|
أين باقي الحوار مع السيدة بثينة أرملة الراحل مصطفى سيد أحمد؟؟
|
تحت عنوان: "حوار متفرد مع بثينة زوجة الراحل الجميل مصطفي سيد احمد .. من عدد المشاهد المصادر"
أورد الزميل جمال إدريس جانباً من هذا الحوار...
ولأهمية الموضوع ... أرجو الإفادة ما إذا كانت هنالك تكملة للحوار بطرف أي من السادة الأعضاء أو القراء..
ولكم تقديري..
Quote: السيدة بثينة زوجة الراحل في حوار «العصر» مع «شاهد العصر»
مصطفى ارهقوهو.. واتعبوهو.. واستنزفوهو.. وساعة الحارة فاتو خلّوهو!
الراحل اشترى الكلية التي تمت زراعتها له بموسكو من حر ماله بمبلغ «02» ألف دولار «عداً نقداً»
طبيب مصري «قدَّ» الكلية المزروعة بس عشان «يكبّر كومو».. وكان عندما يسمع خبراً سيئاً عن السودان يضرب عن الطعام تضامناً مع شعبه
إدارة المستشفى بالدوحة رفضت تسليمه جواز سفره إلا بعد سداد فاتورة العلاج فكان المنقذ صلاح إدريس.. ومصطفى عايش في جواي..ومعاي في كل نفس بتنفسو!
حوار: عبد اللطيف الهادي
هي مثلها مثل غيرها من أبناء شعبنا القلائل الذين فهموا وتفهموا وتعايشوا مع ذاك النمط الجديد من الغناء الذي يحمل في باطنه «روشتة» العلاج لمشاكل حياة إنسان السودان اليومية، ذاك الغناء الذي أطلق عليه البعض اصطلاحاً إسم «الانقلاب» بعد أن أحدث تغييراً واضحاً علي خارطة الغناء التقليدي الذي «يُشرّح» الحبيبة بدءاً من شعرها مروراً بخدودها وعينيها وباقي تفاصيل جسدها!! ذاك الغناء الذي أخرج المستمع والمتلقي من مناخ «الجلابية البيضاء ومكوية» إلى طقوس «عم عبد الرحيم» وذاك «المطر» الذي لا يهطل إلا في «عز الحريق» حتى يجدد «عذاب الأرصفة»!!
لم تكن هذه السيدة الفاضلة إلا مجرد معجبة بغناء وصوت هذا الإنسان الفخيم الأستاذ مصطفى سيد أحمد.. فكان أن بدأت حكاية «القسمة والنصيب» من خلال تواصل حميمي كان «وسيطه» رنين جهاز التلفون لتتطور العلاقة وتصبح «حباً» حقيقياً كان تتويجه بـ«إكمال نصف الدين».. وكانت ثماره «سيد أحمد» و«سامر»!!
«تسع سنين.. لا كمل الحب.. لا فتر الحنين».. هكذا كان لسان حالها بعد تلك الأعوام التي تلت وفاة فناننا العظيم.. اختارت الصمت طيلة هذه السنوات.. ورفضت كافة المحاولات الصحافية لإجبارها على البوح.. والكلام.. لكن كل هذه المحاولات ضاعت سدى وراحت هباءً.. إلا أن «شاهد العصر» ـ التي لا تعرف الاستسلام ـ استطاعت ـ وبمعاونة ومساعدة من بعض الأصدقاء ـ أن تُخرج زوجة الراحل من «محراب» الصمت الذي اعتكفت فيه واختارته طواعية لتتعبد فيه.. فكان هذا الحوار الواضح الذي فجّرت فيه «مخزون» الكلام المتراكم في دواخلها منذ تسعة أعوام!!
حقاً.. إنه حوار «العصر» لـ«شاهد العصر» مع السيدة بثينة محمد زوجة الراحل المقيم الأستاذ مصطفى سيد أحمد والذي ندعوك ـ عزيزي القاريء ـ للإبحار معنا في محيطه المليء بالحقائق.. والأسرار المدهشة.. إذن تعالوا نبدأ الرحلة..
