ما هي خِياراتُ السُودان بعدَ أنْ أصبحَ سدُّ النهضةِ الإثيوبي حقيقةً واقعة؟ د. سلمان محمد أحمد سلمان

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 09:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د. سلمان محمد أحمد سلمان
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-22-2013, 09:42 PM

سلمان محمد أحمد سلمان


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما هي خِياراتُ السُودان بعدَ أنْ أصبحَ سدُّ النهضةِ الإثيوبي حقيقةً واقعة؟ د. سلمان محمد أحمد سلمان

    ما هي خِياراتُ السُودان بعدَ أنْ أصبحَ سدُّ النهضةِ الإثيوبي حقيقةً واقعة؟
    د. سلمان محمد أحمد سلمان
    1
    لن يختلفَ أثنان أن يوم 28 مايو عام 2013 قد سجّل نفسه كيومٍ مشهودٍ في تاريخ نهر النيل. فقد قامت إثيوبيا في ذلك اليوم بتحويل مجرى النيل الأزرق معلنةً بذلك البدء الرسمي والعملي لبناء سدِّ النهضة العظيم. كان ذلك التاريخ وتلك الخطوة حدثاً جللاً غيرَ مسبوقٍ في تاريخ نهر النيل الذي يمتدُّ لعشرات الآلاف من السنين. فقد تجاهلتْ إثيوبيا الاحتجاجات والتهديدات بضرب السدّ وإعلان الحرب عليها، وأوضحتْ بصورةٍ لا غموض فيها أنها ستأخذ ما تراه حقاً لها في مياه النيل بنفس الطريقة الآحادية التي حاولت بها مصر والسودان فرض هيمنتهما على نهر النيل من خلال اتفاقية عام 1959 الثنائية. كذلك أرسلت إثيوبيا رسالةً واضحة مفادها أن عصر تلك الهيمنة قد انتهى أجله، وإلى غير رجعة.
    وقد كانت هذه الخطوة أيضاً تأكيداً جازماً ونهائياً من إثيوبيا أن اتفاقية عام 1902 بين اثيوبيا وبريطانيا (والتي تفسّرها مصر والسودان على أنها تعطيهما حق النقض على برامج إثيوبيا في حوض النيل) قد تجاوزها الزمان والمشاريع. وكانت إثيوبيا قد رفضت هذه الاتفاقية وتجاهلتها مراراً وتكراراً خلال العقود الماضية ببنائها مشاريعها على النيل دون التشاور مع مصر والسودان (وفي بعض الأحيان دون علمهما). وقد أصبح من الضروري على قانونيي حكومتي السودان ومصر الذين ما يزالون يعيشون في وهم إلزامية هذه الاتفاقية الاستيقاظ من سباتهم العميق، والانعتاق من حالة النكران لنهاية تلك الاتفاقية.
    من الواضح أن سدَّ النهضة قد أصبح حقيقةً واقعةً تُمثّل الكبرياء الوطني الإثيوبي (كما أقرَّ بذلك الكاتبان المصريان الأستاذان محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي)، تماماً كما مثّل السدُّ العالي الكبرياء الوطني المصري في ستينيات القرن الماضي. فقد تمَّ تحويل النيل الأزرق في نهاية شهر مايو عام 2013، وأعلنت إثيوبيا في بداية شهر أكتوبر عام 2013 أن 30% من أعمال بناء سدّ النهضة قد اكتملت، وأكّدت ذلك شركة ساليني الإيطالية التي تقوم ببناء السدّ. كما أن إثيوبيا قد استطاعت حتى الآن توفير تكلفة ما تمَّ بناؤه من السدّ من مواردها الوطنية، دون الاعتماد على أي مصدرٍ خارجيٍّ.
    وإذا كان جلُّ الشعب المصري وبعض الشعوب (والأحزاب السياسية) العربية قد رأت في السدّ العالي في ستينيات القرن الماضي انتصاراً كبيراً ضد الاستعمار والإمبريالية وهيمنة الغرب، فإن غالبية الشعب الإثيوبي يرى في سدِّ النهضة، مثلما يوحي إسمه، ومثلما ذكر رئيس الوزراء السابق السيد ميليس زيناوي مراراً، ثورةً على إقصاء مصر والسودان لإثيوبيا، وبدايةً لاستخدام مياه النيل للنهضة ببلادهم من فقرها وجوعها وظلامها وبؤسها. ومن هنا أتى إسم "سدّ النهضة."
