكات صوت أي معارضة، بحجة انها تعارض أمر الله، باعتبار أن ذلك آخر الوسائل للمحافظة على استمرارهم في الحكم.

    ومن الاخبار التي أحب ان اقف عندها (قدم القانونيان “علي أحمد السيد” القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل والأستاذ “بابكر عبد الرحمن بابكر” المحامي، والكاتب الصحفي “فيصل محمد صالح” شكوى ضد حزب المؤتمر الوطني الحاكم لدى مجلس شئون الأحزاب السياسية بسبب قبوله منحة من الحزب الشيوعي الصيني لبناء دار جديدة للحزب، وهو ما يعد قبولاً للتمويل من جهة أجنبية. وقال الشاكون في عريضة الشكوى التي خاطبوا بها مجلس شئون الأحزاب رسمياً، وتلقت الصحيفة نسخة منها: إنهم يلتمسون تدخل المجلس بما لديه من سلطات بموجب المادة (10) الفقرة 2 و3 من القانون حيث أن المؤتمر الوطني أعلن عن أن الحزب الشيوعي الصيني قرر له (منحة) ليتمكن من تشييد برج ليكون مقراً لحزب “المؤتمر الوطني”، الأمر الذي يخالف المادة (21) فقرة 3 من قانون الأحزاب السياسية التي تقرأ: “لا يجوز للحزب السياسي قبول أي تبرع مالي من أي شخص أجنبي، أو من أي جهة أجنبية)(المجهر السياسي 18/3/2013م). فالمؤتمر الوطني يخرق التشاريع التي يضعها بأغلبية اعضائه في البرلمان، ويخالف القوانين التي يلزم بها الآخرين، فيوجه رسالة للشعب مفادها انني الحزب الحاكم فوق القانون، وإنما وضعت القوانين لأحكم بها الآخرين !! وحين قامت حكومة الاخوان بالهجوم على مراكز الاستنارة فاغلقتها، وصادرت كتبها، ومعداتها، كانت حجتها الأساسية، ان هذه المراكز تتلقى أموالاً من جهات أجنبية !! ومادام (علماء) السودان مولوعون باصدار الفتاوي، في كل كبيرة وصغيرة، فإننا نريد فتوى في وضع المسلم، الذي يقبل (صدقة) الكافر الشيوعي الملحد ؟! ونريد ان نعرف حكم الشرع، في تأسيس دار لجماعة المسلمين بأموال الكفار؟! وهل يجوز لهم الدعوة الى الله في مكان بني بمال المشركين ؟! ومركز المؤتمر الوطني السابق، كان يلحق به مسجد، فهل يجوز بناء مسجد جديد بأموال الشيوعيين الصينيين ؟! ولا يمكن للشيوعيين الصينيين، ان يقدموا مثل هذه الهدية الكبيرة، لو لم تكن بينهم وبين قيادات الاخوان المسلمين الحاكمة، صداقة، ومودة، فهل يستطيع (علماء ) السودان، ان يصدروا فتوى تطعن في إيمان قادة المؤتمر الوطني، نزولاً عند قوله تبارك وتعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ؟! وإذا كان الاخوان المسلمين، من قادة المؤتمر الوطني، قد اصبحوا من السعة والتفهم،بحيث يقبلون حتى الشيوعيين الصينيين، ويحبونهم، ويتبادلون معهم الهدايا والمودة،فلماذا يضيقوا بابنائنا الذين يربون شعورهم ويجلدونهم في الشوارع ؟!

    ومن الأخبار الهامة، التي يجب الا تمر علينا بعفوية، جاء (اعلن المشير عمر حسن احمد البشير رئيس الجمهورية عن اطلاق سراح المعتقليين السياسيينوقال خلال خطابه امام الهيئة التشريعية القومية في دورة انعقادها السابعة “نؤكد اننا سنمضي في الإتصالات مع القوى السياسية والإجتماعية كافة، دون عزلٍ أو إستثناءٍ لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح” وزاد “وقد كفلنا مناخ الحريات وتأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات،وتأكيداً لذلك فإننا نعلن قرارنا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ونجدد إلتزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان إستعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوارووجه شكره للقوى التي سارعت نحو الحوار الذي قال فيه “نريده حواراً للجميع، فالسودان وطن يسع الجميع، بثقافته وتنوعه وتاريخه ومستقبله”)(1/4/2013م). لقد كان خطاب الحكومة السابق، مخالفاً تماماً لهذا الاتجاه. فقد صرح السيد رئيس الجمهورية، انه لن يتحاور مع الحركة الشعبية، وسماها “الحشرة الشعبية” !! وصرح مساعدوه، ونوابه، خاصة د. نافع علي نافع، بأن الاحزاب لا قيمة لها ولا وزن. واتهم اعلام الحكومة الرسمي، اعضاء الاحزاب الذين وقعوا على وثيقة الفجر الجديد، بالخيانة العظمى، ووصفهم بالعمالة، والطابور الخامس، مع انهم لم يفعلوا إلا ما دعا له السيد رئيس الجمهورية الآن، وان سبقوه عليه بأشهر !! وقامت أجهزة أمن النظام باعتقالهم، وتعذيب بعضهم، واعتقلت د. الكودة من المطار، ولم تسمح له بمقابلة أهله، ولم يترتكب ذنباً غير محاورة الجبهة الثورية !! ومن حق الشعب والمعارضة، والأحزاب، على السيد الرئيس، وعلى أعضاء المؤتمر الوطني، وعلى الحكومة، ان يوضحوا لهم السبب في تغيير الموقف بهذه الصورة الانقلابية، قبل الدخول معهم في أي حوار .. فهذه جماعة متذبذبة، غير مضمونة، ولا ترعى عهداً ولا ذمة.

    إن دعوة المؤتمر الوطني للحوار، واشراك المعارضة معه في مصير البلاد، خدعة كبرى، يحاول بها ان يستبق المبادرة، التي طرحتها الحركة الشعبية –شمال. فهو يعلم ان الحل الشامل للوضع السياسي، كما جاء في طرحها، سيجد قبولاً لدى المجتمع الدولي.. وربما اتى كقرار من الأمم المتحدة، لن يملك النظام رفضه، فهو يريد ان يقول للعالم، انه مقبول من الشعب، ومن احزابه، بدليل انها تتحاور معه، وتدخل في برنامجه.. وان الحركة الشعبية –شمال، والحركات المسلحة، ليس لديها جهات سياسية، متفقة معها، مما يجعل طرحها، لا يمثل رغبة اهل السودان، فيجب الا يسمع لها العالم، حتى لا تفرض رؤيتها على الحكومة، والاحزاب المتحالفة معها، والتي تمثل غالبية الشعب. هذا ما توصل له الجناح (الشاطر) في الحكومة، وتقبله الجناح المتطرف- من امثال الطيب مصطفى- على مضض،بعد ان اقنعهم زملاؤهم، بأن هذا وضع طارئ، وبعدها سيعودون للبطش، والقهر، كما كانوا، ولا ضير في أن يكذبوا على الشعب، ويخدعوا المعارضة، ما دام الحرب خدعة!!

    لقد أعلن السيد الرئيس اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فهل يرى انهم مخطئين، ولكنه تعطف عليهم، أم اكتشف ان الاعتقال خطأ، لأنهم لم يدانوا وفق القانون ؟! فما معنى اطلاق سراحهم دون الغاء القوانين المقيدة للحريات، والتي تجوز الاعتقال بغير دليل والحبس بغير جريمة ؟! ومن هؤلاء المعتقلين من عذبوا في السجون، وبيوت الاشباح، فهل سيحاكم من عذبهم، أم ليس لهم الحق في المطالبة بذلك ؟! وكيف يدعو الرئيس للحوار، ووضع دستور جديد، قبل ان يوقف الحرب في دارفور، وفي جنوب كردفان، وفي النيل الأزرق ؟! أليس لمواطني هذه المناطق حق في المشاركة في الحوار، ووضع الدستور؟! لماذا لا يوقف قصفهم بالطائرات، ويسمح للاغاثة ان تصلهم، قبل ان يدعوهم لدعم دعوة الحكومة للحوار؟!

    إن النظام يستغل علاقته بالاحزاب التقليدية، وابناءهم، الذين ما منحهم تلك المناصب، الا ليستغلهم في يوم كهذا، فقد جاء (باشرت الرئاسة السودانية محادثات معلنة وأخرى سرية مع رموز معارضة لإقناعها بجدوى الحوار من أجل مصالحة وطنية والمشاركة في صوغ دستور جديد، وتلقى الرئيس عمر البشير أمس تقريراً مبدئياً عن نتائج تلك المحادثات وطلب استكمالها من أجل ”جمع الصف الوطني”. وقال مساعد الرئيس عبدالرحمن الصادق المهدي إنه أطلع البشير أمس على نتائج لقاءاته مع والده رئيس «حزب الأمة» الصادق المهدي ورئيس حزب «المؤتمر الشعبي» حسن الترابي ورئيس «هيئة تحالف المعارضة» فاروق أبوعيسى، موضحاً أن البشير «ساند تلك اللقاءات وأمر باستكمالها وبلورتها في صوغ دستور جديد للبلاد». ووصف نتائج محادثاته مع رموز المعارضة “بأنها مثمرة وبناءة” . وناقش البشير مع رئيس «الحزب الاتحادي الديموقراطي» محمد عثمان الميرغني تطورات الأوضاع السياسية في البلاد، وتعزيز العلاقات مع دولة جنوب السودان، وتطوير الحوار مع القوى السياسية. وأعلن الناطق باسم «الاتحادي الديموقراطي» إبراهيم الميرغني اتفاق الطرفين على استمرار الشراكة السياسية بين حزبيهما حتى الانتخابات المقبلة)(الراكوبة 1/4/2013م). ولئن كان السيد محمد عثمان الميرغني، والسيد الصادق المهدي، اصحاب مصالح في النظام، وابناءهما جزء منه، فإن على شباب الاتحادي الديمقراطي، وشباب حزب الأمة، الذين اعترضوا من قبل على مواقف التخاذل، ان يرفضوا هذا الدور الديكوري لحزبيهما، ويقفا بصلابة ضد هذه الخدعة، التي يريد بها الأخوان ان يطيلوا من عمرهم، ثم يعودوا سيرتهم الأولى.

    إن حكومة الاخوان المسلمين، قد بلغت من أذى الشعب، واساءته، وتحقيره، وانتهاك حرماته، وتجويعه، وتقتيل ابنائه، وتشريده،وتضليله، ما لم تبلغ أي حكومة أخرى .. ولقد صبر الشعب عليهم، لأنه يكره العنف وازهاق الأرواح، فاعتبروا صبره جبناً، فلم تجد المعاملة الحسنة مع هذه العصابة، التي باعت البلد، وحطمت مشاريعه.. فهم مجموعة من المهووسين، والسارقين، والمنتفعين، لا تتورع عن ارتكاب أي رذيلة، ولا تتردد في ارتكاب أي جريمة، في سبيل الحرص على كراسيهم .. فلو قدر لهم ان نجحوا بمساندة الاحزاب، واقاموا الدستور، سيزورون الانتخابات كما فعلوا من قبل، وحين يسيطروا على الحكومة، مرة اخرى، لن يكتفوا بجلد النساء، وحلق شعر الشبان، وانما سيتابعون الناس داخل بيوتهم، ليضمنوا خضوعهم، وانكسارهم، حتى لا يتهدد سلطانهم .. فمن الخير لهم، وللشعب، أن يخرج لهم في كل مدن السودان، متجاوزاً احزابه المتخاذله، في وقت واحد، حتى يجعلهم أحاديث، فبعداً للقوم الظالمين


    -----------------

    مبادرة على الحاج هل انطلقت من صالون الرئيس
    April 2, 2013
    محمد لطيف..

    [email protected]

    قبل أشهر معدودة .. عاد رجل الأعمال كثير الأسفار .. الى الخرطوم .. من جولة اوربية على غير العادة .. والرجل محل ثقة عند المراجع العليا فى الدولة .. ولسبب من هذه الثقة فهو مسموح له .. أو يسمح هو لنفسه .. التحرك فى مساحات شاسعة .. لا يتحرك فيها كثيرون .. الرجل حمل فى عودته .. حسب ظنه على الأقل .. صيدا ثمينا كما قال لمن إئتمنه على إبلاغ الرئيس رسالة عاجلة .. كان فحوى الرسالة أنه إلتقى الدكتور على الحاج فى اوربا .. هكذا .. وأن الدكتور لا مانع لديه من العودة الى البلاد .. ثم .. يضيف رجل الأعمال من عنده ملاحظة .. وإقتراحا .. فأما الملاحظة فهى أن الدكتور ظروفه صعبة .. لم يفصح الرجل عن طبيعة هذه الظروف .. ولا مدى صعوبتها .. ولم يسأله المؤتمن على حمل الرسالة .. وأما الإقتراح فهو .. ضرورة أن تكون عودة الدكتور بطريقة لائقة .. المؤتمن على الرسالة يجتهد فى نقلها .. بحذافيرها .. وحواشيها .. من ملاحظة رجل الأعمال الى إقتراحه .. وعلى مائدة تضم .. الرئيس .. إثنين من أقرب رجاله .. وثالث .. تطرح الرسالة .. الرئيس لا يعلق .. ربما تعمد ذلك .. أما الإثنان الأقربان .. فيديران حديثا حذرا عن دور على الحاج .. ووزنه .. وما الذى يمكن أن يضيفه .. بقى هناك .. أو إنتقل الى هنا .. مجرد أسئلة تؤسس لموقف محايد .. سيما وأن الرئيس لم يقطع برأى .. لا مواقف قطعية كما سنرى الآن .. صمت الرئيس يغرى بالحديث .. فينفجر الثالث فى وجه المؤتمن على الرسالة .. لماذا تشفع لعلى الحاج ..؟ وما هى علاقتك به .. ؟ وما هى قيمة على الحاج ..؟ وما هو وزن على الحاج .. ؟ المؤتمن على الرسالة .. الذى كان ينظر لنفسه كمجرد وسيط .. يجد نفسه فجأة فى مرمى أسئلة تجريمية .. وأين .. ؟ فى حضرة الرئيس .. ! ولكنه لايفقد هدوءه .. فيجيب دفعة واحدة .. اولا ما هذه الكلمة الغريبة التى إستخدمتها .. أنا لم آتى الى هنا متشفعا لأحد .. أنا هنا لنقل رسالة سياسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى لا متشفعا .. ومع ذلك .. وإن أردتها كذلك .. فهى كذلك .. وأنا شخصيا على إستعداد لطلب الشفاعة للشيطان .. إن كان سودانيا وأمره بيد الرئيس .. ولا أرى ما يمنعنى من المطالبة بفتح الأبواب لكل سودانى راغب فى العودة لوطنه .. يتدخل الرئيس .. مبتسما .. و مستعيذا .. بصوت عال .. من شياطين الإنس والجنس .. ينتهى الموقف .. وتبقى الأسئلة المشروعة .. عن علاقة تلك بهذه .. أو علاقة تلك الأمسية بما تلاها .. حتى زيارة الفندق ..؟

    وزيارة الفندق .. وفقا لإفادة الدكتور على الحاج .. هى تلك الزيارة التى قام بها سيادته الى مقر إقامة السيد على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية بالعاصمة الألمانية مؤخرا .. ولعل الملاحظة الجديرة بالرصد .. دون جهد هى تضارب معلومات الدكتور .. سواء على صعيد إفاداته الشخصية .. أو تعارضها مع إفادات جهات أخرى .. كقوله إنه بادر لزيارة السيد طه للإطمئنان على صحته بعد أن سمع أنه ( مريض جدا ) .. وحين تتضارب أقوال الرجل .. فالطبيعى أن تحيط الشكوك بأفعاله .. !

    إذن .. ورغم كل الضجة .. والضجيج .. والمؤتمرات الصحفية .. واللقاءات الإعلامية .. يبدو الأمر أقرب الى ترتيب هبوط آمن للدكتور على الحاج فى داره .. ولا نقول دار المؤتمر الوطنى .. وأن كل هذا الذى جرى .. لايعدو أن يكون تنفيذا لنصيحة رجل الأعمال الذى سبق وأن إقترح أن تكون عودة الدكتور بطريقة لائقة ..!



    ----------------

    حصاد المشروع الحضاري ( السلب والنهب ) مجاهدي الإنقاذ الحلقة
    04-02-2013 08:29 PM

    بسم الله الرحمن الرحيم
    حصاد المشروع الحضاري ( السلب والنهب ) مجاهدي الإنقاذ الحلقة الرابعة
    يتوهم من يفكر في الحاضر والمستقبل في ظل مليشيات مسلحة تستخدم سلاحها وعضلاتها بدلا أن تركن للقانون أو تحترم من عينها كمليشيات عسكرية للدفاع عن الوطن كما يدعون إذ نظام الإنقاذ درج على إغراق المنطقة بكثير من المليشيات التي لا تخضع لأي مسائلة من أي جهة كانت أو رقابة على أفعالها رغم تعدد مسميات الأجهزة الأمنية ونورد جزء من هذه المسميات التي لا توجد في أي دولة من دول الجوار أو الدول الأوربية والآسيوية هي :
    1- الشرطة الموحدة .
    2- المباحث الجنائية
    3- الاحتياطي المركزي
    4- الشرطة الأمنية
    5- الشرطة الشعبية
    6- الشرطة الظاعنة

    .إذا أفترضنا الأجهزة هي أجهزة نظامية ومناط بها مسئوليات حفظ الأمن والاستقرار وتؤدي وجبها وفق ما حدده القانون لحماية ممتلكات المواطن من المجرمين أو الحد من الجريمة ، فما علاقة المليشيات بمسئوليات وواجبات الشرطة المناط بها ، إذاً المليشيات هي خارج إطار السيطرة وبالتالي شكلت خطر حقيقي على حياة المجتمعات سواء كان من بن جلدها أو الوافدين إلى المنطقة حيث اغتنمت ظروف ضعف القانون في الحماية الاجتماعية والسياسية وغياب العقلية القيادية التي تحد من مخاطر خلق الأزمات التي تؤدي لعدم الاستقرار والسلام والأمني في البناء الاجتماعي غياب العقل المدبر هو السبب الأساسي في تغول كثير من عصابات الإجرام على القانون .ولكن السؤال المطروح لماذا تنازلت الأجهزة النظامية عن مسئولياتها لمليشيات المؤتمر الوطني .

    مليشيات المؤتمر الوطني بدأت تنذر الكبير والصغير بالخطر الحقيقي الناتج عن تصرفات وممارسات هذه الجرثومة ، وهذه الجرثومة استمدت قوتها من كبار مسئولي نظام الإنقاذ الذي شجع المليشيات على التطاول بل السطو على حرية الآخرين وفي هذا أعطي مثال واقعي لا يستطيع أحد إنكاره في 22/12/2012م يوم السبت وفي غمرت الصراع بين الشباب المطالبين بالخدمات ومليشيات المؤتمر الوطني جاء والي ولاية جنوب كردفان وفي مسجد المجلد العتيق بعد صلاة الظهر خاطب الوالي المصلين وهنا احتدم الصراع بين الشباب من جهة والوالي ومليشياته من جهة أخري فواجهة الشباب الوالي بالوعود السابقة في تحقيق المشاريع الخدمية أي التنمية ورفعوا شعار كفانا وعود كان التدخل السريع والطائش من قبل مليشيات الدفاع الشعبي كاد أن يؤدي إلى معركة حقيقية يين القبائل لولا ( عينات الله سبحانه وتعالي ولطفه على عباده ) لوقعت الكارثة .

    وإذا أفترضنا في تلك المرحلة وقعت الكارثة داخل مسجد المجلد ماذا يكون شكل الكارثة رغم إن المسجد هو بيت من بيوت الله للعبادة وليس لسياسة بالتأكيد ستكون مجزرة حقيقية بين القبائل وليس بين الشباب والدفاع الشعبي . رغم وجود الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والشرطة مع الوالي وهذه الأجهزة لم تتدخل أو تعتقل أحد . لأن تصرف الشباب ضمن ما سمح به دستور 2005م وطالما ليس هناك أي نية للتخريب وإنما هي مطالبة بالحقوق .

    ولكن مليشيات الدفاع الشعبي دخلت في مشاددات مع الشباب مما أجبر الحضور لمغادرة المسجد ساخطين على المليشيات ثم انتقلت من المسجد وأغلقت نادي المدينة بحجة أن الشباب والقوى السياسية يمارسون عمل سياسي ضد النظام . المهم الوالي قال للدفاع الشعبي بأن المنطقة أمانة في رغبتكم . تخيلوا إن والي ولاية جنوب كردفان ، يقول للمليشيات المنطقة أمانة في عنقكم وهي تفتقر للوعي لخطورة الأمانة التي تقتضي المسئولية التاريخية في تحقيق العدالة والمساواة إذا ما وقعت الفاجعة ماذا يكون شكل الاتهامات التي تطلق على المعارضين للنظام غير الاتهامات الظالمة التي تحض بالخيانة والعمالة للأجنبي ، كما يحلوا أو حالة الأسر التي يمكن أن تتعرض للتشريد ناهيك عن التأثيرات الاقتصادية التي تأثر سلباً على حياة الناس المعيشية والصحية أو فقدان كثير من التلاميذ والطلاب لمستقبلهم الدراسي .
    وبعد وصاية والي الولاية للمليشيات ماذا تفعل غير أن تصب جام غضبها على المنطقة حتى ولو أداء ذلك إلى القتال بين قبيلة وقبيلة لا يهمها الحاضر والمستقبل واستتباب الأمن طالما وجدت حماية قانونية من المسئول الأول في الولاية ، وبالتالي لا يستطيع هذا أو ذاك أن يقف في وجهها . شيء طبيعي أن السلب والنهب محمي بالقانون .

    هنالك مثال أخر يؤكد إن المليشيات لا تتصرف من عندها ولكن تتصرف بناء على توجيهات من مسئولين نظام الإنقاذ في 12/3/2013م زار مستشار الوالي محلية الميرم لوضع حجر الأساس للمحلية وكذلك تدشين الطرق وإثناء مخاطبته للحشود داخل مسجد الميرم ، كان شباب الميرم رفعوا لافتات تطالب بالخدمات لمحلية الميرم ولكن معتمد محلية الميرم دفع بعناصر الدفاع الشعبي لمجابهة الشباب لمنعهم عن التعبير عن رأيهم أمام مستشار الوالي وحين فشلت المليشيات في مجابهة الشباب قام معتمد محلية الميرم باعتقال عدد من هؤلاء باعتبارهم حركات مسلحة أي ينفذون أجندة خارجية .

    في 18 – 19 /2/2013م عقدت ورشة لقيادات الدفاع الشعبي ببابنوسة وناقشت أسباب التفلتات الأمنية وظاهرة السلب والنهب التي بدأت تشكل خطورة وعدم استقرار أمني بل خطورتها على الحاضر والمستقبل وربما تجر المنطقة بأثرها إلى حرب وبكل ما تحمله من معاني الأزمات ولكن الروشة لم تستطع أن تضع معالجات واضحة للمظاهر السيئة رغم الإمكانيات الهائلة وقدرات المحاضرين من الألوية وقيادات .

    إذاً الأمر كان مقصود من أجل خللت الأوضاع الأمنية بالمنطقة حتى لا تنعم بالأمن والاستقرار لأن إذا استقر الوضع الأمني سوف يجعل الكل يفكر في المطالبة بحقوقه سواء بعودة الولاية أو الخدمات الأساسية لذا عدم استقرار الوضع الأمني يجعل المنطقة في دوامة من العنف ويتعذر المسئولين بأن الظروف الأمنية الراهنة هي التي لا تسمح بتدفق المشاريع التنموية لأن الشركات لا تستطيع أن تعرض أموالها للخطر هذا التبرير غير المنطقي هو الذي عطل مشاريع التنمية وبفعل فاعل إذاً الورشة كانت للدردشة وليس للمعالجة


    يتوهم من يفكر في الحاضر والمستقبل أو أن تتبدل الظروف وفق المتغيرات السياسية في طبيعة المفاوضات في أديس أبابا بين نظام الإنقاذ ونظام جوبا أو أن تتطور ظروف الشد والجذب وفق الاستراتيجية العسكرية واستعراض القوة بين الطرفين هذه كلها عوامل ساعدت على عدم الفهم الصحيح للاستقرار الأمني .

    إذ عدم استقرار الأوضاع الأمنية كان مطلوب لتحقيق أهداف خفية وصرف أنظار المجتمع عن ما يدور في كواليس السياسة . وإلهاء المجتمع بالمستجدات الأمنية سواء كانت على الصعيد المحلي أو على صعيد الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودار فور أو على صعيد التطورات السياسية والاقتصادية في كل من مصر وليبيا ومالي ، فضلا عن تمهيد الطرق لاحتواء الحركات المسلحة المدعومة من نظام جوبا أو كليهما بعد مصفوفة الاتفاقيات .
    وطالما ليس هناك إنسجام بين العائدين من الحركات المسلحة والدفاع الشعبي الذين شكلوا مليشيات للمؤتمر الوطني عدم الانسجام بين الفرقين المتناقضين خلق ظروف السلب والنهب في الطرقات واختطاف موبايلات الناس ومع ذلك لم تسلم المدارس من سطوها ففي 24/3/2013م أعتدت مجموعة على الثانوية بنات وتم نهب عشرة جهاز كمبيوتر من صرح من صروح العلم هكذا مليشيات المؤتمر الوطني أي مجاهدي الإنقاذ التي لا تستطيع أن تفرغ بين صروح العلم وشركات البترول من أجل التعويضات أو العربات التجارية القادمة إلى المنطقة ، ولم تكن المرة الأولى وإنما بتاريخ 14/6/2009م تعرضت المدرسة الجنوبية للسلب والنهب ، والسلب والنهب الذي بعثر كل محتويات ومستلزمات المدرسة العريقة . وإذا كانت المدرسة الجنوبية تعرضت للسلب والنهب بحجة دعم بعض المنظمات الدولية لمتضرري أبيي فإن المدرسة الشرقية تعرضت لنفس السطو وتم نهب المواد الغذائية للتلاميذ التي تشرف عليها منظمة اليونسيف 16/6/2009م. لم تكن بها إغاثة أو دعم لمتضرري أبيي وإنما تغذية للتلاميذ ، هذه المجموعة رغم الأعمال الشنيعة التي قامت بها إلا أن القانون لم يطالها وكان ذلك بعلم الأجهزة النظامية وظلت الجريمة تكبر وتتطور بشكل خطير في ظل غياب القانون.


    حسين الحاج بكار
                  

04-08-2013, 06:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    ماكفرلين و "شحم ألبل" وبينهما طازج!


    04-08-2013 01:50 AM
    فتحي الضَّـو


    حفلت بعض وسائل الإعلام الأمريكية ومنها (صحيفة الواشنطن بوست وقناة السي أن أن ووكالة الأسوشيتد برس) الأسبوع الماضي بخبر تعده من العيار الثقيل، بدليل تدويره في بعض وسائل الإعلام العالمية. كان ذلك عن مداهمة ضباط من مكتب التحقيقات الفيدرالية (الأف بي آي) لمسكن السيد روبرت ماكفرلين الكائن في بناية "ووترغيت" الشهيرة في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي. وذلك للبحث عن أدلة مادية تثبت ما توصلوا له قبلاً عن احتمال تورطه في (عمل مشبوه) بحسب وصفهم، إنه ذي صلة بنظام العصبة الحاكم في الخرطوم. وبالفعل أسفر البحث عن حصولهم على ما عضد اتهامهم، ومن بين الأدلة كان هناك عقد موقع بين ماكفرلين والسلطات القطرية الراعية للمفاوضات الدارفورية بمبلغ 1.3 (مليون وثلاثمائة ألف دولار) وقعته الأخيرة نيابة عن الحكومة السودانية من باب التمويه، في حين قيل إن الصفقة في حد ذاتها تنم عما اشتهرت به العصبة من (غسل أموال) الباطل، إلى جانب أن ماكفرلين جاء بشيء أداً في القانون الأمريكي وهو الاتصال بحكومة متهمة برعاية الإرهاب، وتلك جريرة كما تعلمون ظلت تتمتع بها العصبة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي ولم تستطع الفكاك من براثنها رغم أنها قدمت (للسادة الأمريكان) من آيات الولاء والطاعة في الخفاء، ما عجز الجن عن تقديمه لسيدنا سليمان!

    تناقلت كثير من وسائل الإعلام العالمية الخبر وعلى إثر سريانه في الأسافير والمواقع الالكترونية اتصل بي العديد من الأصدقاء والزملاء والقراء، بعضهم عبّر عن سعادته بحسب أن مكتب التحقيقات الأمريكية منح كتابي الأخير (الخندق/أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان) مصداقية للوثائق التي ضمها بين دفتيه كدليل على الفساد والاستبداد في دولة العصبة، ومن بينها وثائق القصة المشار إليها بحذفارها. وبرغم سعادتي بالسبق الإعلامي الذي تقاصرت عنه في حينها أو تباطأت دونه الأجهزة الأمنية الأمريكية بكل ما أوتيت من إمكانات ضخمة لا تخفى على الناظرين، إلا أنني لم أذهب في ذات الاتجاه الذي ذهبوا إليه في التقريظ، ذلك لأنني لم أضع مصداقيتي أصلاً في كف عفريت حتى تأتي (الأف بي آي) لتمنحني صكاً في البراءة. ذلك ما لم أنتظره منها أو من أية جهة أخرى غير الذين ظللت أوجه لهم رسالتي وتعاقدت معهم بشرط واحد غير مكتوب.. أن يتفاعلوا مع ما يقرأون وأن أنفعل بما يشعرون!

    واقع الأمر لم يكن ما حدث مصدر مفاجأة لي، بدليل ما جاء في خاتمة الفصل الخاص بهذه القضية في الكتاب (ص 268) والذي صدر في يناير 2012م أي قبل أكثر من عام (مضى روبرت كابيللي في طريق العدالة الأمريكيَّة التي لا يُظلم عندها أحد من رعاياها، ولا تنحاز لأحد بسبب وضعه الوظيفي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، فالكل سواسية أمام القانون وبحسب الدستور الذي وضعه ”الآباء المؤسسون“Founding Fathers كما يُسمَّون في الثقافة الأمريكيَّة. يبقى القول إن كانت قضية ماكفرلين قد خلقت ضجَّة حينما أطلت، ولم تمض لنهايتها المنطقيَّة لأنها غابت فيها الدلائل والبراهين، وهو ما نجحنا في توفيره بتواضع، وقد أصبح مبذولاً للقرَّاء الكرام ومن يرغب من أهل الشأن. تبعاً لهذا، يمكن القول بإمكانية وضع الموضوع في دائرة الضوء مجدداً، بإعادة فتح ملفاته المفخخة في الدوائر العدليَّة الأمريكيَّة. وهو أمر إن حدث أو لم يحدث فلا نظن أنه سيعنينا كثيرأ أو قليلاً. اللهُمَّ إلاَّ إن رَشَحَت تداعياته على القضيَّة السُّودانية. فما بالك يا عزيزي القارئ لو أن هذا التداعي نتجت عنه تسوية شكليَّة لقضيَّة حيويَّة كقضيَّة دارفور؟! حيث تصعُبُ المقارنة من الناحية الأخلاقيَّة. ففي هذه القضيَّة دفع كثير من الأبرياء ضريبة قاسية، وصلت حد إزهاق الأرواح، علاوةً عن النزوح الذي لم يتوقف يوماً، فضلاً عن حياة الذُلِّ والمهانة في المعسكرات، وما خفي كان أسوأ.

    من هذا المنطلق، ما الذي يمكن أن يتوقعه المرء لو أنَّ المعنيين عَمَدوا إلى فتح ملفات هذه القضيَّة مجدَّداً، وفي ظهرها كل هذه الحمولة الإنسانيَّة؟!) انتهى الاقتباس ولعل القارىء يلتمس فيه إيماننا بحتمية وصول القضية لنهايتها المنطقية طال الزمن أو قصر!
    يجدر بنا القول إنه ليس ثابتاً لدينا ما إذا كان مكتب التحقيقات الفيدرالية قد اعتمد في مسألة تورط ماكفرلين وحيثياتها - ومنها العقد المبرم بينه والسلطات القطرية - على المنشور في الكتاب، أو أنه أي مكتب التحقيقات الفيدرالية وصلته ذات المعلومات من المصدر الذي سربها لنا (وهو بالمناسبة من جهابذة العصبة ذوي البأس نفسها كما سبق ووضحنا في الكتاب) أو أن المكتب توصل لها بطريق آخر غير الذي سلكناه. لكن الذي نعلمه أن الكتاب ومادته أصبح أحد أدلة المحكمة الجنائية في لاهاى. وسواءٌ بهذا أو ذاك فإن القضية اتخذت الآن مجرى آخر، والذين يتابعون مثل هذه القضايا يعلمون أن الحجر الذي ألقى في بركتها الآسنة، سوف تتسع دوائره وستنداح ولربما ابتلعت في جوفها أناس كثيرين المرئيين وما هم خلف حجاب!

    لابد أن القراء الذين لم يتابعوا الموضوع من قبل، يتساءلون الآن عمن من هو ماكفرلين؟ ونجيب بحسب ما جاء في الكتاب ص253 هو (أحد المستشارين البارزين للأمن القومي الأمريكي، حيث شغل هذا المنصب في العام 1983-1985 وله بصمات واضحة في السياسة الخارجية الأمريكيَّة في إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، لكن اسمه ارتبط بقضيَّة كبرى ظللتها فضيحة ملأت ريحها الآفاق، تلك هي فضيحة ”إيران كونترا“، وقد أدين في عام 1988 بتُهم تتعلق بحجب معلومات عن الكونجرس، كذلك أدين بتورط القوات الأمريكية (المارينز) في دخولها لبنان عبر شواطئه وما ترتب عن ذلك في تفجير السفارة الأمريكية في بيروت والذي راح ضحيته 63 أمريكياً، وتفجير مقر المارينيز في بيروت أيضاً وراح ضحيته 241 أمريكياً. لكنه حصل لاحقاً على عفو من الرئيس جورج بوش، ثم عمل مستشاراً في العام 2008 للمرشَّح الرئاسي الجمهوري جون ماكين عن ولاية أريزونا. ولاحقاً أسَّس مجموعة استشارية باسمه)!

    بهذه الخلفية والإرث الضخم في الخطايا، يأتي السؤال التالي حول كيفية وصول ماكفرلين لقلب العصبة السودانية الحاكمة في الخرطوم؟ جاء ذلك عبر أحد جلاوزة جهاز أمن واستخبارات صلاح قوش وهو المدعو محمد حسان بابكر شحم ألبل، وهو المشار إليه في عنوان المقال. فوفقاً للمعلومات المنشورة في الكتاب ص 151 (نحن لا نعرفه، كما أنه ليس بذات الشُهرة التي يمكن القول أن الكثيرين يعرفونه. لأنه ببساطة يعمل في الكواليس كرجل أمن، وبالتالي لا يُعتقد أن من يعرفونه يتعدون دائرة أهله وأصدقائه وزُملائه في العمل، أو من عرفه هنا وهناك. لكن هذا لا يُنقِصُ من أهميته في القضيَّة التي نحن بصددها. فهو على العكس تماماً، يعتبر شخصاً مهماً بين عُصبته الأمنيَّة كما أشرنا. سردنا سيرته الذاتية من واقع ما خطه شخصياً بيده، وإن كانت لا تخلو من مبالغة رغم أن تلك شيمة من شيم أهل الأمن عموماً. ربما أوردها بتلك الصورة لكي يُقنع رئيسه بحُسن سيرته ونقاء سريرته، والقاعدة تقول إن رجال الأمن الخدَّامون في الأنظمة الشموليَّة، كذبة إلاَّ من رحم ربي. ذلك بالطبع وفقاً للمنطق الذي يتسق مع طبيعة النظام، حيث يُصبحُ الكذب مثل الملح في الطعام، لا تستقيم معه سيرة أو يتوافق معه حدث إلا إذا كان مُبهَّراً ببُهار الكذب، ومطلياً بغلاف الرِّياء، ومتدثراً بلحاف النفاق)!

    خلاصة أن شحم ألبل هو عراب القضية التي نحن بصددها، ثم مضى الكتاب في تفصيل سيرته الذاتية ولا نريد أن نشغل بها القارىء، ولكن تكفي الإشارة فقط لما سألني عنه الكثيرون وهو (شحم ألبل) ما إذا كان اسماً أو لقباً، والواقع أنني لا أعرف ما إذا كانت هذه أو تلك ولكن كلمة ”الِبِلْ“ هي دارجة سودانية ومعناه الفصيح الإبل، أي أن التعبير يعني شحم الإبل، ووفقاً لما علمنا هو لقب الشيخ محمود ود زايد زعيم قبيلة الضباينة، الذي عُرف بشجاعته وكرمه فيما عرف بـ (قدح ود زايد) وكذا مناهضته المهدية، والخليفة عبدالله التعايشي تحديداً. وتعيش القبيلة في أرض البطانة، وغير معروف لدينا إن كان للمقدم حسَّان صِلة بكل هذا، أم أنه تشابُه في الألقاب، وهو على كلٍ ليس بذي بالٍ في سياق ما نحن بصدده، فصاحب اللقب الأصلي كريم في ما يفتخر به الناس، أما الموصوف به فكريم فيما ينفر منه الناس!

    لرجال الأمن دهاليز مظلمة، لهذا فبين الشاطر ماكفرلين والمشطور شحم ألبل ينطرح السؤال التالي عمن هو الطازج الذي بينهما؟ فالطازج قد يكون القضية التي ذكرناها، ولكن اسمحوا لي أن أضيف لها نكهةً يستطعمها القراء. ففي بحثها الدؤوب عن الانفلات من المقصلة الأمريكية (على عكس ما دنا عذابها كما يقولون) وفي سبيل إيمانهم بأن 99% من أوراق الحلول بيد (السادة الأمريكان كما أنشدوا) توصلت العصبة التي يمثلها شحم ألبل للخيط الذي يدلها على ماكفرلين. كان ذلك وسيط اسمه البينو أبوج وهو أمريكي من أصول سودانية يومذاك، وجنوب سودانية بعد الانفصال الآن. ولألبينو هذا تفاصيل وردت في الكتاب نعجز عن اختصارها. المهم في الأمر أن ماكفرلين نفسه شرع في الاتصال بشخصيات أمريكية متنفذة للعمل معه كقوى ضاغطة (لوبي) لتحسين صورة النظام السوداني القذرة، منهم من كان يتولى مهاماً جساماً كإسكوت غرايشين المبعوث الرئاسي السابق وجيمس جونز مستشار الأمن القومي السابق، كما حاول استمالة آخرين منهم جون دانفورث وروبرت أوكيلي المبعوث الرئاسي الأسبق في الصومال وآخرين، وبالطبع كان المال هو أداة التسهيل التي تذيب صلد الحديد. وفي هذا الشأن هناك كثير من التفاصيل يمكن استقاؤها من الكتاب حتى لا نكرر تدوير معلوماته!

    ليس من باب الترويج للكتاب الذي نعد بالفعل طبعته الرابعة رغم أنف العصبة التي حظرت دخوله السودان. إذ إنه يحتوي على ما هو أنكى مع شخصيات أمريكية نافذة، مثل قصة القس جون دانفورث وصفقة السكر الذي أصبح علقماً في حلوقنا، فدانفورث هو الذي عمّد الواقع الذين نحن فيه منفصلون الآن. واقع الأمر سواء هذه أو تلك فالقضايا متجه نحو مزيد من التعرية وتسليط الأضواء ولو بعد حين. ولهذا ليس بعيداً أن تصبح إحدى قضايا الرأي العام بشيء من الإثارة المعروفة في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، نظراً للموقع الذي كان يحتله رويرت ماكفرلين والخطوط الحمراء التي عبرها، والتي تعتبر الدوائر الرسمية أن فيها مساساً بالأمن القومي الأمريكي. ومن عجبٍ كان ماكفرلين أحد حراسه بالأمس وأصبح أحد مهدديه اليوم!

    لعل الذين قرأوا الكتاب يعلمون أن أكثر من نصف فضائحه ووثائقه الدامغة هي عبارة عن قضايا جنائية متصلة بالمحيط الإقليمي والدولي، والقليل منها وبخاصة قضايا الفساد متصل بموضوعات محلية سودانية، وإن كانت الأخيرة قد دأب البعض على تناولها بطريقة (عفا الله عما سلف) وفق ما هو معروف في المنهج السلبي السوداني، فإن الأولى ذات الأبعاد الخارجية ليست فيها دية أو كفارة. وبالأخص تلك القضايا المتصلة بالشئون الأمريكية، وما على القارىء المهتم سوى أن يصغي السمع لما هو قادم فقد تأتيه الأخبار بمن لم نزود!

    آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
    • الكاتب صحافي سوداني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية


    ----------------




    ما جدوى الحوار الوطني في ظل القوانين السارية؟



    04-07-2013 12:26 PM

    بقلم: د. أمين مكى مدنى

    حتى وأن تفاوتت بعض الرؤى والاجتهادات في الآونة الأخيرة حول احتمالات الانفراج والتحول الديمقراطي المنشود، بين بعض قادة المؤتمر الوطني وبعض قادة أحزاب المعارضة، فلن تفوت على أي قارئ حصيف للأنباء المتواترة أن الاتفاق على الحوار الشامل لن يؤدى بحال إلى أي تحول ديمقراطي ذي قيمة ما لم تسبقه قرارات حاسمة وفورية لتهيئة الأجواء المناسبة التي ينبغي أن ينعقد وفقها أي حوار، مهما كانت التصريحات بين الحكام وقيادات المعارضة حول أفاق الانفراج، والإجراءات المحدودة التي تمت بالإعلان عن بدء الحوار وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعداد الدستور. الحوار المقترح، أو المطروح بصفة عامة، والذى لا اعتراض على الترحاب به من نواح مبدئية، لن يخرجنا من النفق المظلم الذى نحن فيه، ولن تنفعنا الشعارات الرنانة من السلطة الحاكمة، أو الترحيب التلقائي والمفرط من جانب المعارضة، وهى التي جربت، ليس مجرد إجراء الحوار فحسب، بل شاركت فعلاً في الماضي، ويشارك بعضها حالياً، في السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى الأمنية في مختلف مستويات السلطة سواء في الحكومة المركزية أو الأقاليم.


    عليه، فإن أي حوار حول الخروج من أزمات البلاد الحالية لا ينبغي أن يقتصر على مشاركة هذا الحزب، أو ذاك الزعيم في هذا الموقع، أو تلك الوظيفة. بل يعنى بالضرورة، ابتداء، استهداف مبادئ الحكم الراشد للجميع ووضع حد فورى للنزاعات المسلحة الدائرة الآن في أكثر من ثلاث جبهات في البلاد، إعادة النظر في التشريعات الاستثنائية التي تخول المؤتمر الوطني الانفراد بالسلطة، ومحاربة وقهر وإسكات أصوات كل من لا يبارك النظام الحاكم الذى يمسك بمفاصل الأمور جميعها، دون ذلك فكل ما هو مطروح اليوم غير ذي جدوى ولا يتعدى أن يكون تجريب المجرب. ولنا انفصال الجنوب تجربة مريرة.


    لذا، نقول أن أي حوار جاد نحو التحول الديمقراطي يقتضى، بالأساس، تجاوز التصريحات الرنانة ولقاءات الدعوات الاجتماعية التصالحية التقليدية في هذا المنزل أو ذاك القصر، بل ينبغي أن يسبقه أو ينجم عنه مباشرة ما يلي:-
    1. توافق كل القوى السياسية الديمقراطية في جميع أنحاء البلاد، بما فيها مناطق النزاعات المسلحة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، بأحزابها ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاجتماعية المختلفة على السمات الأساسية للدستور، خاصة اللامركزية وأسس تقسيم وحكم الأقاليم أو الولايات، مما يكفل مشاركة جميع المواطنين في الحكم من خلال مؤسساتهم الديمقراطية.
    2. التوافق على صيغة حكم البلاد وفق النظام الجمهوري أو البرلماني أو المختلط مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة عدالة تقسيم السلطة والثروة بين المركز والإقليم وبين المواطنين كافة.


    3. إجازة قانون ديمقراطي للانتخابات، وتكوين هيئة قومية مستقلة دائمة تشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وانتخابات مؤسسات المجتمع المدني مع اشتراط مراقبة العملية الانتخابية بواسطة مؤسسات مستقلة محايدة.
    4. كفالة الحقوق والحريات الأساسية بإلغاء أو تعديل جميع القوانين الاستثنائية السارية، وعلى رأسها:
    • قانون الأمن الوطني والمخابرات لسنة 2010، خاصة سلطاته الشرطية غير الدستورية(بموجب الدستور الحالي ومبادئ الشرعة الدولية) في ملاحقة وتفتيش واعتقال واحتجاز المواطنين ومصادرة الصحف وإلغاء الندوات وحلقات النقاش وإلغاء الحصانة الممنوحة بموجبه لأفراد وضباط الأمن لممارساتهم المخالفة للقانون في المعاملة اللاإنسانية والتعذيب. إلغاء الحصانات الممنوحة لرجال الشرطة والقوات المسلحة وفق قوانينها.


    • قانون الصحافة والمطبوعات، وحصر إيقاف الصحف ومصادرتها على السلطة القضائية، ومنع المحاكمات وإيقاف الصحفيين في قضايا النشر عدا ما يخالف القانون الجزائي ووفق قانون الإجراءات الجنائية ومنع الرقابة القبلية.
    • قانون منظمات العون الإنساني المعنى حالياً أساساً بتسجيل وتجميد وحل منظمات المجتمع المدني التي ينبغي أن تنحصر أشراط تكوينها على الإشعار والتسجيل وإخضاع ممارسة أنشطتها للقانون أمام القضاء المستقل.
    • قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001 الذى يخالف أهم مبادئ الدستور وأسس المحاكمة العادلة والذى يوظف لمحاربة وعقاب المعارضين السياسيين.
    • قانون نقابات العاملين الذى تأسس على ما سمى نقابة " المنشأ" والعودة إلى قانون يحمى حرية التجمعات النقابية العمالية والمهنية على مستوى القطر، دون التصنيف المؤسس على التبعية لوزارة أو مصلحة رسمية أو غير رسمية.
    • نصوص القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية التي تحظر حرية التجمع السلمى وحرية التعبير وتصنفها كأفعال إجرامية يجوز تفريقها بالعنف والسلاح والاعتقال والمحاكمة والعقوبة.
    • إعادة تكوين مجلس القضاء العالي بتكوينه من العناصر القضائية المستقلة وإبعاد ذوى الانتماءات الحزبية الضيقة وإعادة تفعيل المجلس لسلطاته المعهودة بما فيها تعيين وترقية وفصل وإعارة ومحاسبة القضاء.

    نختم، فنقول أن فيما تقدم بعض تشريعات لا يستوي تطبيقها أو وجودها في أجواء هدفها تعبئة اجواء الحوار الحر والصريح نحو إرساء قواعد الديمقراطية، وإعادة بناء الوطن، والحفاظ على ما تبقى منه، وتهيئة أجواء السلام والعيش الكريم واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وإعادة بناء الوطن وفق الأسس السليمة الجادة، وأن لا تكون الخلاصة إعادة أجواء المشاركة في الحكم عن طريق الإستوزار، وتولى المناصب في أجهزة الدولة، وإيجاد الفرص لإثراء من فاتهم قطار الغنى والجاه، إن كان هناك ما تبقى من مجال ثراء، كان الله في عون هذا الشعب الكبير من شره السلطة واللاهثين ورائها.
    هو المستعان وبه التوفيق، وليعي الجميع أنه بخلاف أجواء الحريات العامة والتعبير عن الرأي، أحزاب، مؤسسات، منظمات مجتمع مدنى ونقابات حرة مستقلة، تعمل وفق القانون والقضاء الحر المستقل لا جدوى للحوار، وليذكروا جميعاً غداً تدور الدوائر طال الزمن أم قصر. وهكذا الأيام يداولها المولى بين الناس وبه التوفيق.
    أمين مكى مدنى



    ----------------

    غازي صلاح الدين خسر الطب والسياسة معا ..

    بقلم: صلاح شعيب
    الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013 06:00


    حالة غازي غاية في التعقيد. فبعضهم يزعم في زمان السائحين إيمانا أن الرجل مصنف بأنه حادي ركبهم من وراء حجاب. وكذا هو مصنف بأنه من الجيل الثاني الذي لم يجد صعوبة في التواصل مع مستهلكي الفيسبوك. وأخيرا صنفه شعيب وآخرون بأنه السياسي الطموح الذي تتكسر تكتيكاته للوصول عبر تحالفات متشددة انتهت إليها الحركة الأم. ثلاثة عوامل خلقت تعقيدات شخصية غازي إزاء تعقيدات استمرار النظام نفسه بما فيه من حركة إسلامية، وبقايا مايويين، ومعاشيين من الرتب المتوسطة والكبيرة، ومسلحين جهويين سابقين، وطالبي سلطة من رجالات إدارة أهلية، ونصابين، ورأسمالية مستأنسة، واتجاهات يمينية معلفة، وإعلاميين نزاعين إلى الحيدة أمام الذبح اليومي، ورجال ونساء مؤلفة قلوبهم مثل غازي سليمان، وبدرية، ولا ننسى بالطبع صبحي فانوس.


    ولكن فحالة غازي أو محنته، على كل حال، بحاجة إلى تدبره العقلاني قبل تدبير جماعته التي زعم بعضنا أنه مال إليها في سرها، ووصلت سره. وإن كان الآن في حاجة إلى رأي حول محنته فعليه أن يسمع نصيحتنا ـ والمؤمن أخ المؤمن ـ بأن لا يكون إلا نفسه في خلوة تفكيره الآن. خاليا من طعمه الآيديلوجي ليخلص إلى شخصيته السياسية المستقلة في باقي عمره بعيدا عن الهم بما جرى له. فإصلاح الفرد مدخل لإصلاح أمة محمد. ومن ناحية أخرى: كيف يفلح السائحون وناموسة الإسلام السياسي ما تزال تطن في النافوخ؟.
    مهما بحثنا لها عن مرجعية فهي حال مثقف بالطبع. والمثقفون منذ زمن ابن رشد، وابن خلدون، يتنازلون للسلطان مقابل التدرج المعلوم في امتيازات التوظيف. بيد أن الاصطدام مع السلطة دائما ما يكون هو الفيصل. ورغم أن غازي كما يبدو من الوهلة الأولى أنه من صناع مجد الحركة كما أرادتها هكذا كسبا ذاتيا، إلا أن "مثقفيته" قادته إلى سبيل الحركة الخطأ. ولذا فقد حسم السلطان بسرعة أمر مشاكسته الثقافية الأخيرة تنظيميا. فغازي لو أن جاء باكرا إلى الحياة السودانية مثل الكثيرين، حرا، لأصبح ذي شأن، أو شيئا مذكورا في التاريخ بوصفه ذي عقل حديد، وساهم بتميز. غير أن المؤسف أن كل إمكانياته الثقافية قد استنزفها تيار الإسلام السياسي ولم يكافئه إلا باللفظ بعد التشكيك في ذمته، وفي مكنته التي ركبت له. ويا لخيبة تيار الإخوان الذي انتهى إلى عنصرية مقيتة.


    ولم ينفع بالطبع أن المفكر مجازا كان من البدريين ليكافأ بالصدارة ضمن المجموعة الآمرة الناهية. فالسلطان ليس هو الإله. إنما هو بشر يأكل مثلنا، ويتآمر، وله نفسيات، وينتابه عسر هضم يؤثر في ناتج مقولاته وقراراته. بل إن له كراهية أحيانا تجاه اللون، ونوع معين من الصابون، والموبيليات. والحال هذي فما حظ غازي إلا هو حظ صراع الظاهر لا تورط الباطن. ألم يتعظ غازي من تجربة شيخه السلطان الذي حط بقدره من سلطه على العباد؟
    الآن فقط سيدرك النطاسي غازي أن المصل المقاوم للجبروت ليس سوى الوعي الليبرالي، لا التكتيك السياسي المتدين. ولا يداوي استبداد الحاكم إلا مقاومته، لا التوحد معه. فالتكتيك الإسلاموي الذي انمسخت خلاله شخصية غازي منذ زمن لم يخلص به إلا إلى إنهاء خدماته بلا إخطار، هكذا. فمن خلال موقعه كمثقف ناور الجبهجي تكابرا، وسكت عن الخطأ، ولم يجهر قائلا بفساد حركة حركته، إذ هو الموصوف باستقامة الأخلاق.
    والمستقيم حقا لا بد أن له قيودا أخلاقية، وعقله ثاقب في تحديد الثقوب. إن ابن العتبانية البارز وظف بمهارة في كل جولات المفاوضات ليربح في الآخر تجار اليمين ومكتسبي امتيازاته، كما أنه منح كل السلطات في البرلمان ليخرس أي صوت نشاز في لجانه قد يعرقل مصلحة الجوكية.


