|
محمد أبو القاسم حاج حمد: لو ما الزمن كان ليل د. عبد الله علي إبراهيم
|
المفكر والمثقف والسياسي السوداني الرأحل أبوالقاسم حاج حمد ما زال حاضرآ فى الساحة الاعلامية السودأنية،فالرجل له اسهامات كبيرة فى مجال الفكر السياسي السوداني، وقد كان من اقوى المناصرين للثورة الارترية،كتب الدكتور عبالله علي ابراهيم مقال شيق عن الرأحل ابوالقاسم حاج حمد فى سودانايل محمد أبو القاسم حاج حمد: لو ما الزمن كان ليل د. عبد الله علي إبراهيم كنت رتبت نعياً للراحل الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد استعيد فيه بعض ذكريات الصبا علي عهد عطبرة الثانوية في النصف الثاني من الخمسينات. وكنت أعلم أنني ساقول فيه قولاً قليلا. فقد غاب المرحوم عن رادار لقاءاتي وإطلاعي منذ فارقنا الثانوية حتي تجدد اجتماعي به في ساحة جريدة الصحافي الدولي في أول هذا القرن. كنت سأكتفي في كلمتي القصيرة بقولي أنني كنت أراجعه في جغرافيا واقتصاد مشروعات طلمبات المياه في ريف الشمال كخلفية لرواية كنت أخطط لكتابتها وعنوانها "الباجور" فيها صدي من ذكريات باجور بلدنا الممتد من البرصة الي النافعاب. وربما أملاها علي تأثري القوي برواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي. ولم أكتب الرواية بعد. وكان لوالد محمد باجوراً في مقرات الرباطاب او الصالحين قدرت أن محمد مطلع علي حيثياته. وكنا نسمي محمداً "العمدة" لخطوه وعباراته الواثقة التي لم تزايله حتي لحق بالرفيق الأعلي.
وآخر عهد صباي بمحمد كان بأمدرمان بانت. فقد استأجرت اسرته منزلاً بالحي. ودعي محمد بعضاً من دفعتنا ، وهو دوننا في حسابها، بجامعة الخرطوم للغداء وفيهم المراحيم صابر بحاري وعبدالله صالح وعبدالله محسي (ورحمة الله تغشاهم جميعاً). وكان تاج السر محمد خير وود الأحمدي فيهم ايضاً. وما فرغنا من الغداء الطيب حتي اخرج علينا محمد مسودة كتابه الأول عن القومية العربية وقرأه علينا من أوله الي آخره. ولم يغفر له تاج السر محمد خير هذا التثقيف القسري. وقال وقد ودعنا محمداً وتركناه خلفنا نخطو نحو شارع الأربعين بحثاُ عن طراحة تاكسي: "دا غداء اشغال شاقة. ياخي تغدينا تقرأ علينا مولد بحالو." ولم نكن نقرأ في منزل آل محمد خيرخوجلي حرفاً واحداً علي كثرة "مغادينا" في منزلهم العامر بعطبرة بين رفق الوالد سر التجار محمد خير وإشراقة ابنه الأكبر هاشم، عليهما الرحمة.
