الخليل وعازة ..!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 02:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2013, 02:40 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخليل وعازة ..!

    من خلال بحثى في الشبكة العنكبوتية لمعرفة المزيد عن خليل أفندي فرح، تلك القامة المُلهمَّة للوطنيَّة وحبِّ الأرض، بأغانيه المليئة بالحماس والحس الوطني العالي وجدت الكثير من المقالات الثرة والتي أحاول تجميعها من خلال هذا البوست
                  

01-05-2013, 02:49 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)

    بطاقة تعريفية:

    sudansudansudansudan-sudansudansudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الإسم: خليل فرح بدري كاشف
    تاريخ الميلاد: 1894م
    مكان الميلاد: جزيرة ساي (بين البر الغربي ومدينة عبري شمال دنقلا وجنوب وادي حلفا)
    الأصل: أجداده من إصل تركي، وأتى جده مراد آغا لقلعة ساي قائداً عسكرياً أيام السلطان سليم.
    تاريخ الوفاة: 30 يونيو 1932
    الحالة الإجتماعية: متزوج وله من الأبناء: فرح خليل فرح وفاطمة خليل فرح
                  

01-05-2013, 03:11 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)

    كتب فرح خليل فرح - 1998م
    ==============


    ولد خليل فرح بقرية دبروسة مركز حلفا وكان عام 1894م. نشأ وترعرع فيها وكانت حلفا معبرا لدخول العلماء والمهندسين وجميع المهن المختلفه، وكان يقف على مدخلها آنذاك خليل فرح يشاهد بعينى رأسه تلك الحشود الوافدة من المثقفين، فنال من كل نبع قطرة وأخذ من الثقافات المختلفة التى كانت بمثابة الخميرة.

    هاجر خليل فرح إلى أمدرمان حيث أسرة أبيه فدخل كلية غردون التذكارية قسم البرادة الميكانيكية، فوجد صفوة من الطليعة القادمين من الأقاليم الذين التحقوا بالكليات المختلفة، فاختلط بهم وتعرف على ثقافاتهم فكانت له إضافات جديدة. ثم واصل خليل إطلاعه فى الأدب الجاهلى ووعى إبداعات أدباء مصر أمثال طه حسين – العقاد – حسن أحمد الزيات، وقرأ مجلاتهم وصحفهم وحفظ من عيون الشعر العربى الكثير. ومما لفت نظره قصيدة عمر بن أبى ربيعه ( أعبدة ما ينسى) التى لحنها وسجلها مع قصيدة (عزة فى هواك ) فى مصر فى أواخر أيامه بصوته فكان حدثا هام فى ذلك الوقت الذى كانت الأغانى فيه ممجوجة فأدخل اللحن المميز والموسيقى والمقدمة التى نسمعها الآن فى (عزَّة ). ولا أبالغ لو قلت أنها كانت قليلة فى تلك الفترة فترة الثلاثينيات حتى فى الدول العربية المجاورة.

    أشتهر خليل فرح داخل الكلية بعمل الشعر فعلم به شعراء أمدرمان مما حدا بحضور الشاعر محمد على عثمان بدرى إبن عمه وسلطان العاشقين يوسف حسب الله ومعهم المبتدىء (مركز ) ليختبرا خليل فرح فى هذا المجال. بدأ المبتدىء مركز والحكمان يراقبان الموقف
    بدأ ببيت شعر فرد عليه خليل فرح ثم كانت الثانية والثالثة والرابعة حتى أقتنع الحكمان فأوقفا المعركة واعترفا له بالشاعرية ومنحاه الشهادة بذلك. ومنذ ذلك الوقت سمى بشاعر الحديقة نسبة للميدان المنجل نمرة واحد الذى يقع فى الجزء الشرقى من الجامعة. وصار خليل فرح يواصلهم ويجتمع بهم حتى استفاد منهم الكثير.

    توسع خليل فرح فى علاقاته مع الأدباء والشعراء وتمكَّن من ارتياد المنتديات، كمنتدى أبر روف ومنتدى الهاشماب ومنتدى الموردة ثم منتدى (دارفور) لتخرج جل أناشيدة وأغانيه الوطنية منها تباعا، وجاءت من ثم جمعية إتحاد الأدباء التى تكونت لجنتها من دار خليل فرح بالخرطوم . وفى بداية العشرينات اشتد ساعد المناضلين والتحم الشعب بهم وظهرت الأناشيد تغنى فى كل موقع. ثم كانت المظاهرات العنيفة ومن ثم جاءت جمعية اللواء الأبيض بكوادرها المدنية والعسكرية ومؤسسها وصانع إسمها الباشمهندس محى الدين جمال أبو سيف وصحبه. قامت ثورة 1924 م وخرجت الكلية الحربية بمظاهرة قوية، ثم تبعها الثوار بقيادة المناضل الباشمهندس محمد سر الختم الملقب ( بالصائغ ) وهو من اولاد حلفا وهو أول ثائر يدخل السجن .

