دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري )
|
في السودان هنالك اشياء لو حدثت في اي من الدول الاخرى لتم توثيقها وكتابتها في الاعلام ، ولكن نحن بلد لا علاقة لها بالتاريخ او بالتوثيق .. نحن بلد تحاول جاهدة ان تدفن نفسها في وحل النسيان .... ومن الحكايات الظريفة التي عايشتها في طفولتي ونمت معي علاقة ربطتنا بخواجة اسمه هارت مورت ، وخواجية اخرى اسمها اوتا ، وهم من المانيا الغربية قبل سقوط جدار برلين وتوحد المانيا .. وصل الخواجة والخواجية الى بادية الماهرية في العام 1979 قصد اجراء دراسات اجتماعية وانثربلوجية .. هل يصدق احد ان يحمل هؤلاء الاثنين حقائبهم من بون الى السبعاني لاجراء دراسة عن قبيلة مجهولة حتى لأقرب الناس في السودان ؟؟ هذا ما حدث وجاء الخواجة قاصدا بيت جدنا الدود ناظر القبيلة ولا يعرف كلمة واحدة بالعربي ، وليس لدى الناظر معرفة بقصد الخواجة .. لكن اعتقد ان هنالك خطاب من السلطة بخصوص الخواجة . وبدأ هارت مورت واوتا دراستهم واول شيئ التعرف على نمط عيش القبيلة التي لا تستقر في مكان واحد ترحل صيفا الى تخوم جبل مرة وشتاء الى اقصى مكان في السافل .. وتعتمد على الابل في حلها وترحالها .. وفي شهور قليلة صار الخواجة والخواجية ينطقون اللغة كما يتحدثها البدو .. حتى مخارج الحروف هي ذاتها .. واشترى هارت مورت واوتا مراح من الابل والجمال العنافيات ، وصاروا جزءا من القبيلة .. ولا احد يسأل وكأنهم ولدوا هنا ، ينشقون مع الناس ويعودون في الصيف ، وعادة ما يسافروا الى المانيا لفترات قليلة ويعودون الى مراحهم ، كثيرا ما يرهقهم البحث عن مكان البادية ، اذكر في عام 1984 سنة المجاعة كان هارت مورت واوتا في المانيا ولما رجعوا لقوا ( دار الكلاب خلا ) كما يقول المثل ، فقد رحلت بادية الماهرية بأكملها الى بحر العرب .. ومعها مراح هارت مورت .. وانا اورد اسم هارت اولا حسب التنصيف الذكوري في البادية .. وكنا حتى وقت قريب نعتقد ان اوتا هي زوجة هارت مورت حتى عرفنا لاحقا ان العلاقة بينهم هي علاقة دراسات ينجزانها معا .. ولذلك يطلق على المراح مراح هارت مورت .. ولحق الخواجة بالبدو هناك .. وعاد معهم في خريف رجب 1985 وهذا خريف غسل البلاد بطولها وعرضها واجمل ما انبته انتفاضة ابريل التي اغتيلت هي الاخرى .. ذات صيف آخر .. ونشق الخواجة الى السبعاني .. كل الذي اذكره الهدايا والتماثيل الصغيرة التي يقدمها لنا الخواجات عند عودتهم من المانيا ... كان اهلنا يقولون لنا ( هادي اصنام ) ولكنا نتمسك بها ، وهنالك هدايا لا ادري لماذا تاتي بها اوتا مثل حاملات الشمع الفضية ، وطفايات السجائر .. فليس هنالك شمع ، والسجائر يمكن ان تطفأ في اي مكان فكل الدنيا عراء ، لا موكيت ولا سراميك .. ولكنها كل عام تحمل تلك الهدايا معها وربما لا احد يهتم بمعرفة فيما تستخدم .. واذكر في عرس اخي ، كانت اوتا تركب بعير عنافي وتسابق به وشعرها يمتد بعيدا الى الوراء في منظر غريب ، رحمها الله توفيت كما علمت لاحقا ، وقد ارتبطت بنا وجدانيا فبعد انتهاء دراساتها بأعوام عادت اوتا لزيارتنا في العام 1988 زيارة ودية وعادت بعدها ولم تعد ولن تعد مرة اخرى .. وخلفت كتاب لم اعثر عليه حتى الان رغم ارسالها نسخ منه .._( كتاب عن