بإسم قراء صحيفة «المشاهد» يسرنا ويسعدنا بدءاً أن نُرحّب بالسيدة بثينة محمد قرينة الأستاذ مصطفى سيد أحمد في أول حوار صحافي معها لتدلي لنا بدلوها عمّا يجيش بدواخلها منذ 71 يناير 6991م ذلك التاريخ الذي انتقل فيه مصطفى للرفيق الأعلى.. أهلاً ومرحباً بك أستاذة بثينة على صفحات «المشاهد»؟!
أهلاً ومرحباً بك وبقراء الصحيفة المتميزة «المشاهد».
ونحن نُوثّق للذكرى التاسعة لرحيل الفنان مصطفى سيد أحمد في «المشاهد» كما تعوّدنا في كل عام، نريد أن يقف «التاريخ» على حقيقة اقترانك وارتباطك بالأستاذ مصطفى وكيف جاءت بداية هذه العلاقة؟
بداية علاقتي به جاءت من اعجابي به كمستمعة لفنان حاز من خلال اغنياته الجادة على إعجاب الكثيرين من الجمهور السوداني.. وقد اعجبتني هذه الأغنيات إضافة لصوته القوي والجميل الذي أسرني كثيراً، وعن طريق الصدفة تعرفت به بواسطة إحدى صديقات شقيقتي وفي كل زياراتها لنا في المنزل كانت تجد جهاز التسجيل يردد أغنيات الأستاذ، كما لاحظت أن معظم شرائط الكاسيت خاصة بأغنيات الراحل المقيم ـ طبعاً أنا ما بسمع اغنيات خلاف أغاني مصطفى ـ فكان أن سألت شقيقتي «نجاة» قائلة «انتو ما بتسمعو غير مصطفى ولاّ شنو؟» فردت نجاة على صديقتها قائلة «ده ما اسمو مصطفى.. ده اسمو «المقرر»!! لأنو بثينة مقرراه علينا!!».. وهنا اوضحت صديقة شقيقتي أنها على معرفة بمصطفى وتعرفت به عن طريق شخص اسمه معاوية كان يسكن معه في المنزل، وعلى الفور اتصلت به هاتفياً وقالت له «في واحدة معجبة بك غاية الاعجاب وبحوزتها عدد كبير من التسجيلات لأغانيك، ليس الأغاني فقط بل حتى أحاديثك في جلسات الاستماع ولقاءاتك في جهازي الاذاعة والتلفزيون».. بعد ذلك اتكلمت معه عبر الهاتف كـ«معجبة» واستمرت اتصالاتنا الهاتفية لمدة عام.
خلال هذا العام ألم تتقابلا وتلتقيا؟
لا.. التقينا خلال فترة زمنية كنت استعد فيها للسفر إلى الدوحة لزيارة شقيقتي فكان أن سجّل لي خصيصاً «شريط» كهدية منه لي فيه بعض الأغاني من بينها أغنيتي «يا سرّ مكتوم» و«الحزن النبيل» اللتان كانتا جديدتين في ذاك الوقت ولم يسمعهما إلا المقربون منه، وبعد عودتي من دولة قطر استمرت العلاقة وتعمقت بيننا أكثر وعرّفني على شقيقته مريم ـ رحمة الله عليها ـ وبعد ذلك تعرّف على «ناس بيتنا».
بعد ذلك تقدّم لخطبتك رسمياً؟
لا.. بعد ثلاث سنين تمت الخطبة.
السيدة بثينة.. نريدك أن تتحدثي لنا عن الجانب الأسري للراحل.. تفاصيله.. وطريقة تعامله معكم؟
دقيقة.. «هكذا طلبت مني بثينة.. لكن هذه الدقيقة استمرت عشر دقائق كان الصمت التام والدموع الغزيرة هما من يتكلمان ويتحدثان!!» بعد ذلك واصلت الإجابة قائلة:
مصطفى في اعتقادي «زول» واضح لكل الناس، أنه إنسان طيب ونقي يحب الناس ويحب «البلد» ويحب الشعب السوداني لذلك كان يجتهد ويتعب في تلحين أعماله حتى يقدمها هدية لهؤلاء الناس الذين أحبوه وأحبهم.. مصطفى يحب أسرته ويحب شقيقاته حباً غير عادي.. ومتعلق بهن بشكل غير عادي.. وهن كذلك يحبنه حباً كبيراً وأي واحدة منهن عندما تريد أن «تحلف» تقول لك «وحياة مصطفى» لأنو زول «ما عارفة أقول ليك شنو»!!