    طالبت الجماهير بوحدة وادى النيل وعلى رأسهم خليل فرح الذى تغنى وقال

    من تبينا قمـنــا ربينــا ** ما اتفاسلنا قط فى قليل
    دا ود عمى ودا ضريب دمى ** إنت شنو طفيلى دخيل

    وقد واجه خليل المستعمر والقصيدة طويلة :
    ((نحن ونحن الشرف البازخ)) وأردفها ماك غلطان دا هوى الأوطان ثم انفرط زمام الأمن، وانزعج له المسؤولون فبثوا عيونهم بالجواسيس خلف خليل فرح. عاش خليل فرح فترة وجيزة لا تزيد عن التسع عشرة سنة منذ تخرجه عام 1913 م من الكلية إلى وفاته فى 30/يونيو 1932 م. عاش عيشة الكفاف لا يملك فى هذه الدنيا الا شبرا واحدا فقط فى مقابر أحمد شرفى ولكنه وجد الكثير من هذا الشعب الوفى وهو من الأوائل الذين كرموا حينما أقاموا له حفل تأبين بنادى الخريجين والمستعمر قابع بكل قوته وجبروته وعلى رأسهم إسماعيل الأزهرى. وقد طبع ابن عمه الأستاذ / حسن عثمان بدرى كتيبا جمع فيه كل الكلمات والمقالات والأشعار التى قيلت فى تلك الليلة، وما زال التكريم مستمرا. وقد جاء تكريم جامعة الخرطوم وطلبة جامعة القاهرة فى عهد الرئيس نميرى كرم بنيشان العلم الذهبى وأيضا مع ثوار 1924 م وقد كرم نفسه بنفسه حين قال:

    من فتيح للخور للمغالق ** ومن علايل ابروف للمزالق
    قدلة يا مولاى حافى حالق ** فى الطريق الشاقى الترام

    وهذا يدل دلالة واضحة على حبه لأمدرمان، فتغنى بها فى كثير من المواقع الشعرية ، وكان خليل فرح يعشق أماكن منتديات الأدب ولا يتحدث الا نادرا. وكان صبورا وهو يعانى من مرض الدرن، ولم يكن منزعجا وكان على يقين إن وفاته قريبة جدا وقال عن الجلد وعن الصبر:-
    جنّ ليلى وشاب رأسى فما
    كلت ركابى وهمتى للصعود
    أنا والدهر توأمان كما
    أشكو يشكو تجلدى وصمودى

    وخرج ديوان لخليل فرح بتحقيق البروفيسور على المك بعد جهد جهيد لعدم وجود مصادر فأخذنا الأشعار من أفواه الشعراء والحادبين لإخراج أدبه للوجود. ورغم كل ذلك نحن ما زلنا نحاول جمع ما ضاع للطبعه القادمه ولا بد فى هذه العجاله أن اترحم على البروفيسور على المك والله يسكنه فسيح جناته فلولا مجهوداته لما رأى ديوان خليل فرح النور علما بأنه طبع بعد وفاة الشاعر بكثير.

    كما أود أن اوضح هنا الأسباب التى دعتنى لكتابة السيرة الذاتية لخليل فرح وهى شعورى بأن معظم المعجبين يستفسرون عن كيفية نبوغه وبلاغته ومعرفته للفصاحه بهذه المقدرة وهو الآتى من شمال السودان، من بلاد العجم ويقينى أنهم سوف يدركون المعنى بعد ما عرفوا مراحل حياته حيث دخل كلية غردون ثم اتصاله بشعراء أمدرمان، وأدباء المنتديات والكم الهائل من السياسيين المتأدبين أمثال يوسف مصطفى التنى، ومحمد أحمد محجوب، وكل ذلك إضافة لا ختلاطه بالأدباء والعلماء ومكتشفى الآثار حينما كان متواجدا بالبوابة الشمالية بحلفا حين قدوم الوفود تباعا لداخل السودان من مصر..
                  

01-05-2013, 03:50 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)


    ====================
    خليل فرح .. نحو قراءة أخرى
    في بدايات ونشأة خليل فرح
    ميرغني ديشاب
    صحيفة السوداني

    الجمعة 29 يونيو 2012م
    ====================

    خليل فرح اختصار لاسمه عرف به، واسمه خليل فرح بدري كاشف خيري حمد شلبي كاشف خيري وردي مراد أغا إبراهيم أغا، ولد في ساي من أرض السكوت المحس بين النوبة النيليين في أقصى شمال السودان عام
    1894م، على اختلاف في تاريخ ميلاده، وساي، جزيرة بين البر الغربي ومدينة عبري شمال دنقلا وجنوب وادي حلفا، جدوده من أصل تركي هاجروا إلى بلاد العرب من بلاد الروم، وقد حضر جدهم مراد أغا لقلعة ساي قائداً عسكرياً أيام السلطان سليم، وقد عرف هؤلاء الأتراك فيأرض النوبة النيلية باسم الكشاف، مفرده كاشف.

    وثم دافع اجتماعي ثقافي سياسي عاشه الخليل في بواكير حياته كانت سبباً- ولا شك- في تشكيله في مقبل أيامه. كان الواقع السياسي غامضاً حينذاك، لأنه لم يكن قد تبلور بحيث تمكن الإشارة إليه بوضوح، خاصة في نهايات القرن التاسع عشر عندما صار الخليل في ضاحية من ضواحي مدينة وادي حلفا في الطرف الشمالي منها في قرية دبروسة، كانت هذه القرية هي التي يسكن فيها عمدة وادي حلفا، وربما نظر إليها الحاكم الانجليزي أنه ينبغي أن يكون لها وضعها الخاص فأنشأ فيها سوقاً سمي سوق دبروسة.لم يكن الوقت وقت اختيار، بل كان وقت قبول بالواقع الماثل، الجيش الانجليزي الذي من المفترض أن يتقدم إلى أم درمان، مرابطا في المدينة، والنوبيون من أهل السكوت والمحس وبطن الحجر، صاروا في مدينة وادي حلفا نزوحاً إلى الشمال من هجمات تجريدات المهدويين
    على مشارف الأرض جنوباً، وأفراد هؤلاء اعتادوا على النهب والسلب، يدمرون ما يلاقيهم من زرع وضرع، تحكي عنهم قصص مروعة حتى يوم الناس هذا إذ الذاكرات ما زالت نشطة لتروي ما نال الأجداد ممن سموهم الدراويش.

