خداع التحليل العقديّ للأحداث

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 05:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-27-2013, 03:12 PM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خداع التحليل العقديّ للأحداث




    خداع التحليل العقديّ للأحداث
    د.محمد حامد الأحمري
    05/08/2006




    المعرفة بالجغرافيا السياسية المتجددة والمصالح، ومنها الثروة والقوة والدين (أو المذهب)، واللغة والتاريخ والجغرافيا والجنس والأشخاص، من أدوات التحليل للموقف السياسي، وغياب شيء من هذه الأسس، أو المبالغة في أحدها يضعف التحليل السياسي ويحرفه إلى جزء من القضية، فيصبح التحليل رديئاً وخاطئاً، ويورط أصحابه في الموقف الخطأ. وحديثنا هنا هو عن أثر العقيدة في الوصول إلى أخطاء تحليلية فادحة، وبمقدار ما يزيد الشحن العقدي للمحلل أو المتلقي، فإنك تجد العقل ينزوي جانباً تاركاً للعاطفة ـ التي تعمل تحت غطاء العقيدة- أن تنهل من الأدلة المعاصرة والتاريخية أدلة وشواهد تؤيد عقيدة وحزب المحلل وتوثق رؤيته، وقد يسمي موقفه موقفاً مؤصلاً صحيحاً شرعياً، ويزيد من عبارات التوثيق التي لا تنفع شروى نقير في المعرفة ولا الوعي، ثم تكون النتيجة التي يصل إليها خطأ فادحاً.
    فتجد المحلل العقدي ينهي الموقف بلوم العقائدي المخالف ويحمله جرائم العالم، كالقول بأن المشكلات أو الهزيمة سببها عبد الله بن سبأ قديماً، أو الشيعة حديثاً، أو المعتزلة أو الشيوعية أو الوهابية أو الصوفية أو الرأسمالية أو الصهيونية، ويغفل تماماً أي بنية للمشكلة من الطرف الذي هو فيه، والعقديّون المضادّون إن كانوا في مستوى عقله ردوا عليه بالطريقة نفسها، وبهذا تضيع الحقيقة.
    وقد يكون العامل العقدي في لحظة ما صحيحاً، بل وحاسماً، وهناك أدلة عليه، ولكن القول باطراد العامل العقدي مؤثراً وحيداً في أحداث التاريخ ينتهي بخطأ شنيع في النهاية. ويجب الحذر من جعله مدار التحليل والتفكير في الموقف السياسي.
    وهذا لب المراد في هذه اللحظة، فالمشايخ الذين يفسرون الحرب في لبنان على أنها مشكلة شيعية، وانحراف وتوريط نجد تفسيرهم عقدياً جزئياً وخاطئاً، وبهذا فهو يؤيد الذين هم على الطرف الآخر الذين يرون سبب الإرهاب والقتل والدمار في العراق هم السنة مثلاً، أولئك الذين لم يتفهموا بزعمهم الموقف الشيعي الذي يزعم أهله أنه حصيف!!
    لماذا يعاني التفسير العقدي من القصور، والتعصب وقصر النظر؟
    لأن المحلل العقدي يؤمن بأنه على الحق دائماً، وأن النصوص معه تؤيده وتحفزه وتحدد أطراف المعركة بدءاً بالتوراة والإنجيل ثم القرآن إلى نصوص ماركس. ويعاني من استسلام غير واع للنصوص وللأفكار التي يسيء فهمها.
    ثم يقع المحلل العقدي في مرض آخر في تحليله؛ هو اللجوء إلى التاريخ، والتاريخ من سعته وكبره وإمكان التعديل والتحوير والعبث به لا يرد يد لامس، ويمكن للجميع استخدامه. ولأن المحلل العقدي قد مر من قبل بمراحل تثقيف، بعضها معرفة وبعضها أوهام معرفة أو أوهام ثقافة، وبخاصة تلك الطريقة والثقافة التي تسير من الفم إلى الأذن ومن السطر إلى اليد، ولا تمر بالعقل، بل لا يسمح بالتفكير النقدي فيها.
