|
الشعب هو (الضحية) !!/ د.عمر القراي
|
الشعب هو (الضحية) !!
نشرت يوم 17 أكتوبر 2013
د.عمر القراي
لم يمر على الشعب السوداني عيد كهذا !! الناس يبكون شبابهم في صباح العيد ويزورون قبور شهدائهم بينما قادة الاخوان المسلمين وعلماء السلطة لا يعنيهم من امر الشعب شئ !!
لقد افقرت هذه الحكومة الشعب، برفع اسعار السلع، بسبب الفساد وسوء الادارة، حتى اصبح سكان حي الرياض بالخرطوم لا يستطيعون شراء " الأضحية" !! فقد جاء (بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الوطني -وحدة اساس الرياض شمال
بشرى سارة
خراف الاضاحي بالتقسيط
في اطار تخفيف اعباء المعيشة ونسبة لارتفاع الخراف هذا العام وتسهيلاً لسكان الرياض شمال تم الاتفاق على بيع خراف الاضحية الدفع بالاقساط على النحو التالي:
40% عند الاستلام
20% شهرياً لمدة ثلاثة اشهر "شيكات"
اسعار الخراف : 1000-1300 -1500 جنيه) !! لماذا يحدث هذا الغلاء الذي يفوق أي بلد آخر حتى البلاد التي لا تملك ثروة حيوانية ضخمة مثل السودان ؟! كيف يكون سعر الخروف 1000 جنيه ومرتب الموظف أو العامل 300 جنيه في الشهر ؟! هل يحتاج هذا الموظف الى ان يوفر مرتب ثلاثة شهور لا يقتطع منه شيئاً ليشتري " الاضحية" ؟! ثم هل " الاضحية" واجبة ديناً حتى يطالب الناس لشرائها بالدَين ؟! أليس من جهالة (علماء) السلطان أن يستدين الشعب الفقير ليشتري (الاضحية) ؟! والمؤتمر الوطني، حزب السلطة، بعد ان تاجر في كل شئ، وباع حتى تراب الوطن، لم يشبع من كل ذلك، وجاء الآن ليتاجر حتى في (الاضحية)، التي يعتقد أنها شعيرة دينية ؟ هل رأيتم كيف حقق الاخوان المسلمون هتاف الجماهير (الشعب يدين تجار الدين) ؟!
لقد قامت حكومة الاخوان المسلمين، بالتضحية بالشباب، فسفكت دماءهم في الشوارع، ولم يتحدث علماؤها، وهاهم الآن يفتون بأن يقوم الفقراء والمساكين بشراء خراف "الاضحية" بالاقساط !! وهذه بدعة لم تحدث في تاريخ الإسلام، وذلك لسبب واضح وبسيط، هو ان الضحية ليست واجباً دينياً، حتى يستدين الشخص الذي لا يملك ثمنها !!
أليس من الاستهتار بالدين، أن يصمت العلماء عن عدم وجوب " الضحية"، فيدخلوا الناس في المشقة والعنت ؟! إن " الضحية" غير واجبة على الفقراء وهي أيضاً غير واجبة على الاغنياء !!
ولعله من الواجب علينا، ان نشرح هذا الأمر، لمن يسمون ب (علماء) السودان، ونبسطه لشعبنا، حتى لا يقع تحت تضليلهم، وخداعهم، واستغلالهم .. من أين جاءت عادة " الضحية" ؟! لقد كانت عادة تقديم القربان الى الآلهه، عادة قديمة، متأصلة في المجتمعات الوثنية، وكان القربان في العهود الماضية، يقدم من البشر، ومن خيار الناس وأفضلهم.. وقد كانت الضحية البشرية معروفة تذبح على مذابح المعابد، طاعة للآلهة واستجلابا لرضاها .. ولقد كانت هذه الشريعة العنيفة، التي تهدر حياة الفرد، في سبيل مصلحة الجماعة معروفة ومعمولا بها، إلى وقت قريب، ففي زمن أبي الأنبياء، إبراهيم الخليل وهو قد عاش قبل ميلاد المسيح بحوالي ألفي سنة، كانت هذه الشريعة لا تزال مقبولة دينا وعقلا، فإنه هو نفسه قد أمر بذبح ابنه إسماعيل، طاعة لله وتقرباً إليه، فأقبل على تنفيذ هذا الأمر، غير هياب ولا وجل، فتأذن الله يومئذ بنسخها فنسخت، حين فدى البشر ببهيمة الأنعام، وعن ذلك يقول تبارك وتعالى (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
ولقد أصبحت التضحية بالحيوان بدلاً عن الإنسان، في التقرب الى الله، سنة ابراهيم عليه السلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لما سأله أصحابه: ما هذه الأضاحي؟؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم!! (سنن إبن ماجة، الجزءالثاني، صفحة 26، وتفسير إبن كثير لسورة الحج، الجزء الرابع، صفحة 641) .. ولما جاء عهد النبي الكريم، كانت حكمة الضحية بالحيوان، من أجل التقرب الى الله، قد أشرفت، هي أيضا، علي غايتها، فلم يعد الله يقبل تقرباً بالدم، وإنما أصبح العلم هو وسيلة التقرب الى الله .. فضحي النبي صلى الله عليه وسلم ببهيمة الأنعام، ختما لسنة أبيه إبراهيم، في الفداء بالحيوان، وإفتتاحاً للعهد الذي تنتهي فيه عادة القربان الحيواني. ولقد فدى الرسول صلى الله عليه وسلم امته بان ضحى عنها، فاسقط الضحية عن كل افرادها !! جاء فى تفسير ابن كثير ، الجزء الرابع، صفحة 642 (عن على بن الحسين عن ابى رافع ان رسول الله صلى الله عليه كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين اقرنين املحين، فاذا صلى وخطب الناس اتى باحدهما وهو قائم فى مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "اللهم هذا عن امتى جميعها، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لى بالبلاغ" ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول: "هذا عن محمد وآل محمد" فيطعمهما جميعا للمساكين، ويأكل هو واهله منهما. رواه احمد ، وابن ماجة ..) ثم يمضى ابن كثير فيقول، فى صفحة 646: (وقد تقدم انه عليه السلام ضحى عن امته فاسقط ذلك وجوبها عنهم).
