دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مقدمة كتاب "من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان" للأستاذ معاوية يسن ويصدر
|
Last Update 23 November, 2004 11:05:32 AM
-------------------------------------------------------------------------------- مقدمة كتاب "من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان" للأستاذ معاوية يسن ويصدر عن مركز عبد الكريم ميرغني د. عبد الله علي إبراهيم [email protected] هذا كتاب لا يصدر صاحبه فيه مقراً بعسر الريادة في الكتابة المنهجية عن تاريخ الأغنية السودانية فقط، بل يستغرق في حفر بعيد الغور عن مصطلح هذه الأغنية وسير مبدعيها ومصادر العلم بها ليؤمن للخلف طريقاً سالكاً لإنضاج هذا العلم وتقعيده. وهذا طريق سبقه اليه فحول منهم رفيقنا المناضل جمعة جابر عليه الرحمة والدكتور الفاتح الطاهر.
يقول المؤلف أن الأغنية السودانية المعلومة في تركيبتها الاجمالية أفريقية عربية ولكنها ظلت تدرج لتصبح شئياً سودانياً مستقلاً من خلال الوجدان الجماعي وتنوع بيئات السودان. وهذا مبحث مبتكر في الهوية السودانية علي ضوء غنائنا. وقد أرحنا أنفسنا من الخوض الدقيق فيه بقولنا أن هويتنا أفريقية طالما التزم أغلب هذا الغناء السلم الخماسي. وودت لو أن المؤلف كثف مبحثه عن هذه الهوية بتجميع ملحوظاته الذكية المتناثرة عن المسألة في باب جامع مانع عنها. فقد وضح لي من جماع هذه الملحوظات أن أغنيتنا المعروفة ترعرعت في ظل الأغنية العربية، والمصرية منها بخاصة، بأكثر من الأغنية الأفريقية. فالأثر الأفريقي عليها قليل بما لا يقارن بأثر العرب عليها. فأمهرة (من الأمهرا) الأغنية السودانية وصوملتها هو أوسع أبواب تعاملنا مع أفريقيا منذ تفتحت أذواق السودانيين لأذواق أثيوبية وصومالية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد نسب المؤلف تبنينا القيثارة لهذه التأثيرات الأفريقية. وألمح الي ما وقع لكل من المرحوم عثمان ألمو والأستاذ شرحبيل من تأثير من غناء الجاز وجنوب السودان وشرق افريقيا. بل بدا لي أحياناً أن أغنيتنا المعروفة قد تأثرت من الغرب وغير الغرب بما يعادل تأثير أفريقيا. فقد تسرب الأثر البريطاني-الأسكتلندي والتركي الي موسيقانا عن طريق تنويت جلالات الجيش السوداني التي تم جمعها من جهات السودان المختلفة وتعليم أساليب الكاونتربونت والهارموني في الفرق الموسيقية العسكرية. بل تسرب أثر الغرب في أغنيتنا عن طريق التسجيل في البي بي سي ((BBC وهو باب واسع جعل فنانينا يحتكون بالموسيقي الغربية حين عزفت لهم أوركسترا إنجليزية.
وقد رأيت جدوي تركيز الكاتب علي موضوع هوية أغنيتنا المعروفة بما يتجاوز "الأفروعروبية" الدارجة حين رأيته يعترف لمصر بتأثير كبير علي الأغنية السودانية المعروفة من جهة الشكل لا المضمون. وقال: "إلا أن الموسيقي الشرقية بشكلها السائد في مصر رفدت غناء السودانيين بكثير من أساليب التطور والتحديث والتقليد. وكان الأخذ بها يراوح بين تقليد الأشكال والإبقاء علي الطابع السوداني المميز، وبين الإفتتان بها الي درجة التأسي بها في تتبع طريق المقامات والخروج بالطابع النغمي السوداني الي شئ لم يكن معهوداً فيه." فقد نقلنا عن مصر آلاتنا المستحدثة. فالفنان سرور جلب الرق من مصر وقلد الكاشف التخت المصري. أما خليل فرح فقد التقط فكرة العود من منشدين للطريقة الأحمدية جاءوا من مصر في مناسبة المولد النبوي." اما الجيل الحدث من صناع الغناء المعاصر، بحسب قول المؤلف، فقد ابتكروا الأغنيات الطويلة وتأليف المقدمات الموسيقية الطويلة علي غرار عبدالحليم حافظ ومحمد الموجي ومحمد عبدالوهاب من "تنويع الحوار، وتأليف المطالع، والالتفات الي الصنعة نفسها، وتجويد العزف وإتاحة الفرصة للموسيقي لتقوم بتصوير المعاني" مع إحتفاظ باستقلالية اللون السوداني مع ذلك.