    فذلك المحلل العقدي الذي أشبع عقله وعاطفته بمعلومات بعضها صحيحة وفيها أخطاء وسوء تفسير؛ وثّقت موقفه العقدي الضيق والمعصوم دائماً وبخاصة داخل دوائر الأتباع الضعفاء، الذين حُرموا من التفكير النقدي والعقلي، وامتلؤوا بالتكبير من أهمية قول المصدر المعصوم عندهم، والتأييد المطلق له. فقد يسمي تحليله بأنه صادر عن عالم رباني!! وهذه غاية الخداع للنفس والعقل، وولوج في طريق الظلام والجهل؛ لأن هذا الشيخ إن كان لديه معرفة جيدة بعلم أو حفظ نصوصاً، فمن يؤهله للربانية فيما لا يعرف ولا يحسن تقديره.
    المحلل العقدي المتزمت لطائفته سواء أكان شيوعياً أم شيعياً أم سنياً، فإنه لا يرى العالم إلا من خلال عقيدته، وهي تعطيه مرة جزءاً ########اً من المعرفة، ومرة تساعده كثيراً على المعرفة في التحليل، ولكن تغيب عنه آفاق قضيته.
    إننا نجد في التحليل الاقتصادي والعنصري الاستعماري تفسيراً كثيراً للأحداث الدائرة اليوم، للصراع بين الأقوياء والضعفاء، بين الشعوب المغلوبة المقهورة على أرضها وثروتها وبين الغالبين تفسيراً واضح التعليل، أما التفسير العقدي فيسقط عند رجلي قائله، وبخاصة لو نقله إلى الحدود المجاورة لبلد التحليل، فلو نقلت صراع سنة وشيعة بضعة كيلومترات من لبنان إلى فلسطين لسقط، ولو حملته إلى إيران أو العراق أو أفغانستان، فلا شك أنه لا يساوي حبراً كتب به.
    وقفت دول الخليج السنية مع الأمريكان في حرب ثماني سنوات مستمرة، فهل كان السبب أن الأمريكان سنة؟ أم أنهم كانوا بعثيين؟ أم أنهم سنة ضد الشيعة؟ أم استعانة بالكفار على أهل القبلة؟ أم إيقاف الثورة وهي عند قوم أشد من الكفر؟ والإشكال هنا كيف يزعم قوم أنهم يرون الشيعة من أهل القبلة، ثم يناصرون قتلتهم إن كانوا يهوداً أم نصارى؟ -انظر مقالة للشيخ فيصل مولوي في هذا الموضوع نُشرت في مواقع إنترنت-.
    وعلى الطرف الآخر من الاتهام الشيعي للسنة، ماذا نقول لمن يرى منهم أن المجتمع والثقافة السنية ثقافة خيانة وولاء للنصارى، ضد المسلمين كما يقول الذين على الشاطئ الآخر؟ وهل الشيعة ثقافتهم خيانية بسبب وقوفهم مع الأمريكان ضد السنة؟ وعندما يحارب الشيعة الأمريكان أو الهنود أو الصينيين أو الأتراك مستقبلاً لتحرير بلادهم في العراق أو إيران أو غيرها، فلماذا يفعلون ذلك؟ هل هذا بسبب العقيدة الشيعية؟ أم أن التصنيفات والعقائد المسبقة تقضي أحياناً على عقل المحلل المنزوي في زاوية العقيدة؟
    إن العقائد جزء من التحليل، ولم تكن ولن تكون مدار كل تحليل سياسي أو معرفة لموقف. ولو استعرضنا الموقف في صورته الدولية لكان أكثر وضوحاً؛ فيما حدث لدول المعسكر الشيوعي وتنافرها.
    والتحليل العقدي، والتفريق بين الناس بناء عليه، كان ولم يزل أداة مهمة من أدوات المستعمرين، وكم شيخ يقول وهو لا يدري أبعاد قوله، ويحلب في قدح المحتل الصهيوني أو غيره، وهو يرى أنه ينصر طائفة أو عقيدة أو مذهباً أو يدعي أنه ينير الطريق للأمة، بينما هو يرتكس بأتباعه في الظلمات، ويستعيد معارك الفرق والتاريخ، ويغيب عن الشهود ومصالح الحاضر، وكان أولى به أن يعرف بعض أصول التحليل لما يتحدث عنه، وأن يرشده من يستطيع بالخروج من قوقعة كتب مناهج العقيدة، ويخرج ليرى العالم كما هو.
