سدُّ النهضة ومياهُ النيل ونهر الكونغو والعولمة: تعقيب على الأستاذ حلمي شعراوي د. سلمان محمد أحمد سل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-16-2024, 07:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د. سلمان محمد أحمد سلمان
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-17-2014, 10:41 PM

سلمان محمد أحمد سلمان
<aسلمان محمد أحمد سلمان
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 95

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سدُّ النهضة ومياهُ النيل ونهر الكونغو والعولمة: تعقيب على الأستاذ حلمي شعراوي د. سلمان محمد أحمد سل

    سدُّ النهضة ومياهُ النيل ونهر الكونغو والعولمة: تعقيب على الأستاذ حلمي شعراوي
    د. سلمان محمد أحمد سلمان
    1
    نشر الأستاذ حلمي شعراوي مقالاً في صحيفة سودانايل يوم الجمعة 14 فبراير عام 2014 بعنوان "عولمة المشروعات المائية تحاصر أزمة مياه النيل." وقد أثار الأستاذ شعراوي مجموعةً من المسائل منها أن قضية مياه النيل لم تعد شأناً ثنائياً، ولا حتى إقليمياً فحسب، بل انطلقت من هذا الإطار إلى أجندة المياه على المستوى القاري والعالمي. وأشار إلى مؤتمر لاهاي عام 2000 الذي أقرّ - حسب قوله - إقامة الخزانات والمشروعات العملاقة على الأنهار، كما أقرّ مبدأ تسعير المياه، ودور الشركات الخاصة فى مشروعات تسويق المياه. ثم تطرّق الكاتب إلى نهر الكونغو واللغط السائد من قبل بعض الفنيين المصريين حول مشروع مقترح لربط نهر الكونغو بنهر النيل بقنوات تشق الجبال والمستنقعات. وتحدث عن مشروع إينقا الضخم لتوليد الطاقة الكهربائية من نهر الكونغو، ودور رأس المال الأجنبي خصوصاً من دولة جنوب أفريقيا. وخلص الكاتب من ذلك إلى أن سدَّ النهضة بحجم بحيرته (74 مليار متر مكعب) والطاقةالتي سيولدها (خمسة ألف ميقاواط) هو أكبر من أن يكون سداً إثيوبياً محلياً، وأشار إلى "ضرورة فهم شبكة المصالح، وتوفر القدرة على النفاذ داخل هذه الشبكة لتحولها مصر والسودان واثيوبيا معا – ان امكن- إلى مشروع تنموي كبير ومشترك."
    وتساءل الأستاذ شعراوي عن مبادرة حوض النيل "المأسوف عليها" والتي لم يفهم "لماذا يختفي دورها الآن"؟ وذكر الأستاذ شعراوي أنه "من الضروري التفاوض أولاً حول الاتفاق الإطاري (اتفاقية عنتبي) لأننا فى هذا الصدد سوف نجد روح "إعتبار الآخر" قائمة طوال الوقت... فاتفاقية 1959 نفسها تتضمّن"اتفاق مصر والسودان أن يبحثا سويا مطالب البلاد الأخرى ، وأن يتفقا على رأى موحد بشأنها ..."... وهذا يرد على القول أن البلدين استبعدا الأطراف الأخرى."
    نكتفي بهذا القدر من الاقتباس من مقال الأستاذ حلمي شعراوي. ونورد في هذا المقال تعليقنا وردّنا على النقاط المتعلّقة بمؤتمر لاهاي لعام 2000 ومسألة تسعيرة المياه، ومقترح ربط نهر النيل بنهر الكونغو ، واتفاقية 1959 ومسالة استبعاد الأطراف الأخرى، ثم مبادرة حوض النيل ولماذا اختفى دورها، وسدّ النهضة ومسألة تحويله إلى مشروعٍ تنمويٍ مشترك. ونناقش بعد ذلك مسألة مياه النيل والعولمة، قبل أن نختتم المقال ببعض الأسئلة عن العلاقات المصرية السودانية النيلية ولماذا ظلّت وتظل سائرةً في طريقٍ لاتجاهٍ واحد؟