    بالأحرى كان الطبيب هو أداة من أدوات التغبيش الدستوري على علاته. فمن خلال موقعه التشريعي كان يؤدي دورا لصالح آخرين ولذلك تآمر شموليا عبر تمرير السلطة لقانون جهاز الأمن والاستخبارات الذي أعفى عسكر دولة الإسلام من التحقيق القانوني، ناهيك عن العقاب. كذلك كان غازي يعرف مخازي قانون الصحافة، ومع ذلك رد احتجاجات المتخصصين من الإعلاميين بأنها تخرصات أمبريالية، أو علمانية على أحسن الفروض. حقا، كثير من القوانين مرت من خلال مواقعه الوزارية أيضا. وكان غازي يقوم هناك مقام السلطان الصغير الذي يعمل لصالح الجيوب السلطوية، ناسيا حساب المواطن المسكين الذي طبقت فيه الزيادات الأخيرة قبل أن تمر على البرلمان الصوري. وليس غريبا أن الجيوب التي خدمها طائعا ومختارا هي التي رفضت نصحه الإصلاحي. والآن أمامه الصحف التي كبلها دستوريا ليقول فيها "المسنسر" من التصريحات ما دام أنه الآن بحاجة إلى سند إعلامي. أما وإن لم يجد مساحات فالشكر للإمبريالية التي وفرت لنا، ولهم، ولغازي الفيسبوك.
    في الحقيقة لا تعنينا كثيرا شخصية غازي الإسلاموي إلا بقدر ما انطبق في تجربتها من دروس وعبر. ولو كان قد وظف منذ زمن قريحته الفكرية المظنونة لدراسة اتجاهات الريح في النظام الآيل إلى مذبلة التاريخ، لا محالة، لكفانا مغبة التأويل التجريبي في نهايات "كسبه الأليم" في ########ة المؤتمر الوطني.


    الآن وبناء على إرث السياسيين (الكدايس) الذين لا يلحقون حبل (الشرموط) فإن أمام غازي الفرصة التاريخية لا ليجأر بالشكوى من التنظيم، أو أن ينورنا بتفاهة بيضته. فقط نحتاج منه أن يتواضع قليلا، ويراجع نفسه حتى يكتشف أن عفونة شرموط النظام قديمة قدم بيوت أشباحه. وتلك البيوت "مآثر حضارية" مؤلمة تؤرخ لذرائعية الدين التي تنسف الكتاب، والسنة، والتجربة التاريخية، وعقل الاستنباط نسفا "إبداعيا". وفي تلك الأوان كان المقدم ليس هو النموذج السمح لقيمية الإسلام وإنما خدمته زورا بخبث الإنسان. وصحيح أن غازي كان غازيا آنذاك، ولكنه في الوقت نفسه كان أيضا واعيا بمناقب الدين وحدوده الحمراء، مثله في ذلك كمثل كل الإسلاميين الذين سكتوا عن ذبح الدين في قارعة طريقهم نحو إنجاز المشروع الحضاري.
    أما إذا صح الزعم بأن النطاسي هو من يقف خلف جماعة (السائحون) فليس أمامه إلا أن يقودهم نحو الرشد والرشاد الذي لا يتم إلا بمراجعة الذات عوضا عن الاستمراء في مغالطة الواقع. والسائحون وأمامهم المزعوم سيضيعون وقتا ثمينا لنا ولهم إن لم يصلحوا رؤيتهم التي اعتمدوا عليها سابقا لإصلاحنا. أما وإن كان غازي بريئا من الزعم بأنه وراء الجماعة السائحة في سبيل الله فعليه أن يوظف باقي عمره مثلنا لينور أهله بمكائد السلطة الثيوقراطية. سؤالنا الأخير: كم يكون عدد المستفيدين لو أن الدكتور غازي صلاح الدين احترف الطب منذ تخرجه إلى يومنا هذا؟
    salah shuaib [[email protected]]


    --------------

    الممكن والمستحيل في ما خص المشكل السوداني
    April 7, 2013
    عبد العزيز حسين الصاوي..

    منذ 13 مارس الماضي يعيش السودان وأهله حالة تفاؤل حذر بعد ان توصلت حكومتا السودان وجنوب السودان الى اتفاق يعد اختراقا في مسار تطبيع العلاقات بين الجارين اللدودين المسدود منذ أنفصال يوليو/ تموز 2011 . في ابريل 2012 كانت حرب الوكالة بين الطرفين في المناطق الحدودية قد تصاعدت الى صدام مباشر، وكذلك الحرب الاقتصادية بينهما. ففي يناير/ كانون الثاني 2012 قرر الجنوب ايقاف ضخ النفط الذي يشكل نسبة 89% من ايرادات النقد الاجنبي لحكومة الجنوب منقولا لموانئ التصدير عبر السودان بما يوفر له 33 % من الايرادات. لذلك فأن اهم مافي الاتفاق المكون من عشرة أجزاء هما الجزآن الثاني والعاشر المتعلقان بالترتيبات الامنية ( منطقة عازلة مراقبة دوليا ) واستئناف ضخ البترول.

    والحق ان دواعي الحذر في التفاؤل لها مبرراتها القوية فالطرفان لم يتوصلا للاتفاق أستجابة لصوت العقل او أنات الجوع حيث اقتصر معظم السودانيين علي وجبتين في اليوم بدلا من ثلاث منذ زمن، وانما تحت الضغط الخارجي الامريكي- الغربي المباشر وغير المباشر، والاممي عبر قرار مجلس الامن رقم 2046 الصادر في مايو 2012 محذرا الطرفين من عقوبات تحت الفصل السابع.

    احتمالات الانتكاس أثناء التنفيذ تبقي قائمة بحكم ان طبيعة النظامين الشمولية تتطلب وجود فزاعة الخطر الخارجي لتشديد القبضة علي السلطة. وبينما تفتح حاجة الطرف الجنوبي للدعم الغربي واستعداده اللامحدود للتفاعل مع كافة جوانب النموذج النهضوي الغربي كوة مستقبلية لتطوير نظام ديموقراطي، يظل مثل هذا الاحتمال غائبا فيما يتعلق بالرصيف السوداني ما يبقي عوامل التأزم الداخلي التي تنتجها هذه النوعية من الانظمة ، بأمتدادتها الى الجوار ، فاعلة بتسارع مضاعف. فالنظام السوداني الحالي أسوأ/خير خلف لاسوأ سلف، وريث نظامين إنقلابيين تسلطا علي البلاد لما يقارب الربع قرن منذ استقلال عام 56 ويكاد هو يكمل الان ربع قرن اخر. في صلب هذا الواقع تكمن حقيقة ان تاريخ التحديث في السودان هو تاريخ وقوعه في قبضة الاستعمار الاجنبي بحيث تأسس وعي جماعي يماهي بين الوطنية ومعاداة التحديث، خاصة الذهني والنفسي منه، بدرجات ومظاهر متفاوتة ومختلفة وصلت ذروتها مع تصاعد الحركة الاسلامية بنسختها الحاكمة.

    مع سلطة الخديو العثماني وعبر القناة المصرية ( 1822- 1885 ) جاءت اولي مقومات التحديث : الدولة ككيان إداري، الزراعة القطن والاتصالات التلغرافية مصحوبة بخمس مدارس غير تقليدية. ورغم ان ” الثورة المهدية ” ( 1885- 1898 ) التي انهت الحقبة التركية تبنت بعض أدوات التحديث واهمها المطبعة إلا انها كانت عموما وجوهريا معادية لمغزي تلك المقومات وأثرها التحديثي العقلي والاجتماعي كونها اعتمدت صياغة ايديولوجية دينية- صوفية لرد فعل الكيان المحلي ضد السياسات القمعية والاستغلالية للاستعمار التركي و( أجنبية ) هويته القومية رغم تماثل هويتيهما الدينية.
    في المرحلة اللاحقة ( 1898 – 1956 ) كان طبيعيا ان تستلهم حركة الاستقلال الوطني تجربة الثورة المهدية، في مواجهة الكيان البريطاني المتفوق بمراحل وعلي كافة الاصعدة. ورغم التكوين المديني للفئات التي قادت هذه الحركة فكريا وسياسيا، إلا ان ذلك الاستلهام حد من قدرتها علي الفرز بين المقبول والمرفوض في النموذج الغربي كما يشهد الاضمحلال المتمادي للوعي الديموقراطي وبطانته في حداثة العقل والفكر التي وصلت درجة وقوع القطاع الاكبر من النخب السودانيه ( الحديثة ) تحت تأثير اسلاميات تتراوح بين التقليدي والاكثر تقليدية.

    هكذا بقي ويبقي التوازن السياسي لمصلحة نظام انقلاب 89 الاسلامي رغم تصدعاته الداخلية بحيث يغدو من المستحيل تصور إمكانية قبوله بالتنازلات الضرورية لتأسيس تسوية تاريخية مع المعارضة، لاسيما بعد عبوره فترة انقطاع شريان النفط الجنوبي الحرجة، تستدعيها بألحاح الاحتمالات شبه المؤكدة للانفصالات القادمة حثيثا من مناطق جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور.

    فاذا أعترفنا بأن المصادر الذاتية المحلية لزيادة وزن القوي المعارضة غير متوفرة حاليا بسبب الضعف الشديد لتيار الدفع الديموقراطي نتيجة أنتفاء شروطه الاوروبية لدينا وعقابيل التداخل بين التحديث والاستعمارين التركي والبريطاني، يصبح الخيار الوحيد أمامها هو الاستعانة بتدخل خارجي مدروس ومؤقت. بغير ذلك، أي الاستمرار بالمهمة المستحيلة لتشكيل كيان معارض يقوم علي افتراض وجود هذا التيار كما هو الحال الان، فأن المعارضة تصبح شريكة للمؤتمر الوطني في التسبب بأنهيار مقومات الوجود الوطني بحكم منطقها نفسه الذي يعزو هذا الانهيار الي هيمنة المؤتمر الاحتكارية علي السلطة.

    التدخل الخارجي لم يعد يعتبر أنتهاكا لحرمة دينية أو تابو وطني كما يشهد مجال ماسمي الربيع العربي الزاخر بكافة أنواع استعانة المعارضات بالتدخل الخارجي ضد أنظمة الاستبداد، تارة العسكري المباشر منه كما هو الحال في النموذج الليبي، والمطلوب الان من قبل السوريين بألحاح، واخري بالتدخل غير المباشر متراوحا بين النموذجين اليمني والمصري والتونسي. افريقياً هذا النوع من التدخل وصل حدود طلب العون من دول الاستعمارين البريطاني والفرنسي في ساحل العاج وسيراليون ماأنقذ هذين البلدين، ومعهما ليبريا، من مصير الانهيار الكامل تحت وطأة الحروب الاهلية والانهيار الاقتصادي، نفس الحزمة المحدقة بالسودان. علي الصعيد السوداني نماذج القبول الرسمي بالتدخل الخارجي، حتي العسكري منه امميا وافريقيا، موجودة بكثرة لاطفاء الحرائق في دار فور وابيي بينما يبقي مدخله الى أمكانية أيقاف مد الانهيارات بوضع البلاد علي العتبة الاولي للتحول الديموقراطي، الترياق الوحيد لايقاف المد، مقفلا او غير مطروق .

    الصيغة التي تخطر في البال هنا هي توسيع صلاحيات ” الالية الافريقية الرفيعة المستوي ” المولجة منذ فترة بمعالجة المسائل المعلقة مع الجنوب، مسنودة بدعم غربي – عر بي اقتصادي وسياسي، لتشمل، في الحد الادني، التوصل الى اتفاق مضمون التنفيذ بين الحكومة والمعارضة لاجراء أنتخابات نزيهة. مع العلم بأن تابو امبيكي، رئيس الالية الافريقية، سبق له أن قاد عملية مماثلة في زيمبابوي عام 2009 أدت الى اشتراك المعارضة في التركيبة الحكومية وترتب عليها أنقاذ زيمبابوي من الانهيار الاقتصادي الكامل بنمو يتجاوز الان 7 % سنويا مع انخفاض مستوي حوادث انتهاك حقوق الانسان بينما تتركز الجهود علي تنفيذ الفقرة المتعلقة بكتابة دستور ديموقراطي في الاتفاق.

    إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو تعتمد بطبيعة الحال ايضا علي وحدة المعارضة استراتيجية وتكتيكا بحيث توفي بألتزاماتها في الصفقة التي ستنتج عن تفاوضها مع المؤتمر الوطني تحت أشراف الاليه الافريقية، بينما يبقي لمن لديه مايقوله ” خارج الصندوق”، مثل صاحب هذا المقال، أن يقول كلمته ويمشي … علي قول السيد المسيح،


    ---------------

    ذكرى الانتفاضة .. الحُلْم والكابوس
    04-07-2013 06:42 PM



    عمر الدقير

    أسهل على المرء أن يتنفس من ثقب إبرة مِن أن يكتب كتابة تقريرية باردة عن ذكرى هي من صميم الوجدان الوطني الجريح، ومن أعماق ذاكرة ملتاعة موسومة بتضحيات من سقوا بذرة الكرامة بدمهم وعرقهم ودموعهم ولم يحصدوا غير الهشيم، ومن استشهدوا من أجل الحرِّية لينعم بها أولياء الدَّم فسُرِقت منهم بليلٍ بهيم.

    لم يكن التاريخ الذي سطَّره السودانيون في تلك الأيام من مارس/أبريل 85 مجرَّد كتابة عابرة على الرَّمل .. لم تكن أياماً كسائر الأيام، لهذا تظل بعد ثمانية وعشرين عاماً عصيةً على النسيان، وما أعقبها من ليلٍ بهيم لم يكن فيه قمرٌ كي يفتضح اللصوص وهم يتسلَّلون من النوافذ ويسرقون أغلى ما في البيوت.

    لم يكن حدثاً عفوياً ما وقع في تلك الأيّام الخوالد الزاهيات، وإنما كان ثمرة تراكم نوعي وكمي للمقاومة الباسلة ضد نظام مايو .. كان المشهد أُسطورياً لشعبٍ يصنع مجداً ويكتب تاريخاً و"يشرئب إلى السماء لينتقي صدر النجوم"، بعد أن امتلكت مجموعة من مؤسساته المدنية زمام المبادرة عبر تخطيطٍ وإعدادٍ مُحكمَين لتحويل الغضب الشعبي المكظوم إلى فعل سياسي مباشر في مواجهة الشرعية الزائفة والفساد والإستبداد والإحتقان السياسي والإقتصادي والحقوقي والتنمية المُعاقة والدستور القاصر والقوانين القمعية والحاكم الفرد والحزب الواحد، لتتوالى الأحداث عاصفة بشكل دراماتيكي متواتر ومنطقي في الوقت نفسه، فهي إرادة الشعب وكفى .. جموعٌ من الرجال والنساء - شيباً وشباباً - تخرج إلى الشوارع في أعدادٍ تسدُّ عين الشمس، تواجه آلة القمع بالصدور المكشوفة وقبضات الأيدي العارية وملءُ الأفواه هتافٌ نبيل يُعبِّر عن توقٍ إلى الحرية وإلى وطنٍ تسود فيه المساواة والعدالة والسلام والرخاء واحترام حقوق الإنسان وكلُّ شروط الوجود الكريم. تتصدَّى الأجهزة الأمنية للثوار العزّل بالرصاص الحي والهرّاوت والعصيِّ الكهربائية والغاز المسيل للدموع. يسقط شهداء وجرحى وتضيق السجون بالمعتقلين، فيزداد الثوار عدداً وصموداً وتصميماً وتوحداً حول هدفهم، بينما أجهزة الإعلام الحكومية تختزل الحراك الجماهيري غير المسبوق في مجرَّد "غوغاء ومتسكعين وفلول أحزاب عقائدية يُحدِثون بعض الشغب والتخريب". وسط هذه الأجواء وفي ظلِّ المراقبة والملاحقة الأمنية، ينجح قادة التجمع النقابي في عقد إجتماعات يومية متنقلة من موقعٍ لآخر يواصلون فيها الرصد والتحليل والتنسيق ويعرضون مسودة الميثاق على ممثلي الأحزاب السياسية للاتفاق النهائي عليه ويصدرون بيانات التعبئة استعداداً لإعلان الإضراب العام والعصيان المدني، سلاح الشعب الحاسم والمُجرب، وهو ما تمّ مع فوران التنور في شارع القصر صباح الثالث من أبريل لينكسر القيد وينجلي الليل وتظهر نجمة الحرية، تلك النجمة اليتيمة في مجرة الدم والدموع.

    إنَّ المثل الذي يقول: "ما يجمعه الحمار يبدِّده القرد" لا يليق بمن نظَّموا ونسَّقوا ومن احتشدوا وواجهوا بكامل الجسارة والبسالة ليصنعوا ذلك الانجاز التاريخي العظيم، لهذا لا يليق أن نسقط هذا المثل عليهم، لكن من يليق بهم المثل هم جوقة الليل الذين وثبوا، مثل القرود، مِن على صهوات الفولاذ ليبدِّدوا ذلك الانجاز، ويحولوا ربيعنا، الذي سبق كل الأربِعة، إلى صيفٍ طويل أخرج الأفاعي والعقارب من جحورها، ويوجِّهوا البوصلة إلى جهة الاستبداد والفساد والخراب والموت والهلاك .. لقد خانوا أبهى ما ترك الأجداد من وصايا .. فالوطن الذي تركه الأجداد لم يكن من زجاجٍ ليتشظى، إنَّه من ترابٍ عذري لطالما أسال لعاب الغزاة، لكنه كان عصياً على التشظي وما من ذرةٍ فيه إلَّا ولها حكاية وتاريخ .. لكنهم قسَّموه وتركوه ينزف من خاصرته، حتى يخال المرء أنَّ الأجداد صحوا من موتهم غضبى ليحتجوا على هذا العقوق ولكن ردَّتهم سقوف قبورهم.

    في قصيدته "الأرض اليباب"، يقول الشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت: "إنَّ أبريل هو أقسى الشهور، لأنَّه يمزج الذكرى بالحلم"، لكن أبريل الإنتفاضة الذي يفوح شذى ذكراه هذه الأيام كان ربيعياً، ما من شجرةٍ من أشجار "النيم" لم تشارك بوضع أغصانها الرطبة في قبضات المتظاهرين، وما من حجرٍ تسلَّح به المتظاهرون لم ينبت ورداً وعشباً أخضر .. ولئن اختُطِف أبريلنا بربيعه ووروده وبقيت ذكراه يرشح منها الحنين والأنين معاً، فإنَّ حلم الشعوب بالحرِّية والحياة الكريمة لا يُختطَف، وهو آخر ما يموت رغم ما يبدو أحياناً من بعد المسافة بين هذا الحلم وتحقيقه .. فهذا الحلم هو النشيد المُترع برحيق الدَّم، وهو الحداء الذي يُبدِّد وحشة الليل أمام قوافل الشعوب في مسيرها نحو الشمس ونحو النور، والتشبث به هو سرُّ انتصار الشعوب على جلَّاديها عبر التاريخ .. فمنذ اسبارتاكوس إلى آخر مقاوم يواجه بنادق الجلَّاد بالهتاف وصدره العاري، لا تزال هذه الشمس السَّليطة تشرق من أجل الحالمين بالحرِّية والعزَّة والكرامة.

    إنَّ الحُلم الذي نتشبث به هو بالنسبة لهم كابوسٌ يقضُّ مضاجعهم وينفي النوم عن أعينهم، لأنَّهم يعلمون جيداً أنَّ هذا الحُلم هو أوَّل ما يسقط من قطرات الغيث على الأرض اليباب، وأنَّه لا يمكن اختطافه أو مصادرته أو تدجينه .. ومهما طال الزمن، لا بدَّ لهذا الحُلم أن يتحوَّل، في لحظةٍ ما، إلى فجرٍ تحتشد في شفقه معاني الحرِّية والعزَّة والعيش الكريم.

    عمر الدقير - 6 أبريل 2013
                  

04-10-2013, 08:58 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    فائزالشيخ السليك – الزالزال ..


    العقل السوداني ذاكرة مثقوبة وتفكير مضطرب
    March 6, 2013



    اخترنا من كتاب ” الزلزال ” العقل السوداني ذاكرة مثقوبة وتفكير مضطرب ” الصادر عن دار أوراق للنشر والتوزيع في شهر فبراير للكاتب الصحفي فايز الشيخ السليك هذه الجزئية ، وهي من الفصل الثاني من الباب الرابع والذي حمل اسم “أزمات البدائل عقبة في طريق التغيير “، وهي في ذاتها تلخيص للجزء المعني بالحركة الشعبية، وجاء الاختيار لما أتيحت للحركة من فرص كان يمكن أن تساهم في عملية تغيير كاملة، إلا أن غياب المؤسسية، والتباس الرؤية ما بين حقوق الاستفتاء وضرورة التحول الديمقراطي، وتغيير بنية المركز وإعادة هيكلة الدولة السودانية كلها ، حتى ولو صوت السودانيون الجنوبيون لاستقلال بلادهم، وهو حق اكتسبوه بعد نضالات طويلة، إلا أن الحركة عانت خلال الفترة الإنتقالية من أزمات هي أزمات مماثلة لأزمات العقل السوداني الجمعي، من انعدام التخطيط والاستراتيجية والتركيز على التكتيكات.



    ورغم ذلك تبقى هناك نوافذ أمل مشرعة، وفرص يجب استثمارها من جديد ، لكن شرطها هو إعادة التفكير في كثير من المسائل التنظيمية والاستراتيجيات، والتكتيكات، والتفرغ لبناء حركة قوية بعيداً عن ضجيج الإعلام، والتعامل بردود الأفعال، والإيمان بأن العمل السياسي هو عمل جماعي، لا يمكن أن تقوم به مجموعة صغيرة، أو فرد واحد، لأن ذلك في النهاية سيقود إلى استبداد جديد، وتغيير مستبد قديم بمستبد يحمل شعارات الحرية والديمقراطية، لا سيما وأن الأيام اثبتت قدرة الحركة على بناء جيوش لكنها لم تنجح في بناء حزب سياسي جماهيري، وفي ذات الوقت ؛ فإن المسلحين من الجماعات المهمشة إن لم يتوحدوا حول مشروع فكري واضح ، فهم سوف يتماهون في شخصية وسلوك وقيم وأدوات المستبد ، وهو المركز .



    و تعد تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان تجربةً رائدةً، وتحولاً كبيراً في منتجات العقل السوداني، فقد ولدت الحركة في الجنوب، وبقاعدة وقيادة جنوبية، تمثلت في كاريزما الدكتور العقيد جون قرنق ديمبيور، وأركان قيادته كاربينو كوانين، وليم نون، رياك مشار، سلفاكير ميارديت، تون أروب تون، لكنها سرعان ما جذبت شرائح مقدرة من أبناء الشمال الجغرافي، مع أن التركيز كان في بداية قيامها على أبناء النوبة في جنوب كردفان بانضمام القائد يوسف كوة مكي، وعبد العزيز الحلو، واسماعيل جلاب، وتلفون كوكو، ودانيال كودي، والنيل الأزرق بقيادة مالك عقار، ثم اتسعت الدائرة لتضم قادةً من آخرين الشمال النيلي بخلفيات يسارية ، لتتسع الدائرة بعد ذلك عبر لواء السودان في شرق البلاد بعد أن اتسعت دائرة المواجهات المسلحة شرقاً مع الحكومة في منتصف التسعينيات .


    ولست هنا بصدد التركيز على تاريخ ونمو الحركة الشعبية، بقدرما هي محاولة لنقد التجربة ذاتها، بمعرفة إيجابياتها، وسلبياتها، صعودها وهبوطها، ومكامن القوة، ومواضع الضعف، وموضعتها ضمن آليات التفكير السوداني. ومع فشل النُّخب السياسية في المركز في تقديم مشروع وطني بديل، أو حركة سياسية قومية تعبر عن كل ألوان الطيف السوداني داخل وعائها، طرحت ” الحركة الشعبية لتحرير السودان” مشروع السودان الجديد في عام 1983، كحركة عسكرية وسياسية حملت من الميزات ما حملت؛ فهي حركة مسلحة نشأت في أحراش الجنوب، إلا أنها على عكس ” الأنانيا الأولى” طرحت منفستو للسُّودان الموحد، وشرحت مشكلة السُّودان بأنها في مركزه، لا أطرافه، وكان لوجود شخص في قامة الدكتور جون قرنق ديمبيور دورٌ كبير في احداث نقلة نوعية في تاريخ السُّودان.فالحركة حين قامت ظلّت لدى كثيرين مجرد حركة “ عسكرية عنصرية”، والعنصرية هي دوماً تظل صفةً تُطلق في السُّودان على كل ما يأتي من خارج الشمال النيلي، أو مركز النُّخَب، فلأن الدكتور جون قرنق ينحدر من قبيلة الدينكا الجنوبية، فذاك وحده يكفي لطلاء الحركة بهذه الصبغة، مع أنَّها حملت شعار ” السُّودان الجديد”، ودعت إلى تحرير كل السُّودان، من الفقر، والجهل، والعنصرية، والتمييز، فكان شعار التحرير ذاته مثار جدل، ممن يُحرر السُّودان؟



    ثم كان الجدل الكبير حول مشروع السُّودان الجديد نفسه، وهو بالتالي عند الآخرين مشروع أفريقي يهدف إلى إنهاء الوجود العربي والإسلامي في السُّودان، مع أن أحداً لم يعلن ذلك، لكن الثنائية المُسْتبطنة في التفكير الجمعي النخبوي في دوائر المركز، هي التي تحكم بما ترى، طالما هي وضعت نفسها ” مركزاً” هو ” نحن”، والآخرون ” هم، أو “الإخوة الجنوبيون”، وهكذا.
    فقرنق بخلفيته الأكاديمية وشهاداته العليا في الاقتصاد الزراعي، ورتبته العسكرية التي اكتسبها من انتمائه لحركة المقاومة في الأنانيا”شكل ظاهرةً فريدة، فهو الجنوبي، المنحدر من قبيلة الدينكا أكبر القبائل السُّودانية، فقدَّم نفسه قائداً ” قومياً” مع أن القوى السياسية في معظمها، وبقية السُّودانيين في الشمال، لم يخفوا تخوفهم من ” عنصرية الرجل” و” انفصاليته” لا لشيئ سوى أنه جنوبي، وأنَّه لم يأت من المركز، فصوره الإعلام المركزي بصورة المتعطش للدماء، واللاهث وراء بنية وعيه التناسلي بمقولة ” قرنق يريد شرب القهوة في المتمة”، وهي مدينة من أهم مراكز قبيلة الجعليين، وكأن في ذلك عيب، مع أنَّ لكل السُّودانيين الحق في احتساء القهوة وغيرها في مريدي، وياي وجوبا وملكال وبانتيو، وجبل أولياء وحتى وادي حلفا.، إلا أنَّ من يرددون تلك العبارة الشهيرة كانوا يقصدون أنَّ الرجل يريد الاعتداء على نساء تلك القبيلة المشهورة بمحافظتها، وربما يستطبن البعض كذلك ما يُروى من قصص حدثت بين نساء الجعليين والخليفة عبد الله التعايشي، حيث يروى المنحدرون من تلك القبيلة كيف قاومت النساء السبي بالانتحار في نهر النيل.



    إلا أنَّ الرجل ، ولِما يمتلك من رؤية ثاقبة، ووقوفه على وضعية استراتيجية ؛ تحاكي وضعية ” النسر” وهو يحلق في الفضاء ، كي يبصر كل ما فوق الأرض، ويحدد هدفه باتقان، لينقض عليه، فلذلك كان قرنق يرى أن المشكلة السُّودانية ليست في أطرافه، بل هي في مركزه، ولن تتحقق للجنوبيين مساواة وعدالة اجتماعية ما لم يتم تغيير مركز السُّلطة في الخرطوم، ومضى الرجل في ثقة كبيرة نحو أهدافه برغم الصور النمطية التي ظل إعلام المركز يرسمها له ، حتى صار الرقم الكبير الذي لا يمكن تجاوزه في معادلة السياسة السُّودانية، فكان أحد أعمدة ” التجمع الوطني الديمقراطي” كيان المعارضة العريض، منذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، حتى عام 2005، بعد أن وقع اتفاق نيفاشا للسلام مع نظام “المؤتمر الوطني”، ليزداد نجمه بريقاً، وتكتسب صورته ألقاً جديداً ، ويتحول قرنق من سفاح إلى بطل حرب وسلام، ومن عنصري إلى قومي، ومن جنوبي إلى سُوداني ، فسعى “المؤتمر الوطني” للتحالف معه، مثلما سعى ا”لمؤتمر الشعبي” لكسب وده، مع احتفاظه بصداقاته مع قوى المعارضة الأخرى.
    لقد كان قرنق كاريزما أجمع حولها معظم السُّودانيين، وهو ما لم يتوفر لقائد سُوداني آخر سوى للزعيم محمد أحمد المهدي في القرن التاسع عشر، وهو أمر تفتقر إليه السياسية السُّودانية، الرجل الكاريزما، الزعيم، ومحور التماسك ومركز الاستقطاب،
    ، ومثلما كان قرنق مثيراً جدل في حياته، فقد ظلت عملية موته بطريقة دراماتيكية يكتنفها كثيرٌ من الغموض، بعد سقوط الطائرة الرئاسية الأوغندية التي كانت تقله من مطار عينتبي إلى نيوسايت، موقعه التاريخي، فكان الحزن هو سيد الموقف، والاضطراب يرسم صورة مشهد تراجيدي، وفصل دموي من فصول الدماء المستمرة في السُّودان، ليعلن كثيرون أن ” السُّودان بلد غير محظوظ”.



    إلا أن فقد زعيم في قامة الدكتور جون قرنق ليس بالأمر اليسيرـ ولا الحدث العادي، ومثلما كان قرنق مثيراً للجدل في حياته، فقد أراد ذات القدر أن يكون الرجل الزعيم مثيراً حتى عند مماته ، فهو كان مثل أسطورة، جاء ورحل كأبطال الأغاريق، ولمّا رحل في الحادثة الغامضة كان من الطبيعي أن يترك جرحاً غائراً في قلوب رفاق الدرب الطويل، وأن يغشى الإحباط كثيرين، وأن تنمو التيارات الاستقلالية من جديد، وتزدهر في سياق تاريخي تزكم فيه نتانة النعرات العنصرية الأُنوف، ويشطر إحساس الاستعلاء، والافتخار بالمجد الكذوب القلوب، ولذلك ، ليس من المستغرب أن تُركز ” الحركة الشعبية” على قضايا الاستفتاء أكثر من اهتمامها بقضايا السُّودان الأخرى، وان لا تعطي اهتماماً كبير لقضايا مُهمَّة مثل دارفور والشرق، والتحول الديمقراطي، والإعلام، ونشير هنا إلى معركة قانون الاستفتاء الشهيرة، حيث حاربت “الحركة الشعبية” بكامل قيادتها واستبسلت في عملية الدفاع عن مطالبها بإجازة مقترحاتها لقانون الاستفتاء، فلما خاف الشريك من الثورة عليه تراجع عن مواقفه ورضي بمقترحات” الحركة الشعبية” حول الاستفتاء، مقابل صمتها عن قانون الأمن الوطني والمخابرات، وقانون الصحافة والمطبوعات، فقد سحبت الحركة الشعبية أعضاءها لحظة التصويت لقانون الأمن الوطني ليمر بأغلبية المؤتمر الوطني الميكانيكية، ويظل القانون هو المقصلة التي نصبتها الإنقاذ لاصطياد الحريات، وشنق محاولات أي تحرك جماهيري للمطالبة بالديمقراطية، وإنهاء القبضة الشمولية للإنقاذ، ومع أن بعض قيادات الحركة الشعبية مثل ياسر عرمان ، وفاقان أموم ؛ بذلت مجهوداً مقدراً ضد قانون الأمن الوطني والمخابرات لسنة 2009، ، إلا أن المؤتمر الوطني كعادته أصر على مواقفه، واغتنم فرصة لهث الحركة الشعبية وراء قانون الاستفتاء، وهو ما أضعف موقف القيادات الناقدة للقانون، بما فيهم نائب رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق ماجاك أكوت،، فخرج الأمر في شكل اعتبره كثيرون ” صفقة” أو ” مساومة” بين الشريكين.


    وهو ما عبر عنه لاحقاً، وبعد انفصال/ استقلال الجنوب، أحد حلفاء الحركة الشعبية خلال سنوات الفترة الانتقالية الست، وهو القيادي الناصري ساطع الحاج “ خلال لقاء بصالون الأستاذ سيد أحمد خليفة مؤسس صحيفة ” الوطن” أنّ ( الحركة لم تكن جادة في في إخراج البلاد من أزمتها، وهي لم تكن حليفاً – في تثبيت الديمقراطية.. وأضاف أن الحركة استخدمت قوى المعارضة واستغلتها للوصول بها إلى الانفصال ورأى ساطع أن الحركة عقدت صفقةً مع المؤتمر الوطني، بتمرير قانون الصحافة في البرلمان مقابل تمرير قانون الاستفتاء، وكذلك تمرير قانون الأمن مقابل تمرير قانون المشورة الشعبية.. وسدد سهامه نحو الحركة الشعبية باعتبارها “استخدمت قوى المعارضة كمنصة للوصول للانفصال “ ،


    ومع أن ساطع، وبقية الديمقراطيين الشماليين ليس بمنأى عن اللوم هم أنفسهم، لاعتمادهم على “آخرين” يتولون قضاياهم، ويقاتلون لهم بالوكالة ، أو بالأصالة، فما ” حك جلدك مثل ظفرك”، ولا يمكن أن ينتظر من يطالب بالتغيير أن يتجز له مطلبه هذا آخرون، دونما استعداد منه لتقديم تضحيات، فلم تستغل القوى السياسية الأخرى هامش الحريات الذي جاء بفضل اتفاقية السلام الشامل، ومواقف الحركة نفسها، فقد عاشت هذه القوى في حالة بيات، بلا برامج، ولا خطط، ولا وسائل، وحتى حينما كونت تحالف ” قوى الإجماع الوطني” ظل الحلف كياناً شكلياً، ونادياً لعقد اجتماعات، واصدار بيانات مكرورة، دون أن ينظم الجماهير، ويحشدهم ويطرح لها برامج بديلة للانقضاض على النظام واسقاطه، بل أن بعض قيادات هذه القوى تحولوا إلى كتاب ومحللين ومراقبين، مثل الصادق المهدي، ودكتور الشفيع خضر القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، أكثر منهم فاعلين فوق خشبة المسرح السياسي.
    أما “الحركة الشعبي

    ة” ، فقد اضطرت لاستخدام إحدى آليات الدفاع عن النفس، وفق ما تقتضيه سيكولوجية الإنسان المقهور، وحيله الدفاعية و هو الانكفاء على الذات، فاختارت أن تنأى بعيداً عن “الدولة السُّودانية الأحادية والعنصرية والدينية”، وزهد قادتها في أي عملية إصلاح للدولة المعطوبة، ورأت أنها بالانفصال/ الاستقلال سوف تحفظ كرامة شعبها، ووجودهم، وهو خيار كان متوقعاً، لأنَّ التصويت للوحدة في مثل هذه الظروف كان يعني ” بصمةً ” رضاء عن كيان الدولة السُّودانية المهترئ، بكل ما فيه من استبداد وتمييز، واستعلاء لا سيما؛ وأن فرصة ” تقرير المصير” قد لا تتكرر مرةً أخرى، وهي الفرصة الوحيدة للجنوبيين لاختيار أن يكونوا مواطنين درجة أولى، أو درجة ثانيةـ إلا أنَّ ما يأخذه البعض على ” الحركة الشعبية” ليست ساعة التصويت، بل سنوات الفترة الانتقالية وما فشلت فيه، أو رفضته ” نفسيا” ،وهو التخطيط لتغيير هيكلة الدولة كلها، ووضع حدٍ لهيمنة نُخب المركز، ووما يحملونه من مشاريع اقصائية، وشمولية مدمرة، وبعد أن وقع الانفصال في استفتاء يناير 2011، انكشف ظهر “الحركة الشعبية” شمالاً، واتضح الخلل التنظيمي الكبير الذي عانت منه ، فهي الحركة التي ضمت مئات الآلاف لعضويتها بطريقة احتفالية ، أكثر منها طريقة تنظيمية، وهو أمر مربوط بشخصية قائدها في الشمال، ياسر عرمان، فالرجل يمتلك خصاص نادرة، فهو مصادم، وشرس، وتكتيكي من الدرجة الأولى، وهو مناضل من طراز فريد، ومحارب قديم ، إلأ أن ذات الشخصية تعاني من نقاط ضعف أخرى، فهو بمثلما تكتيكي من طراز فريد فهو لا يعير الاستراتيجيات اهتماماً، كما أنه يضيق ذرعاً بالنقد والرأي الآخر، لدرجة الاستبداد، ويفتقر إلى سعة الصدر، وهو أمر مربوط بتربية عرمان التنظيمية، فقد نشأ الرجل في الجبهة الديمقراطية قيادياً مناكفاً، حتى انشق عنها، ثم التحق بالجيش الشعبي ، وعمل خلال معظم فتراته تحت قيادة مباشرة لقادة الحركة مثل سلفاكير ميارديت، والدكتور جون قرنق، مما جعله متحللاً من الالتزام بالمؤسسية، وأطرها وظوابطها، وحتى تراتبيتها وسط الجيش الشعبي، فهو يستطيع مخاطة سلفا وقرنق مباشرةً دون مرور بقنوات تنظيمية أخرى، وهو ما جعله أشبه بمركز، أو تنظيم قائم بذاته، ويدعمه في ذلك خطابه السياسي ، ومواقفه الواضحة فيما يتعلق بقضايا الهامش، وحقوق المهمشين، وتمدده الجماهيري من خلال وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة. وقد ساعد هذا في ارتباط البناء التنظيمي للحركة بشخصية ياسر عرمان، ويكفي هنا الإشارة إلى أن “الحركة الشعبية” قامت بثلاث حملات للبناء التنظيمي خلال ست سنوات، فكانت كل حملة تقوم فوق ركام سابقتها، دون تقويم للأخطاء السابقة، أو تمحيص في العضوية، لا سيما أن سيلاً كان قد انهمر على الحركة الشعبية مع بشريات اتفاقية السلام الشامل، فحمل السَّيل الغث والسَّمين، والوطني والانتهازي، وكان الانتهازيون من مناضلي الساعة الخامسة والعشرين هم الأكثرية اذا ما أضفنا إليهم غواصات الأمن و”المؤتمر الوطني”. ، والواقع الماثل أمامنا اليوم يقول إن الفلسفة التى على أساسها تم تنظيم وبناء الحركة الشعبية لتحرير السودان بالقطاع الشمالى (” توطين ” الحركة الشعبية فى الشمال) والتى كنا جزءاً منها رغم التحفظات , لم تصمد طويلاً أما الرياح , إذ إنهارت فى أول منعطفٍ بإعلان الحرب فى جبال النوبة ( 6 يونيو 2011) وبعدها فى النيل الأزرق (1 سبتمبر 2011) ومن ثم حظر نشاط الحركة الشعبية فى الشمال ومصادرة دورها ومكاتبها واعتقال العديد من الكوادر , بل أنَّ العديد من الكوادر التى جاءت إلى الحركة الشعبية وفقاً لهذه الفلسفة تركوها مبكراً جداً , منهم من عاد إلى “المؤتمر الوطنى” ومنهم من عاد إلى أشغاله الخاصة بعد اكتشافه أن الحركة الشعبية ليست مكاناً للكنوز والأموال مثل “المؤتمر الوطنى” , بل هى حركة تحرر وطنى مربوطة بقضايا المهمشين والمعدمين , وحتى لا نكون مجحفين فى حق البعض فهناك العديد من الرفاق الشرفاء الذين صمدوا أمام الحملة الشرسة بعد إعلان الحرب وتم اعتقالهم وتعذيبهم فى السجون دون أن يغيِّروا ” ماركتهم ” المسجلة لدى الشعب السودانى” ، ويشير شالكا وهو من قيادات شباب الحركة ومدرسة الكادر إلى أسماء كثير من القيادات، ومعظمها انضم للحركة بعد اتفاقية السلام ، لكنهم سرعان ما أعلنوا انسلاخهم، أو رجوعهم إلى قواعدهم سالمين ومن أمثال هؤلاء ؛ غازى سليمان – الذي ترك الحركة الشعبية مبكراً وتبنى خط المؤتمر الوطنى داخل البرلمان الذى دخله بتذكرة الحركة نفسها.



    وصارع الرفاق داخل البرلمان وخاصة ياسر عرمان الذى شن عليه هجوماً عنيفاً, وهو من قام بحملة جمع توقيعات إسقاط عضوية ياسر عرمان رئيس الكتلة البرلمانية ورئيس لجنة الإعلام آنذاك , وقد نجح , وكان يتحدث فى البرلمان باسم الحركة الشعبية ضد ها ، وأذكر شخصياً أنني كنت والصديق مصطفى سري في صحبة ياسر عرمان لحضور مناسبة زواج تخص الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى، وزير الدولة بوزارة العمل الأسبق، وكان ذلك متزامناً مع إعلان نواب المجلس الوطني، فقلنا لعرمان أنّ اختيار غازي هو اختيار خاطئ، لأن الرجل لا يعدو سوى مهرجاً سياسياً، وأنه لن يضيف شيئاً للحركة إن لم يخصم منها، إلا أن عرمان صمت حينها، وهو من سعى يوماً لتلميعه.
    وقد سبق أن أعلنت الحركة في عام 2001 اطلاق سراح أسرى في شرق السودان، أكد لي عرمان أن تلك الخطوة هي هدية لسليمان الذي كان في زيارة إلى اسمرا آنذاك، والمعارضة للنظام على أشدها، المهم علمت فيما بعد أن الدكتور منصور خالد هو من رشح غازي سليمان لعضوية المجلس الوطني وأن عرمان لزم الصمت ازاء هذا الترشيح، وقلت لصديقي سري أن صديقنا ياسر يتعامل معنا ” كصحافيين” نكتب الأخبار، لكنه لا يثق في تقديرنا للأشياء، ولا مقدرتنا على النقد السياسي ومعرفتنا بالبشر، و هناك كما يشير شالكا إلى كل من “ محمد المعتصم حاكم – المستشار السابق للأمين العام للحركة الشعبية – وهو عضو البرلمان القومى عن الحركة الشعبية وبنسبة قطاع الشمال, انضم إلى مجموعة دانيال كودى .( لاحقاً عاد إلى حزبه القديم وهو الاتحادي الديمقراطي)، و محمد شنان – رئيس الحركة الشعبية بولاية نهر النيل, مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان فى دائرة شندى – انسحب ل ” على كرتى” وانضم للمؤتمر الوطنى ، عدنان الخليفة التعايشى – رئيس الحركة الشعبية بولاية النيل الأبيض – انضم للمؤتمر الوطن منذ وقت مبكر ، عبد المنعم منصور – وزير الصحة بولاية شمال كردفان عن الحركة الشعبية – انضم للمؤتمر الوطنى بعد الانفصال وعقد مؤتمراً صحفياً مع إخلاص صلاح فى المركز السودانى للخدمات الصحفية التابع لجهاز الأمن وأساء إلى نائب الأمين العام ياسر عرمان واتهمه باختلاس ميزانية الانتخابات ( 12 مليار جنيه ) .، / مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان لمنصب والى شمال كردفان – انضم إلى المؤتمر الوطنى ، ”


    .
    ولم يكن هؤلاء حالةً شاذة، فقد خرج عن الحركة الشعبية، وانقلب ضدها نافذون، وأعضاء مكاتب سياسية، ومجالس تحرير، وأعضاء مجالس تشريعية وبرلمانية، بل أن أحدهم رأي أن فترة وجوده في الحركة الشعبية كانت فترة ” ضلال مبين”، وهو من كان يشغل منصب وزير تعليم بجنوب كردفان ، وهو جمعة إبراهيم” ، وهناك دانيال كودي نائب والي ولاية جنوب كردفان، وتابيتا بطرس وزيرة الصحة، وعضو المكتب السياسي، وعباس جمعة وزير دولة بوزارة الداخلية، وغيرهم كثيرون.
    لقد أخطأت :الحركة الشعبية” في عملية بنائها التنظيمي باعتمادها على النشاط الاحتفالي وحده، و على الرموز التقليدية لقيادة العمل السياسي لبناء سودان جديد ، وهو ما دعا البعض لوصف هذه الحالة بأن الحركة سعت لبناء سودان جديد بآليات قديمة، وهو يعني أن عقلية قيادة الحركة لم تنفك من طرائق تفكير عقلية السودان القديم، وهو أمر خطير، ويفضح طرائق التفكير، والعقل الذي أنتج مثل هذه الأفكار، وهو ما يجعل من السُّلطة غايةً ، لا وسيلةً من وسائل التغيير، وأن أقرب الطرق للوصول إلى السُّلطة هو الإعتماد على المؤسسات القديمة، ورموزها، ضاربةً بدور الجماهير عرض الحائط، فقد هرولت الحركة هرولةً نحو كثير من الرموز، ومن أجل استقطاب قيادات تنتمي لأسر معروفة مثل أسرة الناظر منعم منصور في شمال كردفان، أو أبوروف في سنار، أو أبو سبيب في ولاية الجزيرة، لتتولى القيادة، حتى دون أن تختبر في مواقفها، ورؤاها، ومفاهيمها.


    ولو كانت الحركة تفتقر لعناصر قيادية بديلة لكان الأمر مقبولاً، بل فالعكس هو الصحيح، فقد ضمت عضوية “الحركة الشعبية” عشرات من القيادات الصلبة، والنزيهة، والتي عمل بعضها في قيادة النقابات وانتفاضة أبريل 1985، وبعضهم زاهدٌ، في كل المناصب الدستورية والسياسية والتنفيذية، لكنه كان يمني النفس بخدمة مشروع السُّودان الجديد من أي مكان يقف فيه، إلا أن قيادة القطاع الشمالي لم تعطهم اهتماماً؛ لا سيما أولئك المنضمين من ” التحالف الوطني / قوات التحالف السودانية، خلال عملية دمج ظلت تتعثر سنوات طويلة، دون أسباب موضوعية، وقد حرص مسؤول التنظيم في القطاع الشمالي ياسر جعفر، خاصة في فترة التحضير للمؤتمر الثاني للحركة الشعبية في جوبا في مايو 2008، على ضم بعض من هؤلاء وتوظيفهم، إلا أن حالة الضعف العام جعلت هؤلاء ” غرباء داخل القطاع الشمالي.، وهو أمر يعضد ما يعتبره البعض أن قيادة الحركة في الشمال كانت لا ترغب في وجود قيادات يمكن أن تكون ذات تأثير ، واستقلاليه، ولا تقبل أن تكون تابعةً لشخص، أو حتى مجموعة صغيرة تظن أنّها، تتميز بصفات خارقة أكثر من الآخرين، وأنها تمتلك مفاتيح الحلول لكل الأبواب المغلقة، وقد عبر لي كثير من المتابعين والمهتمين بموضوع دمج التحالف وجناحه المركزي في ” الحركة الشعبية” عن تلك ” الهواجس”، وكنت أرد أن الموضوع مربتط بربكة تنظيمية كبيرة ، إلا أنَّ هذه التبريرات تفقد منطقها في بعض الأحيان . وقد سعيت شخصياً من ولادة المشروع للتقريب بين الأطراف، ونقل وجهات النظر بطريقة تساعد في الوصول إلى نهاية منطقية ومطلوبة ، إلا أنَّ ذلك لم يتحقق بشكله المرتقب.
    ومع إعلان “المؤتمر الوطني” للحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان تكشف للمراقبين للأمور أن الحركة يمكن أن تصمد ” عسكرياً” ويمكن أن تبني جيشاً قوياً، وسوف تحرز انتصارات عسكرية كبيرة ستلقي بظلال كثيفة على الأوضاع في السودان؛ إلا أن ذات الحركة، لا تزال تواجه صعوبات جمة في عملية بناء جسم سياسي ، منضبط تنيظيمياً، ومرثر سياسيا، وله مؤسساته الفاعلة، وعضويته النشطة ، فمثلاً؛ لو أن عملاً دؤوباً وجماهيريا تم قبل الحرب ، لخرج الآلاف يدافعون عن دُور الحركة التي صادرتها السلطات الأمنية، ويعتصمون بها، ولقاموا قرارات جهاز الأمن الوطني والمخابرات بإغلاق الدور، ومصادرة الممتلكات، واعتقال العضوية، وتدجين آخرين، إلا أن السيف كان قد سبق العزل، وتحولت الحركة إلى رد فعل، بدلاً من أن تكون هي الفعل السياسي، وقد بدا هذا الخلل واضحاً قبل إجراء استفتاء السُّودانيين الجنوبيين ، ولغياب الرؤية والاستراتيجية ؛ ولذلك فقد ظلّت عناصر الحركة الوسيطة والشابة تفضل الهروب من الخرطوم حال تعرُّضها لأي مضايقات من قبل السلطات، أو اعتقال أو حتى مجرد تهديد بالاعتقال، وهو ما كان رصيداً إيجابيا لصالح جهاز الأمن والمخابرات ، فقد سعى الجهاز بطرق الترهيب تلك لتفريغ الساحة السياسية من العناصر المناوئة، والقيادات الوسيطة التي كان يمكن أن تشارك في عملية تنظيم وتعبئة و قيادة الجماهير، والقطاعات الشبابية والطلابية، ويعود ذلك لضعف التدريب ، والوعي التنظيمي، وغياب المؤسسية، وربما لا يلوم البعض هؤلاء الشباب، أو الكوادر، لأن القيادة نفسها بدلاً عن إقناعها بالبقاء في الشمال، أو الانخراط في العمل المسلح، ظلت تقدم لها الدعم اللوجستي لتهرب من جحيم الخرطوم، والبحث عن ملاذات آمنة، أو حقوق لجوء سياسي، ونشير هنا إلى عدد من الأمثلة،


    فقد تعرض رئيس الشباب علي كمنجة للاعتقال والتعذيب ، في بداية 2011، فاضطر للسفر إلى جوبا، ثم لحقه نائبه بعد أشهر قليلة ليكون قطاع الشباب بلا قيادة، مثلما غادر مسؤولو الأمانات وبعض قيادات الولايات كل الشمال.


    إن الأزمات المتلاحقة التي مر بها السُّودان، وكذلك ” الحركة الشعبية” أوضحت بجلاء أن قصوراً خطيراً تعاني منه الحركة، و يتمثل في عجزها عن طرح رؤية سياسية وفكرية بديلةً ، ومؤسسة متينة، تدير أمورها، وتؤمن بمبدأ توزيع الأدوار، والمهام، لا أن يكون الفريق المفاوض، هو الفريق التنظيمي، والسياسي والإعلامي، بلا سعي لخلق قيادات جديدة، تضطلع ببعض المهام تدريجياً، وهو أمر في ذات الوقت يمكن أن نربطه بأن الحركة لا تزال تعتمد في رؤيتها على شعارات ، لم تتم عملية موضعتها داخل أطر فكرية ، تعمل الذهن، وتوسع الآفاق، وتفتح الأبواب مشرعةً نحو المستقبل. حيث لم تستغل هدنة السلام، وفترة الست سنوات في بناء تنظيمي له جذور، وخلق كوادر قيادية مدربة وواعية، ومؤسسات مالية وإعلامية فعالة، كان يمكن أن تساهم في عملية التحول الديموقراطي، والتنوير بقضايا المهمشين، وانتزاع حقوقهم، ومن ثم تغيير عقلية المركز، وإعادة هيكلة الدولة السودانية وفق رؤى جديدة، وهنا نشير إلى مواقف ” الحركة من صحيفة ” أجراس الحرية”، وهي كانت منبراً ساهم في خلق أرضية صلبة، ونجح في مساعدة الحركة في إدارة كل معاركها السياسية مع ا”لمؤتمر الوطني”، إلا أنَّ الصحيفة ظلت تعاني من الضعف هي الأخرى، وقد أخطأت “الحركة الشعبية” منذ أن اقتنعت بفكرة الصحيفة، في اختيار مجلس إدارة فعال، لكنها تركت الأمر لمن لا علاقة له بالإعلام، وقضايا الاستنارة، وهو ما جعل الصحيفة تتعرض لهزات مستمرة، دون أن تتدخل الحركة لمعالجة الخلل الواضح.


    لقد بدأنا “أجراس الحرية ” بخلافات، ومناوشات، وكانت أولى بوادر الصراع هي محاولة الهيمنة من قبل الإدارة، وهي مختصرة في شخصٍ واحد، وللمفارقة أن الأستاذ مصطفى سري ، هو من وقع نيابةً عنه في عقد تأسيس الشركة!، وقد استعان الرجل بمجموعة من الدخلاء على العمل الإعلامي، فكان سري أول المبعدين من هذا المشروع لأن الرجل لا يرغب في وجود مؤسسين معه ، أو أسماء معروفة تبعد عنه الأضواء، وهو ما يُفسِّر كذلك صراعاته المستمرة مع قيادات الصحيفة ، وقد لا يُصدَّق القارئ أن هذه الشخصية فرَّضت نفسها؛ هكذا ، لكي تمسك بكل شيء ، بسبب غياب المؤسسين ، واستراتيجة ” الحركة الشعبية” للإعلام . ورغم ذلك، وفي تلك الأجواء حدثت نُقلةٌ نوعيةٌ كبيرة، تمثَّلت في دخول صحافيين ديمقراطيين في المشروع كحلف بين ” الحركة الشعبية، والصحافيين الديموقراطيين، والمجتمع المدني”، وقد لعب الأستاذ الحاج وراق دوراً كبيراً في قيام المشروع، من خلال اتصالاته، وعلاقاته، واسمه، و من خلال ميثاق ساهم هو فيه بالقِدْح المعلى، بناءً على مسودة أولية وضعتها أنا، كما ساهم الدكتور مرتضى الغالي معنا في الحوار الأولي حوله، قبل أن يتم تحويل المشروع إلى المؤسسين ومجموعة صحافيي الحركة ، ثم إلى الأمين العام فاقان أموم، والذي كان حريصاً على استقلالية الصحيفة، ومنح الصحافيين الديموقراطيين أسهم في الشركة تقويةً للشراكة، وتعضيداً للتعاون، وتأكيداً على انفتاح المشروع، واستقلاليته، ووسط تلك الغيوم، وأجواء التوتر، والاختراقات الأمنية، فقد انطلقت الصحيفة قويةً، ووجدت نفسها في مقدمة الصحف من أول يوم لصدورها في السابع من أبريل 2008، لكن، وبعد أشهر قليلة، علت الأجندة، ودخلت الوساوس، وانعدمت الثقة ، واجتهد جهاز الأمن والمخابرات في زعزعة أوضاعنا، من خلال بث الفتن، والضغوطات المالية، والاقتصادية، و مشاكل الطباعة، فسادت الخلافات حول صلاحيات هيئة التحرير، ورئيس التحرير، وحول تدخلات الإدارة في الشؤون التحريرية، وتعطيل أي محاولة لتطوير المشروع ، وقد أدى هذا الوضع إلى هجرة معظم الأقلام المؤثرة، من المؤسسين، وعلى رأسهم الأستاذ وراق، وكمال الجزولي، ورباح الصادق، ود. حيدر ابراهيم علي، ومحمد جلال هاشم، وام تفكر قيادة “الحركة الشعبية ” في أهمية ” أجراس الحرية” كمنبر وصحيفة، بل تاهت في تفاصيل قضايا أخرى، وكثيرا ما كان وراق يُحدَّث صديقه عرمان عن أهمية الإعلام، ويوجه له انتقادات حادة لإهمالهم لمشاريع الفضائية والإذاعة، وأن صحيفة “أجراس الحرية” بنجاحها لم تهتم الحركة بها، مما أدى إلى تحطيمها من الداخل.



