|
عرضحال الى البلد *** تعال نبقى على هذا الرهان يا خالد! على حمد إبراهيم
|
عرضحال الى البلد *** تعال نبقى على هذا الرهان يا خالد! على حمد إبراهيم جاءنى زائرا البارحة فى منامى صديقى خالد الكد ! قمت اليه مذعورا . مددت اليه يدى بالسلام. ولكنه انزوى عنى وغادر سريعا. تفعلها للمرة الثانية بصديقك يا خالد . لقد حسبك جئته معتذرا عن عدم ايفائك بوعدك له بأن تزوره فى مضارب عشيرته البدوية فى بوادى دار محارب عموم ، بعد انقشاع غمة الفئة الباغية ، تريد ان تسلم على العزيزة الباكية ، وتهنيها بعودة شقيقها المجانف الذى ترك لهم الجمل بما حمل. لقد تقرحت عيونها الباكية عليه ظنا منها أنه لن يعود بعد أن شمخت بينهما المحيطات الفاجرة. لقد كان ذلك الخيار أهون عليه من ممارسة رذيلة الانحناء. آه ، يا خالد : لو أنك جئتهم فى دار محارب عموم ، إذن لرأيت كيف يستقبلك الصناديد برصاصهم يعوم فى جوف الفضاء ، يشرط اسماع الأفق الساجى ، يدندن معزة للزائر العزيز. ولزغردت لك الحرائر الجميلات يعطينك الشبال تقديرا وعرفانا ، و لوضعن على رأسك مناديل الحرير، يعمدنك كجورا كبيرا وشيخا على المهرجان الكبير. ولأسالوا لك دماء ذبائحهم انهارا ، ولأ جبروك على هصر رقاب الشياطين ، تفقع عيونها باسم واحد أحد. ذلك هو ديدن أهلى الصناديد. و ذلك هو عرفهم فى حضرة كل قادم عزيز. ومن اعزّ منك ، ياسليل الاكرمين الادباء. ولكنك ابيت أن تأتيهم . واخلفت وعدك لهم و ما عهدتك مخلافا للوعود! كأنك تضن على البوادى عموم أن تظفر بك مرة واحدة ، حتى تسجل فى كتاب سيرتها بكل احرف الفخار أنه قد جاءها من البقعة زائرا حضرة العميد. ويا خالد الوفاء ، عاجز قلمى عن الكلام فى حضرة صاحب الكلام. الجموع تمايزت يا خالد : كل اخذ نصيبه من المحن السرمدية وهم منغمسون فى معركة استعادة عازه من سوح الذل والهوان فى حديقة الشيوع الدولى والاقليمى التى حشرها فيها ولاة أمر قصرت ابصارهم عن الرؤيا حتى وهم فى رائعة النهار. لو انتظرت صديقك هنيهة لحدثك حديث الموجوع عن عالم القنافذ الذى يكاد يضم فى دثاره الجميع الا من رحم ربك. ولحدثك كيف حصد الرصاص شبابا فى عمر الزهور كل جريمته كانت الرغبة فى حياة كريمة بالانسان الذى كرمه ربه قبل الحكام . ولكنك غادرتنى مسرعا كعادتك دائما أيها المغبون الهدار الذى يكتب ( على كيفو ). ويصبح ويمسى على ( كيفو ). ويقول للأعور أنت أعور فى ( عينو) ثم ينفلت فى البرية ويمضى مغاضبا مناجزا عن الحق لا يلوى على شئ . ويا شيخ المرهقين بحب الناس ، وبحب امدرمان ، و بحب نجومها الفرقدية وقد توسدت ثرى مدينة التراب . التراب ، مفؤود قلمى اليوم ، و مقروحة مهجته من البكاء عليك وعلى الوطن الفقيد، الذى نام على محجة سوداء من الضيم الجسيم . لقد ضاعت من ثنيتيه كل صنوف الكلام . لم يعد فى بوحه قادرا أن يوفيك حقك من الكلام الزجل مثلما اوفيت انت صديقك حقه من الكلام الزجل ذات يوم حتى صيرته طاؤوسا يتعرى من ريشه المزركش على صفحة النهر ، وصيرته مزهوا يناطح اشجار الطلح طولا وقد عمرت اودية البوادى عموم ، وصيرته املسا من كل الادران مثل شجرة بلوط سامقة لا تعلق بها الادران السائبة. وعمدته مهر سباق يكترى المسافات المستحيلة ويحدق فى قرص الشمس زهوا . جئت تزورنى يا نقيب الاوفياء ! أم جئت تسرى عن صديقك وقد تطاول عليه الاقزام بالأكاذيب الصماء يقتضونه ضريبة موقفه المصادم الذى جرّح اكبادهم وامعاءهم الغليظة والدقيقة . هذا دين لا يستطيع اقتضاءه منه الكذابون الاشاوس بكذبهم وافترائهم . ويا خالد المرؤة والوفاء هل ازيدك حزنا اذا اعلمتك ان ذل شعبك قد زاد مثلما زاد فقره . وامتدت امامه مفازات التيه السرمد . وتشرزم وطن محجوب شريف الحدادى المدادى وصار حديقة على الشيوع . واذا اعلمتك ان الحال قد تبدل بشعبك العملاق فتدلى حتى صار قزما ، لأن المنافحين عنه قصرت مرؤاتهم لانهم يهابون ان يغمسوا ايديهم فى المواعين الحارة . ولكن لا بأس ان كانت باردة ومستساغة للآكلين النهامين . فحينئذ يتداعون على قصعة الذل والهوان يأكلون و لا يشبعون. نحن قوم بدويون يا خالد ، حمانا الله من الامراض التى استوطنت كثيرا من أهل البندر . فقيرنا غنى بغنى النفس. يشكر الله إن وجد قوت يومه ، ملاح أم شعيفة او ملاح البصارة او ملاح الويكة الناشفة ، وآوى الى فراشه آمنا من خوف. و عندما تضيق به السبل ينتظر الفرج الاكيد صابرا لعلمه ان عمر المرء لا يفنى حتى يفنى ما قدر له المولى من رزق . هذه القناعة تحمينا من ارتكاب رذيلة تسويد الذمم وارتكاب رذيلة الانحناء والنفاق والجبن عند الملمات الوطنية . ولا تستعبدنا غريزة خم المال و لمه من أى مصدر أتى شأن اللمامين الجماعين الاشاوس الذين تلتقط مسامعهم رنة القرش فى المريخ على وصف صديقى محمد المكى ابراهيم . معذرة ياخالد ، لقد اسرعت الذهاب عنى ولم تخبرنى لماذا جئتنى ولماذا لم تبن وانت صاحب البيان الذى يكتب ويقول على كيفو ؟ ولكن لا بأس فغدا ساحمل اليك انباءا سارة . اعرف انك تنتظرها منذ وقت طويل . تعال نبقى على هذا الرهان ياخالد . .
|
|
|
|
|
|