    2
    مؤتمر لاهاي لعام 2000
    كان ذلك المؤتمر في حقيقة الأمر هو المنتدى العالمي الثاني للمياه. والمنتدى العالمي هذا هو لقاءٌ لخبراء المياه والمهتمين بأمرها والعاملين عليها يتمُّ عقده كل ثلاث سنوات، ويشارك فيه ممثلو الدول بقيادة وزراء مياههم، والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية ومعاهد بحوث ودراسات المياه والقطاع الخاص. ويتداول المشاركون في المنتدى كل الجوانب الهندسية والسياسية والاقتصادية والقانونية والبيئية والإدارية للمياه. ويقوم وزراء المياه بإصدار بيانٍ في اليوم الختامي للمنتدى (يوم 22 مارس من ذلك العام) يُسمّى "الإعلان الوزاري" يتناول المسائل التي تمَّ التوافق عليها. لكن الكل يعرف أن هذا الإعلان لا يملك أي قيمة قانونية أو إلزامية لأنه ليس اتفاقيةً أو معاهدة، أو حتى قرار من الأمم المتحدة أو إحدى منظماتها. ثم يتفرق المشتركون ويبدأون التحضير للمنتدى القادم بعد ثلاث سنوات. إنه لقاءٌ لخلق وتقوية شبكات التواصل بين خبراء المياه والمعنيين بأمرها لا أكثر ولا أقل.
    وقد شاركتُ في كل المنتديات ضمن وفد البنك بوصفي مستشار البنك الدولي لقوانين المياه، وتحدثتُ أكثر من مرة في كل واحدٍ منها، بما في ذلك منتدى لاهاي لعام 2000.
    منتدى لاهاي، مثله مثل بقية المنتديات، لم يكن بإمكانه أن يصدر أي قراراتٍ ملزمةٍ لأي دولة أو منظمة. فقد كان لقاءاً تداولياً تناول فيما تم التداول فيه من مواضيع مسألة الحق الإنساني للمياه، كما تناول مسألة أن المياه سلعة اقتصادية واجتماعية معاً، وعلى الدول أن تضع لها تسعيرة يدفعها المستخدم حتى تستطيع الدولة ترشيد الاستهلاك من خلال هذه التعريفة. لم يناقش ذلك المنتدى تسعيرة المياه بين الدول والأنهار المشتركة، ولم تصدر الأمم المتحدة أو البنك الدولي أي توصياتٍ في هذا الصدد. بل لا بد من إضافة أن تركيز المشاركين في منتدى لاهاي انصبّ على اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية التي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أجازتها في مايو عام 1997 (بعد حوالى الشهرين من انعقاد المنتدى العالمي الأول للمياه في مراكش في مارس عام 1997). وتنبني هذه الاتفاقية على الانتفاع المنصف والمعقول.
    ويمكن مراجعة الإعلان الوزاري لمنتدى لاهاي، ولبقية المنتديات، على موقع المجلس العالمي للمياه الذي يقوم بتنظيم هذا المنتدى كل ثلاث سنوات.
    3
    مقترح ربط نهر النيل بنهر الكونغو
    أشار الأستاذ شعراوي إلى اللغط الدائر حول مقترح ربط نهر النيل بنهر الكونغو بغرض زيادة مياه النيل وحلِّ مشكلة شح المياه فيه والنزاعات حوله. وكانت بعض القنوات الفضائية والصحف قد أجرت خلال الأسبوع الماضي حواراتٍ متعدّدة مع بعض "الخبراء" الذين أكدوا لنا أن المشروع سوف يكتمل في عامين على الأكثر (مما يعني أن التمويل للمشروع قد تمَّ التوافق عليه)، وسوف يزيد الربط مياه نهر النيل بأكثر من مائة مليار متر مكعب من مياه نهر الكونغو.