    عليه فإن الحديث يجب أن ينتقل الآن بعد هذه المرحلة، وفي هدوءٍ وعقلانية، إلى خيارات السودان، وما يتعيّن على السودان القيام به بعد أن أصبح سدُّ النهضةِ حقيقةً واقعة. نوجز في هذا المقال ما نرى أنه يجب على السودان عمله بعد أن انتهى وانقضى وقت الجدل حول مسألة قيام أو عدم قيام السدّ، وأصبح النقاش فيها بلا جدوى.
    2
    أولاً: تأييد قيام السدّ بوضوح
    لا بُدَّ في البداية من إنهاء حالة الارتباك السودانية التي سادت وتسود التعامل مع سدّ النهضة، وإصدار السودان لإعلانٍ يشير فيه بوضوح إلى تأييده لقيام السدّ، وتأكيد الفوائد التي سيجنيها منه. وقد أشرنا مراراً وتكراراً لتلك الفوائد التي تتضمّن بإيجازٍ الآتي:
    (1) حَجزُ سدِّ النهضة للطمي الذي أفقد ثلاثةً من سدود السودان (سنار والروصيرص وخشم القربة) أكثر من نصف طاقتها التخزينية للمياه والتوليدية للكهرباء، وأدّى إلى انهيار البنية التحتية للري في مشروع الجزيرة. وتَحْمِلُ أنهارُ إثيوبيا سنوياً بين 120 إلى 150 مليون طن من الطمي المُقْتلَع من التربة الإثيوبية بسبب الاندفاع الشديد لهذه الأنهار. ويصرف السودان سنوياً حوالى 20 مليون دولار في حربه الخاسرة ضد الطمي.
    (2) وَقْفُ الفيضانات المدمّرة التي تجتاح مناطق النيل الأزرق كل عددٍ من السنوات.
    (3) تنظيم انسياب النيل الأزرق خلال العام بدلاً من موسميته الحالية (يونيو إلى سبتمبر) مما سينتج عنه تعدّد الدورات الزراعية، وتنظيم وزيادة الإنتاج الكهربائي من سدِّ مروي، وتنظيم تغذية المياه الجوفية في منطقة النيل الأزرق خلال كل العام بدلاً من موسميتها الحاليّة.
    كما لا بُدَّ من وقف التصريحات المتضاربة والمرتبكة (أو توزيع الأدوار كما يراها البعض) حول موقف السودان من سدّ النهضة. فتصريحات سفير السودان في القاهرة اعترضت على بناء السدَّ وتحويل مجرى النيل الأزرق. ويعارضُ السدَّ أيضاً بعضُ الذين فقدوا وظائفهم أو تعاقداتهم مع وزارة الموارد المائية في العامين الماضيين. من الجهة الأخرى فإن تصريحات وزارة الخارجية السودانية تؤيّد قيام السدّ، مع تصريحاتٍ رماديةٍ لبعض مسؤوليي وزارة الموارد المائية والكهرباء حول السدّ. ومن الضروري إنهاء هذا الارتباك وتأييد قيام السد صراحةً وتحديد شخصٍ واحد يتولّى مهامَ التحدّثِ باسم السودان في كلِّ القضايا المتعلّقة بسدِّ النهضة.
    ومع الإعلان السوداني الإيجابي لتأييد السدّ يستطيع السودان أن يبدأ نقاشاً جاداً ومفاوضاتٍ بنّاءة مع إثيوبيا حول عدّة مواضيع تتعلّق بسدِّ النهضة، نُوجِزَ بعضها في الفقرات التالية من هذا المقال.
    3
    ثانيا: ارتفاع سدِّ النهضة وحجم البحيرة
    أوضحتْ إثيوبيا في نهاية شهر مارس عام 2011 عندما أعلنتْ أنها بصدد بناء سدِّ النهضة أن ارتفاع السدّ سوف يكون 150 متراً، وأن بحيرة السدّ سوف تحجز 62 مليار متر مكعب من المياه. غير أن تقارير لاحقة أشارت إلى أن ارتفاع السدّ سوف يكون 170 متراً، وأن البحيرة سوف تخزّن 74 مليار متر مكعب من المياه. وهذه الكمية تساوي تقريباً ضِعف كمية مياه بحيرة تانا (التي تساوي 32 مليار متر مكعب)، وأقل بقليلٍ من نصف مياه بحيرة السدّ العالي (التي تبلغ سعتها 162 مليار متر مكعب). ويمثّلُ حوالى 14 مليار متر مكعب من هذه الكمية التخزين الميّت، بينما يُكوّن ما تبقّى التخزينَ الحيَّ الذي يقوم بتوليد الكهرباء والتي يُتوقّع أن يصل إنتاجها إلى 6,000 ميقاواط عند اكتمال المرحلة الأخيرة من سدِّ النهضة.
