دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
نقلا عن سودانايل / ثورة دارفور .... ومآلات المستقبل
|
ثورة دارفور .... ومآلات المستقبل د. حسين آدم الحاج/أمريكا [email protected] تمهيد:
بتوقيع إتفاقية للهدنة بين الحكومة السودانية والحركة المسلحة بدارفور تبدأ مرحلة جديدة للجانبين لا تقل صعوبة عن مرحلة الصراع المسلح بينهما خلال الفترة الماضية, سال فيها دم غزير وأدت إلى تشريد الكثير من الأهالى لا بد أنَّها قد تركت مرارات عالقة فى النفوس بين مكونات أهل دارفور من جانب وبينهم والحكومة السودانية من جانب آخر, وعطفاً على ذلك فإنَّ كل الأطراف حول تلك المشكلة تعلم جيداً أنَّ الأمور لم تهدأ بعد وأنَّ رايات السلام لم ترتفع فى سماء الإقليم وسيظل ذلك مرهوناً بمعطيات وإستحقاقات لا بد من إيفائها قبل أن تهدأ الأوضاع تماماً وتنطلق معاول إعادة البناء والتأهيل فى العمل. فمن جانب أهل دارفور سيظل هاجسهم الأول يتمثل فى إنعدام الثقة بأنَّ حكومات الخرطوم سوف تبادر بالإستجابة لتطلعاتهم فى حياة كريمة وإيمان بأنَّ لهم مكان تحت سماء هذا الوطن, وهم فى ذلك محقون وعن تجربة, أما من جانب الحركات المسلحة فإنَّ قلقهم الأساسى يستند على خلفية سلوك الحكومة ومصداقيتها حيال العهود والمواثيق, وهم فى ذلك محقون أيضاً, وعن تجارب, كيف لا وكل التنظيمات والأحزاب السودانية قد عانت الأمرين جراء ذلك وتقصصت أصابعها وهى تمد أياديها البيضاء لمصافحتها, ويبقى الطرف الأخير, متمثلاً فى جانب الحكومة, لتقع عليها مسئولية تبديد تلك الشكوك وتأكيد جدارتها فى قيادة أخطر مرحلة فى تاريخ السودان يتوقف عليها الوطن أن يكون أو لا يكون.
ومع ذلك فيبدو أنَّ كل تلك الأطراف فى مشكلة دارفور ستجد أنفسها مرغمة للسير فى إتجاه واحد, شاءت أم أبت, ولظروف خارجة عن إرادتها, ومعطيات إقليمية وعالمية ضاغطة يمكن تلخيصها على النحو التالى:
(1) لقد فرضت عملية السلام نفسها على مزاج البلاد بكل طوائفها وقطاعاتها وخلقت جواً منعشاً من البشريات لطى صفحات الماضى المؤلمة صار من الصعب معها محاولة السباحة ضد تيارها الجارف, وتحت هذا الحصار يبقى خيار التصالح والإعتراف بالآخر والتوصل لسلام مستدام هو الخيار الأوحد المتاح لكل الأطراف.
(2) بالنسبة لأهل دارفور, وبتركيبتهم القبلية المعقدة, فإنه لا يوجد خيار لمستقبل منطقتهم غير الإلتزام بسمات الوحدة والتعايش السلمى والتعاون وإرساء دعائم السلام, ونبذ التشرذم والخصومة والإحتراب, كما ظلوا يفعلون ذلك على مر القرون, ولا بد من قيام عمل جماعى مؤسسى نحو تحقيق ذلك.
(3) الحركات المسلحة بالإقليم تدرك تماماً أنَّ أى مخرج لقضية دارفور لا بد أن يأتى عن طريق حل سياسى, فمسائل مثل التنمية المنصفة والمشاركة فى السلطة والثروة كلها تناقش وترسم عبر مداخل سياسية, وفى ظل هذا الفهم يجب أن يتحول الجهد الآنى بالنسبة لها إلى جهاد سياسى سلمى بنفس قدرالعمل المسلح من حيث التصميم و الإصرار لتوفير حياة كريمة لأهل الإقليم.
(4) أما بالنسبة للحكومة فهى المعنية بكل ما يدور فى الساحة, وعليها تقع مسئولية نجاح أو فشل المبادرة التشادية لإحلال السلام والتنمية المستدامة فى ربوع دارفور, وليس لها خيار غير ذلك أيضاً, ولا شك فى أنها تدرك جيداً مسئولياتها فى هذا الظرف الحرج من تاريخ الوطن.
بناءاً على ما تقدم, نود فى هذا المقال تسليط الضوء على ثورة دارفور متمثلاً فى الحركات المسلحة التى رفعت السلاح فى وجه الحكومة, وذلك من خلال قراءة داخلية لأوضاعها, وعرض إعلاناتها السياسية ثم تبيان دورها الحالى والمحتمل وما يمكن أن تكون عليه فى مرحلة ما بعد توقيع إتفاقية السلام والتنمية, وإذ نفعل ذلك فإنَّ هدفنا ينحصر فى إثراء الحوار الذى يدور الآن حول قضية دارفور بإعتبارها قضية قومية محورية فرضت نفسها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية, وإعترفت بها الحكومة السودانية بعد لأى وتعنت, كما نأمل أن يؤدى هذا المقال إلى تعريف أوضح بطبيعة هذه الحركات وأهدافها وأطروحاتها السياسية, وهى كلها قومية التوجه تدرأ عنها صفة العنصرية والإنفصال, ويمكن أن تسهم إيجاباً فى الحوار السياسى الشامل حول القضية السودانية برمتها.
من ناحية أخرى سوف نعتمد فى قراءتنا لمكونات هذه الثورة وأخبارها على ما ظللنا نطالعه فى الصحف السودانية التى لها مواقع على صفحات الإنترنت, إضافة إلى الإعلانات السياسية المؤسسة لهذه الحركات المسلحة وهى ثلاثة: حركة/جيش تحرير السودان, حركة العدل والمساواة السودانية, وتنظيم التحالف الفدرالى السودانى, كما سنشير أيضاً إلى الإعلان التأسيسى لإتحاد الأغلبية المهمشة السودانى وللأوضاع الراهنة بالإقليم.
نظرة داخلية لطبيعة الحركات الثورية بدارفور
(1) حركة/جيش تحرير السودان: (SLM/A)
حركة/جيش تحرير السودان هى أكبر حركات ثورة دارفور من الناحية العسكرية وأحدثها وهى التى وقعت إتفاق هدنة وقف إطلاق النار الأساسى مع الحكومة السودانية مطلع شهر سبتمبر الجارى. تبدأ هذه الحركة إعلانها السياسى, الصادر فى شهر مارس 2003م, بالإشارة إلى أنَّ دارفور كانت دولة مستقلة منذ القرن السادس عشر وحتى العقد الثانى من القرن العشرين، عندما ضُُمت قسراً للسودان الحالى, وكدولة مستقلة تمتعت دارفور بإعتراف عالمى, وأشار البيان كذلك إلى سمات التعايش السلمى التاريخى العميق ما بين القبائل الأفريقية والعربية التى تقطنها، وما بين قبائل الرحّل والمقيمين (المزارعين المستوطنين) وبين المهاجرين من الشرق والغرب والسكان المحليين (الأصليين)، قبل أن تعمد الحكومات المتعاقبة بعد الإستقلال فى الخرطوم، بنوعيها المدنية والعسكرية، إلى تنفيذ سياسات التهميش والتمييز العنصرى والإبعاد والإستغلال وإعمال الفرقة. وكما هو واضح فإنَّ الحركة بدأت دارفورية النشأة, حتى فى إسمها الأول, والتى كانت تحمل إسم حركة وجيش تحرير دارفور, لكنها سرعان ما إنتبهت لذلك, على غرار الحركة الشعبية لتحرير السودان على ما يبدو, فخرجت من غطاء الإقليمية الضيقة إلى رحاب القومية الرحبة. وقد أشار بيانها كذلك إلى المناطق المهّمشة الأخرى بالسودان, وإلى إشكالية إحتكار السلطة والثروة لدى السودان النيلى, وإلى سياسات فرق تسد بين القبائل من خلال تسليح بعض القبائل وتنظيمهم, وبدعم خاص من حكومة الخرطوم, لمحاربة إخوتهم من قبائل أخرى عاشوا معهم بسلام على مر القرون, حتى وصلت إلى حد التطهير العرقى والمذابح فى بعض المناطق والمدن من ولايات دارفور الثلاثة, الأمر الذى ترك سكان دارفور بدون أى خيار سوى الّلجوء إلى المقاومة الشعبية بجانبيها السياسى والعسكرى من أجل البقاء على قيد الحياة.