    كنت قد نشرتُ مقالاً قبل أكثر من عام (وهو موجود على موقعي الالكتروني) بعنوان "مقترح زيادة مياه النيل من نهر الكونغو بين الحقيقة والخيال." وكنتُ قد جادلتُ في ذلك المقال أن هذا المشروع خياليٌ وبعيدٌ كل البعد عن الواقع. وقد ذكرتُ عدّة أسباب لذلك أوجزها الآن في الآتي:
    أولاً: تتشارك نهر الكونغو تسع دول هي انقولا، وبوروندي، والكميرون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية الكونغو، ورواندا، وتنزانيا وزامبيا. لم تسمع أيٌ من هذه الدول (كما أوضح لي أحد المستشارين القانونيين للمياه بإحدى هذه الدول) بهذا المشروع، دعك من دراسته والموافقة عليه. وقد اتضح عدم علم هذه الدول بالمشروع بغياب إثارة المشروع، أو التعلق عليه، من أيٍ من هذه الدول.
    ثانياً: حتى لو افترضنا علم هذه الدول بالمشروع، ما هي الفوائد التي ستعود على هذه الدول بمنحها مصر والسودان مائة مليار متر مكعب من مياه نهرها سنوياً؟ إن العلاقات الدولية تقوم على الفوائد والمصالح المشتركة. ولا يبدو أن هناك فائدة أو مصلحة في "تبرعٍ دائمٍ" بمائة مليار متر مكعب من المياه تتجدّد كل عام من هذه الدول لمصر والسودان.
    ثالثاً: تجعل مرتفعاتُ أواسط افريقيا وكميةُ مياه نهر الكونغو الضخمة (الثاني في العالم بعد نهر الأمزون) وعمقُ النهر اندفاعَ نهر الكونغو قوياُ وحاداً. ولهذه الأسباب فإن الطاقة الكهرومائية المتاحة من النهر ضخمةٌ جداً. ويقدّر بعض الخبراء هذه الطاقة بأكثر من 13% من الطاقة الكهرومائية في العالم، والأكبر في أفريقيا كلها. وهذه الطاقة كفيلةٌ بمقابلة كل احتياجات افريقيا جنوب الصحراء. وتوجد في الوقت الحالي 40 مشروع توليد طاقة كهرومائية من نهر الكونغو. أكبر هذه المشاريع هو مشروع "إينقا" الذي يقع على بعد 200 كيلومتر جنوب غرب كينشاسا. وقد اكتمل الجزء الأول من المشروع في عام 1970 وبدأ العمل في السنوات الثلاثة الماضية في المرحلة الثانية منه. ويُتوقّع أن يولّد المشروع عند اكتمال المرحلة الخامسة منه أكثر من 30,000 ميقاواط من الطاقة الكهرومائية. وقد تعاقدت دولة جنوب افريقيا لشراء جزءٍ كبيرٍ من هذه الطاقة. لماذا إذن ستتنازل دول حوض الكونغو بأي قدرٍ من مياه النهر إذا كانت ستحوّل ذلك القدر من المياه إلى طاقة كهربائية تدر عليها ملايين الدولارات سنوياً؟
    رابعاً: . أربع من دول نهر الكونغو التسعة - تنزانيا وبوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية - هي دولٌ نيليةٌ أيضاً. وفي هذه الدول الأربعة يتداخل نهرا النيل والكونغو. ثلاثٌ من هذه الدول وقّعت على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (اتفاقية عنتبي) التي ترفضها مصر والسودان بشدة. وقد اعترضت مصر والسودان واحتجتا بشدة على مشروع "شين يانقا" لمياه الشرب في تنزانيا الذي يأخذ المياه من بحيرة فكتوريا بحجة أنه سيقلّل كمية المياه الواصلة إليهما من النيل الأبيض، علماً بأن تأثيره على مصر والسودان لا يتعدى الخمسين مليون متر مكعب. تمّ هذا الاحتجاج والرفض من مصر والسودان لمشروع تنزانيا في الوقت الذي تتبخّر حوالى 17 مليار متر مكعب من مياه النيل من سدود مصر والسودان، منها ملياران ونصف من خزان جبل أولياء الذي انتفت الأسباب لوجوده.