    صار الجميع تحت رحمة وحماية القوات الغازية بقيادة كتشنر باشا مطاردين ومستعمرين في آن واحد، فلم يكن لهم تأثير في واقعهم الحياتي إذ أصبحوا مؤثراً فيهم فلم يكن لهم فضل اختيار، لكن، كان لهم فضل اختيار التبعية، وقد وقع الاختيار على صاحب الرحمة والحماية، تماماً كما صار أعيان السودان يتسابقون لكسب ود المستعمر فيما بعد، قالوا: كان أحدهم مهرباً خطراً، وعندما انسدت أمامه الطرق بين السودان ومصر، وأصبحت مصالحه في خطر، أراد أن يثور، كانت يد الانجليز باطشة طويلة، ألقي عليه القبض وقتل والناس شهود، انحاز الانجليز إلى تأمين وجودهم بتلك اليد، ثم كان على الناس- من بعد- أن يختاروا من بينهم من عارفي أقصر الدروب من يدل الجيش الغازي على الطريق إلى أم درمان.

    يقول أحد الباحثين عن هذه الفترة في الأرض النوبية: "افتقرت هذه المنطقة تماماً إلى السكان في عهد الخليفة عبد الله التعايشي، حيث انقرض الكثيرون من أبناء المنطقة نتيجة للجوع، وهاجر القادرون على الحركة نحو الشمال حيث التجؤوا إلى سلطات الحكومة المصرية، التي أعانتهم بصدق ليتغلبوا على مصاعب الحياة والفقر في تلك الفترة وأعدت لهم سبل الحياة في وادي حلفا وفي مناطق مختلفة، وقد أغرت سلطات الحكم الثنائي هؤلاء المهجرين للعودة إلى ديارهم، وتحت تأثير الدعاية والتشجيع والعون المادي، رجع المواطنون لتعمير بلادهم بالسكوت. والباحث يقول "السكوت" هنا لأن بحثه مكرس له، ولم تكن مهادنة الانجليز والمصريين الغازين لهؤلاء النوبيين المنكوبين حباً فيهم، بل لأنهم كانوا أعداء أعدائهم من المهدويين. وعلى الرغم من أن هذا الباحث يجعل النزوح لأهل السكوت وحدهم، فإن حسن دفع الله، معتمد تهجير النوبيين الذي كانت تحت يده كل وثائق مجلس بلدي مدينة وادي حلفا، يتكئ عليها ويغرف منها ما شاء، يذهب إلى أنه "قد أدى سحق محجوب إدريس ونهب النجومي لمنطقة المحس والسكوت لرحيل بعض السكان إلى وادي حلفا حيث مكثوا إلى ما بعد معركة فركة في 8 يوليو 1896م، وهي أولى المعارك ذات الخطر خلال إعادة فتح السودان، ثم عادوا إلى قراهم. لقد كان من الواضح أن قوات الخليفة عبد الله التعايشي كانت تبطش بمن من المفترض أن تحميهم، ولذلك فإن "حلفا وما جاورها لم تخضع لدولة المهدية، وكانت الحدود الشمالية لمديرية دنقلا خلال إمارتي النجومي ويونس ود الدكيم عند صواردة على بعد 140ميلاً جنوبي حلفا، وبذلك فقد خرجت المنطقة من شمالي صواردة حتى وادي حلفا من إدارة الدولة المهدية، وبالتالي من الدولة السودانية، بما في ذلك المنطقة التي كان خليل فرح يعيش فيها إذ هي إلى الشمال من صواردة، ولذلك، فقد كان من الطبيعي أن يكون الانجليز والمصريون حكومة من لا حكومة لهم، على قدرة النوبيين عموماً على حكم أنفسهم دون حكومات تأتي من خارجهم،
    فقد كانت الإدارة الأهلية، مثلاً، قوية هنا دائماً، إضافة إلى وعي النوبيين المعروف وانضباطهم. وإذا كان بقاء أهل السكوت في وادي حلفا حوالي عشر سنوات في بعض الإشارات، فإن الفترة التي قضاها خليل فرح في قريته ساي قصيرة فيما نرى قبل النزوح إلى وادي حلفا، لكنه مكث فيها بعد العودة من منفاه، ولا ندري إن كان قد ذهب إلى الخرطوم من وادي حلفا أم من ساي أم من دنقلا "وقد درس فيها في مدرسة نظامية فيما يقال" وأغلب الظن أنه ذهب إليها من وادي حلفا التي كانت معبر أهل شمال السودان إلى بقية أنحاء القطر في ذلك التاريخ، ولا ننفي هنا أنه كان لقريته التي جاء منها بصمتها عليه، اتسعت أم ضاقت تلك البصمة، وهو في شعره الذي بين أيدينا قد ذكرها غير مرة. ومن المعروف أن قرية دبروسة التي يقال إن خليل فرح ولد فيها، كانت أبدر في الوجود وأهم من مدينة وادي حلفا نفسها التي لم يأت ذكرها بقعة مهمة إلا بعد عام 1892م، يقول حسن دفع الله: "إلى الشمال من حي البصالوة، بمحاذاة الشاطئ، يقع حي دبروسة منفصلاً عن حي التوفيقية بملعب كرة القدم وبمقبرة صغيرة، وبحديقة المركز المثمرة، وبنادي الموظفين ونادي الشرطة، وكان هذا الحي هو أصل مدينة وادي حلفا، ويرجع تاريخه إلى ما قبل نشأة التوفيقية، فقرية دبروسة كانت معروفة من جملة، أحياء المدينة لا يسكنه غير النوبيين، فأغلب المنازل مبنية من الطين على الطريقة النوبية إلا قليل جداً منها بني على الطراز الحديث، وبما أن هذا الحي يمتد بعيداً عن السوق، فقد أنشأ المجلس البلدي فيه سوقاً صغيرة لمقابلة احتياجات المستهلكين اليومية.

