|
حج الرئيس!! بقلم د. عمر القراي
|
mailto:[email protected]@gmail.com
حج .. الرئيس !!
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
صدق الله العظيم
بعد أن دق الرئيس، آخر مسمار في نعش وثبة الحوار التي إدعاها، وذلك بإعلان أنه لن يقبل بنقد أخطاء النظام، لأن هذه ليست حرية في نظره، وإنما هي فوضى !! ثم توعده معاقبة السيد الصادق المهدي، وكل الذين وقعوا مذكرة الجبهة الثورية، مما يعكس رفضه لأي بادرة تفاهم مع المعارضة، وضح لمن كانوا يظنون به خيراً، ويتقبلون الحوار الذي طرحه، إنه رجل لا عهد له ولا ذمة، إنه كان فقط يشتت جهود المعارضة، ويسعى لتقسيمها، ويكسب زمناً في حروبه في الهامش .. وبعد الفضيحة المدوية، للإجتماع السري، الذي كشفه الباحث الأمريكي النابه، أيرك ريفز، والذي أوضح فيه نوايا حكومة الأخوان المسلمين تجاه السلام، وغدرها المبيت على قتل الشعب، إذا ثار على ما سوف تبتدعه من ارتفاع الأسعار، ثم كيف إن الحكومة التي تقتل شعبها، تصدر الموت الى غيره من الشعوب، وذلك بمساندتها للحركات الإسلامية الإرهابية، التي تهدد استقرار ليبيا، واستقرار مصر .. ثم وتحالفها العسكري الدائم، مع إيران، التي تهدد كل دول الخليج، وفي نفس الوقت ما كشفه التقرير، من خطة خداعها لدول الخليج، بأنها معهم ضد إيران، وضد الحركات الإسلامية المتطرفة، للحد الذي جعلها تقترح المشاركة العسكرية ب 3000 جندي، من الجيش السوداني، للقضاء على داعش !! بعد كل هذا الخداع، الذي كشفه الإجتماع السري، والذي تم برعاية السيد الرئيس ونائبه، ذهب السيد الرئيس الى الحج !!
والحج في حقيقته، يعني خروج العبد من بيته، متجرداً الى الله من علائق الدنيا، فاراً إليه من كل دواعي الغفلة، مستحضراً له في الأماكن التي قدسها، ووقرها.. ولهذا يحلق الحاج شعره، ويغتسل، ويلبس ما يشبه الكفن، وكأنه قد ترك الدنيا، واقبل على الآخرة .. فلا ينشغل بالملذات، ولا يخرج عن الطاعات، ولا يستمرئ مجرد الحديث والجدل إلا ما كان منه مفيداً قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .. ولأن الحج قد قصد به التمثل بالآخرة، حيث لا ينشغل أحد بغير نفسه، فإن شعائره تتم باختلاط تام بين الرجال والنساء، رغم ان الشريعة قد حرمت الإختلاط !! والمقصود ان يتجرد الناس الى ربهم، فلا ينشغلوا بما يثير الشهوات، ويوقعهم في الغفلة، التي تسوق الى المعصية .. وحتى ترسخ معاني التجرد في النفس، لابد من مكابدة المشقة، والتخلي عن مباهج الدنيا، والشعور بالعجز، والضعف، والحاجة الى المغفرة .. ولهذا قال تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .. ومعلوم ان الحياة قد تطورت، فلم يعد الناس يسافرون راجلين، أو على ظهور الدواب ، ولكن المبالغة في الراحة، ودفع المبالغ الطائلة لتحقيقها، مفارقة لروح الحج، تخرجه من القيمة الروحية، وتجعله عملاً إجتماعياً سلبياً، يقوم على البذخ والتفاخر بالدنيا الفانية، التي جاءت شعيرة الحج، لتعين على الفرار منها ..
ومع ان الحج فريضة، وركناً أساسياً من أركان الإسلام، فإنه جاء في ترتيبه بعد الصدقة .. فإذا كان الحج يكلف أموالاً طائلة، فإن الواجب الديني، هو ألا يجمع المسلم هذه الأموال، بإمساكها عن المحتاج من أهله، أو جيرانه، أو فقراء البلد الذي يعيش فيه، حتى يسافر بها الى الحج، فإن إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وعلاج المريض، أولى من الحج .. وإذا كنا ، في السودان، نعاني من ويلات الحروب، والنزوح، وظاهرة المتشردين، والجوعى، والارامل، والايتام، فإن واجب الأثرياء أن يجمعوا أموالهم لنجدة هؤلاء، وتأسيس ما يساعدهم على البقاء والاستقرار، بدلاً من إنفاق الملايين على الحج، مما يعد في هذه الظروف، مفارقة لجوهر الدين، وانشغال بمظاهره. ولما كان ركن الحج لا يقوم إلا إذا توفرت الإستطاعة، لا يقبل أن يحج الرجل بغير المال الذي يكسبه، بنفسه، من الحلال. فلا يصح أن يحج الإنسان صدقة من مال غيره، أو عن طريق الدين، كما لا يجوز ان يحج كبار موظفي الدولة، بمال الحكومة، الذي اقتطعته من قوت الفقراء وشقائهم .. فكيف حج السيد الرئيس؟!