    هل يتوقع خبراء مشروع الربط هذا موافقة دول حوض الكونغو النيلية على ذلك المشروع رغم مواقف مصر والسودان السلبية من مشاريع تلك الدول في حوض النيل؟
    خامساً: إن مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو يتطلّب موافقة دولة جنوب السودان التي ستتمُّ عملية الربط في أراضيها، وعبر أحد روافد بحر الغزال هناك، مثل روافد بونغو، وكوري، وواو، أو توري، في منطقة المياه الفاصلة بين نهر الكونغو ونهر النيل. كما سيحتاج المشروع بعد أن يتم الربط بين النهرين إلى عدّة قنوات شبيهة بقناة جونقلي لنقل هذه المياه قبل انتشارها في مستنقعات جنوب السودان الضخمة.
    من المؤكد أنه ستكون هناك تأثيراتٌ بيئيةٌ واجتماعيةٌ سلبيةٌ كبيرة على جنوب السودان وعلى المجموعات القبليّة التي تعيش وتتحرك بمواشيها في منطقة الربط المقترح لنهر النيل بنهر الكونغو ِوفي منطقة القنوات، إن قُدّر لهذا المشروع الخيالي أن يرى النور. وسوف ينتج عن ذلك الربط والقنوات عازلٌ طبيعيٌ ضخمٌ أمام حركة المجموعات المحلية ومواشيها بحثاً عن الكلأ والماء في تلك المنطقة.
    حدث نفس الشيء من قبل عند حفر قناة جونقلي في نهاية سبعينيات القرن الماضي. فقد أدّت تأثيرات القناة السلبية إلى معارضة كبيرة لقناة جونقلي في جنوب السودان نتج عنها ضرب الحركة الشعبية لتحرير السودان للجزء الذي اكتمل من القناة وإيقاف العمل فيها نهائياً في شهر فبراير عام 1984.
    ومن الضروري إثارة السؤال إن كان جنوب السودان سيوافق على قيام مشروع ربط النهرين وبناء القنوات في أراضيه، وعن المقابل الذي سيطلبه، وعن آراء ومواقف المجموعات المتأثّرة وحُماة البيئة. هذا بالطبع إذا اقتنعنا أن الوضع الأمني في دولة جنوب السودان سوف يسمح ببناء المشروع والقنوات.
    ألم نقل في بداية المقال إنه مشروعٌ خياليٌ؟
    4
    اتفاقية مياه النيل لعام 1959
    جادل الأستاذ شعراوي أن اتفاقية مياه النيل لعام 1959 لم تستبعد الأطراف الأخرى، واستشهد بالفقرة التي تشير إلى "اتفاق مصر والسودان أن يبحثا سويا مطالب البلاد الأخرى ، وأن يتفقا على رأى موحد بشأنها ..."
    استبعدت اتفاقية مياه النيل لعام 1959 دول النيل الأخرى وأقصتها إقصاءاً تاماً من خلال الآتي:
    أولاً: قرّرت الاتفاقية نفسها أن مجمل مياه النيل مقاسةً عند أسوان هي 84 مليار متر مكعب. خصمت منها عشرة مليار تتبخّر في بحيرة السد العالي، ووزّعت ما تبقّى وهو 74 مليار بين مصر التي نالت 55,5 مليار، والسودان الذي نال 18,5 مليار. عليه فلم تتبق قطرةٌ واحدةٌ من مياه النيل لبقية دول حوض النيل. وفي حقيقة الأمر فإن الاتفاقية نفسها عنوانها "اتفاق ... للانتفاع الكامل بمياه نهر النيل." (لاحظ كلمة "الكامل" هذه.)
    ثانياً: بعد أن قامت الاتفاقية بتخصيص كل مياه النيل لمصر والسودان، قرّرت الاتفاقية أن على أي دولة من دول النيل الأخرى ترغب في استعمال أي قدرٍ من مياه النيل التقدم بمطلبها لمصر والسودان. ويقوم البلدان ببحث هذا الطلب ويقرران قبوله أو رفضه. وإذا تم قبوله تحدد الدولتان الكمية التي سيتم منحها لتلك الدولة، وتقوم الهيئة الفنية المشتركة بين مصر والسودان بمراقبة عدم تجاوز تلك الدولة لتلك الكمية التي قرّرتها مصر والسودان. هذا نصٌ في غاية الاستعلاء والإقصاء. إنه يقرّر أن نصيب دول حوض النيل الأخرى من مياه النيل هو منحةٌ من مصر والسودان، وليس حقاً لها بمقتضى القانون الدولي وقواعد العدالة والإنصاف.