    لقد كانت ” أجراس الحرية” اكثر المنابر ذات الصلة بالحركة الشعبية فاعليةً، وحضوراً، وتأثيراً، إلا أنَّ قيادة الحركة أهملت الصحيفة ، وتركتها تدار بطريقة ” سوق الملجة” ، وكثيراً ما تقدمنا بالشكاوي، والملاحظات إلى الأمين العام للحركة فاقان أموم، ونائبه ياسر عرمان، إلا أن النتيجة كانت تواطؤاً بالصمت مع إدارة الصحيفة، ويفسر هذا التواطؤ بأن قيادة الحركة الشعبية ، لا تمتلك الرؤية الشاملة للإعلام، فالبعض يعتبره مجرد ” تصريحات وبيانات” ، وهي في ظنه وصفات سحرية سريعة المفعول ، تلهب الجماهير، وترهب النظام الشمولي، وتقدم الحلول للقضايا، ولذلك، فإنه لا يفكر في كيفية تفعيل آلة كاملة، لكي يقوم آخرون عبرها بأدوار مختلفة، بعيدا عن مسرح ” الـ ” One man show “.، وهو موقف متخلَّف من الإعلام، فالإعلام صار صناعة، تتطلب الكثير من المدخلات المادية ، والبشرية، وصار أحد اهم آليات التغيير، أو حتى السيطرة ، وبالتالي فهو يحتاج إلى مؤسسات للتخطيط، وللتدريب، والتوعية، وخبراء في الإعلام، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، لمعرفة السلوك الإنساني، وكيفية التأثير والتأثر، وكيفية تصميم الرسائل، ووسائل إرسالها، ودراسة أوضاع المتلقي ” المرسل إليه”، ومن ثم معرفة التغذية الراجعة ، أو ” feed back ”

    ، وهو في ذات الوقت من أهم آليات القهر، وممارسة الاستبداد، وإذلال الناس، ولقد أدرك الإسلاميون مبكراً دور الإعلام، وأهميته، فابتعثوا العشرات من كوادرهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، للتخصص في الإعلام، ونظرياته، وتوظيفه لخدمة الأيديولوجيا، وبعد ذلك امتلكوا الصحف والفضائيات والإذاعات الخاصة، ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، ومعرفة اتجاهات الرأي العام، واستطلاعات الرأي وقياسه، وهو ما فشلت فيه الحركة الشعبية فشلاً كبيراً، فلا أعرف أحداً من كوادر الحركة الشعبية تلقى دراسات عليا في هذا التخصص، أو حتى دورات تدريبية وتأهيلية في هذا المجال!.، وبالطبع فإن أزمة الإعلام ، وبناء مؤسساته ، تظل مرتبطة، بأزمة شاملة، وهي أزمة ، ليست غريبة عن حركة غلب عليها الطابع العسكري في بداية انطلاقها، ولسياقها التاريخي الذي نشأت فيه، إلا أنها ظلت حبيسةً في مأزق التراتبية العسكرية كضرورة ميدانية، وعملياتية، حتى اتفاقية السلام الشامل ، وهي مرحلة دخلتها بعض القيادات كذلك بمظهر المنتصر، والقوي، والعارف بكل شيئ، والملم بكل خيوط اللعبة السياسية بمهارة عالية، لا سيما بعد حفاوة الاستقبال الذي وجدته في الخرطوم ، وما أحسته من إحساس المنتصرين، وغرور الفاتحين.


    لقد كانت “الحركة الشعبية”، ولا تزال على مستوى الشعارات، تمثل طوق نجاة يمكن أن ينقذ الدولة السودانية من الغرق، فهي حركة قومية في شكلها وفيما تطرحه من ” شعارات”، ويكفي أنها الحركة الوحيدة التي تضم عشرات الآلاف من عضويتها وقياداتها في جبال النوبة، والنيل الأزرق، ودارفور ووسط السودان، وهو ما لا يتوفر لكل الحركات والأحزاب السياسية الأخرى، لأنها إما أحزاب مركز، تعبر عن عقلية وتفكير المركز، أو حركات احتجاج مطلبية قامت كرد فعل لسياسات المركز، فاكتفت بالنظرة الجزئية للأزمة السودانية، وحصرها في مناطق هذه الحركات، دون التركيز على أن أس الأزمة هو تفكير النخب السياسية، وفشلهم في إدارة التنوع الثقافي والعرقي والديني. إلا أن الأزمة التي، لا تزال تواجه الحركة الشعبية، ربما تقعدها عن القيام بدورها في بناء سودان جديد، وإحداث تغيير نوعي، باعادة هيكلة الدولة السودانية، وتحقيق قيم المساواة والحرية، والعدالة الاجتماعية، وهذا مشروع يمكن إنجازه عبر تكوين ” كتلة تاريخية” تضم المهمشين والديمقراطيين في الشمال، وهي ليست أزمة “الحركة الشعبية” وحدها ، بل هي أزمة الجميع، وهي ذات شق ذاتي مرتبط بتفكير قيادة الحركة الشعبية التاريخية، وظروف الحرب التي عاشوها، ويعيشونها، والبطء في طرح مشروع وطني جامع،


    أما الشق الثاني من الأزمة فهو مرتبط بظروف موضوعية أخرى تتعلق بالنُّخب الشمالية، ونظرتها للحركة الشعبية كتنظيم ” جنوبي”، ثم “عنصري”، وهو أمرٌ يُعبَّر عن أزمة المركز، حيال كل ما يأتي من الهامش، أو ما لا يشارك في صناعته، أو خلقه، وهو أدى من وجهة نظري إلى الفشل في خلق حلف استراتيجي مع قطاعات واسعة في المركز، ومعظمها من قطاعات؛ المهمشين مثل المزارعين في مشروع الجزيرة، والقضارف، وشرق السودان، وطبقات العمال المنتشرة في كل الشمال، ومتضرري السدود، وأبناء الشمال النوبي، بالإضافة إلى الديمقراطيين العاملين على تغيير المركز ومقاومة هيمنته، وظلمه، ولا إنسانيته، ولو استمر الفشل المتبادل، فلسوف نعيد إنتاج أزمة أخرى، تدفع أبناء النوبة والنيل الأزرق ، ودارفور للمطالبة بحق تقرير المصير، تنفصل حلقة ” الجنوب الجديد” ليتنقل الحلقة المرة القادمة إلى الجزيرة والنيل الأبيض ، وشرق السودان، فتتم عملية شد السودان من أطرافه، لا بسبب ” مؤامرة”، لكن بسبب سياسات النُّخب، من جانب، وفشل حركات الهامش في عملية التغيير الكلية، والاكتفاء بتغيير جزئي، يحقق مكاسب ” جهوية”، أو ” اثنية”، أو حتى يأساً من الإصلاح، وإحباطاً من الواقع، وهو أمر وارد في ظل دولة هشة، وفاشلة، غاب عنها المشروع الوطني، وعانت من تصادمات الهوية.
                  

04-13-2013, 10:11 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)



    عواقب تراجع فرص "الحوار الوطني" ..

    بقلم: خالد التيجاني النور



    الجمعة, 12 نيسان/أبريل 2013 22:02






    اللهم أكفنا مجازر سوريا, ومغامرة الكابتن امادو, وزحف سيليكا


    خالد التجانى



    [email protected]

    لم يكن حتى أكثر الناس تشاؤماً, بمن في ذلك غلاة خصوم النظام الذين يرفضون الحوار معه ولا يرون لإسقاطه بديلاً وإن طال السفر, يتوقعون أن تذوى رويداً رويداً الامال التي ارتفعت أخيراً بالدخول إلى مرحلة جديدة من الحوار الوطني الجامع بهذه السرعة المفاجئة بمثل ما جاءت الدعوة له مفاجئة وبلا إرهاصات. ولكن هل يمكن الجزم بأن هذه المبادرة ذوت فعلاً, أم أنها لا تزال على الطاولة تكافح من أجل الصمود في مواجهة الفراغ ومآلاته المخيفة؟.


    ففي أيام قليلة تحول المناخ السياسي في البلاد من النقيض إلى النقيض, فماذا حدث, وما هي الوقائع والخلفيات, وما هي المآلات, ولماذا وكيف تجري محاولة وأد هذه السانحة النادرة ل"حلحلة" الأزمة السودانية وتفكيك تعقيداتها المتشابكة, وما هي السيناريوهات الأكثر احتمالاً في ضوء هذه التطورات والمواقف المتناقضة؟ أسئلة تترى لا بد من الإجابة عليها لمعرفة إلى تساق البلاد, ولكن ذلك غير ممكن بغير قراءة دقيقة لطبيعة النظام الحاكم الراهن وما يجري في كواليسه, وتوازنات وحسابات الفاعلين فيه.
    لم يكن أكثر السودانيين يصدقون أنفسهم وهم يستمعون بعد انتظار طال لكلام عاقل, إلى المسؤول الإنقاذي الرفيع الشأن, وهو يتحدث بلغة الواقع المعاش بكل تعقيداته ومخاطره الماثلة على وجود ما تبقى من الدولة السودانية, وقد تجاوز لأول مرة التصريحات الوردية لدهاقنة الطبقة الحاكمة يتحدثون عن حال بلد سعيد لا يوجد إلا في مخيلتهم, ولا يبدو أن هناك أحداً غيرهم يعرفه. بل ويقدم كذلك لأول مرة على محاولة رسم ملامح خريطة طريق ممن الممكن أن تشكل بوادر مخارج من المأزق التاريخي الذي يعيشه السودان ويكاد يذهب بريح ما تبقى منه بعد "تناقص أوتاده وتكاثر زعازعه" في وصف جامع مانع للدكتور منصور خالد.


    كان أغلب ظن التوقعات بين يدي المؤتمر الصحافي للنائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه أنه لن يذهب أبعد من إخراج نفسه من حرج إقحامه في "معركة الخلافة" المحتدم أوارها في دوائر "المؤتمر الوطني" المنقسم على نفسه والتي تجددت عقب إعلان الرئيس عمر البشير عزوفه عن السلطة بنهاية ولايته الحالية., والتوقع الآخر أن طه سيحاول التقليل من المضمون السياسي للقاء النادر الذي جمعه بالدكتور علي الحاج, الذي طغى على دوافع البعد الاجتماعي المعلن لاجتماع برلين, أيضاً بسبب ضغط حسابات توازن القوى داخل المؤتمر الوطني.
    وكانت المفاجأة أن طه ذهب أبعد من ذلك بكثير, ولئن كان متوقعاً أنه سينأى بنفسه عن الدخول في متاهة "الخلافة" الملغومة معتبراً خروج البشير من الملعب غير وارد في هذه المرحلة. فقد خالف التوقعات وهو يقدم دعماً غير متحفظ ل"مبادرة بون" التي خرج بها الدكتور علي الحاج مسارعاً إلى إعلانها من طرف واحد بعد لقائهما, مؤكداً اشتراكه في الاتفاق مع علي الحاج حول ما من شأنه أن يعزز الحوار بصدق النيات وطرح المبادرات, وتأكيد الاحتكام للشعب في نهاية المطاف, وأن الأمر بات يتعلق بكيفية الحوار حول تنفيذ مجمل هذه الاتفاقات, مشيرا إلى أن هذه التفاهمات بينه وعلي الحاج مطروحة للنظر في جانب الحكومة أو المعارضة باعتبارها رؤوس أقلام ومادة للحوار السياسي


    بيد أن ما أطلق موجة من الارتياح العام إقدام طه على الذهاب بعيداً بتوجيه رسائل مباشرة بأهمية الحاجة للولوج إلى حوار وطني شامل إلى جميع أطراف الساحة السياسية في المعارضة بشقيها المدني والمسلح, وللمفارقة أن رسائله كانت من طرف خفي موجهة أيضاً إلى حزبه "المؤتمر الوطني". صحيح أن تلك البادرة السياسية اللطيفة وجدت ترحيباً متحفظاً من أغلب المعنيين بها, وقدموا جملة مطلوبات يستلزم الحكم الوفاء بها من بين يدي قبولهم بعرضها, وهو أمر مفهوم في ظل حالة انعدام الثقة الكامل في وفاء السلطة بتعهداتها مما خبرته أكثر الأطراف السياسية المعارضة التي تعاطت مع النظام في أوقات سابقة.
    لم يكن متوقعاً أن يقدم طه حلولاً مثالية من طرف واحد للأزمة, وإلا لما كان هناك داع اصلاً للحوار, إلا أنه يجب الاعتراف أنه قدم مقترحاً أكثر وضوحاً لما ينبغي أن تمضي عليه الأمور بإتجاه التسوية السلمية الشاملة, سواء من ناحية المواقف من قضايا أساسية أو الإجراءات المطلوبة لتعزيز مناخ الثقة, بالطبع كان الوقت مبكراً لطرح آليات محددة لتفعيل المبادرة وهي مسألة تالية للوصول إلى قاعدة أساسية مقبولة للتفاهم بين الأطراف السياسية على إطلاق المرحلة الجديدة.


    ثمة أمور أساسية تضمنتها مقترحات طه تشكل ما يمكن أن نعتبره مدخلاً جديداً مختلفاً عما هو معهود حكومياً في شأن مقاربة الأزمة السودانية الوطنية المتطاولة, أولها الاعتراف بأن البلاد تواجه مخاطر جدية تهدد وجودها مما يستدعي جهداً استثنائياً عبر الحوار الشامل لتجنب الإنزلاق إلى هاوية التشرذم والتفتت, وليس مهماً وقت الحريق البحث عمن يتحمل مسؤولية إشعاله بقدر أهمية التعاون على إطفائه أولاً, وأهمية الوصول إلى هذه الحقيقة البدهية المعلومة للجميع, وهي ليست اكتشافاً, أنها ظلت محل إنكار في أوساط الطبقة الحاكمة, وهذه قضية بالغة الأهمية لأنه بدون وعي وإدراك وإحساس حقيقي في أوساط السلطة بالمخاطر الوشيكة غلى لن تكون هناك قاعدة جدية للحوار ابتداءً.



    الأمر الثاني الذي أسس له طرح طه تأكيده أنه لم يعد هناك من سبيل للاستمرار في الحلول المجتزأة, وأن الوقت حان لحل سلمي شامل جامع لا يستثني أحداً, وهذه هي القاعدة الذهبية لأية تسوية سلمية شاملة أو لنقل الفريضة الغائبة في الحوارات السودانية, وما من نظام حكم تفنن في الدخول في مفاوضات ثنائية وعقد صفقات جزئية لا حصر ولا حدود لها مثلما فعل نظام الإنقاذ, ومع مظهرها الخارجي الدال على البحث الحثيث عن السلام, إلا أنها في الواقع أسست لحالة تشرذم وتفتت سياسي غير مسبوقة في السودان يفعل الولع الشديد للحكم بإبرام صفقات ثنائية بغرض بعثرة صفوف المعارضين والتكسب من سياسة فرق تسد.
    وقد فعلت إذ مكنت النظام من البقاء في السلطة لربع قرن, ولكن بثمن كارثي باهظ تعريض وحدة الوطن للتشرذم.ومع ذلك لن تحقق له الخلود في السلطة. ولذلك فإن مغادرة محطة الحلول الجزئية والمفاوضات الثنائية لا مناص منها قبل الحديث عن أن أية حلول جدية تكتسب صفة الشمول والقدرة على مخاطبة واقع التحديات الخطيرة الراهنة.


    الأمر الثالث يتعلق بلغة الخطاب تجاه المعارضة لا سيما المسلحة وبصفة أخص ما يمكن وصفه بقوى "الهامش" الصاعدة, بتثبيت أنها تملك حقاً أصيلاً في تقرير مستقبل السودان الموحد بطرح رؤاها والإسهام والمشاركة في تشكيله ضمن الجماعة الوطنية في حوار جامع, وهي مسالة بالغة الأهمية الإقرار بألا طرف واحد يملك حقاً حصرياً في تحديد مستقبل السودان ووجهته وتقرير مصيره في غياب الآخرين من شركاء الوطن.
    وما من شئ أضر بالوحدة الوطنية السودانية من عقلية الإلحاق السائدة منذ بواكير التشكل السوداني الحديث, واحتكار نخبة المركز التمثيل والتعبير عن السودانيين بمعزل عن الأطراف الوطنية كافة إدى إلى هذا الفشل بامتياز في تشكيل جماعة وطنية تتوفر لها أسباب توحيد الأمة السودانية, وخطاب طه الموجه لهذه المجموعة على وجه الخصوص يمثل توجهاً جديداً مهماً وضرورياً في كسر جمود الصراع على ثنائية المركز والهامش والانتقال إلى حوار شامل يشارك فيه الجميع على قدم المساواة لرسم خريطة طريقة لسودان موحد في سلام واستقرار مع نفسه ومع الآخرين.


    واللافت في خطاب طه القبول ب"وثيقة الفجر الجديد" الموقعة في كمبالا من جماعات معارضة مدنية وسياسية باعتبارها تمثل وجهة نظر لجماعة سودانية وطنية مطروحة للحوار في إطار المدافعة لتشكيل مستقبل السودان, وهو تحول مهم على خلفية الموقف الإنقاذي الحاد من الوثيقة ومن موقعيها وتصنيفها في خانة المؤامرة وحتى الخروج على الدين, وتعيدها إلى سياقها بحسبانها عملاً سياسياً يمثل وجهة نظر طائفة معتبرة من السودانيين, يملكون الحق في طرحها وتسويقها سياسياً.
    ومسألة رابعة تشكل قاعدة مهمة في مقترح طه أن من يملك الحق الوحيد في نهاية المطاف لتقرير مصير السودان هم مواطنوه بالإحتكام إلى الشعب لتحديد توجهاته ومستقبله السياسي, وهي مسألة بديهية, ولكن المهم هنا أن الشعب لن يكون بوسعه القيام بهذا الحق الأصيل بدون توفر شروط موضوعية لازمة أولها توفر الحرية بلا استثناءات, والإرادة الحرة للتعبير عن موقفه في عملية شفافة ونزيهة.
    تلك هي أهم الأركان المؤسسة للمقترحات السياسية التي طرحها طه من وحي تفاهماته مع علي الحاج في برلين, وهي في مضمونها العام تشكل قاعدة جيدة للحوار الوطني الشامل, لكنها تبقى بالطبع مجرد تمنيات ما لم يتوفر لها المناخ الملائم لتنفيذها وفي مقدمة ذلك توفر إرادة سياسية موحدة عند الطرف الحاكم تتجلى في توفر بيئة حرية يكفلها إصلاح قانوني لا يجعلها عرضة لحسابات الفريق الحاكم, ولذلك لم تكن استدراكات المتحفظين او الرافضين تتعدى اختبار صدقية وجدية ما طرحه طه, والقدرة على تنفيذه في أرض الواقع.
    كان واضحاً من البداية أن التحدي الحقيقي امام مقترح التسوية الشاملة في عرض طه سيأتي, وللمفارقة, من داخل "النظام الحاكم" ومعادلاته, وليس من قبل المعارضة بشقيها المدني والمسلح, والمهم في هذه الحالة هو فعل من بيده السلطة, وليست ردة فعل المعارضة المتوجسة اصلاً بحكم رصيد عريض وتجربة طويلة من الوعود المجهضة, أو الممارسة المخالفة للتعهدات المعلنة من قبل الحكم.
    جاء أول اختبار لجدية التوجه الحكومي نحو حوار وطني شامل ما تضمنه خطاب الرئيس عمر البشير أمام البرلمان الأسبوع الماضي, والقراءة الفاحصة لما وراء ظواهر الأمور تشير إلى أن الخطاب شكل اول بوادر تراجع عن المدى التي يمكن أن تذهب إليه الطبقة الحاكمة في قبول مقترحات طه طه حول مسألة الحوار الوطني, صحيح جاء فيه الإعلان عن إطلاق سراح سبعة من المعتقلين على ذمة "وثيقة الفجر الجديد" وهي خطوة جيدة في حد ذاتها إلا أنها لا تعدو أن تكون إجراء لتصحيح وضع خاطئ أكثر من كونها عربون تأكيد لعهد جديد من الحرية.

    لقد خلف إطلاق سراحهم علامة استفهام كبير حول الدوافع والحسابات التي يدير بها الفريق الحاكم السلطة, ومن يسترجع تلك الحملة المضرية التي قادها الحكم ضد الوثيقة وضد هؤلاء المعتقلين قبل اسابيع قليلة لما وجد رابطاً بين ذلك الموقف البالغ التطرف, وبين إخلاء سبيلهم بهذه الأريحية, وهي خطوة على أية حال تشكل إحراجاً للنظام أكثر من كونها باعثة على التقدير. إذ أنها تزيد أيضاً من التشكيك في سلامة الإدارة الحكومية للامور السياسية, وإلا فما الذي تغير في غضون أسابيع قليلة فالمخاطر الجمة التي تحيط بالبلاد لم تبرز بالأمس فجأة, فالحاجة الملحة لحوار وطني شامل كانت دائمة حاضرة.
    غير ان الملاحظة الجديرة بالاهتمام في الخطاب الرئاسي أمام المجلس الوطني أن قضية الحوار الوطني طرحت بطريقة شديدة العمومية وبدا أنها مجرد إبداء نيات وقد تفادت بشكل واضح الدخول في تفاصيل محددة من المفترض أن تخاطب مطلوبات تهيئة مناخ الحوار الوطني وتحديد آلياته, بصراحة جاء سقف الخطاب أدني بكثير مما التوقعات الكبيرة التي رفعت الآمال في مقترح طه.
    لقد كان واضحاً إن إطلاق سراح المعتقلين السبعة شكل دخاناً كثيفاً حجب الرؤية عن موقف كان منتظراً ان يأتي بخطوات أكثر تقدماً على طريق دفع عجلة الحوار الوطني للدوران والوفاء بمتطلباته العملية, وتحديد خريطة طريق لها, وإطلاق آليات معلومة لتنفيذها, لقد كان الاكتفاء بالعموميات المكررة في خطابات رسالة واضحة أن ثمة "فيتو" في دوائر البيت الحاكم ضد إطلاق عملية حوار وطني بمواصفات حقيقية وجدية.


    وما حدث أنه بدلاً من أن ينصرف اهتمام قيادة الطبقة الحاكمة إلى توفير مستحقات إطلاق مرحلة الحوار الوطني بكل جدية وبالسرعة المطلوبة, خاصة في ظل تجاوب معقول وتحفظات موضوعية من المعارضة تتعلق بالإجراءات السياسية والقانونية لتهيئة المناخ, إذ سرعان ما انقلبت الأمور بإتجاه "معركة كسر عظم" للسيطرة على مقاليد الامور داخل البيت الحاكم وبدا الصراع المكتوم بين الأطراف المتنافسة داخل "المؤتمر الوطني" يأخذ شكل تصفية حسابات تارة باسم خلافة البشير, وتارة بإسم محاربة الفساد في توظيف صراعي واضح, وتارة باسم توحيد التعبير الإعلامي عن مواقف الحزب في حين أن المشكلة ليست هي تعدد الألسن المتحدثة باسمه والتي كشفت عن تناقضات صارخة ولكنها تعبير صريح عن عدم وجود وحدة موقف أصلاً في ظل غياب رؤية أو مشروع وطني للطبقة الحاكمة مع انعدام فاعلية حقيقة لمؤسسات الحزب في صناعة مواقفه, ولذلك يلجأ الجميع للإعلام للتعبير عن مواقف لا تجد متنفساً مؤسسياً لطرحها وإدارة نقاش موضوعي حولها للخروج بموقف يعبر عن ممارسة ديمقراطية حقيقية.
    ويقود هذا في الواقع إلى بيت القصيد في شأن قواعد لعبة السلطة في العهد الإنقاذي برمته, فهذه الصراعات ظلت سمتاً ملازماً لتجربة الإسلاميين في السلطة تظل متفاعلة مكتومة وراء الكواليس لفترة من الزمن تحت غبار إنكار لوجودها ثم ما تلبث حتى تنفجر, وهو ما حدث مراراً في اوائل التسعينيات حين بدأت تتشكل قواعد قوة النظام الجديد, فقد كان قيادة الحركة الإسلامية مطمئنة إلى أن العسكريين "الإسلاميين الملتزمين" سيعيدون بحسبانهم"مؤتمين مؤقتاً" على سلطة الإنقلاب العهدة إلى التنظيم ليعهد بها إلى "المدنيين االملتزمين" لتنفيذ "خطته في الحكم", ربما لم يكن يدور بخلد العسكريين في أول عهدهم بالسلطة أن تغييراً جذرياً سيطرأ على حساباتهم ستقلب حسابات قيادة الحركة راساً على عقب, خاصة وأن تدبير الإنقلاب وتصنيعه كان عملاً يقوده مدنيون بالكامل بينما شكل العسكريون قيادة واجهة التنفيذ.


    ثلاثة تطورات غيرت نظرية قواعد اللعبة التي وضعتها قيادة الحركة, أولها أن الممارسة الفعلية للسلطة خلقت حضوراً سياسياً وشعبياً مستقلاً لشخصيات النظام الجديد العسكرية مكنتهم من تحقيق "شرعية" أمر واقع بحكم انتماءهم للمؤسسة العسكرية وليس "للتنظيم" الذي كان يختفي وراءهم.
    الأمر الثاني الذي عزز من ثقة العسكريين في أنفسهم أنهم كان يعتقدون أن التنظيم الذي كان يعد نفسه جاهزاً بخططه لإدارة شؤون الحكم والدولة تبين أنه لا يملك منها شروى نقير, وانه يحاول التعلم مثلهم من الأساس وسبقوه بأنهم كان في واجهة التصدي لإدارة مشاكل الحكم أكسبتهم خبرة ذاتية كان قادة الحركة يظنون أنهم يحتكرونها.
    أما التطور الثالث فقد اكتشف العسكريون مبكراً الانقسام الداخلي بين المدنيين مع بدايات الصراع الخفي بين قادة الحركة على النفوذ في السلطة الجديدة وأن طرفاً يحاول ان يتحالف معهم في مواجهة الطرف الآخر.
    في تلك اللحظة تحديداً بدأ "مكر التاريخ أو سخريته" في مقولة هيغل تفعل فعلتها ليحدث في العام 1993 الانقلاب العسكري الحقيقي على الإنقلاب المدني "المستتر" في العام 1989, حين رفض العسكريون ليس إعادة السلطة لل"الحركة" التي لم تعد موجودة بعد حلها في إطار محاولة قيادتها بناء تحالفات جديدة, بل رفضوا طلب اقل شأناً أن يواصلوا ممارسة السلطة كمدنيين على أن يخلعوا بذاتهم العسكرية, وكان لسان حالهم "تلقوها عند الغافل"فقد كان يدركون جيداً أن قاعدة نفوذهم الحقيقية هي "المؤسسة العسكرية" التي ليس بوسعهم التخلي عن بزاتها وليس "الحركة الإسلامية" التي لم يعد يعرف لها صرفاً ولا عدلاً.
    قد يتساءل البعض عن أهمية التفصيل فيما يبدو حدثاً تاريخياً وعن علاقة ذلك بتطورات الأوضاع الراهنة, في الواقع ان ما حدث حينها ذي صلة وثيقة بمجريات الأمور في الوقت الراهن ومآلاتها, ولأنها تجيب على الاسئلة المهمة عن طبيعة النظام الحقيقية, وأين هو مركز قوته, وما هي حساباته وخياراته.
    لقد تغيرت في تلك اللحظة نهائياً المعادلة الحاكمة فبعدما كانت قيادة الحركة الإسلامية تطمع في توظيف العسكريين كغطاء للوصول إلى السلطة ولتعزيز نفوذها, انقلب السحر على الساحر حيث سارع العسكريون إلى بسط سيطرتهم الكاملة على اللعبة ونجحوا في تبديل قواعدها بتوظيف "مدنيي" الحركة الإسلامية كغطاء مدني لخدمة نظام حكم عسكري يستمد قاعدته قوته من قوة المؤسسة العسكرية, الحزب الغالب في اللعبة السياسية السودانية طوالي سني الاستقلال.


    وما ساعد على تعزيز نفوذ العسكريين استغلال ضعف المدنيين الإسلاميين تجاه السلطة والثروة وإزكاء الصراع بينهم في سبيل الحصول على نصيب منها, ولذلك كان هناك دائماً فريق من المدنيين مستعد للتحالف مع العسكريين ضد رفاقهم, وتكررت هذا اللعبة في الصراع بين الترابي وتلاميذه, ثم في صراع المدنيين في "عصر نيفاشا", ثم صراع الانداد الراهن في عصر ما بعد تقسيم السودان.
    لقد كان العسكريون دائماً الكاسب الاكبر من هذا الصراع, وتحول المؤتمر الوطني إلى مجرد محلل "مدني" لحكم عسكري كامل الدسم, ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد زًفت ما تبقت من قوة معنوية "للحركة الإسلامية" في مؤتمرها الأخيرة إلى العسكريين في صفقة تبقيها أسماً عوضاً عن حلها, لتكتمل فصول مأساة الحركة الإسلامية التي بادرت بدواع واهية إلى عسكرة مشروعها السياسي استعجالاً للوثوب على السلطة, على الرغم من أنها كانت الجواد الأسود في حقبة الديمقراطية الثالثة, لينتهي بها الأمر إلى العسكرة الكاملة لما تبقى من التنظيم.


    صفوة القول إن طبيعة النظام العسكرية المستمدة من قاعده نفوذه في القوات المسلحة تجعل التنافس المحتدم بين المدنيين حول خلافة البشير معركة عبثية بامتياز في غير معترك, وصراع مفتعل حول مسألة هم ليسوا معنيين بها أصلاً, ذلك أن بعض المدنيين أخطأوا الفهم حين تصوروا أن تصريح البشير باعتزامه عدم الترشح رسالة موجهة لهم, في الواقع لم يكن مدنيي "المؤتمر الوطني" معنيون بأية حال بهذه الرسالة كما أنهم لا يملكون القدرة في التقرير بشأن ترشحه, وإلا فقد كان المنطق السياسي يقتضي أن الأولي بالرئيس البشير أن يطرح موقفه داخل مؤسسات حزبه لتتخذ بشأنه قراراً ومن ثم يعلن للرأي العام في الوقت المناسب, أما ذهابه لإعلان ذلك في الصحف السيارة فذلك يؤشر أن المقصود بالرسالة جهات آخرى ذات تأثير في رسم مستقبل الأوضاع السياسية في السودان. وما ثار من جدل وتصريحات متناقضة بين أقطاب "المؤتمر الوطني" جعلته مثار سخرية وقد انكشف حاله على الملأ, وكشفت حالة الغيبوبة السياسية التي يعيشونها بعيداً عن الاجندة الوطنية الملحة..
    ولذلك فإن بقاء النظام نفسه, وخيارات دخوله في حوار وطني للبحث عن تسوية شاملة, مرتبطة بحسابات "العسكريين" ورؤيتهم لمآلات الأمور وليس لحسابات "المدنيين" بأي حال, الذين لا سبيل أمام أي منهم لوارثة الحكم في ظل طبيعة تركيبته الخاضعة للنفوذ العسكري, ومن غير الوارد أن يبقى النظام بلا رأس عسكري حتى لو لم يكن البشير لأي سبب من الأسباب, وإن كان الأرجح بحكم معادلات وتبعات وتداعيات ربع قرن في السلطة القول إن النظام الحاكم لا مستقبل له في غياب البشير.


    تلك صورة أقرب للواقعية في شأن معادلات القوة والنفوذ في النظام الحاكم, فكيف تؤثر وتنعكس على مستقبل الأوضاع في البلاد, في ضوء مقترح طه الذي فصلناه آنفاً, من الواضع أن السودان لم يعد يملك الكثير من الخيارات وأمامه واحدة من ثلاثة سيناريوهات, وهي بالطبع ليس العامل الوحيد فيها النظام, بل ستؤثر فيها بلا شك فاعلية الأطراف الأخرى في مسار الأحداث الشعب, القوات المسلحة, القوى المعارضة المدنية والمسلحة, والمجتمع الدولي:
    الأول, وهو السيناريو الأكثر عقلانية وأقل كلفة, أن تقبل قيادة الحكم مقترحات طه للخروج من الأزمة الوطنية بالانخراط الفوري الجاد في مسار حوار وطني شامل تهيأ له كل الأجواء الموضوعية ليفضي إلى تسوية حقيقية نهائية وليس مجرد هدنة محاربين. وهو سيناريو حتى في حالة اتفاق الأطراف عليه أمامه طريق طويل معقد وشائك ولكنه مع ذلك سيكون الخيار الوحيد الذي يضمن تحولاً سلمياً.
    الثاني: سيناريو استمرار حالة الاحتقان الحالي بدفع أطراف متشددة داخل النظام ترفض رؤية المخاطر المحدقة بالبلاد, وتصر على استخدام الأساليب القديمة نفسها عسى أن تطيل عمر بقاءها في السلطة, وسيكون ذلك أسرع وسيلة لتمهيد الأجواء لإعادة إنتاج السيناريو السوري في السودان مع الأخذ في الاعتبار ان السودان لا يملك مؤهلات "الصمود" السوري بكل تقاطعاته وتعقيدات حساباته الإقليمية والدولية. أو قد ينتج مثل انقلاب الكابتن أمادو سانوقو في مالي الذي جر عليها تدخلا دولياً عسكرياً, أو زحف سيليكا الذي أطاح الجنرال بوزيزيه في إفريقيا الوسطى.
    الثالث: استمرار حالة توازن الضعف بين أطراف المعادلة السودانية وهو ما يقود بالضرورة إلى سيادة سيناريو تآكل وتفتت بطئ لوحدة البلاد ومخاطر ذلك على حسابات القوى الإقليمية والدولية قد يفضي إلى تدخل خارجي يفرض تصوراته لتسوية الازمة السودانية. وليس سراً أن القوى الغربية على وجه الخصوص فيما تتناقله الأوساط الديبلوماسية في الخرطوم تراهن على أن البشير لن يترشح بالفعل وأن ما يبحث عنه ضمان تسوية لملف الحكمة الجنائية الدولية مما يفتح الطريقة لنضوج "طبخة ما" تعد لها أكثر من عاصمة.
    ونسال الله أن يكفينا سيناريوهات مجازر سوريا, ومغامرة الكابتن أمادو سانقو المالي الذي حدثتكم عنه في مقال سابق العام الماضي, وزحف سيلكيا الأفرو-وسطى.







                  

04-14-2013, 04:56 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    كلمة البروف جعفر بن عوف في المؤتمر الصحفي الذي منع جهاز الأمن انعقاده اليوم بقاعة طيبة برس
    السبت, 13 نيسان/أبريل 2013 19:53



    كلمة البروف جعفر بن عوف في المؤتمر الصحفي الذي منع جهاز الأمن انعقاده اليوم بقاعة طيبة برس عن تفكيك المستشفى

    بسم الله الرحمن الرحيم


    النبذة التاريخية :
    تاريخ طب الأطفال


    نتحدث عن الأطفال بتجرد كامل بعيدا عن السياسات بل نلتقط من القران الكريم والشريعة الاسلامية والديانات الأخري عن مسئولية البالغين أو الأمم عن أطفالهم تجاه مجتمعاتهم ودينهم الذي يعتنقون... هل هناك من دين او مجتمع او سياسة وخلاف ذلك أن تتنصل من بعض أو كل المسئولية تجاه الأطفال وهم فئه لا تعرف عرض شكواها ولا تعبر عن احتياجاتها... فالطفل أمانة في أعناقنا ومسئوليتهم مسئولية أمام الله العزيز الجبار خالق الكون وما فيه وخالق السموات وما فيهن سبحانه وتعالي.
    لم تكن مسئولية الطفل فضفاضة بل هي مسئولية محددة يسألنا منها الله عز وجل يوم يقوم الحساب كما تسألنا عنها الأجيال القادمة فيما انجزنا نحوهم في جميع مراحل نموهم الدنيوية.... وهنا نسأل أنفسنا.. هل كنا في احسن حالنا عندما صناهم أم كنا غائبين من المسئولية التي يسألنا منها الله.... فهلا تجردنا وأوصلنا تلك المسئولية في واقعنا أم كنا غائبين؟... ليس هذا السؤال مطورحا علي الحكام والمسئولين بل علي كل أسرة صغيرة أو ممتدة والبيئة التي يعيش فيها الأطفال ... فكلنا مسئولين أمام الله جلت قدرته
    نتحدث عن الصحة وهي من أهم تلك المسؤليات... فالصحة من متطلبات الحياة الكريمة ومن دونها تنتقص منه معني الحياة ولايخرج الانسان الا نكدا... أكثر من 90% من اطفال العالم يولدون في الدول النامية ومن بينها السودان ... وهم أكثرالناس تعرضا للاصابة بالأمراض المختلفة والوفيات أو الاعاقة من جرائها وترتبط هذه المشاكل الصحية بحالة تغذية الطفل والحالة البيئية والاجتماعية والسياسية اضافة لظروف الحرب والنزاعات القبلية والظروف الطبيعية مثل الجفاف والتصحر والفيضانات التي تؤثر سلبا علي صحة الأطفال بشكل خاص
    في اجتماع القمة للصحة العالمية الثالث عشر التي عقدت في الما اتا بالاتحاد السوفيتي في عام 1977 والخاص بالرعاية الصحية الأولية التي تبين أهمية صحة الانسان لينموا نموا طبيعيا خاليا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية... وبنودها العشرة تهدف الي توفير الصحة للجميع دون تمييز....ومن بينها أن الصحة تعني الصحة الكاملة ولا تعني الخلو من الأمراض، كا أن الاقتصاد والنمو االاجتماعي ينبغي أن يكون جزء لا يتجزاء من الصحة وايضا للناس الحق في للمشاركة في العناية بصحتهم.... أما بالنسبة لمكونات الرعاية الصحية الأولية فهي تضم نوعية الخدمات الصحية التي تقدم لهم مع توفير الغذاء وتوصيل مياه االشرب النقية والتخلص من الصرف الصحي بطريقة سليمة اضافة للتحصين ضد الأمراض المعدية وتوفير الأمصال الواقية وتوفير الأدوية الأساسية ثم تأمين خدمات الطفولة والأمومة وغير ذلك
    قامت الأمم المتحدة بوضع خطط لتأسيس الصحة في أي بلد كان ومن ثم قياسها.. ومن بين هذه المقاييس نسبة وفيات الأطفال في السنة الأولي من العمر مقارنة بعدد السكان لتصبح من أهم المعاييرفي مقياس الخدمات الصحية التي تقدم في اي بلد كان .... فلماذا نحن في اختلاف مع سنن الله ورسوله والجهات العالمية وجميعها لاتمتن علي الدول بل تسهم في صياغة المعلومات التي من شأنها المساعدة لتصبح برامجها واقية للأنسان وتجيب علي متطلباته واحتياجاته... والأمر فيها واضحا ويشيرعلي أهم المعاييرالتي تخفف من مشاكل الأطفال وتحد من الوفيات بينهم حفاظا علي أرواح الأطفال الأبرياء... واخرهذه التوصيات الوثيقة التي وقعت عليها الدول النامية ومن بينها السودان بتخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال بالثلثين بغضون عام 2015 وليس هذا العام ببعيد عنا
    صحة الطفل تختلف اختلافا كبيرا عن صحة البالغين فالطفل لا يمثل حجما مصغرا للأنسان البالغ وذلك باختلافه في سرعة النمو والتطور التي تقترن بانسياب هورمونات عديدة داخل الجسم وغيرها وفي غضونها يكون الطفل عرضة للامراض المختلفة والوفيات أو الاعاقة بسببها ...الأطفال في السودان يمثلون نصف المجتمع مثل الدول النامية الأخري وأكثرهم عرضة للاصابة بالأمراض المختلفة وبالتالي ترتفع بينهم نسبة الوفيات والاعاقة بنسب عالية.


    وهنا تجدر الاشارة أن التخصص في مجال طب وصحة الأطفال لا يشبه مثيلاته في التخصصات المختلفة خاصة أن غالبية الأمراض تحدث في عمر الطفولة... كما ان تغذيتهم تكون مبنية علي اسس علمية حتي لا يتضرر منها ألأطفال وتختلف حسب أعمارهم....هذا بالاضافة الي أن الطفل لايستطيع أن يعبرعن مرضه والامه او بعدم توفر احتياجاته الأخري... فعلي الأسرة ان تطرح ما بهم وما عليهم وعلي المسئولين والدولة التلبية لهذه الاحتياجات وتحل مشاكلهم
    تخصص طب الأطفال في السودان كان جزأ من تخصص الباطنية وكان المتخصصون في هذا المجال يعملون كأخصائي باطنية بجانب مسئوليتهم تجاه الأطفال الي ان استجاب المسئولين في وزارة الصحة انذاك بالمسئولية الملقاء علي عاتقهم في بداية السبعينيات من القرن الفائت وبناء علي نداء الأخصايين وهم قلة في ذلك الوقت لفصل تخصص طب الأطفال من الباطنية لأسباب تتعلق بصحة الأطفال ونسبة الوفيات العالية بينهم. الجدير بالذكر أن منظومة تدرج الخدمات الطبية عامة لم يات من فراغ بل عبر البرامج الصحية الأولي والثانية والثالثة وتبعها برنامج الرعاية الصحية الأولية الذي تعتمده وزارة الصحة حاليا في تطوير وتركيز الخدمات الطبية في السودان....
    وفي ذلك الحين بدأت الدراسات المتتابعة من الأخصايين لتبرز أهم مشاكل الطفولة واكثرها سببا للوفيات والاعاقة بين الأطفال وكانت ابزها الوفيات المتعلقة بالأمراض الحادة ...لهذا أنشأت أول مستشفي لحوادث الأطفال بالخرطوم عام 1977....... وبعد نجاح هذه التجربة في السودان تم نقلها بواسطة هئيتي الصحة العالمية واليونسف الي بعض الدول المجاورة خاصة البلاد العربية وما زالت تلك المستشفيات تقدم خدماتها حتي الان بالرغم من الارتفاع الملحوظ في حالة تلك الدول في النواحي الاقتصادية والاجتماعية.
    مستشفي حوادث الأطفال
    قامت مستشفي حوادث الأطفال علي أيدي الخييرين من ابناء هذا الوطن ومن الجهات العالمية وتم بناءه بأدي المتطوعين والمهنيين والأطباء والكوادر الصحية الأخري وخطط العمل مع
    (2)
    بعض المهندسين وعلي رأسم د. صديق عبد الوهاب عميد كلية الهندسة بجامعة الخرطوم انذاك ....وكان الأطباء يعملون كطلب مع تأدية واجبهم الطبي تجاه المرضي فقد بني 16 عنبر وقسم الصيدلية والأشعة والعيادات الطارئة والمحولة وعنبر للحالات الحرجة في ظرف 6 أشهر
    تم توفير كل المعينات من معامل كاملة وأشعة وأجهزة تشخيصية وعلاجية وتأسيس أقسام الصيدلية والتغذية وعيادات الطواريء والمحولة وانشأ فيها قسم الاحصاء الحيوي بتوفير الأحصاءات والمعلومات الحيوية عن الأمراض المختلفة كأول تجربة في السودان. وايضا تم بناء قسما كاملا للأمراض المعدية بعيدا عن الأقسام الأخري .. ثم اكتمل المطبخ وأقسام للادارة وتجهيز قسم للتأهيل الغذائي للمصابين بأمراض سؤ التغذية المختلفة وجهزت فيه قاعة لتدريب الأمهات ومطبخ لاعداد الوجبات مع اشراك الأمهات مستغلين في ذلك المواد الغذائية التي تتوفر في كل مناطق السودان وقد منح هذا القسم ميدالية ذهبية بواسطة اليونسف في يوم عيد الطفل العالمي.
    وكان العمل يقوم علي التقنية البسيطة الماتحة وكان من أهم اسباب النجاح هو تدريب العاملين بصورة دائمة ,ومستمرة .....فانخفضت نسبة الوفيات بين الأطفال المرضي من 30 % الي أقل من 1 % وبسرعة فائقة وتم ذلك بالعمل الجاد بين كل الفئات العاملة بالمستشفي الذين ظلوا يعملون في مجالات غير تخصصهم مثل النظافة والطلاء وعمل الأطباء في اقسام الاحصاء وابلو فيها بلاء حسنا بتوفير المعلومات الصحية التي لم تتوفر من قبل خاصة كانت المعلومات الطبية تبني علي المعلومات االواردة في الكتب الأوروبية... وكانت تلك اضافة حقبقبة في طب الأطفال وتعليم الطب في الجامعات وكان العلاج بالمستشفي يتم بمجانية تامة خدمة لأطفال هذه الأمة وأمل المستقبل المشرق باذن الله


    وفي هذا الخصوص يجب نذكر ان علاج الحالات الطارئة يختلف تماما من الحالات المرضية الأخري التي تصيب الأطفال وتمثل العبء الأكبر علي حياة الطفل... وقد أسهمت هذة التجربة في تخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال في السودان والدول التي نقلت اليها التجربة وأنشأت فيها مستشفيات لطواريءالأطفال.... ثانيا يجب أن نؤكد أن وجود أقسام الطواريء هو جزأ لا يتجزاء من اٌقسام المستشفيات التعليمية الموجودة في العالم بأجمعه بما في ذلك الدول الأروبية والأمركتين وغيرها... وقسم طواريء الأطفال يعتبر الأساس لمعالجة الأطفال في الدول النامية فهي تمثل القاعدة المتينة في علاجهم وصونهم ...هذا مع العلم بأن الحالات الحادة والطارئة تمثل حوالي 85 % من جملة أمراضهم وذلك عكسا لما يحدث في الدول الصناعية حيث أن هذه النسبة تمثل الأمراض الطبية الأخري
    أسباب الوفيات بين الأطفال في السودان كثيرة يمكن سردها لاحقا ولكن يجب ان نوضح ان الطفل المريض بمرض يكون دائما مصحوبا بمشاكل طبية أخري.... لذلك يجب اكتشاف اي مرض أخر يعتري الطفل بعد انقاذه من مرحلة الخطورة وعلاجها.....
    كان المستشفي يستقبل 18.000 طفل في الشهر الواحد فزاد هذا العدد ليصبح 30.000 في الشهر وظلت مسئولية المستشفي تشمل الوبائيات المختلفة وتفتح كرنتينات بالمدارس وفتح المراكز ابان فترة الجفاف والتصحرلتأوي المرضي باختلاف مشاكلهم 3
    هذه نبذة قصيرة لمعرفة أداء قسم طواريء الأطفال وما يمكن أن تؤديه هذه الأقسام في انقاذ حياة الأطفال الأبرياء
    مستشفي جعفر ابن عوف التخصصي للأطفال
    دعت الحاجة لانشاء اول مستشفي تخصصي للأطفال للزيادة المضطردة في أعداد المرضي المتردين علي المستشفي وتم ذلك بفضل الله وعونه فبنيت وأثثت المستشفي علي ايدي الخيرين من الجهات العالمية مثل الأميرة and#65153;ن من سلالة الأسرة الحاكمة في المملكة المتحدة عند زيارتها للمستشفي وكانت اول المتبرعين لهذا المشروع الحيوي الكبير وبعدها تكالب المتبرعون من دول العالم المختلفة عبر سفاراتها وايادي السودانين ذو الأيادي البيضاء من داخل وخارج السودان وذلك باعتبار أن الطفل مسئولية العالم بأحمعه...
    قام مكتب المهندس عبد المنعم مصطفي وشركائه وهم البروفسير صديق عبد الوهاب و دكتور يحي محمد صالح برسم الخرائط ومتابعة المباني ومعهم مجموعة من المهندسين في القطاع الخاص وأساتذة جامعتي الخرطوم ومن بينهم الدكتور خدام الدي قام باعداد خرط المجاري وأشرف علي تنفيذها والمهندسون من جامعة السودان والمهنين الذين اسهموا بجهدهم الخالص لاكمال هذا الصرح الذي يضاهي مثيلاته في الدول المتقدمة وايضا السادة المهندسون الذين اسهموا في بنائه وتأسيسه....وكان ذلك تحت اشراف كل المسئولين بالدولة استشعارا منهم بأهمية هذا المشروع الأنساني الكبير الذي في مجمله يسعي لتخفيف العبء علي اطفالنا في السودان
    ومن الجهات التي يجب ذكرها سلاح المهندسين الذي قام بحفر البدرون فقد تبرعت منظمة الدعوة الاسلامية ببناء البدرون وتبرع المهندس حبيب أحمد الطيب واخوه المهندس عمر أحمد الطيب بالعمل الخرساني لثلاث طوابق وقامت الشركة اليابانية كنوكيا وشركة مونتاج بالعمل الخرساني لطابق أخر وتم اكمال العمل الخرساني للطوابق الأخري بواسطة عمالة مباشرة كما قامت بتركيب المصاعد شركة بيطار التي تبرعت بها سستر امانويل من فرنسا وتمت المباني بايدي المقلولون من سوق السجانة انجزوا هذا العمل الضخم ببناء كل الأقسام وفي وقت قياسي أما سائقي واصحاب القلابات واللوراي الذين تبرعوا بما تحويه عرباتهم من رمال وخرصانة وطوب برضاء تام كمواطنين سودانين مخلصين
    بالنسبة لمواد وقيمة تركيب الأبواب والشبابيك وبارتشنات العنابر بالألمنيوم فقامت به منظمة اللوتري الخيرية وتبرع السودانيون الكرماء بشارع الحرية بكل المواد الثقيلة للكهرباء وقد اسهم السيد صلاح ادريس وعقيلته بجدة بالكثيركما تبرع به سعوديون ووفروا خرط التكيف المركزي وتبرعوا بانابيب الأوكسيجين النحاسية والأنارة.كما قام السيد محمد عثمان فضل من الشارقة بالأمارات العربية المتحدة بشراء أجهزة الأوكسجين والتوصيلات الهامة الأخري.
    وشاركت الجهات التالية من المملكة العربية السعودية في دعم المستشفي وهم مؤسسة الحساوي والتي اسهمت بكل احتياجات المجاري والحمامات البريطانية الصنع ومؤسسة شروق للرخام، مؤسسة سعود وناصر الحازمي ، مؤسسة الخالدية العالمية ، شركة سعد الحربي الذين قدموا
    4
    تبرعاتهم العينية لصالح المستشفي و قامت توكيلات باعبود للتجارة والملاحة بجدة بنقل كل المواد التي توفرت الي بورتسودان ومن ثم الي الخرطوم بواسطة السادة ادارة السكك الحديدية وشركات النقل الوطنية
    قام بوضع خرطة التكيف المركزي وتركيبه الأستاذ الدكتور يحي حسن حامد أستاذ التكيييف بكلية الهندسة جامعة الخرطوم......والحمامات قام بها الدكتور محمد أحمد خدام ووقف شخصيا علي تركيب كل المعدات وشبكة الصرف الصحي وساعدته شركة الصرف الصحي بالخرطوم في هذا العمل الحساس والمضني...اما الشركة السوانية للصرف الصحي فقامت بالتبرع بمواسير تحت المبني الخرصاني واعدوا خرائط لتصريف المياه تحت المبني وتصريفها لبئر صممت اساسا لهذا الغرض. وقامت اداره منظمة الأمم المتحدة بتوفير البرامج المتكاملة وشبكة المعلومات ورصد المرضي ونقل نتائج فحوصاتهم عبر الجهاز الالكتروني اما شبكة التلفونات لكل المبني فقد تم استجلاب معداتها بالمجان من الأسوق بشارع الحرية
    تبرعت بالأجهزة المختلفة الجمهورية الألمانية ومن بينها جهازين كاملين للأشعة ( سيمنز) وأجهزة تشخيصية أخري ومعدات معملية كثيرة من انجلترا والسويد والدول الأوربية الأخري وكوريا الجنوبية..... وتجبرني في هذه السانحة ان العمل لم يكن مكتملا الا بمساعدة هؤلاء وغيرهم وأشكر الله العظيم بمنحي الفرصة بذكر البعض من الذين قاموا بهذا العمل المتكامل لتثبيت حقهم في الدنيا قبل جزاء الاخرة وما الجزاء الا من عند الله العزيز الكريم. هذا وقد كتبت اسماء جميع المتبرعين في كتيب وزع للحاضرين في حفل الأفتتاح كما كتبت أسماءهم علي قطع رخامية في مدخل المستشفي الرئيسي.


