|
نهايات بعض علماء السلطان.. إهداء خاص الى د. عصام أحمد البشير و البقية
|
مقدمّة : في العام 1981 كنت حينها طالباً بمدرسة المقرن الثانوية العليا بالخرطوم أتى الينا شاب يتفجر صلاحاً و ورعاً و لطفاً و وسامةً فكرية كان هذا الشاب هو عصام أحمد البشير و حدثنا حديثاً من القلب و بلغة جذبتنا نحو رؤية آفاق جديدة و طرح مغاير للمفهوم التقليدي للدين . ذلك الوضوح و السلاسة و الإبهار في تفسير الآيات عصمنا كثيراً و نحن في بدايات المراهقة من الجنوح نحو الخطأ ودخلت جامعة الخرطوم وزادت مودتي و تقديري لعصام أحمد البشير عندما تأكدت تماماً بأنّه يختلف مع جماعة الاسلام السياسي و في بدايات الإنقاذ عندما كانت الأمور مختلطة عند الكثيرين بسبب الهوس و التضليل الذي كانت تمارسه الحكومة كان منبر جامع شارع 45 بالعمارات الذي يخطب فيه الشيخ عصام يبيّن للناس أن هذا الذي يحدث من الحكومة الجديدة هو مجرد هرجلة سياسية و متاجرة لا علاقة لها بالدين . و تمر الأيام و نفاجأ بالدكتور تارةً وزيراً و تارةً رئيساً و أخيراً و للمفارقة المحزنة خطيباً في مسجد النور. الموضوع التاريخ الإنساني يعج بأحداث كثير من العلماء الذين انحازوا الى معسكر السلطان رغم مخالفته لمقاصد الشرع و انتهاكه في كثير من الأحيان لكل أومعظم حرمات الله وبالمقابل هنالك بعض العلماء الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم الجريئة ضد الطغاة أو نالوا قسطاً وافراً من التعذيب و التنكيل ثمناً لمواقفهم أمثال سعيد بن جبير رضى الله عنه و الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و غيرهم كثر و لتييسير التناول نقول بدايةً أن العلماء يصنّفون الى ثلاثة أنواع علماء ربانيون و علماء سوء و علماء سلطان وكما هو معلوم فإن علماء السوء يقتصر فسادهم و افسادهم على أنفسهم و قليل ممن شايعهم أما علماء السلطان فهؤلاء هم أس البلاء لإن مخالطتهم للسلطان تؤدي لإفساد البلاد و العباد. و غاية هذا المقال تناول بعض أحوال علماء السلطان في الأزمنة الغابرة و مقارنتها بموقف علمائنا من واقعنا السياسي و الإجتماعي الراهن. و لإن نماذج علماء السلطان كثيرة فنكتفي في هذة المساحة بذكر ثلاث نماذج و نستهل نماذجنا عن علماء السلطان بقصة عالم سخّر علمه لمحاربة قيم التوحيد و الإيمان و الخير و العدالة التي كان يدعوا لها نبى الله موسى و الرجل في الروايات اليهودية يسمى بلعام و كان من أكثر تلاميذ سيدنا موسى اجتهاداً في العبادة و العلم حتى فتح الله له في العلم الرباني و صار مستجاب الدعوة يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي الله به استجاب و يقول بعض المفسرون أنه وصل مرحلةً في الفتوحات و الإكرام الرباني أنه يرى نور عرش الله و هو في الأرض و لكنه بعد كل هذا السمو و العلو سقط في امتحان الصمود أمام شهوة المال و النساء ولأنه مستجاب الدعوة استنجد به الكفار للدعاء على سيدنا موسى عليه السلام فأجابهم فخسر الدنيا و الآخرة و اندلع لسانه على وجهه و هلك محسوراً مخذولاً و لمن أراد المزيد من التفاصيل يمكنه الرجوع الى تفسير الآية الكريمة وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الأعراف / 175- 177 . النموذج الثاني هو لنبي فريد في كل شيء بدايةً من مولده مروراً بإسمه وملبسه و مأكله و ختاماً بثباته على الحق حتى الموت بل و بعد الموت ألا و هو سيدنا يحى بن زكريا عليهما السلام و كما هو معلوم وُلد لنبي بعد سن اليأس و هو أول من سُمى بهذا الإسم و معروفٌ عنه أنّه كان يأكل من ورق الشجر و يلبس وبر الحيوانات تفادياً لأكل الحرام وفي زمانه ذلك كان يوجد ملك يريد أن يتزوج أحد محارمه في رواية أنها بنت أخيه و في رواية أخرى أنها ربيبته أي بنت زوجته من رجل آخر و هنالك آخرون يقولون أنها زوجته و لكن طلقها بالثلاث و صارت لا تحل له إلا بعد أن ينكحها رجل. والشاهد في الموضوع أن جميع الروايات تتفق على حرمة زواجها منه و سيدنا يحى عليه السلام رفض تحليل هذا الزواج و قالها