    التفسير العقدي، ومن يقوم به كلما رأى حادثة ما، أو جرت له قصة ما، فإن مؤداها أصبح واضحاً وحاسماً، والقاعدة عنده "هم خطأ ونحن مصيبون، هم ضالون ونحن مهتدون، فنحن منتصرون وهم مهزومون"؛ حسنة هذا التحليل أنه مصدر ثقة وقوة للعامة، وللجنود في الميدان، فليست ثقافة الجندي أن يصرف وقته في التحليل والتأكد من صحة المعلومة، بل تنفيذ المطلوب.
    المحلل العقدي ضيق الأفق، قريب المدى، محدود الأبعاد في التفسير، ويأنس لرؤيته وموقفه، أولئك المحدودون الذين لا يتحملون تعدّد مجالات الرؤية، وصحيح أن التفسير الأحادي المغلق، الذي لا يدع مجالاً للتفكير ولا تعدد الأفهام، يصلح للقادة الغوغائيين، وقادة الجنود في الميدان، ولكنه لا يصلح لمستوى أعلى من الناس، ولا يصلح أن يسيطر على دولة؛ لأنها ستصبح بهذا التفسير فاشلة، يسيّرها رأي عقدي ضعيف ضيق، ومحدود الاطلاع وسيئ التقدير للمصالح؛
    لأن هذا التفسير يفقد الأسس المعرفية والعملية السياسية، مع أنه ناجح في إثارة الغوغاء. فالآخرون المخالفون عنده دائماً على الخطأ، دائماً وهم عملاء وصائرون إلى الفشل دائماً.
    العقائدي في تحليله وثوقي جداً بما يقول، ولا يميل إلى فتح احتمالات أخرى تعود بالشك فضلاً عن نقض وثوقيته. ولهذا فإنه كلما قلّت معلومات العقديّ زادت ثقته بصحة معلوماته، وهذا يضعف الفهم، فيكتفي المحلل بالعاطفة بديلاً عن العقل، في الإقناع والتهييج أو يستدعي التاريخ للشفاعة.
    من أبرز النماذج المهمة عالمياً لمعرفة خطل التحليل العقدي وخداعه لأهله، ما حدث من ثقة علماء الإسلام في تركيا من أن الإسلام حق، والله ناصره، والتقنية التي عند الغربيين لن تنتصر لأنهم كفار ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلاً. ومن الأمثلة التحليل النازي الذي زعم أن الجنس الجرماني لا يُغلب، ولن يطاوله جنس في العالم.
    والتحليل الشيوعي في روسيا، كانت عقدته ثقته العقدية، فقد اكتشف جورج كينان نقطة الضعف هذه في العقلية السياسية الشيوعية ورصدها بدقة واستمرار للمعرفة والمراجعة، ثم حدّد مرض الحزب الشيوعي بأنه: "الثقة العقدية"، فالعلمية التاريخية والحتمية التاريخية، التي تنصر الطائفة المنصورة –وقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس لدى النصارى (انظر كتاب طارق متري، مدينة على جبل)- سوف تنتصر دائماً. وهي التي تحدد اتجاه العالم ومصيره وإنه سيكون دائماً في خدمتها، حالاً ومآلاً. فكان الشيوعيون يرون أن مستقبل العالم وتوجهه سوف يكون نحو الشيوعية؛ وذاك كان خداعاً للنفس، وقصوراً في التحليل، فعند الشيوعيين أنه لو حصل حريق في غابة أو شغب في شارع رأسمالي فإن هذا يعني أنه سيؤول الأمر إلى انتصار الشيوعية.
    وبعد مراقبة ذكية للعقلية العقدية الشيوعية، عرف خصومهم أن هذه العقيدة هي مفتاح التغلب عليهم، والسيطرة على أفكارهم من خلال تركهم يتمادون في هذه التفسيرات، وقد قامت مراكز بحث وتوجيه للمعرفة والسياسة تهتم بصحة هذا التحليل لنفسية العقديين، وإمكان الاستفادة من ضعفها، ثم تنفيذ خطة تنتهي بالإخفاق الكبير للموقف الذي لا يناقش ولا يصحح نفسه، وقد كان! فأكد للشيوعيين أن يغرقوا في تحليلهم هذا، ويحاصرهم ثقافياً في قبو الماركسية العلمية، ويمنع منهم حركة الانفتاح الفكري والجغرافي والاقتصادي والتوسع حتى تموت الشيوعية في قبوها، مغرورة بصحة ومعصومية أفكارها بلا نصير وقد كان.