ووقع التأثير المصري العربي من جهة تواتر احتكاك مغنينا بمصر من فرط الزيارة لتسجيل الإسطوانات أو لإذاعة ركن السودان. ففي قول المؤلف ما كان من مغن سوداني يذهب الي مصر الا وهو يريد أن يتصل بالموسيقار نصر عبد المنصف، من الفرقة الماسية بإذاعة ركن السودان، الذي اجاد كتابة النوتة الموسيقية للإغنية السودانية. وأورد المؤلف من أخبار الكاشف بما يوضح هذا التعلق السوداني الباكر بالموسيقي المصرية. ف"أوركسترا" الكاشف هي مما "نقشه" من فرقة مصرية زارت مدني في مستهل الثلاثينات ويقال أن اعضاءها عزفوا له لحناً سودانياً. وترد فئة من الموسيقيين مزاوجة الكاشف بين المقامات في اغنية "فتنت بيه" (حتي قيل انه خرج من الخماسي الي السباعي) الي الموسيقار نصر عبدالمنصف المذكور أعلاه بإذاعة ركن السودان التي هي واحدة من اكبر معامل تفريخ (أو اعادة تفريخ) الأغنية السودانية.
ومن جهة أخري ارتبطت الأغنية بالشعر العربي الرومانسي ولجأ مطربو الأربعينات والخمسينات الي انتقاء قصائد من عيون ذلك الشعر للغناء. كما نظر مثقفو ثلاثينات الحركة الوطنية القلائل الذين اهتموا بالغناء الي مصر دون غيرها لتطوير أغنية السودان المعروفة صوب الذوق العربي. وروي المؤلف كيف أن المرحوم خضر حمد، من قادة الأشقاء الإتحاديين، بعث في ثلاثينيات القرن بأغنية "يا غزال الروض" الي معهد فؤاد الأول للموسيقي الشرقية بالقاهرة لكي يخرجوا بها من المحلية بما لا يطمس سودانيتها. وفعل أهل المعهد ذلك بورع فلم يغيروا فيها إلا قليلاً خشية إفسادها واقترحوا إرسال طالب لدراسة علم الموسيقي ليحل مسألة تطوير اغنية السودان من جذرها. ومن جهة أخري تلقي تلقي مغنون آخرون علمهم الموسيقي العربي كفاحاً. فقد ذكر المؤلف أن المرحوم أحمد الجابري لم يكن يرتاد السينما اإلا حين تعرض الافلام الغنائية المصرية او للإستماع الي أشرطة الغناء المصري قبل العرض وخلال الإستراحة. بينما نبه المؤلف الي أثر الأغنية العربية المعاصرة ذات الإيقاع السريع علي "الأغنية الشبابية" السودانية في التسعينات بشهادة الفنان وليد زاكي الدين.
أعجبتني عناية المؤلف بسداد المصطلح في الكتابة النقدية. فهو مهموم بإضطراب هذا المصطلح في الكتابة عن أغنية السودان المعروفة. وقد شهد المؤلف للمرحوم الفنان جمعة جابر بفضل النهج الصارم في تدقيق المصطلح. فالمؤلف لا يقسم غناءنا في القرن العشرين الي "حقيبة" و"حديث" و"شعبي" كما درج الناس. فهو يرد هذا التقسيم الي ملابسات في الإذاعة جعلت لموظفيها الكلمة العليا مع أنهم حكموا بما اتفق لهم ولم يتوفروا علي درسه وتمحيصه. فتعريف الأغنية الحديثة بانها ما صحبته الآلآت الحديثة أدي في قوله " بشكل عفوي الي جر الأغنية التي سبقتها (أي الحقيبة) الي خانة الماضوية والقدم، وما يستتبع ذلك من تقليل شأنها". علاوة علي أن أغنية الحقيبة قد استصحبت الآلآت الحديثة منذ ابتداعها في مستهل القرن العشرين.