    ولنقف هنا عند قول حسن دفع الله: "كانت معروفة من جملة أحياء المدينة الذي لا يسكنه غير النوبيين" في حديثه عن قرية دبروسة، ذلك أنه- في حسه البحثي الواضح، وفي سعيه الدائب لمعرفة من يحكمهم وسيكون مسؤولاً عن تهجيرهم- قد رصد أنساب النوبيين في
    المساحة التي يتمدد فيها مجلس بلدي وادي حلفا بتمكنه من وضع يده على وثيقة مهمة هي ما عرف في الأدبيات النوبية بوثيقة شريف داود، وهي وثيقة أنساب أثبت فيها صاحبها أنساب هؤلاء من حدود السودان الشمالية في قرية فرس حتى قرية سركمتو في بدايات السكوت جنوباً، وهو قد استوثق من صحة ما ورد في هذه الوثيقة باستجواب شيوخ القرى، ونقلاً عن هذه الوثيقة، ذهب إلى أن سكان قرية دبروسة "أغلبيتهم من الجوابر إضافة إلى الخليلاب وقليل جداً من الداوداب والدبابيا، ومعروف عن الجوابرة أنهم من الجيوب العربية التي سكنت أراضي النوبة في شمال السودان وانتشروا في بعض قراها ومناطقها، ومعروف كذلك أن الخليلاب والداوداب والدبابيا من عناصر الأتراك الكشاف، ونحن نرجع صحة ما جاء في وثيقة شريف داود هذه، إضافة إلى ذلك فإن حسن دفع الله قد سعى إلى معرفة من هم حوله في همة واضحة، يقول في قراءته مدينة وادي حلفا عامة وقرية دبروسة خاصة، يقول: دبروسة كانت سكناً للتجار من ذوي الأصل السوري والمصري الذين أقاموا هناك منذ خواتيم القرن التاسع عشر، وكانوا أغنى قطاعات المجتمع، وكانت منازلهم - غالباً- مكونة من طابقين، وتحتل كل المساحة الصغيرة المخصصة لها بحيث لا يبقى متنفس منها بين الغرف المتلاصقة، وهي مبنية بالطوب الأخضر المطلي بالجير فتبدو وكأنها من الحجر، أما الأبواب والنوافذ التي أكلتها الأرضة، فعتيقة، أما الشرفات المزخرفة بالخشب المطلة على الأزقة الضيقة، فتضفي مسحة تركية على كل المنطقة، ويحتل مسجد ذو مئذنة عالية- بناه الخديوي توفيق- موقعاً يشرف على مجرى النهر. هذا الحي كان يطلق عليه التوفيقية مما يتضح أنه نشأ على عهد توفيق باشا. وتشغل مدرسة مصرية بالقرب من الكنيسة القبطية ومباني المجلس البلدي المساحة الواقعة إلى الشمال من هذه المنطقة.

    لقد أسهبنا في الحديث عن وادي حلفا ودبروسة، وقد قصدنا ذلك، لنقول إن خليل فرح قد تعرف على "المدينة" ببهرجها في وادي حلفا التي كانت مدينة حديثة بكل المقاييس في نهايات القرن التاسع عشر، حتى إذا ذهب إلى الخرطوم، لم يكن ذلك الريفي الذي يمكن أن تبهره مدينة جديدة، والحق أن وادي حلفا- في ذلك التاريخ- كانت أكثر تنظيماً من الخرطوم نفسها، وربما لم يكن يميزها غير سراي الحاكم العام وما سمي فيما بعد باسم الحي الافرنجي، إضافة إلى ذلك، فإن وادي حلفا كانت المدينة السياحية الأولى في السودان، إذ فيها الآثار التي يتزاحم عليها السياح الأوربيون في بوهين غربها دسمنة وأرونارتي وإلى الجنوب في ساي وسلب وعمارة وكـلـب وغيرها، وقد نشطت بعثات التنقيب عن الآثار هناك حيث عمل المواطنون النوبيون مع تلك البعثات ذات الانضباط الدقيق واللغات المختلفة، وأجادوا التعامل معها، وقد اكتسبوا ثقافة جديدة بالتعرف على آخرين لهم تحضرهم مثلهم، وكان من الطبيعي أن تجد هناك الكتاب والأدباء من مختلف بقاع العالم يضمهم فندق النيل مثل أجاثا كريستي وسومرست موم وغيرهما، على أنه كان في وادي حلفا- بحكم وضعها البشري- ديانات مختلفة: الإسلام الذي يدين به النوبيون والمسيحية عند الطائفة القبطية والأغاريق ومن هم من أوربا وبلدان أخرى إضافة إلى أعراق فلول المنهزمين في جيش عبدالرحمن النجومي الذين صارت لهم قريتهم أسفل جبل دبروسة من العناصر الزنجية الذين تنوبوا فيما بعد، وبذلك، فقد كانت وادي حلفا مفتوحة على ثقافات مختلفة، وقد قاد التعرف على الآخر النوبيين إلى كثير من التسامح على المستوى الديني، وتعلم اللغات.