    التحليل العقدي يعطي وثوقية عالية بالتحليل الحزبي أو الطائفي، ويتهم المخالفين بكل نقيصة وأهم ذلك خطل الآخرين وانحرافهم، وفشلهم وإعطاء النفس كل مقومات العصمة والشرعية، ويجعل النصوص تعنو لرأي المحلل العقدي، وكل ذلك اعتساف وابتسار عبثي المبدأ ومضلل عن الغاية.
    ومن أوهام المحلل العقدي وتشويهه للقضايا، أنه يرى رأيه الصادر عن قناعة طائفية، أو عاطفية، أو معرفة منقوصة ثم يقول للأتباع والمقلدين قوله، وفيما هو في طريق ذلك يبدأ باستدعاء النصوص، ويجمع له الجامعون أدلته على صدق عاطفته، فيصب على قوله من نصوص الكتاب والسنة والتاريخ ما يوحي بربانية التحليل وعصمة الرأي، وتلك من وسائل تغييب المعرفة، وعزل العقل، والعبث بالنصوص. وقد كانوا في أواخر حياة الشيوعية يسخرون من المحللين الشيوعيين، فقد كان أحدهم يقول رأيه السقيم، ثم يصبح التفسير والقناعة به وتكراره مقياس ولاء، وطاعة وتبعية وتوافق وتجانس مطلوب، ويطالب العقديون بل ويشددون على الوحدة الفكرية ولو في الغباء والخرافة، وأنى لهم أن يكتشفوا عيبهم فهم الطائفة المعصومة.
    ومن ملامح التفكير الشيوعي وتفسيره العقدي أنه كان يلزم أفراده بصحة النتائج التي يصل إليها تحليلهم، وهذا قضاء على العقل والمعرفة ينتج فشلاً ذريعاً في المستقبل، فإن اتخاذ حكومة ما أو حزب موقفاً لا يعني أن تلقي عليه ظلال الصحة فضلاً عن العصمة، بل قد ينفذ كما ينفذ الجندي القرار، ولكن يجب أن يبقى له حرية التفكير والتعبير عن رأيه المخالف. فقد وسع سعد بن عبادة ألاّ يبايع، ولا يوافق على خلافة أبي بكر، وبقيت له مكانته واحترامه، ولأنه لم يقد عسكراً للانتقام لفكرته، ولكن الشيوعيين كانوا يقتلون على الهواجس والأوهام. بعد أن يمطروا المخالف بالنقائص والتهم. وويل للحق الموجود خارج الحزب، وللأسف كثيراً ما يكون كذلك؛ لأن الولاء الحزبي يحمي غالباً الرعاع.
    زد على ذلك، أن المفسر العقدي غالباً يلاحظ توجه الحكومة أو الأتباع، ويتخلى عن المعرفة والعقل في سبيل إرضاء الغوغاء، ويبدأ يسترضي ويجامل الغوغائية حتى تصبح الغوغائية والعواطف الشعبية هي المسيطرة على تفسيره، وتلك علة أكبر، تنتهي بالفشل، وتنتهي بالبعد عن الحق والبعد عن الأمانة، ويتسلم العقدي حكومياً بوقاً قديماً ينفخ فلا يستجيب أحد، ثم يهدم الناس جدار برلين، ويخرجون من دوائر الرعب والزيف المعاد.
    التحليل العقدي تحليل بالرغبة وليس بالمعرفة، فهو يحب أن يصل إلى كذا، ولا يقوم على المعلومة ولا على الظروف، أما المصلحة فهي رغبة في النهاية عنده. والتعصب للذات والتهجم على الآخرين ونزع إنسانيتهم أو أهدافهم العليا، هي وقود التحليل العقدي وهي وسيلة إقناع به، والمسافات بين المعلومات والفهم والتوجيه التنفيذي محطة واحدة عند التفسير العقدي، ولكن من يريد الفهم يحتاج إلى أساليب المعرفة الثلاثة في تناول القضايا، المعلومات الكلية، ثم التحليل والسلب، ثم القيمة العملية.
    وقد يقوم أشخاص مختلفون بإنجاز كل مرحلة منفصلة عن الأخرى، مع أهمية المشاركة في النهاية. قليل من المعلومات تفيد الذكي وكثير منها لا تنفع الغبي، وعاطفة طيبة قد تقضي على العقل.
                  