    يبدو من التغيير في الأرقام أن هناك مساحةً للتفاوض حول ارتفاع السدّ وحجم تخزين البحيرة بغرض تقليل الآثار السلبية المحتملة على السودان كما سنناقش في الفقرة التالية.
    4
    ثالثا: الفترة الزمنيّة لملء بحيرة السدّ
    لقد أوضحنا مراراً وتكراراً أن الهمَّ الأساسي للسودان ومصر في ما يتعلق بسدّ النهضة يجب أن يكون هو الفترة الزمنية التي ستملأ إثيوبيا فيها بحيرة سدّ النهضة. فكلّما طالتْ تلك الفترة كلّما قلّتْ التأثيرات السلبية المتمثّلة في نقص كميات مياه النيل التي ستصل السودان ومصر. من الجانب الآخر فكلّما قصرتْ فترة ملء البحيرة كلّما كانت التأثيرات السلبية كبيرةً على مصر والسودان.
    ويجب أن ترتكز مسألة ملء البحيرة على كميات المياه التي سوف يحملها النيل الأزرق سنوياً في كلٍ من الأعوام القادمة، وتنبني على معادلةٍ تتضمّن نسبة تصاعدية مع الزيادة في مياه النيل الأزرق في أيٍ من الأعوام القادمة.
    ورغم أن المعلومات العامة التي تتداولها تقارير وكتب ومقالات نهر النيل تشير إلى أن النيل الأزرق يحمل سنوياً حوالى 50 مليار متر مكعب، إلّا أن كميات مياه النيل الأزرق العابرة للحدود الإثيوبية إلى السودان قد زادتْ كثيرأ في السنوات الأخيرة، ووصلت في عام 2008 إلى حوالى 70 مليار متر مكعب. وإذا واصل النيل الأزرق انسيابه على هذا المنوال ووافقت إثيوبيا على فترةٍ معقولة لملء البحيرة فإن معادلة النسبة التصاعدية ستقلّل كثيراً من الأضرار التي يمكن أن تنتج على السودان ومصر.
    الجدير بالذكر أن هذه الزيادات غير المتوقّعة في متوسط انسياب نهر النيل منذ الستينات كانت قد ساهمت كثيراً في ملء بحيرة السدّ العالي (162 مليار متر مكعب) في فترةٍ وجيزة ودون أي تأثيراتٍ سلبية على المساحات المرويّة في مصر.
    كما لا بُدَّ من التذكير أن السودان يستخدم فقط 12 مليار متر مكعب من نصيبه من مياه النيل بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959 التي حدّدت نصيبه بـ 18,5 مليار. وهذا يعني أنه إذا ظلّت استعمالات السودان على هذا المنوال للسنوات القادمة فإن تأثيرات ملء البحيرة لن تكون سلبيةً، أو حتى ملحوظةً، في السودان.
    5
    رابعاً: موضوع سلامة السدّ
    يثير بعض الفنيين والكتّاب والسياسيين المعارضين لسدّ النهضة مسألة انهيار السدّ، ويدّعون بأنَّ انهيار السدّ سوف يُغرِق السودان ويدمّر كل أرجائه من الحدود مع إثيوبيا وحتى حلفا القديمة (والتي أغرقها السدّ العالي مع 27 قرية أخرى، ومع 200,000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، ومليون شجرة نخيل وحوامض، ومع آثار تاريخية لا تُقدّر بثمن، ومعادن لا يدري أحدٌ قيمتها).
    صحيحٌ أنه لو انهار سدّ النهضة فستكون له آثارٌ كارثيةٌ على السودان. ولكن لو انهار السدّ العالي فستكون آثاره الكارثية أكبر على مصر. ولو انهار سدّ مروي فستغرق معظم المدن والقرى السودانية حتى حلفا القديمة. ولو انهار خزان الروصيرص فستغرق المدن والقرى على ضفافه من مدينة الدمازين وحتى الخرطوم. انهيار السدود ونتائجه الكارثية إذن ليس حكراً على سدّ النهضة.