من الجهة الأخري عاب المؤلف علي الصحافة الفنية وصف غناء الحقيبة بالفن الشعبي حتي صار لفنانيها داراً سموها "دار الغناء الشعبي" (أي الدار الآخرة لنقابة الفنانين "الحديثين") بينما فنهم بخلاف ما نشاهده يعرض في برنامج "صور شعبية" التلفزيزني للأستاذ الطيب محمد الطيب مثلاً. وقال المؤلف أنه ربما كان مدار هذا التقسيم العشوائي هو ما زي الفنان لا فنه. فمن لبس بدلة كان محدثاً ومن لبس جلابية صار في عداد الشعبيين. وعلي حسن ظن المؤلف بلجنة النصوص والألحان بالإذاعة إلا أنه يراها رسخت هذا التقسيم الجزافي للحديث والشعبي. فقد تشددت لجنة النصوص في إلزام قصيدة الاغنية الشعبية قافية واحدة بينما اشترطت تعدد القوافي للاغنية الحديثة علي غرار الموشح. وقد انكشفت عورة هذه التفرقة بين الأغنية الشعبية (الرق) والحديثة في قول المؤلف حين غني مطربو الشباب أغاني محمد احمد عوض "الشعبية" بفرق وتوزيع موسيقيين.
وتفادياً لهذا الشذوذ اقترح المؤلف أن تسمي اغنية الحقيبة ب "الحديثة" بينما تسمي الأغنية المسماة "حديثة" ب "المعاصرة" لميلادها في الأربعينات من القرن الماضي. والمؤلف عليم بعيوب خطته هذه بالطبع. وقال بها مع ذلك ليرفع شبهة الازراء عن الحقيبة. وألمح المؤلف أنه قد يقبل ما تواضع السودانيون عليه من إعتبار الغناء الجهوي "فولكلورا" أو غناءاً شعبياً بالآته الإقليمية المعروفة. ويلاحظ مع ذلك أن مصطلح الغناء الشعبي شمل حقيبة الفن عند البعض عندما اعتمدت علي الرق والطبل. وتناول الكتاب بإيجاز مسالة "التراث"وقال أن هناك من يحصرونه في إغنية أمدرمان-الحقيبة. والتراث عنده إيغال في القدم ومع ذلك عوملت الحقيبة كتراث حتي في حياة صناعها.
وهذا كتاب صادر عن شغف بالحيوات التي من وراء الأغنية السودانية من شعراء وإذاعيين وعن أريحيتهم وموهبتهم. فقد كان ليسن معني، الإذاعي المعروف، حاسة شم غراء للموهبة الغنائية. فمن بابه دخل السر قدور (غفير نادي حي البوستة الثقافي) الي عالم الفن عن طريق نص مسرحي أجازه معني له. وقد اشتهر السر شهرة حققت نبوءة أغنية نظمها أحد جدوده. فقد كره هذا الجد قريته المسماة "أم بوري" بجهة الدامر ورأي أن كل من هجرها حالفه الحظ وأسعده. فقال:
أم بوري بلداً قاعة
جميع الفارقوها بلابضاعة
جونا معلقين الساعة
وعاد السر الي أم بوري التعيسة ببضاعة الكلم الطيب واللحن العذب.
وفي زمن الشكوي الذائعة عن تهميش إبداع الأطراف لا يذكر الناس ليسن معني أنه قد جاء للوجود ببرنامج "في ربوع السودان" عام 1956، عام إستقلالنا الوطني، بما يشبه "وجدتها وجدتها". فقد جاءه ذات يوم من ذلك العام غفير الإذاعة برجل كبير من شعب المسيرية يريد تسجيل أغان للبرنامج الصباحي الذي كان يسن يقدمه. وأخطر معني المرحوم عبدالرحمن الخانجي، مدير الإذاعة، بمطلب الرجل المسيري. فجاء الخانجي واستمع اليه بصحبة خاطر أبوبكر، فراقهما، وسجلا له اغنيات ثلاث. ثم أجاز الخانجي فكرة برنامج "الربوع" فغني فيه عثمان حسين "القمر بوبا" (منقولة من حفل للإتحاد النسائي) ثم أحمد عمرالرباطابي. وفي زيارة لحلفا سجل البرنامج اغنيات لمحمد وردي وتلاميذه. ثم جاء وردي عن طريق "الربوع" وغني "الليلا ووبلا" و"الليلة ياسمرا". وكنت قد قرات لوردي من عهد قريب يشكو من العناية بالحقيبة وتقديمها دون غناء الأقوام غير المنحدرين من أصول غير عربية. وواضح أن هناك من حاولوا ولهم أجر الإجتهاد.