02-06-2013, 09:22 PM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خداع التحليل العقديّ للأحداث (Re: احمد سيد احمد)

    وقفة مع مقال الدكتور محمد الأحمري: التحليل العقدي
    إبراهيم الأزرق | 18/7/1427



    ذكر الدكتور في مقاله أن غياب شيء مما أسماه تارة أسساً وتارة أدوات تحليل للموقف السياسي؛ أو المبالغة فيه يضعف التحليل السياسي ويحرفه إلى جزء من القضية، ثم وصف التحليل الناجم عن ذلك بأنه رديء وخاطئ ، يورط أصحابه.

    وفي تقديري لو قال الدكتور: قد يضعف التحليل السياسي، أو ربما أضعف التحليل، فجعل للاحتمال مجالاً لكان به أحرى، وربما كان إلى الصواب قاب قوس أو أدنى.

    فعندها كان بالإمكان أن نفسر مراده بالتحليل العقدي: التحليل العقدي المنحرف البعيد عن فقه الواقع، أو الصادر عن غير أهله العالمين به.

    ويبدو أنه قد استقر في ذهن الدكتور استبعاد أن يكون الأثر العقدي هو المحرك للنازلة التي انبثقت عنها فكرة مقاله أعني حرب لبنان، فهو يعلم أن ما أسماه بالأسس تارة وبالأدوات أخرى ليس شرطاً اجتماعها لينتج عنها موقف أو صراع، بل قد يكفي أحدها أو بعضها لخلق صراع وهذا هو الكثير المطرد. وإذا كان الأمر كذلك فإن من أهم أسباب الصراعات الخلافات الدينية، والتي جعلت العقائد من أصحابها جذوات تغذيها على مدار التاريخ، "ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" [البقرة: جزء من الآية 217]، والقاعدة الشرعية التي انطلقت منها غارات المسلمين في صدرهم الأول هي قوله _صلى الله عليه وسلم_: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" [متفق عليه]، ولن أسترسل في سرد نصوص شرعية من أجل تأكيد حقيقة أن الصراع بين الحق والباطل قديم، وأن الحروب المقدسة التي شنت على مر العصور كانت العقائد محورها الرئيس أياً كانت ديانة أصحابها، فإن من أنكر هذا هو الذي ينبغي أن لا يفيد رأيه شروى نقير، ولايزن من قطمير، وليس ذلك ادعاءً! وإذا كنتَ على قناعة راسخة من أن الحروب أو الأحداث قد تنشأ لأحد الأسباب التي سماها الدكتور أسساً أو أدوات، فقد علمت إذاً أنه ليس شرطاً أن يضعِف التحليل السياسي غياب شيء مما ذكر إذا اقتُصر على السبب الصحيح للأزمة في التحليل، وإن تبعته مظاهر أخرى لم تجيء استقلالاً؛ وقد يضعفه إذا وإذا فقط استُبعد السبب الرئيس واقتُصر على مظاهر جانبية قد تقصد تبعاً.