    لكن خليل فرح، إضافة إلى شهوده كل ذلك، فهو قد "تعرف" على المستعمر الانجليزي المصري قبل غيره من الشعراء وغير الشعراء في الوسط السوداني، كما تعرف عليه أهل وادي حلفا عموماً، ولا شك في أن هذا قد أنضجه، والتعرف على المستعمر عند إنسان وادي حلفا، هو الذي قاد إلى ما يمكن أن يكون من الممارسات الثائرة كمنح قطعة أرض لعثمان دقنة عندما كان مسجوناً في سجن وادي حلفا، ولم يكن سجنه هناك إلا لأنه سيكون وحيداً في سجنه إذ لن يكون معه أحد، فوادي حلفا كانت – وما زالت- معروفة بأن الجرائم التي تحدث فيها في أعوام "وغالباً ما تكون من عناصر وافدة" تحدث في بعض المدن الأخرى في يوم واحد. ويجيئ في معظم المراجع أن خليل من المحس، وقد يعود ذلك إلى شهرة لفظ المحس بحضوره الواضح في مصادر قديمة، وقد يكون ذلك ناتجاً عن تعميم الحديث- دونما روية وتدقيق- عن نوبة شمال السودان كقولهم "الحلفاويين" لعمومهم، ومن المهم أن نذكر هنا أن مقولة مثل "ولد خليل فرح في دبروسة بوادي حلفا حيث كان يعمل أبوه" التي ترد في كثير مما كتب دارسوه دون حيثيات وتثبت، قول غير دقيق كذلك، إذ من
    المعروف الثابت أن أباه من النازحين الذين أطبقت عليهم جيوش المهدية بشراسة من الجنوب فاضطروا إلى الاستنجاد بقوات الانجليز المرابطة في وادي حلفا. وإذا كان الخليل قد ولد عام 1894م، فيما يقول دارسوه، فإنه يكون مولوداً من أب نازح أو هو نفسه من النازحين وهو طفل صغير وربما طفلاً ما زال في المهد. لكننا لا ندري إن كان اختيار أبيه لقرية دبروسة سكناً له ولأسرته قد جاء عن قرار خاص به أم رأي غيره بحيث اختير له المكان، خاصة وأن العنصر البشري الغالب الذي كان يسكن قرية دبروسة هو نفس عنصره من الأتراك الكشاف، وأغلب الظن أنه كان قرار عنصره هناك ذلك أن النازح تعوزه القدرة على الاختيار. وعلى كل حال، فإن الطفل خليل فرح قد عاش في كنف وأوساط من يحملون نفس دمه من هؤلاء الكشاف ولكن بلونه "الأخضر" الذي نتج عن تزاوج هؤلاء الكشاف بسودانيات، ونستدرك هنا أن هؤلاء الكشاف قد تنوبوا تماماً وصاروا معدودين في النوبة لا فرق بينهم وبين غيرهم إلا في تعاليهم المشهور والمستهجن عند كثيرين ممن كتبوا عنهم. وثم أمر نراه مهماً ونحن نقرأ خليل فرح. فقد حكم الأتراك الكشاف أرض النوبة النيلية منذ عام 1520م، ونعم قد قسموا المجتمع النوبي إلى ثلاث طبقات: الأتراك الكشاف في أعلاها طبقة أولى، يليهم النوبيون طبقة ثانية، ليأتي الرقيق في الطبقة الثالثة، وفي تعنتهم لتسيير المجتمعات النوبية وفق هواهم، فقد نفثوا ما استبطنوا من تشدد في الدين وتعصب له في غير ما علم به، فكان أن طبقوا مقولة ليس مسلماً من ليس بعربي، وهم قد اتخذوا ألقاباً عربية، وقد قاد هذا إلى استعراب أهل تلك المنطقة، وقد قاد هذا الاستعراب بدوره- وخليل فرح داخله- إلى تحول ثقافي باستتباع ضرورات استبطان الثقافة العربية تعبيراً ومحتوى، ونحن إذا راجعنا تاريخ النموذج الفني القولي الذي يسمى في حركة الشعر الغنائي عند النوبة النيليين، وقفنا على أنه تعبير نوبي غنائي يستتر بالليل واستقوى الناس لقوله بشرب الخمر خوف "ضبطهم" وهم يقولونه في لغتهم الخاصة وهذا ما قاد أحد
    الباحثين للقول: "بالرغم من أن أكثر سكان منطقة السكوت كانوا يتكلمون اللغة النوبية فقط، ولا يستطيعون التفاهم بغيرها، فإن ذلك لم يمنع الشعراء من استعمال اللغة العربية واللغة الدنقلاوية في أغانيهم حيث إنه لم يكن بالمنطقة فن غناء خاص، وكان تعلق الناس بهذه الألوان المستوردة من خارج المنطقة شديداً لدرجة جعلتهم يتدارسون كلماتها ويفهمونها بعمق ويروونها. ورغم تحفظنا على قول هذا الباحث هنا أن أهل السكوت لم يكن لهم غناء نوبي خاص بهم، إذ إن غناء ما كان يسمى غناء نوبي موغل في القدم عندهم، إلا أن ما قاله يشكل إضاءة مهمة في درجة هجر اللغة التي صار عليها الناس في جنوب النوبة النيلية، خاصة منطقة السكوت، على أن هؤلاء كانوا مرغمين على استخدام لغات أخرى غير لغتهم- ومنها لهجة أهل دنقلا التي لم يكن يفهمها هؤلاء الكشاف- إذ لم يكن الأمر
    بيدهم بل بيد هؤلاء الحكام من الكشاف. لقد بلغ الأمر أكثر ذلك، إذ ذهب الناس إلى إنكار الانتماء النوبي.
                  