غايتو هو زول مختلف تماماً.. عشان كده «اخواتو كانن» بيحبوه وبيعزوه عز شديد.. بإختصار كده شديد مصطفى زول «استثنائي» جد كدة وكمان فوق ده زول «حنيّن» ومصطفى كان بيمثل لي أنا شخصياً كل حاجة.. فهو صديقي وحبيبي وزوجي ووالد سيد أحمد وسامر.. غايتو.. ما عارفة أقول ليك شنو.
أثناء فترة الخطوبة وما بعد الزواج.. هل كان مصطفى يستشيرك في أغانيه من ناحية الكلمة واللحن؟
نعم كان يستشيرني قبل وبعد الزواج.. أي لحن جديد فرغ منه كان يسمعني له، وكان كثيراً ما يأخذ برأيي سواء في الكلمة أو اللحن، وأي شعر يصل إليه من اصدقائه الشعراء كان حريصاً على قراءته لي، وهنا أحب أن أوضح أن مصطفى كان يحرص على التعامل مع شعراء مغمورين وغير معروفين ـ خاصة الشباب ـ والذين كانوا يزورونه بإستمرار في المنزل.
وأي أغنية يشرع في تلحينها كان يصر عليّ أن أكون جالسة إلى جواره حتى يسمع رأيي فيها وكان يأخذ برأيي في إجراء التعديل المطلوب في اللحن.
هل لك أن تذكري لنا أغنية شاركتي فيها بإبداء الرأي؟
نعم.. أغنية «يا بت يا نيل».
أين ومتى كتبها الراحل؟
كتبها في القاهرة عام 3991م.
هل لك أن تذكري لنا قصة كتابة مصطفى سيد أحمد لها شعراً؟
زارتنا في إحدى المرات أسرة صديقة بشقتنا بالقاهرة، وبعد تناول الغداء كنّا جميعاً نجلس متسامرين فكان أن وجهت زوجة صديق مصطفى سؤالاً قائلة.. ليه يا مصطفى دائماً أغانيك حزينة.. ليه ما بتغني الغناء الفرايحي والراقص.. وأذكر أن مصطفى «سكت» ولم يرد عليها.. وبعد مغادرة الضيوف وبعد أن نام «الأولاد» وأثناء ما كنّا جالسين في «البلكونة» ـ هو وأنا ـ طلب مني احضار قلم وأوراق.. فكان أن بدأ يكتب:
رسمت في وجيها بسيمة ضو.. بتغالط في الزمن القاسي
وكان كلما يكتب مقطعاً يسألني عن رأيي إلى أن اكتمل النص.. وفي نفس الليلة أمسك بالعود وبدأ في تلحينها إلى أن فرغ منها بالصورة التي يسمعها جمهوره الآن.
وهل هناك أغنية أخرى لا يزال صدى ذكراها يتردد في دواخلك حتى اللحظة؟
أغنية «مُتَّ في قلبي» التي هي عمل مشترك بين الراحلين الدكتور علي عبد القيوم ومصطفى، حيث كتب الدكتور علي جزءاً منها بينما أكملها مصطفى.. وهذه الأغنية متى ما تغنى و«دندن» بها مصطفى كانت تزوره «العبرة» وتنبثق من عينيه الدموع، وكل ما استمع إليها تعود بي الذاكرة لهذه اللحظة التي كان «يعتبر» فيها الراحل ويبكي.
كان يلحن بسهولة ويسر غير عاديين
يبدأ التلحين ولا يتوقف عنه حتى لو كان «الأولاد» متعلقين وممسكين به!
أستاذة بثينة كم هو عدد الأغنيات التي قام الراحل بتلحينها عقب اقترانه بك؟
أغانٍ كثيرة ولا أعرف كم عددها.. وهو كان «يوماتي» يلحن عمل جديد.. وهو عكس ما يقول البعض إن «الوحي» يزوره ومن ثمّ يبدأ في التلحين.. فهو في كثير من الأحيان يبدأ العمل و«الأولاد» متعلقين وممسكين به، وكذلك كان يلحن بعد أن أكون قد وضعت أمامه وجبة الفطور أو الغداء أو العشاء وكنت عندما أقول له «يا مصطفى أُكُل وبعدين اشتغل» كان يرد عليّ قائلاً «اصبري شوية يا بثينة ح آكُل بعد ما انتهي من اللحن».