    ولعل غلبة حكمه وتصوره لنازلة معينة يفسر اضطراب الدكتور في بعض عباراته، فتارة يلغي احتمالات ممكنة في التقرير النظري، أو من حيث التقسيم العقلي، ولعل ذلك لغلبة تصوره للنازلة المعاصرة على ذهنه، وتارة يقارب في التقرير النظري ثم ما يلبس أن تغلب عليه الصورة فيرجع لينقضه، وخذ على سبيل المثال كلمة تتعلق بأس مقاله وهي قوله: "قد يكون العامل العقدي في لحظة ما صحيحاً بل وحاسماً وهناك أدلة عليه".. وهذا تقرير نظري جيد، إلاّ أن تصوره للنازلة ما يلبث حتى يغلب عليه فيرجع إلى ما تُعُقِب فيه أولاً فينسف كل احتمال لصواب التحليل العقدي مجرداً فيقول: "إن العقائد جزء من التحليل، ولم تكن ولن تكون مدار كل تحليل سياسي أو معرفة لموقف".. وليت شعري ما حيلة المحلل إن لم يكن ثم دافع لبعض الأحداث غير اختلاف الدين وافتراق العقائد؟ فحتى يكون تحليله سياسياً موفقاً وفقاً لوحي هذه العبارة، فلابد أن يرى سبباً ما ليس بالسبب!

    نعم قد يكون التفسير العقدي ولاسيما بين أصحاب العقائد الواحدة مستبعداً في تفسير صراعات ناشئة بينهم، بل قد يستبعد وإن كان المتنازعان مختلفين ديناً وعرقاً وجنساً وثروة وقوة وفي كل ما أسماه الدكتور أسساً أو أدوات تحليل! ولعل أول نزاع بشري عرف على سطح البسيطة لم يكن دافعه ثروة ولا قوة ولا دين ولا لغة ولا تاريخ ولا جغرافيا ولا جنس ولم يكن دافعه شخص المجني عليه! ولكن تَقَبُّلُ الله من صالح قربانه دون أخيه!

    ولعل (المشايخ) وعلماء الشريعة هم أبصر الناس بذلك، بل لعله ليس أحد من عامة الناس فضلاً عن غيرهم بحاجة إلى مفكر غاية فكره نتيجة بدهية تقول: من الخطأ حصر الصواب في التحليل العقدي للأحداث، مجرداً عن الواقع! بيد أنهم كذلك لاينقصهم من يهمشون من قيمة التحليل العقدي أو مراعاة أثر الاختلاف الأيدلوجي في النزاعات، ولعل هذا مما دفعني لهذا التعقيب.

    فبينما يتحرك أصحاب المبادئ -أياً كانت- وفقاً لعقائد وأيدلوجيات ينظرون إليها قبل نظرتهم للمكتسبات المادية بل يتحملون بسببها الخسائر الاقتصادية من ثروات بشرية وما أوتيت نلحظ في دنيا العجائب من يحاول نسف التحليل المبني على المشاهدة وفقه الواقع ليصفه بأنه منبثق جراء التقوقع على كتب ومناهج الاعتقاد! بل ومن يحلل وفقاً لها قريب المدى لا يتعدى تحليله مواطئ قدميه، بل ومن يتبعه أو يوافقه غر ساذج! إلى آخر سلسلة الدعاوى المطلقة العريضة والتي تجاوزت أولئك المحللين إلى الطعن في أحداث التاريخ والدعوة إلى الاعتبار بها! بل ربما تجاوزت ذلك أيضاً...! ولابينة أو برهان.

    إنك لن تستطع أن تقنعني مهما زخرفت قولك وحاولت أن تصوغه صياغة منطقية بأن الصدر الأول لم يكونوا يشنون الغارات ويقتحمون الحروب لأسباب دينية أو عقدية، مهما كانت المغانم المحرزة والثروات الطائلة المحازة! أو أن التحليل العقدي المنبني على معرفة التوجهات للمختلفين والدوافع المحركة لهم تحليل عاطفي بعيد عن أسس المعرفة، وكذلك لن تقنعني بأن زرع إسرائيل في قلب العالم العربي جاء اعتباطاً أو مراعاة لمصالح مادية منفكاً عن الأسس العقدية، ولن تستطيع أن تقنع مبصراً تفتح عيناه على أرض الواقع بأن حزب الله مجرد حزب سياسي يسعى لتحقيق مصالح ذاتية أو أن حربه مع إسرائيل ليست حرباً عقدية بالدرجة الأولى مبنية على أسس المذهب الإمامي ومصالحه في المنطقة.

