|
مقال: هدية لآخر رئيس سودانى منتخب هزمه العسكر فأطاعهم!!
|
الساعات الست الأخيرة من حياة سلفادور أليندي
صخر المهيف
12 سبتمبر 2012
الإهداء : إلى روح الشهيد الرئيس الشيلي سلفادور أليندي في الذكرى الأربعين لاستشهاده يوم11 سبتمبر 1973 الساعات الست الأخيرة من حياة سلفادور أليندي في الطابق الثاني من مقره المؤقت، وكان مبنى أنشأه مهندس إيطالي ليكون مصنعا للنقود، وقف سلفادور أليندي ليراقب المحيط الخارجي من خلف زجاج النافذة، نظر متحسرا إلى الأشجار المنتصبة على جنبات الطريق، وقد بدت له أوراقها محل سؤال وريبة، مد يديه على جنبات النافذة وقد لاحت له زرقة السماء متموجة وكأنها تشكو خللا ما، ثم نظر إلى صديقه أوجيستو أولبراس نظرة غريبة وقال له: - إنها العاشرة إلا ربع. زفر زفرة عميقة وشخصت عيناه للتو، ثم أشاح بوجهه عنه ليراقب السماء الصافية ومد عنقه إلى الأمام وأمسك الشباك الفولاذي بقبضة يديه ليملأ رئتيه بهواء متجدد ولينعم بدفء أشعة الشمس المترددة، فسمع أولبراس يقول: - حلت الكارثة. وأطرق برأسه ليمعن النظر في السجادة الحمراء وأنامله متشابكة في ارتباك… - خاننا كبار ضباط الدرك… تنهد سلفادور ويمناه ماتزال ممدودة على حافة النافذة وتمتم: - عندما ينذر الجو بالكارثة، تقوى الخيانات. التفت إلى صديقه بقلق وابتعد عن النافذة، كان كمن يود أن يقول شيئا ثم انتابه عجز مفاجئ وفهم أولبراس قصده فابتدره بالقول: - صغار ضباط الدرك كانوا أملنا الوحيد… - أجل، منحني صمودهم وسط العاصمة أربعة أيام كاملة… صمت برهة وحرك رأسه ذات اليمين وذات الشمال… - للأسف يا أولبراس… قصفهم سلاح الجو بالطائرات وقتلوا جميعا.. وضع أليندي رأسه بين يديه متكئا على أريكة سوداء وهمس بصوت ضعيف: - كان الأمل كاذبا…كنت أعرف أن هذا سيحصل. وركن إلى الصمت مرة ثانية وهو جامد في مكانه كالتمثال، وما لبث أن حرك يديه بتثاقل وصاح بأعلى صوته متخليا عن هدوئه: - آه…..كم خطأ ارتكبت… معك حق يا فيديل…كان علي أن أعلن ديكتاتورية شبيهة بديكتاتورية البروليتاريا كما أشرت علي… ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, كان سلفادور أليندي قد تناول سيجارا كوبيا من يد فيديل وهما جالسان على مقعدين من طراز لويس الخامس عشر وكانت تحيط بهما مزهريات ذات رسوم التنانين الصينية ولوحات روجنداس وذلك في الصالون الأحمر، وبات كاسترو يبتسم في انشراح ويداعب لحيته بأنامله بين الفينة والأخرى وهو يصيخ السمع، إلى سلفادور الذي كان يستعرض خططه وانجازاته، تأميم مناجم النحاس، تأميم الأبناك، تأميم قطاع المواصلات، الرفع من أجور الموظفين والعمال، تعميم التعليم ومجانية التطبيب، فرد كاسترو موافقا: - رائع، كل هذا رائع، لكنك لا تسيطر على القوات المسلحة… فقاطعه أليندي: - لا تنس فخامة الرئيس أن الشعب يقف في صفي… صمت كاسترو وبدا على محياه انه غير مقتنع بما قاله زميله، - الشعب غير منظم وغير مسلح، ولا يعرف مصلحته أيضا. انتقل كاسترو إلى الشرفة وأطل منها بعين يبرق منهما ومض أبيض، أبيض كالحليب، ولما دنا منه سلفادور، كان لايزال واقفا في مكانه وهو ينظر إلى الساحة بنظرات شديدة الإمعان كأنه كان يحفظ تفاصيل المكان ويشحن ذاكرته بالصور، بينها كانت تمر بالقرب من المكان سيارات قليلة دون أن تصدر ضجيجا خانقا، وانتبه أليندي إلى أن الصمت قد طال أكثر من اللازم، فقال بحماس: - ها أنت ترى كيف تنتصر الاشتراكية بدون إراقة قطرة دم واحدة… حرك كاسترو رأسه ثم همس: - هذا ما لا تريده الإمبريالية… أعتقد أنه لا يفوتك كيف جوع الإنجليز شعب إيران وحاصر أسطولهم إيران… سواحل البلد بعد أن انتخب الشعب محمد مصدق. وقف كاسترو بقامته الفارعة وأشعل سيجارا كوبيا فاخرا، وصوب نظراته إلى سلفادور أليندي ثم دنا منه فلاحت منه ابتسامة عريضة مشرقة وصافحه بحرارة، ثم قال له بصوت خافت طغى عليه التأثر: - نيابة عن الشعب الكوبي الثائر، ونيابة عن حكومة الثورة المظفرة، أتقدم إليكم وإلى الشعب الشيلي العظيم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان، على حسن ضيافتكم… كان أليندي يصغي إليه بامتنان، وعيناه تبرقان… - أعدك بزيارة قريبة إلى هافانا. تناول كاسترو صندوقا