    يختلف عمل المستشفي التخصصي اختلافا كبيرا من قسم طواريء الأطفال... فهو قسم للحالات التخصصية وكان به 16 تخصصا لأجزاء الجسم المختلفة ومجهزة تجهيزا كاملا باسليب الفحص والعلاج الذي لم يكن متوفرا في السودان قبل ذلك... وطبقت فيه كل السبل المبتكرة في العناية بالأطفال وحوجة البلاد لها.. كما كانت النظرة بعيدة في احتواء المشاكل الطبية الخطرة التي تمثل سببا عاليا في الوفيات والاعاقة في السودان... فأنشأ فيه قسما للعناية المركزة للأطفال حديثي الولادة وقسما في الطابق الأرضي لاستقبال الأطفال أكبر سنا مربوط بجهازحاسوب مركزي مسئولين عنه سسترات مدربات علي هذا العمل بانجلترا
    كانت هنلك أقساما للتخصصات لأعضاء الجسم المختلفة مثل القلب والرئة والكلي وغيرها وجهز لكل تخصص كتاب متكامل.... وأول ما بداء به العمل هو تدريب العاملين بواسطة خبراء بريطانيين لتدريب الأطباء والسسترات والكوادر الصحية الأخري علي الأجهزة المختلفة بما فيها أجهزة الأطفال حديثي الولادة والحضانات.... كما كانت هناك دورات تعليمية وتدريبية بصورة دائمة في مجالات التخصصات المختلفة بذوي التجربة والمعرفة من السودانيين من داخل وخارج السودان يعينهم علي ذلك مختصين من دول أوروبية خاصة بريطانية كما توفرت فرص البعثات الخارجية للعاملين بالمستشفي في هذه الدول
    5
    وجيء بالمتخصصين في مجال السلامة بالاضافة لكتابة ضوابط العمل مثل ضباط وجنود قسم الحريق وأمن المستشفي من ضباط وجنود أمن الدولة حفاظا علي الممتلكات والمعدات والأجهزة والدواء كما تمت الاستعانة بالمهندسين من جهات مختلفة وتجدر الاشارة أن هذا العمل تم برضاء تام وبنخوة سودانية علي حساب وقتهم الخاص دون أجر.
    عمل المستشفي التخصصي يختلف اختلافا كبيرا من قسم طواريء الأطفال... فهو قسم للحالات التخصصية وكان به 16 تخصصا كما أسلف ذكره سابقا مجهزة تجهيزا كاملا باسليب الفحص والعلاج الذي لم يكن متوفرا في السودان قبل ذلك... وطبقت فيه كل السبل المبتكرة في العناية بالأطفال وحوجة البلاد لها.. كما كانت النظرة بعيدة في احتواء المشاكل الطبية الخطرة التي تمثل سببا عاليا في الوفيات والاعاقة في السودان... فأنشأ فيه قسما للعناية المركزة للأطفال حديثي الولادة وقسما في الطابق الأرضي لاستقبال الأطفال أكبر سنا .بطريقة علمية مع نقل المعلومات عن كل طفل الي مركز بعيدا عن المرضي تتابع فيه الحالات عن طريق الحاسوب الالي بواسطة سسترات مدربات علي هذا العمل بانجلترا ضمن برنامج التعليم والتدريب في كل الأقسام الأخري.
    وكان هنلك أقساما للتخصصات لأعضاء الجسم المختلفة مثل القلب والرئة والكلي وغيرها وجهز لكل تخصص كتاب متكامل للأطباء العاملين.... وأول ما بداء به العمل هو تدريب العاملين بواسطة خبراء بريطانيين لتدريب الأطباء والسسترات والكوادر الصحية الأخري علي الأجهزة المختلفة بما فيها أجهزة الأطفال حديثي الولادة والحضانات.... كما كانت هناك دورات تعليمية وتدريبية بصورة دائمة في مجالات التخصصات المختلفة بذوي التجربة والمعرفة من السودانيين من داخل وخارج السودان يعينهم علي ذلك مختصين من دول أوروبية خاصة بريطانية كما توفرت فرص البعثات الخارجية للعاملين بالمستشفي وتم تدريب سسترات في ليفربول والتغذية في جامعة لندن وأخريات ذهبن الي هولندا للتدريب ونيل شهادات عليا في مجالهم.


    وجيء بالمتخصصين في مجال السلامة بالاضافة لكتابة ضوابط العمل مثل ضباط وجنود قسم الحريق وأمن المستشفي من ضباط وجنود أمن الدولة حفاظا علي الممتلكات والمعدات والأجهزة والدواء كما تمت الاستعانة بالمهندسين من جهات مختلفة وخاصة مهندسى النقل النهري لتوصيل المياه العذبة للمرضي وامنوا علي توفير 80 طنا من المياه في أعلي المبني مع تركيب أجهزة انزارللمياه بالبدرون حتي لا تغمره وهي تحوي علي 80 طنا أخري كما قاموا بتركيب أجهزة تنقية للمياه... أما بخصوص المجاري فوقف عليها المهندس البروفسير خدام من جامعة الخرطوم والمهندسين من مجاري الخرطوم فأبلو فيها بلا حسنا ومن المهندسين التابعين للمياه الجوفية للتخلص من المياه تحت الارضيات الخرسانية وأسهموا في حفر بئر لتحويل المياه اليها. وتجدر الاشارة أن هذا العمل تم برضاء تام وبنخوة سودانية علي حساب وقتهم الخاص دون أجر.
    وهذه نبزة قصيرة عن بناء وتاثيث مستشفي جعفر ابن عوف الذي ظل يخدم أطفال السودان . حضرت كل هذه في النبذة التعريفية للمستشفي ووزعت لكل الحاضرين في حفل افتتاح المستشفي الجديد
    6
    قام السيد رئيس الجمهورية بافتتاح المبني الجديد كأكبر مركز علاجي تخصصي للأطفال مكون من سبع طوابق بسعة 270 سريرا وستة عشر تخصصا للأطفال مزودة بكل التقنيات الحديثة والمتطورة للفحص والأساليب العلاجية بالاضافة لعدد 230 سريرا للحالات االطارئة والحرجة في عام 2002.... ومن بين تلك الأقسام قسم الأطفال حديثي الولادة وبه 65 حضانة تبرع بها السادة السفراء للبلاد الغربية والسودانيون وحضانات نقل تعمل لساعات طويلة وبها ينقل الأطفال المرضي من أقصي شمال وجنوب وغرب وشرق السودان علما بأن نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة في السودان تعتبر من أعلي النسب في عالم اليوم . كما تم تأسيس قسما للأطفال للعناية المركزة للأطفال الأكبر سنا بعد الشهر الأول من العمر ... وايضا تم تركيب الأوكسجين المركزي لكل الأسرة والتكيف المركزي والعمل علي نظام الحاسوب بتوفير المعلومات لكل مريض الشيء الذي أسهمت به مكاتب الأمم المتحدة علي حسابها الخاص.
    الأعمال التي قامت بها المستشفي:
    ظل المستشفي يعمل بطاقته القصوي ويتردد عليه بما يزيد من ثلاثين الف طفل شهريا يدخل منهم حوالي خمسة الف للعناية الطبية والمركزة وظلت نسبة الوفيات فيه أقل من 1 % طيلة هذه الفترة بجهد العاملين فيه علي اختلاف درجاتهم وتخصصاتهم....وذلك بالرغم من تعقيد واختلاف الحالات التي ترد اليه من كل انحاء السودان ناهيك عن سكان العاصمة القومية الذين يتمتعون بقرب المسافة .... كما تجدر الاشارة بأن كل الخدمات فيه تقدم بالمجان حسب قرارالسيد رئيس الجمهورية الحكيم لانقاذ حياة الأطفال نتيجة للظروف المادية التي تمر بها الأسر السودانية فله الشكر والتقدير وما الشكر الا من عند الله.
    وبالاضافة للخدمات العلاجية، فكان المستشفي يقوم بتدريب طلاب الطب والأطباء ونواب الأخصصايين علما بأنه تخرج منه عددا كبيرا من الأخصائين الذين يعملون فيي الولايات المختلفة بتجرد تام ومنهم من قام بانشاء مستشفي أو قسما للأطفال في موقع عمله.ويقوم المستشفي ايضا بتدريب كل الكوادر الطبية الأخري التابعة لوزارة الصحة.
    يظن البعض أن كل العمل الذي انجز في مستشفي حوادث الأطفال ولاحقا مستشفي د. جعفر ابن عوف التخصصي كان هو الغاية . ..لم يكن العمل بهذة البساطة بل امتدت خدمات المستشفي لتفي حاجة المواطنين في كل أرجاء السودان وكان الهدف هو تقديم خدمات لهم أينما كانوا... فقد اسهمت المستشفي في بناء وتأثيث اقساما ومستشفيات للأطفال حماية لأرواح الأطفال من شرور الأمراض وهذه الموسسات العلاجية تقف شامخة وتؤدي دورها في المجتمع السوداني في كل أنحاء السودان هذا ولم تبرز مشكلة في أي مكان الا وكانت مستشفي الأطفال بالخرطوم تجد الحلول لها بشتي الطرق...ومنها علي سبيل المثال توزيع وتوصيل الأدوية التي كانت تتبرع بها ألمانيا الغربية والغذاءات التي تأتي من السوق الأوروبية المشتركة التي كان يتم توزعيعها عبر الهلال الأحمر والصليب الأحمر وكان علي المستشفي دورا اشرافيا مع تحديد الكميات لكل أقسام الأطفال بما فيها أقسام الأطفال في مراكز العلاج التابعة للسلاح الطبي والشرطة.
    7
    أسهمت المستشفي في اعادة تأهيل ستينن مركزا صحيا بولاية الخرطوم علي نفقة منظمة اغاثة الطفولة البريطانية وعلي رأسها سمو الأميرة and#65153;ن عند زيارتها للمستشفي وكان قد تم تسليمها وثيقة مدروسة ومتكاملة فقامت المنظمة بتأهيل المراكز وتوفير كل المعينات بما فيها الاسعافات.. كما أسهمت المستشفي في بناء وتأثيث 4 مراكز صحية ومستشفيات في شمال السودان بدعم من منظمات سويسرية وغيرها و4 في جنوبه بمنطقة جونقلي من فرنسا وكما أوجدت اقساما في شرق السودان وغربه في زالنجي ووسطه في الجزيرة والمناقل بالتعاون من البرامج الصحية العاملة في تلك المناطق مثل المشروع العالمي ويسمي بمشروع النيل الأزرق لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة المياه
    تم أنشاء مركزا للعنلية بالأطفال الأصحاء بمركز الطفولة والأمومة بالقرب من مدرسة كمبوني(under five clinic) وفيه كانت تتم مساعدة الأمهات في الحفاظ علي صحة ابنائهن وكذلك توفرت فيه خدمات للتحصين من الأمراض المعدية بالأمصال...هذا بالاضافة لمركز لعلاج المعوقين بمشاكلهم المختلفة مثل أمراض العيون واالسمع والتخاطب والمشاكل الخلقية الأخري وما الي ذلك في خدمات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وبعدها تم فتح مدرسة لهم في احد المنازل الحكومية في وسط الخرطوم بالتعاون مع وزارة الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة ومستشفي حوادث الأطفال جلب لها المختصون في رعاية هؤلاء الأطفال
    كان للمستشفي دورا رائدا في توفير المعلومات الصحية والاحصائية لوزارة الصحة والتي استفادت منها الجامعات في تدريس طلبتها ....كما تم اجراء البحوث والدراسات الطبية المختلفة في أمراض الطفولة وهناك العديد من المنشورات الطبية في المجلات العالمية ويمكن التأكد من وجودها بسهولة تامة ...كما استعملت هذه المعلومات بواسطة هيئتتي الصحة العالمية واليونسف في برامجها المختلفة وهناك امثلة عديدة منها علي سبيل المثال البحوث في الارواء بمحلول التروية في معالجة حالات الاسهالات التي كانت تفتك بأرواح الكثيرين من الأطفال وكانت ضمن الوثائق التي بني عليها مشروع معالجة الأسهالات العالمي لكل الدول.
    يعتبرهذا تاريخا مبسطا لواقع خدمات الطفولة في السودان الا أن هناك انشطة قامت بها المستشفي حيال المشاكل سؤ التغذية والوبائيات التي مرت علي البلاد عبر السنوات الطويلة...فكانت هناك مجاعات نتيجة لظروف طبيعية وما كان من المستشفي الا بالتحرك السريع لاحتواء هذه المشاكل مثلما حدث في نزوح المواطنين بأمدرمان وشرق السودان بالتعاون مع مسئولين من وزارة الصحة القومية ومنظمتي الصحة العالمية واليونسف بالاضافة لأخصائي التغذية وذلك بعد انشاء أقساما للتغذية في المواقع المختلفة وجلب لهذه المراكز الغذاءات اللازمة للمواطنين المتأثرين حماية لأرواحهم وأروح أطفالهم ...
    أما بالنسبة للوبائيات الكثيرة التي حدثت في الخرطوم مثل وباء الدفتيريا الذي ألم بالأطفال والكبار وأصبح هاجسا في المجتمع... وغيرالخرطوم وقعت أوبئة مختلفة في الولايات الأخري خاصة غرب السودان فقد قامت المستشفي بتهئية المكان لاستقبال الحالات وايضا فتح عنابر في المدارس اثناء العطل الدراسية وذلك بالاضافة للسفر الي مواقع الأوبئة اينما حلت لعلاج
    8

    المواطنين ومنطقة دارفور كمثال وذلك ايقاف الوباء عند حده بواسطة الأخصائين في المجالات المختلفة ومن بينهم ادارة المعامل للوصول لسبب الوباء.

    كانت مستشفي حوادث الأطفال هي الملجأ الأكبر لمعظم البحوث التي أجريت بين الأطفال كان ذلك بواسطة الأخصائين او كجزء من مراحل التعليم الهامة للتخصص بين نواب الأطفال الذين درسوا في جامعة الخرطوم أو المجلس القومي للتخصصات الطبية وتحسب هذه بالمئات وجميعها موجود بمكتبات جامعة الخرطوم بقسم الدراسات العليا أو المجلس القومي... كما قام البعض بتوجيه البحوث للصحة العالمية كبحوث يستفاد منها في البرامج العالمية ومنها علي سبيل المثال مرض السحائي وتغذية الأطفال اثناء الاسهلات وايضا اسهمت في كتابة البرامج الصحية لاقليمي شرق الاستوائية وشرق السودان وبرنامج الاسهالات القومي وكلها ادرجت ضمن البحوث العالمية ونشرت بواسطة هيئة الصحة العالمية... أما من ناحية الجامعات فهناك العديد من البحوث لطلاب الطب والدراسات العليا وجمميها موجود في الجامعات.... هذا الكم الهائل من البحوث أسهم كثيرا في تطوير الخدمات الصحية للأطفال في البلاد.


    علم طواريء الأطفال تخصص قائم بذاته فالطفل لا يمرض بالتدريج بل مشاكله تحدث دائما فجاءة لذلك يحسب مرض الطفل بالأيام او الساعات وليس بالأسبايع مثل أمراض الباطنية وهنا نذكر منها البعض مع توضيح مضاعفاتها حتي يتبن للحضور الكريم أهميتها خاصة في ظل الظروف التي نعيشها الان.... الطفل المصاب بالتشنجات وأسبابها كثر ويمكن ان تؤدي للوفيات أو المضاعفات الدائمة للطفل المصاب... أما بالنسبة للاسهالات والحمي المصحوبة بكحة فهذه تمثل سببا لعشرات الاسباب ان لم تكن مئات وعند احضار الطفل للعلاج تكتشف الأمراض الحقيقية وراء هذه الأعراض وعلي الأخصائي ان يقوم ياكتشافها وعلاجها ... لذلك يمتد العلاج الي المشكلة الرئيسية والمرض العرضي المصاب به الطفل.... وهنا نود أن نوضح أن الأعراض ثمثل جزأ من المرض وليس كله ..علما بأنه لا يوجد مريض بين الأطفال لا يحمل في طياته مرض اخر مثل أمراض التغذية الحادة وضعف الدم وتاخر النمو وأمراض القلب والكلي وغير ذلك.


    طواريء الأطفال تقودنا الي المرحلة الثانية وهي مرحلة العناية المكثفة وليس العكس وفي المرحلة الحرجة التي تواجه الطفل يتم اسعافه في قسم الطواريء لاجراء الاسعافات الأولية واستقرار حالته قبل نقله للعناية المكثفة .... ثانيا ان اي تأخير في الاسعافات الأولية له عواقبه واثاره الجانبية وقد يكون اثرها باقى كمضاعفات دائمة مدي الحياة.... ثالثا كل المساعي تدور حول تخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال فيظل الزمن محسوبا بالدقائق في اكتشاف الأمراض بسرعة فائقة واتخاذ الاجراء العلاجي اللازم قبل فوات الأوان .. ثالثا فان توفيراسعافات لنقل المرضي من المستشفي الي المستشفيات الطرفية لن يكون بديلا للخدمات الصحية السريعة - وانما تضيف زمنا غاليا يحتاجة الطفل خاصة في المجتمعات التي تشابه حالة السودان.... رابعا ما هو الزمن الذي تأخذة الأسعافات في الطرق المزدحمة وهل يوجد أطباء كافين لمتابعة المريض أثناء تحويله الي مستشفي أخر... وأخير من المسئول عن الوفيات التي تحدث أثناء نقل المرضي.
    9
    أرجوا أن تكون النقاط الهامة في العناية بأطفالنا قد أبرزت الصورة بطريقة واضحة علما بأن اطفالنا هم أمل هذه الأمة ومستقبلها باذن الله تعالي.... تم الذكر ان للطفل مسئوليات عديدة منها المسئولية امام الله العزيز الكريم والدينات المختلفة والمسئوليات الصحية في البلاد والجهات العالمية ولا يمكن لفرد من غير هذا التخصص أن يبديء رائه الشخصي كأنه أمر يجب تنفيذه فهناك مردودات ومشاكل كثيرة تعتري هذه القرارات التي لم تبني أصلا علي الطرق العلمية ولم يسأل منها اصحاب التجربة والخبرة في هذا المجال الحساس...... كما نرجو مراجعة عنوان الصحة العالمية في اجتماعها العام في سنة 2010 وهي تدون بكل وضوح عنوانا واضحا في مجلدتها بهذا النداء "لنخفض معا وفيات الأطفال بتقوية خدمات الطواريء للطفل في المستشفيات". ونأمل ان يصبح ذلك عنوانا صادقا لخدمات الطفولة في السودان.


    التكسير والتهديم
    في غياب مدير المستشفي ومؤسسها في 2004 فقد فقد الكثيرمن معدات وأجهزة ومهمات ولحسن الحظ ان كل ما تحويه المستشفي والأقسام من أجهزة ومعدات كان مصورا وأوراقها الثبوتية ومصدرها موجود بحمد الله بالاضافة لشهادة العاملين والضيوف الكرام والسيد رئيس الجمهورية ووزير شئون رئاسة الجمهورية والمسئولين الذين حضروا الافتتاح .


    ما أصعيب البناء والتعمير وما أسهل التهديم والتكسير .. يقوم الأول علي معاني سامية وباسلوب مدروس وبعمل ظاهرأمام أعين الناس وبالكتابة الموضوعية .... والثاني لا صعوبة فية غير الكيد ووسوء النية ...فبينما يأخد العمل وقتا كبيرا وجهدا مضني فالاخر لا يحتاج للكثير من الجهد ويعتمد علي ايجار معدات تهدم وتكسر في ساعات... لماذا يكون التكسير خاصة وأن الشي الذي انجز لم يكن امرا شخصيا بل لدعم خدمات الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة
    وما يجدر ذكره أن هذه الضروريات أخذت وقتا طويلا وجهدا لا يقدر بثمن لتوفيرها وتركيبها بواسطة المهندسين مع اختلاف تخصصاتهم ....وتم ايضا تكسير المباني وهدمها والتي كانت كانت تؤدي دورا هاما في خدمات المرضي المحتاجين ....وأصبحت تلك المستشفي التي افتتحها سعادة السيد رئيس الجمهورية جزاه الله كل خير وزار فيها كل الأقسام مشيا علي الأرجل بؤرة تستضيف القطط والفئران والحشرات عوضا عن الأطفال المرضي التي بنيت من أجلهم.
    البناء مرة أخري
    بعد أن تعثرت الأمور طلب من مؤسس هذا المستشفي بروفسير جعفر ابن عوف سليمان العودة للعمل كرئيس لمجلس الادارة لانتشالها من الوضع التي أصبحت عليه بواسطة السيد رئيس الجمهورية ... وقام مع وكيل وزارة الصحة الدكتور كمال عبد القادر بتكوين مجلس ادارة من شرفاء هذه البلد وأمنائه فلم يعتذر أحد وحس جميعهم ان هذا التكليف مسئولية أمام الله والوطن ونهضوا بالكبرياء المعهود فيهم وشدوا الأحزمة كما قاموا باتصالتهم الشخصية برجال الخير لتأهيل المستشفي ودفعوا من مالهم الخاص لهذا الغرض السامي وفتحت مكاتب السيد جمال الوالي لاجتماعات مجلس الادارة.
    10
    بداء العمل بالمستشفي الجديد (نسبيا) بواسطة خيرة الرجال لتأهيل أربع طوابق ######ر لها المهندسون والعمال لهذا العمل في الطوابق وتم ترميم العمليات وازالة كل أعمال الالمنيوم لاتساخها وتغيرها بقطع جديدة بما فيها الأبواب والشبابيك والفواصل بين المرضي وتغيير الأرضيات والسقوفات واعداد صيانة الكهرباء وشراء بدائل جديدة وأحضر مكيفات جديدة للعنابر والأماكن الأخري وقاموا بأعداد تصميم الحمامات وتغيير اجهزتها وتوصيلاتها وشراء سرائر جديدة للمرضي...
    وفي تلك الفترة تم بناء مبني للمعامل كما بنيت 8عيادات محولة وعيادة لأجهزة القلب ورسم المخ والمعامل بأقسامها المختلفة وبنك الدم واجزخانة منفصلة للعيادات المحولة كما أعيد تأهيل 4 عنابر أرضية فزاد عدد الأسرة من 126 سريرا فقط كانت هي الباقية عند استلام المستشفي فغي 2007 لتصبح 298 سريرا وأضيفت كثيرا من المعدات والأجهزة للمستشفي والكوابل كما قام الأخصائون بجمع التبرعات لتاهيل اٌقسام الأطفال حديثي الأطفال ووحدة الكي والغدد الصماء والجهاز الهضمي وحدة القلب وقام السيد محمد الجيلاني بصيانة كل المعدات الالكترونية
    من جانب اخر كان هناك عملا دؤوبا لتصحيح مسارالمستشفي في النواحي الأدارية والمحاسبية كما اعيدت السجلات الطبية بما كانت عليه وتمت تقوية قسم السجلات الطبية والاحصاء وأصبحت المعلومات بالقدر المطلوب.. اضافة لذلك فقد كونت لجان للمرضي والوفيات والجانب الحسابي والمالي والاحصاء وغيرها تحت مدير مقتدر وظل يعمل الساعات الطوال في خدمة المستشفي دون كل أو ملل.
    يمكننا أن نتصور العمل الدؤوب والانجاز الحقيقي لهذة المرحلة الحرجة التي انجز فيها العمل بالتضامن والنخوة وظلت اجتماعات مجلس الادارة موصولة لنقاش ما تم وما بقي ووضع الخطط اللازمة للمراحل القادمة ولم يبخل أحد بالرأي الصواب للبناء والتعمير واعادة المستشفي الي صورتها السابقة وسجلت كل هذه في خطابات كانت ترسل للسيد وكيل وزارة الصحة وتم هذا العمل في ظرف 6 أشهر فقط....


    التهديم مرة أخري
    قام السادة ب. صديق عبد الوهاب ود. يحي محمد صالح برسم خرط جديدة لبناء 5 طوابق مع تحديد الكميات والأصناف كاضافة للمبني الجديد بطريقة حديثة تحوي اقساما هامة وهي أقسام الأشعة المكتملة واخر للصور المقطعية ثم طابق لأجهزة قسم القلب والصدر ثم طابق لقسم التغذية ويليه طابق لمكاتب الأطباء والسكرتارية وطابق لغرف المحاضرات وعليها قام رجل البر والاحسان من أهالي ام دوم بالتبرع بالسيخ والأسمنت والكوابل الكهربايئة وغيرها من مواد البناء وأوصلها للمستشفي علي حسابه الخاص.
    ثم حدث أمر هام في تاريخ هذه المستشفي اولهما تبعية المستشفي التي صارت تحت مسئولية وزارة الصحة الولائية بالخرطوم مثلها مثل المستشفيات الكبري والتخصصية الأخري في
    11
    العاصمة القومية علما بأنها كانت هذه المستشفيات تخدم المواطنين المترددين عليها من جميع انحاء السودان باعتبارها رأس المثلث في خارطة الرعاية الصحية الأولية التي يعتمدها السودان في تسييرالخدمات الطبية وتطويرها
    للطب أفرع كثيرة ومتنوعة لا يمكن لشخص بمفرده مهما طالت قامته وزاد علمه ان يعي بدقة كل ما يجري في أقسام العيون والعظام والجهاز الهضمي والعصبي والنساء والتوليد والأمراض النفسية ...وغير ذلك وقال تعلي لنبيه المختار شفيع الأمة " فبما رحمة الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعفو عنهم واستغفر لهم وشاورهم في ألأمرفاذا عزمت فتوكل علي الله أن الله يحب المتوكلين" صدق الله العظيم.... ولا يمكن ان يكون البديل للخدمات في المستشفيات المركزية التي تقدم دورا كبيرا في تقديم الخدمات الطبية لكل أرجاء السودان حسب الرعاية الصحية الأولية ولتعليم طلاب الطب والدراسات العليا والكوادر الصحية الأخريهو تجسيد الخدمات في مراكز طرفية.


    وتم قفل أقسام الأطفال في مستشفي حاج الصافي ومستشفي البان جديد وهي مستشفيات طرفية تخدم منطقة شمال الخرطوم بجري والمنطقة المكتظزة بالسكان في شرقه وهي منطقة الحاج يوسف... والسؤال المطروح هل من الممكن لهؤلاء السكان بالذهاب لمستشفي الأكاديمية وابرهيم مالك وبشائر.... ثم قفلت مستشفي سلامات الذي يخدم قطاعا هائلا في أركويت وما حولها في جنوب الخرطوم .. والأسئلة الحائرة ماذا سيحدث للسكان الذين يعيشون في المناطق التي تبعد من منطقة جنوب الخرطوم التي تقع فيها هذه المستشفيات الطرفية.. ثم ما هي النتائج المتوقعة في حال نقل الأطفال المرضي بأمراض حادة وطارئة الي تلك المستشفيات البعيدة عن سكن المواطنين.. وما مصير الطفل وقد أصابه تشنج أو فقدان سوائل وغير ذلك من الأمراض.. ومن هو المسئول عن الضحايا وهم ينقلون في الشوارع المكت(.........)ة بواسطة الاسعافات ويقوم سائقيها بنقل المرضي وتحديد مشاكلهم الطبية وأخيرا ما هي طول المسافة الذي نتحث عنها للوصول الي المستشفيات التي أعلنها كبديل للخدمات الطبية الموجودة حاليا في وسط الخرطوم.


    وبدلا من التجفيف والنقل لقسم الحوادث بمستشفي جعفر ابن عوف الذي ظل يعمل قرابة الخمسين عاما، كان من الأحري أن تنقل التجربة الناجحة بكل المقائيس الي المراكز الطرفية كما فعلت هيئتي الصحة العالمية واليونسف بنقل التجربة الي البلاد المجاورة بتوفير المعينات المعملية والأشعة والدواء للمرضي بالمجان حسب قرار السيد المشير رئيس الجمهورية.... وايضا ما هو السبب في نقل المرضي قبل الأطمئنان علي اهلية تلك المستشفيات لاستقبالهم وتوفير احتياجتهم الطبية خاصة وأن لجنة جمعية أخصائي الأطفال التي زارت هذه المستشفيات لم تكن مطمئنة علي نقل خدمات الحوادث الي تلك المستشفيات
    تم نشر معلومات في الصحف المحلية بأن هذا المستشفي لن تستقبل المرضي وعلي ذوي المرضي ان يتوجهوا الي مراكز أخري للعلاج "ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"... كما قام المسئولون في ادارة المستشفي بتعيين نفر من الناس في مدخل حوادث الأطفال بالمستشفي ليمنعوا الأطفال المرضي من الدخول والتوجه للمستشفيات الأخري انفة الذكر

    12
    وتجدر الأشارة أن ميزانية هذا المستشفي تأتي مباشرة من وزارة المالية القومية.. والسؤال الذي يليه علي من تكون مسئولية وفيات الأطفال التي حدثت وستسمر في الحدوث أثناء نقل المرضي بالمواصلات العامة وهي مسئولية امام الله العلي القدير قبل كل شيء....وما هي الاستعدادات في تلك المستشفيات بنقل المريض حينما يحتاج لفحوصات لا تتوفر بالمستشفيات الطرفية؟ وأخيرا هل تقوم هذه المستشفيات علي أساس مجانية العلاج؟ .....والاجابة لكل هذه الأسئلة يأتي بالنفي اذ يلزم علي اهل المريض دفع قيمة الفائل والفحص والدواء ....والنتيجة أن أغلب أهل المرضي يهربون من تلك المستشفيات ليعودوا الي مستشفي جعفر ابن عوف بغرض العلاج وهي تتلقاهم بصدر رحب.


    لا ندري حتي الان مغزي وفائدة قفل قسم حوادث الأطفال من موقعها بمستشفي جعفر ابن عوف وقد ظلت تقدم خدماتها للأطفال المرضي قرابة الخمسين عاما تدرب فيها العاملون وظلوا يقدمون خدمات متميزة يعرفها كل بيت سوداني كما أن المستشفي ظل مؤهلا تأهيلا كاملا بمعامله واجهزتة الكافية العديدة ويعالج ملاين الأطفال خدمة لهم ولزويهم وتخفيفا علي الدولة الكريمة التي يعيشون فيها فعلاج الأطفال أمر يؤكده الدستور وقوانين الصحة العامة المعتمدة في السودان .. أما بخصوص مرجعية المستشفي فقد قام السيد رئيس الجمهورية بتسميته مستشفي جعفر ابن عوف التخصصي للأطفال ولن يتم تغير الأسم الا بموافقته شخصيا
    وان صدق القول في مرجعية هذا المستشفي فهل يمكن نقل قسمي القلب والجهاز التنفسي من المستشفي المرجعي للأطفال الي مستشفي للكبار (ولعلمنا فان قسم الكلي سينقل هو الاخر). فماذا تعني مرجعية هذا المستشفي بعد نقل هذين القسمين الهامين في معالجة الأطفال المرضي. ولم يقصد بذلك الا التفتيت والتخريب في الخدمات الصحية للأطفال في سوداننا الحبيب... وقد أفنيت فيها السنوات لتأسيسها وما زالت تحتاج الي دعم مستمر ومن المؤسف حقا أن هذه الاجرءات لا تعود للمواطنين المساكين الا بخيبة الأمل والمصير المظلم وعلي الأطفال وهم أحوج ما يكونون لخدمات طبية أفضل ومتميزة تقيهم شرور الأمراض التي تفتك بهم علي مدار اليوم
    ما حدث لعنبر 15 فهذا عمل مزل للخدمات الصحية باعتباره احد اعمدة التاريخ في طب الأطفال فهذا العنبر قامت ببنائه منظمة سوسرية ووهبته كنواه لمستشفي حوادث الأطفال فماذا كان هو دوره في تطور خدمات الطفولة .... كان هذا العنبرملاذ لملائين الاطفال المرضي وهم الان يحتلون مناصب في الدولة ومنهم الأطباء والمهندسين والقضاء والمحامين ورجال الأعمال وغيرهم ... وفيه تدرب الأخصائين من كل التخصصات ومنهم عمداء لكليات الطب وجراحين واخصائي الباطنية والعيون والكلي والكبد والاشعة جراحة الأطفال وغيرهم وكلهم مرموقين في مجالتهم... وفيه تمت فيه البحوث العديدة التي اسهمت في تطوير خدمات طب الأطفال وكانت ملجا لتدريب النواب والأطباء عموما وأطباء الامتياز والسسترات والكوادر الصحية الأخري وأكثر من ذلك في الأهمية فكان النواة لبناء مستشفي حوادث الأطفال القديمة والجديدة
    ما هي المسئولية تجاه اطفالنا المحرومين الا من لطف الله وقدرته ...ونحن نتحدث عن تقليص عدد الأسرة بالمستشفي التي يحتاجها المرضي.... ويتم حاليا تهديم اقسام أمراض الدم وعنابر
    12
    أمراض سوء التغذية وقسم الأمراض المعدية بالطابق الارضي بالرغم من الحوجة اليها في معالجة هؤلاء المرضي وستظل هذه الحاجة طالما ان المشاكل الطبية تحيط بالسودان من كل جانب وبالعمل الطبي بصورة دائمة... فأمراض الدم الوراثية لا حصر لها وأمراض سوء التغذية تمثل 70 % من الأطفال اقل من خمس سنوات من العمر والأمراض المعدية لا يمكن نقلها للاقسام الداخلية خوفا من تفشي المرض بين الأطفال الأبرياء.... فهل سيتم نقلهم الي مستشفيات أخري سترا للموضوع .. وما بال العيادة المحولة التي نقلت لمكان بعيد من المستشفي وما هو العناء الذي يصيب المرضي وذويهم عند ما يطلب منهم اجراء فحوصات أو أشعة بالمستشفي. ومن المسئول عن الوفيات التي تحدث أمام المستشفي عنما يمنع الأطفال المرضي الدخول للمعالجة بالمستشفي...


    ------------------

    كيف استطاع الدكتور نافع علي نافع أن يقصي خصومه ..


    بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
    السبت, 13 نيسان/أبريل 2013 10:32



    يعتقد عدد كبير من السياسيين السودانيين, إن الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية قليل الخبرة بالعمل السياسي, و تظهر تلك في اللغة الاستفزازية التي يستخدمها, و بالتالي لا يستطيع أن يدير معاركه السياسية بمفرده, أنما يستفيد من قربه لرئيس الجمهورية, أو بالأحرى مجموعة العسكريين الذين يقبضون علي عصب السلطة, و الرأي يكون صائبا إذا كانت النظرة سطحية دون سبر الغور في تاريخ الرجل السياسي منذ قيام الإنقاذ, و لكن إذا تتبعنا معارك الرجل السياسية و كيف أدارها تؤكد أن الرجل بذكاء مكنه من كسب معاركه داخل السلطة, و استطاع أن يتخلص من الذين يعتقد أنهم يشكلون عائقا أمام طموحاته السياسية.



    معروف لدي كل السياسيين السودانيين أن الدكتور نافع هو مؤسس بيوت الأشباح, و التي كان قد عذب فيها عددا كبيرا من المعتقلين السياسيين, و استشهاد بعضهم نتيجة للتعذيب, ثم إشرافه الكامل علي خطة لمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا, و جاء إبعاده الرجل من جهاز الأمن و المخابرات الذي كان رئيسه, من قبل الرجل القوي في لنظام ذلك الوقت " الدكتور حسن الترابي" في ذلك الوقت كان الدكتور نافع تحت مظلة السيد علي عثمان محمد طه, و الذي لم يستطيع أن يشفع له عند الترابي, فأبعد عن واجهة السلطة, و بعد حادث الطائرة الذي مات فيه نائب رئيس الجمهورية الزبير محمد صالح و تم اختيار علي عثمان نائبا للرئيس, بدأ نافع يعود للعمل بطريق غير مباشر, و كانت علاقاته مع العسكريين في السلطة مستمرة بحكم موقعه السابق كرئيس لجهاز الأمن و المخابرات, حتى جاءت المفاصلة, و التي بموجبها حدث الانشقاق الكبير داخل الحركة الإسلامية, و لعب الدكتور نافع دورا كبيرا في المفاصلة في إقناع العناصر التي كانت مترددة في اتخاذ مواقفها, و عقب الانشقاق اقنع الدكتور نافع كل من عبد الرحيم محمد حسين و بكري حسن صالح أن النظام يجب أن يفتح الباب لعناصر من القوي السياسية الأخرى, لكي يشكلوا توازن للقوة في النظام مع بقايا الحركة الإسلامية, و الذين بقوا في السلطة حتى لا يشكل الإسلاميين أية أداة للضغط علي النظام في المستقبل, و قد أوكلت المهمة للدكتور نافع.



    كانت خطة الدكتور نافع في استقطاب القوي السياسية, أن لا يفتح حوارا مع القيادات التي في قمة الهرم, أنما يفتح الحوار مع قيادات الصف الثاني التي تتطلع إلي السلطة, و القيادات التي ليست علي وفاق مع قيادات تنظيماتها, و أول عمل هو الذي كان وراء اختيار احمد عبد الحليم سفيرا للسودان في مصر, بسبب إن الرجل بحكم علاقاته الطيبة مع كثير من القيادات المصرية, و في نفس الوقت مع بعض من قيادات المعارضة, و لديه القدرة علي أن يحدث اختراقا في القوي السياسية المعارضة, و بالفعل أن الرجل قد نظم اللقاء بين الرئيس عمر البشير و الشريف زين العابدين الهندي, ثم توالت عملية الاستقطاب من القوي السياسية للعناصر التي تبحث لذاتها موقعا في السلطة, و نجح الدكتور نافع في استقطاب عناصر من القوي السياسية, أحدث بها توازنا مع مجموعة الإسلاميين, هذا الفعل جعله أكثر قربا من الرئيس و من مجموعة العسكريين, و في نفس الوقت كان الدكتور قريبا من جهاز الأمن و المخابرات الذي قام هو شخصيا بتأسيسه و اختيار عناصره من الحركة الإسلامية في الأيام الأولي للإنقاذ, لذلك تجد هناك ولاءات من العديد من ضباط الجهاز لشخصه, و لم يقف عند ذلك بل استطاع أن يملأ نصف مقاعد السلطة التنفيذية من المقربين له في الجهاز, الأمر الذي جعلهم يدينون له بالولاء, و الغريب في الأمر إن المهندس صلاح عبد الله قوش هو نفسه صنيعة الدكتور نافع.



    لم تكن هناك عناصر كثيرة في مخيلة الدكتور نافع خاصة من الذين صنعهم داخل الجهاز أو غيره, كان الإشكالية كيف يستطيع تجاوز أثنين فقط لكي يصبح الطريق سالكا, الأول مجذوب الخليفة رحمة الله عليه, و الثاني علي عثمان محمد طه, الأول توفي في حادث حركة, الأمر الذي أتاح للدكتور نافع أن يصبح نائبا للرئيس لشؤون التنظيم بسند قوي من مجموعة العسكريين و جهاز الأمن و المخابرات, لكي يضعف الدور السياسي لعلي عثمان, و رغم إن قوش كان مواليا لعلي عثمان و لكن كان من مصلحته إضعافه لكي يصبح الطريق أيضا سالكا أمامه لأنه كان يعتقد أن الدكتور نافع ليس لديه القدرات القيادية التي تجعله يقف أمام طموحاته, و بدأ الصراع بين الدكتور نافع و علي عثمان بالضرب تحت الحزام, حتى ظهر في الواجهة الفريق صلاح قوش من خلال كرزمته التي لها مقومات أكبر من الدكتور نافع في المواجهة و القدرة علي الفعل المباشر, و هذه كانت نقطة الضعف عند قوش, استطاع نافع مع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين إبعاد صلاح قوش من جهاز الأمن و المخابرات لكي يحمله مسؤولية دخول حركة العدل و المساواة أم درمان, و إبعاد المسؤولية عن وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين, و ذهب صلاح قوش لمستشارية الأمن القومي التي حاول إن يلعب من خلالها دورا سياسيا يضعف دور نافع في الحزب, فأعلن عن الحوار الوطني مع القوي السياسية تقوده المستشارية تحت مظلة رئاسة الجمهورية الهدف منها إضعاف دور الدكتور نافع السياسي و إظهاره ليس لديه القدرة علي خلق مبادرات سياسية مع القوي السياسية تؤدي لوفاق وطني, و الثانية أن يكسب ود الرئيس الذي يقبض علي مفاصل السلطة و قراراتها, في هذا الوقت كان الدكتور نافع يجمع أخطاء الفريق قوش و يلفت نظر العسكريين لطموحاته الشخصية باعتباره هو الذي يملك القدرة علي صناعة الأحداث, و إذا نجح صلاح قوش في الحوار الوطني سوف يجد قوة كبيرة تقف من خلفه تدعم طموحاته الأمر الذي سيكون خصما علي العسكريين, لذلك تم أقناع الرئيس البشير بإبعاد الفريق قوش من المستشارية, و لم يجعل الدكتور نافع إن القضية متعلقة فقط بالفريق قوش أنما صور المسألة إن هناك تخطيطا من مجموعة الإسلاميين لإحداث تعديلات جوهرية في السلطة و وراء هذا التخطيط علي عثمان محمد طه, الأمر الذي تم فيه إبعاد علي عثمان من الشؤون السياسية المتعلقة بالتنظيم السياسي, و أوكلت إليه شؤون العمليات التنفيذية و إستراتيجية التنمية,



    و من هنا أصبح الدكتور نافع هو المتحكم في الحزب و العمل السياسي, و عندما عقد الدكتور نافع اتفاق أديس أبابا مع الحركة الشعبية باعتباره الرجل القوي في النظام استطاع علي عثمان تحريك العناصر الإسلامية و القريبة من الرئيس في رفض الاتفاق و يجب عدم قبوله, شعر الدكتور نافع أن خصمه ما يزال قويا و قادرا علي تحريك البساط من تحت أرجله متى ما أراد ذلك, لذلك حني رأسه للعاصفة, ثم جاءت عملية حركة الإصلاح التي يقودها الدكتور غازي صلاح الدين و التي أيضا كانت تريد أن تحدث تغييرا في القيادات السياسية, لكن علي عثمان كان يريد موقفا وسطا لا يجعله يخسر الرئيس إذا فشلت العملية, و العملية كانت تريد أن تعيد القوة و المبادرة لمجموعة الإسلاميين في السلطة مستفيدين من المحيط الذي حول البلاد, و الذي أحدثته ثورات الربيع العربي, هذه التحولات السياسية في المحيط كانت خصما علي الدكتور نافع, لذلك نجده ذهب بعيدا للبحث عن شراكة إستراتيجية في موسكو و بكين, و لكن تلك لم تخفف المعركة السياسية التي فجرها الإسلاميين, و استطاعت المعركة أن توضح ليس للدكتور نافع أية سند داخل الحركة الإسلامية, و تم إسقاطه من داخل المؤتمر و بعض مؤيديه, و لكن وضحت لصورة للدكتور لذلك جعل معركته في الخفاء مع الدكتور غازي, و بدأ يرصد كل تحركاته حتى جاء موقفه من قضية ترشيح الرئيس استنادا للدستور, لذلك استطاع أن يبعده من رئاسة كتلة نواب المؤتمر الوطني, رغم أن الوظيفة نفسها شكلية لآن البرلمان 99,9% مؤتمر وطني, و لكن لماذا أتخذه نافع لبرلمان لتصفية حسابه مع الدكتور غازي...! لآن البرلمان هو صنيعة الدكتور نافع و أغلبيتهم لا ينتمون للحركة الإسلامية أنما ينتمون للمؤتمر الوطني, و بالتالي يحاول الدكتور نافع أن يظهر قوته في المؤسسات التي صنعها, هذا الإبعاد كان بمثابة توجيه إنذار لآخرين, لذلك نجد إن الدكتور إبراهيم غندور بادر في أن ينفي أن هناك صراعا أنما هي تغييرات روتينية, الهدف من التصريح ليس النفي أنما تعديل موقف الرجل من الصراع باعتبار أن غندور نفسه كان قد صرح إن البديل للبشير هو علي عثمان لبقائه الطويل في السلطة, و لكن عندما أتضح للرجل أن هناك قوة تدير العملية بحنكة اضطر لتغيير موقفه من الصراع داخل الحزب, ثم هناك تصريحات الدكتور قطبي المهدي التي أكد فيها " ألان يمكن قبول الحوار مع قطاع الشمال علي أٍساس اتفاق أديس أبابا, و جعل الاتفاق مرجعية للحوار هو إعادة الاعتبار للدكتور نافع الذي كان قد أهين برفض الاتفاق و رد الاعتبار يعني انتصار للرجل علي مواقف الآخرين.


    أراد علي عثمان أن يفجر قضية من العيار الثقيل يعتقد أن الدكتور نافع لا تسعفه قدراته في الاقتراب منها, و هي ذات القضية التي لعب عليها الفريق صلاح قوش, و كانت سببا في إبعاده, هي قضية الحوار الوطني حيث التقي علي عثمان بعلي الحاج في ألمانيا لكي يكسب ود الإسلاميين داخل السلطة و خارجها, و أن يفتح معركة لا يستطيع الدكتور نافع الاقتراب منها, فعقد مؤتمرا صحفيا و نادي فيه بالحوار الوطني, ثم عاضده الرئيس بخطابه في البرلمان, و أصبحت القيادات في السلطة تتحدث عن الحوار, و أطلق سراح المعتقلين السياسيين الستة, و كان يجب علي الدكتور نافع أن يبين قدرته و قوته في الصراع, لذلك لم يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين في سجون النظام, ثم زاد التضييق علي حرية التعبير و الصحافة, و إبعاد غازي صلاح الدين إشارة أن النظام لا يقبل الرأي الأخر, حتى داخل صفوفه و يخلق حالة من التشكيك و إبعاد رئيس تحرير جريدة الصحافة النور احمد النور و هو من الإسلاميين الذين ذهبوا مع المؤتمر الشعبي ثم تراجع عن موقفه دون الانخراط في المؤتمر الوطني, و قد كان أول من كتب مؤيدا الحوار, ثم جاء التحقيق مع عدد من الصحافيين و مدير مكتب الجزيرة, و كلها نشاطات يقوم بها جهاز الأمن و المخابرات بهدف إجهاض عملية الحوار الوطني التي نادي بها النائب الأول لرئيس الجمهورية و هي تعتبر جزءا من الصراع في السلطة, رغم إن الكتلتين ليس لديها أية علاقة بقضية الديمقراطية و لا اعتقد أنها سوف تتبني أية حوارا جادا يؤدي لوفاق وطني, و لكن شعارات الحوار هي جزءا من شعارات مرحلة يضطرهم إليها الصراع الداخلي.


    إذا نظرنا لموقف الرئيس البشير من الصراع نجده قد أيد قضية الحوار التي نادي بها نائبه الأول, من خلال خطابه في البرلمان و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. و لكنه أيضا سكت عن نقد الإجراءات التي اتخذها جهاز الأمن و المخابرات, و هي إجراءات الهدف منها تعطيل عملية الحوار, و يعلم الرئيس وراء هذه الإجراءات الدكتور نافع, ثم موافقة الرئيس علي إبعاد غازي من رئاسة كتلة المؤتمر الوطني في البرلمان, كل هذه الإجراءات يعلمها الرئيس و يريد أن يقف في منطقة أوسطي في هذه المرحلة لكي يشغل الناس بأنفسهم و يكشف مواقف الآخرين من الصراع.