    لكن يجب التذكير أن التقانة التي تبني بها الشركات العالمية (مثل ساليني) السدود اليوم متقدمةٌ عشرات المرات على التقانة التي بنى بها الاتحاد السوفيتي السدّ العالي قبل نصف قرنٍ من الزمان، وبنى بها الإيطاليون خزان الروصيرص في ستينيات القرن الماضي، وبنى بها الصينيون سدّ مروي في العقد الأول من هذا القرن. لماذا إذن سينهار سدّ النهضة ابن تقانة العصر الحالي ولن ينهار السدّ العالي أو خزان الروصيرص أو سدّ مروي أبناء تقانة القرن الماضي؟
    إن إثيوبيا (أو أي دولةٍ أخرى) لن تصرف حوالى خمسة مليار دولار من أموال شعبها على سدٍّ وتهمل موضوع سلامة ذلك السدّ. كما أنه لا توجد شركة في العالم تبني السدود ولا تهتم بأمر سلامة هذه السدود. فالشركات تهتمُّ بسمعتها أكثر من الدول لأن بقاءها وتنافسيتها في عالم اليوم يعتمد على جودة أدائها. فسجلُّ كل دولةٍ وشركةٍ (بل وحتى معظم الأفراد) كتابٌ مفتوحٌ في عالم اليوم الإسفيري. ولا بُدّ من إضافة أن الدول (ومنها إثيوبيا)، والشركات العالمية (ومنها ساليني)، تعي جيداً مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والمالية الضخمة إذا انهار السدّ.
    كما أن القول أن سدّ النهضة يقع في منطقة زلزالٍ (وعليه فهو معرّضٌ للانهيار) قولٌ مردودٌ أيضاً. فالعالم لم يسمع عن أي زلزالٍ في إثيوبيا إطلاقاً. ولو كانت المنطقةُ منطقةَ زلزال، أو كانت منطقةً رخوةً كما يدّعي البعض، لانهارَ أو تصدّع خزان الروصيرص، ابن الخمسين عام، والذي يقع في نفس المنطقة الجغرافية لسدّ النهضة، ولما كان هناك معنى لصرف مئات الملايين من الدولارات لتعلية خزان الروصيرص في نفس وقت بناء سدّ النهضة.
    يوجد في العالم اليوم أكثر من 45,000 سدٍّ كبير كما أشارت اللجنة الدولية للسدود في تقريرها الذائع الصيت الذي صدر عام 2000. إن العالم لم يسمع عن انهيار أيٍ من هذه السدود خلال القرن الماضي أو هذا القرن. فلماذا ستبدأ انهيارات السدود بسدِّ النهضة؟
    رغم هذا فإننا نرى أنه يجب ألّا تتراخى حكومة السودان في مسألة سلامة السدّ هذه. ونقترح أن تطالب حكومة السودان الحكومة الإثيوبية بتكوين لجنةٍ مشتركة دائمة بينهما مهمتها مسألة سلامة سدّ النهضة. ولا بُدَّ أن تشمل مرجعيّة اللجنة المشتركة دراسة تصميم السدّ ومتابعة إجراءات وخطط بنائه، والمساهمة في وضع ومراقبة تنفيذ الخطط التشغيلية والميكانيكية وخطط الطوارئ.
    6
    خامساً: وعود إثيوبيا بمدِّ السودان بكهرباء السدّ ومياهٍ للري
    وعدت إثيوبيا ببيع جزءٍ من كهرباء سدِّ النهضة (والتي يُتوقّع أن يصل إنتاجها إلى 6,000 ميقاواط) للسودان ومصر بسعر التكلفة. وهذا السعر هو حوالى ربع التكلفة لتوليد الكهرباء في خزان مروي والسدّ العالي. وكان السودان قد بدأ بالفعل في الاستفادة من الكهرباء التي تقوم إثيوبيا بتوليدها من الأنهار الأخرى، وتحديداً من سدّ تَكزِّي على نهر عطبرة، بعد توقيعه على اتفاقية مع إثيوبيا لشراء الكهرباء منها لاستعمالها في المناطق السودانية المجاورة لإثيوبيا.
    كما وعدت إثيوبيا بمدِّ السودان بمياهٍ لري مشاريع السودان الزراعية في ولاية النيل الأزرق من بحيرة سدِّ النهضة عبر قناةٍ يمكن شقّها من البحيرة وحتى هذه المشاريع، إن رغب السودان في ذلك.