أردت تطويل نعي محمد ودعمه بقراءة بعض كتبه. ولما وقفت علي مؤلفه "السودان: المأزق التاريخي" عرفت لماذا تعطل علمي بمحمد بعد تلاوته أول كتبه علينا. فهذه هي المرة الأولي التي اقرأ فيها كتاب المأزق علي انه صدر في الثمانينات الأولي. وقد قلبته مرات في الماضي وانصرفت عنه. ولم يكن إعراضي عنه لمحض ذوق سخصي. وربما إزور عنه ايضاً جيلي وقبيلي من خريجي جامعة الخرطوم ممن اسميهم "الغردونيين." فكتاب محمد ثمرة رحلة وتجربة في الآفاق الخاطئة منظوراً اليها من وجهة النظر الغردونية. فقد حرد محمد التعليم الجامعي بعد نهاية ما للمدرسة الثانوية وسافر للشام محتقباً عقيدته في القومية العربية وشغفه بالقضية الإرترية. وهذا الحاد عند الناشئة الحاضرة من أبناء ستوات الهرج. فهي تحرم الجمع بين أفريقيا والعرب في جملة مفيدة. وقد ذكر محمد دائماً فضل مكتبة حامد المطري في محطة الخرطوم الوسطي التي وثقت عري تعلقه بادب بيروت الشام علي عهد تنامي فكرة القومية العربية في شقها البعثي. وانصرف محمد الي شواغلها وقد أدار ظهره للتعليم النظامي. وقد انقطع عن العالم في خلوة درس في بيروت يلقي علمه كفاحاً واقعاً ومجازاً. فهو شيخ نفسه أولاً ثم هو يقايس بين المعرفة والكفاح للقومية أول بأول لا يقيم وزناً لترفع العالم عن خوض غمار الممارسة. وأكثر هذا تجديف في نظر الغردونيين. ولم تقع هذه الخلوة الإ لمنشق غردوني آخر هو المرحوم محمود محمد طه الذي آوي الي رفاعة في الأربعينات يلقي علوم الدين كفاحاً. وجريرة محمد كبيرة. فليس محمداً كاتب بالسليقة والعصامية وحسب بل أنه استقي علمه في الشام العربية الفرنسية التي ليست بشيء في مقامنا الغردوني الذي انجلترا ومشتقاتها هي قبلته ومحياه.
وكان محمد عالماً بميلاده في المكان الخطأ في الهرمية التعليمية في السودان. ولذا ميز نفسه عن الغردونيين مراراً في كتابه. وفعل ذلك بكبرياء ونقد بصير. فقد لاحظ أن السياسة هي الابأس حظاً في الكتابات عن السودان وترتب علي ذلك أنها افتقدت "معاناة الإصول المعرفية في تركيب الواقع الواقع السوداني . . . وبقيت علي السطح وفي حدود المقالة السياسية الظرفية أي تبسيط الإمور." وقد نسب هذه السطحية الي تأثر المثقف السوداني بالفكر الإنجليزي التجريبي خلافاً للفرنسي المائل للثقافة أو الألماني المائل للفلسفة. وعليه فقد يكون المثقف السوداني، في قول محمد، إدارياً أو سياسياً ناجحاً. غير أنه يقصر دون أن يصبح مثقفاً فالحاً تكون السياسة والإدارة بعض شغله الفكري. وقد اخذ علي جعفر بخيت، الذي استعان به كثيراً، قوله أن سايمز، حاكم عام السودان في 1933، "حاكم عام عظيم" لإنتهاجه سياسة حديثة في الإدارة. وقال ان من اعدوا رسائل جامعية في بريطانيا راعوا شعور المشرفين عليهم من الأساتذة الإنجليز أو طلبوا ودهم. وقال أنه استخلص من رسالة جعفر الوقائع وأعرض عن تحليله. وعاد لينعي علي المثقف السوداني عجزه النفاذ الي خصائص جدل التكوين السوداني بالنظر الي تدريبه الأدبي والسياسي الإنجليزي الذي حرمه من "الرؤية الفلسفية-التاريخية" للإمور. وقد وجد محمد نسباً ثقافياً له في معاوية نور، الذي هجر غردون الي بيروت، علماً وجراءة. وقال أن معاوية نور، البيروتي، علي خلاف الغردونيين اشتغل بفن التفكير، أو ما سماه محمد ب"عادة التفكير". فقد قرأ الموضوعات في الكتب لا الكتب محضاً حتي أنه لم ير في منشورات طه حسين وهيكل وسلامة موسي "فكرة أساسية".
ولعل أكبر مآخذه علي المثقف الغردوني أنه غير معني بتحليل المجتمع من حيث تراكيبه التاريخية. فحظه من التحليل رزق يوم بيوم في سرد طولي للتاريخ الذي ينسكب علي الصفحات عشوائياً وكأنه لم يتخلق من تراكيب مستترة تملي عليه اكثر حركته ووجهاته. وهذا حديث ليوم آخر
|
|
|
|
|
|
|
|
|