    لقد تجاهلت الدول الأخرى هذا النص وأقامت مشاريعها دون إخطار مصر والسودان، وفي حالاتٍ كثيرة دون علمهما. لقد خلق هذا النص غبناً كبيراً وسط دول حوض النيل الأخرى، وأضرَّ كثيراً بمصداقية مصر والسودان.
    ثالثاً: تتحدّث الاتفاقية عن تمكين الهيئة الفنية المشتركة "من ممارسة اختصاصها ... ولاستمرار رصد مناسيب النيل وتصرفاته في كامل أحباسه العليا ..." هذه الأحباس العليا هي دول المنبع. كيف يمكن لأي دولٍ أن تعطي نفسها حق دخول أراضي دولٍ أخرى للقيام بأي عملٍ هناك؟ أليست لتلك الدول سيادة على أراضيها وحدودها ومواردها الطبيعية؟ مرة أخرى إن مثل هذا النص مُضِرٌّ بمصر والسودان ولا يخدم أي غرض لاستحالة تنفيذه على أرض الواقع. لماذا إذن تستعدي مصر والسودان دول النيل الأخرى بنصوصٍ لا يمكن تطبيقها إطلاقاً؟
    لا أعتقد أنه بعد قراءة هذه النصوص من اتفاقية مياه النيل لعام 1959 سيختلف شخصان في استبعاد اتفاقية مياه النيل للأطراف الأخرى، وإقصائها والاستعلاء عليها.
    5
    مبادرة حوض النيل واتفاقية عنتبي
    تساءل الأستاذ شعراوي عن مبادرة حوض النيل "المأسوف عليها" والتي لم يفهم "لماذا يختفي دورها الآن"؟ وذكر الأستاذ شعراوي أنه "من الضروري التفاوض أولاً حول الاتفاق الإطاري" (اتفاقية عنتبي).
    وُلِدتْ مبادرةُ حوضِ النيل رسمياً في شهر فبراير عام 1999، ونجحت في جمع دول الحوض العشرة وقتها تحت مظلة الانتفاع المنصف والمنافع. ولكن مع بداية التفاوض في اتفاقية عنتبي قررت مصر والسودان العودة والإصرار علىى الاستعمالات والحقوق المكتسبة بدلاً من الانتفاع المنصف. وقد ضعفت (إن لم نقل انهارت) المبادرة إثر انهيار المفاوضات حول اتفاقية عنتبي.
    وقد وقّعت على اتفاقية عنتبي في عام 2010 ستُّ دولٍ حتى الآن هي إثيوبيا وتنزانيا وكينيا ويوغندا وبوروندي ورواندا، وصادقت عليها إثيوبيا. وأيدتها دولة جنوب السودان رغم عدم مصادقتها عليها حتى الآن. وتحتاج الاتفاقية إلى مصادقة ست دول لتدخل حيز النفاذ، مما يجعل إمكانية دخولها حيز النفاذ دون مصر والسودان ممكنةً وواردةً.
    يُحمّلُ الكثيرُ من المراقبين مصر والسودان مسئولية الفشل في حل المسائل العالقة في اتفاقية عنتبي، وفي والتدهور في مبادرة حوض النيل. وقد فقد الوسطاء والمانحون الذين وقفوا مع المبادرة لأكثر من عشر سنوات حماسهم، وتقاعد عن العمل من البنك الدولي الفنيون الذين كان لهم قصب السبق في قيام وتطور المبادرة والتفاوض حول اتفاقية عنتبي.
    من المُتّفقِ عليه الآن أن قوة الدفع للمبادرة والتفاوض قد تناقصت إن لم نقل قد انتهت. وقد وضحت أيضاً العزلة التي تعيشها مصر والسودان بين دول حوض النيل بسبب رفضهما اتفاقية عنتبي.
    ومن الواضح أيضاً أن اتفاقية عنتبي المفتوحة لكل الأطراف هي البديل المنطقي لاتفاقية مياه النيل لعام 1959 الثنائية الإقصائية.
    6
    الملكية والإدارة المشتركة لسدِّ النهضة