وحقيقة كان مصطفى يلحن بسهولة ويسر غير عاديين.
على ذكر «الوحي» هل حدث أن استيقظ من النوم فجأة وأمسك بالعود لتلحين أحد الأعمال؟
كتير.. كتير.
ياتو أغنية؟
«الضو وجهجهة التساب» للشاعر محمد الحسن سالم حميد كان كثيراً ما يكون غارقاً في النوم وفجأة يصحو ليمسك بالعود ويبدأ في تلحينها.
ماهي أكثر الأوقات التي يعمل فيها الراحل؟
ما عندو وقت محدد للتلحين.. ممكن في أي زمن يبدأ يكتب أو يلحن.
ود سلفاب «بلد» جميلة وناسها طيبين شديد
ود سلفاب متى زريتها؟.. قبل أم بعد الزواج؟
قبل الزواج.. مصطفى قال لي «لازم تمشي معاي عشان تتعرفي علي أهلي وتشوفي «الحتة» التي وُلدّتُّ ونشأت وترعرت فيها.. والزيارة تمت تلبية لدعوة من المغفور لها بإذن الله مريم سيد أحمد لحضور مناسبة اجتماعية هناك، وبالفعل زرتها ومكثت فيها ثلاثة أيام.
ماهو الإنطباع الذي خرجت به عن المنطقة خلال زيارة الثلاثة أيام هذه؟
حقيقة «بلد» جميلة شديد و«ناسها» عجبوني خالص لأنهم طيبين وودودين وعلاقتهم مع بعض قوية ومتينة
تاريخ زواجك بمصطفى في أي عام؟
عقد القران تم في عام 5891م والزواج في عام 6891م.
عدد أعماله الغنائية تجاوز الستمائة
عندما يسمع خبراً سيئاً عن السودان كان يضرب عن الطعام تضامناً مع شعبه
السيدة بثينة هل احببت مصطفى كـ«معجبة» وليس زوجة ـ انحيازه في اغنيته لجانب الغبش والغلابة؟
أكيد.. أكيد.
هل هاجس «الغبش» كان مسيطراً على تفكير الراحل حتى في «ونستكم» العادية؟
نعم.. لدرجة أنه عندما كنّا خارج البلاد عندما يسمع أخباراً سيئة عن السودان كان «يضرب» عن الطعام وكان يبدو متأثراً تأثيراً شديداً، وكان يقول لي «كيف آكُل والشعب السوداني تعبان ما لاقي ياكُل أو يتعالج؟» وكان هذا في حد ذاته دافعاً كبيراً له ليبدأ في تلحين عمل جديد.. وللمعلومية فإن مصطفى كان بحوزته ملفاً كبيراً يحتوي على الكثير من القصائد والأشعار ينتقي منه على الفور العمل المواكب للخبر أو الحدث السييء عن السودان.
أستاذة بثينة.. الناس يتغالطون ويتجادلون حول عدد أغنيات الراحل المقيم.. كم هو عدد الأغنيات؟
مصطفى يمتلك أكثر من ستمائة «006» أغنية.
أنت شخصياً كم عدد الأغنيات التي بحوزتك؟
تقريباً خمسمائة وخمسين «055» أغنية.
والأغنيات التي ليست بحوزتك.. هل تُشكّّل هاجساً كبيراً لك؟
هاجس.. وهاجس كبير للغاية!
هل أجريت اتصالات بمن بحوزتهم هذه الأعمال؟
نعم.. اتصلت بهم واتكلمت معاهم لكن وضح لي بالتجربة أن معظم من بحوزتهم هذه الأغاني رفضوا تسليمي لها وتحديداً ناس الدوحة.
كل من إدّعى التبرع بكليته لمصطفى «كضّاب»
الراحل اشترى كلية فتاة روسية متوفية بـ «02» ألف دولار «عداً نقداً»!