    إن رفض التفسير العقدي لمجرد أن الطرف الآخر لا يشق عليه تفسير أحداث أخرى بناء عليها ليس بشيء! ولهذا لا يبدو مقنعاً قول الدكتور: " فالمشايخ الذين يفسرون الحرب في لبنان على أنها مشكلة شيعية، وانحراف وتوريط نجد تفسيرهم عقدياً جزئياً وخاطئاً، وبهذا فهو يؤيد الذين هم على الطرف الآخر الذين يرون سبب الإرهاب والقتل والدمار في العراق هم السنة مثلا"، فمع أني أوافقه في أن المشكلة ليست شيعية تريد أن تورط المنطقة في حرب لبنان، لكني لا أرى رابطاً بين من يقول بهذا وبين قوله: "وبهذا فهو يؤيد الذين هم على الطرف الآخر"، فأي تأيد وأين التأيد! اللهم إلاّ إن أراد تصوير التحليل العقدي على أنه جملة افتراءات متبادلة لا أساس لها من الصحة يتنابذها طرفان!

    فهل التحليل العقدي عند هؤلاء كذلك؟ بل هل هو في نظر الدكتور كذلك! هذا يتعارض مع شيء مما قدمه.

    إن ادعاء التحليل العقدي مثله مثل ادعاء التحليل الاقتصادي كلاهما دعاوى قابلة للافتراءات، وللغلط والصواب، وكما أنه من الخطأ الحمل على المحللين من وجهة نظر اقتصادية لمجرد غلط بعضهم في التحليل وجهلهم بمقومات الاقتصاد فكذلك من الخطأ أن ننعى على المحللين العقديين إذا رأينا طرفاً آخر يحلل وفقاً لأوهام وخزعبلات لا مكان لها في أرض الواقع، ولا يسوغ صنيع هذا النعي على التحليل العقدي المبني على الحقائق الشرعية والواقعية. وكما أنه إذا قيل تحليل اقتصادي انصرف الذهن للتحليل المبني على أسس اقتصادية سليمة، فكذلك ينبغي أن يصرف الذهن عند إطلاق التحليل العقدي إلى التحليل المنبني على أسس عقدية مستقيمة.

    نعم عند أولئك الذين يرون أن الحق في مسألة الأديان نسبي ولا يوجد فيها حق مطلق عند أولئك فقط يمكن أن يتصور ما قاله الدكتور فعندها يثير التحليل العقدي النسبي الصحيح تحليلاً عقدياً نسبياً صحيحاً آخر معارضاً وكلاهما صواب، بيْد أني لا أخال الدكتور يقول بذلك، ولكنها عقدة الحكم على نازلة وطغيان تصور صواب مذهبه فيها على فكره أثناء التنظير الفكري الكلي والتقعيد العام، أو بشيء يشبه عبارات الدكتور: "لأنه يؤمن بأن حكمه على القضية الجزئية حق وما سواه باطل، واثق في حكمه وموقفه –ولا أجرؤ أن أقول الضيق- المعصوم خاصة وأن جماهير الأمة والشوارع العربية خرجت تحمل الرايات الصفر معلنة وجوب التضامن مع من يرى أن التحليل السليم يقضي بالتعاون معهم"... فليت شعري أي المحللين أحق بوصف الزهو والغرور في موقفه ورؤية صوابيته دون غيره وعصمت رأيه"خاصة داخل دائرة الأتباع الضعفاء، الذين حرموا من التفكير النقدي والعقلي، وامتلؤوا بالتكبير"، لعل الشارع العربي قد أجاب!