لقد حددت حركة/جيش تحرير السودان أهدافها وأكدتها بقولها: "على الرغم من أن نقطة إنطلاق الحركة هى دارفور بفعل الحاجة للرد على السياسات التطهيرية الوحشية من قبل نظام الجبهة فى المنطقة، إلا أننا نريد أن نؤكد ونعلن بأن SLM/A هى حركة وطنية, تسعى بجانب القوى السياسية الأخرى ذات الفكر المشابه إلى مخاطبة المشاكل الأساسية لكل السودان والسعى لحلها. هدف حركة وجيش تحرير السودان هو تأسيس سودان ديموقراطى متحد على أُسُس جديدة تقوم على المساواة، الهيكلة الكاملة وتداول السلطة، تنمية متوازية متعادلة، تعددية سياسية وثقافية ورفاهية معنوية ومادية لكل السودانيين " (الإعلان التأسيسى لحركة تحرير السودان, مارس 2003م). وتأسيساً على ذلك فقد فصلت الحركة مواقفها من قضايا السودان الراهنة عبر 11 محور تتراوح بين وحدة السودان والعلاقة بين الدين والدولة ونظام الحكم وقضايا الهوية وغيرها.
حركة/جيش تحرير السودان لها قيادة عليا وهى المجلس القيادى الثورى, وهى أعلى هيئة قيادية فى الحركة, ولها أمين عام هو القائد منى أركو مناوى الذى يقوم أحياناً بدور الناطق الرسمى, كما حدث فى مقابلته المتلفزة مع قناة الجزيرة عقب الهجوم المدمر الذى شنته قواته على مدينة الفاشر فى 26 أبريل الماضى, كما أنَّ لها قوات تتمركز فى قمة جبل مرة بقيادة المحامى عبدالواحد محمد نورالذى فجَّر الشرارة الأولى لثورة دارفور بإحتلاله لبلدة "قولو" مركز محافظة جبل مرة وإعلانه للثورة من هناك, لكن لا يبدو أن للحركة مكتب سياسى فاعل أو صوت إعلامى قوى الأمر, الذى جعلها عرضة لإعلام الحكومة وإفتراءاتها دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها بطريقة فورية أو حتى التواصل البناء مع أبناء دارفور الذين يرغبون فى دعمها بالرأى والمادة بالرغم من أن لها موقعاً فى الإنترنتwww.slma.tk) ) تعرض فيه أهدافها وأدبياتها.
(2) حركة العدل والمساواة السودانية:
تقول حركة العدل والمساواة السودانية أنها نشأت كتعبير للتهميش التى شعرت به مناطق السودان الطرفية, وسيطرة منطقة الوسط على السلطة وإستئثارها بثروة البلاد دون حظ يذكر لتلك المناطق, ولذلك فقد حددت أهدافها فى بيانها السياسى التأسيسى بالآتى: "إنهاء التمييز العنصري في منهج الحكم في السودان, رفع الظلم الإجتماعي والإقتصادي والإستبداد السياسي عن كاهل الجماهير رجالاً ونساءاً وإشاعة الحرية والعدل والمساواة بين الناس كافة, وقف جميع الحروب وبسط الأمن للمواطنين وتأمين وحدة البلاد, تسخير إمكانات الدولة وتوجيهها لتحقيق تنمية بشرية وإقتصادية متوازنة ومحاربة الفقر وترقية حياة المواطنين جميعا وتأمين الخدمات الأساسية, إقامة نظام فدرالي ديمقراطي لحكم البلاد يستجيب لخصائص أهل السودان ويمنع احتكار السلطة إو الثروة بواسطة إفراد أو جماعات أو أقاليم دون أخري وإنتهاج مبدأ التداول السلمي للسلطة, إحداث إصلاح دستوري جذري وشامل يضمن حقوق الانسان الأساسية التي أقرتها الأديان والقوانين والمجتمع الدولي وحق جميع الأقاليم في حكم البلاد, إنتهاج سياسة خارجية قائمة علي الإعتدال وإحترام حقوق الانسان أينما كان وإحترام القوانين ومراعاة حسن الجوار والإنفتاح السياسي مع كافة دول العالم وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري" (الإعلان التأسيسى لحركة العدل والمساواة السودانية, نوفمبر 2001م).
وقد شاركت هذه الحركة بقوة فى تأسيس إتحاد الأغلبية المهمشة السودانى فى مؤتمرها التأسيسى التى إنعقدت بمدينة هتينجن بألمانيا فى 6 أبريل 2003م, وقد ورد فى الإعلان السياسى التأسيسى لذلك الإتحاد أنه قد آن الآوان لقوى الأغلبية المهمشة فى بوادى وحضر السودان، فى النقابات المهنية والعمالية، والمرأة والشباب والطلاب ومنظمات المجتمع المدنى أن يهبوا لتحطيم حاجز اليأس والقهر، وأن ينطلقوا فى إعتداد وإعتزاز غير مباليين بالصعاب والتحديات لصياغة سودان العزة والكرامة، متجاوزين فى ذلك كل عوامل الفرقة الإثنية والدينية والحزبية لأجل بلوغ الأهداف والغايات الكبرى. كما تواثق المؤتمرون على إنشاء الهياكل والقواعد التنظيمية الضرورية لإنجاز المهام الوطنية، وعلى هدى ذلك فقد تم إنتخاب مجلس إستشارى وأمانة مؤقتتين للقيام بمهام وواجبات المرحلة الإنتقالية للمؤتمر العام لإتحاد الأغلبية المهمشة فى السودان, ونسبة للدور الكبير الذى لعبه الدكتور خليل إبراهيم محمد رئيس حركة العدل والمساواة السودانية فى قيام الإتحاد فقد تم أنتخابه أميناً عاماً للجنته التنفيذية الإنتقالية.