01-05-2013, 03:55 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)

    الشرف الباذخ
    كلمات وألحان: خليل فرح
    توزيع كورالي: النور حسن
    أداء كورالي: كورال كلية الموسيقى والدراما
    تنفيذ موسيقي: مجموعة أنغام الموسيقية




    نحن ونحن الشرف الباذخ

    دابي الكر شباب النيل

    قوم وم كفاك يا نايم

    شوف شوف حداك يا لايم

    مجدك ولي وشرفك ضل

    إمتي تزيد زيادة النيل

    نحن نطارد العنزة الفاردة

    نحن نزود مشارع النيل

    نحن برانا نحمي حمانا

    نحن نموت ويحيا النيل

    ما بنندس ما بنتوصي

    نحن نكيل برانا نشيل

    نحن الطينة ومطر العينة

    نحن الوادي برقه يشيل

    نحن الصولة سيوف الدولة

    نحن كنانة اسماعيل

    بابه العالي وشرفه الغالي

    كان لجدودنا ظله ظليل

    يا حكامنا جيبوا البينه

    ولا انقرعوا كفوا الشينه

    ده ود عمي وده ضريب دمي

    انت شنو طفيلي دخيل

    يا نزلانا أمرقوا الذمة

    كيف ينطاق هوان الأمة

    شالوا حقوقنا وزردوا حلقونا

    ديل عاوزين دمانا تسيل

    من تبينا قمنا ربينا

    ما اتفاسلنا قط في قليل

    ما فيش تاني مصري سوداني

    نحن الكل ولاد النيل
                  

01-05-2013, 06:17 PM

Amir Omer
<aAmir Omer
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 950

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)

    محمد جلال هاشم:


    لم يُشتهر أديب وفنّان سوداني كما اشتُهرالخليل. ومع ذلك يكتنف الغموض الكثير من جوانب شخصيته. قديرجع البعض ذلك إلى ضياع أغلب شعره بالعربية العامية، ثم جميع ما كتب من شعر بالنوبية، ما عدا مقطع واحد أو مقطعين. وهذا صحيح، إلاّ أنه ربما كان بعض الحقيقة. فخليل فرح كان رجلاً ذا شخصية عميقة وغامضة. ثم إنخطابه الأدبي، مع سهولة لغته الشعرية ومفرداته وجزالة تعابيره، لم يكن سهلاً ومباشراً. فقد كان خطابه يتحرّك في مستويين: عام وخاص. فإنتاجه الشعري دائماً مايحمل معنيين، أحدهما عام يفهمه الجميع، وآخر خاص به شخصيّاً. كان خليل فرح يحرص كل الحرص على البعد الخاص في إنتاجه الفني، إذ من الواضح أنه لم يكن يعطي متلقّي فنّه أيَّ مؤشّرات لاستكناه البعد الخاص في خطابه، ناهيك عن سبر أغواره. وقد نجم عن كل هذا أن استقراء خطابه الأدبي انكفأ في أغلبه على المستوى العام، الأمر الذي أدى ـ فيما نظن ـ إلى رسم صورة غير كاملة عنه تطورت مع مرور الأيام إلى صورة نمطية. في هذا الجانب سنحاول أن نستقرئ البعد الخاص في خطابه الأدبي لنلج عالماً ربما لم يُتح لأحد من قبل. وسوف نتطرّق في هذا أولاً لمصادر لغته العامية؛ وثانياً أثر تجربة التّسفار بقوافل الجمال على حسّه الكوزمولوجي، وهو ما نسمّيه بالوعي الوجودي؛ ثالثاً، نتكلّم عن شعر الطبيعة عند الخليل؛ ورابعاً نختم بمكانة صاي في عالمه الشعري الخاص الذي أشرنا له.

    ويمكن إرجاع هذا التراوح ما بين العام والخاص إلى طبيعة شخصيته والطريق الذي اختطّه لنفسه في سياق الثقافة الاجتماعية آنذاك. فصورة خليل فرح في الحياة العامة ـ مثلاً ـ تختلف كل الاختلاف عنصورة حياته الخاصة، أي داخل أسرته. كما تختلف شخصيته في الحياة العامة عن شخصيته في الحياة الخاصة داخل أسرته. ففي الحياة العامة كان معروفاً بالبشاشة واللطف والظرف ولين الجانب مع أصدقائه، فضلاً عن اشتهاره بالأدب والفن ـ وإن لم يغنِّ للعامة؛ أمافي حياته الخاصة، فقد صموتاً قليل الكلام مختصره، لا يجرؤ أهل بيته على رفع الكلفة وتجاذب الحديث معه. كانت زوجته سلامة شلاّلية تحكي أخريات أيامها لمن يتناول معها هذا الموضوع، خاصةً من أفراد الأسرة، كيف أنها لم تعرف أن الخليل كان يغنّي إلاّ بعد موته. فقد كانت تظن أنه ـ بخلاف ما أُثر عنه من غناء بالنوبية بصاي في أولشبابه ـ قد ترك الغناء والمعازف. فهي لم تره يحمل عوداً أو طنبوراً، كما لم تسمعه يترنم بلحن لأي أغنية، نوبية كانت أم عربية. في منتصف السبعينات سألت أخاه الأصغرعلي فرح كيف لم يستوثقوا منه عن ديوانه الشعري عندما كان يرقد بستشفى النهر في أيامه الأخيرة. فضحك وقال لي بأنا لخليل كان رجلاً صعباً مرهوب الجانب، لم يكن أحد من أفراد أسرته يجرؤ على الدنو منه. وقد ذكر كيف أنهم جميعاً كانوا يجلسون بالطابق الأرضي بمستشفى النهر، بينما الخليل لوحده بغرفته بالطابق الأول. وبين فينةٍ وأخرى كان واحد منهم يتسلل خفيةً للإطمئنان عليه، فإذا به واقفٌ يذرع الغرفة جيئةً وذهاباً وهو ينظر ساهماً من النافذة إلى الأفق البعيد عبر النهر. وقد استمرّ على هذه الحال حتى أعياه الوقوف والمشي في الليلة الأخيرة التي صعدت فيها روحه إلى بارئها.