بملء الفم للملك أنها لاتحل لك و طلبت البغي الخاسرة رأس سيدنا يحى عليه السلام هديةً لها لتمكن الملك من نفسها فاستجاب لها الملك وقدمه لها في طبق فكان عاقبتها هي أن خُسفت بها الأرض أما زوجها و العلماء و العوام الذين لم ينصروا سيدنا يحى عليه السلام سلط الله عليهم بختنصر فقتلهم شر قتلة . وتستعاد الرواية مع اختلاف الموقف عندما صلب طاغية آخر عبدالله بن الزبير رضى الله عنه و أتى لأم الشهيد يشمت عندها فأفحمته بنت الصدّيق رضى الله عنهما بقولها إنّما أهديَ رأس سيدنا يحي عليه السلام الى بغي من بغايا بني اسرائيل النموذج الأخير لعلماء السوء في العصر الحديث هو الشيخ خليل البكري الذى زامن احتلال نابليون لمصر و معلوم أن معظم العلماء قاطعوا نابليون و لم يأكلوا من موائده أما شيخنا هذا فجامله في كل شيء بدءاُ من مسامرته و شرب الخمر معه و انتهاءاً بغض نظره و تشجيع ابنته لتكون محظية لنابليون كما روت كتب التاريخ و ذلك مقابل بعض الأمتيازات المادية و الرئاسية و معلوم أن المرأة خارج إطار الزواج تُدعى عشيقة أو خليلة و لكن الدلالة اللفظية لكلمة محظية تفيد بأنها محظوظة كون أن من يغشاها هو الامبراطور نفسه فيا للهوان. و كانت نهايتها المؤلمة أن قُتلت بعد خروج نابليون من مصر و أبيها كان هو من دلّ الثوار على مكانها وقد تم عزله من رياسة السجادة البكرية و نُزعت أملاكه و أكمل باقي عمره فقيراً يتسوّل الناس. ما ذكرته أعلاه مختصر لهذه القصص و أرجو من القارئ الكريم الرجوع الى كتب التفسير المختلفة حتى تنجلي له الرؤيا كاملةً و الآن سنحاول مقارنة ما فعله علماء السلطان أعلاه مع ما يفعله علماء سلطان هذا الزمان ونبدأ بقتل النفس البشرية بغير حق و هو ما أشار اليه النص القرآني في قوله تعالى (و كتبنا فيها أن من قتل نفساً كأنما قتل الناس جميعا ) للدلالة على عظم الجريمة و الشاهد أن الدولة تقتل في رعاياها المسلمين كل يوم في جنوب كردفان و دارفور و النيل الأزرق دونما ذنب بل الواقع يقول أن الحركات المسلحة هي الأقل خسارة في الأرواح و أن معظم الضحايا هم من المدنيين و من المفارقات المبكيات أن اسرائيل التى تلعنونها على المنابر في كل هجماتها داخل السودان لم تقتل مدنياً عن طريق الخطأ فلماذا لا يكون لكم موقفاً واضحاً يا علمائنا الأجلاء من الذي يتم في مناطق الحرب ضد المدنيين العذّل. و رغم أن النموذج البلعامي – إن جازت لنا التسمية – يمثِل أسوأ إصدار لعلماء السلطان إلا أنه في جوهره دعوة للحرب ضد رسل الله و تعاليمهم و كلما مر بخاطري جرأة بلعام هذا على الله و ونبيِه الكريم وبالمقابل موقف سيدنا زكريا عليه السلام في استشهاده الباسل دفاعاً عن حرمات الله تراءت لى جرأة علمائنا و هم يفتون بتحليل القروض الربوية رغم علمهم بأنّه من أكبر المحرمات بل و عد الله الذين يفعلونه بحربٍ من الله و رسوله علمائنا الأجلاء حّللوه بفقه الضرورة و إن كنت لا أدري حتى الآن ما الضرورة في قيام سد مروي بقروض ربوية و ما الضرورة الى قتل بعض المتظاهرين السلميين في امري و كجبار و ما الضرورة لتشريد مئات الأسر من قبيلة المناصير من أجل قيام هذا السد الربوي و هل لكم يا علمائنا الأجلاء طاقةٌ بمحاربة الله و رسوله فالنص القراني واضحٌ في هذه المسألة و لا يحتاج لكثير اجتهاد أسئلة كثر يضيق بها المقام و ليتكم حللتم قرضاً ربوياً و احداً إذن لهان الأمر و كان من السهل على المسلمين البسيطين من أمثالى الإقتناع بفتاويكم و لكن أن تتجاوز القروض المئات في العدد و البلايين في القيمة فهذا لعمري خسران الدنيا و الآخرة و كان الله في عونكم و عون وزير ماليتكم الذي يكاد يطير من الفرح كلّما حصل على قرض ربوي جديد. عندما يأتي الكلام عن الشيخ خليل البكري نذكر أنّ جريمته هي سكوته و تشجيعه لعلاقة محرّمة بين ابنته و الطاغية الفرنسي مقابل بعض الحطام الدنيوي و هنا يرد في الخاطر فعل حكومتنا السنِية التي سمحت لآلاف الجنود الأمميين باغتصاب بلادنا بعد أن حكمت على مواطنيها بالموت جوعاً و