|
صور من الفعل الدبلوماسى النهّاز (محطات دبلوماسية) تأليف : السفير احمد عبد الوهاب جبارة
|
تقديم : السفير على حمد ابراهيم. أقف اليوم عند المحطة الاهم من محطات السفير السودانى احمد عبد الوهاب جبارة الله ، التى وقف عندها فى سفره الذى اسماه (محطات دبلوماسية ) وهى محطة واشنطن ، عمدة مدن العالم ، وعاصمة عواصم العالم الحر، وعاش فيها اربع سنوات عايش فيها احداثا عالمية كبيرة من موقعه الدبلوماسى كنائب للسفير وكقائم بالاعمال . وقد اتاح له ذلك أن يكون فى موقع وموضع الشاهد الذى شاف كل حاحة اثناء الكثير من المجريات الدبلوماسية التى دارت من حوله . بل كان مشاركا ومؤثرا فى تلك الاحداث. و لأن المجال لا يتسع لكل التفاصيل الثرة التى حواها هذا السفر القيم ، فليس أمامى غير أن اتقافذ تقافذ الضفادع هنا وهناك مع مؤلف يحرص على ايقاء المعلومة حقها فى التبيين والتوثيق حتى يثرى معارف القارئ العام ، الذى يكتفى بظاهر المعلومة ، وكذلك القارئ المتخصص الذى يطلب المزيد ، لا سيما القراء من ناشئة السلك الدبلوماسى ، الذين سيوسع هذا الكتاب القيم معارفهم ومداركهم بماهية الوظيفة الدبلوماسية وكيفية انجازها سواء أكانت وظيفة فى سفارة دولة او وظيفة فى الامم المتحدة او فى وكالة من وكالاتها المتخصصة أو وظيفة فى الكيانات الدبلوماسية الدولية الكبرى مثل كيان الاتحاد الاوروبى او الاتحاد الافريقى. لقد سبق لى أن قلت فى فاتحة هذه الملاحظات أن سعادة السفير عبد الوهاب باثرائه للمكتبة الدبلوماسية السودانية بهذا السفر القيم قد قدم لهذه المكتبة عملا من أعمال الفعل الدبلوماسى النهّاز ، و لا غرو . ويعيدنى سفر السفير عبد الوهاب ويذكرنى باشراقات شيوخ الدبلوماسة السودانية الذين شرفوا اسم بلادهم فى المحافل الدولية بما تركوا من بصمات مضيئة اينما حلوا وزادوا من افضالهم على الاجيال اللاحقة بما تركوا لها من مؤلفات وسير تداولتها بالاعجاب والتقدير الصحف ومراكز البحث فى البلاد. شيوخ وشباب الدبلوماسية السودانية ، من براح وجدانهم ، وصفاء ذهنهم ، وسعة افقهم ، قدموا لمحيطهم الاقليمى الخبرة الدبلوماسية فى ازهى الصور . فى امكانى ان اذكر شيوخ وشباب الدبلوماسية السودانية الذين اسسوا وزارات خارجية بكاملها لبعض البلدان . او الذين درسوا وعلموا اجيالا من القادة الدبلوماسيين فى بلدان الجوار الاقليمى. او الذين كانوا ملء السمع والبصر فى المنظمات الدولية . وقدمت الدبلوماسية السودانية لاشقائها العرب مؤتمر لاءات الخرطوم الثلاثة فى وقت كان جرح الهزيمة ينزف فى حزيران 1967. و تحقق للدبلوماسية السودانية رغم صغر عمرها شرف انتشال امتها من براثن اليأس والاحباط عندما رأى العالم كيف استقبل الشعب السودانى الرئيس عبد الناصر. وتعجبت اسرائيل : كيف يستقبل الزعيم المهزوم استقبال الابطال . ومن الخرطوم خرج جمال عبد الناصر ليقود حرب الاستنزاف التى جعلت العدو الاسرائيلى يبحث عن الهدنة بأى ثمن . أن ناشئة السلك الدبوماسى السودانى الحاضرون اليوم والقادمون فى مستقبل الايام ، لا غنى لهم من الاستحواز على هذا السفر المرجعى ، و الاطلاع عليه ، وحفظه كمغتنى من المغتنيات المكنونة يقدمه سفير محترف مكّن لنفسه بعلمه ومثابرته ولم تمكنه سياسات ( التمكين) التى قصمت ظهر الدبلوماسة