جاء عن ذلك (تقضي بروتوكولات الديوان الملكي بالمملكة العربية السعودية عند استضافة رؤوساء الدول لآداء مناسك الحج باستضافة رئيس الدولة اضافة لإثنين وعشرين مرافقاً فقط . عند نزول طائرة " البشير" بالصالة الملكية بجدة تفاجأت سلطات الصالة بأنها تحمل في جوفها العشرات، وزراء ودستوريين وغير دستوريين وكل واحد معاه زوجتين أو ثلاثة إضافة لأطفاله ... تعاملت سلطات الصالة الملكية بكل حسم وحزم حيث أمرت باستضافة البشير واثنين وعشرين فقط من مرافقيه الرسميين والبقية تم تحويلهم لصالة الركاب العامة. وتكفلت باستضافة " الكوووجة" رابطة شباب العالم الإسلامي " حج صدقة لوجه الله")(الراكوبة 2/10/2014م) فما الداعي لكل هذا الحرج ؟ ألم يحج الرئيس في العام الماضي، فلماذا يحج كل عام، وهو يعلم إن العشرات من أهله وذويه، سيحجون معه، ما دام هذا الحج لا يدفعون عليه شيئاً ؟! ولئن أعفت المملكة هؤلاء الحجاج الرئاسيين، من الرسوم، فمن أين لهم دفع تكاليف الطائرات الحكومية، التي يركبونها بلا مقابل ؟! أليس الشعب السوداني الذي افقرته الحكومة، هو الذي تغتصب موارده الضئيلة، من أجل الحج الفاخر لعزوة الرئيس وذويه ؟! ولماذا يحج مواطن سوداني على حساب الدولة، ويعجز مواطن سوداني آخر عن الحج لفقره، بسبب أن الأول من اقرباء الرئيس ؟! ومتى أحل الإسلام لحاكم المسلمين، أموال الدولة، يتمتع بها هو واقرباؤه، ويحرم منها عامة الناس ؟! إن استغلال المال العام، للأهل والاقارب، جريمة، أما استخدام هذا في الحج، فهو كبيرة من الكبائر. والشعب السوداني، يجأر بالشكوى من الفقر، والمرض، والنزوح، واللجوء، وأطفاله مشردون، وأيتام، قصفت حكومة الاخوان المسلمين- بأمر الرئيس- قراهم، وقتلت أسرهم، واغتصبت مليشياته نساءهم، فكيف يحمل الرئيس هذه الأوزار الى الله، وهو يسعى اليه في بيته الحرام، بالمال الحرام ؟!
وقبل ان يذهب الرئيس، بنفس الطريقة الى الحج، في العام الماضي، إعترف بقتله للمواطنين السودانيين .. فقد جاء (الخرطوم - إعترف الرئيس عمر البشير بان حكمه شهد ظلماً خيم على البلاد ، تسبب في في الجفاف وتأخر نزول الأمطار، وبدا الرئيس نادماً للمرة الأولى وهو يتحدث عن الدماء التى اريقت في دارفور وقال: نحن فرطنا في سماحة أهل دارفور وسماحة الأعراف، ودماء بعضنا البعض؟ وتجمع مساء الاحد عشرات المسئولين النافذين في الحكومة على مائدة رمضانية دعا لها رئيس السلطة الإقليمية لدارفور التجاني سيسي بمنزله الفخيم في ضاحية كافوري ، تقدمهم الرئيس عمر البشير، وشارك في الافطار عدد كبير من اعيان اقليم دارفور. وقال البشير- الذى ابتدر كلمته بمداعبة للسيسي بأنه أستاذه ودرسه- أننا جميعاً نسعى للعتق من النار في هذا الشهر، ونسأل الله أن يستجيب دعاءنا غير انه سرعان ما استدرك قائلاً: كيف يستجيب الله لدعائنا ونحن نسفك دماء المسلمين ودماء بعضنا البعض،ونحن اعلم بأن زوال الكعبة اهون عند الله من قتل النفس وزاد بأنه بحث ووجد أن كل شيء له عقوبة في الدنيا، ماعدا قتل النفس المؤمنة فإن عقوبته في الآخرة ثم عرج البشير ليقول أن هناك ظلماً مخيماً على البلاد تسبب في الجفاف وتأخر نزول الأمطار، وتساءل كيف نسأل الرحمة وأيدينا ملطخة بالدماء؟ .... وقال البشير "إن الدماء التي اريقت في دارفور أسبابها لا تستحق ذبح الخروف ناهيك عن قتل النفس"، داعيا أبناء دارفور للتواثق بصدق والعمل من أجل السلام والاستقرار ...)( سودانتريبون 23/7/2013م). وبالرغم من هذا، أمر الرئيس بقتل الطلاب المتظاهرين، في مظاهرات سبتمبر، بعد شهرين من اعترافه هذا !! ثم ذهب الى الحج، ولم يتب عن جريمة ضرب شعبه الأعزل بالرصاص، بل صرح وهو في السعودية، بأن حكومته استدعت فرقة خاصة لإرتكاب هذه المجزرة !! ولا زال القتل، الذي أظهر الندم عليه، مستمراً في دارفور .. بل إن قوات الجنجويد الجدد -التي وجه الرئيس باعتقال كل من ينقدها- قامت باقتحام معسكر " كلمة"، وقامت باطلاق النار على النساء، والأطفال، والشيوخ، من اللاجئين !!
لقد أدت سياسات النظام الخاطئة، والفاسدة، الى اشاعة الفقر المدقع، بسبب الإرتفاع الجنوني للإسعار، حتى اضطر المواطن السوداني، المحتاج لضرورات الحياة، لإهدار كرامته من أجل لقمة العيش. ولم تستطع الحكومة إنكار دورها في هذه المأساة، فقد جاء (سجل وزير المالية السوداني اعترافا نادرا باعلانه امام البرلمان الاربعاء صعوبة السيطرة على الاسواق التى تشهد ارتفاعا مضطردا فى الاسعار فى موازاة تدهور ملحوظ يلاحق اسعار صرف الجنيه مقابل الدولار الامريكى لكنه قطع بالتزامه القوى تجاه الدعم الاجتماعي قبل ان يحصل على راتبه الشخصى. وشن نواب في البرلمان هجوما قاسيا على سياسات الحكومة الاقتصادية واتهموها بالتسبب فى الى إرتفاع الاسعار وتدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين ووصفوها بالمزرية. وتعهد وزير المالية بدر الدين محمود للشعب السودانى بان يكون اكثر رفقا فى اجراءات الاصلاح الاقتصادى كاشفا عن خطوات صارمة تم اتخاذها فى صمت وبعيدا عن اجهزة الاعلام لاجبار مؤسسات حكومية على منع التجنيب – تحصيل اموال خارج السياق الرسمى. وكشف الوزير الذى قدم للبرلمان موازنة الربع الاول من العام عن تجميد حسابات بعض المؤسسات الحكومية "المجنبة" بعد رفضها تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية ووزارة المالية الخاصة بمنع التتجميد، وأعلن عن إتفاق مع بعض الجهات لإدخال مواردها المجنبة والمتحصلة بدون ايصالات المالية للموازنة مع إستقطاع جزء من الاموال تحفيزاً لها)( سودان تربيون 11/6/2014م). ووزير المالية الذي وعد بمساعدة الشعب، قبل ان يستلم هو راتبه، ظهر أنه لا يحتاج الى الراتب اصلاً، فقد اشترى بيتاً بمبلغ 2 مليار دولار !! وهو مبلغ لو عمل وزيراً منذ يوم ميلاده، حتى وفاته، ما استطاع ان يوفر عشر معشاره .. فمن أين له هذا المال، لو لم يجنب أموال الدولة في جيبه ؟!
والرئيس الذي يمني الشعب بالرخاء، ويطلب منه الصبر على شظف العيش، لا يحاسب هؤلاء الوزراء الفاسدين، ولا يقلل من الصرف البزخي لرئاسة الجمهورية، حتى يواسي بفائض صرفها، هذا الشعب الفقير.. فقد جاء (مبروك وصول العربية الجديدة المصفحة البلاتنيوم لرئاسة الجمهورية ماركة مايباخ 2014 صناعة شركة دايمر الألمانية المنتجة لأفخم وأغلى السيارات في العالم " صورة مرفقة" يقدر سعر المصنع للسيارة الرئاسية للبشير ب 2 مليون وثلثمائة ألف دولار أمريكي)( الواتساب 3/10/2014م).
د. عمر القراي
|
|
|
|
|
|