    أشار الأستاذ شعراوي إلى ضرورة فهم شبكة المصالح التي ترتبط بسدِّ النهضة، "وتوفر القدرة على النفاذ داخل هذه الشبكة لتحولها مصر والسودان واثيوبيا معا – ان امكن- إلى مشروع تنموي كبير ومشترك."
    عرضت إثيوبيا منذ بداية العمل في سدِّ النهضة مقترح أن يكون السدُّ مشروعاً مشتركاً بين إثيوبيا ومصر والسودان في التمويل والإدارة. وقد كرّرت وأكّدت إثيوبيا ذلك العرض في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير مياهها في الخرطوم في 6 نوفمبر الماضي عندما سأله الصحفي السوداني الأستاذ علي ميرغني عن ذلك العرض. وقد تجاهلت مصر والسودان ذلك العرض.
    لقد أوضحنا في مقالات سابقة أن التمويل والإدارة المشتركة للسدّ سوف تضع مصر والسودان في موضع اتخاذ القرار في ارتفاع السدِّ، وكمية المياه التي سوف تحجزها البحيرة، ومدة ملئها، ومسألة سلامة السدِّ التي يتخوّف منها السودان. كما ستفتح الإدارة المشتركة للسدِّ الباب واسعاً للتمويل الخارجي من البنك الدولي والبنوك الإقليمية والمانحين الآخرين. وسوف ينتج عن الموافقة على هذا التمويل الخارجي الدراسات البيئية والهندسية ودراسات تأثيرات السدِّ على مصر والسودان. وسيلبّي قيام المانحين بهذه الدراسات مطلب مصر الرئيسي في أن تقوم أطرافٌ ثالثة بهذه الدراسات، وهو المطلب الذي ترفضه إثيوبيا.
    هذا بالطبع بالإضافة إلى المشاركة في الفوائد من الطاقة الكهربائية الرخيصة التي ستحصل عليها مصر والسودان، والفوائد الأخرى للسودان من وقفٍ للفيضانات والطمي وإمداد السودان بمياه الري من بحيرة السدّ. وقد اتضحت هذه الفوائد للسودان الذي أعلن على لسان السيد رئيس الجمهورية بنفسه تأييد السودان لقيام سدِّ النهضة في 4 ديسمبر الماضي.
    إن المطلوب من السيد شعراوي أن يقنع الفنيين والسياسين المصريين (وليس السودانيين والإثيوبيين) بمقترحه هذا قبل فوات الأوان، لأن التقدم في بناء السدِّ سيجعل ذلك العرض يتآكل في ذهن إثيوبيا مع كل يومٍ يمر.
    7
    مياه النيل والعولمة
    إن التنافس على حوض النيل بين الدول الكبرى لم يبدأ بمؤتمر لاهاي أو باتفاقية عنتبي أو سدِّ النهضة. لقد قام محمد علي باشا بغزو السودان عام 1820 من أجل الوصول إلى منابع النيل وتأمينها وضمّها لمصر. واحتلت بريطانيا ومصر السودان عام 1898 لنفس الأسباب. وقد صدرت الأوامر للقائد كتشنر بطرد الفرنسين من منطقة فشودة على النيل الأبيض بجنوب السودان، والبلجيك من منطقة الرجاف، قبل أن يقوم بتأمين احتلاله للسودان.
    وقد تواصلت الصراعات والتنافس على نهر النيل وبلغت ذروتها في مسألة تمويل السدِّ العالي في نهاية خمسينيات القرن الماضي. وقتها استطاع الاتحاد السوفيتي أن ينتصر على الغرب وينتزع تمويل وبناء السدِّ العالي، ويحصل على موقعٍ قويٍ في حوض النيل. وانتقلت الولايات المتحدة بثقلها إلى إثيوبيا وأعدّت الدراسات لسدود إثيوبيا (ومنها السدُّ الحدودي الذي أصبح سدَّ النهضة الآن)، والتي تمّ نفض الغبار عنها في السنوات الماضية. لكن انتصار السوفيت لم يدم طويلاٌ وقام الرئيس السادات بطردهم من مصر، ليحلّوا مكان أمريكا في إثيوبيا التي طردهم منها الرئيس منقستو هايلي ماريام.