السودانية حين شردت فى الاصقاع قامات تعز على الزمان . من جانبى ،كدت اصيح من غبطتى كما صاح ارخميدس الاغريقى : وجدتها وجدتها . فقد وجدت الدبلوماسية التى عشت فى كنفها ذات يوم ، وجدتها حية ولكنها تغفو فى الاضابير المحفوظة . واعطتنى احساسا باليتم. هذا سفير من الزمن الجميل . ينظر فى خرائط المستقبل بعينى زرقاء اليمامة ، وبعين المهنية المكتسبة بحق وليس بالتمكين . و يقلب احجار الارض ، ينظر تحتها عن المؤشرات المستبطنة التى تعين على الرؤيا الشفيفة الصحيحة . فى (محطات دبلوماسية ) يحكى لك السفير الكاتب احمد عبد الوهاب المجريات بلمسات دبلوماسة بلا تغابن . ولكنه ياخذك عصفا من رقابك كلها فتطاوعه على مدى اربعمائة وانت صاغر . ويعطيك تجملا طرفة من هنا ، واندهاشة من هناك ، فلا تستطيع أن تضع الكتاب جانبا الا لجذب الأنفاس .. . اربعمائة صفحة و تزيد . . . جهد فى الاعداد ، ودين مستحق فى التدبر والاستيعاب . اتبسم مع تحليل المؤلف النفسى لشخصية الرئيس نميرى وتصرفاته الغريبة التى رآها و عايشها من خلال لقاءاته العديدة معه فى سفارات اتفق ان زارها الرئيس كثيرا . يواطئ تحليل العالم النفسانى (جيرود بوست) الذى اشتهر بتحليل شخصيات الرؤساء تحليلا نفسانيا تستفيد منه مراكز البحث المتخصصة . ويستفيد منه البيت الابيض فى تعامله مع هذا الرئيس ومع ذاك الآخر . الدكتور بوست خصّ شخصية الرئيس نميرى وتصرفاته لا سيما فى سنينه الاخيرة بتحليل ضاف ومثير يستعرضه السفير بمقدرة لا فتة فى الترجمة والاستيعاب. ويضيف من عنده ملاحظات تحليلية ربما بدت اقرب من غيرها اذا اخذنا المعايشة. يحكى السفير، كيف انزعجت الولايات المتحدة من سقوط الرئيس نميرى وتولى حكومة قوى الانتفاضة السلطة التنفيذية برئاسة الدكتور الجزولى دفع الله . ورفعها شعارات معادية لمصر واخرى مؤيدة لخط الرئيس معمر القذافى . و التهديد بتضرر علاقات السودان مع الولايات لحظة توطد علاقات الخرطوم. ويورد السفير تفاصيل الاجتماع الذى عقده معه السناتور رودى بوشويتز فى مكتبه بناء على طلب السناتور الذى اراده ان ينبه حكومة الانتفاضة انزعاج الولايات المتحدة من تقاربها مع ليبيا وعدائها لمصر واصرارها على محاكمة المسئولين السودانيين الذين ساهموا فى عملية ترحيل اليهود الفلاشا . واضيف من عندى ان الذى يعلمه السفير بدون شك هو أن الكونجرس بمجلسيه ، مجلس النواب و مجلس الشيوخ هو الفلاة الخلوية الخالصة للنفوذ اليهودى وأى عمل لا تقبله اسرائيل هو غير مقبول لدى الكونجرس . حرص الولايات المتحدة فى ذلك الوقت على استمرار العلاقات السودانية المصرية بنفس وتيرتها على عهدى السادات ونميرى سببه الاول والاخير هو خوف اسرائيل ( وبالتالى خوف الولايات المتحدة ) من ذهاب نظام النميرى الصديق ومجئ نظام موال للعقيد معمر القذافى وهنا يثور خاطر غلاب عن وضع نقيض اليوم تواجهه الولايات المتحدة فى البلدين . فهى ليست صديقة للنظام المصرى الحالى . كما أنها أقل عداءا للنظام القائم فى السودان رغم علمها بهشاشة النظام فى السودان هذه الايام . وتدهور وضع حقوق الانسان فيه باضطراد . والسؤال هو من تبيع الولايات المتحدة : النظام المصرى ام النظام السودانى اذا تعذر التعايش بين النظامين . يتبع باذن المولى تعالى
|
|
|
|
|
|