    هذان عرضان في غاية الكرم من إثيوبيا وعلى السودان العمل على توقيع مذكرة تفاهمٍ مع إثيوبيا على وجه السرعة وإجراء دراساته اللازمة في هاتين المسألتين، ثُمَّ تأكيد العرض في اتفاقٍ متكامل. ومن المؤكد أن هذين العرضين سوف يساعدان السودان في حلِّ مشاكل إمدادات الكهرباء في كل الولايات، وفي زيادة كميات المياه التي سيستخدمها من نصيبه من مياه النيل، وفي توسيع الإنتاج الزراعي في ولاية النيل الأزرق.
    7
    سادساً: عرض إثيوبيا للإدارة والتمويل والملكيّة المشتركة للسدّ
    عرضت إثيوبيا منذ لحظة إعلانها نيّتها بناء سدّ النهضة أن يكون السدُّ مشروعاً مشتركاً في الإدارة والتمويل والملكية بين إثيوبيا والسودان ومصر، وأن تقوم البلدان الثلاثة بالمشاركة في المنافع من كهرباء ومياه ري ووقف الفيضانات. وقد ظلّت إثيوبيا تكرّر هذا العرض في كل مناسبة. وقد كان آخرها تصريح الدكتور تيدروس أدانوم وزير خارجية إثيوبيا إثر اجتماعه بوزير الخارجية المصري السيد نبيل فهمي في نيويورك في 28 سبتمبر عام 2013 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد كرّر الوزير الإثيوبي ذات العرض مذكّراً رصيفه المصري بالفوائد الكثيرة التي ستعود على البلدان الثلاثة بهذا النوع من التعاون.
    غير أن السودان ومصر واصلا تجاهلهما لهذا المقترح مثلما تجاهلا طلبات إثيوبيا المتكرّرة في نهاية خمسينيات القرن الماضي بالسماح لها في المشاركة في مفاوضات مياه النيل. وقد نتجت عن تلك المفاوضات اتفاقيةٌ كارثية ليس فقط على السودان، بل على مجمل العلاقات مع كل دول حوض النيل الأخرى. ورغم مرور أكثر من عامين ونصف فإنه لم يقم أيٌ من السودان ومصر حتى الآن بالردِّ أو حتى التعليق على هذا العرض الإثيوبي علانيّةً.
    إننا نعتقد أن هذا عرضٌ سخيٌ وغيرُ مسبوقٍ في تاريخ نهر النيل الذي تميّز خلال تاريخه الطويل بالمشاريع الآحادية، ويجب على السودان ومصر قبوله على وجه السرعة والشروع في التفاوض مع إثيوبيا حول تفاصيله. فالأحواض المشتركة لا يمكن تنميتها وإدارتها والمحافظة عليها والمشاركة في منافعها بدون التعاون والعمل الجماعي. وقد فطنتْ دولٌ كثيرة إلى المزايا الإيجابية والمنافع الكبيرة المشتركة للتعاون في الأحواض المائية المشتركة. فقد بنتْ دولتا البرازيل وبراغواي "سدّ إيتايبو" الضخم على "نهر بارانا"، وتشاركتا التكلفة والإدارة والمنافع. وينتج السدّ أكثر من 22,000 ميقاواط من الكهرباء تتشاركها الدولتان وتبيعان جزءاً منها لدولة الارجنتين. بل لماذا الذهاب بعيداً؟ فقد قامتْ دول السنغال وموريتانيا ومالي (وانضمت إليهم دولة غينيا) ببناء "سدّ مانانتالي" و "سدّ ماكا دياما" على نهر السنغال، وتشاركت الإدارة والتكلفة والملكية والمنافع المُتمثّلة في الكهرباء ومياه الري ومياه الشرب ووقف الفيضانات المُدمِّرة. وهناك العشرات من المشاريع المشابهة التي يضيق المجال عن ذكرها في هذا المقال.
    إن قبول السودان للعرض الإثيوبي سوف يساهم في معالجة النقاط التي أثرناها في هذا المقال. فسيجد السودان نفسه في موقع المشاركة في اتخاذ القرار في كل المسائل المتعلّقة بسدّ النهضة بدءاً بارتفاعه وحجم بحيرته ومدة ملئها. كما سيكون السودان طرفاً فاعلاً في مسألة سلامة السدّ وتأمينها والإشراف عليها. هذا بالطبع بالإضافة إلى الإشراف على إدارة وتنظيم المنافع المشتركة من كهرباء ومياه ريٍ لولاية النيل الأزرق، ووقفٍ للفيضانات.
