افعل هذا بكل حواسي ، اتحرك بين الباب والسرير ، ادور حول جسدي ، اتلمسه ، واتأكد ان دمي مازال مشتعلا بشهوته اليك ، وانك ستاتين فدقائق ساعتي تعلن انتهاء وقتك المحدد ، لم يتبق لك سوى ثواني من الوقت الاضافي ، لكني سأفتعل لك اعذارا كافية ، كثيرا ماتعودت تبرير غيابك ، ألم توعديني من قبل في محطة المظلة ولم تأت ؟ في ذلك اليوم لبست قميصي الابيض ، واستلفت بنطلونا ، واستاجرت حذاءا ، ورشّة عطر فرنسي من البوتيك المجاور لشارعنا ، وجلست بكامل استعدادي على اسمنت المظلة ، متلفتا الى الحافلات القادمة منك ،والعائدة اليك ، جالسا عكس اتجاه هبوطك المحتمل ، حتى تعب رأسي من الالتواء ، وعيناي من النظر اسفل الحافلات ، رأيت انواعا مخلتفة من الاحذية ، وسيقان نساء ممتلئة، واخرى نحيفة كأعواد البوص ، لكن ما اثار شهوتي نقوش الحناء ، كم تمنيت رؤيتها على ساقيك ، سيكون ذلك رائعا !! حين اتخيل ساقيك بنقوش الحناء اشعر (ببوخ ) النار على صدري ، فأزدرد الريق الاخير من شهوتي واواصل النظر ، احذية الرجال لا تلفتني ، فقط اكتشفت طريقها المتسلل الى ابواب الحي ، وان البيوت جميعها مفتوحة للغرباء منتصف الظهيرة ، وانت لم تأت في ذلك اليوم ، بسبب الغبار الكثيف الذي لفّّّّّّّّّ المدينة ، وجدت لك عذرا فأنت وصلت ولم تستطيعين رؤيتي ، نزلت في الاتجاه الذي كان من المفترض جلوسي فيه ، وحين لم تجديني ، ركبت اول حافلة عائدة وغادرت المحطة ، للأسف اكتشف ثغرة في هذا التبرير ، لأن الحفلات العائدة تمر من امامي ، ثم اني اعرف كل احذيتك ، واذا صدف واستلفت حذاءا جديدا او اشتريته من( ختة) الصندوق ، فساقيك اعرفها جيدا ، ممتلئين بالسمرة ، وبالخطوات العجلى ، اذن هذا ليس مقنعا ، ينهض تبرير اقوى امام تهاوي تبريري الاول ، انك نزلت في المظلة الثالثة فشارعنا به ثلاث مظلات ، ( وهي افضل اكتشاف لمتسقطي حسنات فضل الظهر) فالمواصلات كعادتها متسكعة ، واحيانا لا تأت ، والمظلة الاولى مستبعدا نزولك فيها لانها قريبة جدا من نقطة بداية خطوتك الاولى ، اما الثانية فأنا اجلس فيها منذ ثلاث ساعات ، اقرأ في الايات التي نقشت بالخط الكوفي ، وبعض اسماء الذين نقشوا ذكرياتهم ، من زائري المدينة والعابرين . واعلانات شركات المشروبات الغازية تحتل هذه المظلة ، اكثر من سكان الحي ، وقد سوي الامر بينها والمحسنين . بقيت النقوش الكوفية بالداخل ، والوان المشروبات الصارخة بالخارج . في هذا المكان الملوث انتظرتك يا حبيبتي . حتى تعبت ، وانا اعرف ان لا محطة ثالثة في نهاية هذا الشارع ، الا في احلامي .
عدت ساخرا مني ، ولم يساورني شك في نزولك خطأ في محطة ما بلا مظلة ، ويهتز هذا الاحتمال حين أتذكر انك جئت بيتنا ، عندما اصابتني الملاريا في الخريف الماضي ، لكني سأختلق لك دروبا لا تغشاني ... !!!