فى مقابلة صحفية مع جريدة الحياة اللندنية فى عددها بتاريخ 6مارس 2003م عرَّف الدكتور خليل إبراهيم حركته بأنها ليست عنصرية ولا إنفصالية وهي موجودة في كل مناطق السودان وتطالب بإنهاء التهميش الذي تعانيه أقاليم السودان المختلفة وأنها تتألف من جناحين سياسي وعسكري وقيادة تنفيذية ومؤتمر عام ومجلس للداخل ومجلس للخارج. وهو يتولى قيادة الجناح السياسي في الحركة فيما يقود الجناح العسكري العميد التيجاني سالم دِرو في منطقة العمليات في ولاية غرب دارفور. والعلاقة بين الجناحين علاقة إتفاق على الأهداف. كما أعلن فى نفس تلك المقابلة, ولأول مرة, بأنه هو الذى قام بإصدارالكتاب الأسود لفضح سيطرة مجموعة سكانية صغيرة على البلاد, كما قام بإصدار الجزء الثانى من الكتاب فى المؤتمر الأخير لإتحاد الأغلبية المهمشة والذى إنعقد نهاية شهر أغسطس الماضى بألمانيا, وقد تم نشر الكتابين فى موقع الحركة بالإنترنت, وقد نفى مؤخراً الأخبار التى أشارت إلى أنَّ حركته قد وقعت إتفاقاَّ مع الحكومة مثلما فعلت حركة تحرير السودان (الأضواء 9 سبتمبر 2003م), كما أصدر مكتب حركته بياناً بتوقيع إدريس إبراهيم أزرق أمين دائرة الإعلام والناطق الرسمى بإسم الحركة أكد فيه أنَّ حركة العدل والمساواة السودانية علي موقفها المعلن من وقف إطلاق النار مع حكومة الخرطوم وهو عدم وقف إطلاق النار والإستمرار في المقاومة والدفاع عن حقوق المواطنين المشروعة ولن تتراجع الحركة عن هذا إلا في إطار حل عادل وشامل لكل أهل السودان وبضمانات كافية (صحيفة القرن الأفريقى 9 سبتمبر 2003م), لكن يبدو أنَّ جناحاً منشقاً عنها قد دخل فى إتفاق مع الحكومة وقد صدر بيان من القيادة الجديدة ممهور بتوقيع حسن خميس جرو عضو المكتب التنفيذي والأمين السياسي، أكد أن خليل إبراهيم لا يمثل إلا نفسه بعد إعفائه من رئاسة الحركة, ووصف البيان تصريحات خليل التي رفض فيها وجود حوار مع الحكومة ووقف إطلاق النار في أبَّشي بأنها مردودة ولا تمثل إلا من أطلقها, وحمل البيان التأكيد على أن الحوار المستمر الجاد هو الوسيلة الأمثل للتوصل إلى الحل السياسي الأمثل، مثلما أن الكفاح المسلح وسيلة ضرورية للحفاظ على المكتسبات وصيانة العهود (الرأى العام 10 سبتمبر 2003م).
وبجانب شرح دواعى قيام الحركة وتفصيل أهدافها فإن الإعلان التأسيسى لحركة العدل والمساواة إشتمل أيضاً على جملة من الوسائل المؤدية لتحقيق الأهداف والتأكيد على العمل الجاد لإنهاء الظلم الإقتصادى والسياسى والإجتماعى فى كل أقاليم السودان. وقد بذلت الحركة جهداً كبيراً فى تأسيس أدبياتها, فقامت بإعداد مسودة ملامح دستور السودان المنشود, فى أغسطس عام 2002م, جاءت مفصلة لكل قضايا السودان الراهنة و تمت معالجتها عبر أربعة محاور هى محور أركان مشكلة السودان, محور معالجة مشكلة السودان, محور ضمانات تطبيق الدستور وإستمراره, وأخيراً محور منهج كتابة الدستور. ويبدو أن للحركة تنظيم محكم, بالرغم من الخلافات التنظيمية الأخيرة التى ضربتها شأن كل التنظيمات والأحزاب السودانية, كما يبدو أنها صغيرة الحجم من الناحيتين العسكرية والجماهيرية مما يدفعها للإستقواء بإتحاد الأغلبية المهمشة, ويجدر بالذكر أنَّ لها موقعاً على شبكة الإنترنت www.sudanjem.com) تعكس من خلالها أدبياتها وأخبارها.
(3) التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى:
تنظيم التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى أسسه السياسى ورجل الأعمال المخضرم أحمد إبراهيم دريج, ويقول بأنه ليس حزباً سياسياً كما هو شائع وإنما تنظيم يسعى لإرساء أدبيات محددة بشأن الحكم فى السودان, وعطفاً على بيانه التأسيسى الصادر فى أبريل 1994م بالقاهرة فإنَّ التنظيم أعلن عن قومية توجهه وأنه يعنى بالسعى والعمل على التطبيق السليم والكامل للفدرالية وإصلاح الحكم فى السودان, وأنه يعتبر أنَّ مشكلة السودان ترتبط إرتباطاً وثيقاً بكيفية نظام الحكم منذ إستقلال البلاد وأنَّ المخرج من هذا الإشكال تتمثل فى تطبيق النظام الفدرالى. يقول السيد أحمد إبراهيم دريج فى خطاب له بتاريخ 27 أبريل 2001م للإدارة الأمريكية, تعليقاً على مقترح مركز الدراسات الإستراتيجية والعالمية الأمريكية حول الحل السياسي للمشكلة السودانية, بأنَّ تنظيم التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني قد سبق أن قدم طرحاًً لإقامة نظام حكم فدرالي من أقاليم أو مديريات السودان التسعة التي كانت موجودة قبل وبعد الإستقلال، بما فيها الأقاليم الجنوبية الثلاثة, كمدخل لحل قضية الحكم فى السودان, وأشار إلى ضرورة تأسيس نظامٍ سياسي مناسب، تتمتع من خلاله كل المناطق بالحق في إختيار حكامها والحق في تقرير كيفية إدارة شئونها الداخلية في ظل السودان المتحد إتحاداً فدرالياً. وأشار فى ذلك الخطاب أيضاً إلى أنًّ فكرة تقسيم السودان إلى دولتين شبه مستقلتين, واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب (حسبما ورد فى مقترح ذلك المركز) لن يقود إلى إعادة توزيع منصف للسلطة والثروة بين الأقاليم والمجتمعات السودانية, فالأقاليم الشرقية والغربية التى في الشمال، والتي حملت السلاح ضد الحكومة المركزية، لن تقبل بنظام حكم مركزي في الشمال الذي سيحرمهم من فرصة المشاركة في السلطة السياسية في المستقبل، كما حرمهم منها في الماضي, كذلك فإنَّ خلق نظام مركزي في الجنوب سيثير الغيرة القبلية بين الجنوبيين مرة أخرى. وبالرغم من تطابق هذا الطرح مع مواقف حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة السودانية تجاه قضية الحكم تحديداً إلا أنَّ مانفستو التحالف الفدرالى لم يخصص لدارفور مساحة فى برنامجه السياسى, أو حتى يشير إليه إسماً, بل يتناوله ضمناً فى خطاب قومى عام وذلك, وحسبما تأكد لاحقاً, هو ما أدخله فى نزاع نفسى ومثَّل له مشكلة فى صياغة خطاب ونشاط منسجم يستجيب لأشواق قاعدته الدارفورية ويرضى شعورهم نحو مشكلة دارفور الشيئ الذى يبدو أنَّه قد تطور مؤخراً إلى خلاف يكاد أن يعصف بوحدته.