    كما أن مشاركة السودان ومصر في إدارة وملكية سدِّ النهضة سوف تفتح الباب واسعاً للتمويل الدولي، خصوصاً من البنك الدولي والصناديق العالمية والإقليمية الأخرى. وسوف يتيح التمويل العالمي الفرص لدراساتٍ أكثر عمقاً وفنيةً في مسائل السدّ المختلفة (والتي يفتقدها السدّ في الوقت الحاضر)، مما سيساهم في حلولٍ أكثر علميّة واستمراريّة.
    8
    إن التعاون هو الركيزة الأساسية والوحيدة للاستفادة القُصوى من مياه الأحواض المشتركة وتنميتها وإدارتها والمحافظة عليها. وتُكرّر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية كلمة "تعاون" ومشتقاتها أكثر من عشرين مرة.
    غير أن نهر النيل هو النهر الوحيد الذي يفتقر إلى أبسط مظاهر التعاون. وقد كان السبب لذلك، وما يزال، هو العقلية الاستعلائية والإقصائية التي تميّز بها موقف السودان ومصر تجاه دول حوض النيل الأخرى منذ أن وقّعتْ الدولتان على اتفاقية مياه النيل عام 1959 وخلقتا تكتّلاً ضد بقية دول الحوض. وكما ذكرنا من قبل فقد خرج سدّ النهضة من رحم اتفاقية عنتبي، وخرجت الأخيرة من ظلم وغبن اتفاقية مياه النيل لعام 1959 على بقيّة دول حوض النيل.
    9
    إن حوض النيل رغم محدوديّة مياهه يمتلك الكثير من الإمكانيات المتاحة التي يمكن استغلالها بصورةٍ جماعية لمصلحة شعوب الحوض الفقيرة والمنهكة والجوعى والعطشى والتي يعيش غالبيتها في ظلامٍ دامس. فهناك إمكانيات توليد الطاقة الكهربائية والتي تزيد عن 30,000 ميقاواط من النيل وروافده في إثيوبيا وحدها. ويملك السودان ودولة جنوب السودان الأراضي الشاسعة والخصبة التي يمكن أن ترويها مياه النيل لإنتاج غذاءٍ سيزيد عن احتياجات دول حوض النيل والدول العربية مجتمعةً. كما أن ثروة بحيرة فكتوريا السمكية الضخمة يمكن أن تُطوّر وتُنمّى وتُستغل لإطعام شعوب دول الحوض. وهناك إمكانيات مصر الصناعية الكبيرة التي يمكن توسيعها في جوانب الصناعات الغذائية لمنتجات دول النيل من الحوض نفسه. كما أن مستنقعات جنوب السودان الشاسعة تمثل خزاناً احتياطياً لزيادة مياه النيل (بعد اتباع المتطلّبات الأساسية لذلك).
    لكنّ هذه الفرص المتاحة لا يمكن تحقيق أيٍ منها بدون التعاون الجاد الذي يستند على حسن النية والاعتراف بالآخر وحقوقه وتظلماته.
    10
    وهاهي فرصةٌ نادرةٌ تعرضُ نفسها لفتح صفحةٍ جديدةٍ مبنيّةٍ على الاعتراف بحقوق دول حوض النيل الأخرى والتعاون معها من أجل المصلحة المشتركة لكل دول الحوض وشعوبه الفقيرة الجائعة والمنهكة. فهل سيقفز السودان ومصر لالتقاط هذه الفرصة والاستفادة منها، سواءٌ كان في الإدارة والتمويل والملكية المشتركة لسدّ النهضة (وهو ما ننصح به بشدّة)، أو في تفاوض السودان واتفاقه مع إثيوبيا على تلك المنافع المشتركة؟ أم أـن السودان ومصر سيتركان هذه الفرصة الثمينة تمرُّ وتتجاوزهما (كما فعلا في الماضي)، لتزدادَ وتتعمّقَ النزاعات حول مياه النيل؟
    إن ضياع هذه الفرصة سوف يساهم في مواصلة إصرار دول النيل الأخرى على أخذ حقوقها بطريقةٍ آحادية، كما يحدث الآن في سدّ النهضة في إثيوبيا، وسدّ كارُوما في يوغندا، ومشروع شين يانغا لمياه الشرب في تنزانيا. وسوف يساهم ضياع هذه الفرصة أيضاً في مواصلة هذا المنوال وهذه البرامج والمشاريع الآحادية في دول حوض النيل الأخرى.
    إنَّ الإجابة على هذا التساؤل الهام والكبير بيد السودان ومصر وحديهما.
    [email protected]
    www.salmanmasalman.org
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de