    القضية الأخرى التي يجب الإشارة إليها عندما ترك كل من محمد الحسن الأمين و الدكتور الحاج أدم حزبهم المؤتمر الشعبي, قال الدكتور الترابي هؤلاء ضغطتهم ظروف الحياة و أصبحوا يبحثوا عن معايشهم, و لكن كان الاثنان قد صرحا أنهم جاءا إلي المؤتمر الوطني و أنهما سوف يلعبان دورا من أجل التقارب و توسيع دائرة الحوار, و بعد أيام قلائل نجد إن الرجلين تغيرت لغتيهما و أصبحا يتخذان المواقف الحادة ضد المعارضة, و شن حرب كلامية ضدها, إن تغيير هذه المواقف تؤكد أنهما قد تبين لهما إنهما يجب أن يسيرا في الخط المرسوم داخل التنظيم, و إلا سوف يحرقا كسياسيين, لذلك كانا ملوك أكثر من الملك, مما يؤكد قدرة الدكتور نافع علي التأثير علي الآخرين و من الصورة نجد أن الدكتور نافع يراهن علي حزب المؤتمر الوطني بعيدا عن مجموعة الإسلاميين التي تستظل بمظلة علي عثمان و يراهن علي جهاز الأمن و المخابرات الذي أغلبية عناصره ولاء للدكتور نافع و أيضا يراهن علي المؤسسة العسكرية من خلال العسكريين الذين يعتمدون عليه سياسيا. و نحن نسأل الله يكف الشعب شرور هذا الصراع.


    zainsalih abdelrahman [
                  

04-16-2013, 05:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    غازي صلاح الدين والطريق المسدود أمام فكرة ‘الإصلاح من الداخل’د. عبدالوهاب الأفندي
    April 15, 2013


    تمثل إقالة د. غازي صلاح الدين من موقعه كرئيس للهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني رابع أو خامس ضربة يتلقاها مشروع الإصلاحيين من داخل المؤتمر الوطني، وهي فكرة قديمة جديدة لم يكتب لها يوما النجاح، ولكن يبدو أن شهادة وفاتها قد كتبت أخيراً. وكانت أول مغامرة إصلاحية دخلها د. غازي بدأت حين تولى الأمانة للمؤتمر الوطني في عام 1996، حيث سعى لأن يجعل من الحزب مؤسسة سياسية فاعلة، ولكنه ما أن نجح جزئيا في ذلك حتى قرر أولو الأمر انتزاع قيادة الحزب منه، لأن المؤسسة أصبحت أهم من أن تترك في يده.
    تمثلت القفزة الإصلاحية التالية في مذكرة العشرة التي قدمت لمجلس شورى المؤتمر الوطني عام 1998، وقصد منها إعادة توزيع السلطات داخل الحزب الذي كان وقتها حاكما، وذلك عبر تقليص صلاحيات أمين عام الحزب لصالح الجهاز التنفيذي في الدولة. وقد قيل الكثير عن ‘مذكرة العشرة’، ولكنها في جوهرها كانت خطوة متقدمة لممارسة الديمقراطية داخل الحزب، وعبر مؤسساته، حيث أنها قدمت وفق دستور الحزب الذي يتيح لأي عشرة من أعضاء مجلس الشورى تقديم تعديلات على نظمه ولوائحه، على أن ينظر فيها مجلس الشورى فيجيزها أو يرفضها.
    وقد نظر المجلس في التعديلات وأجازها. ولو قبل الجميع بهذا السلوك الديمقراطي لربما ساهم ذلك في تثبيت مؤسسات الحزب وتعزيز مشروعيتها، وبالتالي تعزيز مشروعية الدولة ومؤسساتها. ولكن ما وقع فيما بعد هو الذي دمر الحزب وأفرغ مؤسسات الدولة من محتواها. ذلك أن الصراع الذي حسمه مجلس الشورى انتقل إلى مؤسسات أخرى، حيث أصبح الحزب ومؤتمراته ساحة صراع، ثم انتقل الصراع إلى البرلمان ثم بين البرلمان والسلطة التنفيذية، وأخيراً تم استخدام الجيش والمؤسسة الأمنية لحسم الصراع بالقوة.
    وهكذا تحول مشروع إرساء الديمقراطية داخل الحزب وتوزيع السلطات في الحزب والدولة إلى تركيز أكبر للسلطات في يد واحدة. وقد اصطدم د. غازي بهذا الواقع حين وقع الخلاف حول اتجاه مفاوضات السلام مع الجنوب، حيث أجبر على تسليم الملف بعد أن حقق أهم اختراق فيه عبر توقيع بروتوكول ماشاكوس عام 2002. وهكذا تكررت قصة الحزب، حيث رؤي مرة أخرى أن ما تحقق من نجاح يستلزم أن يجني الثمار من هم أكبر حجما ووزنا داخل المؤسسة الحاكمة.
    في العام التالي ترشح غازي لأمانة ‘الحركة الإسلامية’، وهي ‘النافذة الإسلامية’ التي أنشأها المؤتمر الوطني في داخله لاستيعاب تطلعات عضويته الإسلامية ومنافسة المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الشيخ حسن الترابي، وكسر احتكار الأخير للحديث باسم الإسلاميين. ولكن غازي منع من تولي ذلك المنصب عبر ضغوط قوية من أعلى المستويات، وتحايل منظم على قواعد الانتخاب (سماه بعضهم تزويراً). وآلت الأمانة وقتها لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه، الذي ظل ممسكا بها حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث ظلت الحركة تحت قيادته في سبات عميق.
    في نفس الوقت، تم إقصاء غازي من كل مواقع صنع القرار، رغم بقائه في منصب مستشار لرئيس الجمهورية. ولكن الأحداث فرضت عودته إلى الساحة بعد أن أصبح المحاور المفضل لمبعوث الرئيس باراك أوباما للسودان، سكوت غرايشون. وقد فرض هذا بدوره توليته أهم ملفين في السودان في ذلك الوقت، هما ملف دارفور وملف العلاقة مع الحركة الشعبية. ولكن ما حدث مع نيفاشا والحزب تكرر، حيث ما أن أدى غازي المهام الموكلة إليه عبر إنجاز اتفاق الدوحة حول دارفور، وانتهاء الحوار مع الحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب، حتى تم إقصاؤه من جديد.
    في العام الماضي تم إيقاظ هذه ‘الحركة الإسلامية’ من موتها السريري لمواجهة تحد جديد، تمثل في الانتفاضة الشبابية وسط كوادر المؤتمر الوطني وأنصاره من الإسلاميين ضد سياسات رأوا أنها كرست الفساد والدكتاتورية والفشل وقسمت البلاد.
    ورغم أن غازي لم يتبن رسمياً مواقف الشباب، إلا أن قناعة نمت وسط هؤلاء بأنه كان الأقرب إليهم بفكره وتوجهاته. ولهذا السبب كانوا يرون في توليه منصب قيادة الحركة فرصة لإسماع صوتهم. ولكن أهل الشأن في المؤتمر الوطني كان لهم رأي آخر، فحشدوا كل إمكانياتهم لدفن الحركة مرة أخرى وإرسالها إلى القبر الذي بعثت منه، وقد كان.
    لم تكن مصادفة أن أعلن عن ‘المؤامرة التخريبية’ المتهمة فيها عناصر محورية من الجيش عقب هذه النتيجة الكارثية لمؤتمر ما سمي بالحركة الإسلامية، لأن الصدام بين دعاة الإصلاح وخصومه داخل النظام أصبح حتمياً. وعليه أعلن عن هذه ‘المؤامرة’ الاستباقية كخطوة أولى لتصفية العناصر المشكوك في ولائها لمن بيدهم السلطان. وقد توقع الكثيرون أن يعلن غازي موقفه بحسم من الأوضاع كرد فعل على هذه الضربات القوية لكل آمال الإصلاح من الداخل، ولكنه لم يفعل، مما خيب آمال الكثيرين من أنصاره.
    هذا لم يشفع له عند شركائه في المؤتمر الوطني، كما يظهر من القرار الذي اتخذ على عجل بإقصائه من رئاسة الهيئة البرلمانية، بحيث لم تستشر الهيئة نفسها كما صرح أعضاؤها، وفي هذا استخفاف جديد بمؤسسات الدولة، بما في ذلك البرلمان، المفترض فيه تمثيل الشعب وكونه السلطة الأعلى في البلاد. وإذا كان د. غازي ما يزال يعتقد بعد كل هذا بإمكانية نجاح جهد إصلاحي من داخل مؤسسات المؤتمر الوطني فإنه بلا شك يستحق جائزة أكثر إنسان تفاؤلاً على وجه الأرض.
    هناك بالطبع قناعة عند كل أهل الشأن داخل وخارج السودان بأن الإصلاح الذي تقوده الحكومة عبر حوار جاد مع قوى المعارضة هو الخيار الأفضل والأقل كلفة. ولكن هناك قناعة متزايدة كذلك بأن القيادة الحالية غير قادرة وغير راغبة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.
    وقد اتضح هذا جليا من مبادرة الرئيس الأخيرة التي تحدث فيها عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات، ولكن ما أعقبها كان تدهورا في الحريات والمزيد من الانغلاق، كما اتضح من استمرار التعديات على حرية الصحافة والمسارعة بإقالة غازي والناطق الرسمي باسم الحزب بتهمة الاعتدال عند كليهما.
    وفي نظري أن د. غازي قد أخطأ التقدير ليس فقط بسبب ثقته بإمكانية تقبل القيادة الحالية لتغيير لن يأتي إلا على حسابها، ولكن لاعتقاده بأن القيادة الحالية ما يزال لديها سند وسط جماهير الحزب الحاكم، إن وجدت، وكوادره العاملة.
    والواقع يقول إن فئة تضطر في أسبوع واحد لفصل الناطق باسم الحزب ورئيس الهيئة البرلمانية ولإصدار أحكام سجن في حق أخلص كوادرها العاملة في القوات المسلحة لفي عزلة لا تحسد عليها.
    ولا شك أن استمرار الدعم غير المباشر لهذه المجموعة عبر إعطاء الوهم بإمكانية الإصلاح سيطيل عمر الأزمة وعذابات الشعب.
    ومهما يكن فإن الإصلاح ـ إن جاء- لن يأتي عن طيبة قلب المجموعة الحاكمة الحالية التي لا ترى حاجة لإصلاح أصلاً، بل ترى أن الحال على أحسن ما يمكن، وإنما يكون ذلك عبر الضغوط. وتأتي الضغوط من عدة أوجه، أولها أن يعلن أنصار الإصلاح داخل الحزب الحاكم بوضوح عن مواقفهم، وأن يسموا الأشياء بأسمائها، ويحددوا بالضبط الجهات التي تقف في وجه الإصلاح، وأن يكون ذلك علناً. من الضغوط كذلك أن يتحرك الشارع وتتحرك النقابات والفئات الطلابية والشبابية وغيرها لتطالب بالتغيير، لأن ذلك يدعم مواقف المنادين بالإصلاح داخل النظام وداخل القوات المسلحة.
    وقد رأى البعض أن أفضل وسيلة للضغط على النظام الحالي هي حمل السلاح في وجهه، وهو اعتقاد كان النظام للأسف من أشد المروجين له بالقول بالفعل، لأنه يستفز الناس للتمرد ولا يتعامل إلا مع من يهدده بالسلاح. ولكن كل الدلائل تؤكد أن حمل السلاح اخذ يأتي بمردود عكسي، وأصبح من دواعي استمرارية النظام لأنه يعزز مخاوف عامة الناس من التغيير والمجهول.
    بعد فراغي من كتابة هذا المقال اطلعت على مقال للدكتور غازي نشر الأحد على موقع قناة الجزيرة، جدد فيه بقدر ما تسمح به الدبلوماسية معارضته لإعادة ترشيح الرئيس، مستشهداً بذلك، إضافة إلى كون الدستور السوداني لا يسمح بذلك، بأن لوائح المؤتمر الوطني بدورها لا تسمح بالتجديد. وقد محض غازي الرئيس النصح حين ذكره بأنه سيجعل لنفسه ذكرى طيبة لو كرس ما بقي من عهدته الرئاسية لمشروع إصلاح سياسي جذري يكرس العدالة بين مكونات السودان وحق الشعب في الاختيار الحر.
    ولا شك أنني أحسد غازي على استمراره في التفاؤل بأن الرئيس الذي أقاله لأنه ذكره بالدستور سيستمع لهذه النصيحة المخلصة، ولكنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

    ‘ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن


    ----------------

    بعض ما فاتني أيام الصمت الجبري ..

    بقلم: أ.د. الطيب زين العابدين
    الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

    11:16
    كنت في رحاب مدينة أكسفورد الجميلة في شهر يونيو من العام الماضي،التي ذهبت إليها مشاركاً في "برنامج السودان" بكلية سانت أنتوني العريقة وذلك بتقديم محاضرة عن القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، عندما وصلتني رسالة الأستاذ النور أحمد النور رئيس تحرير جريدة الصحافة يخبرني فيها بأن السلطة الأمنية المختصة قد حظرت كتابة مقالاتي الأسبوعية. وأسفت أن سقف الحرية الذي جاءت به اتفاقية نيفاشا بدأ يتدهور تدريجيا بعد أن استعادت العصبة الشمولية سيطرتها كاملة على مقاليد الأمور بانفصال الجنوب، ولم يمنعني ذلك من الاستمتاع برحلتي بين أكسفورد وبرايتون حيث يقطن بعض أفراد أسرتي وبين لندن التي لا بد من زيارتها لتفقد مكتباتها العامرة دائماً بكل جديد. وقلت إنها فرصة أن أتفرغ للإطلاع على بعض الكتب الثمينة التي اشتريتها من حر مالي دون أن أجد وقتا لتصفحها ولكتابة بعض مشروعاتي الأكاديمية التي لم أجد لها الوقت الكافي في سودان المشاكل بسبب ملاحقة أخبار السياسة والسياسيين التي لا بد منها لتطعيم المقال بنكهة جديدة لأنه غالباً ما يدور حول ذات القضايا المكرورة التي لا تجد حلاً من أحد. وبما أني انقطعت لمدة عشرة شهور من الكتابة، عدا التحقيقات الطارئة التي يجريها معي بعض الصحفيين الذين لم يسمعوا أو لم يهتموا بحظر السلطة المختصة، فقد فاتني الكثير من القضايا التي وقعت في تلك الشهور وتستحق شيئاً من التعليق قبل أن نواصل الدوران حول أحداث أو موضوعات جديدة، ولنختبر مياه النيل في مرحلتها الحالية ماذا تحتمل وماذا لا تحتمل!


    • مؤتمر الحركة الإسلامية: تابع كثير من أهل السودان مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن (15/11/2012) لأنه شكل حراكاً سياسياً ساخناً ظهر جلياً عند إجازة الدستور الجديد الذي صيغ ببراعة ليؤطر الوضع القائم كما هو ويستديم مركز السلطة للدولة والحزب والحركة في يد العصبة المتنفذة، وفي انتخابات رئيس المؤتمر (الطيب إبراهيم ضد عبد الرحيم علي) والأمين العام (غازي صلاح الدين ضد الزبير أحمد حسن) وأعضاء مجلس الشورى الذين سقطت بعض رؤوسهم الكبيرة في محلية الخرطوم. وأنّى لمن يقاتل حاسراً ليمنع تداول سلطة تشريفية لا قيمة لها في معادلة الحكم القائمة عن أقرب الأقربين إليه أن يقبل بتداولها مع كل أهل السودان؟ ذاك حلم دونه قطع الرقاب! ورغم خسارة الإصلاحيين في ذلك المؤتمر إلا أن الرسالة كانت قوية وواضحة أن أمور الحركة الإسلامية وتهميشها لا يمكن أن تسير كما كانت منذ مجئ الإنقاذ إلى السلطة وابتداع الأمين العام لصيغة الحكم المتمثلة في ديكورية الحركة الإسلامية بجانب قوة الحكومة التنفيذية وتنظيمها السري الفاعل وحزبها الهلامي الفضفاض الذي لا يصنع قراراً. لقد بلغ الاحتجاج السياسي قلب الحركة الإسلامية المتمثل في شبابها المقاتل الذي كان يساق فيما مضى بسهولة عبر الشعارات الدينية التي فقدت لديهم مصداقيتها.


    وقد أكدت جماعة "سائحون" موقفها المبدئي من قضية الإصلاح في مذكرة ضافية عن الإصلاح والنهضة صدرت في فبراير من هذا العام مما يدل على إصرارهم للمضي في ذات الطريق إلى نهايته المحتومة ولن يثنيهم عن ذلك التهديد أو الإغراء فهم أصحاب قضية دفعوا مهرها غالياً دون نتيجة ملموسة. وأعقب ذلك المؤتمر بعد أقل من أسبوع المحاولة الإنقلابية التي قادها العميد محمد إبراهيم عبد الجليل (ود إبراهيم) الذي بقي في أحراش الجنوب وجنوب كردفان لسنوات طويلة يجاهد دفاعاً عن السلطة "الإسلامية" التي كان ينبغي أن تملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ولم تفعل من ذلك شيئاً. والدرس المستفاد أن القاعدة الأيدولوجية والعسكرية التي استندت عليها الإنقاذ منذ مجيئها قد اهتزت تماماً، والسؤال هو: ماذا ستفعل قيادة الدولة لترميم الثقة وإصلاح الخلل الكبير الذي ظهر لكل ذي عينين؟ العصبة المتنفذة ستوحي للقيادة بأن هذه سحابة صيف عمّا قريب تقشع ولا داعي لتغيير كبير في منهج السلطة فقد أثبت المنهج جدواه عبر السنين ويستطيع أن يصمد بترميمات بسيطة هنا وهناك وإحلال وإبدال في القيادات الوسطى للحزب والدولة، أما القيادات العليا فلها أهلها المقيمين ما أقام عسيب. وجاءت تسوية الأحكام دليلاً على ضعف الدولة واختلال معاييرها العدلية في المساواة بين مرتكبي الجريمة الواحدة من أتباع المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة. وما زالت البلاد في إنتظار مخرج سياسي لها من النفق المظلم الذي دخلته والذي يهددها بمخاطر جمّة أسوأ من انفصال الجنوب.


    • اتفاقيات التعاون بين الشمال والجنوب: ظلت اتفاقيات التعاون التسع التي أبرمت في 27 سبتمبر الماضي بأديس أببا حبراً على ورق رغم أنها كانت تسوية جيدة بذل فيها مجهود كبير لأكثر من سنتين شمل كل القضايا العالقة بين البلدين (الترتيبات الأمنية، البترول، التجارة، الأصول والديون،البنوك المركزية، فوائد ما بعد الخدمة، الحريات الأربع، الحدود، اتفاقية التعاون الرئاسية)، ولكن عدم الثقة المتجذر والمزايدات العنترية حالت دون تطبيقها. وبعد أن تكاثفت الضغوط الداخلية والخارجية على الطرفين وضاقت بهم الأرض بما رحبت استجاب الطرفان لصوت العقل وصاغا مصفوفة مفصلة في 12 مارس الماضي لتنفيذ كل ما اتفقا عليه سابقا، كل ما هنالك أن قبلت حكومة السودان أن فك الارتباط مع قطاع الشمال لا يلزم حكومة الجنوب بنزع سلاح تلك المليشيات وقبلت حكومة الجنوب أن تكون كل مساحة منطقة الميل 14 (سفاهة/ سماحة) منزوعة السلاح تحت سلطة الإدارة الأهلية لشيوخ وزعماء المنطقة دون وجود عناصر للجيش الشعبي أو لحكومة الجنوب.وتقول المؤشرات الحاضرة أن الاتفاق الحالي سيجد حظه من التنفيذ وإن اكتنفته بعض العثرات لأن الإرادة السياسية قد توفرت بالفعل مما أدى إلى كتم الأصوات النشاز التي كانت تزايد في الملعب ظناً منها أنها تناصر موقف الرئيس شخصياً. ومع ذلك نمسك الخشب حتي تمضي مركب السلام والتعاون بين البلدين إلى بر الأمان فنحن في بلد لا نعرف إلى أين تسير ولا كيف تسير!


    • الجبهة السودانية الثورية:تحالف الحركات المسلحة في دارفور مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ومع بعض فصائل المعارضة الشمالية لن يؤدي إلى حل معضلة الحكم في السودان، فالذي يحمل السلاح ويقاتل في أحراش دارفور وجنوب كردفان لن يكون له ذات الوزن كالذي يخطب بالمكرفون في دار حزب الأمة بأمدرمان ويذهب لينام في بيته ذلك المساء أو حتى في عنبر بسجن كوبر. لقد جربنا ذلك من داخل الجبهة الوطنية حين أرسلت مقاتليها لاحتلال الخرطوم في يوليو 1976، فقد قيل لنا قبل أن تصل الكتيبة المسلحة إلى هدفها: إن هؤلاء المجاهدين يريدون إقامة دولة مهدية ولذلك فإن معادلة تقسيم السلطة بالسوية بين أحزاب الجبهة الثلاثة كما ينص على ذلك ميثاق الجبهة أمر غير عملي وينبغي إعادة النظر في ذلك الاتفاق! وجربته أحزاب التجمع الديمقراطي الوطني حين انسحبت منهم الحركة الشعبية لتعقد اتفاقاً منفرداً مع حكومة الإنقاذ دون أن تدعوهم كمراقبين لحضور المفاوضات. والذي يصل إلى الحكم عن طريق السلاح سيصر على استمرار سيطرته بقوة ذلك السلاح، ودونكم تجربة الحركة الشعبية في جنوب السودان رغم كل دعاوي السودان الجديد! إن الطريق الوحيد لإقامة نظام ديمقراطي عادل هو العمل السلمي الجماهيري مهما كانت تضحياته ومهما طال زمنه. ومع ذلك فإن تحالف الحركات المسلحة في كل من دارفور وجنوب كردفان يشير إلى احتقان اجتماعي متفاقم ينخر في نسيج المجتمع ويهدده بانفجارات خطيرة غير محسوبة النتائج، ولا يمكن أن يعالج مثل هذا الاحتقان عن طريق تسوية جزئية تمنح وظائف سياسية لبعض قادة تلك الفصائل المحاربة وتقيم بعض المشاريع هنا وهناك، وقد شهدنا أنه كلما دخل فصيل في السلطة توالدت فصائل أخرى تحمل السلاح من جديد. إن المشكلة أكبر من ذلك بكثير وتحتاج إلى علاج جذري يعيد هيكلة الدولة وسلطاتها ومواردها وخدماتها بين كل الأقاليم وبين كل الناس.



    • الحوار حول الدستور: لقد دعا رئيس الجمهورية في لقاء ببيت الضيافة في سبتمبر 2012 إلى تفاكر وحوار وطني جامع حول الدستور يشترك فيه كل الناس بما فيهم حملة السلاح ضد الحكومة، وكانت دعوة موفقة تتطلب إرساء قواعد السلام في مناطق النزاع وإطلاق الحريات العامة والتشاور مع القوى السياسية حول آليات الحوار وتكوين المفوضية القومية لكتابة الدستور. وكرر الرئيس ذات الدعوة في الاحتفال بعيد الاستقلال من مدينة الدمازين، وعلى ذات الخط سار الأستاذ علي عثمان في مقابلة طويلة مع قناة النيل الأزرق حتى ظننا أن الأمر محل اتفاق بين أركان الحكم وأن لا رجعة فيه. ولكن الذي حدث أن عددا من الندوات حول الدستور تنظمها بعض منظمات المجتمع المدني التي ظلت تعمل في التوعية بالدستور منذ أكثر من سنتين منعت من إقامة ندوات في مدني والخرطوم وبورتسودان والفاشر، وقفلت بعض مراكز الدراسات البحثية، وزادت الرقابة على الصحف وسنسرة المقالات ومصادرة بعض أعدادها، وطفحت دعوات التكفير والخيانة والعمالة لمن يحملون أراءً معارضة، وسيطرت الحكومة تماماً على آلية اللجنة السياسية للتنسيق والمتابعة حول الدستور مما دفع كل أحزاب المعارضة للامتناع عن الاستجابة.



    • تنحي الرئيس: صرح السيد الرئيس لجريدة الشرق القطرية في مقابلة مطولة بأنه سوف لا يترشح هذه المرة لرئاسة الجمهورية ويكفيه أنه بقي في السلطة أكثر من عشرين سنة وأنها مدة طويلة في حكم بلد كالسودان. وأثار الخبر لغطاً وحراكاً على كافة المستويات السياسية والإعلامية بما في ذلك قواعد وأركان الحزب الحاكم. وبما أني من المؤمنين إيمان العجائز بأهمية التداول السلمي للسلطة التي أثبتت التجربة البشرية جدواه حتى في الأنظمة الشمولية (الصين نموذجاً)، فإني من المؤيدين لتجديد دماء القيادات في الحزب الحاكم بما في ذلك كافة طاقم القيادة العليا التي ظلت متنفذة طيلة فترة الإنقاذ بل وقبلها أيضاً.


    فقد أعطت هذه المجموعة ما عندها ولم يبق لديها ما تضيفه وأخطأت ما فيه الكفاية ولا يحق لها أن تزيد على ذلك. ورغم أن المحللين السياسيين يتشككون كثيرا في مقولة السياسيين بأنهم يرغبون في ترك السلطة طواعية، إلا أن لهجة الرئيس تبدو أكثر جدية هذه المرة وأنه يعني ما يقول ولكني أتوقع أن الفئة الملتفة حول الرئيس والمنتفعة من رئاسته لن تقبل بقرار التنحي، وستبدع من الحيل ومن الحجج ما يعجز عنه إبليس لإقناع الرئيس بالعدول عن قراره لأن السودان سيتفكك وأن المؤتمر الوطني سيتمزق وأن الإنقاذ ستهوي إلى قاع سحيق. وهذه حجج فارغة تقول بها كل البطانات الملتصقة بالحكام، لقد جاء كل الحكام العسكريون إلى السلطة دون تأهيل ودون تجربة سابقة وكذلك معظم رؤساء الأحزاب السودانية الحاكمة، بل يمكن أن يقال إن تجربتهم الأولى كانت أحسن من الثانية والثانية أحسن من الثالثة! والتاريخ يسجل للحكام دورهم بقدر ما أنجزوا أخلاقياً ومادياً وحضارياً في السلطة وليس بطول بقائهم في الحكم، فإن الخلفاء الراشدين أبوبكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز لم يبقوا في الحكم سوى بضع سنوات لم تزد عن ثلاث أو أربع ومع ذلك طبقت شهرتهم الآفاق إلى يوم الناس هذا ومحيت سيرة من بقي في الحكم أضعاف هذه المدة. ولكن على الرئيس أن يستثمر ما بقي من زمنه في السلطة ليصلح أحوال البلاد لأنها في حالة بائسة، وذلك يتطلب أن يعمل بجد ومثابرة مع فريق نظيف جديد حتى يعم السلام والعدل أنحاء البلاد ويزول الفساد والفقر والجهل ويقتلع بطانة السوء من جذورها حتى يعد الساحة لبداية جديدة نظيفة.

    al-Tayib


    -----------------

    سد الالفية العظيم و التغيرات الجذرية في نهر النيل و تاثيره علي مشاريع السدود في السودان
    April 15, 2013
    مهندس مصطفي مختار شلبي..
    (خبير ومتخصص في مجال السدود)


    بدأت أثيوبيا تنفيذ سد الألفيــة العظيـــــم على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية, و هو من أضخـــــــــم مشاريع السدود في العالم, و يهدف الي توليد كهـــــرباء بطاقة قدرها 5250 ميجاوات. ينتهي العمل في تشييد الســد عام 2017 ليبدأ تخزين المياه ببحيرة الســــد التي تبلغ سعتها 62 مليار متر مكعب.


    سد الألفيــة سوف يحدث عدد من التغيرات الجذرية و التي ستجعل من نهر النيل نهرا آخر غير الذي عهدنــــــاه, التغيير الأول هو أن مياه النهـــــر سوف تتدفق بمعدلات ثابتة تقريبا طوال أيام السنة, و سوف تنتهي الى الأبد ظاهرتي انحســــار النيل و فيضانه, ستختفي الشواطئ الرملية و تصبح الدمـيرة من حكاوي الماضي.
    التغيير الثاني يتمثل في احتجاز السد لمعظم كمــيات الطمي الواردة الينا, و بذلك تنتهي معاناة تشغيل سـدود السودان في فترة الفيضان, و تزول مشاكل الاطماء في بحيرات الســـدود. يأتي هذا على حساب خصوبة الأرض التي ستفقد السماد العضوي المتجدد سنويا بتراكم الطمي عليها.

    التغيير الثالث هو نقص دائم و آخـــر مؤقت لكميـــات المــياه الواردة من أثيوبيا, النقص المؤقت, و هـو الأخطر, يكون في الســـــنوات الأولى و التي يمكن أن تمتد من خمسة الى عشر سنوات بعد بدء التشغيل, و هي الفترة المـطلوبة لملء بحيرة السد, تماما كما حدث في السد العـــــــــالي. هذه الفترة سوف تشهد نقصــــا كبيرا في المياه الواردة قد يصل الى 10 مليار م.م. سنويا. أما النقــــــــــص الدائم فهو الناتج من التبخر في بحيرة السد بالاضافة للمياه المـستخدمة في الرى, اذا ما رأت أثيوبيــــــــــا امكانية ذلك, و هو في كل الأحوال أقل كثيرا من النقص المؤقت.
    هذه هي مستجدات الأحوال, فما هي تبعاتها علي مشاريــع السدود في كجبار, دال و الشريك؟ للاجابة على هذا الســـؤال نبدأ بتحديد وظيفة السدود, و هي باختصــــــــــار تنحصر في وظيفتين هما تخزين المياه في فترة الفيضان للاستفادة منـها في فترة انحســــــار النهر, و رفع منســوب المياه خلف السد لتوفير ضاغط مائي يستفاد منه في توليد الطاقة الكهربائية و في نقل الميـــــــــــاه للأراضي الزراعيـــــة بالري الانسيابي.


    تؤثر المستجدات على وظيفتي التخزين و رفــــــع المنســوب لهذه السدود كما يلي:
    سدودـ بناء سد الألفية سوف يحمل عبأ الوظيـــفة الأولي تمـــامـــا بالنيابة عن السودان, و يقوم بالتحكم في الميـــــاه و مد النيل الأزرق بمعدلات ثابتة يوميا و موسميــا, تمامــــا كمــــا كانت ستفعل ســــدود الشمــــال. اذا ما عرفنا بأن هذه الوظيفة هي أم المشاكل, لأنــــها تعني الاغراق و التهجير بكل مـــا تحمله هاتين الكلمتين مــــن مآسي و تدمــير, فان سد الألفية سوف يقــــدم خدمة مجــانية عالية القيمة للسودان بتخزين المياه و ضبطها ثم ارسالها تماما كما هو مطلوب من السدود.
    ـ سد الألفية سيقوم بتوليد كميات ضخمـــــــــة من الكهرباء, تفوق احتياج أثيوبيا. و قد عرضت أثيوبيا علي السودان الاستفادة من هذه الكهرباء بأسعار منخفضـــــــــة, و يأتي هذا العرض كامتداد للتعاون الفني الممتد بين الدولتين منذ ثلاثة عـــــقود للاستفادة المشتركة من امكانيات أثيوبيا الهائلة في التوليــــد الكهرومائي.


    ـ سوف يفقد الســــــــودان كميات كبيرة من مياه النيل نتيجة لمطالبة الجنوب بنصيبه من حصة السودان, و مـــطالبة دول حوض النيل بنصيبها من مياه النيل, بالاضــــــــــافة للنقص المؤقت و الدائم النــــــاتج من تشييد سد الألفية. هذا النقص, الذي يمكن أن يلتهم معظم نصيب الســودان من المياه, يشكل تهديدا خطيرا و كارثيا للأمن المائي و القومي الســـوداني, و يجعل من الادارة الرشيدة للمياه أمر حيوى و بالغ الأهمية. في ظل هذا التهديد لا بد من مراجعة شاملة و متأنية لخطط بناء سدود الشمـال, و التفكير الجاد في تفادي اهدار أكثر من 5 مليار متر مكعب من المياه بالتبخر في هذه السدود.
    ـ المستجدات الحالية تتطلب من ادارة الســـدود و الحكومـــة مراجعة هذه السدود و التي فقــدت أى مبرر لتشييدها, و في رأيى أن هذه المستجدات تترك خيــــــارين فقــط لا بـد مـــــن دراستهمــــا و تبني أكثرهم جدوي, الخيار الأول هو صـــرف النظر تماما عن هذه الســــــــــدود, و الاتفاق مع أثيوبيا على استيراد نفس كمية الكهرباء التي كان من المقدر توليدها من هذه السدود.
    ـ الخيار الثاني هو اختيار مواقع مناسبة لاقامة ســدود تعتمد على مبــدأ عـــدم التخزين, و هنالك عدد من هذه المـواقع تم تحديدهـــا في دراســـات ســـابقة. يعتمد هذا المـبدأ على رفع منسوب الميـــاه خلف السد لتوفير الضـــاغط المائي من غير التأثيــر على سريــان النهر, و قد أثبتت الدراســات الأوليــة جدوي مثل هذه السدود على نهر النيــــل في وضعه الراهن, أما بعد قيام سد الألفية فلا شك أن الجدوي ستتضاعف بسبب ثبات معدل التدفق طول السنة.
    ـ الخيار الأول هو الخيار الأمثل, فهو يحقق الهدف المنشــود من غير استثمـــار و بدون الدخول في قروض ربوية أو غير ربوية , و الأهــــــم من ذلك أنه يكفي المؤمنين شر الصراع و التشرد. هذا اذا كان الهــدف من بناء هذه السدود هو توليد الكهرباء و حسب كما هو معلن.
    ـان كان لا بد من قيام الســــدود فالخيار الثــــاني هـــو أخف الضررين مقارنة بالتصميم الحالي للسـدود, و هو أقل تكلفة و أســـــرع عـــائد و لا يؤدى لتهجير الأهالي و القضاء على تاريخ المنطقة و آثارها و ثقافتهاالمتميزة.
    ـ في ظل المستجدات الحاليـة و الوضع الاقتصــــاديى الســئ و فقدان عائدات البترول, بالاضافة للتدهور المريع في البنية الانتــــاجية, فان اصرار ادارة السدود و الحكومة على اهـدار مــــوارد البلد بتنفيذ سدود تدميرية لا فائدة ترجى منها يعتبر مفسدة كبرى لا تجد لها ســـند منطقي أو علمي أو أخــــلاقي و ترفع علامــــات الاستفهام عاليا: هل هذه السدود من أجــل الكهرباء حقا؟؟ اذا كانت كذلك فقد سحب البساط من تحتــــها و آن الأوان أن تطوي هذه الصفحة فورا و الي الأبد. و ان لم تكن كذلك فالشعب يريد تغييرالسدود.
                  

04-22-2013, 11:12 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    دَارْفُورْ .. والعَسَلُ القَطَرِي!


    مصطفى عثمان إسماعيل، أكَّد أن بلاده تعوِّل على "علاقات دولة قطر العربيَّة والإسلاميَّة والإقليميَّة والدَّوليَّة الواسعة" في إنجاح المؤتمر
    04-21-2013 11:02 PM
    بقلم/ كمال الجزولي

    "باستثناء الدَّعم القطري لم يكن هنالك دعم مالي يمكن الاعتداد به"! هكذا لخَّص متحدِّث أممي فضَّل حجب اسمه جملة مخرجات مؤتمر المانحين الدَّولي لإعادة إعمار وتنمية دارفور الذي انعقد بالدَّوحة طوال يومي 7 ـ 8 أبريل (د ب أ؛ 8 أبريل 2013م). فبالإضافة إلى مبادرتها المعلنة، عام 2010م، بإنشاء بنك لتنمية دارفور برأسمال قدره مليار دولار، تعهَّدت دولة قطر، أيضاً، في هذا المؤتمر، بنصف مليار دولار، ضمن الـ 3.69 مليار دولار التي أمكن جمعها فيه، شاملة، حسب وكالة الأنباء القطريَّة، تعهُّد الحكومة السُّودانيَّة بـ 2.65 مليار دولار، وفقاً لوثيقة الدَّوحة المبرمة مع "حركة التَّحرير والعدالة" في يوليو عام 2011م، مما أكَّد عليه البيان الختامي للمؤتمر. فإذا أخذنا في الاعتبار أن مسودة استراتيجيَّة تنمية الإقليم كانت قد استهدفت، أصلاً، جمع 7.5 مليار دولار، لأدركنا، إذن، فحوى عبارة المتحدِّث الأممي.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1)
    وفي الحقيقة فإن دولة قطر لم تكتف بالدَّعم المالي، فحسب، بل ألقت بثقلها الدِّبلوماسي، أيضاً، لتضمن للمؤتمر مشاركة 400 مندوب من 40 دولة، فضلاً عن عدد مُقدَّر من المنظمات المانحة والهيئات الدَّوليَّة. ومع ذلك كله قطع المتحدِّث الأممي المشار إليه بأن "المحصلة الختامية تدعو للإحباط"، حيث أن "الدَّول الكبرى والغنيَّة، وفي مقدمتها الولايات المتَّحدة واليابان، لم تقدِّم شيئاً" (المصدر). لقد تعهَّدت ألمانيا، مثلاً، بـ 60 مليون يورو، وبريطانيا بـ 13 مليون يورو سنويَّا للسَّنوات الثَّلاث القادمة، بينما اكتفى الآخرون بإعلان الدَّعم السِّياسي للسَّلام في دارفور دون أن يفصحوا عن أيِّ تعهُّد بمبالغ محدَّدة (وكالات؛ 8 أبريل 2013م). أما الدُّول العربيَّة الغنيَّة، كالسُّعوديَّة والكويت والإمارات، فقد كانت مشاركتها "إسميَّة بشكل لافت"؛ وعموماً فإن "مبلغاً يقلُّ عن مليار دولار ليعكس غياب (الإرادة السِّياسيَّة) لدى الدُّول المانحة" على حدِّ تعبير المتحدِّث الأممي (د.ب.أ؛ 8 أبريل 2013م).


    خلق هذه (الإرادة السِّياسيَّة) لدى المانحين الدَّوليين والإقليميين ليس من مهام الدِّبلوماسيَّة القطريَّة، وإنما هو، في المقام الأوَّل، وبطبيعة الحال، من أوجب واجبات الدِّبلوماسيَّة السُّودانيَّة. على أن د. مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرَّئيس السّوداني ووزير المجلس الأعلى للاستثمار، أكَّد، على العكس من ذلك، أن بلاده تعوِّل على "علاقات دولة قطر العربيَّة والإسلاميَّة والإقليميَّة والدَّوليَّة الواسعة" في إنجاح المؤتمر (الرَّاية القطريَّة؛ 8 أبريل 2013م). ولإدراكه، على ما يبدو، لعمق أزمة حكومته مع المجتمع الدَّولي، عزا د. إسماعيل هذا التَّعويل إلى كون المجتمع الدَّولي، كما قال، "يخلط بين السِّياسة وبين الأمور الإنسانيَّة والتنمويَّة"! مع ذلك أضاف، في تناقض منطقي لا يخفى، أن "الصِّراع في دارفور قد اقترب من نهايته .. لعدة عوامل منها .. أن المجتمع الدَّولي يريد تحقيق السَّلام والتَّنمية في دارفور!" (المصدر).

    بعيداً عن هذا الارتباك فإن التَّفسير الحقيقي لإحجام المجتمع الدَّولي الرَّسمي عن أيِّ إسهام يُعتدُّ به تجاه حلِّ أزمة الإقليم وتنميته إنما يتجلى في ما وجَّهته، في اليوم الثاني للمؤتمر، دول مثل كندا وألمانيا والسُّويد والاتحاد الأوربي، من انتقادات صريحة لدور الحكومة السُّودانيَّة السَّالب، على وجه الخصوص، داعية إياها للالتزام بشروط محدَّدة لا يمكن، بطبيعتها، أن تكون غير سياسيَّة، وهي شروط سبق لنفس هذه الدُّول أن قاومتها ردحاً طويلاً من الزَّمن، لكنها عادت، في ما يبدو، للإقرار بها تحت ضغط شعوبها إزاء الفشل المستمر في التوصُّل إلى حلٍّ للأزمة المستعصية التي ما تنفكُّ، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدَّولي المتعاقبة، تتهدَّد الأمن والسِّلم الدَّوليين.

    (2)
    لقد سبق أن أطلق يان إلياسون، مبعوث الأمم المتَّحدة الخاص لمحادثات سلام دارفور، قبل سنوات، وصف "الحلقة المفرغة" على عمليَّة صناعة السَّلام التي ظلت مستمرَّة في الإقليم منذ ما قبل أبوجا، دون أن تبلغ نجاحاً يؤبَّه له (الأيام، 15 نوفمبر 2007م). وفي تعليقنا، وقتها، على ذلك الوصف قلنا إن إليساون لم يجرؤ على الاعتراف بأن نظرتهم هم، كميسِّرين ووسطاء، للمشكلة وحلها، هو السَّبب المباشر لـ "فراغ" تلك "الحلقة" (الرأي العام، 15 نوفمبر 2007م).

    فعلى سبيل المثال كانت الحركات ترى ضرورة التَّمهيد للتفاوض بما يؤكد الإرادة السِّياسيَّة لدى السُّلطة، ويتجاوز وهدة التجارب الفاشلة. وكانت تندرج، ضمن ذلك التَّمهيد، حزمة من المطلوبات، كنزع سلاح الجَّنجويد، وإعلان العفو العام، وإطلاق الحرِّيَّات والحقوق، ونحو ذلك، مما لا يُتصوَّر، عقلاً، أن يخضع للتَّفاوض المفتوح، بطبيعته، على احتمالات القبول والرَّفض كافَّة. بعد هذا، وليس قبله بأيَّة حال، ينفتح الطريق أمام حزمة القضايا السِّياسيَّة التي تصلح، بطبيعتها، لأن تشكِّل أجندة التَّفاوض، كالتَّرتيبات الأمنيَّة، وقسمة السُّلطة والثروة، والمشاركة في الحكومة المركزيَّة، ووضعيَّة الإقليم ما بين الوحدة والتَّقسيم، وما إلى ذلك.
    لكن الوسطاء كانوا يصرُّون، دائماً، على فهم هذه المسألة البسيطة فهماً يصادر، بكلِّ المعايير، على المطلوب، حيث يخلطون بين قضايا الحزمتين، وهو ما استطرد الياسون في التَّعبير عنه بقوله، تعليقاً على شروط التَّمهيد: "إذا نظرت إليها .. سترى أنها، بدرجة أو بأخرى، هي نفس النتائج التي نريد التوصُّل إليها عن طريق التفاوض، بمعنى أنه إذا كان من الممكن تنفيذ هذه الشُّروط المسبقة، فلسنا، إذن، في حاجة إلى تفاوض!" (المصدر).

    أما الآن، فقد أضحى المجتمع الدَّولي، على ما يبدو، أكثر استعداداً لأن يدرك ما لم يكن قادراً على إدراكه في ذلك الوقت. فأبرز شروطه التي طرحها على الحكومة السُّودانيَّة، من خلال مؤتمر المانحين مؤخَّراً، تتلخَّص في إنهاء حالة الطوارئ في الإقليم، وإطلاق مبادرة للحوار القائم على الثِّقة مع كلِّ القوى السِّياسيَّة، وقوى المجتمع المدني، لتيسير مخاطبة مشكلات السُّودان بصورة شاملة، بما في ذلك دارفور، إذ ثبت أن الحلول الجُّزئيَّة لا تجدي، وإلى ذلك وقف العنف، وتنفيذ الالتزامات الحكوميَّة تجاه السَّلام والتَّنمية، والامتناع عن إعاقة عمل المنظمات الدَّولية في مجال العون الإنساني، وفي مراقبة المشاريع التي يتمُّ تنفيذها، وبوجه عام توفير أكثر الظروف ملائمة لتطبيق استراتيجيَّة تنمويَّة مناسبة في الإقليم (د ب أ؛ 9 أبريل 2013م).

    جملة هذه الشُّروط تتجه، بوضوح تام، صوب التَّعبير عن أنه لم تعد ثمَّة فرصة كي تعوِّل حكومة السُّودان على أيَّة مساهمة في إعمار دارفور يمكن أن تأتيها من معظم المجتمع الدَّولي، رغم نجاح الدِّبلوماسيَّة القطريَّة في استقطابه إلى المؤتمر، ما لم تجر ترتيبات على الأرض تجعل السَّلام الشَّامل والعادل يعمُّ كلَّ أرجاء الإقليم، بمشاركة الأطراف السُّودانيَّة كافة، وبما يمكِّن من توفير الحماية للمدنيين، ويضمن عودتهم إلى قراهم، ويسهِّل عمل المنظمات الإنسانيَّة على هذا الصَّعيد، بل ويضع حدَّاً، قبل ذلك كله، للمواجهات المسلحة التي لا يمكن أن تنتطح عنزان في كونها أضحت تتفاقم بشكل واضح، في الآونة الأخيرة، لدرجـة أنْ صرَّح عبد الله علي مسار، وزير الإعلام السَّابق، والنائب، حالياً، في برلمان النِّظام، بتوقُّعه، مؤخَّراً، سقوط نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، وإحدى أكبر مدن الإقليم، في أيَّة لحظة، كونها، كما قال، محاصرة بالحركات المسلحة من خارجها، في حين تعاني من الانفلات الأمني داخلها، لافتاً إلى أن القوَّات المسلحة خسرت، في بعض آخر معاركها في الإقليم، أكثر من 350 جندياً، بينما لا يزال مصير 70 آخرين مجهولاً (سودان تريبيون؛ 4 أبريل 2013م)؛ وأيضاً لدرجة أنْ كشفت ميليسا فليمنغ، الناطقة باسم المفوَّضيَّة العليا للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين، عن اندلاع موجة جديدة من العنف خلال الشَّهرين الماضيين، أُحرقت، في إثرها، قرى بكاملها، كما فرَّ 74 ألف لاجئ إلى تشاد (رويتر؛ 15 أبريل 2013م).

    (3)
    لكن أكثر الارتباكات مفارقة للمنطق، في تعبير الوزير السُّوداني عن موقف حكومته من اجتذاب الدَّعم الخارجي لإعمار دارفور، هي محاولته، على ما يبدو، تجاوز المجتمع الدَّولي، بقوله "نحن نعوِّل أساسا على الدُّول العربيَّة .. والإسلاميَّة!" (الرَّاية القطريَّة؛ 8 أبريل 2013م)؛ فذلك قول تكذِّبه الحقائق على الأرض من أكثر من وجه. إذ أن مجلس وزراء الصحَّة العرب، مثلاً، لم يستشعر، بكل قضه وقضيضه، أيَّة ذرَّة حياء كي يعلن دعمه، قبل ستِّ سنوات، "لتحسين الأوضاع الصحيَّة في دارفور"، كما قال، بمبلغ لم يتجاوز الـ 50 ألف دولار أمريكي (أخبار اليوم؛ 21 فبراير 2007م).

    وكي ندلل، في حينه، على عدم جدِّيَّة ذلك "الدَّعم"، افترضنا، جدلاً، أن من يحتاجونه هم، فقط، المُجبرون على اللواذ بمعسكرات النزوح، وأن تعدادهم مليونا نسمة، وفق أحدث إحصائيَّات الأمم المتَّحدة آنذاك (يناير 2007م)، وأن ما يحتاجه الواحد منهم هو، فقط، حبَّتا "أسبرين" لتسكين الصُّداع "عند اللزوم!"، وأن هذا "اللزوم" لا يقع سوى مرَّة في العمر! ولأن ثمن هاتين الحبَّتين 66 جنيهاً، فقد أثبتنا، بحسبة بسيطة، أن العجز في ذلك "الدَّعم"، ولو بما يُذهب صداع كلِّ دارفوري مرَّة في العُمر، يبلغ، بالضبط ، ثلث المبلغ المتبرَّع به! أما إذا حاولنا استخدام ذلك المبلغ في تنفيذ مقترح الجامعة العربيَّة بإنشاء مراكز صحيَّة في الإقليم، فإنه لن يكفي، بأيَّة حال، لتشييد 193 مركزاً صحِّيَّاً، بعدد المعسكرات، حيث أن بناء مركز واحد، ولو من "القش"، سوف يحتاج إلى أكثر من 500,000 جنيه (الرأي العام؛ 15 مارس 2007م).

    وبعد أكثر من سبعة أشهر من ذلك، أعلنت الدُّول العربيَّة، مجتمعة، من خلال ما عُرف، وقتها، بـ (المؤتمر العربي لدعم ومعالجة الأوضاع الإنسانيَّة في دارفور!)، عن جملة مساهماتها النقديَّة والعينيَّة والفنيَّة لتلك الغاية النبيلة بما لا يتجاوز الـ 250 مليون دولار، وهو رقم يتضاءل خجلاً أمام ميزانيَّة أيَّة منظمة طوعيَّة عالميَّة تعمل في السُّودان (الأيَّام، 3/11/07).
    من حينها لم يشهد الموقف العربي الرَّسمي إزاء قضيَّة دارفور تحسُّناً يُذكر. وقد قُدِّر لي أن أسهم في عدد من الفعاليَّات التي انتظمت، خلال العقد المنصرم، حول هذه القضيَّة في عدَّة عواصم عربيَّة، بمشاركة مفكرين، وكتاب، وفنَّانين، وباحثين، وأساتذة جامعات، ورجال إعلام، وقادة تنظيمات سياسيَّة ومدنيَّة أخرى. وكانت الشكوى ترتفع، في كلِّ مرَّة، حول الموقف العربي السَّالب من قضيَّة الإقليم المنكوب. وكان رأيي، في كل هذه المرَّات، أنه، ما لم يتخلص الذِّهن العربي من توهُّم "مؤامرة صهيونيَّة" وراء هذه القضيَّة، فسيبقى مكبَّلاً، على الدَّوام، بهاجس عقله "السَّاخن" في متخيَّله الذَّاتي، بدلاً من الانفتاح على الحقائق "الباردة" في واقعها الموضوعي!

    (4)
    يبدأ الاحتياج للدَّعم الخارجي لإعمار وتنمية دارفور، فقط عندما يتهيَّأ الإقليم داخليَّاً لاستقبال هذا الدَّعم. والإقليم لن يتهيَّأ لذلك إلا بحزمة إجراءات وعمليَّات هي، بطبيعتها، سياسيَّة بامتياز، وعلى رأسها التَّوصُّل إلى تسوية لكلِّ أزمات البلاد، وضمنها دارفور، بمشاركة جميع القوى، ودون إقصاء لأحد. ومن ثمَّ فإن المسئوليَّة عن هذه الإجراءات والعمليَّات المطلوبة إنما تقع، بالأساس، على كاهل حكومة السُّودان التي ينبغي أن تبادر إلى هذه التسوية، لا على كاهل أصدقائها الذين تريد أن تلعق "عسلهم" كله، وفي مقدمتهم دولة قطر، حتف أنف حكمة مستعربي السُّودان الذين يحذِّرون في بعض أمثالهم من أن أخاك، إذا كان "عسلاً"، فلا تلعقه كله!
                  

05-07-2013, 09:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    دماء أمدوم
    د. عمر القراي

    ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) صدق الله العظيم

    لقد باعت حكومة الاخوان المسلمين، المشاريع الزراعية، والمصانع الوطنية، والاراضي المملوكة للدولة، لمستثمرين أجانب، ولم تذهب عائدات كل ذلك لخزينة الدولة، بل ذهبت عائداتها جميعاً لجيوب أفراد من قادة المؤتمر الوطني !!.


    ولكنهم لم يكتفوا، بل كلما نهبوا أموال الشعب، كلما زاد شرههم وطمعهم، حتى زحفوا على الميادين العامة، وسط الأحياء، التي يستغلها المواطنون لصلاة العيد والمناسبات العامة، ووضعوا أيديهم عليها، دون ان يعبأوا بشكاوي اهالي الحي.. مثلما فعل د. أمين حسن عمر مؤخراً، حين وضع يده على ساحة أمام مسجد المعمورة مربع 69، ليخصصها لمدارس كمبردج التابعة له، وحين ثار المواطنون، ادعى أمين انه لا علاقة له بهذا الأمر، وإنما لفقه ضده أعداء الحكومة !! ثم ذكر في نفس البيان انه كان رئيس مجلس ادارة مدارس كمبردج التي قال أنه لا علاقة له بها !! ثم ذكر ان الأرض إشتراها خاله الذي يملك كمبردج وانه يملك جنسية كندية !! فلماذا في حكومة الاخوان المسلمين، تنزع الميادين العامة السودانية، وتعطى للكنديين ؟!

    ولما كانت اطماع الاخوان المسلمين لا تقف عند حد، ولما كان شرهم لا يرعوي بخلق ولا دين، اخذوا يبيعون للمستثمرين العرب، أراضي لم تكن من قبل مشاريع حكومية، ولا تابعة لخطة اسكانية، وانما هي ملك حر لاصحابها، توارثوها من اجدادهم منذ مئات السنين.. وحين اشتكى أصحاب الأرض، بالطرق السلمية الرسمية، لم يسمع لشكواهم، وحين عبروا عن غضبهم بالوقوف معتصمين في الأرض، التي نهبت منهم جهاراً نهاراً، استخدم الاخوان المسلمون المنتفعون من البيع، السلطة، فبطشوا بالمواطنين العزل الابرياء، وحركوا الشرطة ضدهم، لتفتك بهم، وكأنهم أعداء الوطن !! مع ان تمويل الشرطة، وسلاحها، وغازها، إنما يؤخذ في شكل ضرائب، وجبايات، من نفس هؤلاء الضحايا !!

    لقد استغل الاخوان المسلمون الشرطة، وهجموا على أهالي أم دوم، من شيوخ، ونساء، وشباب، واطفال، فأمطروهم بالغاز المسيل للدموع، وبالطلقات المطاطية، ثم بالرصاص الحي، حتى سقط الشهيد محمد عبد الباقي.. وهو شاب في مقتبل العمر، كانت اسرته، التي كان الوحيد فيها بين اخوات، تعقد عليها آمالها عراضاً .. وجرح العشرات في اصابات خطيرة، وغير خطيرة، ولم يقف العدوان عند هذا الحد، بل ألقت الشرطة الغاز في داخل المنازل، حتى تعرض الأطفال والنساء، وكبار السن للاغماء .. كما اعتقلت حوالي ستين من شباب أم دوم. وحين اصدرت الشرطة بيانها، لم تذكر فيه ان مواطناً قتل غيلة بالرصاص، وأن من قتله صوب نحو رأسه، مما يدل على القتل العمد مع سبق الاصرار، بل لم تذكر ان قواتها لم تكتف بمواجهة المعتصمين في الساحة، وإنما ألقت قنابل الغاز داخل المسجد، امعاناً في تخويف الذين لم يشاركوا في التظاهر لانشغالهم بالصلاة، ودون رعاية لحرمة بيوت الله، ولا لقدسية شعائر الدين، ولا لرعاية لكبار السن، الذين لزموا المسجد، باعتباره حرماً آمناً، فوجدوه على يد الاخوان المسلمين ناراً تلظى !!

    واهالي أم دوم ليسوا حزباً سياسياً، ولم يشترك منهم احد في المحاولة الانقلابية، التي اعفي مرتكبوها مؤخرا !! ولم يوقعوا على وثيقة الفجر الجديد، أو ينضموا للحركة الثورية، التي اقتحمت أم روابة. ولم يكونوا مجرمين، أو سارقين، وليس هنالك تنازع ملكية في أرضهم .. فلماذا كان نصيبهم الرصاص بدلاً من التفاهم، والرد على مطالبهم المشروعة، بالطرق السلمية الحضارية المعروفة ؟! هل كل جريمتهم التي استحقوا عليها القتل، والضرب، والاصابات والاعتقال، هو انهم قالوا : لا لن نعطي أرضنا لحرامية المؤتمر الوطني ؟! فأي ظلم وأي جور هذا الذي يشيعه مدعو الاسلام ورافعو شعاراته ؟!

    وفي نفس تلك الأيام، انتصرت الحركة الثورية، واقتحمت مدينة أم روابة، وبعض القرى حولها، بعد ان فر حماتها من جيش وشرطة الحكومة، الذين هزموا شر هزيمة .. وتحاول حكومة الاخوان المسلمين، الآن، ان تستغل الاعلام، بعد ان وضعته بالكامل تحت سيطرة جهاز الأمن، لتعيد دعاوى التعبئة الوطنية القديمة، لتصور الحركة الثورية، وكأنها معتدية، وانها عدوة الوطن، والتعامل معها، أو تأييدها، يعتبر خيانة وطنية، وطابور خامس، وعمالة لإسرائيل، وللإمريكان..ألخ. وهذا الاعلام الكاذب، المضلل، يفترض في الشعب السوداني السذاجة، والغفلة، وفقدان الذاكرة .. ولقد بلغ من سوء هذا الاعلام، ان بعض الصحفيين المأجوريين، أخذوا صور الجرحى، والمصابين في حوادث أم دوم، ونشروها في صحفهم، الآثمة، على انها جرائم ارتكبتها الحركة الثورية عند اقتحام أم روابة !! ولما كشف أمرهم، إعتذر البلال الطيب، عن هذا الخطأ الذي وقع سهواً !!

    ما الذي يجعل الشعب السوداني، يقبل ان الحركة الثورية هي العدو اليوم، والحكومة قد فاوضت، وشاركت، واتفقت مع بعض من يعتبرون من فصائها بالأمس ؟! وكيف كان الحاج آدم عدواً للدولة، ومطلوباً للعدالة، تنشر صورته في الصحف، ليقبض عليه الناس، بالأمس، واصبح نائباً لرئيس الجمهورية اليوم ؟! هل هذه مقتضيات السياسة؟! أم انها أحكام الدين ؟! أم هي مصلحة الوطن ؟!

    إن الجبهة الثورية، هي فصائل من مواطنين سودانيين، وقع عليهم ما وقع على أهالي أم دوم، بل أفظع بكثير، فحملوا السلاح للدفاع عن انفسهم، وارضهم، وعرضهم، وممتلكاتهم.. ولو قدر لهم الانتصار، ودخلوا الخرطوم، فإن ذلك لن يكون اعتداء على الشعب السوداني، وانما سيكون تهديد لمصالح افراد من جماعة الاخوان المسلمين، قفزت على السلطة بليل، واستأثرت بها ببطش، وجور، وفساد .. واذا نجحوا في القضاء على حكومة الاخوان المسلمين، يكونوا قد انتصروا للشعب، وخلصوه من جلاديه، الذين لم يرعوا فيه عهداً ولا ذمة .. لماذا يريد إعلام الحكومة المنافق، ان يصور ضرب أم روابة كجريمة، ولا يذكر ضرب مدن، وقرى جبال النوبة، والنيل الأزرق بالطائرات، والقضاء على ما بها من البشر والحيوانات، على انه جريمة ؟! لماذا صمت مؤيدو الحكومة عن قتل الآلاف من أهالي دارفور، وتشريدهم في معسكرات اللجوء والنزوح، وملاحقتهم بالاعتداء، واغتصاب النساء، داخل المعسكرات، وصاحوا الآن حين دخلت الجبهة الثورية أم روابة ؟!