خشبيا ووضعه على المنضدة وما أن انفتح باب الصندوق حتى صاح أليندي بأعلى صوته: - كلاشينكوف؟! لكني أكره العنف بالفطرة. وقبل أن يغادر المبنى الرئاسي في اتجاه المطار صاح والابتسامة لا تفارقه: - بهذا السلاح هزم رفاقنا السوفييت أعداءهم النازيين، إنه محشو بالرصاص… لا تنس هذا. *********************** كان سلفادور أليندي منشغلا بتفكير عميق، عدا أنه كان يتفحص بعض الأشياء خاصته، وعرج على غرفة من غرف المنزل بينما ظل أوغستو أولبراس ينتظره في الصالون الأحمر وهو يتأمل لوحات روجنداس، وما لبث سلفادور أن عاد إلى الصالون حاملا الكلاشينكوف بيمناه ثم التفت إلى صديقه قائلا: - خذ هذا المسدس، فقد وصل الجنرال الخائن خافيير بلاثيوت. امتقع لون الصحافي أولبراس، وارتعدت يداه. - لكني لم أستخدم سلاحا من قبل. فرد سلفادور باقتضاب: - ولا أنا. نزلا إلى الطابق السفلي، وأطل سلفادور من النافذة وسمع صوت العسكر منطلقا من مكبر الصوت ويأمر بالاستسلام، تبادل الرجلان نظرات جامدة وقالا بصوت واحد. - سنقاتل. انطلقت رصاصات من فوهة الكلاشينكوف وهشمت سكون صارما استبد بالمكان ساعات طويلة، ورددت جدران المكان صرخات أليندي وهو يقول: - سأقاتل من أجل المحكمة العليا التي باعتني. ضغط الزناد مرة ثانية. - سأقاتل دفاعا عن البرلمان البائس الذي نزع عني الشرعية. وضغط الزناد مرة ثالثة - سأدافع عن أحزاب المعارضة التي باعت روحي لهؤلاء الفاشيين. دمرت الرصاصات التي أطلقها خافيير وضباطه الطابق الأول كما دمرت كل محتوياته تماما، انتبه الرجلان إلى أن باب الطابق السفلي قد دمر أيضا، فما كان من أليندي إلا أن لبس خوذة العمال الزرقاء وطلب من صديقه التوجه إلى الطابق العلوي. ******************** هدأ إطلاق النار وعم صمت عميق، فيما كان الجنرال بالاثيوت يتقدم في حذر إلى باب الطابق السفلي، والتفت إلى احد رجاله وطلب منه أن يؤمن له التغطية حتى يتقدم، لعلع الرصاص ثانية حتى وجد نفسه داخل المبنى، ولما سمع سلفادور الجنرال بلاثيوت يصيح بأعلى صوته: - استسلم يا سلفادور أنت ومن معك وسنضمن لك سلامتك البدنية. همس لصديقه وهما متكئان على جانب الباب: - كنت أعرف أن هذا الرجل خطير، كان دائم التردد على السفارة الأمريكية. أشار برأسه إلى صديقه ثم وقف أمام الباب ووجه فوهة الكلاشينكوف نحو الأسفل وانطلقت الرصاصات لتصد رجال الجنرال وهم يحاولون صعود السلم، بات الرجل يلهث وبشدة متواريا خلف الحائط المحاذي للباب، ورمق صديقه بنظرة واثقة ثم حرك رأسه، فقال أولبراس: - أنا هنا من أجل الموت. ساد هدوء قاتل المكان، كانت عقارب الساعة وحدها تهلهل السكون، لما رفع سلفادور رأسه نحو الساعة، كان العقرب يشير إلى الرابعة مساء إلا ربع، وفي تلك الأثناء، قسم الجنرال رجاله إلى قسمين، أما هو، فقد انحنى كثيرا وشرع يتسلق السلم زاحفا على بطنه وتبعه في ذلك القسم الأول من الضباط، فيما كان الآخرون يطلقون النار بكثافة فوق رأس قائدهم الذي وصل أخيرا الطابق الثاني، وظهر سلفادور واقفا خلف الأرائك ووراءه لوحات روجنداس والمزهريات ذات رسوم التنانين الصينية وصرخ فيه: - بلاثيوت… أيها الخائن. أصابت رصاصة من الرصاصات المندفعة من بندقية سلفادور يد الجنرال، وفي اللحظة ذاتها انطلقت الرصاصات من أفراد الفرقة ومزقت جسدي الرجلين، ساحت دماؤهما على الأرضية، ثم تقدم الضباط وقاموا جميعهم بإطلاق الرصاص على جسده… لما فرغوا من ذلك، تقدم أحد الجنود ليهشم رأسه بعقب بندقيته، وكان أولبراس لا يزال حيا وهو متكئ على ظهره، وقد حمله الضباط إلى الأسفل، أما الجنرال، فكان يحاول وقف نزيف يده ويتأمل الجثة قبل أن يتناول جهاز الطوني وولكر وهو ينظر إلى الساعة المعلقة فوق الحائط وعقاربها تشير إلى الرابعة وقال: - نعم سيدي بنوتشي، تمت العملية بنجاح، أما أولبراس، فقد نقلناه إلى مركز إسعاف شعبي ولا أظنه ينجو… وعاد يتأمل وجه سلفادور المهشم، وقال مبتسما: - لقد مت لأجل فكرة حمقاء مغلوطة. أصيلة في: أكتوبر نوفمبر 2009 للأمانة التاريخية، استعنت في كتابة هذه القصة بمقال للكاتب العالمي غبرييال كارسيا ماركيز منشور بجريدة أخبار الأدب المصرية
المصدر http://www.doroob.com/?p=17989
|
|
|
|
|
|