وحقيقةً لم تتسق مواقف التنظيم مع تطور أوضاع الثورة فى دارفور منذ بداياتها, وتراوحت ما بين الإقتراب والإبتعاد منها, عاكسة تردداً واضحاً وتبايناً حاداً بين قيادتها وقواعدها. فبعد إنطلاق الثورة فى نهايات شهر فبراير 2003م بادرت بعض قيادات التنظيم سريعاً بتبنيها وأصدرت القيادة العامة لقوات التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني بأسمرا بياناً تبنت فيه العمل العسكرى بمنطقة جبل مرة باقليم دارفورمشيرةً أنها إندلعت بقيادة القائد نصر الدين المكي, والقادة أبو خليل مرسال أبو خليل, وحيدرعاطف جاك, وحران يوسف, وموسي طه بشير, الذين يمثلون القادة الميدانيين بمناطق العمليات, كما نفت عن وجود أي علاقة لأي تنظيم آخر بتلك الهبَّة (سودانايل 20 مارس 2003م). وقد تزامن ذلك أيضاً مع تصريح آخرللقيادى إسماعيل إدريس نواي المحامى رئيس التنظيم بالداخل كشف فيه عن مساع تجري فى ذلك الوقت لتوحيد المليشيات المسلحة التي يقودها عبد الواحد محمد نور المحامي ومجموعة د. خليل إبراهيم وبقية الفصائل المسلحة تحت مسمى جديد هو الجيش الشعبي لتحرير غرب السودان (البيان 11/3/2003م).
عكس ذلك, وفى تصريح مناقض تماماً تزامن مع تداعيات الهجوم القوى على الفاشر, نفى السيد أحمد إبراهيم دريج أى صلة لتنظيمه بتطورات الأحداث الإمنية بدارفور!, إلا انه لم يدين تلك الأحداث, ودعا في ندوة بمركز الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة أمَّها العديد من المثقفين السودانيين والمصريين ورجال السلك الدبلوماسي إلى عقد لقاء دستوري جامع تشارك فيه كل القوى السياسية السودانية مشيراً إلى أن مفاوضات مشاكوس بشكلها الحالي لن تضع حلاً للأزمة السودانية، وأضاف أن مشكلة السودان شاملة وجامعة وما يحدث في دارفور أكبر دليل على ذلك (الرأى العام 30 أبريل 2003م), لكنه, ومع ذلك, لم يخف تأييده للمجموعة التي هاجمت الفاشر وقال إن حركته ترحب بإنضمام المجموعة إليها إذا رغبت!, لكنه أكد ضرورة جلوس أهل السودان لحل أزمة البلاد (جريدة الحرية 30 أبريل 2003م).
فى ظل هذه الضبابية ظل بعض قيادات التنظيم يتصرفون وكأنهم جزء أصيل من الثورة الناشبة فى ربوع الإقليم, خاصة الدكتور شريف عبدالله حرير, نائب رئيس التنظيم, الذى أصدر عدداً من البيانات الحركية المتعلقة بالحرب فى دارفور, فقد أصدر بيان بإسم التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني, القيادة الميدانية العامة لقوات التحالف الفدرالي, إتهم فيه الحكومة السودانية بإستخدام أسلحة كيمائية محظورة ضد ثوار دارفور فى بيان وقعه بنفسه كنائب لرئيس التحالف الفدرالي (صحيفة القرن الأفريقى 17 يونيو 2003م). إلا أن الحكومة ردت عليه واصفة بيانه بالتهريج, وصرَّح د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية في تصريحات صحفية بشأن ذلك أن الجهات التي تروج لإلصاق التهم على السودان "لن تستطيع أن تفعل شيئا" (الرأى العام 19 يونيو 2003م). كما ظلَّ السيد أمين حسن عبد الله, مسئول مكتب التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني بجمهورية مصرالعربية, يكتب عن شئون تنظيمه بنشاط ملحوظ وضمن ذلك أصدر بياناً حول رؤية التحالف الفدرالي حول قضية دارفور دعا فيه لإقامة نظام فدرالي حقيقي من أقاليم السودان التسعة التي كانت موجودة قبل وبعد الاستقلال لإدارة البلاد (القرن الأفريقى 24 يونيو 2003م). وخلال ذلك تأكد إنخراط القوات العسكرية التابعة للتنظيم (والتى كانت قبلاً مرابطةً بالجبهة الشرقية) فى الصراع المسلح بدارفور, ففى شهر يوليو أعلن القائد العام لقوات التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني المسلحة اللواء أركان حرب أبوبكر كادو فى بيان له صدر بأسمرا أن قواته المرابطة بالمناطق المحررة بدارفور دخلت فى مواجهات حادة مع مليشيات وقوات الحكومة حول مدينة الطينة الحدودية ثم لاحقاً حول منطقتى كتم وديسة (القرن الأفريقى 23 يوليو 2003م), أتبعه ببيان آخر أشار فيه أن قواته تشن هجوماً عنيفاً على قوات الحكومة السودانية ومليشياتها حول مدينة كتم الإستراتيجية بشمال دارفور للسيطرة عليها مما أدى ذلك الهجوم إلى تقهقر قوات العدو خارج المدينة (القرن الأفريقى 28 يوليو 2003م). ولم توضح تلك البيانات ما إذا كانت قوات التحالف الفدرالى قد دخلت فى تلك المواجهات بمفردها أم بالتنسيق مع قوات حركة تحرير السودان.
ومع تسارع الإيقاع نحو آفاق السلام تأكدت صحة ضلوع التنظيم فى مسار الحركة المسلحة بدارفور, فقد أوضحت مصادر مطلعة أنَّ الدكتور شريف حرير (ممثلاً لتنظيم التحالف الفدرالى) والدكتور جبريل إبراهيم (ممثلاً لحركة العدل والمساواة السودانية) قابلا قبل أيام من توقيع إتفاقية الهدنة بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان الرئيس التشادى إدريس دبي بإنجمينا حيث طالبهما الأخير بتفويض لتوقيع إتفاق السلام, إلا أن القياديين طلبا مهلة الرجوع إلي قواعدهما (جريدة الصحافة 4 سبتمبر 2003م). كذلك أكد الدكتور شريف حرير لقاءه بالقيادى الحكومى الشفيع أحمد محمد طاهر وقيادات مبادرة دارفور بهولندا وإعتبر أنَّ ذلك يدخل فى جهود المقاربة خطوة لإستكشاف مدى جدية الحكومة في إدارة حوار موضوعي مع المسلحين, ورهن جلوسهم الإستكشافي مع الحكومة بالتوقف عن إطلاق الوعيد والتهديد ومحاولات التجريم, غير أنَّه عاد ليستبعد حدوث إتفاق مع الحكومة خارج إطار الحل الكلي للمشكل السوداني (الأضواء 2 سبتمبر 2003م). وعلى كل فقد عاد حرير و أصدر بياناً بإسم التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني, القيادة الميدانية العامة لقوات الاتحاد الفيدرالي المسلح, أيَّد إتفاق وقف إطلاق النار المؤقت بين حكومة الخرطوم وحركة تحرير السودان, وإعتبره حدثاً هاماً في تاريخ ثورة دارفور, إذ إنتزع الثوار الإعتراف بقضية دارفورمن حكومة كانت حتى بالأمس تصفهم بصفات يعف اللسان عن ذكرها. كما ثمَّن الدور التشادى ودعا الجماهير إلى مزيداً من الوحدة لتحقيق الأهداف الكبرى التي قامت الثورة من أجلها. وأكد إلتزام الثوار الكامل بهذا الإتفاق لإعطاء الفرصة لإغاثة الأهل وترتيب أوضاعهم، وحذر حكومة الخرطوم من مغبة العودة إلى الطرق المعهودة في خيانة العهود وخرق الإتفاقات داعياً إلى اليقظة التامة والوحدة الكاملة من شعبنا لتفويت الفرصة على من يلعبون لعبة فرق تسد (الأضواء 4 سبتمبر 2003م). و لم يوضح حرير ما إذا كانت قواته قد وقعت على الإتفاقية أيضا.