فالنبى الكريم بضحيته، عنه، وعن آل بيته، وعن امته، انما فعل سنة ابيه ابراهيم، ولكنه لم يستن الضحيه ابتداء .. فعل سنة ابراهيم فاختتمها، وفدى امته عنها، وافتتح عهدا جديدا للتقرب الى الله بالعلم، وفدى النفس بالفكر، لا بالحيوان، وهو فى نفس الوقت، انما جارى عادة سائدة، فهذبها ، وتسامى بها، وفتح الطريق الى ما هو خير منها .. ومما ورد أيضاً جاء في (سبل السلام)، صفحة 96: (و أخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه صلي الله عليه وسلم قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لايجدها، فقال: (قلم إظافرك، وقص شاربك، وأحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل!!) رواه ايضا ابو داؤود فى (سنن ابى داؤود الجزء الثالث ، صفحة 93). وفى هذا الحديث اشارة لطيفة، الى استبدال الضحية بالحيوان، بعمل يتجه الى تهذيب بقايا الموروث الحيوانى فى البشر، انفسهم، وهى الشعور والاظافر، مما يفتح الطريق امام قيمة جديدة هى ان يفدى الانسان نفسه، بتهذيب نفسه لا بكائن خارجه، انسانا كان أو حيوان!!
ومعلوم أن كبار الأصحاب كانوا لا يضحون بما في ذلك الموسرين منهم .. جاء فى تفسير ابن كثير الجزء الرابع صفحة 646 (وقال ابو سريحة "كنت جارا لابى بكر وعمر وكانا لايضحيان خشية ان يقتدى الناس بهما") وجاء فى "سبل السلام" الجزء الرابع صفحة 91: (وافعال الصحابة دالة على عدم الايجاب – ايجاب الضحية – فاخرج البيهقى عن ابى بكر وعمر رضى الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية ان يقتدى بهما) وجاء فى "الاعتصام" للشاطبى الجزء الثامن صفحة 91 (وكان الصحابة رضى الله عنهم لا يضحون – يعنى انهم لا يلتزمون) الخطوط من وضع الكاتب. فلو لم تسقط الضحية عن الامة لكان الاصحاب وعلى رأسهم الشيخان, اولى الناس بادائها .. وقد جاء أيضاً في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، الجزء الأول، صفحة 464: (قال عكرمة: بعثني إبن عباس بدرهمين إشتري بهما لحما، وقال: من لقيت فقل له هذه أضحية إبن عباس!! وروي عن بلال أنه ضحي بديك!!) وجاء في " سبل السلام" صفحة 91 (وقال طاقوس: ما رأينا بيتا أكثر لحما وخبزا وعلما من بيت إبن عباس، يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد). أما عبد الله إبن مسعود فلم يدع قط حجة لمحتج بوجوبها، لا علي المعوزين، ولا علي الموسرين!! فقد روى الشاطبي في "الإعتصام"، الجزء الثاني صفحة 91: (و قال إبن مسعود: أني لأترك أضحيتي، وإني لمن أيسركم، مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة!!)
فإذا عجز (علماء) السودان من تبين ما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح، في ترك (الأضحية) ولو كانوا موسرين، فلا أقل من ان يعلموا أنها بطبيعة الحال، غير واجبة على المعسرين ..
فإذا كان الحج، وهو من أركان الإسلام، قد فرض بشرط الإستطاعة، قال تعالى في ذلك (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، فهل يمكن ان يفهم ان (الأضحية) وهي غير واجبة ديناً، ولم يفعلها اثرياء الاصحاب، كما اوضحنا، يجب ان يستدان لها، فيرهق رب الاسرة نفسه باقساط أو ديون تضطره الى ان يعجز عن رسوم المدارس، أو ايجار المنزل، أو الكهرباء، او الماء؟ أنّى يصرف هؤلاء (العلماء) عن القاعدة الاصولية، في جوهر الدين، وهي قوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ؟!