    في عام1986م توفّيت ابنته عائشة بالكلاكلة، فجاءت عمّتها فاطمة (بابّا ييّا) من قرية عمارة بالسّكّوت للعزاء، وهي الأخت الوحيدة لخليل. خلال أيام العزاء استرعى انتباهها أحد أحفادها من أبناء المرحومة عائشة خليل، ألا وهو أحمد محمد أحمدهاشم (المعروف بأحمد دودو). فقالت لمن حولها من الأسرة: "أرأيتم أحمد دودو هذا؟ من أراد منكم أن يرى الخليل رؤيا العين شكلاً وطبعاً، فلينظر إلي أحمد دودو". في ذلك الزمان قبل أن يدخل في زمرة المغتربين فتنتفخ أوداجه سمنةً، كان أحمد دودو طويل القامة، رفيعها، أجعد الشعر، أخضر العينين، قمحي اللون أفتحه، صارماً، مقلاًّ للكلام داخل البيت، بشوشاً ضاحكاً خارجه، يغادر البيت والناس على مائدة الطعام دون أن يأكل شيئاً، فيسرع الخطا عسى أن يلحق بآخر ما في المائدة في منزل أحد أعمامه أو أبناء أعمامه المجاورة. هذه هي صورة خليل فرح داخل الأسرة، وهي صورة غائبة تماماً في الأدبيات التي كُتبت عنه.

    ولد خليل فرح بدبروسة شمال مدينة وادي حلفا عام1892م حسبما ورد في ديوانه [علي المك، 1977]، وعام 1894م حسبما هو متعارف عليه بين أفراد أسرته، وهذا ما أورده أيضاً بدري كاشف [2000م] وهو ما نأخذ به. أما في أمر ولادته بدبروسة، فهناك احتمالان، أولهما أن ذلك حدث عندما هاجرت أسرته من صاي نحو الشلال الأول بأسوان هرباً من طلائع جيش ود النجومي المتقدمة نحو مصر أوائل عام1891م. فخليل فرح من وردياب صاي (صيصاب) الذين كان يقودهم عبدالكريم (أوشّي) خيري وردي من ساب. وقد وقف الرجل ضد الأنصار وهزمهم في عدة مواقع قبل أن يضيّقوا عليه الخناق، مما اضطرّه إلى الهرب لمصر حيث لميعد منها أبداً. الاحتمال الثاني أن تكون ولادته قد حدثت أثناء التسفار الذي عُرفت به أسرته باعتبار أن التجارة كانت حرفتها. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر اضطلع بدري كاشف خيري بالتجارة ما بين الخرطوم (لاحقاً أمدرمان) والأبيّض، عن طريق دنقلا، فأسوان عن طريق وادي حلفا. في رأينا أن هناك عدة أسباب دفعت به إلى هذا نكتفي بذكر إثنين منها؛ أوّلهما العمل الدؤوب للمحافظة على تجارة وردياب صيصاب في تنافسهم الشديد مع الحجّياب على احتكارها. الثاني قلة الموارد بالمنطقة، خاصةً وأن بدري كاشف أنجب "واحداً وعشرين ابناً وبنتاً واحدة هي طاهرة، وكان أحفاده ستةً وخمسين حفيداً" منهم خليل نفسه [بدري كاشف، 2000: 7]. ولنا أن نلاحظ أن الاحتمالين لا يتناقضان، فأغلب الظن أنهما معاً كانا السبب وراء ولادته بدبروسة، شمالي مدينة واديحلفا وكان بها معسكر الإنكليز المناوئ للمهدية. بهذا تكون أصوله من السّكّوت، أما القول بأنه من المحس، فذلك لغلبة اسم "المحس" على اسم "السّكّوت" بأواسط السودان، كما ورد ذكره من قبل.

    عرفت أسرة بدري كاشف خيري سكنى الخرطوم في العهد التركي قبيل المهدية، مع بعض أسر أخرى من صاي (لمزيد من التفاصيل حول هذا، راجع صاي والكلاكلة أعلاه)،ثم حُملت على الهجرة إلى أمدرمان مع باقي سكان الخرطوم بأوامر الخليفة عبدالله التعايشي، فبقيت بها إلى اليوم،عد االخليل الذي استقرّ بالخرطوم حيث كان بها منزله إلى أن مات. وقد اكتسبت هذه الأسرة جرّاء التسفار والتنقّل العديد من العلائق والصلات الاجتماعية. من ذلك العلاقة الخاصة التي ربطتها بآل العمدة أحمد شريف بوادي حلفا، وهي علاقة حافظ عليها الخليل نفسه حيث كان ينزل على هذه الأسرة في رحلاته من وإلى مصر. ثم الصلات الأسرية القوية بالعديد من الأسر بدنقلا، الأمر الذي مهّد لمصاهرات عدة نجم عنها فرع البدرياب بجزيرة مقاصر، فضلاً عن أصهار الأسرة من آل بركية بحفيرمشّو ممن هاجر أصلاً من عبري إلى دنقلا ربما من أثر ذلك. فأم خليل فرح هي زهرة الشيخ من آل بركية بتبج، جنوبي عبري. تنقّل خليل فرح مع قوافل الأسرة التجارية عبر الصحارى والقفار في سني صباه وشبابه الأولى، حيث تركت هذه التجربة أثراً كبيراً على شاعريته وعمقها، كما لعبت دوراً أساسياً ـ فيما نرى ـفي تشكيل لغته العربية العامية. وسيكون أثر هذه التجربة في تشكيل لغته أحد الأبعاد التي سنعمل على إجلائها، وهو ما اعتبره الكثيرون من نقاده لغزا محيّراً. كما سيكون العمق الذي خلقته تجربة السفر تلك والسرى ليلاً في الصحراء أحد الأبعاد التي سنتلمّسها في شعره، وسنطلق عليه العمق الوجودي في شعرالخليل. وكل هذا مما لم يقف عليه أحد من قبل.