المرأة في قبيلة الماهرية ) اعتقد انه يمكن ان يكون دراسة عميقة للمراة في مجتمعنا البدوي ، وهارت مورت واصل رحيلة لسنوات طويلة واعتقد ان المسألة استهوته .. بل وصل حد ان تخلى عن لبسه الافرنجي مكتفيا بالعراقي والسروال الطويل والعمه ، واكثر المشاهد التي اعلن فيها انتمائه للقبيلة حين اصر ان يضع وسم القبيلة على نوقه ، والوسم هو علامات توضع بالنار ، على رقبة البعير ، وتسمى الكيّ ، ووسم الماهرية هو ( الجرّة ) وبذلك اعلن هارموت انتمائه ، وسمى هارت مورت الماهري او الخواجة الماهري ، واذكر من النوادر التي تحكي عنه ، انه في واحد من فصول الرحيل شمالا ، ابحرت الابل في رمال الصحراء الى نبات الجزؤ ، واصيب هارت مورت بالملاريا في اعلى تلال الصحراء حيث لا طبيب ، ولا كلوركين .. وبما ان الملاريا من الامراض العادية جدا لدي الناس هناك فلم يهتم احد بمرضه بل ، كل مرة يقولون له انت ( مارود ) ومحتاج لبن قارص ، فيبكي هارت مورت ويطلب الاتصال بالعمدة الذي يبعد منه الاف الاميال ... وهنالك احد الساخرين واسمه عبد الله ود سلاّم كان يقول له : انت باريت البل ( الابل) وخليت العربات والبل برمنّك في السافل وبمشن
ويزداد الخواجة بكاء على حالة ، وقد سجل هارت مورت كل هذا في كتاب لم يحظى بالترجمة رغم ان دكتور حيد ابراهيم عندما حدثته عنه ابدى استعداده لترجمته وطباعته ، والكتاب دراسة مطولة لطبيعة البدو وحياتهم وبه دراسة للآثار في منطقة شمال دارفور .. عنوانه mahria tribe ولم اتمكن من الحصول على النسخة الوحيدة التي بيدنا .. تذكرت الخواجة هارت مورت الان لاني التقيت بخواجة آخر عاش في السودان واسمه (آدم ) وهو شاب كندي فاز في الانتاخبات البلدية الاخيرة مرشحا من حزب ndp ويشارك في فعاليات الجالية السودانية التي دعمته في الانتخابات ويتحدث العربي السوداني ( ومن حكاويه ) ان في السودان كانوا يقولون له الخواجة ، فكان يرد انا ما خواجه انا حلبي !!! واذا اردنا التعرف علينا ، فعلينا قراءة انفسنا في ما يكتبه الاخرون عنا وما يقولونه عن طبيعة مجتمعنا وقيمنا المدهشة لكل من عاش بيننا ، عاد هارت مورت الى المانيا تاركا مراحا موسوما بوسمنا ، واهدي خيمته لود سلام ، وماتت اوتا ، لكن في العام سبعة وتسعين ، جاء شاب اسمه فرانك وشابه اخرى من المانيا ، وهم حديثي التخرج لمتابعة مشروع دراسات هارت مورت واوتا بتكليف من ذات الجامعة ، واستأجروا بيت عمي الملاصق لبيتنا في مدينة كتم .. وكنت في اجازة هناك عندما جمدت الجامعات ، استمتعت بوجودهم بيننا ، وانهم يعرفون اسمائنا ويسألون عن فلان وفلان ، فقد كتب هارت مورت عن اي اسرة اسماء افرادها ، وتقاسمت معهم جزءا من الاجازة ، سهر ليلي واستماع الى اسطوانات موسيقية حديثة .. وضحك واسعفني ان انجليزيتهم لم تكن افضل مني .. لا ادري اين هم الان ، لكن اينما كانوا فقد كانوا اشخاص ودودين ، واتمنى ان اقرأ ما كتبوه في يوم ما .. لا ادري هل مفيد للقراء كتابة هذه الحكاية اما لا .. لكن خطرت بالبال فكتبتها .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: zumrawi)
|
الاخ ابنوس
لقد خاطبتني هذة الكتابة تماما
لا تاتي الا من قلب مفعم بالحقيقة والتوثيق
هذا نص مشحون بالوفاء