    إن حكومة الاخوان المسلمين، قد بلغت حداً من الظلم، والفساد، واهدار دماء الأبرياء، يجعل أي مقاومة ضدها مبررة، وأي حركة مناوئة لها، مؤيدة من الشعب السوداني .. فحين بطشت حكومة الخليفة عبد الله التعايشي بالناس، في أخريات المهدية، وقتلت الكثيرين، وسجنت، وعذبت، وتسببت في المجاعة، قابلت قبائل الشمال، الجيش الانجليزي الغازي بالدفوف والزغاريد !! فهل تتوقع حكومة الاخوان المسلمين، أن يقف أهالي أم دوم بجانبها، إذا هاجمت الجبهة الثورية أو الحركة الشعبية الخرطوم ؟! هل تتوقع ان يقف بجانبها اهالي كجبار، وضحايا السدود، في الشمال؟! هل تتوقع ان يقف معها، أهالي شهداء بورتسودان، وجبهة الشرق ؟! هل تتوقع ان يقف معها، مزارعو الجزيرة، الذين دمرت مشروعهم، وشردتهم، وباعت اراضيهم، وخلعت قضبان القطار الذي كان ينقل القطن، واستعملت حديده، للتصنيع الحربي، بمصنع اليرموك، الذي ضربته اسرائيل ؟! هل تتوقع ان يقف معها عمال السكة حديد، والنقل النهري، الذين باعت مؤسساتهم، وشردتهم، ورحلتهم، وحطمت منازلهم، وتبني الآن لقادتها عمارات على النيل مكان بيوتهم ؟! هل تتوقع ان يقف معها المثقفون والكتاب في الخرطوم، بعد ان قفلت في وجوههم مراكز الاستنارة، وصادرت الصحف المعارضة، واعتقلت، وعذبت كل صاحب رأي حر، واوقفت الندوات، وصادرت الكتب، من معرض الكتاب ؟!

    لقد ضرب اهالي أم دوم مثلاً رائعاً في البطولة، والاصرار على الحق، فلقد رفضوا استقبال والي الخرطوم، حين جاء لعزائهم، في فقيدهم الشاب، الذي قتلته قوات حكومة الوالي.. وحين أصر الوالي، والوفد المرافق له، على البقاء في خيمة العزاء، انسحب أهالي أم دوم، وتركوهم وحدهم، إمعاناً في الرفض والاهانة .. وهذا هو نوع التعامل، الذي يجب ان يتعامله جميع افراد الشعب السوداني، مع هؤلاء القتلة. يجب ان يقاطعوا اجتماعياً، فلا يعاملوا، ولا يجاملوا، ولا تقبل مجاملتهم في الافراح أو الاتراح .. وذلك لأنهم اعلنوا بلسان حالهم، أنهم ليسوا من هذا الشعب، بل هم اعداؤه الحقيقيون، الذين قتلوا شبابه، وشردوا اهله، واغتصبوا نساءه، وباعوا أرضه، وكل ذلك ليبقوا في السلطة، التي يعبدونها من دون الله، ويجمعوا المال، الذي يحبونه حباً جماً، وإن خالطته دماء الأبرياء، والبسطاء الطيبين، من النساء، والرجال، والاطفال. ما أبخس ما بعتم به دينكم !!
    صحيفة التغيير


    ----------------

    من صاحب الانقلاب القادم؟!!

    05-06-2013 04:00 AM
    أبوذر علي الأمين ياسين

    لم يتوقع مساعد الرئيس نافع علي نافع أن يتدخل الجيش ويبطل اتفاقه مع مالك عقار!، كما أجبره ذلك على التودد علناً لعلي عثمان مذعناً وعلى الهواء مباشرة عبر برنامج "حوار اذاعي" بأن قدراته دون علي عثمان وكذلك مكانته!!. كانت لكلمات الجيش التي نشرت عبر صحيفة "القوات المسلحة" وتهديدها العلني واستهدافها المباشر لكل "المؤتمر الوطني"، -"... أيها المؤتمر.. مانفقه كثيراً من ما تقول.. وإنا لنراك فينا ضعيفاً.. ولولا «بقيةٌ من أملٍ» لرجمناك.. وماأنت علينا بعزيز..".

    فعلها ليس في انهيار نافع بل دفعت به للتفكير في لملمة باقي مدنيي الحركة الاسلامية المتصارعين على السلطة في مواجهة البروز الجديد للجيش ولأول مرة على ساحة صراع كانت حكراً ويوظف فيها الجيش نفسه بين المتصارعين. اصبح الحزب (العريض) عُرضة للاجتياح (العسكري) المعلن، وعز على نافع بكل الزخم الذي رسمه ورسخه لشخصيته أن يستقيل، بل فضل أن يلحس كوعه واتفاقيته، وكان موقف الجيش دافعاً له للاستعداد لمعركة لم تكن ضمن افق الصراع حول كرسي الرئيس.

    وتوضح عملية الجيش ضد قوات التحرير والعدالة علي بعد 40 كيلو من مدينة الفاشر، كيف أن الجيش كان من ادوات الصراع الفعالة بين اقطاب المؤتمر الوطني!!. بل توضح أن التمادي في توظيف الجيش لم يقتصر على رموز وقادة المركز من الاسلاميين وبينهم، بل تطور ليكون أداة للصراع بأيدي ولاة ضد من يتهدد موقعهم. توضح ذلك العملية التي وقعت بولاية شمال دارفور ضد قوات السيسي أو حركة التحرير والعدالة، والتي ادت لتبادل الاتهامات بين التجاني السيسي ووالي الولاية عثمان كبر والتي دخل على خطها بحر ابوقردة وزير الصحة الاتحادي في اعقاب تلك العملية التي انتهت باحتفال الوالي بها في سابقة تعد الاولي اذ لم يشهد الاقليم اي احتفال بانتصار الجيش على الحركات المسلحة إلا في واقعة قوات السيسي هذه!!.(راجع بخصوص تلك التفاصيل موقع الشروق، وموقع النيلين نقلاً عن المجهر السياسي).

    كما مثلت اقالة صلاح قوش، انفراط عقد (القوى الضاربة)، وانطلقت المذكرات والتحركات (التصحيحية) التي يقودها المجاهدون أو ما باتوا يعرفون بـ "السائحين".. وبات الانقسام شاملاً في وسط الجيش والامن والمجاهدين وحتي شباب المؤتمر الوطني. وأصبحت الساحات كلها توظف في الصراع الدائر بين اقطاب المؤتمر الوطني من الاسلاميين، بما في ذلك الصراع المسلح بجنوب كردفان والنيل الازرق، ودارفور، بل حتى الحوار مع دولة جنوب السودان كان اداة صراع فعال بين اقطاب الاسلاميين المتنفذين، تدلل على ذلك اتفاقيات الحريات الاربع، وما تبعها من صراع ادى إلى فشلها "المؤقت" الذي كان عنوانة بكاء رئيس وفد المفاوضات وقتها ادريس محمد عبدالقادر.

    اصبح كل ما يحدث يتم تحريكه من داخل المؤتمر الوطني وحكومته، تُوقع الاتفاقات، ثم ينقضها طرف آخر لانها بحساب الصراع تؤثر على وضعهم الحالي والمستقبلي. تسوى القضايا ثم فجأة تجري عمليات عسكرية تعيد كل شئ إلى المربع الاول. كل شئ بات داخل المؤتمر الوطني بما في ذلك الصراع مع القوى السياسية وتوظيفه في دعم مجموعة ضد أخرى، أو توظيفه في التلويح والتهديد ضد خط بدأ في البروز ولو جاء من قمة السلطة.

    ترتب على ذلك انسداد الافق تماماً، فليس بالامكان الجزم بأن اتفاقاً ما سيسير إلى نهاياته برغم أنه لحظة التوقيع عليه لم يعترض عليه احد وربما أُحتُفي به علناً، وبدأ وكانما حوله اجماع غير مسبوق. ولكن المتصارعين بكل شئ قد يدهشونك غداً بأنه لا أمل لأي اتفاق بالعبور إلى فضاء التطبيق بذات أريحية التوقيع عليه رغم عناء المفاوضات وتطاولها الذي هو الآخر لا يخلو من آثار الصراع وتدخل اطرافه فيه كُلٌ بحساباته. بات كل شئ داخل المؤتمر الوطني وحكومته بما في ذلك الصراع مع الحركات المسلحة والجنوب والقوى السياسية.

    سقطت وستسقط كل المبادرات والسيناريوهات التي تتبنى حلاً سياسياً متفاوضاً عليه بين أهل السودان، لان المتصارعين سيسعون بكل الادوات لإفشاله.ان تَفكك الحزب وانقسام القوات الضاربة – الجيش، الامن –لايمكن ان يدفع بخط ايجابي باتجاه حل سياسي شامل وجامع للكل، ولن يسمح به.بل الذي سيحدث سيكون عن طريق القوة (انقلاب) لانه لا مكان مع المتصارعين ومنهجهم الذي شرحناه لحل سياسي أوتراضي سياسي خاصة اذا تعلق بحكومة قومية ومرحلة انتقالية. انسد الافق السياسي تماماً لم يعد هناك مجال إلا للتغيير بـ (انقلاب) ولكن كيف؟، ومن صاحب الانقلاب القادم؟.

    هناك ثلاثة احتمالات قد يأتي الانقلاب عبرها، ولكن من الصعب تحديد أيهما أكثر حظوظاً وقابلية للنجاح، بل لايمكن ترتيبها أولاً وحتى ثالثاً!!؟. ذلك لأن طبيعة الصراع داخل المؤتمر الوطني والحكومة شائك ومتشابك للدرجة التي قد يقلب فيها الموازين حدث هامشي وبسيط يدفع بتقديم وتأخير احتمال نجاح انقلاب جهة على الاخرى.

    الانقلاب المتوقع قد يأتي من الجيش، او أن ينقلب الرئيس نفسه على الكل، أو يأتي من قبل الاسلاميين استباقاً لأي تحرك عسكري، بعد أن يلملموا اطرافهم خوفاً على وضعهم من جهة ومصيرهم من جهة اخرى. نتناول الأن هذه الاحتمالات واحداً بعد آخر.

    انقلاب الجيش

    احتمال أن ياتي الانقلاب من الجيش بات قويا، خاصة وأن الانقلاب الاخير يوضح أن الانقسام داخل الجيش بات لا يخفى خاصة بين من هم محسوبون من الاسلاميين. فشله على الاقل يعكس ذلك بدرجة ما. لكنه يوضح أن الانقسام طالهم وبقوة، كما يوضح أن التململ آخذ في التفاعل وسط الجيش فالحروب تزداد ولا حل بالافق. وميزانيات الجيش رغم ضخامتها الا أن راداراتهم لا تعمل أو أنها ليست موجودة ( لا احد يعلم)، وسمعة الجيش ومكانته عرضة للاستباحة وفي قلب الخرطوم مركز قيادته، وضربة اليرموك الاخيرة خير دليل. أما أثر الازمة الاقتصادية الراهنة فلا يخفى أثره خاصة وأن الحلول السياسية للحروب الدائرة والتي تنهك الجيش معدومة بل هي غير موجودة بالافق القريب. ورغم كل ذلك يبقى الصراع على وراثة الرئيس هو أقوى الدوافع. فالاسلاميون انتهت تجربتهم الاولي بهيمنة العسكر عليها، وبعد خمسة وعشرين عاماً تقريباً من غير المقبول أن يأتي (مدني ساي) بلغة العسكر ليرث تركة كان على رأسها عسكري. كما أنه وبعد الانقلاب الاخير بات توريثها لأحد قادة العسكر من الاسلاميين مشكلة شائكة!!، فإما أن يحسم أحد الاجنحة المعركة لصالحه ويقود انقلاباً، أو أن يذهب الانقسام بينهم بريحهم ويأتي الانقلاب من حيث لا يحسبون ومن داخل الجيش، فالصراع على السلطة يعمي ويضفي قناعاً كثيفاً يسمح بحركة وساحة للتحرك خارج اطار الاسلاميين وباريحية كاملة.

    نقطة الضعف التي سيكون أثرها كبيراً على انقلاب من قبل الجيش تأتي من القوى الاخرى المحسوبة على الجيش من مجاهدين وقوات الامن الضاربة احدى تركات صلاح قوش، وغيرها من القوات من ما لا نعلمه خاصة مع الانتشار الكثيف للسلاح بين القبائل (الموالية)، والتي كلها تحت سيطرة اسلاميين بطريقة أو بأخرى. وهذه قد تتسبب ليس في افشال تحرك انقلابي من قبل الجيش، بل قد تكون سبب حرب أهلية وفوضي في تصديها لأي انقلاب من قبل الجيش.

    أما نقطة القوة فهي الفوضى الحالية نفسها، وشيوع الازمات وغياب الحلول والتي قد تدفع عكس المتوقع، الجميع بما فيهم القبائل والفصائل المسلحة لتمرير أي حركة انقلابية مهما كان مصدرها، وهذا يصدق على الاحتمالات التي سيرد ذكرها.

    انقلاب يقوده الرئيس

    احتمال آخر أن يقوم الرئيس ذاته بانقلاب على المؤتمر الوطني والاسلاميين تحديداً!!. ليس وارداً ضمن هذا الاحتمال، سيناريو الحكومة الانتقالية التي ستتشكل من القوى السياسية أو غيرهم من أهل الخبرات. بل في الغالب أن يُستعاد مشروع (حزب مؤتمر الامة الاتحادي) بعد نجاح الانقلاب. وذلك لتوفير عدد من الضمانات التي تجعل الامر بيد الرئيس ولدرجة كبيرة مرةً اخرى، خاصة بعد تجربته وخبراته التي كسبها من صراع الاسلاميين والصراع معهم.

    أولاً لقد جرب الرئيس من قبل ذلك، وازاح رمزهم وقائدهم الشيخ الترابي. صحيح أن المبادرة والترتيب لم تكن له، لكنه جرب، ومن وقتها ظل الصراع يدور. فقد بات كل كبار الاسلاميين من من قاد ابعاد الترابي يطرح نفسه هو البديل للترابي بالحركة والحزب والسلطة. وأخذ التنافس بينهم يتحول إلى صراع، لم ينجُ الرئيس منه، فقد كان بعضهم (بل أكثرهم مكراً) يعُد مرحلة ما بعد الترابي أسهل من شرب الماء من سبيل على قارعة الطريق، وكان ينقصه فقط (القبول الخارجي)، وكان اتفاق السلام مع الحركة الشعبية هي قمة الاعداد والاستعداد لتقلد قيادة الحركة الاسلامية (قطع المفاوضات ليشارك في مؤتمر الكيان الخاص أو الحركة الاسلامية) والدولة السودانية، و ربما جائزة نوبل للسلام.

    ثانياً بسبب صراع الاسلاميين لوراثة الرئاسة فقد الرئيس الكثير من الثقة فيهم، وقد جاء الانقلاب الاخير نذيراً بأن أي مثقال ذرة من ثقة يمنحها الرئيس لهم هي خطر بالغ عليه، حتى وسط الجيش مركز ثقل الرئيس وحصنه الآمن. فقد يكون الرئيس هدفاً كما الترابي وبترتيب هو بعيد عنه يشارك فيه عسكريون كما كان الحال معه عند انقلاب الثلاثين من يونيو.

    ثالثاً لقد جرى تفريط كبير بالسماح بتكوين قوات ضاربة عالية التسليح في الفترات السابقة، وابقائها ولمدة طويلة بأيدي اسلاميين، من ما يجعل من تفكيكها أو أيلولة قيادتها لاحد ثقاته أمر غير مفيد كونها بنيت على الولاء لأشخاص أو مجموعات بعيداً عن القوات المسلحة أو غيرها، برغم أن المعلن أنها تحت أمرة الجيش أو الأمن. ورغم ذلك هذا يرجح أحتمال استهداف انقلاب الرئيس للاسلاميين.

    نقطة قوة الرئيس تكمن في الجيش اذ هو الوحيد الذي يستطيع أن يعبر انقسامات الجيش ويقود حركة يسندها الجيش. لكنها ستعود للجيش مرة أخرى بالسيطرة على مقاليد السلطة وبلا تشويش من أي قوى مدنية هذه المرة أو سياسية. ولكن الى أي مدي ستصمد كتلة الجيش هذه فهذا غير واضح. خاصة وأن نقطة ضعف احتمال انقلاب الرئيس تبقى هي القوات الاخرى التي قد تثير الاضطراب في مقاومتها له لدرجة اشعال حرب أهلية شاملة. كما يمثل اتهام محكمة الجنايات الدولية له أقوى نقاط الضعف، فمن الصعب الركون لقوى أخرى مهما كان مقدار السيطرة عليها في أمر هذه المحكمة. وهذا يضعف كثيرا عزم الرئيس على القيام بالانقلاب خاصة وأن أمر المحكمة الدولية هو كرت من الصعب الركون فيه لاسلاميي المؤتمر الوطني فهم طرف في النزاع.

    وقد تنجح هذه الخطوة مرحلياً لكنها لن تجد سنداً وقبولاً شعبياً لمدى طويل من الزمن خاصة وأن الرئيس ظل طويلا بالسلطة، وظلت الازمات والصراعات تراوح مكانها وتستفحل دون حسم. كما أن استسلام الاسلاميين لإزاحتهم أمر غير وارد عندهم بل دونه المهج والدماء. فالبقاء بالسلطة أثمن حتى من الاسلام ذاته.

    انقلاب اسلاميي المؤتمر الوطني

    احتمال أن يقوم بخطوة الانقلاب اسلاميو المؤتمر الوطني ذاتهم. خاصة وأن الممسكين منهم على زمام السلطة لا يرغبون في ذهابها مهما كلف الامر من تكاليف. فقد يدفع بهم الخوف من خطوة العسكريين إلى تشكيل كتلة واحدة في مواجهتهم، فحديث نافع عن قدرات ومكانة على عثمان في اعقاب ضرب اتفاقيته مع مالك عقار تشير إلى أن هذا الاحتمال وارد. خاصة إذا تذكرنا أن المجموعات المسلحة اضحت كثيرة، كما أن إمرتها موزعة بين العسكريين "الاقحاح" و"غير الاقحاح"، ومن هؤلاء وأؤلئك من ولاؤه للتنظيم والحزب أو للدولة أو لفرد. فيكون لهم بذلك مجال لاستخدام السلاح لحسم أمر الصراع على السلطة وكرسي الرئاسة لصالحهم.

    ولعله واضح أن قوة هؤلاء إنما تعود بالاساس للقوات الضاربة التي ظلت تحت أمرة اسلاميين تُبِّعوا للجيش على اعقاب انقلاب 30 يونيو، وظلوا طيلة هذه السنين على رأسه أو خَلفه فيهم من هو من زمرتهم وليس من العسكريين الاقحاح. كما أن هؤلاء ما زالوا يتذكرون تنفيذ انقلاب 30 يونيو بقوة من خارج الجيش لم يكن دور الجيش فيها إلا داعماً وسببا في مرور ونجاح الانقلاب. فليس من المستبعد أن يجدوا دعماً رمزياً يكون كافياً لإتمام عملية حسم استلام السلطة وفقاً لذات الاسس مع اختلاف التكتيكات والاخراج.

    ولكن نقطة ضعف هؤلاء أنهم وفور نجاح استلامهم للسلطة، وقبل أن يستتب لهم الامر، سيتنازعون فيها وبضراوة تفوق ما يجري بينهم الآن من صراع. وليس ببعيد أن من تُوكل له قيادة الانقلاب أن يستلم هو السلطة ويبعدهم ومن أول وهلة. كونه ليست هناك ثقة بينهم ولا توادد إلا على خطر ابعادهم عن السلطة.

    يبقى العامل الخارجي هو المعادل الراجح لصالح اسلاميي المؤتمر الوطني والحكومة، وليس للعسكريين من دعمه نصيب. ذلك أن كل الاتصالات والمعاملات (وتبادل المعلومات) ظلت موكولة للاسلاميين دون العسكريين، توضح ذلك بصورة أوسع من الدهشة وثائق ويكيليكس، ولكن الذي يحسمها تماما لصالح اسلاميي المؤتمر الوطني اللقاء (السري) الاخير الذي جري في بداية النصف الثاني من شهر مارس 2013 بتركيا بين الرجل الثاني في السلطة بعد زيارة لألمانيا للاستشفاء. خاصة وأن مثل هذا اللقاء تكرر مرات وفي فترات اضطراب وتصعيد للصراع الداخلي.

    لكن تكاثر مراكز القوى المتنافسة، وتشابك ملفاتها وحبائلها، تضعف كثيرا اثر هذا العامل. لعدم وجود توافق بين هذه المراكز المتصارعة، أضف لذلك أن الاستفادة من الدعم الخارجي دخل هو الآخر حلبة المتصارعين، وأقوى دليل على ذلك اتفاق نافع الاخير بأديس أبابا والصور التي نشرت في أعقابة مصافحاً هيلاري كلنتون التي كانت أثناء تلك المفاوضات بأديس أبابا. وكذلك كثرة المبتعثين (في الغالب بصورة غير رسمية) لإيصال رسالة أو استقبال أخرى، حيث يقوم كل طرف بتسويق أوراقه للخارج.

    لاتحلموا بغدٍ سعيد. لن يحدث التغيير إلا عبر انقلاب ومن داخل السلطة وحزبها، ستكون أولي نتائج هذا التغيير هو تفتت السودان إلى عدة دويلات، ستكون دارفور أولها وستتبعها أخريات، كما ستنضم بعض مناطق السودان إلى دول الجوار أول هذه المناطق ستكون جبال النوبة والنيل الازرق، وستتبعها مناطق اخرى بالشرق لصالح كل من اثيوبيا واريتريا، والشمال لصالح مصر ليس من بين هذه المناطق حلايب لأنها وقتها ستكون قد حسم أمرها لمصر مع التفتت الكبير للسودان. وسيبقى مثلث حمدي دولة ستُنازعها الاخريات في اسم السودان. أيها السودانيون ...تصبحون على وطن.

    التغيير
                  

05-07-2013, 03:32 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    التحية للصحافي المقتدر والموثق الأستاذ ( الكيك )
                  

05-20-2013, 05:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: عبدالله الشقليني)

    في سؤال العقل في الفكر السوداني (1-3) ..

    بقلم: د. حيدر إبراهيم علي
    السبت, 18 أيار/مايو 2013 22:17



    في الهامش:

    يستحق الأخ محمد أحمد محمود الكثير من الشكر والامتنان بسبب عطايا الروح والعقل التي ينفحنا بها، مرتقيا بالاسئلة الفكرية الجرئية، والمفزعة لذلك اليقين الراكد، ومقلقة لايمان العجائز الذي يتمناه المثقفون السودانيون، كسالي العقل، وخامدو الروح والحس. ومن آخر أروع الهبات كان سفره العظيم:" نبوة محمد –التاريخ والصناعة. مدخل لقراءة نقدية" (لندن،مركز الدراسات النقدية للأديان،2013،474 صفحة).
    دشن الكتاب حوارا جادا اتمني الا ينزل من
    هذا المستوي وأن تكون فرصة للارتقاء بالحوار بين المثقفين السودانيين. فقد كان للإسلامويين السودانيين فضل ادخال ثقافة الهتر والاسفاف والبلطجة الفكرية ليخدم كل ذلك الابتزاز السياسي ويمهد لما نعيشه.فقد "برطع"صبية الجبهة الإسلامية في الساحة بعد انتفاضة والديمقراطية الثالثة1986-1989.ولم يزجرهم شيوخهم ويؤدبونه بعفة الإسلام وأخلاقه.فقد كانت الاستراتيجية شبيهة بغسيل الاموال،وهي غسل فترة للسدانة لنميري من المصالحة1977 وحتي مارس1985 قبل انتفاضة ابريل1985 بأيام حين انقلب عليهم،وكان الادعاء انهم آخر من خرج من السجون.بينما هم في الحقيقة آخر من طردهم النميري من السلطة.وقد ادخل الإسلامويون السودانيون الفكر في عصر مظلم عقليا ومنحط اخلاقيا. ومع السطو الديني الذي تعيشه البلاد منذ انقلابهم المشؤوم والعقل السوداني كل يوم يرذل.ونجحوا في اقامة مجتمع يتعايش فيه الانحلال والتفسخ الاخلاقي جنبا الي جنب مع الهوس الديني والتزمت. لذلك، علينا ان ننتهز كل فرصة للدخول في حوارات ونقاشات وخلافات فكرية في مستوي العصر الذي نعيشه.وأي تقاعس سوف يجرفنا طفح مجاري البرلماني (دفع الله حسب الرسول) وامثاله من داخل قبة –ما يسمي البرلمان. وقام النظام الإسلاموي بعملية تجريف كامل للعقل السوداني بوسائل عديدة من تعليم واعلام وثقافة ونوعية حياة متدنية.



    يقوم النظام بعملية افساد منظمة لكثير من المثقفين غير الاسلامويين بواسطة الرشوة من خلال الكتابة.وابتكر الاستكتاب بمكافآت مغرية في صحف زواج الأمن والإعلام.وتقوم هذه الاستراتيجية لتجريف الكتابة علي آلية انهاك الكتاب بأعمدة يومية،مما يضطر الكاتب ان يكتب أي شئ لتسويد المساحة واللحاق بالمطبعة.وهذا سبب لجوء هؤلاء الكتاب للمهاترة وخلق قضايا مفتعلة لتكون موضوعات لطاحونات الاعمدة. وتذكرني هذه الكتابات اليومية بستات اللقيمات امام المدارس في زماننا،فالمسكينة عليها كل صباح ان تقوم بهذه المهمة الصعبة.ويذكروا ايضا بدجاج المزارع عليه واجب البيضة اليومية.وهذا الاستنزاف لوقت المثقفين الذي كان من الممكن استثماره فيما ينفع الشعب السوداني،يدخل في اطار قسمة الثروة الفاسدة والعدالة في اكل اموال اليتامي. اما المثقفون المهرولون في الايام الاخيرة نحو صحف الأمن المغرية،فتذكروا المثل السوداني:-" دار ابوك إن خربت شيلك منها شلية".
    هذا المقال هو في حقيقة محاولة لمتابعة الحوار الذي ابتدره-مشكورا-الأخ (خالد موسي) متمنيا ان يتواتر الحوار ولا يتوقف ولا يهبط.لأن كل الأزمات التي نعيشها هي أزمة عقل وليست ازمة سياسية أو أخلاقية.لابد من عودة الوعي والعقل الذي اختطفه الاسلامويون بوسائل شتى.وقد قصدت من هذا الاستطراد تحصين للحوار حول كتاب (محمد احمد محمود) من كل اشكال المهاترة والابتذال والابتزاز والبعد عن الشخصنة وضرورة مناقشة الفكرة وليس الشخص.فالمطلوب مناقشة ما كتبه عقله علي الورق،أما ماذا في قلبه من ايمان أو كفر،فهذه مهمة لها من يقوم بها خير منّا،فلنتركها له ولا نشاركه في عمله.فانا متأكد من وجود كثير من رماة الحدق ومفتشي القلوب،هم متحفزون الآن للنهش وفرش الملاية-كما يقول المصريون. فالكتاب جهد علمي وفكري رفيع،أخذ الكثير من وقت وصحة ومزاج المؤلف،فالواجب الاخلاقي يقتضي أن يعامل بالتقدير والأهم من ذلك بالجدية التي يستحقها.وهذا لا يمنع النقد والاختلاف بأي حال من الأحوال، ولكن بمعايير العلم والمنهجية والمعرفة العقلانية.فلتكن مناسبة لتنفس هواء فكري رصين خارج التلوث الإسلاموي الخانق.

    في المتن:-

    أولا: يقع الإخوة ( محمد احمد محمود) و(خالد موسى دفع الله) في خطأ منهجي شائع في مثل هذه النقاشات الفكرية؛ وهو نقاش الدين والعقيدة بأدوات ومناهج العلم والفلسفة. وهذا اشبه بأن يتحاور إثنان،يتحدث أحدهم بالصينية والآخر بالاغريقية (أو حوار الصم). فالمعرفة أو التجربة الدينية أداتها الذوق والحدس،وليس النظر والعقل.وهذا القول لا يحمل أيّ حكم قيمي،ولا يفضل أي أداة علي اخري ،طالما تؤدي الي مقصد صاحبها. وهذا ما يقره الاخ (خالد موسي) بطريقة معينة حين يقول عن (محمد محمود):-" وهو لم يجنح لما فعله أيمانويل كانط الذي أكد أنه لا توجد حقائق موضوعية تدلل علي وجود الله، إلا أن وجوده ضروريا أيضا لعملية التفكير الإنساني ومنظومة العقل البشري".
    وهذا نقاش تاريخي طويل،لا يمكن تكراره في هذا المقام ولا يجدي. ومن التمييزات التي تريحني بسبب سهولتها وشموليتها ومباشرتها؛ملاحظات الشيخ (مهدي فضل الله) التي يؤكد فيها شبه الإجماع السائد بين معظم المفكرين المسلمين المعاصرين في التمييز الحاسم بين الفلسفة والعقيدة.ويكتب:-" فهنالك فرق كبير بين منطق الفسلفة،ومنطق العقيدة؛وبين منهج الفلسفة،ومنهج العقيدة؛بين أسلوب الفلسفة،واسلوب العقيدة.إن لغة الفلسفة تختلف عن لغة العقيدة،ومن الخطأ أن نخلط بينهما.فالفلسفة والعقيدة،عالمان غريبان عن بعضهما البعض،ولا بمكن أن يلتقيا علي الإطلاق،لأنه لا علاقة جامعة بين الاثنين."(العقل والشريعة. بيروت،دار الطليعة،1995:35). وهو يري أن معالجة موضوعات العقيدة باستخدام منهج الفلسفة الذي يقوم علي المنطق - الحد والبرهان- خطأ جوهري.فهناك ارتباط وثيق بين طبيعة الموضوع المعالج،وطبيعة المنهج المستخدم.ويأخذ علي الفلاسفة والمتكلمون المسلمين،أنهم بدلا عن الدفاع :-"عن العقيدة الإسلامية، باسلوب العقيدة نفسها،شغلوا بمحاولة التوفيق بين الحكمة بدلا من أن يحفظوا للإسلام أصالته ،فإنهم شوهوا العقيدة الإسلامية،وذلك منذ اللحظة التي استخدموا فيها نماذج الفكر الاغريقي في مباحثهم".(نفسه).
    ظلت الفلسفة (و العقل) مطرودين من مناقشة وتفسير العقيدة والدين والنبوة، طوال تاريخ الإسلام وحتي اليوم. ورفضت المذاهب الفقهية الإسلامية كلها مناهج الفلسفة الاغريقية في البحوث الدينية والعقدية.ونقرأ في التاريخ،أنه بعد نفي (ابن رشد) أصدر( المنصور) خليفة الاندلس وقتها، منشورا ينهي سكان الاندلس فيه عن الاشتغال بالفلسفة. ويعلق (سلامة موسى):-" وقضت الاقدار أن ينهزم ابن رشد وأن تنهزم معه الفلسفة في الاندلس. ولكن لنا أن نتساءل هل كان سينقرض المسلمون من الاندلس لو أن الناس كانوا احرارا في تفكيرهم يتطورون ولا يجمدون؟"(حرية الفكر،كتاب الدوحة،2012،ص115). وحتي المفكر المتميز(ابن خلدون) يري أن علم الكلام غير ضروري في هذا العهد علي طالب العلم،لأن الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا!
    صار اصول الفقه هو العلم البديل،والفلسفة،وكل شئ؛ وساد القياس الفقهي حسب اجتهادات أبي حنيفة والشافعي بالذات.وفي البداية حاول(الغزالي) تقديم المنطق الارسطي كمنهج وحيد للوصول إلي اليقين.ولكنه انتهي بالتصوف مفضلا الذوق علي النظر.وبعد ذلك ظلت أغلب الاسماء المعروفة في ميدان الفقه،ترفض المنطق الارسطي.ومن بين هؤلاء: القشيري، والطرطوشي، وإبن الصلاح، وابن تيمية،وابن قيم الجوزية، والسيوطي. وفي ذلك، قال الشافعي:-" حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد،ويحملوا علي الإبل منكسين،ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام". ومن الواضح ان العقيدة والفكر الديني عموما،لم يهادن المنهج الفلسفي ولم يقبل به كأداة في التفكير أو البحث حين يتعلق الأمر بالدين.


    ثانيا: ضمن هذا السياق التاريخي والواقع المعيش راهنا،يجب أن يقرأ كتاب (محمد احمد محمود) ونقد (خالد موسى دفع الله). فقد اختارا اخضاع العقيدة والتجربة الدينية عموما لمحاكمة العقل والنظر والاجتهاد.وهذه بشرى سعيدة تسر القلب،لأنها تعني الارتقاء بالنقاش داخل الفكر السوداني الي مراقي السمو الفكري- كما اسلفت قبل قليل.فقد احتلت العقل السوداني خرافات تقليدية وجديدة لم تترك فيه أي مساحة للتفكير الحر وللعقلانية. ولكن،في هذا النقاش، اخشي من مشكلة تغلب الايديولوجيا علي العلم والمعرفة.وهذا ما تسرب في أجزاء كثيرة من تعقيب الأخ (خالد موسي) بدءا من اللغة المستخدمة، وانتهاءا بانتقاء العناوين والمفاهيم. واعتقد أن الاثنين، محمد وخالد،لم يوفقا في تداول كلمة "ناسوت" ذات الحمولة الكنسية والكهنوتية، والتي ارتبطت بالجدل حول طبيعة المسيح،مع اللاهوت.ولا أدري لماذا لم يستخدما كلمة:الانسانية او الانسية (humanism) ذات الدلالات العقلانية والتنويرية.وهذا مفهوم حداثي وأكثر عمقا.ومن مظاهر أدلجة الحوار،اختيار كلمات الإثارة والشحن العاطفي-عن قصد وترصد.فالكاتب يقول بنفسه عن كتابه أنه :-"لبنة في المشروع الكبير لنقد الدين بصورة عامة ونقد الإسلام بصورة خاصة".ويري أنه بدون هذا النقد" لا يمكن أن تنعتق المجتمعات العربية والإسلامية من ربقة تخلفها وهامشيتها وتساهم مساهمة فاعلة في بناء حضارة انسانية قائمة علي قيم الحرية والمساواة واطلاق كل طاقات الخلق والابداع الكامنة بداخل كل فرد من أفرادها".(المقدمة،ص:ك).


    هذه دعوة سامية تدعو للبناء الجديد المختلف.ولكن يصر (خالد) علي القول بأن الكتاب ليس :-" مجرد دراسة نظرية لنقد الدين الإسلامي، من خلال تناوله لظاهرة نبوة محمد صلي الله عليه وسلم وصناعتها ومراحل تطورها التاريخية . بل هو لبنة في منظومته الفكرية الالحادية". ويخرج الأخ (خالد) عن وقاره الفكري، حين يكتب:- "إن حرية نقد الأديان هو "أسم الدلع" لنقض عري الدين والقبول بدعوي أن الله خالقا لا مخلوقا، وأن النبوة صناعة بشرية". لقد كان الرجل واضحا كالشمس في عرض موقفه ولم يختفي خلف تورية أو رمز لعرض افكاره، وسمي كل الاشياء باسمائها دون حاجة لاسماء دلع أو غنج. ولكن (خالد) اراد اشعال خيال القارئ بالاهداف الخفية للكتاب. وفي موقع آخر يقذف (خالد) بتهمة أن الكتاب "هدم صريح للإسلام".
    (نواصل


    ----------------

    صمت النخبة وسط ضجيج الحرب ..

    بقلم: صلاح شعيب
    السبت, 18 أيار/مايو 2013 21:53


    لا يخفي على المراقب الصمت المريب لصفوة النخبة السودانية إزاء الأحداث الجارية في البلاد. خلافا لمؤيدي النظام الذين يجهرون بمواقفهم البينة لاحظنا أن هناك أسماء كبيرة في حقول الثقافة، والأكاديميا، والفن، فضلت دفن رؤوسها في الرمال ريثما تنقشع سحابة الصيف. هؤلاء المثقفون، أو النخبة أو الصفوة، أو الأنتلجنسيا، كما نسميهم، أيقنوا أن دورهم ينبغي أن يكون نشطا أثناء الأزمنة العادية وأن الخوض بالرأي في الأزمنة الصعبة إنما هو من شغل آخرين منهم طلبة العلم، أو نشطاء السياسة، والميديا الحديثة. أي أن هذا الرصيد المجتمعي فهم أن المثقف لا يبلل أرجله في النهر الساخن وأن الأفضل له هو أن يترك أمته تقتتل حتى إن جاء نظام ديموقراطي خرج ليقول كلمته المفذلكة لكيفية تسييره.


    وهذا الأمر لاحظناه حين جاءت ثورة أبريل. فقد ورثت تجمعات المثقفين الثورة وتحولت إلى ما يشبه خلية نحل لرسم طريق للديموقراطية وتسنم المناصب. والمؤسف أن كثيرين من هؤلاء المثقفين قضوا جل تاريخهم في مجالات عملهم في الدولة وكأنهم لم يسمعوا بشريعة القطع من خلاف، أو اغتيال الأستاذ محمود محمد طه، أو ترحيل الفلاشا، أو محارق حرب الجنوب، أو غلاء الأسعار، أو التدهور الإنتاجي، وغيرها من أزمات ذلك الزمان.
    القليل جدا منهم كان يربط نشاطه العام والسري بالأحزاب، والنقابات، ولكن غالبية المثقفين كانت تمارس صمتا كئيبا مشابها للصمت الحالي. ونذكر أن الطيب صالح كان قد أعلن ندمه حين سئل عن مواقفه تجاه ما أقترفه نظام مايو من مآس، ومنها مقتل زعيم الجمهوريين، وقال للدكتور الباقر العفيف: "هذا هو الأمر الذي لن أغفر فيه لنفسي أبداً".


    كثيرون يحاولون قصر لقب المثقف على نوع من المثقفين الذين يضحون بأغلى ما يملكون في حياتهم، وذلك أمر صحيح، إذ أن المثقف ملتزم بالموقف الصادق نحو شعبه، ولكن إذا طبقنا هذه القاعدة على مواقف المثقفين فحتما سنعثر على قلة قليلة جدا من حازوا على ذلك اللقب. وإذا كان المثقف هو الذي يضحي باستقرار حياته وروحه من أجل وطنه فإن الذين قدموا أرواحهم من المواطنين دفاعا عن البلد قاموا بهذا الدور بشكل أفضل من المثقفين الذين يقدمون أنفسهم الآن في ساحات الثقافة والإعلام.
    لقد كان المتوقع والبلاد على شفا جرف هار أن تتداعى جموع المثقفين، وحملة الشهادات العليا، إلى كلمة سواء للضغط على الفرقاء السودانيين للوصول إلى تسوية عادلة تنهي الأزمة المشتعلة التي أقلقت مضاجع العباد وتوشك أن تقودهم إلى المصير المجهول إن لم تراع عدة مطلوبات. بيد أن الحادث الآن أن تلك الجموع فضلت أن تكون في موقع التلقي لما يطرح من مواقف لدى المعسكرين المتحاربين وما بينهما من معسكر رمادي.


    وهناك أسئلة تتبدى: ما الذي يمنع هذا العدد الهائل للمثقفين من التوسط بين هؤلاء الفرقاء إذا كانوا لا يفضلون الحرب ويحبون وطنهم، ذلك كأضعف الإيمان؟ ما الذي يمنعهم من التدخل الجاد لإيقاف لعبة الأجاويد الإقليمية والدولية السخيفة لحل المشكل السوداني في العواصم من حولنا، تدخلا معززا بالقدرة على شحذ الخيال والإتيان بحلول مرضية لكل الأطراف، كما فرض المجتمع الدولي وثيقة نيفاشا على طرفي القتال؟ ما الذي يمنعهم من التأثير في الآخرين الصامتين وحملهم على صوغ بيان أو نداء للطرفين إذا كان بعضهم يخشى من التصريح برأيه حتى لا يتعرض للهجوم هنا وهناك؟.


    إن جانب من الأزمة الحادثة هي مسؤولية المثقف التاريخية والذي لم يكن واضحا في مواقفه الوطنية بدرجة كافية مثلما فعل نظراؤه أمثال غابريل قارسيا ماركيز، وواثينقو، وصنع الله إبراهيم، وسعدي يوسف، وويلي شوينكا، وأمل دنقل، وغيرهم من مبدعي العالم الثالث الذين لم يهادنوا أنظمة بلادهم حتى تحققت الديموقراطية في أوطانهم؟.
    وما من شك أن الصمت الذي يمارسه المثقفون هو الذي أغرى النظام العارف بطريقة ترهيبهم وترغيبهم للتصرف في شؤون البلاد وكأنها لا تملك قاعدة من المتعلمين والمثقفين مؤثرة على نطاق العالم وليس الإقليم فحسب. ونحن ندرك أن الصمت هو درجة من درجات التواطؤ مع الخطأ. فما دام أن المثقف الذي هو ضمير الأمة، كما يقولون، يملك القدرة المعرفية والأخلاقية للتصريح برأيه، فلا حاجة تدعنا لاحترام المثقفين الذين يفضلون إعلاء أصواتهم في غرف النقاش الخاصة.


    إن المثقفين الوطنيين حقا الذين يتحملون المسؤولية في الدفاع عن مواطنيهم لا يتهيبون الإدلاء برأيهم، خصوصا حين تتخطف عصابة من المتاجرين بالدين، والسياسة، والوطن، سلطة المجتمع. ولقد قدم المثقفون السودانيون تضحيات قليلة بالقياس للتي قدمها الشعب السوداني من أرواح في مختلف قطاعاته ومناطقه. والملاحظ أن أكثر الفئات تقاعسا عن تقديم التضحيات هم أصحاب والفكر والفن، وغالبا ما نجحت الأنظمة المتعاقبة في توظيفهم للقيام بدور إفساد الوعي وتحريف رسالة الثقافة، والإعلام، والفن. وإذا عدنا إلى الأصول المهنية والعملية لقادة الحركة الإسلامية فإنهم كانوا جزءً من رصيد المثقفين الذين قدموا أنفسهم للمجتمع كمقاومين للأنظمة القهرية. بل كانوا يقدمون أنفسهم بأنهم البديل الفكري الذي يصلح بيئات التربية والسياسية، والدين، والدولة، والاجتماع، ولكن حولت السلطة هؤلاء المثقفين من إصلاحيين إلى صناع للاستبداد في مجالات العمل العام والخاص. ومن ناحية أخرى فإن هناك المثقفين الذين كانوا يحملون مشروعا سياسيا مخالفا للإنقاذ واستطاعوا تحمل الكبت، والغربة، وفقدان الوظيفة، وعارضوا الإنقاذ بلا هوادة، ولكن استجابوا إلى إغراءات السلطة بوظائفها المتعددة. وفيما بعد صاروا أعداء لزملائهم في المعارضة، بل إنهم نشطوا في تيارات النظام المتصارعة ليمالئوا هذا الطرف ضد ذاك، ونسوا أنهم كانوا قد برروا خطوتهم نحو اللحاق بالسلطة من أجل الإسهام في تنمية البلاد وحمايتها من المؤامرات، على حد قولهم. ولعل العبارات الممجوجة التي يتشدقون بها هي أنهم يريدون إنقاذ البلاد وصد مؤامرات متصورة. وما لاحظناه أن هؤلاء المثقفين فشلوا في تقديم جرد الحساب لمشاركتهم ولم يفيدونا عن مدى التقدم الذي أحرز طوال فترة قربهم من السلطة.


    إزاء حالة السقوط التي واجهت صفوة النخبة التي ارتمت في أحضان السلطة لا نملك إلا الصبر على هذا الشباب الذي نهض دون أن يجد قادة من المثقفين للوقوف ضد خروق السلطة للسلام في كافة مناحي الحياة. والأمل كل الأمل أن يتكاتف الجيل الحالي ويتضام بمكوناته من أجل أن يحقق لنفسه حياة حرة وكريمة دون اعتماد على من نسميهم كبار المثقفين الصامتين وسط ضجيج الحرب.


    --------------



    الترابي عنقريب القد بي كراب ..

    بقلم: شوقي بدري
    الخميس, 16 أيار/مايو 2013 16:49


    كذب الترابي ما بيحتاج يولعوليه النار. ألمني أننا قد سمعنا بان الترابي قد قال بأنهم طلبوا منه أن يصلي على عبد الخالق محجوب وانه قد رفض لان عبد الخالق كافر. ثم تغيرت الكذبة بان الكلام منسوب لعسكري سجون. وهذه كذبة اغرب من الكذبة الأولى.
    مصلحة السجون قديماً كانت تخضع لانضباط عسكري عظيم. والرجال الذين كانوا علي رأسها كانوا على قدر كبير من الإنسانية. فبعد أكتوبر كان العم الصادق الطيب مدير عام السجون يبكى بدمع حقيقي ويقول للمساجين السياسيين (الحمد لله الربنا انقذكم انا كل المدة الإنتم كنتم في السجن انا كنت بدعو الله لان يفك اسركم وأنا كنت خائف تحصل ليكم حاجة وانتو تحت مسئوليتي.) بعض المساجين مثل أبو الدهب ومحمد محجوب عثمان رحمة الله على الحيين والميتين. بعضهم كان يواجهه حكماً مؤبداً. وقد قال الأخ بشير مالك بشير مدير السجون عندما أتت الإنقاذ ( أن السجن ليس لتعذيب المساجين ولكن لتأهيلهم كي يعودوا للمجتمع مرة أخري). لقد كانت السجون تخرج عمالا مهرة وكان الاثاث المصنوع في السجون يضرب به المثل لمتانته.
    عندما دخل الشهيد الشفيع سجن كوبر اتجه مباشرة نحو الميزان. وما سمعناه وحفظناه ان حكمدار السجن قال له أنحن لسه ما قرينا عليك الحكم. فقال الشفيع ( يعني يا عم ميرغنى لمن جبتوني هنى الحكم حا يكون شنو؟. نحن كل حياتنا متوقعين أي حاجة تحصل لينا. ونحن بناضل وسلاحنا الإقناع والكلمة). فقال العم ميرغنى ( انت اتكلمت في السياسة قول حاجة لربك). فقال الشفيع (انا قبل ما أجي هنا صليت ركعتين). العم ميرغنى كان من الدامر بلد الشفيع كذلك البروفسور عبدالله الطيب وهو ابن خالة الشهيد الشفيع. الشفيع لم يشارك في الانقلاب ولم يعرف به.
    سجن كوبر لم يكن ليسمح لعسكري سجون بان يصلي على عبد الخالق محجوب. وعسكري السجون قديماً كان في العشرين من عمره. وعادةً يقوم بتجهيز الميت الكبار في العمر. ويصلي عليه حفظة القرآن ومن يُشهد له بحُسن إسلامه، ولا يمكن أبدا ان يُترك ذلك الأمر للترابي الذي لم يكن يحظى باحترام السودانيين. فالعم موسى نوري كان مديراً للسجون من قبل وهو جار عبد الخالق محجوب في الحي وأبنائه الأستاذ نوري ولاعب الكرة بكري الذي عرف بالتقر. كانوا اتراب عبد الخالق محجوب.
    من المعروف ان العم مرسال ضابط السجون قد بكى في سجن كوبر عندما شنق عبد الخالق محجوب. آل مرسال من أعلام امدرمان. والشاب شاكر مرسال كان شيوعاً وشاعراً. وهو الذي قال في بداية حكم الفريق عبود مخاطباً النظام العسكري
    ولدت سفاحاً فما انت حر
    فواجه مصيرك أو فانتحر
    وهذا مما حفظناه ونحن صغار السن، مثل
    أيها الوالق في جرح الكركدن
    انت كالعنكب في سور الزمن

    عندما أتوا بالبروفسور مصطفى خوجلي على ظهر دبابة إلى سجن كوبر توقع المسؤولون بان الحكم هو الإعدام. وعندما تأكد بان الحكم هو السجن، فرح المسؤولون واحتضنوا البروفيسور فرحاً. وهكذا كان السودانيون قديماً. ومن المؤكد ان العم ميرغنى الحكمدار أو العم مرسال لم يكونوا ليتركوا مهمة الصلاة على عبد الخالق محجوب لعسكري سجون صغير السن.
    سمعت من محمد محجوب عثمان ان مدير السجن كان يضع في مكتبه شبط عسكري سجون قد تعرض للقتل حرقاً من المسجونون لانه كان قاسياً. وعرفت كذلك ان احد السجانين قد طرد من الخدمة بعد اثنتي عشر سنة لانه صفع مسجوناً جنائياً. وكانوا يقولون له (وين في اللوائح الدرسناك ليها عرفت حاجة بتديك الحق ده). فعلاقة المساجين والسجانين كانت تحكمها قوانين ومعقولية. وقد عمل الأخ بشير مالك بشير لسنين عديدة في الامارات في السجون. فالسجون في السودان كانت علم يدرس في كلية. وليس فوضى كما صور الترابي. فالشاويش لوج المشهور كان له علاقة جيدة مع المساجين. ولقد قام الأستاذ حسن التاج بتوظيفه بإحدى شركاته بعد ان تقاعد من السجون. وحسن التاج هو ابن عمة الأستاذ خليل عثمان رجل الأعمال المعروف. وحسن التاج هو صاحب سينما التاج في الدويم. وهوزوج ابنة العم الدكتور بشير عبد الرحيم، والد كتاتره عمر وحسن من اهلنا الجعافره في الدويم.
    ما اغاظني هو ان الترابي قد قال ( وقد كان معاهم واحد جنوبي ده جابوا ليه قسيس) والله أنها لمسخرة ان يتكلم الترابي عن المناضل جوزيف قرنق بهذه الطريقة. فجوزيف قرنق كان من أعظم السودانيين وكان وطنياً ووحدوياً كما كان شريفاً. والغريب ان الترابي يتغابى العرفة في جوزيف قرنق بالرغم من انه زميله في جامعة الخرطوم. ووقتها كان المحامون يعدون على الأصابع. ده والله عنقريب القد السو ليه كراب.
    في بداية السبعينات كنت أتوقع طفلاً. وكانت والدة أولادي السويدية تحتفظ بورقة في حقيبتها ومكتوب عليها جوزيف قرنق. وكنت اطلب منها ان تحفظ ذلك الاسم لأنني كنت على اقتناع بان المولود سيكون ذكراً وكنا سنطلق عليه اسم جوزيف قرنق. ولكن المولود أتى بنتاً وسميناها سابينا وهي الآن سيدة ولها أطفال. وعندما كانت صغيرة كانت شيطانة وتلعب الكرة. وكانت والدتها تناديها في تلك الحالات قرنق.
    عندما أصدرتُ المجموعة القصصية المشبك والتي قدم لها الزعيم التجاني الطيب بابكر رحمة الله عليه. كان الإهداء إلى جوزيف قرنق والشفيع وعبد الخالق. وعندما رفضوا نشر المجموعة بسبب الإهداء رفضت ان اساوم وأغير الإهداء. فتأخر الإصدار وصدرت المجموعة أخيراً. واسم المناضل جوزيف قرنق يتصدر زميليه.
    حتى بعد شنق المناضل ، تعرض اخوه روميو للظلم والسجن. وبعد ايام من الجوع والعطش، اتوا لهم بفول. فوضع روميو الفول علي الارض التي كانت مليئة بالنمل . فقالوا ته حاسب يا روميو من النمل . فقال روميو ضاحكا. انتو قولو للنمل يحاسب من روميو. روميو كان عذبا هادئا وصاحب نكته.
    لقد تعرض جوزيف قرنق للاستخفاف والتجريح والإساءة والتخوين بواسطة بعض الجنوبيين. ووصفوه بعميل للمندكوروا. إلا انه واصل نضاله. واتفاقية السلام ومشروع الحكم الذاتي في الجنوب كل هذه الأشياء أعدها ورتبها المناضل جوزيف قرنق. وحتى بعد شنقه لم تُغير. وواصل فيها النميري. وتُنسب هذه الاتفاقية والسلام إلى النميري. وأشرك جوزف قرنق كثيرا من الشماليين في الإعداد منهم الدكتور الطاهر أبو حوة والاقتصادي بابكر بوب والدكتور الفاضل عباس وآخرون. وذهب جوزيف قرنق إلى خارج السودان لإرجاع اللاجئين الجنوبيين السودانيين من كينيا والكونغو وأوغندا. وتعرض مع الأستاذ محجوب عثمان الذي كان سفيراً في اوغندا إلى محاولة قتل. وانقذهم منها البوليس الأوغندي في آخر لحظة بعد ان تعرضوا للرجم بواسطة المهاجرين الجنوبيين.
    الزعيم التجاني ومحجوب عثمان واغلب الشيوعيين وغير الشيوعيين كانوا يتحدثون دائماً عن روعة جوزيف قرنق وسعة صدره ومقدرته على تجاوز الإساءات والتجريح. واذكر ان الخال محجوب عثمان كان على وشك ان يتزوج أخت او قريبة جوزيف قرنق وهي ممرضة. وهذاما حكاه لنا الخال .محجوب عثمان
    يمكن للترابي ان يواصل في غييه. فبينما تسبب الترابي في خراب السودان كان جوزيف قرنق من الذين ناضلوا لبناء السودان ووحدته. ولن يكون أبداً (واحد جنوبي) وقد كان وسيظل أسطورة سودانية.
    تألمت جداً للشاب الشهيد في أم دوم. وشعرت بالفخر عندما قام أهله بطرد مسئولي الإنقاذ. ولكن صُدمت عندما سمعت أحدهم يقول. ( يكتلوا ليه لا دينكاوي لا نويراوي ولا شلكاوى). لقد ضحى جوزيف قرنق بحياته لكل السودان. لقد علمت الانغاذ الناس، ان قتل الجنوي والنوباوي. والآن النوبي والبجاوي والغرباوي وكل من ليس مواليا او متواليا. والمجرم هو عنقريب القد.