    مع تسفارالخليل وتنقّله معأهله في رحلات صيفهم وشتائهم التجارية، كانت صاي (صيصاب) هي المآبة التي يتفيّأ ظلالها ويلقي عندها عصا ترحاله. ففيها بدأ رحلة العلم في خلوة الشيخ أحمد هاشم (بابا شيخ أحمد)، وفيها تفتّحت عيناه على طبيعة ساحرة، يتعانق فيها النيل (بزرقته) مع الغابة والصحراء (في اخضرارالشطئان في الأولى ومحاصرة كثبان الرمال لها في الثانية). وهذه لوحة طبيعية لا يمكن لأحد أن يتصوّرها ما لم ير صاي. وقد صدق بدري كاشف في قوله: "نشأ خليل فرح في جزيرة صاي التي تحيط بها مياه النيل من جميع الجهات المختلطة بأنين السواقي وأصوات العصافير المغردة وحفيف أغصان النخيل الباسقة والشاهقة التي عاشت في وجدانه وتفاعلت مع أحاسيسه" [بدري كاشف، 2000: 7]. وسيكون من أثر كل ذلك أن تصطبغ رؤيته الجمالية بنزعة انطباعية تصويرية تتجلّى بوضوح في شعر الطبيعة عنده. في هذا الصدد سنتحرّى موضوعين مهمّين، أولهما شعر الطبيعة عنده، وثانيهما مكانة صاي في شعره. ثم سنختم ذلك بالحديث عن النوبي الضائع في شخصية خليل فرح، ببيّنة ضياع شعره باللغة النوبية، وعلاقة ذلك بميكانيزم الاستعراب كنموذج مطروح للحداثة أمامنا ـ نحن السودانيين من غير العرب ـ ، وتحدّي أن نكون أو لا نكون.
                  

01-05-2013, 06:24 PM

عاطف عمر
<aعاطف عمر
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 11152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخليل وعازة ..! (Re: Amir Omer)

    خليل فرح يمثل بلا أدنى شك علامة فارقة في تاريخنا السياسي
    وتاريخنا الغنائي
    وتاريخنا الشعري

    تمثلت عبقرية الزمان في معرفته الدقيقة لـ ( حكم الوقت ) - كما يقول أصدقاؤنا الجمهوريون - فبدا وكأنه يسابق سنوات حياته الثماني والثلاثون لإنجاز كل ما يستطيع
    وتمثلت عبقرية المكان في معرفته الدقيقة للسودان الذي عشقه وهواه.. عرف السودان جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً
    أظنك سوف تنزل عدداً من قصائده الأمدرمانية وقد يقول قائل هنا لا تتجلى عبقرية ففي أمدرمان قد درس وعاش وعمل
    لكن دعنا ننظر له وهو يتحدث عن مدينة ( رفاعة ) حديث العالم المجود
    رفاعة التي تأهب لزيارتها للمشاركة في زواج صديقه سليمان كشه في العام 1925 فأخذته سنة الكرى فلم يستيقظ إلا وهو في مدينة مدني
    فأرسل مشاركته قصيدة تتلى
    قوم نادى عنان واتباعه وقفل حوانيت البــاعه
    نزلت للدنيا شفاعه وسعت امدرمان لرفاعه
    وطن الآباء يا ام طاعه أجمة ومشهـوره سباعه
    من دون أترابا مطاعه حضريه تقول فى طباعه
    المجد الحاسده مداعى هو أساس المــا بتداعى
    وسعت أسلافنا وداعه وصارت فى جيلنا بداعه
    رفعت أعلاما رفاعه وشمخت بى كبارنا يفاعه
    وطن السناب يا رباعه نزل العـربان فى رباعه
    هنا تلقى الخلق الأعرابى لا خوف لا ضيم لا مرابى
    ظل الشكرية الكابى والشرف الأصله ركـابى
    هنا روعة عصراً ولى وروايــع جيلنــا الهله
    عصبيه تناطح الجله ومدينه منــافيه الــزله
    إياك يا عاشق تحرق فى بحــور أوصافك تغرق
    هى شامه فى تورنا الأبرق هى جنـــة نيلنـا الأزرق
    فى ربوعا الصيد إن وقل وشــافن مجنــون يتعقل
    كفروع البان تتنقل رطب القــاماتن فقـــل
    الصيد الضارب الوادى اجفـــل نــافـر غادى
    شرفن لى صوت الحادى حفلــن ضمــاهن نـادى
    العز من حاضر وبادى حـرسن ما جـــاهن عادى
    النور فى خدودن بادى وســلامة الـذوق شى عادى
    لا تنسى ليالى العشه وفى الحلــه هبــوب الرشه
    إتعشى عشاك واتمشى هــوى بيت المــال ما انفش
    اعذرنى أخوك إنغش لا اتعــد هــواك لا كــش
    أذكرنى ولو بى قشه بيت مــال وعيــال يا كشه

    _________________

    تحياتي وسلامات يا دكترة

    (عدل بواسطة عاطف عمر on 01-05-2013, 06:27 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de