وقد توقفت بصورة خاصة عن جهد رجل آخر لحمل مواهب الهامش الي المركز . والرجل هو عوض محمداني من مكتب إعلام كردفان في عام 1963. وتركز هذا الجهد في "رسالة مديرية كردفان" التي ظل يبعث بها الي راديو أمدرمان لمدة 11 سنة من أستوديو بدائي من خشب الموسنايد، بآلات تسجيل نقالة، وخلا من جهاز لخلط الأصوت. وكان البرنامج الذي جري إعداده علي هذه المائدة المتواضعة نافذة للأغنية الكردفانية. وجاء عن طريقه الفنان عبدالقادر سالم بسلم اهله البقارة السباعي وأستنكر الناس ذلك منه وأتهموه ب "بلطش" الالحان من الموسيقي العربية. وكان الإتهام محض نقص في علمنا ببلدنا.
وقد استوقفتني محطات بارزة في حياة الرجال والنساء الذين ندين لهم بتراثنا أو ذوقنا الموسيقي. وأسعدتني براءة المؤلف في تراجمه من حزازات الصفوة الحديثة. فقد وصف إسماعيل خورشيد ب"العبقرية" مما لايجود بها له غيره. وقد ردتني سيرة قرشي محمد حسن الي عهده كشاعر غنائي رقيق من جيل شباب مباديء الخمسينات بمدرسة وادي سيدنا ممن غني له الفنان عثمان حسين كرفيقيه السر دوليب وحسين بازرعه. فقد حجبنا عن إرث قرشي الغنائي الباكر نجاحه الباهر في كهولته وشيخوخته في إذاعة برنامج (أدب المدائح) ونشر عبيرها في كتب مرموقة. فقد كتب قرشي "خمرة العشاق" علي طريقة الموشح وغناها عثمان حسين. والتحول عن الغناء الي المديح طريقة متبعة يظن بعض الناس أنها مما ينكر به الشاعر لهو الشباب وغيه ويتوب به عن الإثم الي التقوي. وهي عندي غير ذلك. فهذا التحول عندي مكر. إنه الذوق نفسه يتلون كالحرباء ليقاوم الزمان الشقي بالدندنة والنمة والذكر الجميل.
بل زاد المؤلف بأن توقف عند سيرة أغنيات بعينها. ف "أجراس المعبد" لحسين عثمان منصور لها قصة. فقد قيل أن مراقب مواصلات العاصمة أمر سائقي الترام بالتوقف عن السير متي ما كانت هذه الأغنية مدرجة في برنامج اليوم الإذاعي. فقد أراد للركاب سماعها من مكبر صوت المحطة الوسطي من فرط شهرتها وتعلق الناس بها.
وقد علمت من الكتاب أن أغنية "ياقسيم الريد فوقك النبي" هي من كلمات ديمتري البازار، سلطان الطرب السوداني. وقد رتبها علي إيقاع التم تم الذائع وقتها في محاولة صفوية منه (وصحبه سيد عبدالعزيز وعبدالقادر تلودي) للخروج بالأغنية من التم تم الهابط بتم تم صاعد. ثم اقتحم التم تم عالم الإسطوانات تتزاحم عندها مناكب الرجال والنساء. ولا أمني شئياً مثل ان اقرا سفراً ذكياً عن هذا البازار. واتمني ان يتوافر عليه الأستاذ معاوية يسن، مؤلف هذا السفر، بعد أن صارت كل أوراق البازار في عهدته.
وقد أردف المؤلف سير أهل الغناء بمسرد التاريخ الغنائي والموسيقي في السودان. وفيه حاول ضبط الحوادث البارزة في حقل الغناء بحسب وقوعها في الزمان . وهو مسرد لا غني عنه للمؤرخ وكتاب الصحف بصورة خاصة ممن رأيتهم يسألون بلا معين عن تاريخ حياة أو موت فلان ويجازفون. فقد علمت من المسرد ان تاريخ قدوم آلة العود الينا كان عام 1920 علي الترجيح وأن اول إسطوانة صدرت كانت لبشير الرباطابي في 1928. وأن مولد عثمان حسين كان في نفس العام. وفي العام التالي له كان مولد برعي محمد دفع الله واستخدام كرومة للرق في غنائه. وكان أول أجر تقاضاه مطرب سوداني نظير كدحه في عام 1931 وهو عبارة عن 15 جنيه أرسلها البازار الي عبدالله الماحي بحوالة بريدية علي مكتب بريد شندي. ورحل عن دنيانا سرور في عام 1946 وجري دفنه بمقابر المسلمين بأرتريا. بينما تخرج اسماعيل عبدالمعين من معهد فؤاد الأول للموسيقي بالقاهرة عام 1952 . وكان عام 1954 عام إذاعة أول حلقات حقيبة الفن. وغادر دنيانا في 1956 الفنان عمر احمد مبكياً علي صباه. وكانت أول رحلة فنية كبري للجنوب بترتيب اللواء طلعت في 1959 وضمت الراقصين مامبو وأفريكانو وانضم لها يوسف فتاكي. وودعنا في 1968 الفنان عثمان ألمو. ورحل عنا ايضاً في 1979 العقيد مرجان أول من دون نوتة السلام الجمهوري. وتوفي سلطان الطرب، ديمتري البازار، في 1989. ولو اكتفي معاوية بهذا المسرد دون الكتاب لطوقنا بدين مستحق. فعلي عاتق مثل هذا العمل الببلوغرافي الصعب تقوم الكتابة النقدية علي بينة من التاريخ وبيان منه.