اتمنى ان تحاول التواصل مع الجامعة فقد تجد معلومات عن تلك الكتب
واتوقع ان يكون ما كتبته تلك السيدة عن المرأة في قبيلة الماهرية اضافة مهمة للمكتبة السودانية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: maryoud ali)
|
الجميل زمراوي ، دائما اجد ذاكرتي مشحونة بأشياء كتيرة ، من ذلك العالم البعيد القريب ، رمال وصحراء وخواجات ، وطفولة موزعة بين مدن وبوادي وكهولة تلتهمها الثلوج ... وساحاول ان افرّغ هذا على ورق المنبر . شكرا لقرائتك عزيزي مريود شكرا كتير لمتابعة هذه الحكاية ، والكتب التي اشرت لها هنا توجد منها نسخ في السودان لكن انا بيني والبلاد البعيدة توجد الذاكرة فقط ، واذا راقت الحال سأجد تلك الكتب واقدمها للترجمة ... لك ودي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: Elawad)
|
أبنوس! أكتب يا أخي، أرجوك! القصة ممتعة. ودائما ماأحب أن أقرأ/أسمع مثل هذه القصص التي تزيل الغموض عن عوالم من وطننا نجهلها، وتثير فضولنا، وما أن يضعها أحد في أيدينا حتي نضمها إلي سحارة الحكاوي عن الوطن الحبيب. لي عشق خاص لحياة القبائل البدوية، وفضول خاص تجاه أنماط الحياة في تلك المجتمعات. قرأت العديد من الكتابات عن قبائل (الروما) المنتشرة في أجزاء مختلفة من العالم وأجدني أميل إلي المقارنة مابينها وبعض القبائل بالسودان.... بالتأكيد الحري بنا أن نسمع قصص من وطننا أولا! لك الشكر إيمان (عفوا فقد وعدت بالعودة في بوست آخر ولم أعد، لأسباب كثيرة لا تحصي)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: ابنوس)
|
التحية يا ابنوس
القصة جميلة ومثيرة للذكريات، ذكرتني مستر "ليف" السويدي الضخم، الذي عرفنا، بعد عشرات السنين، انه كان انثروبولوجست يدرس قبائل المنطقة. وكنا صغارا في الابتدائي ولكنه حين يلعب معنا الكرة وكان حارس مرمي، لا نشوتها بشده لاننا نخشي ان يندلق دمه!! فقد كان اول رجل شديد البياض نراه في حياتنا وكان دمه داخل شرايينه يري بالعين، خاصة مع الحر الحارة!! المهم الرجل كان يشرب المريسة بكثرة، ودي ما كانت مشكلة، المشكلة كانت عندمااصر ان ياكل المرارة النية وبشطة كثيرة جدا، والله الا ربنا مد في عمره!! المهم الرجل لبس العراقي الساكوبيس والسروال الطويل وشايل مخلاية في كتفه وعكاز في ايده ولافي على الحلال وبعد 4 سنوات غادر البلد ولم نعرف، حينها، انه ولا شك قد كتب كتابا ضخما عن المنطقة وقبائلها وعاداتها كجزء من رسالته للدكتوراة. هناك الكثير المكتوب عن السودان وبعد دراسات دقيقة ولكن من يجمعه لنا؟؟ ارجو ان يكون الاخ الدكتور غرباوي قد عثر على بعض ذلك اثناء دراسته في سكندنافيا. هنا في هولندا توجد امراة عاشت في كبكابية اكثر من 6 سنوات لدراسة وضع المراة هناك، وهي استاذة بجامعتي لايدن وروتردام، وتسمي نفسها "كارين كبكابية" على وزن حيدر بورسودان وجلال كادقلي! وقد قابلتها اول مرة في ندوة عن التعليم في السودان، بدأت حديثها قائلة: As a woman from the West, and by the west I dont mean a khawwajia, but I mean a gharbawiyyah ومعناها انها كامراة من الغرب لا تعتبر نفسها منسوبة للغرب الاوروبي بل الى غرب السودان! وهي فخورة بذلك وأكلتها المفضلة هي عصيدة بملاح تقلية او روب، رغم انها لم تحب الكول بعد..