فقراً و قهراً و كان نتاج وجود الأحذية الأممية في بلادنا التي داست على كبرياءنا و كرامتنا و سيادتنا كان نتاج هذا الوجود تفشي الأمراض القاتلة و الثقافات و العادات الغريبة و الأوبئة الفتّاكة و دونكم احصاءات الإيدز و السل و الحمّى بكل ألوانها و أشكالها. علمائنا الأجلاء يظلمكم كثير من الناس بتسميتكم علماء الحيض و النفاس و لكنِى لا أشاطرهم الرأي فكثيرٌ منكم أعلام في مجالات الدين المختلفة من فقه و عقيدة و لكن هنالك بعض التساؤلات التي لا أجد لها جواباً ألخصها لكم فيما يلي : أولاً : متى ستتوقفون عن تحليل الربا و استخدام فقه الضرورة – حيث لاتوجد ضرورة - لتحليل كافة المحرمات. ثانياً : هل تنامون ملء جفونكم ترفلون في النعيم و أبناء شعبكم يعانون الذل و المسغبة والهوان في معسكرات النزوح أو الموت في المراعي و المزارع بسبب الحرب ثالثاً : هل أنتم على استعداد لتحمل وزر مقتل و دماء الآلاف من السودانيين بغير ذنب أو مسوغ شرعي سوى التواجد في مهد أبائهم رابعاً : متى سنسمع أنكم تركتم حياتكم المنعمّة و غبرتم أرجلكم ساعةً في سبيل الله متفقدين ضحايا الحروب العبثية في دارفور و ج. كردفان و ج. النيل الأزرق خامساً : دعونا نفترض معكم أنّ حقار و الحلو و عرمان وخليل و مناوي أحياؤهم و أمواتهم بأنّهم خونة و مجرمين و عملاء ألا يفترض بكم التفاوض معهم لحقن دماء المسلمين و هل يا ترى لو كانت هذه الحرب بكل ويلاتها و نتائجها في الخرطوم أو ديارنا في الشمال هل كنتم سترفضون التفاوض و لماذا تفاوضتم مع الدكتور جون قرنق في السابق سادساً : التساؤلات كثيرة وهي ليست قاصرة على العلماء فقط بل هي تخص كل من شايع و أيد هذه الحكومة و ربما في مرةٍ قادمة نواصل و لكن تبقى الخاتمة المعروفة و هي أنّ المرء يُحشر مع من أحب فاختاروا مع من تحبوا أن تحشرون مع القتلة أم مع الضحايا خاصةً و أن معظمكم جرت به السنين و صرتم قاب قوسين أو أدنى من القبر و حينها و أنتم أدرى بسبب علمكم كيف سيكون منقلبكم و كذلك أنتم أدرى بشروط التوبة و أولها الندم و يتبعه الإقلاع عن الذنب و من ثم بقية الشروط فهل أنتم تائبون غفر الله لي و لكم ؟
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نهايات بعض علماء السلطان.. إهداء خاص الى د. عصام أحمد البشير و ال (Re: شمس الدين التوم)
|
اولا شكرا يا وليد على الجهد المبذول فى البوست ثانيا لااعتقد ان هولاء القوم يستمعون الى ندائكفى السطر الاخير فقد ماتت قلوبهم وضمائرهم وتلاشت بصيرتهم واصبحو عبدة الدرهم والدولار وخلقو لهم اصناما تمشى على قدمين بدلا لتلك الاصنام التى كانت من حجارة ولكل عالم منهم صنمه المفضل فتجد ان احدهم من محاسيب نافع والاخر من محاسيب قوش والاخر من محاسيب البشير وذلك من عبدة على عثمان ... لقد فات فيهم الفوات واننا سنلتقيهم يوم لاظل الا ظله ... وساعتها سنكون انداد ونصفى التار الصاع بالصاع زى ما قال ود بادى .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نهايات بعض علماء السلطان.. إهداء خاص الى د. عصام أحمد البشير و ال (Re: ALWALEED ALSHEIKH)
|
الأخ وليد الشيخ .. مرحبا بك في المنبر وشكرا على هذا الموضوع الضافي تصحيح لخطأ في كتابة الآية الكريمة
Quote: هو ما أشار اليه النص القرآني في قوله تعالى (و كتبنا فيها أن من قتل نفساً كأنما قتل الناس جميعا ) |
( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نهايات بعض علماء السلطان.. إهداء خاص الى د. عصام أحمد البشير و ال (Re: محمد جلال عبدالله)
|
الأخ محمد جلال عبدالله لك كل الشكر و التقدير الجزيل على تصحيح نص الآية و هذا خطأ يقع فيه كثير من الناس - و أنا منهم - عند اجتزاء النص القرآني و كما يقولون فقد عجلت مما أوقعني في هذا الخطأ الفادح فأرجو من الله المغفرة لي و لك فكما تعلم أن العجلة و عدم المراجعة و سوء الحفظ وغيرها ليست مبررات لي أو لغيري للخطأ في كتابة الآيات القرآنية و مرةً أخرى لك كل الشكرو الود و التقدير.
| |
|
|
|
|
|
|
|