«طيب» لننتقل بحوارنا لنتحدث عن مرض الفنان الراحل وماهي مسبباته؟
أُصيب مصطفى بالمرض عندما كان طالباً بمعهد الموسيقى والمسرح عام 3891م واكتشف ذلك بعد أن لاحظ أنه يتعب كثيراً فور صعوده السلالم، فكان أن ذهب لأحد الأطباء وبعد الفحوصات والتشخيص إتضح أن مصطفى يعاني من «عيب خلقي» في كليته اليمنى، وفي عام 4891م سافر إلى القاهرة للعلاج من مرض «ضغط الدم» وصادف في ذاك التاريخ أنني كنت بالقاهرة في زيارة شقيقتي «ماجدة» وعندما حضر ذهبنا معه أنا وماجدة والأستاذ محمد سراج الدين لمقابلة أحد الأطباء المصريين الذي أوضح له ذات التشخيص الذي توصّل إليه الطبيب السوداني، وبعدها بدأت رحلة طويلة ما بين الأطباء والمستشفيات المصرية لم تكلل بالنجاح فكان أن عاد إلى الخرطوم دون التوصل لعلاج.
وبعد الزواج سافر إلى موسكو بدايات عام 9891م ومكث بها شهرين ومن هناك أرسل لي تأشيرة دخول للاتحاد السوفيتي «آنذاك» وبالفعل سافرت لموسكو لوحدي ولم اصطحب معي «الأولاد» ومكثنا هناك حوالى خمسة أشهر وبعدها عُدنا للخرطوم بعد أن طلب منّا الأطباء العودة بعد ستة أشهر.
الكثيرون ـ بعد وفاة الأستاذ ـ أخذوا يرددون ويعلنون أنهم تبرعوا بـ«كلاهم» للراحل.. أين الحقيقة؟
أول حاجة في «الحتة» الخاصة أن هناك بعض الأشخاص سافروا لموسكو للتبرع بـ«كُلاهم» لمصطفى ده كلام «فارغ» ولا أساس له من الصحة، أنا عندما كنت معه واخضعت نفسي للفحوصات الطبية حتى اتبرع له بكليتي إتضح أن الكلية غير مطابقة للتشخيص الطبي المطلوب وعلى هذا الأساس تم استبعادي.. وفوق هذا فإن مصطفى كان له رأي واضح في مسألة التبرع هذه، وكان يقول بإستمرار «لا يمكن لي أن أقبل كلية زول عشان «أعيش» أنا ويموت هو ـ أي المتبرع» ورفض الفكرة من أساسها حتى لو كانت نابعة من أبناء شقيقاته أو اصدقائه أو معجبيه.
طيب يا بثينة.. من أين أتت الكلية التي تم زرعها للراحل؟
الكلية «اشتريناها» من فتاة توفت بالمستشفى!! وللتوضيح أقول إن معظم الناس في أوروبا والاتحاد السوفيتي يكتبون في «وصاياهم» أنهم متبرعون بأعضاء أجسادهم بعد الوفاة حتى في رخصة القيادة فهناك من يكتب فيها بنداً صريحاً يعلن فيه تبرعه بأعضاء جسده إن تعرض لحادث حركة أدى لوفاته.. أرجع وأقول بعد هذه الاضاءة إن مصطفى «اشترى» الكلية من إدارة المستشفى التي كان يتعالج فيها بمبلغ «عشرين» ألف دولار.
من أين جاء التمويل؟
التمويل أتى من خلال تنظيم عدد من الحفلات بالخرطوم أقامها مصطفى بنفسه.
هل كان لأي جهة سياسية دور في هذا الجانب؟
لا.. لا.. لأنه كان رافضاً قيام أي جهة سياسية بلعب هذا الدور.
أيضاً السيدة بثينة تابعنا بعد الوفاة أحاديث للبعض يؤكدون فيها وقوفهم مع الراحل إبان مرضه ودعمهم له.. فللتاريخ هل لك توضيح الحقيقة؟
الحقيقة أن أحد اصدقائه حضر إلى موسكو لـ «تسليم» أو «توصيل» مبلغ العشرين ألف دولار ليس أكثر.. وأي كلام خلاف ما ذكرته ما هو إلا عبارة عن «كذب» و«فبركة».
بعد العودة من موسكو متى غادر مصطفى السودان فيما عُرف بالخروج النهائي؟
من موسكو سافرنا إلى القاهرة ولم نحضر للخرطوم.
كم مكثتم في القاهرة؟
ثلاث سنوات من 09 حتى 3991م.