    تحية ع س شوقى بدري


    ------------


    د. عمر القراي مأزق العتباني!! .. بقلم: د. عمر القراي
    مأزق العتباني!! .. بقلم: د. عمر القراي
    الثلاثاء, 14 أيار/مايو 2013 11:00

    [email protected]

    (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) صدق الله العظيم
    الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، أحد زعامات الاخوان المسلمين الفكرية، والسياسية، كما أنه أحد أبرز قادة المؤتمر الوطني، ومن الذين شاركوا في انقلاب الإنقاذ منذ بدايته، واستمروا يتقلبون بين مناصبه الرفيعة، لمدى ربع قرن من الزمان.. كتب د. غازي في صفحته على الفيسبوك، مؤخراً (السلطة أضرت بالحركة الإسلامية جداً، لأنها أفقدتها الروح الرسالية وشغلتها بقضايا التأمين، خاصة بسبب أنها وصلت إلى السلطة بالانقلاب فانشغلت بالحفاظ على تلك السلطة بأي ثمن. لهذا دعوت في مرات متعددة إلى إعادة استيلاد الحركة الإسلامية برؤية جديدة، أهم ما فيها أن تكون حركة حرة في إرادتها مستقلة بمواردها وأولوياتها. الكيان الذي يسمى الحركة الإسلامية الآن هو كيان موظف من قبل الدولة وتابع لها في كل شيء حتى التمويل، لذلك لا يتوقع منه أن يؤدي أية وظيفة رسالية. أعود مرة أخرى لأقول إن نشوء حركة إسلامية جديدة لا بد أن يتم برؤية مختلفة عما هو قائم ولا بد أن يكون مشروعا مستقلا يحمله دعاة ذوو ضمائر حرة). وكتب غازي في 2 مايو وعلى نفس الصفحة: (and#65165;and#65247;and#65194;and#65261;and#65247;and#65172; and#65165;and#65269;and#65253; and#65275; and#65267;and#65170;and#65194;and#65261; and#65155;and#65253; and#65247;and#65260;and#65166; and#65159;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65172; and#65203;and#65268;and#65166;and#65203;and#65268;and#65172; and#65261;and#65165;and#65215;and#65188;and#65172;، and#65155;and#65261; and#65247;and#65228;and#65246; and#65175;and#65248;and#65242; and#65165;and#65273;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65172; and#65159;ن and#65261;and#65183;and#65194;and#65173; and#65235;and#65260;and#65266; and#65231;and#65268;and#65198; معلومة حتى لمؤيديها).وأضاف:(كما أنه ليس هنالك إستراتيجية محددة للتعامل مع دولة الجنوب ولا إستراتيجية بخصوص and#65239;and#65216;and#65268;and#65172; and#65165;and#65247;and#65228;and#65276;and#65239;and#65166;and#65173; and#65165;and#65247;and#65192;and#65166;and#65197;and#65183;and#65268;and#65172; and#65261;and#65165;and#65247;and#65228;and#65276;and#65239;and#65172; and#65251;and#65226; and#65165;and#65247;and#65262;and#65275;and#65267;and#65166;and#65173; and#65165;and#65247;and#65252;and#65176;and#65188;and#65194;and#65171; and#65175;and#65188;and#65194;and#65267;and#65194;and#65165;ً.. وأضيف أنه and#65275; and#65175;and#65262;and#65183;and#65194; and#65193;and#65261;and#65247;and#65172; and#65187;and#65194;and#65267;and#65180;and#65172; and#65255;and#65166;and#65183;and#65188;and#65172; and#65175;and#65252;and#65216;and#65266; and#65169;and#65276; and#65159;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65166;and#65173; and#65251;and#65176;and#65236;and#65238; and#65227;and#65248;and#65268;and#65260;and#65166;)(حريات 3/5/2013م).
    أول ما تجدر الإشارة إليه في هذا الحديث العجيب، هو المفارقة الاخلاقية الكبيرة، فما دام السلطة قد اضرت بالحركة الاسلامية، وافقدتها دورها الرسالي، مما افرغها من محتواها، فلماذا لم ينفض د. غازي يده من تلك الحركة، ويرفض وظائفها الرفيعة، التي كان يرفل فيها خلال العشرين سنة الماضية؟! أنظر الى عبارة د. غازي وهو يصف جماعة الاخوان المسلمين (وصلت إلى السلطة بالانقلاب فانشغلت بالحفاظ على تلك السلطة بأي ثمن)!! هل تشمل عبارة (أي ثمن) دماء الابرياء، وقوت الفقراء، واغتصاب النساء، وتعذيب الشرفاء، في "بيوت الأشباح"؟! هل تشمل تزوير الإنتخابات، ورشوة الناخبين، ليختاروا مرشحي الاخوان المسلمين، وهل شارك د. غازي نفسه في تلك الجرائم؟! فقد جاء (بسم الله الرحمن الرحيم
    المؤتمر الوطني بلدية بحري
    أمانة المؤتمر الوطني الانقاذ شمال وجنوب
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    يسرنا دعوة سيادتكم لحضور حفل تدشين مرشحي المؤتمر الوطني للدائرة (17) قومي والدائرة (22) المجلس التشريعي ومرشح والي ولاية الخرطوم وذلك يوم السبت الموافق 20/3/2010م الساعة 5 مساء بميدان مربع (1) في حي الإنقاذ شمال وستكون هنالك قرارات هامة يوم الاحتفال وهي كالاتي:
    1- إعتماد الخطة الإسكانية الخاصة بالحي.
    2- مجانية التأمين الصحي.
    3- تسجيل المجمع التعاوني بالحي.
    وسوف يشرف حفل التدشين السيد الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مرشح الدائرة (17) المجلس الوطني، الدكتور عبد الرحمن الخضر مرشح الوطني لمنصب والي ولاية الخرطوم والاستاذ عوض حامد أحمد سليمان مرشح المؤتمر الوطني للدائرة (22) المجلس التشريعي ولاية الخرطوم.
    وسوف تكون هناك مسيرة هادرة قبل بداية اللقاء.
    نرجو التكرم بالحرص على الحضور في المكان والزمان المحددين.
    اللجنة المنظمة لحفل التدشين) (صحيفة الأيام 29/3/2010م). ولقد علقت على هذا الموضوع بقولي (هذا نموذج واحد، من نماذج رشوة المؤتمر الوطني للناخبين!! ففي تدشين حملته الانتخابية، وهو يخشى السقوط على قيادة، في مكانة غازي صلاح الدين العتباني، يعد أهل الحي بأنه ستكون هناك قرارت هامة اثناء تدشين حملته الانتخابية.. فمن أين لحزب أن يقرر إعتماد خطة اسكانية خاصة بأهل الحي؟! وهل هناك خطط اسكانية في هذا البلد خاصة بأهل حي معين؟! وهل قدمت الحكومة، تأمين صحي مجاني، لكل سكان الخرطوم، أم إن هذا خاص بسكان حي الانقاذ، حتى لا يسقطوا غازي؟! وهل اقامت ولاية الخرطوم، مجمع تعاوني في كل حي، أم ان ذلك لرشوة سكان حي الانقاذ؟! وكيف يقبل المؤتمر الوطني، على نفسه، تزييف إرادة الشعب بهذه الصورة المؤسفة؟! وكيف يقبل مفكره، ومفاوضه، الذي يبشر بالسلام، والتحول الديمقراطي، استعمال الرشوة بأموال الشعب- لا مال أبيه- ليصل بها، بغير حق، الى كرسي البرلمان؟!)(عمر القراي - التهافت-أجراس الحرية أبريل 2010م).
    وفي حديثه الذي نحن بصدده الآن، يرى د.غازي ان حكومة الاخوان المسلمين لا تملك أي استراتيجية، وهي لهذا حكومة فاشلة، لأنه لا يمكن لدولة في عالم اليوم، ان تنجح بدون استراتيجية، فيقول: (and#65165;and#65247;and#65194;and#65261;and#65247;and#65172; and#65165;and#65269;and#65253; and#65275; and#65267;and#65170;and#65194;and#65261; and#65155;and#65253; and#65247;and#65260;and#65166; and#65159;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65172; and#65203;and#65268;and#65166;and#65203;and#65268;and#65172; and#65261;and#65165;and#65215;and#65188;and#65172;، and#65155;and#65261; and#65247;and#65228;and#65246; and#65175;and#65248;and#65242; and#65165;and#65273;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65172; and#65159;ن and#65261;and#65183;and#65194;and#65173; and#65235;and#65260;and#65266; and#65231;and#65268;and#65198; معلومة حتى لمؤيديها). وأضاف (كما أنه ليس هنالك إستراتيجية محددة للتعامل مع دولة الجنوب ولا إستراتيجية بخصوص and#65239;and#65216;and#65268;and#65172; and#65165;and#65247;and#65228;and#65276;and#65239;and#65166;and#65173; and#65165;and#65247;and#65192;and#65166;and#65197;and#65183;and#65268;and#65172; and#65261;and#65165;and#65247;and#65228;and#65276;and#65239;and#65172; and#65251;and#65226; and#65165;and#65247;and#65262;and#65275;and#65267;and#65166;and#65173; and#65165;and#65247;and#65252;and#65176;and#65188;and#65194;and#65171; and#65175;and#65188;and#65194;and#65267;and#65194;and#65165;ً.. وأضيف أنه and#65275; and#65175;and#65262;and#65183;and#65194; and#65193;and#65261;and#65247;and#65172; and#65187;and#65194;and#65267;and#65180;and#65172; and#65255;and#65166;and#65183;and#65188;and#65172; and#65175;and#65252;and#65216;and#65266; and#65169;and#65276; and#65159;and#65203;and#65176;and#65198;and#65165;and#65175;and#65268;and#65184;and#65268;and#65166;and#65173; and#65251;and#65176;and#65236;and#65238; and#65227;and#65248;and#65268;and#65260;and#65166;) (حريات 3/5/2013م). الحكومة إذاً، حسب رأي د. غازي، تتخبط يميناً ويساراً، في سياستها الخارجية مع حكومة الجنوب، ومع الولايات المتحدة.ويمكن ان نستنتج انها تتخبط اكثر في سياستها الداخلية، ما دامت معدومة الاستراتيجية. ومن حق الشعب السوداني أن يسأل د. غازي من الذي جاء بهذه الحكومة الفاشلة؟! وهل سيشارك غازي في إزالتها بعد أن تاكد له فشلها؟! ولكن د. غازي ليس مشغولاً بهذا، ولكن المشكلة التي تؤرقه، هي ان هذه الحكومة الفاشلة، تستخدم تنظيم الاخوان المسلمين موظفاً عندها، يتبع لها، وتقوم بتمويله، لهذا لا يتوقع منه د. غازي، ان يؤدي وظيفته الرسالية، ولذا يقول:(الكيان الذي يسمى الحركة الإسلامية الآن هو كيان موظف من قبل الدولة وتابع لها في كل شيء حتى التمويل، لذلك لا يتوقع منه أن يؤدي أية وظيفة رسالية)(المصدر السابق). فما هو الحل، لهذه المشكلة الصعبة، من وجهة نظر د. غازي؟! أسمعه يقول: (لهذا دعوت في مرات متعددة إلى إعادة استيلاد الحركة الإسلامية برؤية جديدة، أهم ما فيها أن تكون حركة حرة في إرادتها مستقلة بمواردها وأولوياتها.... أعود مرة أخرى لأقول إن نشوء حركة إسلامية جديدة لا بد أن يتم برؤية مختلفة عما هو قائم ولا بد أن يكون مشروعا مستقلا يحمله دعاة ذوو ضمائر حرة)(المصدر السابق). فتنظيم الاخوان المسلمين بعد ثلاثة وعشرين عاماً من الحكم، يريد أن يترك لنا حكومة فاشلة، عديمة الاستراتيجية، متخبطة في سياستها الخارجية والداخلية!! وهذه الحكومة الفاشلة لم تضر فقط بالشعب السوداني، وإنما اضرت بالحركة الإسلامية، نفسها، ومنعتها من تأدية وظيفتها الرسالية!! إذاً ما لدى د. غازي الآن شيئآن: حكومة عديمة الاستراتيجية ومتخبطة، وحركة اسلامية عاجزة عن تأدية مهمتها الرسالية. ومن هذا الواقع المرير، يظن غازي انه يمكن ان يستولد حركة اسلامية جديدة يحملها دعاة ذوي ضمائر حيّة!! فهل رأى الناس مثل هذه السذاجة؟! فإذا اعتبرنا ان د. غازي صلاح الدين، سيكون نواة الحركة الإسلامية، القادمة، المزعومة، فهل لديه هو شخصياً، رؤية جديدة، أم انه يحمل نفس المفاهيم التي يحملها كل الاخوان المسلمين؟! ألم يؤيد حرب الجنوب ويعتبرها الجهاد الإسلامي ويقول في مدح الحركة الاسلامية (المشروع الجهادي الذي تصدت له بفلذات أكبادها من بين أكثر ابناء السودان نضجاً، واميزهم عطاء وافضلهم استعداداً للفداء والتضحية. فما انثنى عود الإنقاذ أمام حرب الاهل والقوى الدولية، وقاتلت حتى أوصل ميزان القوة المتقاتلين حد التراضي على الدخول في السلم. وقد قدمت الانقاذ ههنا تجربة حية في تعبئة المجتمع وتعبيره عن استقلاله، فكراً وخطاباً وسياسة عملية، واستفرغت طاقتها وطاقة ابنائها في المدافعة عن أرض السودان ومصالحه من خلال مسيرة جهادية متميزة تجاوب معها السودانيون جمعياً وابرزوا استعدادات مذهلة للتضحية بالنفس والمال والولد)!!(غازي صلاح الدين: دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني-سودانايل 18/3/2005م) ولقد كان ردي عليه في ذلك الوقت ما يلي: (الذي يسمع مثل هذا الكلام الانشائي، الفارغ، يظن ان حكومة الانقاذ، كانت تحارب دولة معتدية على السودان، لا جزء من شعبها، ظلم عبر التاريخ، وحين نهض يطلب حقوقه، لم يجد من الحكومة الا الحرب!! ومع ان بعض المضللين من اعضاء الجبهة، كانوا فعلاً يعتقدون ان هذه الحرب جهاداً في سبيل الله، الا ان القادة المرفهين، المترفين، من أمثال د. غازي، لم يؤمنوا في اي وقت بأنه جهاد، وان عاقبته الجنة، وإلا لما تأخروا عنه، وتركوا فضله لمن هم دونهم في قيادة التنظيم!! وحكومة الانقاذ، لم تعتمد على التعبئة، أو الخطاب الفكري، كما اشار غازي. ولو كان كان ذلك شأنها، ما وجدت من يحارب معها، من الشعب.. ولكنها اجبرت السودانيين، على المشاركة، في هذه الحرب الغادرة، فباءت باوزارهم.. ألم تجمع الشباب من الشوارع، وتسجنهم في المعسكرات ن وتقتلهم حين حاولوا الفرار منها، كما حدث في العيلفون؟! ألم ترسل هؤلاء الشباب، المجبرين الى جبهة القتال، دون تدريب كاف، وتجعلهم دروعاً بشرية، تفجر بهم الالغام؟! فاذا توصلت الحكومة أخيراً، لقبول السلام، فهذا يعني انها اقتنعت بانه الخيار الافضل. ويعني في نفس الوقت، ان الحرب قد كانت الخيار الخاطئ.. ولن يستطيع د. غازي، ان يقنع الشعب السوداني، ولا حتى عناصر الجبهة انفسهم، بان الحكومة محقة، وحكيمة، وهي تختار السلام، وقد كانت أيضاً محقة، ومجاهدة، حين رفضت السلام، واختارت الحرب!!)(عمر القراي: فاقد الشئ لا يعطيه. الصحافة أبريل 2005م).
    ورغم نقد غازي لحكومته هنا وهناك، إلا انه كان بالاضافة الى تأييد المجازر التي تمت في الجنوب، كان باستمرار يؤيد ما جرى في دارفور، من قتل، وحرق، وتشريد بكل فظائعه.. ولم يحدث أن ادانه مرة واحدة!! ولهذا، فإن يداه، مثل أيادي أخوانه، لا تزال ملطخة بدماء الأبرياء!!ولابد ان غازي كمفكر لحركة الاخوان المسلمين، يعلم أن حرب دارفور لم تكن حرباً دينية كحرب الجنوب، وانما كانت حرب عنصرية، بغيضة، اضطرت داؤد يحي بولاد-رحمه الله- الذي كان من أبرز عناصر الحركة الاسلامية، ورئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ممثلاً للاتجاه الاسلامي في السبعينات، ان ينسلخ عن الاخوان المسلمين، ويلحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان. وحين سأله د. جون قرنق- رحمه الله- لماذا فعل ذلك، قال انه وجد العرق في حركة الاخوان المسلمين اثقل وزناً من الدين!!
    لقد وضح مأزق غازي إبان مؤتمر الحركة الإسلامية، فقد كان يهيئ نفسه، بكل كتاباته، ليصبح الأمين العام للحركة الاسلامية. وحين ابعدوه، شعر بالظلم، وبالتمييز ضده، فبدأ يتزمر، وينقد الإجراءات، وهو يعلم أن الأمر ليس أمر إجراءات!! وإن لم يدرك انها العنصرية، التي دعمها، قد ردت الى نحره.. ولو كان ذكياً لما غاب عليه ان العصبة النافذة في الاخوان المسلمين، والتي احتفلت بفكرة مثلث حمدي، التي تستبعد الغرب، والجنوب، والشرق، وتحصر خيرات السودان في مثلث الوسط، لم تكافئ عبد الرحيم حمدي نفسه، إلا بالإبعاد، وإن نظّر لها كيف تستغل بقية اهل السودان. وأن النافذين في تنظيم الاخوان المسلمين، والمسيطرين على الحكومة من (الجعليين) و (الشايقية)، يمكن ان يستغلوا الحاج آدم، وعبد الرحيم حمدي، ويلوحوا لهم بالمناصب الوهمية، ولكن لا يمكن أن يعطوا سلطة فعلية، لمن يعتقدون أنهم أقل منهم عنصراً، من أبناء الغرب، أو الجنوب، أو الشرق، أو من يكون اسمه (حمدي)، أو (العتباني)، ممن يظنونهم من الوافدينَ!!
    لقد قام بعض الإسلاميين، مثل د. الطيب زين العابدين، و د. عبد الوهاب الافندي، و د. التيجاني عبد القادر، بنقد الحكومة، والحركة الإسلامية، بصورة أكثر وضوحاً، وجدية، من نقد د. غازي. واوضحوا صور الفساد، وبينوا أدلته، ولم يرد غازي عليهم، أو يفند ما ذكروا، أو ينكره، فهو إن لم يكن موافق عليه تماماً، فهو على كل حال لا يستطيع نكرانه. ولما كان وضع غازي يختلف من أؤلئك الاسلاميين، فإن الحكومة لن تقبل منه مثل نقدهم، وإلا اتهمته بمحاولة انقلابية، لأن يملك من المعلومات، والملفات، ما لا يملكه الناقدون الآخرون. وهو لا يريد ان يدخل في تجربة سجن، وانتظار لعفو رئاسي قد لا يجئ!! كما ان الحكومة لن تسمح له بالانسحاب والسفر، لأنها تخشى ان يصبح من ضمن المعارضة الخارجية، ولهذا تستبقيه، وقد تلوح له بمنصب جديد، يكون اسماً بلا معنى!! والحكومة بذلك تضرب عصفورين بحجر، فهي من جهة، تأمن شره، وتقييد خطره. ومن جهة اخرى، تحطم مصداقيته أمام الرأي العام، لأن الذين يقرأون نقده، يقولون لو كان صادقاً لنفض يديه من هذه الحكومة التي ينقدها!! وهكذا تقتل الحكومة د. غازي ببطء، وبسكين ميتة، كما فعلت بعشرات المستشارين، والنواب، والنفعيين، والمتملقين.. وليس أمام غازي إلا المعارضة السافرة، التي لا يحتمل نتائجها، أو الاستمرار الذليل، في البقاء في نظام يرى سوآته تملأ الأفق، ثم مع ذلك، فإن ذلك التنظيم، يضطهده، ويميز ضده عنصرياً، ويمنعه من الاعتزال، كما منعه من النقد الحقيقي!!
    د. عمر القراي
                  

05-27-2013, 07:39 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)

    حَلايِبْ .. قَبْلَ أبُو كَرْشُولا!


    «د. كمال الجزولي»




    05-26-2013 07:18 PM
    كمال الجزولي

    رغم الحزن والأسى المستحقَّين بأثر ضياع أرواح المدنيين، وتدمير المـمـتلكـات العامَّة والخاصَّة في مناطق كثيرة من جنوب كردفان، كـ "أبو كرشولا"، ومن شمالها، أيضاً، كـ "أم روابة" التي زحف إليها الاقتتال الأهلي، مؤخَّراً، مِمَّا أثار، بطبيعة الحال، قلق الدَّولة السُّودانيَّة، واستنفر قوَّاتها المسلحة، وأجهزتها الأمنيَّة، ومؤسَّساتها السِّياسيَّة والإعلاميَّة كافة، إلا أن الأجدر كان بالحزن والأسى، في رأينا، والأوجب، بكلِّ المعايير، للقلق والاستنفار، طوال العقدين الماضيين، هو الوضعيَّة القانونيَّة الشَّاذة التي ظلت تفرضها مصر (الشَّقيقة)، منذ عهد مبارك، على مثلث "حلايب ـ شلاتين ـ أبو رماد" الكائن على حدودنا الشَّماليَّة الشَّرقيَّة مع البحر الأحمر، تماماً كما الوضعيَّة القانونيَّة الشَّاذة الأخرى التي ظلت تفرضها، أيضاً، إثيوبيا (الشَّقيقة) على منطقة الفشقة الخصبة المتاخمة لحدودنا الشَّرقيَّة، بتمكين مزارعيها من اجتياحها، تحت حماية السِّلاح، والاستيلاء عليها، بالقوَّة، بعد طرد المزارعين السُّودانيين منها!
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1)
    ما يلبث هذا الهوان أن يتَّسم بالمفارقة الصَّارخة حين نذكر أن أحد أهمِّ مبرِّرات انقلاب الإسلامويين، في الثلاثين من يونيو عام 1989م، هو الادِّعاء بأن احتلال قوَّات قرنق "السُّودانيَّة"، أوان ذاك، لبعض المواقع، "إنقاص للأرض من أطرافها"، استلافاً شكلانيَّاً فجٍّاً للغة القرآن الكريم! ولكي نكون أكثر وضوحاً فإن الأحداث في جنوب كردفان وشمالها، وفي شتَّى مناطق دارفور والنِّيل الأزرق وغيرهما، هي، في التَّقييم النِّهائي، وبصرف النَّظر عن أيِّ جدل آخر، قضيَّة "اجتماعيَّة"، كونها تمثِّل محض ملمح لصراع سياسي داخلي بين قوى مختلفة تنتمي إلى وطن واحد؛ أما الوضعيَّة التي فرضتها مصر على مثلث حلايب، وفرضتها إثيوبيا على منطقة الفشقة، فهي قضيَّة "وطنيَّة"، كونها تمثِّل احتلالاً أجنبيَّاً، على المكشوف، لجزء عزيز من الوطن، بالمخالفة للقوانين والأعراف الدَّوليَّة. وقد كان خليقاً بعبد الرحيم حسين، وزير الدفاع السوداني، أن يعزو عوامل إضعاف الجيش إلى هذه الوضعيَّة "الوطنيَّة" المُهينة، بأكثر من الوضعيَّة "الاجتماعيَّة" التي حمَّلها هذه العوامل في تقريره أمام مجلس الوزراء بالخميس 23 مايو 2013م.
    وبما أن نموذج حلايب، بالأخص، هو موضوع مقالتنا هذه، فيلزمنا، ابتداءً، تقرير أن مصر مبارك ما كان لها أن تقدم على هذا الإذلال الجَّهير للوطنيَّة السُّودانيَّة إلا استغلالاً، بحُمرة عين وغلظة كبد، لعُزلة وتضعضع النِّظام الإسلاموي الحاكم في السُّودان، والذي أوهنته، بأكثر مِمَّا هو عليه من وهن، واقعة القبض عليه متلبِّساً، أواسط تسعينات القرن المنصرم، بمحاولة اغتيال الرَّئيس المصري السَّابق في حادثة أديس أبابا المعروفة، دَعْ تشقُّق جبهته الدَّاخليَّة بسبب شقاقه المتفاقم مع أقسام واسعة من شعوب بلادنا التي بات أكثرها يرفع السِّلاح في وجهه، تعبيراً عن اتفاقها، رغم اختلاف لغاتها وأديانها وثقافاتها وتكويناتها الإثنيَّة، على رفض مجمل مناهجه وسياساته.

    ولا نملُّ، هنا، تكرار القول بأن المثلث السَّليب ظلَّ يتبع، تاريخيَّاً، وعلى الأقلِّ منذ الاستقلال عام 1956م، للسَّيادة السُّودانية. ومعلوم أن القاعدة الدَّوليَّة التي اتفق على إخضاع ترسيم حدود المستعمرات السَّابقة لها، أوان تصفية النِّظام الاستعماري القديم، عقب هزيمة النازيَّة والفاشيَّة في الحرب الثانية، ورفرفة رايات الدِّيموقراطيَّة على العالم، ونشوء الأمم المتَّحدة، هي الإقرار بالحدود التي كانت قائمة لحظة خروج المستعمر. ضف إلى ذلك أن سكان هذا المثلث، القاطنيه بصفة مستمرَّة لا ينازعهم فيه منازع، وعددهم زهاء الـ 200.000 نسمة، هم من قبائل البشاريين والعبابدة السُّودانيين. وإلى ذلك ظلَّ علم السُّودان، حتى أواسط تسعينات القرن المنصرم، يخفق فوقه، وظلت المعاملات فيه تجري بالعملة السُّودانيَّة، وظلت تحرسه قوَّة من الجَّيش السُّوداني، كما ظلَّ يمثِّل، تقليديَّاً، دائرة انتخابيَّة تبعث بنائبها إلى برلمانات السُّودان المتعاقبة. ولم يحدث، حتى انقلاب النُّخبة الإسلامويَّة عام 1989م، أن ادَّعت مصر حقوقاً عليه، إلا في فبراير 1958م، على أيَّام عبد النَّاصــر، حين دخـلته قوَّاته، فحشد عبد الله خليل، رئيس الوزراء ووزير الدِّفاع السُّوداني، آنذاك، قوَّاته بالمقابل، حتَّى إذا تكدَّرت علائق البلدين، واربدت سماواتها بغيوم العداوة، ولاحت في آفاقها نذر الحرب الشُّؤم، سارع عبد النَّاصر لسحب قوَّاته، فانقشع الكرب، وانزاحت الغمَّة، وانخمدت الفتنة في مهدها.

    ومن نافلة القول أنه ما مِن سودانيٍّ واحد أبدى أيَّ اعـتراض على إجـراءات عبد الله خليل تلك، رغم وقوعها في زمن صراعات سياسيَّة شديدة الحدَّة!

    (2)
    بعد زهاء نصف القرن أعاد نظام مبارك تلك المحاولة الآثمة بنجاح، للأسف، فلم يعد ثمَّة سبيل لاستعادة المثلث سوى بأحد طرق ثلاثة: الدِّبلوماسيَّة، أو العسكريَّة، أو التَّحكيم. غير أن النِّظام الإسلاموي لم يجرؤ، بسبب عوامل ضعفه المشار إليها، على محاولة أيٍّ من الطرق المذكورة.
    ظلَّ الحال على ما هو عليه، لسنوات طوال، حتى أسقط نظام مبارك بثورة شعبيَّة حلَّ محله، في عقابيلها، نظام ديموقراطي بوَّأ جماعة "الأخوان"، وممثِّلهم مرسي، سدَّة الحكم، مما أوحى، ظاهريَّاً، بإمكان توصل النِّظامين المتقاربين، أيديولوجياً وسياسياً، إلى شكل من الاتِّفاق السَّلس على إعادة المثلث إلى وضعيَّة ما قبل الاحتلال، وتحميل نظام مبارك، وحده، كامل المسئوليَّة، دعائيَّاً، عمَّا جرى منذ 1995م، وإحالة الأمر، برمَّته، لنهجه المذموم في الإساءة إلى "العلاقات الأزليَّة بين الشَّعبين الشَّقيقين"!
    غير أن ما وقع، عمليَّاً، كان بخلاف ذلك تماماً! فمن جهة مصر واصلت القضيَّة بقاءها في عتمة المسكوت عنه؛ أما من جهة السُّودان فقد واصل النِّظام تضعضعه إزاءها، لا يجرؤ على الحديث عنها، إن تحدَّث، إلا همساً، ولا الإشارة إليها، إن أشار، إلا من تحت المائدة!

    ثم جاءت زيارة الـ 48 ساعة التي قام بها مرسي إلى الخرطوم، في الرابع من أبريل المنصرم، لتفجِّر الأزمة، نفرة واحدة، بدءاً بتصريح موسى محمد احمد، مساعد رئيس الجُّمهورية السُّوداني، وزعيم (جبهة الشَّرق) المتحالفة في الحكم مع النُّخبة الإسلامويَّة بموجب (اتفاقيَّة أسمرا لسلام الشَّرق) عام 2006م، والذي صعد بالقضيَّة كلها إلى سطح المائدة، كاشفاً، في مؤتمر صحفي، عن أن الرَّئيس المصري وعد، أثناء الزِّيارة، بإعادة المثلث إلي السَّيادة السُّودانيَّة (الصَّحافة؛ 10 أبريل 2013م).
    تجدر، هنا، ملاحظة وقوع ذلك التَّصريح في سياق تململ سياسي بات، منذ حين، يعتري (جبهة الشَّرق)، حيث سبق لموسى نفسه أن عبَّر عن احتجاجه على عجز الحكومة عن تقديم أكثر من مائة مليون دولار لصندوق إعمار الشَّرق كله (المصدر)، وهو ما وصفه موسى نفسه، لاحقاً، في تنويره لمجلس الولايات، بالتنصُّل عن تنفيذ الاتفاقيَّة، والتراخي إزاء احتياجات إنسان الشَّرق الذي ما زال يعاني من الجَّهل والمرض والتَّخلف (الرأي العام؛ 1 مايو 2013م).

    بذات هذا الرُّوح الاحتجاجي كشف موسى عن "وعد مرسي" المار ذكره، وشدَّد على سودانيَّة حلايب، معتبراً "تسليم البلاد للأجيال القادمة بدون هذا المثلث وصمة عار في الجَّبين" (الصحافة؛ 10 أبريل 2013م). ثم ما لبثت صدقيَّة كشف موسى أن تعزَّزت بتصريح حسن هلال، وزير البيئة والغابات والتنمية السُّوداني، على هامش مشاركته في (مؤتمر التَّنوُّع البيولوجي والتَّنمية المستدامة) الذي نظمته (الأكاديميَّة البحريَّة بالإسكندريَّة)، والذي أكد فيه، أيضاً، على صدور ذلك "الوعد" من مرسي أثناء زيارته للخرطوم (سودان تريبيون؛ 17 أبريل 2013م).

    وثمة ملاحظة مهمَّة أخرى لا بُدَّ، أيضاً، من التنويه بها هنا، وهي أن كلا موسى وهلال وافد إلى النظام، لكن من باب التحالف مع الإسلامويين، لا من بين صفوفهم!

    وإذن، لئن أضحى معلوماً للقاصي والدَّاني، ومشاهداً بالعين المجرَّدة، خور النِّظام الإسلاموي السُّوداني إزاء احتلال مصر للمثلث منذ أيَّام مبارك، مِمَّا جعل مستبعداً إقدامه، الآن، على أية مبادأة لاسترداده، سواء بالدِّبلوماسيَّة، أو العسكريَّة، أو التَّحكيم؛ ولئن كانت علاقة التَّقارب الأيديولوجي والسِّياسي بين النِّظامين ترجِّح، مع ذلك، وجود تفاهمات بينهما لتخليص النِّظام المصري من ورطته في هذه القضيَّة، بمحاولة معالجتها، ولو من تحت المنضدة، حماية لحكومة مرسي إزاء جبهة داخليَّة أشبعها نظام مبارك شحناً عاطفيَّاً بـ "مصرويَّة" حلايب؛ لكل ذلك فإن الكشف عن "وعد مرسي" بواسطة عناصر سودانيَّة من خارج صفوف الإسلامويين خلط أوراق النِّظامين، وأربك حساباتهما، وفتح "صندوق بنادورا" ما كان أي منهما راغباً في فتحه بتلك الطريقة!

    (3)
    ما أن فجَّر الإعلام تصريحات موسى وهلال، حتى ووجه الرَّئيس مرسي بهجوم عاصف من جانب معارضيه، إلى حدِّ اتهامه بـ "الخيانة العظمى" (الوفد؛ 16 أبريل 2013م). وبإزاء ذلك سارعت مؤسَّسة الرِّئاسة للتَّراجع عن "وعده" ذاك، بنفي إثارة الموضوع، أصلاً، خلال الزيارة (وكالة الأنباء الكويتية؛ 7 أبريل 2013م). كما عجَّلت حكومة مرسي بإصدار إعلان متهافت عن بناء مساكن مجَّانيَّة، ومنح أراض بأسعار رمزيَّة لأهالي حلايب وشلاتين، وتوفير الرِّعاية الصِّحِّيَّة وخدمات المياه والكهرباء لهم بلا مقابل‏ (الأهرام؛ 10 أبريل 2013م). ثم سرعان ما تناقلت الصَّحافة المصريَّة نبأ زيارة 48 ساعة أخرى قام بها، ولما ينقضي شهر، بعد، على زيارة مرسي، وفد عسكري مصري رفيع، برئاسة الفريق صدقي صبحي، رئيس هيئة أركان القوَّات المسلحة، حاملاً رسالة مباشرة من وزير الدِّفاع السِّيسي إلى نظيره السُّوداني، فلكأن الجَّيش يستدرك على "وعد مرسي"! وفي ختام الزِّيارة صرَّح أحد أعضاء الوفد بأن الفريق صدقي قال للمسئولين السُّودانيين بلهجة حاسمة: "إن عليهم أن يعلموا أن حلايب أرض مصريَّة خالصة! وإنها خط أحمر! وإن مصر لن تتنازل، مطلقاً، عنها! وإن هذا الأمر منتهٍ تماماً، فيجب عدم التَّطرُّق إليه في المستقبل حفاظاً على العلاقات التَّاريخيَّة بين البلدين الشَّقيقين!" (الوطن؛ 1 مايو 2013م).

    ويقيناً لو كان الوضع معكوساً، وكان المخاطب "بفتح الطاء" مسئولاً مصريَّاً، لاستشاط غضباً، وللعن سنسفيل "الإخاء" و"العلاقات التَّاريخيَّة" إن كان ثمنهما مثل هذه الإهانة الفظة! لكن، للأسف، لم يصدر عن الجَّانب السُّوداني ما ينفي أو يردُّ على ذلك الإذلال بما يستحق، بل، وربَّما من باب الإمعان في الإهانة، لفت عضو الوفد المصري، في نهاية تصريحه، إلى أن وزير الدِّفاع السُّوداني "ناقش مع الفريق صدقى إمكانيَّة الاستفادة من الخبرات المصريَّة في مجالات التَّدريب والتَّسليح!" (المصدر).

    من جهة أخرى زاد طين الإذلال بلة تهافت رموز النِّظام السُّوداني ما بين "التَّشكيك!" في صدقيَّة تصريحات "زميليهما!" موسى وهلال، وبين التَّقليل من أهميَّتها، حيث صرح، مثلاً، وزير الخارجيَّة، علي كرتي، بأن التَّصريحات بشأن حلايب لا تخدم "المصالح المشتركة" للبلدين (شبكة الشُّروق، 22 أبريل 2013م). وأكد عبد الرَّحمن إبراهيم، الملحق الإعلامي بالقاهرة، أن حلايب لن تكون منطقة صدام مع مصر (!) وأن مرسي لم يعط أمراً قاطعاً بإعادة الوضع إلى ما قبل 1995م، متَّهماً بعض الأطراف المصريَّة بمحاولة تقزيم النتائج "الإيجابيَّة!" لزيارة مرسي بإثارة تنازله عن حلايب وشلاتين (الرأي العام؛ 18 أبريل 2013م). كما أكد وليد السيد، رئيس مكتب حزب "المؤتمر الوطني" السوداني بالقاهرة، أن مرسي "لم يَعِد بعودة حلايب وشلاتين إلى السُّودان"، ومع ذلك شدَّد وليد على "متانة!" العلاقات بين البلدين (موقع التِّلفزيون المصري الأوربي على الشَّبكة؛ 15 أبريل 2013م). بل إن الفريق أوَّل ركن آدم موسى، رئيس مجلس الولايات، ذهب إلى أبعد من ذلك كله بأن وصف القضيَّة برمَّتها بأنها "مجرَّد فرقعة إعلاميَّة!" (مجلة أكتوبر المصريَّة؛ 21 أبريل 2013م).

    ضف إلى ذلك شكلاً آخر من تجرُّع المهانة يتمثَّل في ممارسة "الهروب إلى الأمام" من جانب الكثيرين في النِّظام السوداني إزاء واقعة احتلال المثلث، وذلك بحديثهم الماسخ عن ضرورة اعتباره "منطقة تكامل تنموي" لمصلحة البلدين (!)، الأمر الذي لخصه رئيس مكتب حزب "المؤتمر الوطني" السُّوداني بالقاهرة، بقوله، ضمن تصريحه آنف الذكر: "لا يجب أن نحرك الحديث عن هذا الأمر في إطار خلافي، لأننا وطن واحد، وما لدي السودان ملك لمصر، والعكس أيضاً!" (المصدر).

    ومع أنه يكاد لا يوجد في مصر كلها فصيل سياسي واحد، يميناً أو يساراً، ينادي بإعادة المثلث إلى أهله، بما في ذلك، للمفارقة، حزب مرسي نفسه، فإن "أفضل" المعارضين الوطنيين الديموقراطيين قد تلقف حُجَّة "التكامل" الواهية هذه يتقي بها حرج القبول بمنطق الاحتلال، رغم أنها تضعه، على نحو ما، فوق سرج واحد مع الإسلامويين السُّودانيين، وهو النافر من شبهة التَّطابق مع الإسلامويين المصريين!

    مهما يكن من أمر فإن أبلغ تعقيب على هذا التَّنطع بمنطق "التَّكامل" ورد ضمن تأكيدات موسى محمد احمد المستقيمة، والصَّائبة تماماً، بأن "حلايب سودانيَّة، وستظل سودانيَّة، والحديث عنها يأتي من باب الحرص على السَّيادة الوطنيَّة، أما "التَّكامل" فلا يمكن تحقيقه تحت الاحتلال" (الصَّحافة؛ 10 أبريل 2013م).

    (4)
    شهدت الأيَّام الماضية استنفاراً حكوميَّاً ساخناً لاستعادة منطقة أبو كرشولا من أيدي قوَّات الجَّبهة الثَّوريَّة السُّودانيَّة. وفي خطابه بمناسبة تخريج فوج من الدُّعاة أعلن رئيس الجُّمهوريَّة أن الجَّيش اقترب من تحقيق ذلك كثيراً (صحف؛ 14 مايو 2013م)؛ كما أعلن والي الخرطوم عن تدافع "المجاهدين" بالمئات إلى مقرِّ منسقيَّة الدِّفاع الشَّعبي، طالبين الذِّهاب لتحرير أبو كرشولا (الخليج؛ 16 مايو 2013م). وبالحق تمنيت أنْ لو شهدت البلاد، قبل ذلك، استنفاراً وطنيَّاً آخر، لا يقل سخونة، لـ "تحرير حلايب"، بالدِّبلوماسيَّة الجَّادَّة، أو بالتَّحكيم العادل، مع كامل تأييدنا لمحمَّد حسنين هيكل في تمنِّياته بألا تبلغ الأزمة حدَّ اللجوء لاستخدام السِّلاح (المصري اليوم؛ 12 أبريل 2013م

    --------------



    .. بقلم: عبد الخالق السر
    الطيب مصطفى الرويبضة وزئبقية موقف د. عبد الله علي ابراهيم .. بقلم: عبد الخالق السر
    الأحد, 26 أيار/مايو 2013 10:48



    قبل اسابيع عدة، هاجم دكتور عبد الله علي إبراهيم، الطيب مصطفى، صاحب الانتباهه، في أكثر من مقالة، منتقداُ إياه بسبب الإعلان الكويتي، مثير الجدل، والذي يبحث عن فتيات سودانيات غير داكنات البشرة لكي يعملن هناك. وأصفاً إياه بـ"الرويبضة"، ومسلك جريدته بـ"ال########ة الوطنية".
    ثم عاد الدكتور في مقالة أخرى، قبل عدة ايام للاعتذار عما بدر منه من وصف للطيب مصطفى بالرويبضة ، مؤكداً أن أمثاله لا يمكن أن يطلق عليهم مثل هذا اللقب المشين....(حاشا الله يا أبا أبو بكر. فمن أخرج فتى في بسالة مصعب وفدائيته حرمت عليه الصفة. ومع أنني لم أرى أبوبكر في جهاد الجنوب إلا أنني أحني هامتي لمن سام الروح من أجل عقيدة. وهو ابن حلتي، حلة كوكو. ووددت لو التقيت به في حواريها عند المركز الثقافي وكشك النظام العام أو دكان الأمين وتداولنا أمر الوطن لأن الحديث سائغ مع كان مثله مؤرقاً بالشأن العام).إنتهى.


    وقبل أن يجف مداد المقال أعلاه، سطّر الكاتب مقالاً هذه المرة في إنتقاد "الجبهة الثورية" بعيد دخولها لمدينة أم روابة وما سببته من "رعب" للاهالي ودمار للبنى التحتية، مشككاً في متانتهم السياسية على حد تعبيره:
    (واستنكر أنصار الحركة الثورية الطعن في متانتهم السياسية ووصفوها بأنها حزازة عرقية لا غير. وغزوة أم روابة وغيرها الأخيرة شاهد على أن طعننا كان في محله. وكأننا كنا نحتاج إلى دليل لهذا الطعن بعد احتلال الحركة الثورية هجليج في العام الماضي في صحبة جيش دولة أجنبية. فحتى لو لم يقلع ثوار الجبهة موبايلات الناس أو أموالهم فيكفيهم التخريب لمنشآت خدمية وتربوية كالخلاوي لسكان ربما عادوا الإنقاذ بأكثر من "محرريهم". وصدمني تحري إعلام الجبهة الثورية التلفيق. فقال إن دخول قواتهم كان دخول ثوار خاطبوا السكان بمراميهم يتمثلون بالكوماندور ماركوس في المكسيك. ولم نر الكوماندر يترك رماداً من خلفه بل يهدي بالكلم الطيب.


    لا جدوي في تمادي الجبهة الثورية الغلاط في خرائب غزوتها الأخيرة. فكتابها في المنابر لم يتركوا سبباً للقول إنها كانت عملاً قومياً معارضاً لبقاً. خلافاً لذلك كانت غزوة ثأرية تذيق أهل شمال كردفان ما تذوقه دارفور وجنوب كردفان. فإذا تحدثنا بلغة حرب العصابات قلنا إن الجبهة الثورية أرادت تسميم البحر (الأهالي) لقتل سمكة الإنقاذ التي استعصت عليهم بقدر ما حاولوا عبر ربع قرن. فساء بعض الكتاب أن يواصل مواطنو شمال كردفان حياة عادية ببرج ماء وكهرباء بينما يشيد الموت أبراجاً في دارفور وجنوب كردفان. فتخريب منشآت المدينة في عقيدتهم هو مساواة في الظلم والعين بالعين والباديء أظلم).إنتهى.
    ومضى لآخر الشوط في مقال تال يعمل فيه تقريعا للعمل المعارض المتشح بالعنف (شاع بين معارضي الإنقاذ اليساريين بالذات أنه نظام ظلامي. والذي يجعلها ظلامية أكثر مما هي عليه أن الظلام هو طريق خصومها لحربها. قرأت الميدان الشيوعية بعد غزوة الحركة الشعبية لشمال كردفان فوجدتها لخصت الأنباء ولم يفتح الله لها بكلمة عن الغزوة. وهذا لؤم حامل لرسالة....... هناك ما ينبغي لأحزاب راشدة أن تستنكره في غزوة شمال كردفان. لو اطلعوا على الخرطوم الأمس أول لرأى مقاتلو الظلام بالظلام ترويعاً للمواطنين من قبل الشعبية استحق المؤاخذة. فيرقد الآن في مستشفى الأطباء بالخرطوم شاب يعمل في بصات أم روابة مصاب. فقد استوقفته المهاجمون فسلمهم موبايله كما طلبوا ولما أرادوا التفرق "هفت" لمهاجم منهم أن يقتلوه. ففعلوا بلا جدال. وأنجاه الله.). إنتهى.


    من جانبي، كان من الممكن أن يمر كل الكلام أعلاه مرور الكرام دون أدنى غضاضة، من منطلق أن عبد الله – إتفقنا معه أم إختلفنا- له موقفه الثابت في نقد المعارضة، ولكني أجد الرجل هنا يمارس خلطا معيبا في المكاييل، مبعثه النكوص و التراجع عن معركة قد دخلها بمحض إرادته. والأمر في تقديري، لا يحتاج الى كل هذه الزئبقية والتناقضات التي حفلت بها مقالاته المتتابعة في أكثر من شأن، منذ تقريعه للطيب مصطفى. فالاعتذار عن "الهتر" – إن كان يراه كذلك- لا يستدعي بالضرورة النفاق. فإن كان يرى الكاتب في حرب الجنوب جهاداً، ومن مقتل أبن الطيب مصطفى استشهاداً تنحني له الهامات، فعليه أن يذهب بمنطقه إلى آخر الشوط مستقيما ويتخذ لنفسه مقعدا إيدولوجيا مريحا في الحركة الاسلاموية دون لجلجة أو ربكة وإرباك، لأن إتخاذ دور المثقف العضوي أو "ألأفندي المضاد" – كما يحلو أن يسمي نفسه- بهذا المسلك الجمبازي لغويا ومفاهيميا، يحوله الى مهرّج.
    الذي يعيه أو لا يعيه – والأمر سيان- أن إتخاذه لذلك الموقف الوجودي من قضية حرب الجنوب، وضحاياها من مقاتلي الحركة الاسلامية، يجعله في خندق واحد مع الطيب مصطفى، لأن غلو الطيب مصطفى نابع من ذات التصور- أي الانطلاق من موقف مقدس يستحيل فيه كل شيء الى أداه ، بما في ذلك الوطن والأبناء.
    والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: ما هو المعيار الذي يستخدمه في نقد مقاتلي الجبهة الثورية، وفيما كل هذا التدقيق والرصد والتباكي في انتهاكاتهم الوطن والانسان، إن كان يرى في الفظاعات المؤكدة التي أرتكبها إبن الطيب مصطفى ورهطه من "المجاهدين" في كل حملات الابادة الجماعية الموصوفة في أدبياتهم ب" صيف العبور" و"الميل أربعين"...وغيرها من المعارك، عملا يستوجب إنحناء الهامة؟


    إعتذر عبد الله عن رأيه السابق في الطيب مصطفى أم لم يعتذر، فذلك لن يغير من حقيقة أن الرجل رويبضة بكل دلالات المعنى التاريخي للكلمة. وبصرف النظر عن صحة الحديث النبوي من عدمه، فإن دلالة "التفاهه" ،في تقديري، هي قلة الدراية والمعرفة وضيق الأفق، التي تجعل من تصدي صاحبها للعمل العام تطاولا. وهذا هو الطيب مصطفى الخالق الناطق. فجهله وقومه بإشكال وتعقيد الواقع السياسي السوداني وإختزاله وإبتذاله في "الجهاد" ، ومن ثم التغرير بإبنه ومن هم في سنه والعمل على غسل أدمغتهم، بأن هناك حرب دينية تستوجب التضحية بالنفس، تقف كدليل شاهد على تفاهة منطقه وقلة وعيه. وهنا أيضا لن نجد أفضل من عبد الله نفسه – في واحدة من جمبازياته- أن يمدنا بما يعزز رأينا الذي سقناه في في الرجل. ففي مقالين متفرقين: الأول ردا على دكتور الشوش، الذي لام عبد الله على إنتقاده "لقامة فكرية" –هكذا- مثل الطيب مصطفى!. فكان رده على الشوش: (لندع ذلك كله جانباً ولنسأل: هل خرج الطيب في مشروعه للحوار حتى أكون قد أفسدته عليه؟ لا. فلم يطلبه لأنه لا يحسن الحديث إلا إلى النواة ممن ضاقوا ذرعاً بغيرهم في الوطن وأرادوا الفكاك منهم. ومن دلائل بؤسه في الحوار أن كل مخالف له في الرأي سبق أن نزلت فيه آية قرآنية كفرته. فهو لا يحاور بل تتنزل منه اللعنات على مخالفيه الرأي. فخصومه لا يتكلمون بل يتقيأون. وينطبق هذا على رفيق له مثل راشد عبد الرحيم "بكل الذي قاءه". وأنظر كيف ينعت هؤلاء المخالفين: "محمود م طه الهالك"، وعلى بنته أن "تتبرأ منه كما تبرأ إبراهيم من أبيه"، وأنصاره "شياطين الإنس يتمرغون في رمضائه"، والحاج وراق التعيس وباقان خائب الرجا. وإدورد لينو "طائر الشوم"، وعقار "حقود"، والترابي "ذو مرارات شيطانية"، ولبنى أحمد حسين ترتدي "نك. . . " وتسهر في الملاهي حتى منتصف الليل. ومن رأي أحد كبار كتابه أن كلمة (شرم...) هي كلمة موفقة في زماننا حتى بعد اعتذار الجريدة. لا أعتقد أن ما عرضنا أعلاه، وهو غيض من فيض، قاموس من ينشرح للحوار أو حتى يأذن به).إنتهى.


    إن لم يكن ذلك هو الرويبضة، فمن هو يا ترى؟؟؟!!!!

    .
    ثم في مقالة أخيرة خصصت لتقصي حياة وموت الفنان الراحل محمود عبد العزيز، كظاهرة إجتماعية، عاد الرجل ليمارس زئبقية المواقف مرة أخرى، وذلك حين أسهب في وصف الغلو والتشدد الذي لازم الانقاذ – خصوصا فيما يتعلق بالهجمة الشرسة على التراث الابداعي للأمة، والتي كان بطلها الاوحد وبلا منازع هو الطيب مصطفى، حين دانت له سلطة وزارة الثقافة والاعلام. فأنظر ماذا قال: (فالحكومة أثقلت عليه (يعني الكاتب الشباب) بمشروعها الحضاري الشرعي السلبي، أو العدائي، تجاه الأغنية متنفس الشباب الرحيب. ففي التسعينات خاصة قررت الحكومة إلغاء ذاكرة الأغنية والطرب كما عرفناهما. واستدركت "مسنسرة" منه كل ذكر لكأس خمر أو تبادل قبل وغيرها. وأرادت أن تسود بدلاً عن ذلك الجلالات الجهادية مثل ""الليل ولى لن يعود وجاء دورك يا صباح .... وسفينة الإنقاذ سارت لا تبالي بالرياح". وربما كان ذلك المناخ الكاره للغناء هو الذي هيأ، لمن وصِف باختلال العقل لاحقاً، اقتحام نقابة المهن الموسيقية وقتل الفنان خوجلي عثمان. وأصبح الفقيد شهيداً للهوس الديني عند معارضي الإنقاذ خاصة.) إنتهى.
    مرى أخرى، فإن لم يكن ذلك التخريب مصدره عقل رويبضة، فما هو، ومن هو الرويبضة يا ترى؟


    ويرتفع إيقاع الفاصل الجمبازي في ذات المقال لدرجة يتراجع أمامها الكانب عن رأيه السابق في "جهاد" حرب الجنوب دفعة واحدة، والذي بناء عليه تم تقريظ فعل "إستشهاد" أبن الطيب مصطفى، حد إنحناء الهامة، ليذكرنا مرة أخرى بتاريخ لجلجته التي لا تقف عند حد، عندما يتعلق الأمر بالاسلامويين..... (أما الجريرة الثانية فهي تجييش الطلاب وقوداً لحرب الجنوب في معسكرات الدفاع الشعبي حتى صارت الخدمة الإلزمية للفداء مطلوباً من الجامعات. ومن مآسي تلك الأيام البارزة مقتلة معسكر لتلك الخدمة بالعيلفون شرقي الخرطوم. فتمرد الطلاب في 1998 وتسللوا من المعسكر ولاحقهم الحرس في مراكب أرادوا بها بلوغ الشط الآخر من النهر. فَفَزعِوا وغرق منهم 70 شاباً). إنتهى.


    هذا طبعا فيما يتعلق بالذين مورست عليهم الاكراهات ليكونوا وقودا للحرب سيئة الذكر، فأما إبن الطيب مصطفى ورهطه، فمزاجهم ودوافعهم جد مختلفة. فنشوة "الاستشهاد" كانت تملأ عليهم أوطارهم وقتها، ومن ثم، كان الولوغ في الدم والخراب هو جواز تلك "الشهادة"، والتي هي في عرف عبد الله وصحبه من الاسلامويين "بذل النفس دفاعا عن العقيدة"!.
    لست هنا في معرض الدفاع عن الجبهة الثورية ومعاركها، فأنصارها ، بلا شك، يفعلون ذلك بأفضل مني. كما لا أظن أن أفعالها وفظائعها يجب أن تمر مرور الكرام دون نقد، ولكن، في تقديري، أن عبد الله، برأيه ذلك، قد فقد شرعيته كمثقف حر يلتزم الحياد والصرامة إتجاه قضايا هذا الوطن الممحون. فهنا لا مكان للخيار والفقوس. فإن كان كل ما يتم هو حرب الظلام ضد الظلام – على حد تعبيره- ففي مثل هذه السوريالية، فإن إضفاء أية ميزة لظلام على ظلام، لهو ضرب من النفاق، وليس ذلك من سمات المثقف بأي حال من الأحوال.