الله.. أيام.. دنيا..
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: Alsawi)
|
العزيز العوض شكرا لقرائتك هذه الحكاية ، واتمنى ان تسعفنا الذاكرة لكتابة كل ما بها . الصديقة ايمان : طيب ما تسأليني عن القبائل كان ونستك ، شكرا على الطلة ولما نرجع ربما نحمل حقائبنا ونغوص في الغابات والصحارى للتعرف على وطننا بدلا من ان نقرأه من الاخرين الجميل الصاوي شكرا على دخولك هنا ، وحكاية المريسة دي اضافت للحكاية مسألة كنت ناسيها ، توجد في مناطقنا اسواق ريفية ، تقام في ايام محددة واشهرها سوق ( ديسا ) وهو سوق يعقد كل يوم سبت ، هذا السوق عبارة عن قهاوي وجزارة ، وبه دكان ترزي ، وباعة قماش ، وسوق للماشية ، واذا عبرت كل هذه الاشياء او لم تكن من اهتماماتك فهنالك سوق آخر ، هو سوق المريسة ، في الوادي الذي يحد السوق من الناحية الشرقية ، هناك تجد بائعات المريسة ، الجرار مرصوصة في صف طويل وكل جر تحرسه مرأة ، واذا اخترت المريسة التي تعجبك تحمل المرأة الجر على رأسها الى مكانك الذي تختاره بين الاشجار ، وتدفع لها ثمنه ، هذا السوق اختاره هارت مورت من بين كل الاشياء المعروضة ويقولون ان هارت مورت ليلة السبت يرطن للصباح ، وهو بشرب جرين ، غير ما ابتدعه من عملية ( الضواقة ) فقد كان يبدأ الصف من اوله ويضوق حتى نهايته ، وتقدم له العروض من البائعات ، فقط لانه يدفع اكثر من الثمن فأذا كان جر المريسة بخمسة جنيهات يباع الى هارت مورت بالضعف .. ويتواطأ الجميع مع بائعات المريسة ف ، وفي المناسبات يشرب هارت مورت ويجالس المغنيين ، وفي واحدة منها يقولون انه حين يرفع كأس المريسة لا يدع نقطة تسقط على الارض ، اي يقوم بتمرير الكأس على حافة الاناء الذي به المريسة مرات ومرات ، وهي حركة لا يعملها الا الحرفأ في مجتمع الشراب ، ( ولا ماك عارف ) يا عزيزي اكرر شكري لك على هذه المداخلة وعلينا ان نكتب ما وسعنا ذلك ، ولك ودي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية الخواجة هارت مورت الالماني ( الماهري ) (Re: ست البنات)
|
العزيزة / ستهن لك عبير كل الامكنة ، وسأحاول ما وسعني ان اكتب عن تلك الديار البعيدة والقريبة للقلب .. وشكرا لقرائتك ، ونحتاج دائما ان نتعرف على بلادنا هذه الكجهولة ( النكرة ) لدى الكثيرين وما اقسى ان تكون غريب في وطنك او وطنك غريبا عنك . اكرر شكري
| |
|
|
|
|
|
|
|