    ترى هل سيعيد التاريخ نفسه بزيارة المشير السيسي لروسيا هذا الأسبوع، وترحيب روسيا بترشيحه لرئاسة الجمهورية المصرية بعد تدهور العلاقات المصرية الأمريكية، وصفقة الأسلحة بين مصر وروسيا والتي بلغت مليار دولار؟
    أليست كل هذه مؤشرات واضحة على عولمة مياه النيل بصورةٍ أكبر وأعمق من بقية الأنهار المشتركة الأخرى في العالم، ومنذ زمنٍ طويل؟
    8
    إنني آمل بهذا الرد على الأستاذ حلمي شعراوي أن نبدأ في مصر والسودان نقاشاً هادئاً وجاداً حول قضايا مياه النيل، وما تضمّنه هذا المقال. فكتابات معظم "الخبراء المصريين" حتى الآن كانت وما تزال تميل إلى الإثارة والهتافات، وتفتقر إلى العلمية والجدية. وتحشر هذه الكتابات إسرائيل حشراً في كل صغيرةٍ وكبيرة عن مياه النيل.
    وتفتقر الكتابات المصرية، وبدون استثناء، إلى الإشارة ولو بصورةٍ عابرة لما قدّمه السودان لمصر عبر المائة عامٍ الماضية في مجال مياه النيل. فقد شمل ما قدّمه السودان لمصر بناء خزان جبل أولياء على أراضيه، وعلى حساب مصالح شعبه الذين نُزعت أراضيهم لتغرق فب بحيرة الخزان، من أجل التوسع الزراعي في مصر. وشمل أيضاً التنازلات غير المسبوقة في التاريخ التي قدّمها السودان لمصر من إغراق لأراضيه وآثاره وشلالاته، وتهجيرٍ قسريٍ لخمسين ألفٍ من مواطنيه لكي تتمكّن مصر من بناء السد العالي. ولم ينلْ السودان أي فائدةٍ من أيٍ من السدين، ولو بضعة ميقاواط من كهرباء السد العالي.
    وقد قام السودان بالبدء في حفر قناة جونقلي التي تسبّبت في تأثيراتٍ سلبيةٍ كبيرة على قبائل المنطقة وعلى بيئتها، وصرف مئات الملايين من الدولارات من ميزانيته لمقابلة تكلفة حفر القناة. كان كل ذلك من أجل زيادة منسوب النيل الأبيض لصالح مصر كاملاً، لأن السودان كان وما يزال لا يستعمل غير 12 مليار متر مكعب من نصيبه البالغ 18,5 مليار متر مكعب من مياه النيل. لم يكن السودان يحتاج إطلاقاً لقناة جونقلي، لقد قام بها من أجل مصر.
    لماذا ياترى كل هذا الصمت المصري العميق عن تضحيات السودان النيلية الكبيرة والمتواصلة من أجل مصر؟

    [email protected]
    www.salmanmasalman.org.
                  

02-18-2014, 01:21 PM

نور الدين عثمان
<aنور الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 04-30-2010
مجموع المشاركات: 1390

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سدُّ النهضة ومياهُ النيل ونهر الكونغو والعولمة: تعقيب على الأستاذ حلمي شعراوي د. سلمان محمد أحم (Re: سلمان محمد أحمد سلمان)

    لماذا ياترى كل هذا الصمت المصري العميق عن تضحيات السودان النيلية الكبيرة والمتواصلة من أجل مصر؟

    ليتنا نعرف ... ولكن تقول انها الاستعلائية المصرية الفشوشية فى كل ما هو سودانى ....
                  

02-18-2014, 02:37 PM

Mohamed Redman
<aMohamed Redman
تاريخ التسجيل: 02-26-2013
مجموع المشاركات: 45

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سدُّ النهضة ومياهُ النيل ونهر الكونغو والعولمة: تعقيب على الأستاذ حلمي شعراوي د. سلمان محمد أحم (Re: نور الدين عثمان)

    UP
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de