                  

05-30-2013, 11:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهم المقالات فى الشان السودانى ...سياسة ادب وثقافة ..ادخل (Re: الكيك)





    اب كرشولا .. بروفة السودان الجديد أم نهايته؟ ...

    بقلم: صديق محمد عثمان
    الإثنين, 27 أيار/مايو 2013 19:55


    اغتيل الدكتور جون قرنق فعاشت الخرطوم ثلاثة أيام حالكة، في اليوم الأول انفرط عقد بعض أنصار الرجل فصبوا جام غضبهم على (المدنكورات) الذين لا ذنب لهم سواء أنهم من ساكني الخرطوم، بالمقابل انكمشت السلطة الحاكمة في بيت الرئيس في القيادة العامة تحرسها المدرعات بينما اصبح الشارع بلا سلطان، فاضطر (المدنكورات ) للدفاع عن أنفسهم فحمل البعض السلاح وسير الشباب في الأحياء دوريات لحراسة الارواح والممتلكات.
    تحرك بعض العقلاء من قادة المجتمع بينهم بعض أبناء الجنوب وطافوا على سلاطين القبائل الجنوبية الذين تمكنوا مع هولاء القيادات من السيطرة على الموقف.
    لخص صديقي وهو من الذين قاتلوا ضد جون قرنق في الجنوب قتالا لا هوادة فيه، وقائع تلك الأيام فقال أن جون قرنق افتقدته الخرطوم كلها من (ستات الشاي إلى شيخ حسن).
    لم يكن قرنق قديسا او ملاكا كما يحاول بعض أنصاره تصويره، ولا كان مصاص دماء كما حاولت السلطة في الخرطوم تصويره. ولكنه على كل حال كان قد أصبح رمزا لقضية الجنوب ووحدة السودان.
    أكبر دليل على أن قرنق لم يكن الشيطان الرجيم، هو أن حركته التي أدخلها إلى الخرطوم أظهرت تماسكا كبيرا واستطاعت أن تتجاوز الصدمة الأولى والفراغ الكبير الذي خلفه رحيله المفاجئ، وأن تستمر شريكا فاعلا في عملية السلام الموقعة في نيفاشا، وأكملت مشوارها الذي أفضى إلى نتائجه المعلومة وليست المحتومة.
    بل إن شعب الجنوب الذي انفرط عقده يوم وفاة قرنق وكاد يفقد صوابه، أظهر تماسكا عجيبا، وهو يتمرد على قيادة الحركة الشعبية التي سحبت مرشحها للإنتخابات الرئاسية بعد ذلك بخمس سنوات في 2010 فصوت هذا الشعب الوفي باعداد كبيرة للمرشح (المندكورو) ياسر عرمان ( 2.3 مليون عدد الأصوات التي نالها عرمان).
    ثم عاد هذا الشعب الجنوبي ليصوت بانضباط كبير وفي إستفتاء نظيف إلى حد كبير لصالح الانفصال.


    قبيل الإستفتاء على انفاصل الجنوب في يناير 2011 نشطت قيادة الحركة الشعبية في الجنوب في عقد لقاءات سياسية بالقوى السياسية الشمالية، فعقدت مؤتمرا لهذه القوى في جوبا، ثم أعقبت ذلك بمؤتمر للقوى السياسية الجنوبية ، ولم تنسى أن تخاطب قضية ذات خصوصية هي قضية مسلمي الجنوب.
    في هذه الأثناء كانت سلطة الخرطوم تتحدث بألسنة منكرة أحاديث (الشريعة المدغمسة) ( والحقنة في مستشفيات الشمال).

    المجتمع الدولي الذي رعى اتفاق السلام في نيفاشا واعتبره بعض قادته إنجازا لسياستهم الخارجية يسؤه جدا الإعتراف بان إتفاق نيفشا لم يحل المشكلة في السودان لأن المشكلة لم تكن في الجنوب بقدر ما أن المشكلة في نظام الحكم القومي، هذا المجتمع الدولي ليس كله على قلب رجل واحد، فاوروبا غير الإستعمارية والت دفعت فاتورة اتفاق نيفاشا كاملة قليلة الخبرة بخبايا واسرار الأزمة السودانية لذلك وافقت على الإقتراح بالحاق مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق إلحاقا باتفاق نيفاشا. بينما لا تزال أوروبا غريبة على تفاصيل أزمة دارفور.
    أما فرنسا فتحرص فرنسا على بقاء نظام الرئيس دبي في تشاد باي ثمن، خاصة بعد أحداث مالي والجزائر الأخيرة، وباتت ترى في ازمة دارفور مهددا رئيسيا لنظام الرئيس دبي وبالتالي المصالح الفرنسية التي يرعاها.
    من جهتها فان بريطانيا ترى في نظام الخرطوم خاصة بعد خروج الدكتور الترابي الضامن الاول لمصالحها في المنطقة، لذلك لا تتورع عن تدريب قوات الامن السودانية ومدها بتقنيات فنية لا تتوفر من مصادر أخرى، ويشمل برنامج تدريب قوات الامن السودانية في بريطانيا على تدريب عسكري شامل على عكس ما تشيعه الحكومة البريطانية من أنها تحاول التفاعل بايجابية مع السودان بدلا عن الموقف السلبي، بل إن وزارة الداخلية البريطانية تحدت في اكثر من مناسبة عدد من النواب واللوردات الناشطين ضد حكومة السودان من خلال منحها تأشيرات دخول اراضيها لمديري الامن السابقين الدكتور نافع علي نافع والسيد صلاح قوش.
    أما الولايات المتحدة الامريكية فنظام الخرطوم بالنسبة لها هو خزانة أسرار الحركات الاسلامية التي انفتحت على مصراعيها ومكنتها من اكمال طبختها الفطيرة المسماة الحرب على الارهاب.
    فعلى عكس الإنطباع السائد بان نظام الخرطوم قد بدأ تعاونه مع المخابرات الامريكية بعد 11 سبتمبر2000، فإن كثير من المؤشرات خاصة مقالات بعض المختصين في الشأن الامني، إضافة إلى قرائن الأحوال تشير إلى تعاون مبكر يعود إلى العام 1996 وقبله بقليل.
    ومن الواضح أن رأي الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض قد إستقر على الإبقاء على النظام القائم في الخرطوم، والضغط عليه في سبيل تقطيع أوصال البلاد بحيث لا تشكل خطر في مستقبل منظور، وهذا ما يفسر التواطؤ الدولي في عملية إغتيال الدكتور جون قرنق مباشرة بعد تحقيق اتفاق نيفاشا، فوجود قرنق باحلامه عن السودان الجديد يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الخطط الأمريكية، وهو أيضا ما يفسر سلسلة المعاينات التي تجريها الإستخبارات المريكية لقادة النظام في إطار بحثها عن انسبهم للقيام بدور في إطار خطتها هذه.
    تشكيل الجبهة الثورية من مجموعة حركات دارفور والحركة الشعبية شمال يربك هذه الخطط والمصالح الغربية بدرجة كبيرة، فالتحالف العسكري بين هه المجموعات يعيد تسليط الضوء على أن الأزمة قومية وليست في دارفور او جبال النوبة او النيل الأزرق، وقد كان لقاء هذا التحالف مع ممثلي القوى السياسية وقيادات المجتمع المدني في كمبالا خطوة متقدمة جدا في هذا الإتجاه، بينما تضغط الاطراف الخارجية في اتجاه الضغط على الحركة الشعبية شمال للتفاوض على أساس المنطقتين الملحقتين سابقا باتفاق نيفاشا بما يعني ضمنيا القبول بامكانية فصل هذه المناطق او إعطائها حكما ذاتيا متقدما في إطار السودان الحالي، بينما تطلق يد النظام في دارفور للعمل على تفتيت الحركات الكبيرة والتفاوض مع حركات منشقة لا وجود لها على الأرض وبذلك يضمن تطور النزعة الإنفصالية لدى انسان دارفور الذي تطاولت معاناته حتى إذا جاءه خيار الإنفصال تلقاه بترحاب.


    الجبهة الثورية بتشكيلتها الحالية ليست مثالا يحتذى ولكنها باتحاد حركاتها ومحاولتها إجتذاب بعض القوى السياسية ولو على سبيل التمثيل ( نصر الدين المهدي) (التوم هجو)، تعلى من النزعة القومية، ولكنها في الأخير حركات تمرد مسلحة يعتمد خطابها على لغة التحشيد والإستقطاب، خاصة إذا أخذنا في الإعتبار أنها تواجه نظاما يدعو قادته إلى إعطاء الجنود سهما في (غنائم العدو) هكذا علنا في البرلمان، لذلك لا غرابة إطلاقا أن تحدث من الجبهة الثورية تجاوزات على الأرض وهي تحارب، أو أن تظهر في خطابها بين الحين والآخر لغة غارقة في التمييز العنصري.
    الإحتمالات المرجحة في الوضع الحالي لا تخلو من واحد من ثلاثة: أن تنكسر الجبهة الثورية امام حملة الضغوط الخارجية وتجد نفسها مساقة سوقا إلى طاولة المفاوضات مع النظام على غرار نيفاشا، ويتزامن ذلك مع عدم مقدرتها على تحقيق انتصار عسكري حقيقي على الأرض، وربما يعتقد النظام مخطئا أنه بذلك يحقق انتصار بينما في الحقيقة هو يقطع ساقيه ويجثو على ركبتيه وسيسهل بعد ذلك على القوى الخارجية أن تغرس السيف في صدره حتى النصل.
    أما الإحتمال الثاني أن تستطيع الجبهة الثورية الصمود أمام الضغوطات الخارجية وقتا كافيا حتى تحقق حملتها العسكرية ثمارها في ظل غياب تام للقوى السياسية أو القوات النظامية (الجيش الوطني) ، ومهما كانت قداسة الثورة التي تنادي بها الجبهة الثورية فان دروس التاريخ تعلمنا أن المنتصر بالسلاح ينزع نحو فرض رؤيته كاملة غير منقوصة، وبذلك ستستبدل البلاد نظام الإنقاذ الحالي المائل عنصريا بنظام آخر يأتي رد فعل له مائل عنصريا في الاتجاه المعاكس فلكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس في الاتجاه.
    أما الإحتمال الأمثل هو تنهض القوى السياسية المعارضة سلميا بدورها الطبيعي في اسقاط النظام من خلال هبة شعبية متزامنة مع حملة الجبهة الثورية المسلحة، وتفلح هذه القوى في إستمالة الجيش الوطني إلى صف التغيير كما يحدث كل مرة، وبذلك يتحقق التغيير بارادة وطنية خالصة وتتحرر الجبهة الثورية من حملة الضغوط الخارجية ومن مخاطر الإنزلاق العنصري المحدق بها داخليا.



    --------------------



    دفاعا عن الصحافة السودانية: واجب التضامن وتثبيت المبدئية ..

    بقلم: فيصل محمد صالح
    الإثنين, 27 أيار/مايو 2013 09:19



    جلسنا يوم السبت الماضي لثلاث ساعات نستمع للأستاذين الجليلين محجوب محمد صالح والبروفيسور عبد الله حمدنا الله، بلا حركة أو بادرة ملل، بل بمتعة كاملة وحالة أقرب للطرب، في منبر نظمته طيبة برس بالتعاون مع اللجنة القومية للاحتفال بالعيد الماسي لمؤتمر الخريجين، عن "دور الصحافة السودانية في الحركة الوطنية". حضر المنتدى مهتمون حقيقيون بالمسألة المطروحة من صحفيين ومثقفين وسياسيين نعموا بفيض من المعلومات والمعارف التي يكنزها المحجوب وحمدنا الله في صدريهما

    ولم تجد أكثرها فرصة للخروج للقارئ السوداني عبر الكتب المطبوعة.

    قدم الرجلان شهادة عظيمة في حق الصحافة السودانية، أو على الأقل حول دورها التاريخي في تلك المرحلة الهامة من تاريخ البلاد. وأحسن حمدنا الله حين انتقد تحديد مصطلح الحركة الوطنية في السياسة، وقال إنها حركة مجتمعية شاملة تشمل التعليم والثقافة والتوجيه والتحديث بشكل عام، ودلل على ذلك بمواقف كثيرة لمؤتمر الخريجين والقيادات الوطنية المختلفة.

    ورد محجوب اعتبار الصحافة السودانية حين عدد مساهماتها في طرح ونقاش كل القضايا الأساسية التي تهم المجتمع السوداني وطلائعه المثقفة. وفي الحقيقة، وكما يقول التاريخ إن الصحافة السودانية كانت هي المنبر الأول لتشكل الوعي الوطني وتحديد مساراته، على صفحاتها طرحت أولى دعوات الاتجاه الاستقلالي، ومنها أو ردا عليها خرجت جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الابيض. الصحافة السودانية هي من حمل دعوة أحمد خير في محاضرته الشهيرة بمدني لتكوين مؤتمر الخريجين، طافت بها ربوع السودان، حتى التقى جمع المتعلمين السودانيين في فبراير 1938 ليعلن ميلاد مؤتمر الخريجين.

    وجدت الصحافة كمنبر حر للتفاكر والتداول قبل الجمعيات والأحزاب والتنظيمات المختلفة، وحملت العبء كاملا في المرحلة الأولى، لمناقشة وطرح كل القضايا، ولعل كل القيادات السايسية التي خرجت من كل الاتجاهات كانت ذات صلة بالصحافة، إما عملت فيها احترافا، أو كتبت فيها بشكل منتظم. من على صفحات الصحف خرجت التيارات السياسية وتكونت الأحزاب وانشقت، منها خرج مؤتمر الخريجين، وفيها تنافس "الشوقيست" و"الفيليست"، وتجرأت في وقت مبكر على قداسة الطائفية وتحدتها ، وانتصرت قيم الحداثة بعد أن خاضت أعظم معاركها.

    ولا تزال الصحافة، رغم كل شئ، تلعب هذا الدور الريادي، حتى أتى وقت وصفها فيه الراحل العظيم محمد إبراهيم نقد بأنها متقدمة على الأحزاب السياسية، بل في حقيقة الأمر أن معظم الأحزاب في بلادنا، بما فيها الحزب الحاكم، تمارس نشاطاتها على صفحات الصحف، بأكثر مما تفعل في ميادين الحراك الجماهيرية الحقيقية.

    لا تزال الصحافة السودانية، رغم القيود الشديدة والتضييق المستمر، تلعب دورا هاما وطليعيا، ولا تزال ساحة نضال شاق وصعب، يخوضه الصحفيون، ويواجهون الإيقاف والمصادرة والمنع من الكتابة والرقابة القبلية والبعدية، الداخلية منها والخارجية، واشكال أخرى من الضغوط.

    تتوسع هذه الأيام جبهة المنع والمصادرة، وتطال صحف وصحفيين كانوا محسوبين على النظام وأجنحته، مصادرة وإيقافا ومنعا من الكتابة، ويخطئ بعض الزملاء حين يظنون أنها لحظة مناسبة للشماتة أو التذكير بمواقف سابقة، لكنها أفضل وأبهى لحظة للتضامن بين الصحفيين وتوحيد الصفوف وتوسيع جبهة الدفاع عن حرية الصحافة.

    هل يكسب الصحفيون الوطنيون والمهنيون، والذين أنفقوا عمرا في النضال ضد الرقابة وتقييد الصحف، بانضمام صفوف جديدة لهم، حتى لو خرجت من بين مؤيدي النظام، أم يخسرون؟

    لقد ضاقت صدور الأجهزة ، ومن بيدهم الأمر، حتى بكلمات نصح من أفنى عمرا في تأييدهم، وهذه علامة فارقة في مسيرة النضال من أجل ضمان الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن للمنادين بالحرية والديمقراطية أن يسمحوا لأنفسهم بالرسوب في امتحان حقيقي لأول مبادئ الديمقراطية: الحرية لنا ولسوانا.

    التضامن مع الصحف الموقوفة، أيا كان اتجاهها، والصحفيين ورؤساء التحرير الموقوفين، واجب وطني ومهني يجب ألا يتقاعس عنه أحد.

    ---------------


    هل يتحوَّل الفشل إلى إنهيار؟ ..

    بقلم: عمر الدقير
    الأربعاء, 29 أيار/مايو 2013 12:05




    للتذكير، يُطلق على الدولة وصف الفاشلة في الأحوال التالية:

    • فقدان الدولة المعنية احتكار شرعية استخدام العنف وعدم قدرتها على حماية مواطنيها، أو أن تستخدم العنف لقمع مواطنيها.
    • فقدان الدولة السيطرة المادية على كامل تراب أرضها.
    • تدهور إقتصادي حاد يضعف قدرة الدولة على توفير الخدمات العامة الأساسية وتحقيق الحد المعقول من رفاه المواطنين.
    • أهم السِّمات الرئيسة الأخرى للدولة الفاشلة تشمل تدويل قضاياها الداخلية، الفشل في بلورة هوية وطنية موحدة وتفشي الفساد على نطاق واسع.

    على مستوى السودان، لم يَعُد السِّلاح حكراً على قوات الدولة النظامية، بل أصبح مُشاعاً تحمله حركات معارضة وتحمله مليشيات دفاع شعبي ومليشيات قبَلية ويحمله جنود مراقبة دوليون ويتدرب عليه أصوليون بمنطقة الدندر ويتربَّح منه مهرِّبون عبر الحدود كما يحمله أفراد عاديون بلا ترخيص، وما خفي كان أعظم، حتى كأنَّ أبا الطَّيب المتنبي نظر إلى واقع السودان اليوم عندما قال: "إنَّ السِّلاحَ جميعُ الناس تحمله".

    ونتيجةً لتراكمات تاريخية وانعدام ساحات ديموقراطية لتسوية النزاعات الاجتماعية والتناقضات التنموية، انفجر الصِّراع المسلَّح في ولايات دارفور، ما أدَّى إلى وقوع عدة مناطق تحت سيطرة حركات مناهضة للدولة (الدولة ممثلة في نظام الانقاذ الذي يتماهى معها تماماً)، وبعد انفصال الجنوب وتداعياته فقد النظام سيطرته المادية على مناطق أخرى في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. ورغم تخصيص النظام نصيب الأسد من الموارد العامة لأجهزة الدفاع والأمن على حساب حاجات الناس الأساسية، إلّا أنَّ ذلك لم يمنع قوات حركة العدل والمساواة من دخول العاصمة في وضح النهار حتى لم يبق بينها وبين القصر الجمهوري سوى عدوة فرس، كما تمكنت الجبهة الثورية أن تبلغ بسنابك خيلها مدينة أم روابة التي لا تبعد كثيراً عن مركز الحكم في العاصمة .. ومع ذلك يجب الاعتراف للأجهزة الأمنية بنجاحها في قمع أي حراك جماهيري سلمي مُطالب بحقٍ سليب أو مُحتّج على واقعٍ كئيب.

    يترافق الصِّراع الرَّاعف دماً، في أكثر من رقعة من الوطن، مع أزمة إقتصادية طاحنة وسَّعت مساحات الفقر والبطالة والبؤس العام وجعلت السَّواد الأعظم من السودانيين يكابدون شظف العيش والضوائق الحياتية، تثقل كواهلهم الجبايات والإتاوات ويواجهون صعوبة بالغة في الحصول علي خدمات الصحة والتعليم والرِّعاية الاجتماعية والمياه النظيفة وغيرها من الخدمات الأساسية التي تخلت الدولة عن مسؤولياتها تجاهها، وذلك في إطار حالة عامة من الفساد المؤسسي والمحسوبية وغياب الشفافية والمحاسبة.

    لا يختلف اثنان في أنَّ النخب السياسية والعسكرية التي تبادلت السيطرة على السلطة من المركز تشترك في مسؤولية الفشل في بناء الدولة الحديثة من خلال مشروع وطني ديموقراطي ينقل الولاء من القبيلة والجهة إلى الدولة بمؤسساتها الشرعية وإداراتها المدنية وقواعدها القانونية .. نظام الانقاذ فاقم من خطورة هذه المشكلة باستخدام الأوراق القبلية والجهوية لتثبيت أركان وجوده، رغم تناقض ذلك مع مبرر وجود الدولة التي يتحكم بمفرده في إدارتها، ما أدَّى إلى إضعاف ما كان موجوداً من شعور وطني جمعي ونقضِ النسيج الاجتماعي أنكاثاً وتسليمه لمُمكنات التحلل والتذرر واللواذ البغيض بالهُويَّات الصُغرى.

    عندما استولى نظام الإنقاذ على الحكم عام 1989م كان من أبرز شعاراته "استقلال القرار الوطني"، وكان أهم ما عاير به قادة النظام الديموقراطي ارتهانهم للأجنبي وتفريطهم في السيادة الوطنية، لكنه بسبب التكتيكات البائسة التي اعتمدها لإقصاء الآخرين وتأمين قبضته على السلطة واحتكارها، فتح الباب واسعاً لتدويل القرار الوطني وإبعاد أهله عنه بعد أن وجد أنَّ مدناً متفرقة في أرجاء العالم، مثل أبوجا ونيفاشا ونيروبي ونجامينا وأديس أبابا والدوحة وبروكسل وأوسلو وغيرها، أقرب إليه من أي مكان داخل السودان يجمعه مع معارضيه، وانتهى الأمر بتسليم الولاية على قضايا الوطن المصيرية للأمم المتحدة و"دول الاستكبار"، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الإفريقي ودولة قطر بغطاء من الجامعة العربية. وصارت قضايا النزاعات الداخلية في السودان تنافس القضية الفلسطينية في عدد قرارات مجلس الأمن، كما فاقت أعداد جنود القوات الأجنبية المتواجدة في السودان أعداد جنود القوات التي كانت تحتله أيام الاستعمار .. هذا فضلاً عن الاحتلال الاجنبي المستمر لمثلث حلايب في أقصى الشمال الشرقي ومنطقة الفشقة الواقعة على التخوم الشرقية.

    "إنَّك لا تجني من الشوك العنب" .. فما كان لنظام حكمٍ عضوض، صادَر الوعي العام واعتقل العقل الوطني الجماعي وذبح البصيرة السَّديدة على نُصُب شهوة السُّلطة وحُرِم نعمة النقد والمراجعة، إلَّا أن يتخبَّط من فشلٍ إلى فشل، حتى أصبح المرء يحتاج إلى أضعاف مساحة بصره كي يستيطع الإحاطة بمشاهد الفشل .. فحيثما توجَّهت الأبصار، بعد أربعةٍ وعشرين عاماً من حكم الانقاذ، تجد أمامها مشهداً كلاسيكياً من مشاهد توصيف الدولة الفاشلة .. وإذا كان تاريخ نشوء وزوال الدول يشير إلى حتمية انهيار الدولة عندما تجتمع فيها مؤشرات الفشل وتتفاعل زمناً فيما بينها، فإنَّ المخاوف تزداد بأنَّ لحظة انهيار الدولة في السودان قد اقتربت .. وإذا كان الأمل في أوبة نظام الانقاذ إلى اعتبارات الرُّشد السياسي والوازع الضميري والمسؤولية الوطنية يكاد يكون معدوماً، فهل يكتفي السودانيون بإسناد ظهورهم للحوائط ومراقبة وطنهم وهو يتدحرج نحو هاوية الانهيار، أم يندفعوا إلى نشيدهم الخاص ويستدعوا موروثهم النضالي لمواجهة تحدِّي التغيير المصيري؟


    --------------

    في سؤال العقل في الفكر السودان(3-3) ..

    بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
    الإثنين, 27 أيار/مايو 2013 09:13


    خامسا: يحاول(خالد) اثبات هزيمة دعاة الفكر النقدي بادوات علمية، فيصل الي استنتاجات تبدو وكأنها ذات أرضية علمية لأنها لجأت للأرقام والاحصائيات.وهذا مايسمي "وهم الارقام" أو الارهاب بالارقام باعطائها سلطة حسم الجدل.فهو بدعوى العقلانية يكتب
    "ولعل نتيجة هذا الجهد الثقافي والعلمي في تحقير الدين في حياة المسلمين أصبحت مخيبة لآمال العقلانيين، وأدت الي نتائج عكسية تماما، حيث إزدادت وتيرة التدين بصورة كاسحة في المجتمعات الإسلامية والعربية ،مما أنعكس علي جوهر عملية الحراك السياسي والديمقراطي الراهن في المنطقة، وارتفعت معدلات انتشار الدين الإسلامي بصورة غير مسبوقة ليصبح الديانة الثانية في العالم من حيث عدد معتنقيه وأسرع الديانات إنتشارا في العالم، بل أصبح هوية ثقافية وحضارية لكثير من الشعوب، حيث وصلت نسبة من يعتنقونه حسب آخر إحصاء 19.8% من جملة سكان العالم".وفي موضع آخر يري ان الكتاب لا يشكل خطرا:- "لأنه أعاد إنتاج المزاعم الإلحادية القديمة بالطعن في حقانية النبوة المحمدية و ماهية الدين في حياة الناس، وضرورة تجاوز الدين وتحقيره في حياة البشر بدعوي العقلانية، وستتصدي لدعوي هذا الكتاب مراصد الوعي والحداثة الدينية، ومواطن التدين التقليدية القوية في العالمين العربي والإسلامي مما يجعل صوت من ينادون بمنهجه ويتبنون أفكاره بدعوي الإستنارة والعقلانية يتوارون حرجا وخجلا من مواجهة الجماهير الهادرة دون تخويف أو حجر بل بطريقة ديمقراطية شفافة وعادلة، طالما كانت الديمقراطية هي الخضوع لرأي الأغلبية دون مصادرة لحق الأقلية".


    اتوقف قليلا لمجاراة الأخ(خالد) في منطق اثبات التدين بالأرقام .ففي عدد يوم 11 مايو2013 من "الاهرام العربي"ملفا كاملا عن انتشار ظاهرة الالحاد في مصر. وقد استعانت المجلة بأرقام من مصادر علمية أجنبية موثوقة مثل معهد(قالوب). والأهم من ذلك،أليس من المثير للدهشة أن تنشر مثل هذا التقرير اصدارة عربية في بلد يحكمه حزب اسلامي؟وهذا أمر شديد الدلالة في التعامل مع قدسية الدين والمحرمات. فقد أعلن المعهد في استطلاع لقياس الرأي، وهو الذي يجري مثل هذه القياسات في140بلدا،أن عدد الملحدين في مصر زاد بصورة كبيرة. وقد قدرها استشاري الطب النفسي (ماهر صموئيل) بحوالي 2مليون ملحد. ثم ما رأي الأخ (خالد موسي) في التقرير الذي نشرته صحيفة (الموجز) المصرية يوم 6مايو 2013 في الصفحة16 والذي يستهل بالقول:-" رغم أن النظام الحاكم في مصر محسوب علي التيار الديني إلا أن الفترة الماضية شهدت تزايدا في اعداد الملحدين المصريين خاصة بين الشباب سواء بالنسبة للدين الإسلامي أو المسيحي حتي أن كثيرا منهم أصبح يعبر عن نفسه صراحة علي شبكة الانترنت بعدما أصبح لهؤلاء الملحدين منتديات وصفحات خاصة بهم يعبرون من خلالها عن آرائهم".وورد في التقرير أنه تم عقد اجتماعات سرية بين ممثلين من الازهر والكنيسة من أجل إعداد خطة لمواجهة هذا الفكر الالحادي.


    وفي نفس السياق،تقول المصادر سابقة الذكر،في احصائيات عن الالحاد والتدين تنفي وهم أن بلادنا محصنة من الالحاد رغم شدة التدين الظاهري. ففي عام1900 كان91% من الملحدين يعيشون في أوربا، وبقية العالم9% فقط. ولكن في سنة2000 صارت نسبة الملحدين في أوربا 15% فقط،بينما يعيش85% في بقية العالم.وهذا يدحض اسطورة الغرب واوربا المادية المنحلة.كما أن نسبة الملحدين في العالم سنة1900 كانت1% من سكان العالم،وصارت في عام2000نحو 15% من البشر أي قرابة مليار شخص.وهذا يجعل الالحاد أكثر الديانات نموا في القرن العشرين.(راجع التقرير سابق الذكر).ولا يتوقف نموهم عند الحد الكمي بل لاحظت التطور الحادث في افكارهم ونشاطهم "الدعوي؟".ولديهم في السنوات الاخيرة عدد من المفكرين والكتاب،والي جانب الانترنت رفدوا المكتبة الورقية باصدارات هامة.فقد حصلت في زيارتي العام الماضي لاوربا علي كتابين في غاية الاهمية والتشويق،الأولي(The Portable Atheist-Essential Readings for Nonbeliever)وهي تحرير(Christopher Hitchens)
    والكتاب في 499صفحة عن دار(Da Capo Press) أما الثاني،فقد كان من الكتب الأكثر مبيعا لعام2012 عنوانه(Religion for Atheist)ومؤلفه(Allain de Botton)وصدرت له طبعة عن(Penguin)رخيصة الثمن9.99 أقل من عشرة جنيهات.وله عنوان فرعي لطيف ومغري(A none-believer’s guide to the uses of religion )والشاهد ان الالحاد لم يعد مجرد موضة رفض.فقد صدر"مانيفستو الالحاد" أو"البيان الالحادي"مثلما صدر من قبل"البيان الشيوعي".فاصدر الفرنسي(Michal Onfray)ما ترجم الي الانجليزية(Atheist Manifesto:The Case against Christianity,Judaism and Islam)وذلك عام2007وفي نسخة اخري(In defense of Atheism)وقد وزع فور صدوره200 الف نسخة.
    اعود لأخطر ما في رد(خالد) السابق أي الحجاج بالقياس الكمي في التعامل مع ظاهرة روحية هي الدين.فهو يستعمل معايير مادية تبرع فيها الامم المتحدة في قياس النمو،لكي يدعم الدين(غير المادي).فقد كنت أظن أن التدين تعبر عن نموه انتشار القيم السامية وتمام مكارم الاخلاق،والتي تتفوق علي اي رقم. وبالمناسبة كيف يفسر هذه الزيادة الهائلة في اعداد المتدينين مع زيادة معدلات الجريمة والانحراف بل صارت الدول الإسلامية هي الاولي حسب "مؤشرات التحرش الجنسي".وفي السودان تمت أكبر عملية نصب ديني في التاريخ.وقبل فترة،كتب أحد منظريّ المشروع الحضاري،مدللا علي نجاح المشروع بزيادة عدد المساجد. ولكن لم بتطرق لزيادات-في نفس الفترات- لنسبة أطفال المايقوما، ولانتشار المخدرات في دور التعليم،والزواج العرفي،ولاغتصاب الاطفال،واختلاسات المال العام،والغش والتزوير..الخ.وذهب بي الخيال لكي اتصور في مجتمع المدينة عندما جاءت الرسالة النبوية،لو لجأ "الكفار"للاحصائيات لاثبات قلة عدد المسلمين كدليل ضعف أو لاصدقية إسلام .وذلك لانه لم يجذب اناسا كثر وسجل نسبة احصائية عالية. وفي النهاية ،يعلم(خالد)أن لسنا امام قضايا سياسية انتخابية تحتاج للجماهيرية والحشد،بل قضايا فكر، وتأمل،وروح.قد تتبني عقيدة ما فئة قليلة ولكن تغلب فئة كبيرة بسبب رجحان ميزان العقل والارادة (الصبر). ونحن اصحاب الآيات الكريمة وليس النسب المئوية:"وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله والله مع الصابرين". (البقرة:249).

    وفي آية اخري:-" إن يكون منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون".(الانفال:65).أتمني أن يدقق ويحدد الاخ(خالد)منهجه بحسم والا ينجر مع توفيقية مهلكة.فهو تارة (ابن تيمية) واخري (اوغست كونت).
    سادسا: من الخطأ إدراج الكتاب في زكيبة الكتابات النقدية او الليبرالية؛والتي اقحم فيها المعقب جميع الاسماء المبتكرة بدءا من طه حسين وعلي عبدالرازق حتي أركون وأبوزيد وجمال البنا.وهذا الجمع حكم تعسفي وغير دقيق ولا يجمع بينهم غير بغض وكراهية الإسلامويين لهم! فهناك اختلافات كبيرة في ميدان الاهتمام الدقيق، والمفاهيم، والفرضيات، و اللغة ،وبالتأكيد الغايات النهائية.وما يجمع بين هؤلاء مقصد وظيفي وليس علميا أو فكريا؛أعني الدعوة لتجديد الفكر الديني واطلاق حرية التفكير بين المسلمين.لذلك فكتاب(محمد احمد محمود)لا يدخل في أي من الفئات والتصنيفات التي اوردها المعقب،رغم الحشر القسري المستمر فيها.إذ يقع هذا الكتاب ضمن مدرسة تعيد قراءة السيرة النبوية أو النبوة،تاريخيا وانسانيا (انثروبولوجيا). وهذا يجعل السيرة نسبية وبشرية،وبالتالي يدخل الدارس في صراع أو تناقض ظاهري مع فكرة المتعالي والمطلق.ويقول (خالد) أن موضوع النبوة والنظر في السيرة قديم،رغم أن بعض الاكاديميين يرفض صفة القدم لان طريقة أو مناهج كتابته ستكون جديدة بالضرورة بحكم ظرف او زمن الكتابة.فالاهتمام قديم ولكن النعالجات جديدة.واعتقد أن المدخل لهذا القديم-المتجدد،هو محاولة الإجابة عن حاجة البشرية لانبياء مع اسقاط الحاضر علي الماضي.فيري الكثيرون أن ختم النبوة دليل علي اكتمال العقل الانساني وعدم حاجته لها. ويري(محمد اقبال):-" أن النبوّة في الإسلام لتبلغ كمالها الاخير في إدراك الحاجة إلي إلغاء النبوّة نفسها.وهو أمر ينطوي علي إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا الي الابد علي مقود يقاد منه،وأن الإنسان،لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية علي وسائله هو".(تجديد الفكر الديني في الإسلام.ترجمة عباس محمود.القاهرة،2010،ص179).وكان (ابن الراوندي)يري بأن العقل يكفي وحده أو هو قادر علي معرفة الخير والشر،فلا مدعاة لإرسال الرسل،إذ يقول:-"أن العقل أعظم نعم الله سبحانه علي خلقه،وإنه هو الذي يُعرف به الرب ونعمه ومن اجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب.فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والايجاب والحظر فساقط عنّا النظر في حجته واجابة دعوته،إذ غنينا بما في العقل عنه؛والإرسال علي هذا الوجه خطأ".(عبدالرحمن بدوي:تاريخ الالحاد في الإسلام.القاهرة،دار سينا،1993:95).قد لا تكون هناك علاقة شرطية بين النبوّة والعقل،فقد كان الناس يطلبون من الرسول "معجزة"وليس برهانا عقليا لدعم رسالته.


    يمكن أن ينسب كتاب"نبوة محمد" بالفعل ضمن اجتهادات (مونتقمري واط )
    خاصة كتابيّ: محمد في مكة، ومحمد في المدينة (جملة اعتراضية ضرورية: بالمناسبة للمستشرق القس هذا كان له شرف مدنا برئيس هيئة علماء السودان:محمد عثمان مجمد صالح،الذي يقوم بصرف صكوك الكفر والايمان في السودان.فقد اشرف عليه في رسالتيّ الماجستير والدكتوراة!!). كذلك كتاب (مكسيم رودنسون): محمد،باعتبار الكتابين من كلاسيكيات هذا النوع من السيرة.ولكن في العربية ظهرت كتابات هامة، مثل: الإسلام بين الرسالة والتاريخ لمؤلفه عبدالمجيد الشرفي(دار الطليعة،بيروت،2001)وهشام جعيط:في السيرة النبوية-1(بيروت،1999).ومعروف الرصافي:كتاب الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس(منشورات الجمل،2002).وهناك كتاب:علي مبروك- النبوّة .وعبدالهادي عبدالرحمن :جذور القوة الإسلامية.هذا وقد أشرف الاكاديمي التونسي (الشرفي)علي عدد من الاطروحات في نفس المدرسة ،بالاضافة لتأسيس سلسلة الإسلام واحدا ومتعددا و:"معالم الحداثة". وقد اصدرت(رابطة العقلانيين العرب) عددا من الكتابات في نفس الاتجاه.وهناك قول مأثور يفسر تنامي هذا التوجه في نظرة جديدة للسيرة والنبوّة:-"إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل أهل هذا الزمان".
    سابعا:- تقود الملاحظة السابقة الي ما كتبه(خالد موسي) عن التجاوز،وبالغ لدرجة الحديث عن(فلسفتة التجاوز)و(مانيفستو تجاوز الاديان) .رغم أنه يفترض في أي فلسفة أن تطرح فكرة أساسية (concept) ومصطلحاتها،ومؤسسيها،وتياراتها ومدارسها.



    وهذا ما لم يقدمه أو يشير اليه المعقب.فهو يتحدث في الحقيقة- حسب ما اورد- عن اتجاه أو نزعة فقط في نقد الدين،وليس فلسفة.ولكن استخدام كلمة "تجاوز" –عند خالد-يقصد به الايحاء بالالغاء أو الأبعاد،وهذه تهمة في العالم الإسلامي بينما هي واقع في الغرب انتجه التاريخ والتقدم العلمي.إذ لم يعد الدين قادرا علي تلبية كل الحاجات الروحية والعقلية والنفسية المستجدة بعد الثورة الصناعية.لذلك ،لم يكن غريبا أن يتوقع المفكرون والفلاسفة وعلماء الاجتماع، نهاية الدين في المرحلة الوضعية(دوركايم،اوغست كونت)،وأن يتجرأ(نيتشة)ويكتب عن موت الإله.فقد قدم الفكر الاوربي نظريات جديدة هزت أعمدة الدين وثوابته.إذ كان علي الفكر الديني مقارعة نظرية التطور (الدارونية)، والماركسية، والتحليل النفسي(فرويدية).ولكن اهمال الدين في أوربا لم يكن بسبب معارك فكرية أي لم تكن الحرب بين العقول بل علي الارض في المصانع، وعلاقات الانتاج، والصراع الطبقي، وبسبب الهجرة للمدن،ونمو الأسرة الصغيرة كبديل للأسرة الممتدة، وتقلص السلطة الأبوية،بالاضافة للفردية والانسية.وبالمناسبة،لا يعني تجاوز الدين –بالضرورة- احلال دين جديد أو اصلاح الدين القديم وتجديده،بل قد يعني رفضه أو حتي هدمه.فناقد الدين لا يقوم-حتما- بمهمة المبشر أو الداعية لدين جديد أو مذهب أخر.ولهذا لا معني بوصم الناقد بأنه يريد تجاوز الدين أوهدمه،فقد يكون هذا هو الهدف الاصيل للنقد.وقد أراد المفكرون الاوربيون فعلا:-"قتل النبوة في ذاكرة المسيحيين وعقولهم وافئدتهم" بعد تغير الواقع والحياة.ولكن المشكلة في العالم الإسلامي أن الواقع راكد، ومتخلف اقتصاديا وتقنيا ، ولذلك تجد جميع محاولات"التجاوز"الصعوبات والاضطهاد الفكري. وهذا سبب الاغتراب لدي اصحاب المحاولات، لأن "الاغلبية" راضية بعقلها وايمانها وترفض التشويش والازعاج في النوم العقلي.وقد تقبل هذه المجتمعات ب:"الالحاد الاجتماعي أو الاخلاقي" أو العلمانية الاجتماعية ولكن تقف بشدة ضد الالحاد أو العلمنة الفكرية أو العقلية.وعلي سبيل المثال،قد تتساهل بلداننا في بيع وتوزيع الخمور أو حركة الدعارة السرية والعلنية.ولكن تتشدد سلطات هذه البلدان في ملاحقة كتاب ناقد للدين أو تعليق يرفض الدستور الإسلامي أو تطبيق الشريعة مثلا.


    ثامنا:لابد لي قرب النهاية أن اتساءل مجددا:هل يمكن اخضاع الدين للدراسة العلمية الموضوعية ،رغم ما قلته عن اختلاف طبيعة العلم والدين ،وذلك بالتركيز علي جانب كونه ظاهرة اجتماعية وانسانية؟ أم يظل الدين متعاليا(transcendental)وبالتالي لا يخضع للدراسة المنهجية والعلم والعقل ثم تحتكره علوم اللاهوت فقط؟وقد اختار(محمد احمد محمود) بشجاعة وجرأة المغامرة الأولي ،ولم يخضع لأي ابتزاز بل افتدي كل المفكرين بشق الطرق الخطرة.فقد اختار"انسنة"موضوع الدين من خلال اخضاع النبوة والسيرة لمناهج وطرائق بشرية تقوم علي التساؤل والشك والتأويل واعادة قراءة النصوص.


    من زاوية علم اجتماع الدين يري(جيرتز)(Geertz)أن هدف اي دراسة منهجية للدين،يجب أن تكون –ليس دراسة الافكار والأفعال والمؤسسات فقط-ولكن عليها أن تحدد كيف وبأي طريقة يمكن لأفكار بعينها أو أفعال أو مؤسسات،يمكن أن تستمر أو تفشل أو حتي تعوق العقيدة الدينية؟وهذا يعني أن نفرق بين الاتجاه الديني نحو التجربة،ونوع الجهاز الاجتماعي الذي استطاع خلال فترة من الزمن،وفي المكان ،أن يرتبط بهذا الاتجاه.وفي هذه الحالة،ماذا يحدث للعقيدة حين تتغير ادواتها أو ماكينتها؟ومن المعروف أن أي عقيدة تكرس نفسها في هذا العالم(المحسوس)من خلال اشكالها الرمزية والترتيبات والتنظيمات الاجتماعية.وفي هذه الحالة تنزل من الأعلي الي الناس علي الارض،وبالتالي تصبح جزءا من صراعاتهم وطموحاتهم وخيرهم وشرهم.
    هذه هي الوضعية والموقف التاريخي الذي كتب فيه(محمد أحمد محمود)عن النبوّة وعقب عليه(خالد موسى دفع الله)،كل منهما قدم لنا الجزء الذي ادركه من فيل الحكمة الهندية المعروفة. فالعقيدة الإسلامية لم تعد ذات رموز في عصر العلم والعولمة، قادرة علي منح نفس عنفوان الروح وحدها.كما أن ادواتها وماكينتها الاحتماعية لم تعد في ذات الفعالية والكفاءة السابقة.وهنا يقوم الأول بالنقد وحتي الهدم-لو أمكن،ويحاول الثاني وضع المتاريس واكياس الرمل لوقف الفيضان.وفي هذه الحالة تحاول العقيدة الاستنجاد بالاصول وان تصلح بما صلح به السلف.والخيار الآخر ان تجدد العقيدة نفسها، وهذا طريق صعب علي أي عقيدة مطلقة التفكير وتؤمن بأنها صالحة لكل زمان ومكان،ألا يتناقض التراجع والتجديد مع هذا اليقين الذي يميز هذه العقيدة من غيرها.واظننا نتذكر من قرر قطعيا:


    (A reformed religion is not a religion) وذلك لسبب بسيط هو أن الدين المُصلّح أو المعدل حرك اصولا(fundamentals)يفترض فيها الثبات والاطلاقية،لأنها من عندالله.وهذا هو الفرق بين الدين من جهة،وبين العلم والفسلفة وغيرها من الابداعات البشرية.
    اخيرا،وفي النهاية،وعلي المستوي الشخصي البحت لابد من شكر الاخوين (محمد وخالد) لفتح هذا الحوار الذي استطاع أن يخرجني من العالم السفلي للسياسة السودانية الأقرب لجحيم (دانتي) في الكوميديا الإلهية. واحمد لهما أن أعادا لي مزاجي للكتابة مرة أخري ولكن في ما ينفع الناس.فقد آليت علي نفسي عدم الولوج في الكتابة السياسوية السودانية التي ترفض –بعناد -العقلانية والعقل.وتصر علي أن تكون من اساطير الأولين، ومضرة بالعقل والروح مثل التدخين.أو أن تكون من صميم فكر اللامعقول مكتسبة صفة السيريالية السياسية السودانية منافسة لاعتي المدارس الفنية.ففي الابتعاد عنها،فن من اقتصاد الحياة أي عدم تبذير السنوات المتبقية من العمر وهي في الأصل"علاوة عمر" – وليس من المرتب الأساس -فيجب ترشيدها.وهذا رشد جاء متأخرا تجنبا لسوء الخاتمة في مستنقعات السياسة السودانية.
    وللجميع كثير الود المستحق.
    e-mail: hayder

    -------------------



    مامون حميدة: متى ترحل؟ ..

    بقلم: عميد (م) د.سيد عبد القادر قنات
    الأربعاء, 29 أيار/مايو 2013 07:42

    بسم الله الرحمن الرحيم

    العديل راي واللعوج راي والصحافة هي مرآة تعكس آلام وهموم المواطن وتُعري وتكشف للمسئول أماكن الضعف والقصور ، وأخونا د. المُعز حسن بخيت وبعيناء زرقاء اليمامة أدلي بتصريحات كانت في غاية الصدقية والمهنية مُحذّرا الوالي من تعيين بروف مامون وزيرا للصحة لأن أبواب جهنم ستُفتح عليه لأنه يُدرك ما يقول لحظتها ، ولكن تبدل الحال وصار د. المُعز مدافعا مُستميتا عن الوالي ومامون لدرجة أذهلت المراقبين وعلامات إستفهام وهو الناشر للحقيقة عبر الحقيقة.
    منذ أن تسنم مامون كرسي وزارة الصحة الولائية لم تخلو صحيفة أو مجلس من توجيه النقد لسياساته التي تشبه البطة العرجاء في مجال الخدمات الصحية والتي لانعلم من أين أتي بها ، بل حتي ماكان موجودا ومُعمّرا ويقوم بتقديم خدمات متميزة أصبح أطلال ولاندري ماهو السبب.


    كل يوم تشرق فيه الشمس قرارات جديدة وللأسف كلها تصب في زيادة مُعاناة المرضي ، بل حتي إحتفالات إعادة الإفتتاحات لم تأتي بجديد يُذكر غير الكلادن والسيراميك ، وتلك المستشفيات التي قالوا إنها تُضاهي مشافي أوروبا صارت معبرا للتحويل وزيادة مُعاناة المرضي.
    من سبقوك في هذه المناصب كانت وطنيتهم لايُشك فيها إطلاقا، وتجردهم وإخلاصهم من أجل المواطن والإرتقاء بالخدمات كان شمس لا تغيب، كانت العمليات القيصرية ، وعلاج الأطفال أقل من خمسة سنوات ، وعلاج الطواريء ، وعلاج الملاريا ، والترحيل بالإسعاف الإتحادي ، وغسيل وزراعة الكلي ، كلها كانت دون إستثناء مجانا إضافة إلي دعم العلاج بالخارج وتوفير الأجهزة والمعدات الطبية لمعظم مستشفيات السودان ، وكذلك زيادة عدد البعثات الداخلية للنواب للتخصص في المجلس القومي السوداني حتي وصل العدد إلي أكثر من 3000 ألف مبعوث، ولكن هي الساسة أبعدتهم وجئت أنت مبعوثا إلهيا متكئا علي خلفية أنك زاهد في المنصب ولكن دعم السيد الرئيس هو سندك و الكل يعلم من هو الزاهد في المنصب ورفضه له ، وأنت أولهم.
    نسألك مباشرة وأنت كل صباح جديد وتصريح جديد، لك مجلس إستشاري وإن كان بعض أعضائه لم يُستشاروا في أمر إختيارهم، فهل تجتمع بهم لإصدار التوصيات؟ أم أنها سياستكم ووجهة نظركم والتي فيها تضارب وتقاطع المصالح لأنك أكبر مستثمر للصحة تعليما وخدمة في السودان الفضل؟


    تحدثت بالأمس عن بعض الإٍسعافات وأنها غير مطابقة للمواصفات، طيب الحل في نظرك شنو؟ إنت لا تطقع لا تجيب الحجار ، لا ترحم لا تخلي رحمة ربنا تجي؟ ياخي منظمات طوعية جابت إسعافات أو عربات وإنت قلت إنها لاتصلح لنقل الحيوانات، طيب إنت ليك أكتر من سنة أها الجديد العملتو شنو؟ بس نقد وصرف كلام؟ ماهي حلولك؟ كمال عبد القادرأصدر أوامر بمجانية ترحيل الإسعاف الإتحادي، أها إنت خيرك للمريض شنو؟ ثم تتحدث عن الأدوية المغشوشة! يا بروف الدواء معروف له طرق للإستيراد والتسجيل، أها إنت هل قمت بتفعيل القوانين؟ هل حاكمتم من إستورد أو قام بتوزيع أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية؟ ألم تتحدث بعض الصحف عن أن هنالك مؤسسات علاجية خاصة وأثناء التفتيش وجدت بها أدوية منتهية الصلاحية؟ هل تم عقابها؟ هل تملك الشجاعة لتذكرها؟ الدواء المغشوش أو المنتهي الصلاحية هي مسئوليتك وأرواح المرضي مُعلقة علي عُنقك في ذلك اليوم ، فأين المفر؟ هل ستجد الوالي لحظتها لأنك خط أحمر؟ هل سيقف معكم السيد الرئيس لأنه سندكم؟ هل سيدافع عنكم الناطق الرسمي و أبواب جهنم قد فُتحت والجحيم قد سُعِّرت ولكن كل المرضي وأطفال أبنعوف وباكتيرا النساء والتوليد بالخرطوم وأقسام المخ والأعصاب والمشرحة ومن ولدت في الشارع ومن إلتهب في الأنف والحنجرة ومن فقد الجرعة في الذرة سيكونون خصما لك أمام الواحد الأحد، إنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة. أنت تتحدث عن الأدوية المغشوشة، ولكن لماذا إنهارت وآلت للسقوط مستشفي أمبدة النموذجي؟ أليس هذا غشا أنت مسئول عنه؟

    ثم ألا تعتقد أن ترويج فكرة لا تصب في صالح المواطن هو نوع من أنواع الغش والتحايل علي المسئول الأكبر؟ إن حديث الأرقام هو الفيصل وأنت وزيرا لصحة الخرطوم نقول لك إن كشف الحساب وجرد المتاع هو من يقنع مُقدم ومُتلقي الخدمة ولهذا نسألك ونتمني أن تكون عندك المصداقية والجرأة لأنك عالم والعلماء ورثة الأنبياء علما بأنهم لم يورثوهم مالا أوجاها أو سلطة ، بل ورثوهم العلم الذي يُنتفع به: كم عدد الإسعافات العاملة بوزارة الصحة ولاية الخرطوم وكيفية توزيعها علي مستشفيات الولاية والأطراف وهل هي مُطابقة للمواصفات العالمية؟ما هو دوركم في محاربة إستيراد مُحسنات الخبز المُسرطنة وصبغة الشعر والأصباغ والكريمات وكثير من مُستحضرات التجميل والأجهزة الطبية المُستعملة؟ثم نُضيف كما قال أخونا رضا باعو : أن مامون حميدة وزير إنصرافي ، وبحسب علمي فإنه يتحدث ويصدر قرارات لا تصب في مصلحة المواطن بل كلها إنصرافية عن مسئوليته الأساسية وهي الخدمات الصحية لمواطني ولاية الخرطوم . نقول لك إن المواطنين سيدخنوا ويسعطوا ويشربوا التمبارة لإنها غذاء في بعض مناطق السودان، ولكن أنت مسئوليتكم هي توفير خدمات صحية متكاملة كما ونوعا ، زمانا ومكانا ومجانا للطواريء، فإن كانت تلك المسئولية أكبر من إمكانياتكم ، أو شعرتم بأنها تتضارب مع مصالحكم الدنيوية ، فإنه أكرم لكم أن ترحلوا اليوم قبل أن تُشيعكم لعنات ونظرات المرضي وأسرهم، فالمريض يحتاج لجرعة دواء وغسلة كلي وعملية تربنه مُستعجلة وولادة طبيعية أو قيصرية وإسعاف لترحيله وإنقاذه وسريربالمستشفي ولو دبل وللتحصين ، وفوق ذلك الرعاية الصحية الأولية التي بشرتم بها للأطراف أو السنتر.


    ختاما وأنت مُقدم برنامج تلفزيوني نعتقد أنه دعاية لك ولمؤسساتك أكثر من تثقيف صحي مُقارنة مع برنامج بروف عمر محمودخالد، ومع ذلك لماذا لا تستضيف من يُخالفونك الرأي لتعرية وكشف سوء سياستك الصحية من وجهة نظرهم ، فإختلاف الرأي لايفسد للود قضية.
    كسرةأخيرة: هيثرو أخبارو إتعرفت، أها الأكاديمي الخيري من يملكه وأين سيرته الذاتية؟ متي يكون لكم مستشفي جامعي تعليمي خاص ووقف إستغلال إمكانيات ومقدرات الشعب السوداني، ألا تبقر؟ فقط أنظر جنوب الخرطوم لتري صرحا تعليميا هو المستشفي الجامعي للكلية الوطنية لمن عاهدوا الله والوطن ولا يخافون في الحق لومة لائم ويدركون بحسهم الوطني وتجردهم أن تضارب المصالح آفة ومرض عضال.
    يديكم دوام الصحة وتمام العافية والشكر علي العافية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de