عدت الى البيت ، وانتظرتك كما يجب ، رتبت غرفتي ، وضعت كتبي اعلى الرّف ، وهيأت لصورتك مكانا لائقا على الحائط . اشعلت ( النّد) وحافظت على رائحة العطر الفرنسي بجسدي ، احضرت المشروب الذي تحبينه ، ووضعته على الثلاجة ، ( اعرف انك تحبين الكركديه ) منذ الليلة البارحة وضعته في الماء ، وحالما تصلين سأصفيه بالمصفى ، الذي تناولته من الجيران ، وجلست متنصتا طرقات الباب ، افتحه وانظر بأمتداد الشارع ولا المحك ، اعود خالعا ملابسي ، استبدلها بالفلنة الممزقة ، ورداء الجنز ، الذي قطعته من بنطلون تآكلت ركبته ، استلقي على سريري الفارغ ، واتصفح المجلة القديمة ، فقط لأن وجه هذه الممثلة يريحني ، أتتبع اعلانات اطارات العربات ، وآخر اخبار الجميلة ( ليلى علوي ) ، وابحث عن( فايزة عمسيب) بين صور النجمات ، واتسآئل ما علاقة كل هذا بحضورك ؟؟؟
نسنس الهواء على شباكي ، هرعت لملابسي ، تعثرت رجلي في فتحة البنطلون - دخلت فيه بعرضها - وبمقاومة قليلة استعدلت رجلي ، وتأهبت لفتح الباب ، سأجدك واقفة امامي ، تسبقك ابتسامتك ( الحنونة ) ، وتمدين يدك بالسلام الحميم ، سأجرك نحوي لينفذ العطر الي انفك ، وآخذك الى غرفتي ، لتنظرين صورتك وعليها كل هذا الاطار المضيئ .
مددت يدي نحو الباب ، متنصتا انفاسك العالية ، قررت ان اعاتبك على تأخيرك ، لكن كان الشارع خاليا ، والصبي الذي يصلح دراجته تحت شجرة النيم ابتعد ، مخلفا اصداء طرقاته على ( رفارفها) ، ولا ذبون في بقالة ( امير العربي ) التي تواجهني ، صفقت الباب خلفي ، عدت بذات الاحساس الماسخ ، واستلقيت على سريري ، بذات الطريقة ، التي تعودت ان استقبل بها عدم حضورك المتكرر . لماذا لا تقولين لي : انك لن تأت ؟؟ لماذا تصرين على مواعيد لا تتم ؟؟ وكيف ستواجهينني الآن ، لا ادري كيف ستلتقيني ؟ فرغم شح هذه المدينة ، احضرت لك مشروب الكركديه ، وغداء من المطعم البعيد ، وفق ما تشتهي ، وها - انت تخلفين ذات الطعم على فمي .
مجلتي ستنسيني هذا ، فلن انتظرك اكثر من هذه الساعات ، التي احرقت دمي ، لن التقيك في مقبل الايام ، لا في الجامعة ، ولا حتى في غرفتي التعسة هذه ، سأشعل سجارتي ، خرجت ابحث عن عود ثقاب ملقى في ساحة البيت ، الجلبة التي بالمطبخ ، تشبه صوت خطواتك العجلى ، عدة المطبخ تتساقط مصدرة صوت اليف--- حسبته صوت حذائك القديم -- عدت جاريا ، ارتديت ملابسي دون تعثر، سرّحت شعري ، وتأكدت من ان وجهي ما زالت به بقايا ابتسامة تناسب استقبالك . وبذات الرعشة التي تسري في دمي ، ومستخدما نفس التكتيكات السابقة ، اقتربت من باب المطبخ . لا اعرف من اين ستدخلين ، فربما تدفعك اشواقك المزمنة للأختلاء بي -كما قلت-الى الدخول من هذا الاتجاه ، لكن اللحظة باهته ، وقطتي التي تقاسمت ايام الوحشة معي ، تحاول الآن ، فتح ( حلّة) الاكل الذي احضرته لك ، كم تخيلتك تأكلين الفاصوليا !! قلت لي : انها افضل مقوي لعظام الرجال في الشتاء ، وقلت انا : انك الدفء في ليل المدينة . ليتك تاخذين جرعة من هذا الكركديه المثلّج
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة