الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقلم: طاهر محمد علي //

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 02:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-14-2015, 10:15 AM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقلم: طاهر محمد علي //



    Quote:

    بقلم: طاهر محمد علي* ((الحلقة الاولي))

    هي الدنيا.. أيامها وسنواتها، وعمرها المنسرب، المتفلت من روزنامة الاعمار، تخط بوشمها علي الاوجه، والاجساد، وعلي ذاكرة الايام..
    لايزال المرء يتذكر اول ايامه، وصبوته، وعنفوان شبابه، يا الله من تلك الايام وذكراها الممرعة المأنوسة.. رحلت وارتحل معها زمان جميل. والعمر انسرب ولم يتبق منه بقية، وصدي الذكريات لي هروب هو الاخر.. أكتب علي دفتري من مرّ بدرب العمر من محطات ومطارات وتطواف علي الدنيا؟
    الاحلام فيها ما تحقق، وبقية من عشمّ!!
    ابطال الرواية الخضراء مضوا كأنهم خلقوا ليضيئوا للحظات ثم ينطفئ وهج البريق.. مضي اصدقائي، واخواني، وأهل ذكرياتي.
    يحضرني هشام عثمان نابغة المواهب، ثم يمضي محمد الشيخ حاج محمود باكراً، وعبد الناصر، ووليد المأمون، مضي حاج إبراهيم عكاشة ذلك الشيخ الذين هدي مسيرة طفولتنا نحو زاوية العبادة، وارتقي بنا سلم المؤذنين، وسيد الغبشاوي بحكايا الحكمة، ريحانات حارتنا، حسين "كابتن مصر" واستاذ عكاشة حسن محمود، مضي استاذي الفاتح النور وانا لم ازل اعب نهلاً من فيض صاحبة الجلالة. مضي شيخي حيث لاعيون رمقته كما رمقته.
    هي الدنيا ساقتهم في ايامي. ومضوا قليلاً ثم ذهبوا.. عدت ابحث عن امكنتهم واحداثهم واضرحتهم. افتش عن الشوارع الأمينة، وكل المدن التي ارتدتها يوماً صبياً، يعاودني الحنين اليها ولكنني لا اجدهم، ولاأشتم ريحة ذلك الزمن، ولا أجد تلك العصاري الجميلة المفرهدة، والليالي البهيمة السادرة في ضوء القمر.. سماوات لاتشبه السماوات، وشوارع وأزقة لاتشبه مسخ المدن. بيوت معجونة بطين الأصل. سماء تمطر ذهباً.تفرقت بنا السبل، فماعدت اعرف عن اول صديق حميم عن سكة.. ايهاب السر، وايهاب علي، ومحمد عمر، والطاهر علي عباس، وهشام ميرغني، وياسر محجوب، والطاهر عطية، ومحمد عباس الإمام، استاذي احمد مجذوب الدفاري، ناظر ابتدائيتنا الشرقية (ب) احتضنه الثري، واحمد حامدنو، وفاروق ابوشامة، ومكي، ونجاة، ومحمد توم اول من خط احرفه الابجدية علي مخيلتي كان ذلك في العام 1977م، وانا قادم من مدارس الكمبوني. لم يبق في ذاكرتي الإّ بص العم سقاى، ولعله من الأحباش الذين استوطنوا مدينتنا التي تقبل كل الأشكال والاجناس والسحنات، يقود بص مدرستنا صباحاً ويعود بنا في الظهيرة. عامان من الاتكيت قضيتهما في الرياض، روضة صغيرة، واخري كبيرة. وعدت اليها (اي كمبوني) وانا مساعد قائد للكشافة اقود فرقتها الصغيرة، اتأمل في ميادينها الفسيحة، وارضها النظيفة، وطلاء فصولها، وعتباتها المبهرة. في الشرقية (ب) تميزت علي اقراني بالصعود في صفوف المتميزين، واذكر ان نتيجتي جاءت الخامس عشر والرابع عشر في الترتيب لا اذكر ايهما اولاً لكني تشاركت مع اول صديق لي في المرتبة، وفي الابتدائية عرفت طريق المعرفة الي عالم الصحف والمجلات فقد كانت رزقاً لوالدي صاحب المكتبة الاشهر بغرب السودان (مكتبة البيان) التي تركت اثرها في ثقافة اهل الابيض، تلك البقعة التي سكنها الوالد قبل تاسيس مكتبته في 1957م، وقبل ان يفتتح أول مكتب لصحيفة الايام في نفس العام، مراسلاً لتلك الصحيفة العتيقة من الابيض.
    الابيض عروس الرمال الخصيبة ، مدينة تنبض بالرقي والبساطة نظيفة انيقة مبهرة، بها معالم للثقافة، تبدأ بمكتبة البيان (لصاحبها محمد علي طاهر) ومكتبة الجيل (لصاحبها عبد الرحمن احمد عيسي) من كبار رجالات التعليم والكشافة وله قصة معروفة في تدريسه لخادم الحرمين الشريقين الملك فهد والملك عبد الله بمدرسة الدويم الريفية، ولاتزال صورته في ذهني وهو في أخريات ايامه يجلس أمام مكتبته الشهيرة (الجيل).. تلك المكتبة التي تعدّ من أقدم المكتبات في كردفان قاطبة، والأبيض خاصة، إذ انها تجئ بعد مكتبة دار كردفان التي أسسها الراحل الفاتح النور رائد الصحافة الإقليمية في العام 1945م..
    الابيض ضمت صفوة الناس في كل ضروب الابداع والسياسة، وغيرها فلك ان تعلم ان اول صحيفة تصدر في اقاليم السودان كانت للراحل الفاتح النور ترير وهي صحيفة كردفان، ثم كانت جريدة (الجريدة) للقرشي، و(اخبار الغرب) للدكتور ادريس البنا، وفي مجال الابداع كانت هناك فرقة فنون كردفان، التي قدمت كل فناني الغرب الي الوسط وهم الموسيقار جمعة جابر، وعبدالقادر سالم(مكتوال هواك ياكردفان)، وابراهيم موسي أبّا(بلدنا كردفان) و(العجكو)، وعبد الرحمن عبد الله حين ينشد من اصيل الانغام (رويحة الهاوي يا مجافي يطول عمرك مع العافي) وخليل اسماعيل (الكمبا والاماني العذبة)، وصديق عباس (مطر الرشاش الرشة)، وام بلينة السنوسي صاحبة المجد المعبر عن شموخ الكردفانية وهي تشارك في ملحمة اكتوبر الخالدة، وكل من قدم نفسه للوسط الفني جاء عن طريق هذه الفرقة. ثم ان مسرحها الذي ارتاده كثيرون من امثال عبد العزيز العميري والفاضل سعيد، وغيرهم، وللحركة المسرحية ادوار عظيمة وتاريخ وافر.
    ولم تكن الابيض في يوم من الايام تعدم ان تقدم رمزاً مرموقا فاغلب الرموز كانت هي من تشحذ فيهم الروح المبدعة والملهمة.
    وللحديث بقية من شجون

    ((يتبع))
    -------------------------------------------------------
    * الاعلامي طاهر محمد علي طاهر و حلقاته عن عروس الرمال الاصيل بن الاصيل بن عروس الرمال فى سفره الجميل


    (عدل بواسطة مازن عادل النور on 11-14-2015, 10:18 AM)
    (عدل بواسطة مازن عادل النور on 11-14-2015, 10:21 AM)
    (عدل بواسطة مازن عادل النور on 11-14-2015, 10:24 AM)
























                  

11-14-2015, 10:30 AM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشع ذكراها
    بقلم: طاهر محمد علي ((الحلقة الثانية))
    =============================
    في سكنانا بمدينة الأبيض .. قطنا حي السوق أو مايسمي بالربع الأول، تحيط بنا المحال التي تطل علي الشارع الكبير الذي يكاد يفصل المدينة الي شطرين (شارع النهود) في منزل بالايجار (للسيد زكي غريب) لاأقل انه متواضع لكنه يقع في منطقة مهمة، تجاور سوق الابيض الكبير، والمسجد العتيق، والاستوديوهات الكبيرة، والصيدليات، والدكاكين والبقالات، ومن ابرزها أستوديو مواهب لصاحبه فؤاد حمزة تبن، وفي ادارته صلاح علي مراد، وكان فؤاد صاحب بصمة في مجال التصوير، وشاعر يقرض القصيد، وهاو للصيد بالنبال، وجاورنا مكاناً ومنزلاً صيدلية بطرس رزق الله، ودكتور كمال احمد خضر، وعلي عبد الرحمن خريج جامعة عين شمس، وتجاني محمد سالم اخصائي الجلدية، ودكتور المغربي، وحسن صباح الخير (الفحيص)، ومن الاسر الكبيرة التي سكنت جوارنا اسرة محمد ابوزيد هلال، واسرة إبراهيم عكاشة، ومدثر حامد مهدي، ويوسف إبراهيم والد الشاذلي الذي ظل مديراً لتلفزيون شمال كردفان لفترات طويلة، وفيصل خليل عكاشة، والوقيع مجذوب الوقيع، والاستاذ عكاشة حسن محمود ناظر المدارس المتعددة، وشقيقه محمود حسن محمود، وعبد الله التجاني الغبشاوي بلدياتنا من مدينة بربر، واحمد شيخ الحيران (الأرباب)، والنعيم القاضي،وآل وعوض الكريم ابو دومة، وآل التماري، واحمد يوسف،واحمد الامين والد يحي وازهري والامين ابو جلمبو اخرف رأس حربة في الدورات المدرسية والتحرير والهلال العاصمي، وآل بكراوي، وآل خيال، وبشير محمد صالح، وعبد الملك كسيرة، وحسن محمج نور والد المذيع ناجي حسن، وآل النضيف، وآل العمدة وحوش العمدة جوار هوتيل لبنان، ويحي عبد القادر الذي جاء اولاده من بعده لينشئوا اشهر الحلوانيات في المدينة وهو حلواني (فونتانا) وغيرهم من الأسر، ولكني كثيراً ماكنت اصطحب الوالد لارتاد معه بيوت ومحال الابيض فتعرفت علي السيد محمد كمال محمد علي، وآل حسين جعفر، والسيد كوكو علي الامين، والسيد إبراهيم سنهوري، والسيد عمر هاشم امين لصلة القرابة بين والدي وحرمه السيدة زينب ابنة خاله علي خضر الحاج
    فاذا كانت تلك دائرة الصحاب والأحباب بالنسبة للوالد.. لكنها كانت مفتاح المعرفة والسر لرجال عرفتهم في مابعد شكلوا نهضة هذه المدينة بل حضارتها وإرثها وكمال نسيجها الاجتماعي.. وكنت اسائل نفسي دوما اليس من الظلم ان نهدر او ننسي هؤلاء الرجال ونحن من تحملنا مسئولية الكتابة والتوثيق في زمن من الأزمان؟؟ الم تكن الأبيض هي من دفعت وألهمت في كل صاحب ملكة فطرية أو فكرية أو قلم هذا الإبداع؟؟ لذلك عرفنا رجالها بالإسم والصفة والهوية والكينونة.. فالأبيض هي أم الشيوخ والمشايخ سوار الدهب، والشيخ ود أبو صفية،وإسماعيل الولي، وتقي، ود أرو، وأب شرا،والياس، وبلدو ..
    هي التجار والشطار عوض الكريم أبشر ، وأحمد موسى الحدربي، وصديق محمد خير، ومحمد عثمان عبيدي وعبد الرحمن أحمد سعد، وحسن قسم السيد، وحداد، وبشير أبو جيب ، وسليمان دقق، والتماري، وكمبال
    وكما قال الاستاذ أحمد جبريل علي مرعي هي أم الوزراء والسفراء والشعراء والناس الظرفاء ميرغني حسين زاكي الدين وخليل عكاشة وبخاري وكامل الباقر ومحمد الباقر وجعفر محمد على بخيت وإسماعيل الحاج
    موسي وحسن عابدين وسليمان عبيد والفاتح بشارة وأحمد التيجاني المرضي ومكي عوض النور ومحمد المكي إبراهيم، ود القرشي والأمي وسيد عبد العزيز وبشير عمر وسليمان بلدو وعشاري وخالد عبد المجيد مرسي وفيصل أزهري ومحمد عثمان ياسين ، محمد على المرضي، وزين العابدين كوكو ونفيسة كامل وروضة بشارة وخدوم عوض وستنا شيبون وهلم جرا...
    صدقوني فغن لوح الشرف يمتد لأسماء ومواقف وأحداث..وسنكمل سياحة الوجدان في بلدنا كردفان
    ((يتبع))


                  

11-14-2015, 10:36 AM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشع ذكراها
    بقلم: طاهر محمد علي ((الحلقة الثالثة))
    ===================
    يبدو أن بعض الذكريات أهاجت أشجان أهلي في عروس الرمال، فتجاوبوا مع ما كتبته في الوقت الذي عاتبني البعض علي عدم ذكر أسماء بعينها لشخصيات وأسر وعائلات.. وبطبيعة الحال لم أنس عن قصد، وما سقط علي حواف الذاكرة يمكن ان يرفعه الحس بالتوثيق للمدينة السحر، المدينة الجوهر.. المدينة الانضر.. هي البداية ولكم جميعاً ان تكملوا معي المشوار.. قصص وحكايات وصور وتطواف علي المعالم والآثار الشاهدة.. فالأبيض هي كرش الفيل اللامة وجامعة، وليس أم درمان.. الأبيض جغرافيا الأماكن التي تبدأ بالأرباع ومن أسرارها أن الواحد الصحيح فيه أربعة أرباع، إلاً في الأبيض وصلت لخمسة أرباع، إذ فيها الربع الأول والثاني والخامس والقبة والتناكسه والحي البريطاني وتقي وبلدو والشويحات والبترول وفلسطين والرديف وحي فلاتة وكمبوديا والميرم وحي الناظر والدباغة وحي الحلب وأبوشرا والصحافة والثورة وشيكان والقيقر والله كريم والموردة والصالحين ودليل المحسي وود الياس وطيبة وأمير وكريمة والقلعة والدوحة والشارقة والدرجة وحي المطار وحي الموظفين.. وحي رايت " وهذا الحي لا يعرفه إلاّ الكبار، والراسخون في المعرفة، وعليكم بالمرجعيات حتى تعرفوه..
    لعلي لم أكمل سياحتي في حي الربع الأول وذكر الرجال الأفذاذ، ولعلي لن أقف هذا الحي وحده بل سأمضي عبر كل الأحياء والمناطق.. ولكن كما قلت الربع الأول يتخذ أهميته لكونه قلب المدينة النابض.. وفيه سوق الأبيض الكبير وشارع الدكاترة والمعبر للمسجد العتيق، وللأندية، والسينما،ودار الرياضة، وميدان الحرية، وفي الحي أطول الشوارع علي الإطلاق وهو شارع النهود، كما يمر به أطول الأزقة من البلك الشرقي وحتى الحداحيد..
    انطلاقاً من هذا الزقاق سأبدأ سرد الشخصيات التي سأوردها اليوم ويأتي في مقدمتها العميد مهدي عبد المنعم، صاحب الأيادي البيضاء علي المدينة سواء في نهضتها أو تجارتها، أو في أبنائه الذين كانوا خُلصاً وأوفياء لعروس الرمال، عبد المنعم وعلى وحافظ وشوقي ورشاد ودكتور عصام وجمال ودكتور كمال وعمار، ولن انسي الأستاذة عبلة مهدي التي تصدت للعمل الطوعي والسياسي، ولم أذكر المرحوم ماهر مهدي لأن للرجل قصة سخاء عجيب مع الخير هو وتوأم روحه صلاح بامسيكة، لكن الموت نقاد يختار دائماً الجياد الأصيلة ليمضي ماهر وصلاح إلى الرفيق الأعلى وبصمتهما ماثلة في أكثر من مشروع وريع خيري، جزاهما الله الجزاء الحسن..
    في هذا الزقاق الذي يعبر المدينة من شرقها إلى غربها سكن حسن شلال، وعند ذكر آل شلال يتبادر للذهن أستاذ الأجيال المبجل الراحل محمود شلال الذي عاصرته عندما شيدنا منظمة الأبيض الطوعية في بداياتها في الخرطوم عندما كانت تجمعنا مكاتب الاتحاد التعاوني وسط العاصمة بدعم من السيد الدرديري عمر المنصور أحد رجالات الأبيض الذين ضربوا بسهمهم في الحركة الإسلامية في كردفان، أبناء محمود شلال ايضاً كانوا في ذات التربية والخلق القويم وجمعتنا البدايات بعصام والرشيد في جمعية الاعتصام الاجتماعية التي أسسها الأستاذ مكي يوسف البر، ومن ثم فريقها الذي أصبح من أبرز فرق الناشئين تحت قيادة "بريش"، في ذات الشارع محمد احمد المأمون القطب الاتحادي الكبير، ووراق الرشيد وعلي الرشيد، وآل عبد الرحمن بكراوي، والأستاذ حكيم، ولا يزال الزقاق السرداب يضم في جوفه بيوت الطيبين آل شاهين، وأصدقائنا محمد الحسن "سيسيو" وطارق الداش وشاهين، وناس بابكر لقمان وآل ربيع، وآل العراقي، وآل أدم أبو البشر، ولعل صاحب أشهر قدرة للفول خرجت من هذا الزقاق وهو فوال قدورة الذي بات من أشهر المطاعم في مابعد، وبالعودة غرباً نجد أن دار الثقافة الإسلامية التي تقابلها الزاوية البرهانية في ذات المسار، وهناك تجد الشيخ حسن الحاج صاحب السر الباتع في علاج الرضوض والكسور والتجبير، ومن ثم ورث ابنه احمد حسن الحاج المهنة... تتمدد الأسر وتتآلف القلوب وتتوحد المصائر، ونفاج المحبة بين الناس.. آل حربي، وأسرة أستاذنا سيد مصطفي المعلم والمربي، وأل النضيف، وآل بقادي..
    دعوني أختم هذه الحلقة بمقطع من الشعر لصاحب القوافي الكردفانية فضيلي جماع حينما أنشد:
    كردفان اندلقت عطرا
    واه منك يا مرتع أحلامي
    يا ينبوع فنى..
    وبالشجن سنواصل السرد والحكايات الأنيقة التي تليق بالعروس...وللحديث بقية من شجن وأشجان

    ((يتبع))


                  

11-14-2015, 10:39 AM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشع ذكراها
    بقلم: طاهر محمد علي ((الحلقة الرابعة))
    ===============
    لم يساورني الشك لحظة واحدة في أن كل إنسان يحب موطنه وبلدته ومنشأ طفولته، لكن الأبيض مدينة ذات سر نادر، وكيمياء مختلفة للعشق لكونها عرفت أول ما عرفت سرّ التعايش الاجتماعي، علي عكس التشرزم والفرقة التي ضربت أنحاء واسعة من السودان.. وسر هذه المزيج أنك يمكن أن تحيا وتعيش في الأبيض ببطاقة الانتماء فقط، وهوية الكردفاني، ولا يسألك كائن من كان عن جنسك أو اتجاهك..البيوت أبوابها مشرعة ومفتوحة علي بعضها مثل القلوب النابضة..والنوايا البيضاء صافية كالماء الزلال.. لذلك جمعت الأبيض في بطونها الفلاتة، والهوسا، والبرقو والبرتي، والزغاوة والبديرية بتفرعاتهم والشويحات، والهوارة والهواوير والجعافرة والخنادقة والحضور، وفيها الجعليين والعبدلاب والرباطاب، وعاش فيها الشايقية والجابرية والركابية والمناصير والبزعة والدناقلة والمحس، وجاء إليها أهل الشرق من البجة والهدندوة والبني عامر ليعيشوا مع المسيرية الحمر والزُرق، ومن بعدهم الحوازمة وأولاد حميد والمحاميد وكنانه وأولاد راشد والرزيقات وبني هلبة والتعايشة، عرفنا فيها النوبة والدينكا والشلك والمنداري، وكانوا حضوراً في مشهدها ناس دار الريح ودار حامد والكبابيش والكواهلة والشنابلة وحمر ومعاليا ومجانين وزيادية وجوامعة، فالأزقة والأحياء شاهدة علي مكونات الجبلاب والعركيين والحلاوين والعسيلات والدويحية ورفاعة والشكرية، وسوق الأبيض ومبيعات الجُملة كانوا فيها عيال الشكينيبة، وود راوه، والمسلمية وعرب الجزيرة.
    لم أري تسامحاً اجتماعياً كما في عروس الرمال، ولم أشاهد تسامحاً دينياً كما شاهدته بأم عيني في تواصل المسلمين والمسيحيين في الأبيض..وهذا النسيج المعقد في العادات والتقاليد والموروث، وفي اللهجات والسحنات، جميعه انصهر في بوتقة الأبيض وجاذبيتها.. كنا شهوداً علي مجتمع الأقباط والآرمن، والأغاريق، والشوام والهنود، والسوريين، والأقباط المصريين النقاده واللبنانيين وبعض اليهود الذين جاءوا إليها في الحقب الأولي من الخمسينيات ونقلوا جالياتهم وعائلاتهم وثقافتهم وتراثهم وفنونهم وكونوا أندية فخيمة منها الجالية القبطية المعروفة بصنعة النسيج والصباغة وتجارة الأقمشة كنت تجدهم زرافات ووحدانا في المكتبة القبطية يقضون أماسيهم،"ناس نضاف وأنيقين بشكل لافت" وفي مدارس كمبونى الإيطالية تجد الراهبات يزيدهن بياض الثوب صفاء ونصاعة وفي العيون الخُضر لمعانا وبريقاً، ولعطرهن افتضاح.. و(ياحليل الحمر .. البقصروا العمر.).. نساءٌ لم يستطع وصفهن إلاَ شاعر الغابة والصحراء وغضبة الهبباي صلاح احمد إبراهيم عندما قال:
    (يا عيوناً كالينابيعِ صفاءْ ... ونداوة
    وشفاهاً كالعناقيدِ امتلاءْ ... وحلاوة
    وخُدوداً مثل أحلامي ضِياءْ ... وجمالا
    وقواماً يتثنّى كبرياءْ ... واخْتيِالا
    ودَماً ضجَّتْ به كلُّ الشرايينِ اشتهاءْ.. يا صبيَّة
    تَصْطلي منهُ صباحاً ومساءْ ... غجريَّة)..
    استغفر الله من وصف قد يفقدُ الوقار، وأنا من تعلمت عندهن في رياض الأطفال.
    وجود القنصلية المصرية في الأبيض فتح الباب لمدارس النهضة التي ارتبطت بالسيد وليم نسيم وجعلت من معظم أبناء المدينة يتلقون تعليمهم الثانوي بها، ومن ثم تقودهم الخطي لدخول جامعة القاهرة فرع الخرطوم.. وإن لم تخني الذاكرة تجاه أولئك الشخوص يقفز أول الأسماء الخواجة لاكي ودكانه جوار دكان
    المجاهد، والمكانين يقال أنهما كانا لعوض الكريم القرشي والد الشاعر محمد عوض الكريم "صداح كردفان"، ومن ثم نيكولا أبو ديك، وخواجة بنيوتي، ونجيب بنيوتي، برسوم ملطى، وعبده بشاي، وعائلة المخرج السينمائي المصري الكبير عاطف سالم، ومكين، وأولاد فاضل نادر الذين اشتهروا بسيارات الفورد، وعمنا فكتور أشهر فنى بطاريات عرفته الأبيض، وقارو، وشكرى، والبير، عاشوا بيننا كراماً، هُم ومن جاء به القدر إلى البقعة المباركة، وتلك حياة أخري ومذاق أخر للجبن المضفر والسادة والجبن الرومي، والأقمشة والحرائر، والدمورية والدبلان، والترفيرا، والكستور، وتوب الكرِّب الجابوه النقادة، وما جاد به عصر الحرية وكأنك في أثينا أو سويسرا أومدينة فينسيا "البندقية" والاسم واحد لمدينة العشاق والرومانسية في ايطاليا.. فالمعالم وحدها تجعلك تقارن بلا مبالغة بين الشانزليزيه أوالجادة التي تعدّ واحدة من أحلى واجهات باريس التى يزورها الناس في جميع الفصول، وهكذا عروس الرمال في جميع المواسم والشهور..
    ولكن للخريف مزاجه وخصائصه، هبات نسائمه ودعاشه ورزاز أمطاره.. وللراحل قاسم عثمان بريمة شيخ شعراء كردفان "عليه الرحمة"، ملحمة شعرية يتابع فيها الخريف من تَشكُل سحاباته إلى هطول أمطاره، وخيره الوفير علي الأرض والناس والماشية.. والحديث عن قاسم سيطول ويطول لأن ما بيننا من رباط وجداني يستحق مني الوفاء.. يقول قاسم:
    ﻳﺎ ﺣﻠﻴﻞ ﻛﺮﺩﻓﺎﻥ ﻭﻛﺘﻴﻦ ﺗﺪﻭﺩﻱ ﺭﻋﻮﺩﻩ
    ﻭﻳﻤﻮﺝ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻭﺃﻃﻴﺎﺭﻩ ﺗﻌﺰﻑ ﻋﻮﺩﻩ
    ﻳﺘﺒﻠﻞ ﻧﺴﻴﻤﻪ ﻳﺸﺮﺡ ﻟﻴﻚ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺳﻌﻮﺩﻩ
    ﺗﺒﻴﻦ ﺯﻯ ﻋﺮﻭﺱ ﺑﺎﻟﻬﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻣﻮﻋﻮﺩﻩ..
    وللقصيدة بقية سترد لاحقاً..
    أعود للحديث عن المكونات التي قدمت لتستقر في الأبيض، فقد شيدوا وشادوا أندية وملتقيات ظلت حتى وقت قريب شاهداً علي عصر الحضارة والمعمار سواء المكتبة القبطية، أو الكنيسة القبطية، والكاثوليكية، والكنيسة الثالثة، والكنيسة الرابعة، أو النادي السوري، والحي البريطاني الأنيق، فلم نكن نحتاج إلى حوار حضارات.. لأنه كائن وموجود، ولأننا أرسينا حوار مجتمعي متحضر منذ زمان بعيد، فلم نكن لحاجة إلى خبراء أو منظرّين في هذا المجال ليعلونا كيف ندير حواراً، ومن ثم الطبيعة حاضرة عندنا.. إذ تميزت عروس الرمال برفاهية وترف وتحضر، كيف لا وقد جاء زمان كانت تصدّر فيه كردفان الصمغ العربي والحبوب الزيتية والماشية، والإبل.."علي قفا من يشيل" في اكتفاء ذاتي دون حوجة لمخزون استراتيجي..
    وقد ذكر البشري مكي أحمد عيسي في مقالة له طرفاً من المعالم السياحية والأندية والمطاعم التي امتازت بها عروس الرمال في أجمل أيامها، والتي أدار تشغيلها أمهر الطهاة من السودان واليونان ولبنان وسوريا اتساقا مع التنوع العرقي والثقافي للمدينة فكان حلواني ومطعم لوكس يديره الخواجة يورقوريدس وزوجته كاترينا، وحلوانى جروبى الراقي وحلوانى رامونا، ومونتانا وهافانا يقدمان الحلويات الأوروبية والعربية والعصائر الطازجة لفواكه الموسم والحليب الطبيعي الطازج البارد والحار والسندوتشات المنوعة والداندرمه والآيسكريم، وهذه الأماكن يرتادها مساءا الرواد يمتعون أنفسهم وضيوفهم بالأصناف المنوعة والخدمة الراقية المهذبة من الجرسونات والإداريين ويأتي في هذه المرتبة مطعم البلك الشهير الذى يرتاده زبائن مميزين ويشرف على الخدمة شخصيا العم طه البلك ويقدم الوجبات الثلاث ومن ميزة هذا المطعم نوعية الأكل الراقية والنظافة وتقديمه المياه الباردة المثلجة كميزة فارقة عن مطاعم المدينة الأخرى ويأتي أيضا مطعم محمد الحسن قدري..
    ومن المقاهي الشهيرة بالأبيض قهوة مرجاوى وهى من المقاهي الشعبية التى تتوسط السوق مقابل موقف البصات وتعتبر مركز للمهن الحرة يجتمع فيها العمال ومقاولي البناء يشربون الشاي ويلعبون الورق والضمنه وتزدهر قهوة الأخوان مساءا من المرتادين لتناول الشاي بالحليب بوصفة سرية لا تجدها عند الآخرين وتأتى قهوة ومطعم أولاد مجالس ذات النكهة الخاصة التى تظللها روح الحاج مجالس وتعليقاته المرحة وتعليقاته الذكية ويرتادها لاعبو كرة القدم والرياضيين بالأبيض خاصة المورداب لانتماء أولاد مجالس لفريق الموردة العريق..
    سادتي الكرام الحب للمدينة العروس لا حدود له.. وللحديث بقية من شجون
    ((يتبع))



                  

11-14-2015, 10:51 AM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشع ذكراها
    بقلم: طاهر محمد علي ((الحلقة الخامسة))
    =====================
    تستمد هذه الحلقات عن المدينة العروس "الأبيض" ألقها من الدفع الذي لقيته عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف والصحف من الأحباب والأصدقاء الذين سافروا وهاجروا وساقتهم الأقدار بعيداً عن الأبيض ونحن منهم.. لكنهم لازالوا في القلب بكل جمال طفولتنا..ولمتنا...وأخوتنا، ومحبتنا...ومنهم من أرسل عتابه وعتباه الرقيقة يحسب أن النسيان طبع البشر فأرد لهم صدقاً أنني لم أنس أحد، فقط هو رقراق الدمع يشوش علي الرؤية.. والتذكار، حينما تعود بك الذكري والحديث إلى "الغرة"..
    وكل الناس الذين ذكرتهم والجاي عليهم الدور مشتهي أشوف وجوههم الطيبة.. التي أحفظ منها ملايين التفاصيل...أشم ريحة كل زول طالته عدم الشوفه، وبالتأكيد لم يطاله النسيان..
    أعود لإكمال مشوار الحكاوي ولازلت في الربع الأول أو حيّ السوق، في نزوعي إلى بقية الأحياء والأسر العريقة في المقالات القادمة.. اليوم سندخل أصغر الأزقة المطلة علي شارع النهود والتي يلقاك في بدايتها منزل التجاني فضل الله المجاور لعيادة علي عبد الرحمن ومنزل صبحي سيفين، وفي منزل التجاني حيث الضبط والربط والحزم من جنابو حافظ التجاني وشقيقه غالب ومحمدو، وهؤلاء جميعهم ضمتهم المهاجر في لندن وباريس.. ولم يبقى إلاّ خالد وطارق وأخواتهم العزيزات، مروراً في ذات المسار هناك منزل أحمد موسي، وأبناءه محمد "بجبوجي" لاعب التحرير المميز، وشقيقه مصطفي، والحاجة عزيزة، وأمنا ناهد وابنتها ندى، وحسن أحمد خيال وأنجاله عماد وقدورة.. ماهي إلا خطوات حتى تدلف بالباب الخلفي لمنزل آل عكاشة الذي يضج بالحياة، يلقاك هاشاً باشاً سعادة الكمندان موسي عبد الحفيظ والأبناء نزار وناجي وعادل "رحمه الله"، وكمال عوض عبد الدائم "الوزير" في ما بعد، وأبناء إبراهيم عكاشة الرشيد ومعتصم ومتوكل وشقيقتهم أمل..
    وفي المقابل منزل الجيلي مصطفي وقاسم الجيلي والرشيد ومحمد، وللرشيد حكاوية المؤنسة والممتعة في الوصف والسخرية وله تعصب في تشجيع الهلال، وعالمه مع الكشافة.. ويجاور منزل الجيلي مصطفي البيت الكبير لأل محمد آدم علي، الذي يتربع فيه الاسم الذي لا ينسي للإبداع والمتمثل في فاروق محمد ادم، الذي اشتهر باسم فاروق جيمس، لاعباً فذاً في الملاعب عرفته مدينة ود مدني وسيد الاتيام "الأهلي"، ولكن أقعده القدر علي كرسي متحرك فصنع بأنامله ما عجزت عنه قدميه، فقد جمّل كل لافتات المحال والمؤسسات بريشته وألوانه الزاهية، وإجادته للخط العربي، ليبصم علي كل الدروع والهدايا والأوشحة ببصمته التي بقيت معلقة علي كل الجدران والحوائط ، وظل فاروق محطة هامة للغاشي والماشي في شارع تقي يقصده الأحباب من الشعراء والمبدعين والفنانين والمثقفين ولاعبي الكرة وأصحاب المزاج العالي الذين يجدون السلوى والأنس والمؤانسة مع فاروق بضحكاته المجللة وطرائفه التي لا تنتهي.. ولا ننسى في هذا البيت الأستاذ علي محمد آدم، وحسن محمد أدم، وزملاء دفعتنا عادل حسن ومن بعده هيثم وهشام، والسيدة محاسن محمد آدم التي عرفناها موظفة قمة في الانضباط في مجلس الشعب والمجلس التشريعي خلال عهدين للحكم في السودان..
    نعود إلى حيث دخلنا في الزقاق ليترآى لنا بيت العم خلف الله العوض "الشايقي الأصيل" المُترع بالمحنة والضحكة الحلوة .. خالد خلف الله وأسامة ومبارك كنجي - وأخواتهم الفضليات أسماء وسلامه وهويدا، ورندا وهيثم عثمان أشقاء الراحل هشام عثمان "ماسا" لاعب المنتخب القومي للناشئين وكابتن المريخ الأبيض وهم أحفاد خلف الله العوض
    وقد نكثر التفاصيل في بيت عمنا خلف الله لأن الصورة عندي ماثلة وراسخة، فهو ليس منزل عادي إنما نادٍ أو تجمع أو ركن نقاش، بيت صغير لكن معناه كبير فيهو صالون علي اليد الشمال.. وعلي اليمين الحمام، بتعمل تعريجة يمين عشان تدخل جوه بتقابلك صالة معروشة بلدي وجوارها أوضة، وفي واحدة تانية علي راكوبة ومطبخ.. كمان بالحيطة في ناس عمك جمعة.. وأولاده علي وحامد جمعة .. يقابلك عمي خلف الله بعراقي خفيف وسروال تسبقه الابتسامة، وعلى لسانه أتفضل كنجي لآاا جوه، وهشام مشي التمرين.. وأسامة قاعد.. البيت مليان بالضحكات والحيوية التي لا تغيب عنه.. للضيوف والزائرين والمحبين.. قدح الضيفان مليان والأزيار مترعة بالماء الزلال رغم شح الموية.. وأخبار المريخ وكابتن حضارة، والمعسكر المناوئ.. وكيس التمباك الدائر بين الرجال.. وصوت المقشاشة من عصرية بدري تكنس الحيشان.. والتلفزيون أبو كم بوصة مجيه علي التربيزة... وكبابي الشاي عند الشايقية لها طعم خاص يبقي في الحلقوم، بكل طعم النعناع والهبهان.. واسكت كِب إن كان شاي لبن..
    ياخي دي حكايات الناس البسيطة بتظل كدا حتى آخر العمر..والحنين الباقي من زمان. لسه في السطور ليهو قصة.. وأه من هذا الحنين وهذا الدفق وعبرة الحزن الممزوجة بفرح أن تكون لك مدينة تحرك فيك كل هذا الإحساس، وأمل بيوم بكرة لما تعود ليها وتفتخر بيها.. وتعود لشوارع المدينة الزمان .. والهسي البقت مسخ.. وتمرق علي الضل تحت النيمة الرامية قدام ناس أبو سيف ولؤي أبوزيد، وتغشي الزاوية التجانية الكائنة قدام ملعبنا.. لما تطير الكورة جواها كانت فرصة نلقط النبق.. ولحدي ما تجي الكورة أو يجي النبق بكونوا ناس الدافوري انجموا من الجري والتعب..واحدين مع المزيرة والموية والريقو ناشف، والباقين كل ستة في حتة..وفنايلنا كل واحده من بلد.. أخضر في ظهري علي أحمر...زفة ألوان وجمال منظر..
    تجي سهير قاطعة ووراها حاجة ستنا وحاجة سعيدة وحُسنة، وناهد هناك تلاقيهم عشان يمشوا يمرقوا مع سعاد أب سيف وسيدة بت بربر.. ونحن نوقف الكورة.. لما كبارنا يمشوا.. وقبل المغرب نشوف البجيب قوون الغلب منو.. عشان نمشي نصلي وبسرعة نغير هدومنا ، ما هو الليلة الخميس والأسر مجتمعة أولادا بمشوا السينما.. لكن نحن ناس الربع الأول بنخلي ناس الرديف وفلاتة وأمير يدخلوا الدور الأول.. ونحن نستمتع بالدور التاني.. أولاد وسط البلد وحي السوق.. كفاية كدا دا يوم الخميس وفيهو باقي ونسة دقاقة بنكملا في رأس الشارع لما الليل يضلم والعيادات يقفلوا.. نقوم نقطع ونثرثر لحدي ما السواري الراكب خيلو يجي ماري.. ولحدي ما السكارى يرجعوا نهاية الليل يسمعونا من هلاويسهم.. والراجعين من الذكر والنوبة والمساهرين يرجعوا لبيوتهم.. نحن السقد الما بنوم.. كيف ننوم ونحن أولاد الحلة وحراسا.. ولليل في الأبيض خواطر وشجن وبعض من حكايا الهزيع الأخير
    لم تكن جلساتنا العفوية الراتبة تخلو من سيرة كل سكان الحي، جلسات نقتنصها ليلاً في ذلك الشارع الأمين الذي حوى أسرار طفولتنا، وصبوة شبابنا، و"مراهقتنا"، شارع أمين عندما يضاء مساء تأتلق الثريات وتضج المدينة من مغاربها سرعان ما يفتر الشارع والأرجل التي تقضي حاجتها سريعاً في السوق الكبير.. وتهدأ الأنفاس المتعبة في سعيها الدنيوي الحثيث نحو المعيشة رغم بساطتها وسهولتها، ونحن سكان حي السوق كنا بمثابة قلب الدنيا ديا.. وعز الدنيا بينا.
    كانت سيرة الجميلات علي ألسننا، وأنا شاهد علي كل الخطابات التي ذهبت إليهن، كيف لا وقد كنت صاحب خط احسبه جميلاً، وملكة ربانية أهدانيها الله، أكتب خطابات الغرام والشوق لصديق العمر ليبعثه رقيقاً شفيفاً إلي محبوباته، فيفعل فيهن فعل السحر ليأتيني ثانية بالرد، فنعقد ورشة عمل مصغرة لكيفية ردّ الخطاب.. وهكذا كثيرون ربما أفضح سرهم بعد هذه السنوات التي مرّت وعبرت مياه كثيرة تحت الجسر، وكان في حلتنا وحيداً اسمه "كازانوفا" أو" المحلق" الذي صال وجال في ذلك المضمار، ولكني كنت مهندس معظم الخطابات المنمقة الجميلة التي ذهبت إلي أحضان الحرائر والحسناوات في حلتنا.. غفر الله لي تسهدهن وتقلب الشوق في عيونهن الساهرة.. أما أنا فكانت حبيبة القلب ضنينة، وشحيحة ولكن "أنا لفظ حرام في الغرام" كنتُ أهبها باقات الهدايا والدرر، وساعات الانتظار صباحاً ومساء.. ودفاتر الأشعار، والدموع التي في المآقي ..ربما كانت أحلام صغيرة وقتها.. وذكريات كبيرة بعدها.. لكنها الطفولة وكم شربنا من الطفولة أكواب من جهالات الصغار.. زرعنا الخطي بالخطايا.. فهل خطايا الكبار كالصغار؟!
    وبقي الحب الحقيقي الذي ظل مشتعلاً، عشق المدينة العروس التي تغنينا لها طوال العمر وأنشدنا لها من كلمات الشاعر عالم عباس:
    مولاتى: صرت أغنى وأغنّى وأغنّى.. حتى صارت نبضاتي إيقاعاتي
    والجوقة كانت قافلة العشاق على مرّ التاريخ
    ولقد غنينا حتى ترضين.. وبكينا حتى ترضين
    وتبسمنا يا مولاتي، فتبسمتِ.
    يا مولاتي
    وآخجلي من كلماتي
    أغدو كالمجنون السادر فى الأوهام
    وحنانك أنى، غير حنانك وهم’’ مرّ سراعاً..
    وتساقط عن ذاكرة الأيام
    الحكي الفيني يملا الكتب ويدفق.. ولسه الفي الجوف والقلب ما أنحكي وأنكتب.. شوفوا لي قصر مرفه، ونعيم دائم لا يزول، كان ما بقيت ليكم المتنبئ.. جملة قالها الشاعر محمد المهدي المجذوب.. وأنا بقول شوفوا لي راكوبة وسرير هبابي وزير مويتو منقعة، كان ما بقيت ليكم ود القرشي أو ود المكي "محمد المكي إبراهيم"..
    وديل أهلي، ولو ما جيت منكم وآآ أسفاي وآآ ذلي وآآ مأساتي.. كونوا طيبين لأن فيكم حكاوينا وماضينا..

    ((يتبع))



                  

11-26-2015, 09:30 PM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشّعُ ذكراها.. ((الحلقة السادسة))
    القطار المرَّ.. والمحطة.. وعبق الزمان
    =========================
    بقلم: طاهر محمد علي
    الأبيض .. قلب كبير.. وسعنا جميعاً.. وهذا حديث يا أصدقائي لا ينتهى.. وهنا أتحدثُ بذاكرة قديمة ترسم خطوط الطول ودوائر العرض.. ذاكرة معبأة بالتاريخ والجغرافيا، بالأحداث والتفاصيل والشجن، تاريخ البشر والشجر والحجر.. وحين حطّ أجدادُنا رَحلهم اختاروا مكان الماء والرمل والشجر، فكان الماءُ والخضرة والوجه الحسن..
    أتحدث بذاكرة الرصد والتوثيق، ساعدني في ذلك "الصحافة" على حفظ ما كتبت ورصدت، وأسعفتني الأيام أن عشت زمان المدينة البهي، من على شرفة صغيرة كنّا نسميها (المسطبة) تطلُّ على أهم شوارع المدينة، هذه (المسطبة) هي سري وتداعيات خواطري وذكريات المدينة الأجمل "الأبيض"..
    تُري ما الذي بقي للمرء غير هذي الكتابات؟؟ وتلك الذكريات شجوناً نقطرها على القادمين الجدد للمدينة علّهم يحيطون بتاريخٍ، أو يعلمون مكانةَ أرض سقاها الأفاضل بجهد وفكر وأدب، أولئك من جيل أقلّ ما يوصفوا به قول الشاعر:
    ((نَامُوا عَلى الوَجْعَاتِ والْعَوجَاتِ ما لاَنُوا.. ومَا هَانُوا
    ومَا ذَاقُوا أَسَى اللّيْلاتِ حِينَ تُفَارِقُ الدُنْيَا
    وَيَنْكَسِرُ الرِّجَالْ
    جَاءُوا إلَى عُنوَانِهَا يَسْقُون أَوْرِدةَ الْبَنَفْسَج
    وارْتِعَاشَات الظِّلالْ
    بالْعِشْقِ والصَّبَوَات والسَّمَرِ الأَنيقِ
    وبالْمَلاَحَةِ والجَمَالْ
    غَنُّوا.. فَكانَ غِنَاءُ مَنْ رَبَطُوا علىَ النَّجْمَاتِ أَعْيُنَهُم
    بخَيْطِ الْفَنِّ والْقِيَمِ الْنَّبيلَةِ .. والْحَيَاءْ)).. "مصطفي سند"
    وقطعاً سيعود المرء ما أمتد به العمر لينهل مما تبقي من فيوض الأمكنة التي كان يرتادها، سنعود إليها كما يعود الأهل إلى مورد الماء القديم. ومن حكمة وموعظة سادت على ألسنتهم :عندما نعود إلى موارد المياه القديمة لا نفعل ذلك من أجل الماء بل لأن الذكريات تنتظرنا هناك..
    سنعود للتلاقي، ووعد اللقيا في مقاصف المدينة، ومسارحها، ومكتباتها، وسوحها، وقبابها، وحلقات ذكرها، وأُنسها.. لأن كرنفالاتنا كانت موسم الخريف، ومن أمطاره كان غناؤنا، وليلها السادر البهيم موسيقانا وألحانها.. ومن حسن حرائرها كانت القصائد والقوافي باهرة الجمال، وتكفيك صورة واحدة من الطبيعة لتوقن أن هذه البقعة هبة إلاهية ألهمت طائفة من شعراء نسجوا علي نولها غزلاً، وعزف الموسيقيون روائع السيمفونيات ووقعوا علي أوتار الدهشة لحنهم الخالد. وكأنها الأبيض الهاماً عبقرياً في كل الأزمنة.. "مشتهيك ..وبحلم أحكي ليك.. عن سفن بالشوق بترسم في بحيراتك ضفافا".. ومشتهيك إلى أخر نبض وشهقة أنفاس.. فأنت العذبة والأحلام والآمال ما بقيت..
    حين كنّا نقتات من المعرفة و الإحاطة بالمعالم التي أصبحت آثاراً تزار في ما بعد مثلت لنا محطة السكة الحديد "شرق المدينة" موعداً للفرجة المسائية، لم نكن ندري أن بعض الناس قد يطيقون بعداً عن الأبيض، ولكن في الجانب الأخر أيقنا أن البيت الكبير لابد أن يودع ضيوفاً ويستقبل آخرين بكل الأريحية، كما أن السفر يجلب للناس مصالح للمدينة، من غذاء وكساء.. وجئنا نحن أيضاً لنشرب من كأس السفر والمهاجرين..
    محطة القطار كانت ملمحاً زاهياً من أشجار اللبخ والنيم، وأسوارها الحديدية، ومكاتب المحطة المبنية بالطوب وعليها اللافتة المخطوطة بعناية "سكك حديد السودان"، والعتبات المرصوفة بالحصى والإسمنت من زمان الإنجليز.. بيوت المحطة أو تلك القطاطي المطلية باللون الأبيض والمبنية بالجالوص والطوب الأحمر، وحولها أشجار النيم الكثيفة التي ترمي بظلالها، وعشب الخريف المبسوط سندس الأرض الأخضر، ونادى السكة الحديد، ومخازن البضاعة، "والعتالة" بأجسامهم الفارهة وعضلاتهم المفتولة المعبأة من خيرات "الدُخن والقدقدو" يحملون جوالات السمسم والحَب والفول وجركانات الزيوت، وبالات القطن.. مشاهد تترى بلا عدد، ناظر المحطة، والمفتش، والعطشقجي، والكموسنجي، وعمال الدريسة، السيمافور، والصفارة، البابور والديزل والإشارة، الفانوس بضوئه الخافت والرتينة التي تجدها في المحطات الكبيرة تضوي، الدرجة الأولي والثانية، وقمرة النوم والممرات، التذاكر والتصاريح والكمساري أبو بطارية ثلاثة حجار، ومطرقة ينادي بها "تذاكر.. تذاكر"، الكراتين والقفاف والشوالات، الزوادة، والبوفيه، شاي المحطات وساندوتشات الطعمية، والفول والتسالي، والهالوك، والموية الصافية علي الأزيار.. الراديوهات والجرائد والمجلات، والخطابات والفولسكاب والظروف، والمناديل والعطور، وبعض تذكارات من صور الأهل والأحبة ذات الأبيض والأسود، صور من استوديو مواهب، أو غاندي، أو عمك حاج عبدو، وأسطوانات الريل، والفونغراف، ومن بعدها شرائط كاسيت نادرة من أصوات حنينة، دفيئة تجمل جدب الارتحال .. وهكذا سارت الاجيال.. تحلم دوماً بالهجعة، والملاذ الآمن في حضن الأهل والعشيرة، ذاك دفء لا يتسنى لأحد في غربة الديار، فيظل يحلم ويهجس حتى يعود إلى عروس الرمال ويلتقي الأحبة بتجمعاتهم والتقائهم المبهر بالأنس والحكايات..
    إنها رحلة القطار من لدن محمد عوض الكريم القرشي "القطار المرّ.. وفيهو مرّ حبيبي".. إلى أحمد المصطفي "سفري السبب لي عنايا"..و"القطار الشالك أنت.. يتكسر حتة حتة".. و "من بف نفسك يا القطار"، إلى "قطار الشوق متين ترحل. ترحل تودينا نزور بلداً حنان أهلا.. ترسى هناك ترّسينا".. والقطار كان وقتها أعجوبة الزمان، ألم يقل الشيخ فرح ود تكتوك أن أخر الزمان: "السفر بالبيوت والكلام بالخيوط".
    لوحة الوداع والاستقبال ولقاء المسافرين والقادمين صورها شاعرنا محمد المكي إبراهيم في بيت شعره الخالد الذي وصف فيه رحلته بالقطار من الأبيض إلى الخرطوم في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي تحت عنوان "قطار الغرب":
    اللافتة البيضاء عليها الاسم))
    باللون الأبيض باللغتين عليها الاسم
    هذا بلدي والناس لهم ريح طيب
    بسمات وتحايا ووداع ملتهب
    كل الركاب لهم أحباب
    هذى امرأة تبكي
    هذا رجل يخفي دمع العينين بأكمام الجلباب
    سلِّم للأهل ولا تقطع منّا الجواب)).
    الرحلة تمضي من الأبيض في اتجاه العاصمة، وأولي المحطات "العين"، ومن ثم الرهد أب دكنة "مسكين الماسكنا" حيث الطبيعة جبل و"تردة"، أم روابة، الغبشة، ود عشانا، ويمضي القطار وكأنها رحلة نحو المجهول ينهب المسافات على القضبان، تندلتي، ربك ومصنع الاسمنت بمدخنته الشامخة، كوستي وبينهما الكوبري القديم والكوبري الجديد "أب طرادة" والذين لا يعرفون الطرادة هي العملة الورقية ذات الخمسة وعشرون قرشاً التي صدرت طبعتها أيام الرئيس الأسبق جعفر نميري وعلى احدى صفحتيها كوبري كوستي الجديد، ويمضي القطار برزم وأصوات تعن لك كالخيال ليدخل جبل موية، وسنار التقاطع، باليوم واليومين، وفي النهاية محطة الحاج عبد الله، ومن هناك تلوح خرطوم الفيل، والخرطوم بالليل، "محل الرئيس بنوم والطيارة بتقوم" تلوح بزينتها ونظافتها وأناقتها قبل ان تتسخ وتترهل وتتمدد..
    ولكن.. أه من جور الزمان، فالمحطة التي تختزل كل هذا السيناريو وتلك القصائد والأغاني وتذكارات الأحبة جار عليها الزمان، أضحت بيوت موظفي السكة حديد أطلال من الماضي، وطٌمست اللافتة البيضاء، وزالت أشجار اللبخ العريقة، كما جار على بقية الأمكنة، ومن عجب زُرت المحطة فوجدت في مساحاتها مطعم لبيع الأسماك، ومن أمامها مثلث أنشئ كملتقي لتخليد ذكري فنان المدينة عبد العزيز العميري ولكنه أغلق بدعاوى تشكك في غرض ونوايا أصحابه.. والله أعلم أن يكون ملتقي إبداعي في الهواء الطلق لممارسة أي نوع من النوايا السيئة أو المناهضة أو غيرها من تلك الاتهامات..
    على أيّ، لايزالون يهتفون أنه لابديل للسكة حديد إلاّ السكة حديد.. شعارات سياسية وكلام جرائد.. ماتت السكة حديد وشبعت موتاً.. ولاتزال اللواري والبصات السفرية التي كانت تشارك القطارات مهمة ربط المدينة بالأرياف والمدن ماثلة وحية تسعى، التيمس والفورد والصاجات ورحلة الأودية والرمال، واللواري هي الأخرى وجدت حظها من الرسم والتوثيق الفني عندما غنانا عبد القادر سالم:
    اللوري حل بي
    دلاني في الودي
    جابني للبرضاه
    العمري ما بنساه
    حبيبي ود الناس
    ببقى لي وناس
    وربما جاء من بعد اللواري الطيران ومطار الأبيض..
    عرفنا مجتمع السكة حديد عن بعدٍ وعن قرب، وكان من أبرز شخوصه عمنا الشيخ سلامة ناظر محطة الأبيض الذي يعتبر من أنزه الموظفين في القطاع برمته، وعلمت من كتابات ابنته الكاتبة والصحافية المبدعة سلمي الشيخ سلامة أن بدايات الشيخ سلامة كانت قبل محطة الأبيض في القضارف، حيث عمل الرجل في وظيفة كمساري ومن ثم تمت ترقيته إلى درجة "ناظر محطة"، ومن ابنائه مستر طارق الشيخ سلامة وشقيقه معاوية، وحفيدته عزة بت سلمي، حيث استقر بهما المقام "سلمي، وعزة وزوجها في الولايات المتحدة الامريكية، وقد التقيت عزة وزوجها في اديس أبابا وهما يقضيان شهر العسل في العام 2010م، وكنت التقي علي الدوام بسلمي سلامة أيام كانت في جريدة الخرطوم وأحياناً عبر الأسافير.. ذكرهم الله جميعهم بالخير أين ما كانوا وحلّوا.
    من الشخصيات المهمة الأخرى التي ارتبطت بالمجال وتركت أثراً عند الناس السيد عبد اللطيف دبلوك "رحمه الله" الذي التحق بمصلحة السكة الحديد في العام 1958م في وظيفة معاون إدارة وتدرج في السلك الوظيفي في مختلف أقسام الإدارة ابتداء من وظيفة مفتش ومأمور إدارة.. وعمل دبلوك في أغلب المحطات شأنه شأن كل موظفي السكة الحديد، فقد عمل في بابنوسة، كوستي، عطبرة، وكسلا، ومدينة واو في الجنوب التي امتد اليها خط السكة حديد ..
    ولكن ارتبط اسم دبلوك بوظيفة الوكيل التجاري في الأبيض حتى أن البعض ينادي بعض أبنائه بأولاد الوكيل.
    وتأتي أهمية المنصب لكونه يستمد أهميته من الأبيض كمدينة تجارية منذ سنوات الستينيات والسنوات اللاحقة، وكانت السكة الحديد الناقل الوطني لكل البضائع والمحاصيل والمواشي..
    ارتباط السيد عبد اللطيف دبلوك بالسكة حديد يعود إلى والده عثمان حمد دبلوك الذي عمل بذات المصلحة في عهد الانجليز وحتى تقاعده للمعاش أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات، ويشير إلىّ نجل السيد عبد اللطيف دبلوك "عثمان" بأنه ومن تصاريف القدر أن جدّه عمل أيضاً في الأبيض وسكن في منزل الحكومة التابع لمصلحة السكة الحديد والذي سكنه والده ايضاً..
    والذي أعرفه أن أشقاء عبد اللطيف دبلوك هم مولانا حسن عثمان دبلوك الذي عمل قاضياً في دولة الإمارات العربية المتحدة لأكثر من ثلاثين عاماً ومن ثم تقاعد وعاد إلى السودان، ومحمود عثمان دبلوك وهو رجل أعمال وصناعة، وعبد الوهاب عثمان دبلوك الذي كان يعمل في مراسم القصر الجمهوري، ومصطفي عثمان دبلوك وهو رجل أعمال، وله أربع شقيقات.. أما ابنائه فهم ربيع الذي عمل بالبنك السعودي السوداني فرع الابيض، وفرع السجانة بالخرطوم، وترك ربيع العمل المصرفي واتجه للعمل الخاص، ومن أبنائه ايضاً عثمان عبد اللطيف الذي يعمل في المجال الزراعي والأعمال الحرة، ووليد الموظف بمصنع عمه بالخرطوم بحري، وجميعهم درسوا بكليات القانون، وللراحل بنتان هما أميمة وأبية، الأولي درست علم النفس، في ما درست الثانية مختبرات طبية.. وآل دبلوك أسرة ممتدة منهم محمد عثمان دبلوك التاجر المعروف في المدينة، وهو عمّ عبد اللطيف وأبنائه يوسف، وحسن، ومعتصم، وعمر، والصادق، وفيصل، إلى جانب ثلاث بنات احدهما زوجة الراحل عبد اللطيف دبلوك.. وسكنوا حي الربع الأول بشارع سوار الذهب، وبعد وفاة عبد اللطيف دبلوك وإخلاء الأسرة منزل الحكومة في العام 1988م، سكن أبناء الراحل في منزل الأسرة الكبير.
    من الذين عملوا في السكة الحديد وكانوا منارات في مجتمع الأبيض الشيخ الورع محمد عبد الرحمن "أبو دقن" وشقيقه التجاني عبد الرحمن، وهما أشقاء النطاسي البارع الدكتور علي عبد الرحمن أشهر اخصائي للأطفال وخريج كلية الطب بجامعة عين شمس المصرية، وعيادته كانت غرب منزل آل التجاني فضل الله مطلة علي شارع النهود أو "شارع الدكاترة". وعمنا محمد عبد الرحمن يعتبر من أجمل أصوات المؤذنين في جامع الأبيض العتيق، وكان صوته محبباً بالنسبة لنا لدرجة أن بعض الصلوات التي كنّا نؤديها في الزاوية التجانية نتركها لنذهب للصلاة في الجامع العتيق..
    من الأسماء الأخرى علي عمر ملاحظ ورشة السكة الحديد الذي خلفه جعفر وداعة الله، والعم كبوش، ومحمد الحسن، والناظر دريج الذي خلفه محمد الفكي الصادق وهو من الشمالية، ومن ثم عبد الرحيم المكي، وعبد الله الاطرش، والعم محمد جاد كريم.. كذلك يتبادر إلى الذهن اسم الراحل دوليب أحمد عيسي عميد أسرة الجابرية الذي عمل بالسكة الحديد لزمان طويل وصل خلاله إل ناظر محطة، وأنهي عمله بمحطة تندلتي ومن ثم عاد إلى مدينة الأبيض متصلاً بعلاقته بالمجال بعد افتتاح توكيل للسكة حديد بسوف المدينة مسوقاً لخدمات الحجز والتذاكر مختصراً مشوار الحجز إلى مبني المحطة البعيد شرق المدينة، ووفر للقادمين من جبال النوبة جهد السؤال والاستفسار عن مواعيد القطار ورحلاته..
    من الموظفين ايضاً ميرغني مصطفي الذي كان المسؤول الأول عن الحجوزات للمواطنين، وهو قريب أسرة المقدم الشهيد حسن حسين، وبعد تقاعده افتتح مكتبة عند الجدار الغربي لبنك السودان، ويصفه صديقي عصام دهب بأنه كان منضبطاً مثل انضباط مواعيد القطار، ولعله فارق الحياة الدنيا قريباً "رحمه الله"، ويضيف عصام دهب اسماً أخراً من الأسماء التي يبدو انها سقطت من حواف الذاكرة ألا وهو الكمساري والناظر لعدّة محطات بين كوستي والأبيض "محمد طاهر محي الدين" وهو من أهالي مدينة الدامر لكنه استقر اخيراً في الأبيض ..ومن الشخصيات الأخرى حسن عبد الله من أهالي الباوقة، وهو قريب السيد خضر كنون الذي عمل موظفاً بالبنك التجاري السوداني ومن ابنائه معتصم خضر صاحب فنادق كنون في الخرطوم الذي كان لفترات طويلة في لندن، وأشقائه عصام وعثمان خضر..
    أسماء اخري استعنت فيها بالأخ بشرى شبور أفادني فيها باسم مجذوب حسن الذي كان مسؤولاً من شباك التذاكر، وحجوزات الدرجة الأولي والنوم، وظل في الأبيض لما يقرب عن الثلاثين عاماً رغم أنه لم يولد فيها وتوطدت علاقاته بالوسط الرياضي وأصبح معروفاً لمجتمعها.. الاسم الاخر الذي ارتبط بالسكة حديد والوسط الرياضي اللاعب محمد حبيب الذي اشتهر بلقب "أبو حجاب" ولعب للأهلي الأبيض ومن ثم مريخ كادوقلي، والمريخ العاصمي، وهناك سائق القطار طه حسين طه، شقيق يوسف، وبابكر، وياسر وأسامة حسين طه، الأسرة الرياضية المعروفة.. كذلك عمنا الراحل الوقيع مجذوب والد مجذوب، وعادل، ومحمد، وأحمد، والاستاذة والمعلمة عواطف الوقيع وشقيقاتها الفضليات، وعمل الوقيع مجذوب بقطاع السكة الحديد في عدّة وظائف منها كاتب بضاعة وهي وظيفة بمخازن السكة حديد، ومن زملائه في القطاع أيضاً حامد بشارة الوهابي صاحب مقهي التبلدي فيما بعد، إلى جانب حسن أبّو، وعمل الوقيع مجذوب بحسب شهادة ابنه عادل في كوستي إلى أن تقاعد، وجاء للأبيض ليعمل مع رجل الأعمال محمد اسماعيل موسي الحدربي حتى توفاه الله في العام 1981م، وكان منزلهم في الربع الأول جوار الزاوية التجانية. ويبدو أن علاقة الوقيع مجذوب بالسكة حديد ممتدة ايضاً إذ أن شقيقه عوض مجذوب كان ناظراً لمحطة كوستي، ومن أبنائه الذين عرفناهم قبل سنوات الضابط أحمد عوض..
    الغريب في الأمر أن خط السكة الحديد أو المحطة هي المؤشر علي تقسيم الأبيض شرقاً وغرباً، فمعظم الأحياء القديمة تقع غرب السكة الحديد، أما القسم الشرقي فيضم الأحياء الحديثة والتي نشأت في سنوات لاحقة.
    قبل الختام دعوني أعتذر إذا سقط عن الذاكرة اسم له علاقة بالسكة الحديد في الأبيض، وبعدها دعوني أهدي هذا المقال إلى روح الراحلين (الناظر الشيخ سلامة، والوكيل التجاري عبد اللطيف دبلوك.. منارات السكة الحديد في عروس الرمال) وإلى من وسموا حياتنا بالجمال والذكريات العذبة.
    ((نواصل في حلقات أخري)).


                  

11-26-2015, 09:35 PM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشّعُ ذكراها.. ((الحلقة السابعة))
    شارع سوار الذهب والناس الذهب.. من ميدان الحرية حتى السودنة
    =================
    بقلم: طاهر محمد علي طاهر
    بعض المدن أثيرة لا تبارح مخيلتك، لأن عبقرية المكان تصنع سر البقاء والخلود، وهكذا كانت الأبيض تصنع بصمتها، لأن لها سحر المدن الآسرة، سرٌ لا تستطيع معرفة كنهه، لكنك تحس به في طرقات المدينة العروس، مدينة مصنوعة من اختلاط البشر والناس، ومزيج الأصالة والحداثة، وحكايات من ألف ليلة وليلة. والأبيض مدينة مبدعة، ومترعة بالأحداث، دوماً ما يحتويني الحنين، وتتملكني الرغبة في أن أكتب عن مدينة الضياء والنور، عروس الرمل الخصيبة، وكلما شدا الشادي ذكّرني أيامها التي حفظت دروبها أسرار طفولتنا، وعنفوان شبابنا، ويظل منادى المدينة يطرق هذه الأيام علي المسامع مسألة الهجرات الجماعية عن المدينة، وينادي بأن عودوا إليها فهي تحتملكم رغم هجركم، لها، لأنها أمٌ رؤوم.
    ولكن هذه المدينة أصابتها عين حاسدة فتركها أهلها، ونامت شوارعها متكدرة وكأن شقاوتنا التي تمنحها الحيوية باتت تاريخاً لفّه النسيان !!
    وفيها كانت الحياة نولاً نسجنا به زاهي الأيام، فلم نعرف بؤساً ولا شقاءً، نصحو على فجر الأمنيات، وننام على وعد البشارة، لا يكدر صفونا إلاّ تفرق مجموعاتنا التي يضمها الودُّ المقيم، كل ما فيها كان ينبض بالرقة، احتوتنا أزقتها، وشوارعها الفسيحة المزّينة، بأفراح لا تنام، وبهج جميل، يوشح المدينة بثوبه، الله يا عروس الرمل يا آية من صنع البديع..
    في رحلتي محطات ومحطات، أسجلها في دفتر القلب، علّها تكون سلوتي وسلوة العشاق الذين هاموا في حسنها، وناموا على هدب أعينها الساحرة.. الله لك.. ولنا.. وللقادمين الذين يسألون عن كنه الوسامة، واللطافة، والأناقة.
    حين يقودك القدر إلى زيارة الأبيض وتريد أن تستشرف تاريخ المدينة ينبغي أن تقف في وسط ميدان الحرية فهذا الميدان له تاريخ عظيم مع كل شخص ويرتبط بذكريات خاصة سواء للذين لعبوا كرة القدم في مرحلة الناشئين أو أشبال الأندية، أو الذين يستمتعون بمشاهدة المباريات مجاناً، فالميدان كان بمثابة ملتقى للقاءات الشعبية التي يعقدها رؤساء السودان مع المواطنين عند زيارتهم إلى المدينة، وأخر عهدي بتلك الحشود الشعبية زيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات " أبو عمار" في العام 1993م إبان احتفالات الولاية بالدورة المدرسية والاستقلال وتحول الميدان تحت اسم ساحة النصر في عهد الوالي الأسبق الحسيني عبد الكريم وتم تسويره فاحتبست رئة المدينة، ولكنه عاد أخيراً ليمثل المتنفس بعد أن أزيلت الأسوار، ولك أن تختار الوقوف في الميدان لتعرف معني الحرية، ولكن عقب هطول أمطار غزيرة، إذ تنتابك أحاسيس شتّى، وتتخيل نفسك في أحد البلدان الساحرة التي تهب عليها نسمات الربيع، والرمال الشاربة من دفق المطر والأشجار المحيطة بالميدان، فالطبيعة تغسل ما في صدرك وتعافي بدنك ولا مكان للكآبة في مساحاتك.. انطلاقاً من هذا الميدان الذي أصبح رئة المدينة ومجمع الناس بأطيافهم في العصريات المفرهدة، تجرى فيه مباريات كرة القدم للناشئين، وبعد أن ينفضَ السامر بصافرة الختام ومغيب الشمس ينطلق البعض ليؤدي صلاته في أقرب المساجد المحيطة به، والبعض يتوجه لسينما عروس الرمال القريبة من الميدان، في ما يقضي آخرون حاجياتهم من السوق علي عجالة والعودة بالمواصلات العامة نهاية لليوم.. والميدان هو مدخل السوق الكبير من جنوبه، وكان ساحة سنوية لاحتفالات المولد النبوي الشريف..
    وليلة المولد في الأبيض هي سرّ الليالي.. والجمالِ، وربيعاً فتن الانفس بالسحر الحلال، كما قال الشاعر محمد المهدي المجذوب..
    في ذلك الزمان من عمر الأبيض يسوقنا للمولد لهف الحلوى والحصول علي أكبر قدر من الفولية والسمسية والحُمصية واللكوم، وحصان الحلوى وعلي صهوته الفارس، وعروس المولد المصبوغة باللون البمبي والأحمر، والفستان المصمم من الورق، الخيام المتراصة بطاولات الحلوى والأنوار الباهرة، ناس يحي عبد القادر الحلواني، وناس للي وشقيقه حسن، وايهاب السر.. ومن بعد نطوف بالميدان، خيام الطرق الصوفية والإنشاد والمدائح النبوية والأذكار، بدءً من الطريقة التجانية والقادرية، والطريقة الاسماعيلية، والبرهانية، والدسوقية، والختمية، وخيمة الانصار، والأحمدية البدوية، والقادرية المكاشفية، والسمانية الادريسية والأحمدية، والعزمية، وخيمة الحكومة وهي للتشريفات وزيارة الشخصيات الرسمية.. وكلما أوغل الليل ازدادت أصوات الميكرفونات والدفوق والطار، وفي وسط الميدان الصاري الذي يثمر عنقود سنى كالثريا في أعلاه، وتزهو الأزياء المزركشة والجلابيب الملونة خضراء حمراء بيضاءٌ لونها يسرّ الناظرين، ويزهو الميدان بالجموع..
    والمشهد مرسوم في تلافيف الذاكرة، ويزيده الشاعر محمد المهدي المجذوب إمتاعاً في رائعته ليلة المولد حين يقول:
    والخيام قد تبرّجن وأعلنّ الهيام
    وهنا حلقة شيخ يرجحنّ
    يضربُّ النوبةً ضربا فتئن.. وترّن
    ثم ترّفضٌّ هديراً أو تُجنُّ
    وحواليها طبول صارخات في الغبار
    حولها الحلقة ماجت في مدار
    نفذت ملأ الليالي
    تحت رايات طوال
    كسفين ذي سواري
    في عباب كالجبال..
    إلى أن يقول ود المهدي:
    ياربي صلاه صلاه..
    علي النبي صلاه صلاه..
    والمُقدّم يتقدم
    يرفع الصوت عليّا
    وتقدم وتقدم
    يقرع الطبل هنيّا..
    وأجمل تصاويره حين يقول:
    وفتيً في حلبة الطار تثنّى، وتأنـّي
    وبيمناه عصاه تتحنىّ
    لعباً حرّكة المدّاح غنىّ
    راجع الخطو بطار..
    رجّع الشوق وحنىّ..
    وهكذا ينتهي مولد أفضل الخلق أجمعين لننتظر عاماً أخراً باللهفة والشوق والذكرى.. وآوه أنا من الحنين الذي أثقل القلب..
    من وسط ميدان الحرية وفي اتجاه الشمال الجغرافي يبدأ شارع سوار الذهب وهو الاسم الذي أطلق عليه تيمناً وتخليداً لسيرة الخليفة الشيخ صالح سوار الذهب، حيث جاء في حكايات أهلنا ونحن صغاراً أنه ولد وفي يده سوار من الذهب وهي كناية عن كرامة لأحد أولياء الله الصالحين وربما صحّت الرواية، وفي عروس الرمال وكردفان عامة هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا شيوخاً شاع ذكرهم وخدموا القرآن والدعوة الإسلامية فظلوا في ثنايا الذاكرة ومن هؤلاء الشيخ صالح سوار الذهب الذي ارتبط اسمه بخلوة أسست في القرون الماضية.. وقبة سوار الدهب يرقد فيها جثمانه حيث تقع القبّة داخل حرم مسجده بالجزء الجنوب الغربي منه، وهي عبارة عن حجرة بداخلها الضريح.
    والشيخ سوار الذهب هو جدّ المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب الذي عرفه أهل السودان قاطبة وهو من مواليد الأبيض، تخرج في الكلية الحربية السودانية العام 1955 وتقلد العديد من المناصب في العسكرية كان من ضمنها
    قائداً لحامية الأبيض العسكرية التي رفض تسليمها عند انقلاب الرائد هاشم العطا عام 1971، حتى استعاد جعفر نميري مقاليد الحكومة بعد ثلاثة ايام.
    بعدها عُين وزيراً للدفاع في حكومة نميري، لكنه أُبعد عن الخدمة تعسفيا في العام 1972م وأرسل الى قطر ليعمل مستشاراً عسكرياً، وقدم خبراته هناك وكان بمثابة قائد للجيش والشرطة وقام بفرز الأرقام العسكرية وحدد ارقاماً منفصلة للشرطة واخري للجيش، وفصل الجيش عن الشرطة ليؤسس كيانين منفصلين هما شرطة قطر، والقوات المسلحة القطرية، وبعد رضاء نظام مايو عنه عاد ليتقلد رئيس هيئة الأركان العامة ومن ثم تم تعيينه قائداً أعلي للقوات المسلحة في مارس 1985، وعندما قامت انتفاضة "رجب – أبريل" في العام 1985م خرج المشير عبد الرحمن سوار الذهب ليعلن انحياز الجيش للشعب وتسلّم رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وهي مهمة تنتهي بتسليم البلاد لسلطة منتخبة.. وأوفى الرجل بوعده عندما سلّم السلطة للحكومة المنتخبة برئاسة السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء، ومجلس رأس الدولة الذي كان يرأسه السيد أحمد علي الميرغني.. وتفرغ بعد ذلك لعمله كرئيس لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية
    شارع سوار الذهب في الأبيض يبدأ جنوباً من ميدان الحرية متجهاً بشكل عرضي يقسم المدينة إلى شرق وغرب، ويبدو كالنهر علي ضفتيه مكاتب رسمية وحدائق وهيئات وعديد المحلات، شرق الشارع يبدأ بمكتب تسجيلات الأراضي والمساحة، وتلاصقه رئاسة شرطة إقليم كردفان، وفي ما بعد رئاسة شرطة ولاية شمال كردفان، وفي المقابل كما ذكرنا سينما عروس الرمال، التي كانت تمتلكها شركة السينما السودانية إلى جانب مجموعة من المساهمين منهم محمد أحمد سنهوري، وشقيقه ابراهيم سنهوري، والسنوسي حسين النعيم، ومحمد الريح الأمين سنهوري، وكرياكو هرمز، وعلى بلدو، وتم افتتاحها في 16مارس 1955م أي قبل استقلال السودان، علي يد مدير مديرية كردفان آنذاك مكاوي سليمان أكرت.. وسنأتي لاحقا للحديث حول تاريخ السينما السودانية الذي بدأ بالأبيض، لكن سينما عروس الرمال اشتهرت بعروضها لأقوي الأفلام الهندية والأمريكية والعربية، وسادت ثقافة بوليوود والأفلام الهندية ناس دهري مندرا، وكومار أب شلخة، ومن أجل أبنائي، والأفلام الأمريكية ديجانقو واستيف اوستن، ومعركة السحر، كما كانت السينما مسرحاً غنى علي خشبته أكبر فناني السودان وشاهد الناس في زمان المدينة الثقافي النضير الفنانون حسن عطية، واحمد المصطفى عميد الفن السوداني الذي زار الأبيض ضيفاً على مهرجان كردفان الثقافي في العام (1952م) الذي اقامه الاتحاد النسائي، وتغنى فيه العميد لأول مرة بنشيد "الاتحاد":
    يا فتاة هجرت طول الرقاد
    يوم أن قامت تنادي الاتحاد.
    وزار المدينة وغني في مسرح السينما محمد وردي، سيد خليفة، وعبد العزيز محمد داؤود، وعبد الكريم الكابلي، وزيدان ابراهيم، لكن هناك حفل لن انساه ما حييت وهو حفل دار الرياضة الشهير الذي غني فيه فنان أفريقيا محمد وردي إبان الانتفاضة في منتصف الثمانينات، وسجل معه تلفزيون كردفان حواراً متميزاً كان محاوره الشاعر دفع الله السماني، ولا تزال نسخة من هذا الحوار بطرف السماني، ويحتفظ بها ايضاً الأخ الصديق طارق جريقندي الموظف ببنك الخرطوم والمولع بمحمد وردي حدّ الوله..
    سينما عروس كانت من الفخامة بمكان، تتوزع درجاتها من الدرجة الأُولي إلى اللوج المتاح للأسر أو الأفراد، كما أن هناك درجة للشعب يدخلها محدودي الدخل أو صغار السن أو أصحاب المهن الصغيرة من ماسحي الاحذية وغيرهم من الذين ينادونهم بالشماسة، وكنت أري صفوف الشعب التي ينظمها سنهوري بجسده الضخم وصوته الجهوري الرادع الذي يخيف به المتفلتين عن الصفوف والطوابير التي تنتظر حظها من تذكرة الدخول، وفي احيان يستعين ببوليس السواري الذي يركب علي حصانه ويحمل سياط العنج، رحم الله سنهوري فقد كان صاحب نكتة حاضرة وحديث لاذع.. ارتبطت عندي سينما عروس الرمال بالسيد ابراهيم سنهوري أحد المساهمين فيها وهو عميد أسرة السناهير ورجل برّ وإحسان كنت التقيه مع والدي رجل طويل القامة، يبدو علي محياه الوقار والاحترام..
    شمال السينما وعلي شارع سوار الذهب تقبع حديقة البلدية، التي تتخذ مساحة كبرى تضاف الى الأماكن الزاهية النظيفة وعلى سورها تتدلى الأزهار والورود، ليبدأ التغول عليها شيئاً فشيئاً بمكتب للخطوط الجوية السودانية في الركن الشمالي الشرقي، وكشك استغل كمكتبة في الجانب الشمالي الغربي، ومن ثم بدأت دورات المياه تتحول إلى منظر شائه، فتآكلت وأضحي مكاناً بائساً لتموت أشجارها وتهدّم أسوارها وأصبحت اثراً بعد عين.. وليس بعيداً من المكان كنّا نشاهد منزلاً أنيقاً مطلياً باللون الكريمي أو درجة من الأصفر من الجهة المقابلة للحديقة شرق الشارع وهو منزل الدكتور الصيدلي ابراهيم السيد وحرمه بوجينا، الذي يتخذ صيدلية في ذات الصف، يجاوره مطعم ابراهيم الهلالابي، ودكان الدرديري عابدين، وعيسي الحلاق، وأمام هذه الدكاكين كان يتجمع رهط من الناس تحت شجرة وارفة، ولعلهم مجموعة من الأصدقاء يتجمعون بعد تناولهم الوجبات أو الذين يقصدون الحلاقة ليناقشوا الكثير من الموضوعات ذات العلاقة بكرة القدم او السياسية أو أخبار المدينة، وأطلق علي هذه الشجرة اسم "شجرة الكضابين".. ولا أدري سر التسمية.. ومن الجهة الغربية توجد محلات يونس الساعاتي، وعثمان جبرة الخياط ، وهو أحد أشهر المشجعين ومن رواد دار الرياضة بالأبيض، ومن أمام دكانه يجلس الإسكافي عبد المجيد الذي عرف بقطع "كدارات الكورة" التي تضاهي الماركات العالمية مثل البومة والاديداس.. وينتهي صفّ المحلات بدكان النور يحي للإلكترونيات، إلى أن يصل الشارع للتقاطع الشهير مع شارع جمال عبدالناصر، وفي رواية أخري شارع البديرية، والصينية التي تشكل ملمحاُ من الملامح الجمالية الموضوعة بعناية، وعلي قوائمها الحديدية المنصوبة تجد بعض اللافتات لكبري الشركات.. لتبدأ شركة باتا للأحذية التي تفتح أبوابها جنوباً وغرباً، وكانت الشركة تمتاز ببيع الاحذية، ومن منّا لم ينل حظة من شراء "شباشب باتا، وأحذيتها الرياضية، والمدرسية خاصة "الكبك"، ويدير معاملات البيع والشراء عمنا حسين.. وتلاصق "باتا" شرقاً دار كردفان للراحل الفاتح النور صاحب جريدة كردفان ورائد الصحافة الإقليمية، أما غربها فتوجد مكتبة القرشي لصاحبها الأستاذ الراحل محمد الشيخ القرشي، بن عم الشاعر محمد عوض الكريم القرشي، وعمنا محمد الشيخ له نصيب الأسد في ثقافة عروس الرمال وصحافتها، فقد أسس مع ابن عمه الشاعر صحيفة (الجريدة) في العام (1965م) ولدي بعض الوثائق التي حصلت عليها تفيد بأن الصحيفة التي لم تستمر طويلاً إلاّ من أعداد قليلة قام محمد الشيخ بالإجراءات الإدارية وتوفير المطبعة وشؤون التوزيع والترحيل وغيرها، كما أن له السبق في إنشاء أول وكالة أنباء خارج العاصمة تحت مسمى وكالة أنباء القرشي الصغير، ومن ثم تحول إلى انشاء ورعاية مطبعة القرشي وتجمعنا بالرجل وأسرته علاقات محبة وزمان، ومن ابنائه المحامي مفيد محمد الشيخ القرشي، ومعاوية الذي قام بمهام المطبعة في وقت لاحق في الأبيض، ومحسن الذي يعمل في ذات المجال في الخرطوم.. ومن أمام مكتبة القرشي كانت هناك فترينة صغيرة للساعاتي الشهير سبيل سابو، ورغم اعاقته في إحدى رجليه فالرجل شعلة من النشاط والحيوية، وأذكر نكتة شهيرة له عندما زار الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود الأبيض أخريات أيامه ذهب اليه سبيل سابو ليعرض عليه قصيدة شعرية ممنياً النفس بأن يتغني بها أبو داؤود، وبعد أن طالعها سأله انت بتشتغل شنو؟؟ فقال له ساعاتي، فما كان من أبو داؤود وبخفة دمه إلاّ وان قال له أمشي أمسحها وتعال، في إشارة إلى أن الساعات القديمة ماركة السيكو فايف وغيرها عندما تتوقف تذهب بها للساعاتي ليمسحها وينظفها فتعود تعمل من جديد، ويجاور سبيل سابو (بار أبو نجمة) لبيع المشروبات الروحية، ومن ثم مكتبة البيان لوالدنا محمد علي طاهر، والتي تفتح أبوابها علي موقف التاكسي وأميّة النور التي تستقبل شكاوى المواطنين بشأن القطوعات الكهربائية ويعمل موظفوها علي إصلاحها إلى جانب المياه.. ومن داخل المكتبة اتخذ عمنا عبد الله محمد سعيد جانباً لعمله في إصلاح الراديوهات وزمانها أطلعنا علي الراديو الترانستور، وجميع الراديوهات بأحجامها، وكنّا نضمن سلامة الراديو الخاص بمنزلنا في وجود عمنا عبد الله، فتعودت آذاننا علي الاستماع للنشرات والأغنيات والبرامج، وهي العادة التي لم يتركها الوالد حتى القريب إذ لا ينام إلاّ علي صوت الراديو، وعمنا الراحل عبد الله محمد سعيد هو والد الضابط الإداري ناصر عبد الله وكانوا يسكنون حي المعاصر غرب المدينة..
    في مقابل مكتبة البيان يوجد موقف التاكسي والذي يذكرني بشخوص لن انساها بطبيعة الحال، حيث كانت قيادة عربات التاكسي مهنة محترمة، يتميز أصحابها بالأمانة والصدق والتفاني، وأذكر منهم محمد محمود، عبد الله جمباكا ومحمد حسن الشايقي والد المذيع اللامع عبد الله محمد الحسن، وعبد العزير حسن، وبكري أحمد اليمني، وصلاح الركابي، وخليل عمر نسيب آل يحي عبد القادر الحلواني، والراحل ابراهيم ادم فنجو "رحمة الله"، والحاج قسم السيد عبد الرحمن وثلاثتهم "خليل وفنجو وقسم السيد" سكنوا حي أمير شرق المدينة، ويذكر لي الصديق والأخ الحبيب واللاعب الموهوب الصادق فنجو الذي يعمل حالياً في التخليص الجمركي بالأبيض أن والده الراحل ابراهيم أدم فنجو باع عربته بالأقساط لصلاح الركابي سنة 1978م، وهي من نوع البيجو "4" الفرنسية بمبلغ تسعمائة جنية بسبب شراء إقامة في المملكة العربية السعودية، إقامة سائق في شركة بن ﻻدن المسئولة عن صيانة وسقاية حجاج بيت الله الحرام، حتى غادر السعودية نهائياً في العام 2003م لينتقل إلى جوار ربه بتاريخ (22 نوفمبر 2014م).. له الرحمة والمغفرة..
    ومن أصحاب التكاسي أيضاً عمنا التاج والد عائد التاج، والراحل عوض خلف الله، والراحل محمود والد ضي النور محمود بمكتب المتابعة شمال كردفان، ووالد مجدي محمود الشهير بـ "مجدي وجع" الموجود الان بالأبيض
    كما يرد اسم الدرديري عبد النعيم، وبرعي، ووالد صديقنا طارق سخينة، وكان لون سيارات التاكسي تتخذ اللون الكحلي والأبيض وغالباً ما تكون ماركاتها التاونس والفولجا والبيجو.. وتمتد صفوف المحال التي تفتح شمالاً من بعد مكتبة البيان الى حدود الجامع العتيق وحتى لا نخرج بعيداً عن شارع سوار الذهب اذكرهم سريعاً، هناك دكان محمد احمد ملاح وابنائه محمد، ومعاوية، وعادل، وخالد وكان الدكان يعمل في بيع محاصيل العيش، ومن أمام الدكان يتخذ العجلاتي ود برّي مكانه واتخذ شهرته من تشجيعه لفريق الهلال ودائماً ما تجد كلمة "أبو الهل" علي لسانه أو في مناقشاته الحادة والمتعصبة لفريق الهلال، وبجانبه الحلاق عثمان من أهلنا الفلاتة، ومن بعده دكان السيد الطاهر سليمان لبيع اسبيرات العجلات، ومن ثم ترك الطاهر سليمان الدكان لأبنائه بعد أن ترقي في العمل التنفيذي معتمداً لمحلية شيكان، وشهادتي لله أن الطاهر سليمان كان من اخلص الرجال وأوفاهم للمدينة، رجل ورع فقده مجتمع عروس الرمال بعد رحيله، نسأله تعالى أن يعين أبنائه عمار وسليمان واشقائهم علي تحمل الأمانة، ويجاور دكان الطاهر محلات السيد عباس السيد لتصليح الحقائب وصناعتها والجلود والمراكيب، وفي مقابل عباس كان هناك دكان محمد كمال محمد علي من أهلنا الجعافرة، ودكان رجل البر والإحسان عبد الكريم حسين جعفر..
    أعود إلى شارع سوار الذهب فبعد أن تحركنا من الساعاتي سبيل وموقف التاكسي يتخذ كشك عبد الله محمد بابكر شمال الموقف أهميته وشهرته في آن واحد ، حيث أطلق عليه البعض اسم عبد الله "الحيوان" لتكرار الكلمة في حديثه، ويقال في روايات أهل المدينة التي تحكى عنه: أن واحداً من الأعراب جاء الى الكشك طالباً فول ورغيف فرد عليه عبد الله بأن مكتبته تغذي العقول وليس البطون وأردفها بكلمة يا "حيوان".. وربما أن الروايات في احيان كثيرة قد تكون ظالمه، فالرجل كان يسارياً مثقفاً بامتياز، وتعج مكتبته بمؤلفات الشيوعية والصين الشعبية والمعسكر الشرقي، وكتيبات الزعيم ماو تسي تونج، والنظريات الماركسية، وقبل انتقال عبد الله بابكر إلى هذا الكشك كانت مكتبته في صف شركة مباني كردفان، ومحلات العجلاتي حسن جمال الدين، واستوديو عروس الرمال لصاحبه محمد يحي بشارع جمال عبد الناصر، مقابل دار كردفان للطباعة وجوار شاعر الوطنيات والعاطفة محمد علي عبد الله الشهير بالأميّ، فإلى جانب قصائده العاطفية المعروفة عيون الصيد، وسالته عن فؤادي، واسمعني واشجيني، انت حكمة ولا آية، عيونك علموا عيوني السهر، كتب الأمي شعراً وطنياً من أهمه نداء إلى رجال المؤتمر، قادة الرأي، نشيد العمال.
    كشك عبد الله بابكر الأخير بعد انتقاله إلى شارع تقي يجاور ضريح الشيخ ود أرو وتقال على لسان العامة "ود.. درو".. وتمنيت أن احصل علي معلومات عن هذا الشيخ فقد دخلت الضريح في صغري ولم أجد غير قبره وبعض رايات الصوفية الخضراء و الحمراء والمزركشة الألوان، والمعلومات المتوافرة أنه أحد أنصار الإمام المهدي وأبطال الثورة الذين جاءوا واستوطنوا المدينة منذ ذلك الزمان، وأصبح قبره ظاهر في قلب السوق.. ومن خلف الضريح يجلس حاج حسن الضرير في كشك لبيع عصير الليمون المثلج بروائح ونكهة عجيبة لم اتذوق مثله إلى الأن، وينتقل عصراً إلى دار الرياضة حيث يبيع لرواد الدار عصائره تلك، ولعل الذاكرة نسيت اسم ابنه الملقب بـ"عوبة" حيث أصبح رئيساً لنادي الاتحاد..
    وشرق الضريح ومكتبة عبد الله نجد الحلواني الأشهر حلواني جروبي، وجروبي هذا كان مكاناً متميزاً يجمع الكل علي جودة ما يقدمه من أصناف للحلويات من الباسطة والبقلاوة إلى البسبوسة والكنافة، والعصائر والأرز باللبن، والأيسكريم والكاسترد والجلي، والحليب البارد والساخن، والساندويتشات.. وكثيراً ماكنت أتسلل من مكتبة الوالد لأحظى بالأطايب التي يكرمني بها الخليفة محمد زيادة وهو قريب آل سوار الذهب، وكان يقوم علي إدارة الحلواني، ومن بعده ابنه زيادة، ومن ثم مبارك جروبي "ود أم روابة".. ويجتمع في المكان الكثير من خلق الله صباحاً ومساء، وكان جروبي محطة أولي ومهمة لطلاب الداخليات بمدرسة خورطقت الثانوية عندما يأتون إلى الأبيض في العطلة الأسبوعية وهي غالباً ما تكون "خميس جمعة" .. تلك أيام كانت موسومة بالخير والعطاء الجزل.. وبعد سنوات عديدة يسوقني القدر إلى جمهورية مصر في العام 1988م وأنا لم أزل صبياً فوجئت بذات الاسم والعراقة والتفاصيل الشبيهة في حلواني جروبي بشارع قصر النيل بالقاهرة، فعلمت حينها أن الأبيض مدينة تجاوزت عصرها الحضاري الكبير بسنوات وسنوات..
    من بعد حلواني جروبي تطل أجزخانة الست، ومخازن الجوهرة لصاحبها يوسف علي الفكي، الشاعر اللطيف وصاحب التعامل الراقي الذي جمعني به القدر أخيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. وشركة الطوخي أو شركة وادي النيل، ودكان عبد الله عجيب، وإسماعيل شمعون، وود القبة بدوي فضل الله .. ودار سوار الدهب، ومخازن فيليب دحدوح، ومحلات آل ميرغنى..
    وغرب هذه المحلات تقبع جزارة الأبيض وسوق الخضار والفاكهة، وامام سوق الخضار يوجد كشك ابراهيم الكوتش صاحب الخمس أو ست شهادات جامعية، تجده يبيع الثلج والعصائر ظهراً، أما عصراً فتجده في تمرين رياضي، أو يخوض مباراة مهمة مع فريق شيكان، وصباحاً تجده مشرفاً علي الطابور الصباحي بمدرسة الأميرية المتوسطة.. ألم أقل لكم ان انسان الأبيض نسيج لوحده..
    نواصل سياحتنا في شارع سوار الذهب ونحن نتوجه شمالاً ليتفرع منه شارع الطبالي الذي ينشط فيه أبناء ود راوه، وتمبول، والمسلمية، وعرب الجزيرة وشرق النيل، وهناك تلمح المحلات والدكاكين المليئة بكل أصناف البضائع بداية من دكان الشيخ ميرغني في أول ناصية من شارع الطبالي وأبنائه أحمد الشيخ وعمر ويوسف، ونور النوار، ودكان عمنا النوراني، وحمدنا الله، وعلي ميرغني، وناس سرسر، والعسل المصفى والسمنة الأصلية، وغرب الشارع عمنا بشير المجاهد والخواجة لاكي، وشرق الشارع يقف مقهى مرنجاوي الشهير الذي يجمع الصنايعية، والبنايين، وعمال البناء "الطُلب"، ومن صباحاً بدري تدور عليهم أكواب الشاي باللبن، والشاي الأحمر بالنعناع، وفناجين القهوة، وإلى جوار المقهى مكتبة الجيل التي يديرها الأستاذ الفاضل عبدالرحمن عيسي حامل المعرفة وترياق العلم، وكنت أجد الكنبة الخشبية علي جانب من المكتبة وعليها جلوساً الأساتذة الكبار والمعلمين، والمكتبة تحوى صنوف المعرفة والثقافة، والأدوات المكتبية، ويجدر بي أن أذكر أن مكتبة الجيل الأم تقع غرب حديقة البلدية لصاحبها المربي والاستاذ الراحل عبد الرحمن عيسى، ثم من بعد المكتبة تأتي محلات علي العجب، وابنائه محمد وخالد، وقد كان من قبل دكانا للمرحوم عبد الله الياس.
    غرب المقهى والمكتبة يوجد الموقف الكبير لمواصلات فلاتة والرديف وفلسطين والأحياء الغربية، وسمي في رواية أخري بموقف بصات أبو قرش، ولا أدري كم أصبح ثمن المواصلات في الأبيض الأن بعد غزو سيارات الآتوس والتي تحولت إلى تكاسي.. وتفتح علي الموقف من الشمال الجغرافي صيدلية قمبور، إضافة إلى كافتيريا الشباب لعمنا الحاج أدم.. ومن أمام الكافتيريا يجلس عمنا الشاعر التني الذي يتحلق حوله شعراء المدينة وأعضاء رابطة أصدقاء الكلمة، وإن كنت تبحث عن الشاعر عبد الرحمن صالح، ولم تجد عمنا قاسم عثمان في الجزارة ودفع الله السماني في المايكرويف فابحث عنهم أمام ماكينة التني.. وتمتد علي مدّ البصر المطاعم، والأفران، ، والبقالات، وباعة الطعمية والرغيف..
    وبمسافة ليست بالطويلة شرق هذا الموقف هناك موقف مواصلات القلعة والبترول والأحياء الشرقية.. قديماً كان يمكن أن تقول أن السوق قد انتهي هنا إذ تجد تقاطع شارع النهود مع سوار الذهب ليبدأ حي الربع الأول والثاني ولكن السوق ظل زاحفاً علي المنازل والبيوت، وهنا تبدأ عمارة عبد الظاهر وهي من اوائل المباني الشاهقة في شارع النهود، وبقالة عبد الباقي عبد الله هلال الذي يتخذ منزله جوار العمارة وشرق شارع سوار الذهب وغربه البنك السوداني الفرنسي، ومحلات قدورة حديثاً ومنزل آل دبلوك..
    ويجاور عبد الباقي هلال منزل أحمد دقق والد أنس والرشيد، ومنزل الكومندان تاور السنوسي، وآل مولّي، عادل بكش ومجذوب وخالد، وجمال، ومن ثم بقالة ومنزل بشير نوح، وهو والد الكابتن مدثر بشير نوح نجم وسط المريخ ومن الجيل الذهبي لكرة الأبيض، وفي المقابل غرباً منزل آل شيخة، ابراهيم حسن شيخة، والريح حسن شيخة، ومن ثم منزل وراق الرشيد وراق، وتلمح شرق الشارع منزل آل بشير عمر سليمان وابنائه الأفاضل عمر، وعلي، ومنزل الأستاذ والمربي الفاضل عبد الباقي شبور أطال الله في عمره، فالرجل له أياد بيضاء علي جيل بأكمله تلقى علي يديه العلم والتربية والتوجيه ولايزال يواصل كفاحه في التدريس من خلال مدرسة خاصة، ويجاور عبد الباقي شبور، منزل القابلة أمنة حلوف، وفي المقابل معهد النجاح للأستاذ حسن عبد الله، ويجاوره كوافير نسائي كان من اوائل محلات التجميل التي تفتح أبوابها داخل الحي، ومن ثم منزل أسرة الأخ منتصر بابا، وانتقل إلى ذات المكان أسرة اللاعب والكابتن هشام عثمان "هشام ماسا"، وآل خلف الله العوض..
    ومن الشرق منزل أسرة الجعيلي الذي خرج منه الإعلامي الفنان وصاحب قناة هارموني معتصم الجعيلي، ومن قبلها أسس شركة هارموني بداية بالأبيض منتقلاً إلى العاصمة وتخرج فيها العديد من الكوادر الإعلامية وتعلموا فنون التصوير والإخراج وفنون الدعاية الإعلان، وتتوالى الأسماء عصام السيد، وطه ياسين، واسرة ادم غبيش، وخلف الله كزام، ياسر أحمد ابو البشر، أحمد محمود ابو سالم، وعبد الله احمد محمود، ود. كمال حسن حامد، ومحمد جبريل، وهشام الجابري، ومحمد التجاني، وأحمد الشفيع، وحسن حامد صالح، والطيب محمد ادم، والطاهر علي مرجان، وعبد القادر علي أبو دقن خال عبد الباقي ومتوكل، وبشري وعبد الودود شبور، ومنزل احمد طويل والد لاعب المريخ السابق عثمان احمد طويل، وكرومة المقاول، وسيد سليمان بدوي، وأسرة الكجيك، واللُبّى، الأمين الشريف، والدكتور عادل الشريف، ومنزل آل فضل نزار، والمذيعة اللامعة سارة فضل الله بتلفزيون السودان، والتي كانت أحدي النجمات الزواهر في الدورات المدرسية، وآل النور أحمد دياب، وأسرة حسين كعكة، حسين حسن موسي، وحسين احمد عبد الرحيم، وآل العميري منهم صديقنا ياسر، ودفعتنا جلال الذي استقر في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم أشقاء وأبناء عمومة الفنان عبد العزيز العميري، وأسس ياسر العميري بقالة عُرفت باسم بقالة العميري، وسنفرد حلقة خاصة بالكروان عبد العزيز العميري، ونوالي ذكر الأسر والبيوت المرتبطة بشارع سوار الذهب، أسرة محمد جعفر، أسرة بركات محمد الفاضل، وسالم البر.
    يستمر شارع سوار الدهب بذات النسق.. وسكانه بالحب عاشوا شرقاً وغرباً يجمعهم الشارع الأمين، واسم شيخهم الكريم سوار الذهب حتى ينتهي عند كوبري حي السودنة.. وهنا تنتهي الحلقة السابعة.. فإلى ملتقى في حلقة جديدة من سلسلة عروس الرمال
    ((يتبع))


                  

11-26-2015, 09:50 PM

مازن عادل النور
<aمازن عادل النور
تاريخ التسجيل: 07-07-2010
مجموع المشاركات: 712

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأبيض عروس الرمال حينما تشع ذكراها // بقل� (Re: مازن عادل النور)



    Quote:
    الأبيض عروس الرمال.. حينما تشّعُ ذكراها.. ((الحلقة الثامنة))
    إلى: العميري "المُغنيّ الكروان".. أديني من نورك وميض.. شان أنوّر وأبقى طولك
    =========================
    بقلم: طاهر محمد علي طاهر
    الغِنَاء والشَّعِر والموسيقي، ثلاثتهم ترياق منحه الله لمدينة الأبيض، وتسميتها بعروس الرمال ما هو إلاّ عنواناً للمحبة، والمعزة، وفخر الأجيال وانتمائهم لها.. إنها عروس الرمال.. وما عليك إلاّ أن تملأ الآفاق باسمها زهواً.. وترش عبيرك علي الوجود كما تشاء..
    عبر مشواري في مهنة "الورّاق" أو صاحبة الجلالة "الصحافة" كما يحلو تسميتها، كنتُ أكتب في تاريخ معين كل عام رسالة عبر زاويتي الصحفية "همس الغروب" والاسم مقتبس بالمناسبة من الهام الأبيض التي تغرب عندها الشمس، مثلما يفخر أهل كسلا بقولهم "من هنا تشرق الشمس" فنحن تغرب عندنا الشمس ليبدأ المساء بهمسه وأنسه وأسماره.. رسالة كل عام كنت أضعها في بريد أحد المبدعين الذين كانت الأبيض أرض ميلادهم، لكن قلقه الإبداعي لم يجعله يمكث فيها طويلاً لينطلق إلى أفاق رحبة، ليصول ويجول في ساحات الإبداع، بعد أن كتبت له عروس الرمال شهادة الميلاد والنشأة والدراسة، وفي خانة الصفة "مبدع" لا منافس.. إنه عبد العزيز عبد الرحمن العميري..
    تري من هم آل العميري؟؟ ومن أي بيت خرج ذلك الكروان المسمى عبد العزيز؟؟
    جذور أسره العميري تعود إلى جنوب مصر، المتاخم للشمال السوداني، وهم من جعافرة الصعيد حيث استقر بهم المقام في مدينة دنقلا، وانتقل عميد الأسرة عبد الرحمن العميري إلى حي أبوروف بأم درمان حيث تزوج بالسيدة فاطمه عبد الحميد أبو شنب، امرأة من نساء الزمان المـُخضرّ، ذات ملامح جميلة تعبّر عن أصالة المرأة السودانية بشلوخها المميزة، والحياء الفطري لأمهاتنا العظام.. واستقر بهما المقام في الأبيض حيث اشتغل عبد الرحمن العميري في مجال التجارة العمومية، وكان له دكاناً معروفاً في سوق الابيض جنوب الجامع العتيق، ورزق الحاج العميري بعدد من البنين والبنات، عاشوا في ثبات ونبات بحيّ الربع الثاني، وأنجب العميري شريف، وأحمد، وعبد العزيز، وصلاح، أما بناته فهنّ منيرة وسعدية ورقية وأسماء وست البنات..
    الأستاذ المربي شريف عبد الرحمن العميري تقاعد عن التدريس بعد أن عمل استاذاً في العديد من المدن والقرى، وكان استاذاً ايضاً بمدارس كمبوني بالأبيض، وهو شاعر معروف وله مؤلف في المكتبات، كما أنه قدّم برنامجاً راتباً بإذاعة شمال كردفان عن اللغة العربية، ولديه من الأبناء ياسر صاحب بقالة العميري بشارع سوار الذهب، وجلال المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة طويلة وهو من دفعتنا حيث درس الأميرية المتوسطة ومن ثم خورطقت الثانوية، ويحفظ لعمه عبد العزيز العميري الكثير من المواقف والحكايات فقد كان لصيقاً به لفترة من فترات الزمان، ومن أبناء الاستاذ شيف ايضاً، عبد الحميد، وعمار، والتجاني، وهيبة، أما أحمد عبد الرحمن العميري فقد كان يعمل مع والده في دكانه بسوق الأبيض، ويعرفه الوسط الرياضي حيث يعتبر أحد أعمدة فريق التحرير الأبيض "عليه رحمة الله"، له من الأبناء عهد المذيعة بتلفزيون شمال كردفان سابقا، والموظفة بمفوضية الاستثمار، وهي الاخت الكبرى لأشقائها وهم رامي الموظف بمصرق المزارع التجاري، والراحل عبد الرحمن الطالب الجامعي "عوض الله شبابه بالجنة"، وهشام الذي درس القانون بجامعة القانون ويعمل بالمحاماة في مكتب الأستاذة أماني كرار .
    وللسيدة فاطمة أبوشنب زوجة عبد الرحمن العميري، شقيق اسمه عبد العال كان يسكن حي الوحدة بالأبيض جوار التمنة الغربية ومن ابنائه طه وأحمد وخالد وأسامة، وكان من تجار سوق أبو جهل "رحمه الله"..
    أما منيرة العميري فقد تزوجت بسعادة العقيد شرطة عبدالباقي أحمد البشير، وسعدية العميري تزوجت بالسيد علي حسين، ورقية تزوجت بالسيد الشيخ معوض من أهالي الكدرو بالخرطوم، وأسماء تزوجت بالسيد علاء الدين إمام مدثر الحجاز.. هذه هي اسرة العميري حيث لم يقف الابداع عند عبد العزيز وحده، فالأسرة فيها الشاعر والممثل والملحن والمغني..
    ولكن الكروان عبد العزيز العميري للذين لم يشاهدوه لم يكتب لهم أن يروا نموذجاً متفرداً لمعني الفنان الشامل، في رقته وسماحته وطيبة معشره، كان نسيجاً لوحده، وزهرة يانعة في بستان الفن، وطائراً غرّيداً يشجى المسامع، سحراً من الكلمات، والموسيقى، والألحان الموقعة كالهمس، والأمنيات العذبة، يمكنك أن تترك المساحات لأشخاص أخرين يحدثونك عنه، إذا تركت الأمر للأستاذ محمد عثمان الحلاج، أو تماضر شيخ الدين، أو ميرغني كرياكو، أو يحى فضل الله، ومحمد المجتبى موسي، وسيف الجامعة، كثيرون هم من يجدون سلوتهم في الحديث عن العميري، فقد كان اليافع اليانع النضير بالطيبة، والغرير بالموهبة، والرضيع بالنقاء..
    لا أدرى لماذا يذكرني الفتى في صباه وصبابته بالأديب على المك، هل لطبيعته الفطرية، أم لروحه الخفيفة التي ظلت بين الناس على سائر مقاماتهم.. لم يكن مثل كثير من خلق الله فقد تجده في سوق أم درمان مع (العربجية)، وفى شجرة (الزهاجة) علي تخوم الإذاعة السودانية قبل أن تُقتلع من جذورها، وفى المسرح يتحلق حوله الأصدقاء والأحباب ليحكي لهم يومياته، وقصصه، وشخوصه المليحة التي لا تنتهى مواقفها. أو على ضفة النهر الممتد أمام التلفزيون، فقد كان يعشق النيل ومياهه كعشقه لرمال كردفان، وكلاهما صنعا طينته الابداعية..
    يذكر الدكتور محمد علي بابكر الذي يجاور سكن العميري مع خاله في أب روف بعد أن ترك الأبيض وذهب لأم درمان للدراسة، حينها كان د. محمد علي يشاهد عميري وهو يتشكل في بساطة مع لوحة الحياة اليومية في الحي.. أحيانا يصادفه راكبا مع نساء جالسات في (ضهرية) بوكس ذاهب بحمولته إلي عزاء في الاتجاه الذي يقصده، وتارة جالس في حجر يصطاد السمك جوار مركب حسن خاله.. وأحيان أخرى (يدفر) مع آخرين عربة معطلة في شارع البحر وبعد النجاح في تحريكها يواصل معهم إلي الاذاعة ..ومعظم الأحيان تراه ماشيا وهو يغني رائعة الخليل: " ميل وعرّض .. كتّر أمراضي".. انتهي حديث د. محمد علي بابكر، ليعقبه حديث آخر نعضد به حديثنا عن اريحية عميري وبساطته إذ يحكي الفنان سيف الجامعة عن حكايته معه فيقول: ذات يوم وأنا غير موجود في البيت مرّ العميري ووجد باب بيتنا مفتوحاً، دخل لغاية المطبخ فوجد والدتي الحاجة نفيسة رحمها الله في المطبخ، قاليها ازيك يا حاجة بالله ممكن كبريتة عشان أولع السيجارة دي؟
    فانفجرت والدتي ضاحكة يا ولدي انت منو ؟؟
    قاليها: أنا صاحب سيف، وأجلسته وصنعت له كباية ليمون من النوع أبو سكر وليمون تقيل وتلج كتير. ولما رجعت إلى البيت وجدته يقطّع معاها سلطة الغداء ويتونسو ويضحكو..
    وعند وفاة العميري يقول سيف الجامعة: من هول الفاجعة بحثت عن دموعي فلم أجدها.. بحثت عن صرخة لم أجد صوتي، ودخلت غرفتي وأغلقتها عليّ، رحت أعبث في أوراقي، أبحث عن شيء يجعلني أبكي صورته، أحد أقلامه.. أي شيء، لم اجد سوى نص بخط يده بعنوان (يا نديدي).. قرأته وبكيت العميري في لحن يا نديدي، الذي خرج دفعة واحدة:
    يا نديدي.. يا زمان الأغنية الجاية.. وجديدي
    أي صوت راجيهو صوتك.. وأي شريان فيك وريدي
    الزمن قاسي الملامح وانت نوارة قصيدي
    ما اشتكيت لي وردة غيرك
    وما لمست سوى حريرك
    وكلما هاجت شواغل ما نشدت بدل مصيرك
    شوفي كيف الدنيا أخضر من زمان
    وعايني كيف الأفق اوسع من مكان
    هلّ فجرك يا مصابيح انطفي
    تاني وين ضيق المحل لو انت في.
    "انتهي حديث سيف الجامعة"..
    إنه العميري في بساطته.. مجنون بالفن، وعاشق للحياة.. أكتب في كل عام رسالة شوق مجددة في بريده تصادف الرابع من يوليو، ذكرى رحيله المـُرّ، ففي التاريخ نفسه من العام 1989م، رحل سرب النوارس الذى يقوده عميري ليغرد في البعيد.. بعيداً بعيداً..
    في كل عام أرسل رسالتي موسومة بالشوق، فالشعر يسأل عنه، والأعوام مرّت كلها، وفراقه تعدّى مساحات الصبر.. حتى ولو مضت الأيام دون ذكراه تراني ما قصدت نسيانه فهو يعلم أن الحزن يعصر مهجتي، وكم هي اللغة عصية أحياناً.. وهل أي لغة قابلة للحديث عن العميري وعالمه الممهور بالسحر، ورحيله الفجائي الذي سكن وجعاً في خاصرة محبيه !!.
    أكتب عنه ويحتويني شيءٌ يستمد القداسة من نار المجاذيب في ليل الصلوات، والأدعية المستجابة.. حروف تشعل جذوة الحس، ومكمن المخبوء فينا أزماناً..
    أكتب له وعنه حتي تتحقق الرغبة الشاعرية في الموت أو الحياة، فكلاهما كتاب للمسطور فينا.. وأبحث فيما أقوله وأعنيه، في ما ننسجه ونغنيه، لكن لا قدر غير أن نلتقى لنجمع الصبابات، والوجد المسافر في حدقي وحدقه، فنعمر به ليلاً طويلاً.
    يا الله يا عميري.. من نورك المتفلت من مدار القمر الساهر ليشعّ بالوضاءة والسنا، ويهبط كالوحي في دجي الليل الحلوك.
    كيف بالله أنعيك، وأنت تدرك أن المساحات البهية لا يملؤها غيرك.. وهآنذا أستأنس بأجمل أغنياتك في غربتي فهي واحدة من الأيقونات التي تطربني:
    "يا قمر.. أنا ما بطولك
    أديني من نورك وميض.. شان أنّور وأبقي طولك
    يا قمر ليلك غُنايا..وليلك أكتر من حكاية
    فرحة بتطوف المدينة ودعوة لي همس الصبايا
    لما تزعل يا قمر.. أبقي باسم حتى في زعلك معايا
    شان البلد.. كُلَّ البلد تفرح تقول القمـرّة جاية
    ناوية تحضر لمثولك.. أصلوا ما فيها البطولك..
    في كل المساءات الممتدة كحزني عليه أصغي لصداه يمر.. يرتحل بي طوّافاً إلي حيث (عروس الرمال) التي أشهد الله إنه لايزال موسوماً في جسد المدينة، كالمصابيح في جدرانها.. واللافتات المعلقة في كل محالها..
    أعبر في أمسياتي (خور القبّة) فأراه كالترياق يسري، وأعبر مكان سكناه بعد حين فأجد ناصر قاسم بريمة "الشاعر بن الشاعر" يصف لي منزله في الربع الثاني، بمجري خور ناس العميري، أو "الممشى العريض"، وهي الأغنية التي غناها مصطفي سيد أحمد للعميري: مكتوبة في الممشى العريض
    شيلة خطوتك .. لي البنيّة
    مكتوبة بى الخط العنيد ...
    في ذمّة الحاضر .. وصيّة
    شاهدة التواريخ ..
    والسّير والانتظار..
    إلى أن يقول:
    كانوا بتمنوكِ لو ..ترتاحي لحظة على الدرب
    حبوكِ حب.. قدر الحروف .. الحايمه في بطن الكتب..
    ولعل أول من غني من كلمات العميري الفنان حمد الريح من ديوان صدر له، وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، وغناها حمد الريح موال يقول في كلماته:
    الليلة توبي وارجعي واتلاشى في ليل الضياع حزمات أسى
    واسقي البلاد الما غشاها غنا الدوالي ولا ضحك فيها المسا
    لو كان تفيد حزنك دموع كيفن عيونك تحبسا
    الليلة توبي وعيشي بي أمل السماح
    ما الغايب امكن ما نساك
    امكن مع الأيام هناك يا داب بلملم في الجراح
    امكن سنينو الباعا ليك لليلة ما لاقت صباح
    تلقيهو في دمعات مسافر ولاّ ببكي وسط رياح..
    أحرص دائماً أيام كنت عضواً ناشطاً في دار الكشافة بالأبيض علي زيارة فرقة فنون كردفان، وما من شيء يترآى لي، أو خيّال يعنّ إلاّ صورة العميري وكأنه يسعي ما بين (التبلدية) الجاثمة في الدار، وبين أوتار الكمنجات المشدودة كأنها إليه. وهناك صورة أخرى لاتزال راسخة في ذهني حول هذه (التبلدية) تتمثل في عمنا الشاعر الراحل قاسم عثمان بريمة عندما جئنا يومها لتكريمه قبل الرحيل، وعندما وصل موكب التكريم إلى فرقة فنون كردفان يتقدمه المحتفى به، ذهب يتوكأ علي عصاته نحو التبلدية وألصق رأسه بها وقبلها قبلات جعلت كل المشاركين يزرفون الدمع من تأثير هذه الصورة والوفاء النادر لعم قاسم وحبّه للتبلدي وأرض التبلدي..
    عروس الرمال كانت البدايات الحقيقة والمفتاح السحري لعبد العزيز العميري ليبدأ ممثلاً وشاعراً وملحناً ومغنياً وحكّاءً حاذقاً، التحق فيها بفرقة دامبير المسرحية التي تأسست في السبعينات علي يد أخوة افاضل نذكر منهم الأستاذ ميرغني بانقا شبور، الشهير بميرغني كرياكو، وسميت الفرقة على جبل دامبير الشهير بكردفان، ومن معاصري الفرقة الأستاذ محمد العاص، وكانت تحت اشراف مركز الشباب بالأبيض تحت قيادة الأستاذ العمدة الحاج أحمد عيسى، وعثمان محمد موسى الخير (رحمه الله)، وتتلمذ فيها نجوم المسرح من أبناء المدينة أمثال محمد المجتبى موسى، وفيصل أحمد سعد "كبسور"، ومحمد الحافظ أحمد فضل الله، وعبد الرحمن دقق، وصلاح محمد الحسن وغيرهم.. وقامت الفرقة بتقديم عدة مسرحيات على مسرح فرقة فنون كردفان، وفي ذلك الزمان البعيد كنّا نعلم بعروض المسرحيات من خلال عربة وعليها ميكرفون تطوف علي المدينة لتنبه المواطنين بموعد المسرحية ومكانها.. ومن أوائل المسرحيات التي قدمتها (مدير ليوم واحد)، تلتها مسرحية (السلطان الحائر)، (خطوبة سهير)، و (نافذة على الطريق) والأخيرة هذه كان للراحل العميري دور غنائي فيها وبعد تقديمها مباشرة التحق العميري بمعهد الموسيقى والمسرح بتوصية من الرائد زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر "زينكوف" الذي كان وزيراً الشباب والرياضة في حكومة جعفر نميري وقتها.. لينتقل الى العاصمة وفي العاصمة أختار أم درمان الأقرب مزاجاً للأبيض، ليسكن مع خاله حسن عبد الحميد أبوشنب في أبوروف، وفي معهد الموسيقي كان ضمن الدفعة الدفعة السابعة (1975م ـ 1979م) وكان مشروع تخرجه مسرحية (شريط كراب الأخير) للكاتب المسرحي العالمي صموئيل بيكيت، ومن أبرز زملائه الشاعر خطاب حسن أحمد، والدرامي عبد الرحيم قرني، ومحمد بشير دفع الله، والشاعرة عفاف الصادق حمد النيل زوجة ابو عركي البخيت، ومنى عبد اللطيف التي تزوج بها في زيجة لم تمتد طويلاً..
    تجلي العميري بإبداعاته في المعهد، وأسس مع نجوم المعهد محطة التلفزيون الاهلية والتي تحول معظم أفرادها إلى فرقة الأصدقاء المسرحية.. ورغم علاقتي وصداقتي بمعظم أفراد فرقة الأصدقاء إلاّ أن النكران الذي بدا منهم تجاه العميري تقصير لم أسامحهم عليه، رغم معرفتي بمكانته في نفوسهم جميعاً، ولكن الموقف غريب رغم كل مرور كل تلك السنوات التي تجاوزت ربع قرن من الزمان.. ولم يتوقف العميري لحظة من لحظات عمره القصير في تقديم ابداعاته التي جعلت منه نجماً بازخاً، ويذكر له الناس المسلسل الكبير ذائع الصيت " وادى أم سدر" الذي كتبه الأستاذ محمد خوجلي مصطفى، وأخرجه "الشفيع ابراهيم الضو "، وكان العميري ضمن فريق من كبار الممثلين السودانيين أمثال فايزة عمسيب، وانور محمد عثمان، وعوض صديق، الريح عبد القادر، وتماضر شيخ الدين، مريم محمد الطيب، منى الطاهر، وبلقيس عوض، ويحي فضل الله، احمد البكري, وقدم العميري تمثيلاً وغناءً مذهلاً لايزال حاضراً في الأذهان..
    أهـ يا عميري.. طالت السنوات، وما بخلت عليك كلماتي، ولكن ما أنت من يقال فيه حديث عابر، أو كلمات تكتب لتنسى.. فأنت خُلقت لتبقي وشاحاً يزين هامة القرطاس بالشعر واللحن والنغم.
    خُلقت لتكون لحن للحياة، ولـ" بنوت الحلة العامرة عديله وزين" لكن أعذرني فما مع الحروف حيلة، فهل نرثيك جميعنا بعد كل هذه الأعوام ؟! وهل يحق لي أن أنساك، وأنا أكتب كلماتي للأبيض؟؟ وآ..خجلي من كلماتي.. فلايزال صديقك الحلاج (فيلسوف مدينتنا) ينتظر مجيئك في الليالي البكر، ليحكي لك عن قدر أطبق حتي العظم.. ينتظرك لتؤنس وحشته، وترافقه في دنيا (أغني أهلوها سادتها الفقراء).
    هل تصدق إنني لا زلت علي يقين بأنك موجود في داخل كل إنسان!! موجود في كل معني، في عشقنا.. وحبنا، في زحام الناس، وفي براحات البيوت، فأنت يا صديقي أهديت لنا معني الحبيبة، وفضحت بتلك المعاني زيف الحياة، ولخصتها في كلمة واحدة :" لو أعيش زولاً عندو قيمة.. أسعد الناس بوجودي"..
    ومن غريب أن العميري غنى أغنية " كان بدري عليك" للشاعر عبد الرحمن الريح، كأعذب الأصوات، بنبرة بين حزن المناحات والمراثي، وسجع الترنيم والترانيم:
    كان بدري عليك.. والوقت طويل
    والأُنس جميل في سكون الليل
    كل الأفلاك .. كانت يا ملاك.. تنظر لعلاك..
    مشتاقة إليك..
    يا حبيبي تعال.. أغريني دلال
    وأسحرني جمال..
    أنت الآمال.. في المضى والحال
    للعفة مثال.. وعلي الأجيال أنا بفخر بيك
    كان بدري عليك.. تودعني وانا مشتاق ليك..
    ولكنه كتب أغرب القصائد وكأنه يحس بدنو أجله وكان يمازح أصدقائه كثيراً بقوله "أنا حا أموت قبلكم"، والقصيدة تحكي سرها:
    اديني سمعك في الأخير
    أنا عمري ما فاضل كتير
    شالوهو مني الأمنيات
    الضايعة في الوهم الكبير
    و الدنيا ما تمت هناء
    لسه فاضل
    ناس تعاشر
    وناس تضوق طعم الهناء
    بكرة أجمل من ظروفنا
    و لسه جايات المني...
    في أخريات أيامه وتحديداً في رمضان 1989م قدّم العميري عصارة تجاربه عبر الإذاعة السودانية من خلال برنامج بعنوان " كلام في كلام" وهو مختارات شعرية لكبار شعراء العامية في السودان، ختمها بالحلقة الأخيرة من أشعاره، وبعدها سكت الصوت، والوتر، وأسلم الروح لباريها بمستشفى أم درمان.. رحمة الله عليه، فقد كان وردة فواحة من حدائق الأبيض الغناءة ومن مبدعي السودان الذين يندر ان يتكرروا في القريب.
    مع تحياتي.. وتتواصل ذكرياتنا.. "طاهر محمد علي"


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de