من الناحية التنظيمية, وبالرغم من وجود تنظيم التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى على الساحة منذ ما يقرب على عشرة سنوات من تأسيسه, إلا أنَّه يبدو أنه يعانى من بناء تنظيمى ضعيف, ويفتقر إلى الأجهزة الإعلامية التى يمكنه من أن يرسل عبرها صوته ورسالته إلى قواعده و جماهير الشعب السودانى, وبالرغم من وجود أغلب كوادر قياداته بالخارج إلاَّ أنه لا يملك موقعاً على الإنترنت, كما أنَّه قد فشل فى إقامة مؤتمره العام بأسمرا و الذى كان من المخطط له أن ينعقد نهاية شهر يوليو الماضى لأسباب غير معروفة.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نقلا عن سودانايل / ثورة دارفور .... ومآلات المستقبل (Re: ابنوس)
|
إ جمهورية تشاد فى 3 سبتمبر 2003م, ودخلت حيز التنفيذ إبتداءاً من يوم السبت 6 سبتمبر, تفاقية الهدنة العسكرية بين الحركات المسلحة والحكومة: ى إدريس ديبى بمدينة أبَّشى شرقىويرى القائد عمر سليمان ضحية الناطق الرسمى بإسم الحركة بأنَّ ما تم الإتفاق والتوقيع عليه بين حركته والحكومة عبارة عن إتفاقية مبدئية لوقف إطلاق النار لمدة 45 يوما بين الطرفين على أن تبدأ بعد ذلك المباحثات والمفاوضات وتبادل المذكرات من أجل الوصول لإتفاق نهائي لوقف إطلاق النار وتحقيق السلام الشامل بالمنطقة, ويضيف بأنًّ ذلك الإتفاق أدي لتقريب وجهات النظر بينهم وبين وفد الحكومة وخلق نوعا من التفاهم وأرضية صالحة للصلح لحين الوصول للإاتفاق النهائي (موقع أخبار السودا
تم التوقيع على هدنة مؤقتة لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية وجيش تحرير السودان بإقتراح ورعاية كريمة من الرئيس التشادن 6 سبتمبر 2003م), أما فى خلال فترة الـ 45 يوما والتي ستتوقف خلالها إطلاق النار فسوف يتم تبادل المذكرات و طرح مشاكل ومطالب الحركة والتى يقول عنها عمر بأنهم لا يودون إستباق الأحداث لكنهم سيتقدمون بمذكرات متكاملة حولها تتركز حول التنمية ورفع المظالم من أجل الوصول للسلام الدائم والعادل. تحتوى إتفاقية الهدنة على 9 بنود تمحورت أساساً حول الترتيبات الأمنية أهمها وقف إطلاق النار بين الطرفين, و التحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات, وتجميع قوات جيش تحرير السودان في موقع يتم تحديدها بين الطرفين, وتسليم أسلحتها, وقد تم الإتفاق أيضاً على تكوين لجنة ثلاثية من الحكومة السودانية والحكومية التشادية وجيش تحرير السودان لمتابعة تطبيق بنود الإتفاقية (الرأى العام 4 سبتمبر 2003م).
بكل الإحتفال والصخب الذى أحدثته الحكومة السودانية بعد توقيع الإتفاقية وسارت على دربها وكالات الصحافة والإعلام فإن أكبر معضلة تواجه الذين يوقعون إتفاقيات مع نظام الإنقاذ, بصورة موضوعية أو طمعاً, تساورهم دائماً شكوك حول مدى إلتزام هذه الحكومة بالإتفاقيات المبرمة معها, وهذا تماماً ما يساور أهل دارفور تجاه أتفاقية الهدنة وما بعدها, وبناء عليه تظل بعض الأسئلة مشروعة من جانب الجماهير مثلاً عن الأسس التى قبلت الحركة بموجبها الدخول فى إتفاقية لوقف إطلاق النار؟ وكيف قبلت بتلك البنود التى تبدو مجحفة بحقها وهى التى كانت متفوقة نسبياً على ساحات المعركة؟ ولماذا لم تسأل الحركة نفسها عن دوافع الحكومة المتلهفة للإتفاق وفى هذا الوقت تحديداً؟ وهل إستندت الحركة خلال مفاوضاتها على مكتب سياسى حصيف يؤمن لها الإستشارة النيرة فى المواضيع المطروحة للتفاوض؟ ثمَّ ما هى نوعية الضمانات التى يمكن أن تؤمن للإتفاقية النهائية تنزيلها على أرض التنفيذ؟ وهل من الحكمة للحركة أن تجمع قواتها فى أماكن معروفة يسهل محاصرتها ثم تسلم أسلحتها قبل تطبيق أى شيئ مما إتفق عليه؟ على كل, الأيام القادمات ستكشف لنا المزيد من المعلومات والأجوبة على هذه الأسئلة المشروعة والغامضة فى آن واحد, خاصة وأنَّ بنود الإتفاقية تبدو وكأنه إستسلاماً من جانب الحركة دون مقابل.
إنَّ المتأمل الحصيف على بنود الإتفاقية لا يخفى عليه الأخطاء والملاحظات التى وقعت فيها الحركة ولم تتداركها قبل التوقيع النهائى, يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
(1) لقد فات على الحركة محاولة الحكومة تحويل القضية من "قضية دارفور" إلى قضية قبلية خاصة بقبيلة الزغاوة فقط, يدل على ذلك تصريح اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير, الذى قاد وفد الحكومة فى مؤتمره الصحفى بالخرطوم عقب العودة من تشاد, عن إتفاقهم على معالجة القضايا التي تسببت في إندلاع الأزمة (بما فيها مراجعة الصلح القبلي الذي تم في وقت لاحق بين بطن من بطون الزغاوة وأولاد زيد مشيراً إلى أن الصلح لايبدو أنه كان مرضياً)! (الرأى العام 7 سبتمبر 2003م), ماذا يعنى تصريح كهذا؟ وما مصير الخلافات الأخرى بين القبائل, وهى بالعشرات, فى ربوع دارفور كلها؟
(2) لم تنتبه الحركة أيضاً إلى نية الحكومة تجريد القضية من أى طابع سياسى, وهى ما كانت الحكومة تصر عليه, من خلال تبسيطها إلى مستوى النزاع القبلى المحض ومطالب التنمية المحلية فقط, يدل على ذلك تصريح السيد عثمان محمد يوسف كُبر, والى شمال دارفور, الذى صرَّح بأنَّ: "المجموعة المسلحة التي وقعنا معها الإتفاقية هي جماعات عسكرية مسلحة ذات أهداف محلية بحتة .. إن هذه المجموعة لم تطالب بأي مطالب سياسية أو مالية ولم تطالب بمواقع حكومية مثل كل الحركات المسلحة التي تطالب بمطالب لا أول لها ولا آخر" (جريدة الأضواء 6 سبتمبر 2003م), إذاً ما الداعى لقيام الثورة أساساً إذا كانت المطالب محلية فقط وفى جزء من دارفور؟
(3) لا يبدو أنَّ الحركة قد راعت حقيقة مهمة وهى أنَّ قضية دارفور, وبإشتعال الثورة فيها, قد أضحت ملكاً لكل أهل دارفور وليست قضيتها فقط, وإذا كان الأمر ليس كذلك فلماذا لم تحاول قيادة الحركة فتح قنوات للإتصال بالقوى والشخصيات المؤثرة من أبناء دارفور, والذين ظلوا يبحثون عنها للسند والمؤازرة, للإستئناس برأيهم قبل الدخول فى عملية التفاوض؟
(4) هل الإخوة الذين أوفدتهم الحركة للمفاوضات, وبكل إحترامنا لجهودهم, لهم سابق خبرة فى مجال التفاوض والعمل السياسى, وهل سبق لهم أن شاركوا فى مفاوضات بهذا الحجم من الأهمية؟
(5) بالرغم من الإعتراف الضمنى للحكومة والمضمَّن فى بنود الإتفاقية عن مسئوليتها عن المليشيات العربية (الجنجويت) الموالية لها, هل تعهدت بدفع الديات والتعويضات لأسر الضحايا والمتضررين, وعددهم بالآلاف, من أفعالهم الهمجية؟ خاصة إذا علمنا أنَّ المتضررين يتوزعون على مناطق واسعة من شمال دارفور ودار المساليت وكبكابية ووادى صالح وجبل مرة؟
(6) هل وازنت الحركة بين مطالبها لدارفور من ناحية بموازاة القضايا القومية التى ضمنتها فى إعلانها السياسى بحيث لا تبدو وكأنَّها مهرولة لتحقيق مرامى شخصية على حساب غايات وطنية إستندت عليها فى تأسيسها, حتى إنها غيرت من إسمها لتتلائم معها؟
(7) للآن لم تصدر الحركة بيان رسمى حول تلك الإتفاقية ولم تخاطب أهل دارفور والسودان عامة بحقيقة موقفها أو تؤكد لهم تمسكها بقضاياهم وتوضح إستراتيجيتها وراء ذلك.
( فات على الحركة أيضاً نية الحكومة المتاجرة بهذه الإتفاقية لعزل السياسيين المعارضين لها من أبناء دارفور, ومحاولة تحريض الحركة على قطع صلتها بهم, يدل على ذلك تصريح الدكتور الطيب بأنَّ الإتفاقية لا تحتوي على أية منازعات أو أهداف سياسية وأن حاملي السلاح نفوا تماماً صلتهم بالسياسيين في الخارج, وإستفادوا منهم فقط في وضعهم بالخارج, وإن المجموعة المسلحة أثبتت تماماً أنها تملك قرارها لوحدها وأن المجموعة إختارت أن تطلق على أولئك "مفاوضي الفنادق" وإمتنعوا عن الجلوس معهم (الرأى العام 7 سبتمبر 2003م).
لكن, وبرغم عمق الأسئلة وضبابية الرؤى إلاَّ أنَّه يمكن التنبؤ بشيئ إيجابى قد يحدث, وذلك من خلال قراءة الأجواء التى جرت فيها المفاوضات فى قصر الرئيس التشادى بأبَّشى وتحت رعايته وبإشراف مباشر منه حيث ورد أنَّه, رغم مرضه, سهر معهم ليالٍ حتى الساعات الأولى من الفجر ومعه بقية أفراد حكومته لإنجاح عملية التوصل للاتفاقية, وقد سبق إن إجتمع في وقت سابق بكل من شريف حرير وجبريل إبراهيم وخليل إبراهيم فى محاولة لتوسيع قاعدة التفاوض ولتضمينهم فى الإتفاقية لكنهم وضعوا بعض العقبات. أى أنَّ هنالك جهوداً صادقة بذلها الرجل لكن لا تخفى على المراقب للأمور دوافعه الشخصية لتأمين الحدود الشرقية لدولته.
من ناحية أخرى, فبالرغم من عدم الإشارة إلى أى بنود أخرى غير أمنية فى حواشى الإتفاقية الموقعة, إلا أنه من غير المتوقع أن يخرج وفد الحركة من تلك المفاوضات دون أن يكون فى يديه شيئ يبشر به قواعده, لكن الحماس الذى بدا عليه اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير فى مؤتمره الصحفى سابق الذكر يستشف منها أنَّ جوانب من الإتفاق ربما بقيت فى طي الكتمان وذلك من خلال قوله: "إن ما تم توقيعه مع جيش تحرير السودان هو إتفاقية سلام وليس وقفاً لإطلاق النار، وأن الأمر سيؤدي في النهاية إلى وضع نهائي برؤية متفق عليها وفقاً لفترة زمنية تعود بعدها الحياة إلى طبيعتها في دارفور الكبرى، وتصبح بذلك القوات المسلحة والأجهزة الرسمية الأخرى هي المسؤولة عن الأمن بعد جمع السلاح من أيدي المواطنين من غير أفراد القوات المسلحة" وأضاف "أن الإتفاقية تمثل خارطة طريق للسلام وستتجاوز هدف وقف إطلاق النار بتسجيل أهداف أكبر "وأنَّ توقيع الإتفاق "يدفع الحكومة لأن تقابل ذلك بتحمل مسؤوليتها بموجب منهج الراعي والرعية, وأنها ستعمل على تجاوز نصوص الاتفاقية والولوج مباشرة لخلق واقع جديد يجيب عن كل الأسئلة والإستفسارات" (الرأى العام 7 سبتمبر 2003م). وعلى كل, تبدو الحكومة وكأنها متعجلة للوصول لإتفاق إستباقاً للقاء السيد على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية بالدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان فى كينيا المقرر له فى تلك الفترة, حيث هدفت الحكومة لتحقيق أمرين هما تخفيف ضغط شوكة دارفورعلى جنبها الغربى وحرمان جون قرنق من الإستنصار بها من ناحية ثمَّ إرسال إشارة إلى وسطاء الإيقاد والمجتمع الدولى بأنها راغبة فى السير على طريق السلام من ناحية أخرى. فالحكومة تعلم جيداً بأنَّ الحركة الشعبية لتحرير السودان قد وضعت دارفور فى محور إهتمامتها الإستراتيجية يدل على ذلك التصريح الذى أدلى به السيد ياسر عرمان المتحدث الرسمى بإسم الحركة أعلن فيه ترحيب حركته بالإتفاقية وعزمها على الدخول في حوار مع حركة تحرير السودان لا سيما وأن حركة دارفور تتبنى قضايا كل السودان (الأضواء 9 سبتمبر 2003م).
من الجوانب الحسَّاسة فى هذه الإتفاقية مسألة الضمانات لتنفيذ ما سيتفق عليه من قرارات؟ ونسبة لحساسيتها فقد بادر الدكتور الطيب فى مؤتمره سابق الذكر لشرحه, وشرع فى تفصيله بإستفاضة بقوله أنَّ أول الضمانات يتمثل فى الإشراف العالي الذي تجده الإتفاقية ممثلاً في الرئيس عمر البشير والرئيس التشادي إدريس ديبي, وأن الحكومة التشادية طرف ليس غريباً على الساحة في ظل الصداقة العميقة بين الرئيس البشير والرئيس ديبي, وأن تشاد نفسها تتأثر بما يحدث فى دارفور فى ظل التداخل القبلي الكبير بين البلدين, ولكن السؤال الذى ينبرى هنا هو أو لم يوقع الرئيس البشير نفسه إتفاقية جيبوتى مع الصادق المهدى؟ وإتفاقية الخرطوم للسلام مع الفصائل الجنوبية؟ فماذا كانت النتيجة؟
ويمضى بقوله أما الضمان الثاني فهو نهج الإتفاقية في التمرحل من خطوة إلى خطوة تبدأ بوقف النار وبقية الجوانب الأمنية, وذلك خلال (45) يوماً يجلس بعدها الأطراف لإعداد ملحق يقوم على جمع السلاح من المواطنين, وإزالة آثار الحرب, ومعالجة القضايا التي تسببت في إندلاع الأزمة, بما فيها المساعدة فى حل الخلافات القبلية وترسيخ مبادئ التعايش السلمى, والسؤال الذى يبرز هنا هو هل سيشمل ذلك كل دارفور أم منطقة بعينها؟ إذ أنَّ لكل من تلك القضايا التى ذكرها مواصفات وحساسية مطلقة فى تحديد مستقبل التعايش فى كل دارفور. ويواصل الدكتور الطيب حديثه بأنَّ الضمان الثالث هو تكوين اللجنة الثلاثية من (15) عضواً: (5) للحكومة و(5) للمسلحين و(5) للحكومة التشادية. بينما الضمان الرابع هو المرجعية المتمثلة في تشاد, إذ أشار البند الثامن من الأتفاقية إلى أنه في حالة وقوع خلاف حول بنود هذه الاتفاقية أو بروز مشكلة لم يشار إليها يقوم الطرق الثالث بمهمة التوفيق بين الطرفين. لكننا نود أن نشير هنا أنَّ هذين النقطتين تمثلان ترتيبات إجرائية فقط وقد لا تصمد إذا ما أخلَّ طرف من الأطراف بما قد يتوصل إليه من إتفاقات.
فى خضم حديثه كذلك, أورد دكتور الطيب نقطة هامة لم يرد ذكرها فى ثنايا الإتفاق وهى أنَّه وفى خلال المرحلة التالية بعد جمع السلاح سيتم إستيعاب أفراد جيش تحرير السودان في القوات المسلحة على حسب شروط القوات المسلحة, وإستيعاب البعض الآخر في مؤسسات الدولة حسب مؤهلاتهم, هل هذه رشوة للحركة لتحييدها؟ أم إغراء للحركات الأخرى للإنضمام للإتفاقية؟ وهل قبلت الحركة بهذا العرض مقابل كل الشعارات العظيمة التى رفعتها سابقاً؟ تتمثل أهمية هذه النقطة, بالرغم عن مضمونها, فى حقيقة أكيدة هى أنَّ الإتفاقية المبرمة لا بد من أن تكون قد إشتملت على بنود وتعهدات أخرى غير معلنة, تدعمها سهرالرئيس التشادى شخصياً للإتفاق عليها بجانب تلهف الحكومة على وقف إطلاق النار كورقة تناور بها فى مفاوضات السلام الرئيسية بكينيا كما ذكرنا أعلاه.
حقيقة يظل العامل التشادى حاسماً, ليس فى التوصل لهذه الإتفاقية فقط بل وفى النجاحات التى حققتها الحركة المسلحة نفسها فى صراعها مع الجيش السودانى, فتشاد تمثل بالنسبة لها خلفية للتمركز والإنسحاب والإمداد التى لا بد من توفرها لأى قوة مقاتلة لكى تلجأ إليها فى ظروف الضغط, فكثير من مقاتلى الحركة سودانيون, وبحكم عامل التداخل القبلى فإنهم خاضوا بمهارة حروب العصابات التشادية التشادية والتشادية الليبية, وتدربوا على تنفيذ مبادئ الحروب الخاطفة التى تخلف قدراً هائلاً ومؤثراً من الموت والدمار, كحادثة الهجوم على مطار الفاشر مثلاً وتدمير الطائرات الجاثمة على أرض المطار, وهو أسلوب جديد على الجيش السودانى الذى تعود على حرب الأحراش والغابات فى جنوب السودان الشيئ الذى أوقعه فى خسائر فادحة فى الأنفس والعتاد تكتم عليها كثيراً. ولذلك فيبدو أنَّه ليس هنالك أى جهة أخرى يمكن التأثير على قرار الثوار غير الرئيس التشادى إدريس ديبى, شخصياً, كونه تربطه بالثوار أواصر الدم والقربى من جهة, ثمَّ محاولة منه لردَّ الجميل والعرفان لأهل دارفورالذين دعموه فى صعوده للسلطة فى تشاد من ناحية أخرى. ولذلك فقد كان الرئيس البشير صائباً فى محاولته إستمالة الرئيس التشادى, إلى درجة منح حكومة السودان لتشاد مبلغ مليون ومائتي ألف دولار لإنشاء الطريق الدائري داخل إنجمينا كإستحقاق لبروتوكول التوأمة بين الخرطوم وإنجمينا (الرأى العام 18 أغسطس 2003م), فى الوقت الذى لا يوجد فيه طريق دائرى واحد فى الخرطوم! وتأكيد الدكتور الطيب فى مؤتمره الصحفى آنف الذكر بأنه ما كان للإتفاق أن يتحقق لولا العلاقة الطيبة التي تربطنا مع تشاد الجارة الشقيقة. ومهما يكن من أمر فمن الواضح أنَّه لم يكن للحكومة خيار آخر غير تلك المناورات مما جرَّ عليها تشاؤم السيد الصادق المهدى بمستقبل الإتفاقية بحسبانه لم يؤسس لحل سياسي لأزمات المنطقة، وهاجم بشدة موقف الحكومة في التعامل مع مشكلة دارفور معتبراً أن الحكومة أوقعت البلاد في إشكالية إستباحة قضايا الوطن وتدويلها مشدداً على ضرورة إحتواء الظاهرة حسب تعبيره (جريدة الأضواء 11 سبتمبر 2003م). وربما كان السيد الصادق محقَّاً فى تشاؤمه بسبب أنَّ الحكومة كانت لها الفرصة فى إحتواء المشكلة من أساسها لو أنَّها نظرت إليها بموضوعية وتجرد بعيداً عن الهيجان والأوصاف المستفزة.
دور الحركات المسلحة بدارفور فى مرحلة التفاوض:
طالما أنَّ حركة تحرير السودان قد وقعت إتفاقية للهدنة مع الحكومة, بكل محاذيرها, ووافقت عليها غالبية الأطراف المسلحة فإنَّ المطلوب الآن, وبصورة ملحة, تقوية الجانب التفاوضى ودعمه بالأفراد ذوى الدراية والحنكة من أبناء دارفور فى الحركات المسلحة الأخرى الشيئ الذى يعنى الشروع فوراً فى تشكيل مكتب سياسى عريض يجمع عصارة الخبرات من القيادات السياسية المنتمية لهذه الحركات تحسباً لمزالق قد تضعها الحكومة لتمرير أطروحاتها الخاصة, ولقد أعجبنى فى هذا السياق تصريح القائد عمر سليمان ضحية الناطق الرسمى بإسم حركة تحرير السودان لصحيفة الشرق الأوسط حيث أوضح بأنَّ حركتهم ستشرع في إعلان مطالبهم على الرأي العام خلال الأيام المقبلة ليتم تدارسها قبل الدخول فى المفاوضات مع الحكومة (الشرق الأوسط 5 سبتمبر 2003م), ومن جهته قال القائد مني أركو ميناوي الأمين العام لجيش تحرير السودان لوكالة رويترز أن حركته ستجتمع بأفرادها خلال ال 45 يوماً المحددة للهدنة ليقرروا ما الذي سيطلبوه من الحكومة أثناء المفاوضات (رويترز 4 سبتمبر 2003م). كما ورد فى الأنباء أيضاً أن عدداً من قيادات التمرد المسلح بدارفور بأوروبا أكدوا إعتزامهم الإنضمام لإتفاقية السلام, لكنها لم توضح عن هويتهم, غير أنَّ ذات المصادر أشارت إلى عودة الشفيع أحمد محمد طاهر من زيارة قام بها لكل من هولندا وبريطانيا في إطار الحوار مع قادة التمرد بدارفور, ورفض الشفيع الكشف عن نتائج زيارته لحين تقديم تقريره للدكتور ابراهيم أحمد عمر الأمين العام للحزب الحاكم عن تلك الزيارة (الرأى العام 12 سبتمبر 2003م).