إن من اكبر الأدلة على جهل هؤلاء (العلماء)، واتباعهم من الاخوان المسلمين، وقيادات المؤتمر الوطني، أنهم حين عرفوا ان (الأضحية) ستكون غالية جداً في هذا العام، عجزوا عن استصحاب حكمة الدين وروحه، ليفتوا بترك (الاضحية) درءاً للمشقة ورحمة بالفقراء والمساكين .. وليتهم حين عجزوا عن ذلك، صمتوا، وكفوا الناس شر فتاويهم الضارة، ولم يتسقطوا رضا السلطان، فيسابقوا ما يتوقع من عودة السخط الشعبي الذي حدث بسبب ارتفاع اسعار الوقود مرة اخرى بسبب ارتفاع خراف (الاضاحي) فلم يجدوا إلا حيلة (الضحية ) بالاقساط فهي قد تمتص غضب الناس، وتأخر ثورتهم الثانية، فترضي الحاكم !! ثم هي في نفس الوقت تدر ارباحاً على أعضاء المؤتمر الوطني ربما نال بعضها (علماء) السوء الذين يدبجون هذه الفتاوى الآثمة !!
لماذا لا يتحدث (العلماء) عن سبب الغلاء ؟! لماذا لا يدينون من إشعل الحروب في مناطق الإنتاج الزراعي، في جنوب كردفان والنيل الازرق، واضطرار المزارعين للنزوح وترك الزراعة ؟! وقصف القرى الآمنة بالطائرات وقتل النساء والاطفال وأهلك الحرث والنسل ؟! لماذا لم يدينوا تدمير مشروع الجزيرة، وبيعه، وتشريد اهله، الذين اصبحت اسرهم تشتري (ملوة) العيش، بعد ان كانت تنتج عشرات الجوالات من القمح ؟! لماذا لم يأمروا بالمعروف، وينهوا عن منكر قتل الشيوخ والأطفال واغتصاب النساء في دارفور وكردفان والنيل الأزرق؟! لماذا لم نسمع الى خطبة واحدة تدين الاخوان المسلمين حين قتلوا الشبان في ودمدني وفي الخرطوم وحين جلدوا النساء وتحرشوا بهن وحين اعتقلوا آلاف المواطنين لأنهم احتجوا على الغلاء؟! فإذا صمت (علماء) السودان عن كل هذا الظلم والجور، ولم يفتح الله عليهم بكلمة حق في مواجهة الباطل، فمن الذي يحترم فتاويهم ويصدق دعاويهم ؟!ّ
إن ما يمنع المواطنين من (الأضحية) هو الفقرات المدقع، والغلاء الفاحش، وذلك لأن ثروة الشعب قد نُهبت وتجمعت في أيدي أفراد الحزب الحاكم، والأقرباء، والمحاسيب، الذين نراهم يتطاولون في البنيان، بلا رقيب أو حسيب.. فلماذا لم نسمع من هؤلاء الأدعياء، إذا كانوا حقاً (علماء) إدانة لهذا الفساد ؟! إن حكومة الاخوان المسلمين لم تحرم الشعب من (الاضحية) وإنما حرمته من ما هو أهم من ضرورات الحياة وحولت الشعب نفسه الى (ضحية) تصل الى حد الموت الذريع في الشوارع بغير جريرة ومن لم يقتل مباشرة أعتقل وعذب أو طرد من عمله وحورب في رزقه حتى ترك وطنه ثم هي تشعل الحروب في اطراف الوطن وتقتل الناس في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، فهل هناك طريقة أخرى للشعب غير الثورة ؟!
لقد علم العلماء الحقيقيون من الأصحاب، ان (الاضحية) غير واجبة، لا على الفقراء ولا على الأغنياء، فلم يضحوا، وابانوا ذلك .. واليوم، فإن حكم الوقت، يجعل (الأضحية) عمل سيئ حتى من القادر عليها، وذلك لأنه يدع جاره غير المستطيع الى تكلف الشطط، حين يرى اطفاله اللحم في أيدي ابناء الغني فيتأثروا بذلك .. وهذا ما جعل أغنياء الأصحاب كأبن عباس لا يضحون. ان هذه الآثار الاقتصادية والإجتماعية الضارة للضحية، تجعلها أمراً مرفوضأ دينياً وأخلاقياً، ويجب تركة والتواصي بتركه .. فإن الدماء التي تهرق في الشوارع، واللحوم التي تقطع على ابواب المنازل، فتجمع الذباب والأمراض، لن تصل الى الله، وإنما تصله التقوى .. والتقوى لا تقوم إذا لم نراع جيراننا، ونقدر ظروفهم ، ونترك "الضحية" حتى لا يتأذى اطفالهم .. إقرأوا قوله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
|
|
|
|
|
|