وسيعجب القاريء بسعة حيلة المؤلف من جهة المصادر التي استعان بها في تأليفه. ومن هذه المصادر ما سعي اليه بقدميه ومنها ما أوجده من عدم. فقد استنفد المؤلف تراث مجلة هنا أمدرمان ( مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح) التي هي وعاء تاريخ الأغنية الأعظم. كما قرأ "الصباح الجديد" التي تلقاها مباشرة من محررها المرحوم حسين عثمان منصور. وهي من أنفع المراجع عن الفن في منتصف الخمسينات.كما نظر في ارشيف الإذاعة السودانية وعاد الي برامج ترجع الي ستينات القرن الماضي. ونقب في مكتبة القسم العربي بالبي بي سي ومتحف الجيش البريطاني وتسجيلات من التلفزيون والقناة الفضائية السودانية. وغشي الإنترنت كمثل موقع مدينة مدني الذي حوي سيرة الكاشف. كما ساعدته سكني المهجر والعمل في صحافته أن يجمع كل المقابلات التي أجراها صحفيون لصحف عربية مع مبدعين سودانيين. والمؤلف لقاط للمصادر. فقد وجدته اطلع علي كتب الهامش الثقافي التي تصدر عن نقاد هواة أو معجبين بمغن او آخر. وهي مما يصعب جمعه إلا لوراق عتيد عنيد.
ومن أبرز أبواب الكتاب فصله عن إرشيف الأغنية السودانية التي فصل فيها محفوظات الأغنية السودانية وقيمتها ونقاط قوتها للباحث. فمكتبة إذاعة وادي النيل (صوت السودان سابقاً) لم تعن بالحقيبة مثلاً علي قوتها في ضروب الغناء الأخري. بينما تفوقت بريطانيا في ارشفة الأغنية السودانية مما هو موجود بإذاعة لندن والأرشيف البريطاني للصوت. وندين بالفضل في هذا الي الدكتورة لوسي دوران المحاضرة في جامعة لندن. فقد جاءت الي السودان وجمعت ثروة مرموقة من تراثه الغنائي. ووصف الكاتب ذخائر هذه الأراشيف تفصيلاً: أغنية بعد اغنية .ولم يذكر للأسف إرشيف معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية الذي جمع وأوعي.
ومن المراجع التي اوجدها المؤلف إيجاداً تلك المقابلات العديدة التي أجراها مع فنانين ومبدعين سودانيين. وقد استفاد من اقامته الطويلة بلندن التي يغشاها صفوة السودانيين لعقد هذه المقابلات. وهذا دأب وطلب حثيث للحق. وقد سبقه الدكتور عبدالوهاب الأفندي الي تسخير سكناه لندن لغرض "اصطياد" صناع الفكرة والحركة الإسلامية لمقابلات أغنت كتابه المعروف "ثورة الترابي". فقد التقي المؤلف في لندن بطائفة من المبدعين منهم عثمان عبدالله وقيع الله، أزهري عبدالقادر نور الهدي (عازف) ، عثمان مصطفي، محمد وردي، أحمد الجابري، محمدية، الشفيع، سيد خليفة. كما أعد مذكرات كتبها بعد لقاءات مع الفنان عثمان الشفيع. وقد ورث المؤلف أوراق البازار كما تقدم كما ورث أوراق حسين عثمان منصور. وهذا كسب يدل علي ولع بالبحث وسماحة مع حملة التاريخ وسخاء نفسي كافأه عليه اولئك الحملة الذين يوادون من يوادهم.
هذا كتاب نافع لن تعود الكتابة عن الأغنية السودانية المعروفة بعده كما كانت قبله. وسيبقي مثله في وكد البحث وتحري المصادر وبراءة الخاطر قدوة تحتذي في حقول أخري
|
|
|
|
|
|
|
|
|