كل ذلك وغيره مما رشح من تصريحات لقادة الحركة المسلحة تشير إلى إستعدادهم لتوحيد كلمتهم وجهودهم وفتح باب التشاور, وتدارس الآراء والمقترحات من أجل قضية دارفور والسودان عامة, وإذا كان الأمر كذلك فيجب على حركة تحرير السودان, بصفتها الحركة الأكبر والموقعة للإتفاق, أن تبادر بالدعوة لتوحيد كل الحركات المسلحة فى الإقليم فى حركة موحدة, الشيئ الذى كاد أن يتم فى الماضى, وإنشاء مكتب سياسى متمكن يقوم فوراً بإستلام الملف السياسى والإستعداد للمفاوضات الحاسمة, ثم إنه ينبغى للجناح الرافض للإتفاقية من حركة العدل والمساواة تجاوز معارضته والدخول فى الهدنة, وهى بالنسبة له ستكون هدنة فقط فإذا إلتزمت الحكومة بمطالب الحركات الموحدة فبها وإلاَّ فإنهم غير ملزمين بعد ذلك, وهذا تماماً ما أكده القائد عمر سليمان لصحيفة الشرق الأوسط فى الخبر الذى سبق الإشارة إليه بأنَّه "بعد فترة ال 45 يوما سيعود الطرفان للإجتماع وسنضع شروطنا لوقف دائم للنار, فإذا وافقت الحكومة عليها فسنضع السلاح الى الأبد", وتابع "واذا لم تلب الحكومة المطالب فإن قيادتنا ستدرس الخيارات الاخرى".
من ناحية أخرى فإنَّه من المهم جداً إستصحاب العناصر العربية والقبائل الأفريقية الأخرى بالإقليم فى إطار المفاوضات والتى ستشكل السلام جزءاً محورياً فيها, وحقيقة فمن الناحية الإجتماعية والتركيبة السكانية فإنَّ دارفور ومستقبلها تقف على ساقين متمثلةً فى العنصرين الأفريقى والعربى, مثلما كان الأمر فى ماضيها, وعليه فيجدر أن تتسع الرؤيا لتشمل الجميع خاصة وأنَّ ما سيتم بحثه يعنى جميع أهل دارفور والسودان قاطبة, ثمَّ أنَّ ذلك سيفتح الباب واسعاً لتجاوز مرارات الماضى المؤلمة وجبر الخواطر وإرساء دعائم الوفاق القبلى والتعايش السلمى ويسهم فى ردف مفاهيم التعاون والتعاضد والمصير المشترك.
دور الحركات المسلحة بدارفور فى مرحلة ما بعد توقيع إتفاقية السلام:
فى مطلع شهر أبريل الماضى أرسل كاتب هذا المقال رسالة بالفاكس لعناية الدكتور خليل إبراهيم محمد رئيس حركة العدل والمساواة السودانية والسيد أحمد إبراهيم دريج رئيس التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى والدكتور شريف عبدالله حرير نائب رئيس التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى أثناء وجودهم بألمانيا للمشاركة فى المؤتمر التأسيسى لإتحاد الأغلبية المهمشة السودانى, لم يتمكن السيد دريج من الحضور, ولكن الرسالة وصلت إلى الأخريين والتى إحتوت على مناشدة عاجلة بضرورة توحد الحركات المسلحة والعمل بروح الفريق الواحد, وبإعتبار أنهم يشكلون جانباً مؤثراً من قيادات الحركات المسلحة الناشطة بالإقليم فقد أكدت المناشدة تحديداً وجوب مراعاتهم للنقاط التالية وتحقيقه ما أمكن وهى:
(1) توحيد القيادتين السياسية والعسكرية للحركات المسلحة والتحدث بصوت واحد كضرورة قصوى لا تحتمل التأجيل.
(2) العمل على تكوين وعاء سياسى متماسك يتكامل مع الجهد العسكرى ويسعى لترجمة المطالب المرفوعة عبر القنوات والأساليب السياسية المختلفة.
(3) الإتفاق على برنامج سياسى محدد, وطويل المدى, ذات إمكانية تطويره إلى كيان سياسى مستقبلاً يستجيب لتطلعات أهل دارفور ويتصدى لمشروعية مطالبهم.
كان ذلك فى الثالث من شهر أبريل الماضى, ولم أتمكن من توصيل الرسالة للطرف الثالث وهى قيادة حركة تحرير السودان, لكن ولسعادتى, لم يخيب هؤلاء الإخوة الكرام مناشدتى لهم وثقتى القوية فيهم, فإجتمعوا ووحدوا كلمتهم وأصدروا بياناً صحفياً بإسم "نداء دارفور", جاء فيه:
(1) ليس هناك أى خلاف بين التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى وحركة العدل والمساواة السودانية فيما يختص بوحدة القضية ووحدة العمل المسلح ووحدة المصير في دارفور خاصة والسودان عامة.
(2) نؤكد لجماهيرنا على أنَّ هنالك تنسيقًا كاملاً بيننا سياسيًا وعسكريًا وفى كافة المجالات.
(3) ندعو أهلنا في دارفور كافة والسودان عامة إلي مزيد من التوحد والتعاضد والتماسك واليقظة والحذر لتفويت الفرصة علي أعداء الشعب السوداني.
(4) نبشر أهل السودان جميعًا بأننا سوف نستمر في تصعيد ثورة الأغلبية المهمشة شعبيًا وعسكريًا حتي نحقق العدالة والمساواة بين أهل السودان في ظل حكم فدرالي حقيقي وخلق السودان الجديد.
(مدينة ديسبورغ بألمانيا فى 8/4/2003م)
مقترحى حول ضرورة الإتفاق على (برنامج سياسى محدد, وطويل المدى, ذات إمكانية تطويره إلى كيان سياسى مستقبلاً يستجيب لتطلعات أهل دارفور ويتصدى لمشروعية مطالبهم) هو بيت القصيد بالنسبة لمآلات ومستقبل الثورة فى دارفور, وأعتقد أنَّه قد آن الأوان لأهل دارفور لأن يتطلعوا لتمثيل سياسى منصف لقضاياهم, ومنحاز لتطلعاتهم بإصرار وقوة, وفى هذه الحالة "ما حكَّ جلدك مثل ظفرك", إنَّ الأوضاع السياسية ونظام الحكم القادم فى السودان سيعتمد مبدأى الديمقراطية التعددية والفدرالية بمعناهما الواسع وعليه لا بد لأهل دارفور من أن يتوحدوا أولاً لمقابلة إستحقاقات المرحلة القادمة بكل زخمها وعنفوانها, وتجاوز الصيغ السياسية التقليدية التى لم تفعل لدارفور شيئاً سوى الإضرار بها وركنها فى دوائر الأرقام, والسودان, بعد توقيع السلام القومى الشامل, مقبل على برامج واسعة من التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة على كل المستويات الفدرالية والولائية وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.
دكتور حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
الأحد 14 سبتمبر 2003م
| |
|
|
|
|
|
|