    إن التحليل العقدي للأحداث عندما توجد أسبابه يكون من الأهمية بمكان، ويمثل تجاهله خطأ لا يقل عن خطأ المنزلين له في غير موضعه، وهذا ما لا يكاد يرتفع به صوت إسلامي واع في الساحة، ولهذا لم يفسر أحد من المشيخة حرب فيتنام مثلاً! على أساس عقدي بين شيعة وسنة، وذلك ببساطة لأنه لم يكن في الحرب من يمثل أحد الاتجاهين ويتحرك باسمه تماماً كما كان الحال في بعض حروب منطقة الشرق الأوسط!

    بخلاف حرب العراق وحرب أفغانستان وحرب لبنان وحرب فلسطين فتفريغها من المحور العقدي والمبادئ والقيم خداع لم يدعه محقق فليت شعري كيف يكون إثبات الحق الذي لا يكاد ينكره إلاّ الشاذ لا يساوي عند الدكتور حبراً على ورق!

    وأخيراً ربما رأى البعض تحاملاً في مقالي على دكتورنا الفاضل، وربما أيده بأن في كلام الدكتور ما يبين فيه أن التحليل العقدي الجزئي المنفصل عن بقية العوامل المؤثرة، هو المقصود بالذم وأهله، وقد أشار إلى أنه في بعض الأحيان قد يكون صحيحاً وحاسماً، فلِمَ الرد ولـِمَ لمْ يحمل كلامه محملاً حسناً ويخرج تخريجاً مقبولاً؟

    والجواب باختصار هو ما لحظته من اضطراب للدكتور في هذا الشأن فما يلبث أن يقرر إمكانية أن يكون التحليل العقدي صواباً بمفرده حتى يرجع لينقض ذلك، وقد أشرت إلى هذا في مقدمة الرد.

    كما أن طابع المقال العام فيه سوء تصوير للتحليل العقدي يصوره على أنه مجرد افتراءات وتهم متبادلة وينفر من الركون إليه مطلقاً، بل يصف من نحا إليه بما لا يليق، ويصف من وافقهم بما حاصله أنهم حفنة من الهمج الرعاع! ولاسيما مع ضرب مثل بالواقع الماثل وهذا له وحيه الذي يصرف الأنظار صرفاً نحو أعلام منشورة.

    وفوق ذلك كله -وفي اعتقادي أنها قضية جوهرية أوقعت في كثير من الخلط وسببت هذا التشويش والتشويه- اعتباره وفقه الله الدين جزءاً من السياسة، كما في أول سطرين من مقاله، واعتقادنا أن الدين رؤية شمولية للكون، ولمكان الكائنات فيه، ولمكان الإنسان منه، وعليه يرتكز تحديد العلاقات المختلفة التي تحكم حركة الحياة والأحياء فيه، فهو الذي يحدد علاقة الإنسان بالطبيعة بل بما فوق الطبيعة. وما السياسة الشرعية إلاّ جزء من أبحاثه، ولذا فإن المحلل الديني ينظر في حكم الله، وينظر في الواقع بكل مكوناته لينـزل الحكم الذي لا يأتيه الباطل على المحل الصحيح، وليس المحلل العقدي هو الذي يملك نصف الصورة أو صورة مشوهة لا تمثل الحقيقة، بيد أن البشر موضع للخطأ، وهذا يصح أياً كان وصفهم محللون سياسيون أو دينيون!

    وقبل أن أشرع أكبرت كتابة هذا الرد على الدكتور، فلما تأملت من تناولهم مقاله بالتعريض سهل علي ذلك بل رأيته من الواجب فليس المحل بيني وبينه بأبعد من المحل بينه وبين من تناول –في اعتقادي!

    ومع ذلك ولحرصي على أس الموضوع فقد تغافلت عن أمور لو كان غرضي مجرد تسفيه رأيٍ مخالف أو تصورٍ لبعض الأحداث لكان للوقوف معها والتعليق عليها مجال واسع.


    المصدر:
    http://www.almoslim.com/node/83455
    __________________
                  

02-07-2013, 06:19 PM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خداع التحليل العقديّ للأحداث (Re: احمد سيد احمد)

    تحية


    (السبب هو الفصام الناتج عن حبس الروح في النص والعقل في اسلوب والمعني في كلمة واحدة)


    المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه ..حصاد العقل...ص118
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de