كيف كان شكل حياتكما في القاهرة؟
كون أن يكون بعيداً عن السودان كان ذلك يُشكّل ألماً كبيراً وهاجساً فظيعاً.. ولم يحب أو يتوافق مع العيش في موسكو أو القاهرة أو الدوحة.. كان يعشق السودان وأرضه وشعبه ومناخه بسمومه و«كتاحته» وخريفه.. وكان يهرب من الغربة بإنغماسه في العمل اللحني وهناك أنتج شريط «طفل العالم الثالث» بالاشتراك مع الراحلة الأستاذة ليلى المغربي والأستاذين محمد وردي ويوسف الموصلي، ثم أنتج ألبوم «الحزن النبيل» كأول عمل مع شركة حصاد للإنتاج الفني التي كانت في بداياتها في ذلك الوقت.
محطة القاهرة هذه هل تركت أي انطباعات في دواخلك؟
من الانطباعات، ذلك التواصل السوداني الحميم معنا كأسرة، أضف إلى ذلك أن القاهرة شهدت حضوراً مكثفاً لمصطفى سيد أحمد من خلال الحفلات الكثيرة التي أقامها في مسارحها ومنتدياتها وذلك تلبية لرغبة روابط الطلاب السودانيين المتواجدين في مختلف جامعات مصر.
محطة القاهرة هل شهدت غزارة في انتاج الراحل الفني؟
نعم.. أنتج مصطفى العديد من الأعمال هناك.. ولم يحصر الأمر علي نفسه فقط، بل قام بإهداء الفنان سيف الجامعة عدداً من أغنياته إلى جانب الفنان أسامة الشيخ الذي أهداه خمس أغنيات لكن بكل أسف لم أسمعها من أسامة الشيخ حتى اليوم.
طبيب مصري «قدَّ» الكلية المزروعة بس عشان «يكبّر كومو»!
إدارة المستشفى بالدوحة رفضت تسليمه جواز سفره إلا بعد سداد فاتورة العلاج فكان المنقذ صلاح إدريس
إذن تعالى ننتقل بحوارنا إلى محطة الدوحة.. كيف تم سفر مصطفى إليها؟
بعد العودة من موسكو إلى القاهرة كانت الحالة الصحية لمصطفى مستقرة وعال العال ولم يشكو طوال عامين من أي مرض فيها، وكان يراجع الأطباء كل فترة للإطمئنان على الكلية التي تم زرعها له، وبعد العامين ذهب إلى أحد أطباء مصر «أمسكت بثينة عن ذكر اسمه» بغرض المراجعة، وحتى «يكبِّر كومه» ذكر لمصطفى أنه يريد أخذ «عينة» من الكلية وبكل أسف تسبب هذا الطبيب المصري في إتلاف الكلية بعد أن أحدث فيها «ثقباً» أدى إلى تعطيلها «وده كلو عشان يلقى ليهو خمسمائة جنيه» فهذا هو السبب الرئيسي الذي كان بداية نهاية حياة مصطفى والذي أكشف سره لأول مرة.
وأذكر أن مصطفى عندما عاد من عيادة الطبيب المصري قال لي.. يا بثينة الدكتور ده «قدَّ لي كليتي» فقلت له «كيف يعني.. اصلو ما ممكن يكون قدَّ ليك كليتك» وبالفعل اتضح لاحقاً أن «العينة» التي أخذها من الكلية تسببت في إحداث «ثقب» أدى لتوقفها عن العمل.. وقبل هذا الخطأ الطبي كان مصطفى أصلاً مسافراً إلى الدوحة لإحياء عدد من الحفلات هناك وبالفعل أقام أول حفل هناك وكان ناجحاً للغاية وتوالت الحفلات وكان مفترضاً أن تكون زيارته لقطر لمدة شهر واحد يعود بعدها إلى مصر لكن خلال هذه الفترة «تعب شديد» ويبدو أن الكلية المتعطلة تسببت في تسمم جسده خاصة في الناحية اليمنى حيث تم زرع الكلية.
وعلى الفور قرر الدكتور عمر عبود إجراء عملية جراحية لإستئصال الكلية وبالفعل تم ذلك.. أضف لذلك أن يده اليُمنى كاد أن يصيبها الشلل من جراء عملية غسيل الكُلى المتواصلة مما إضطر الأطباء لفتح ثغرة أعلى الصدر لمجابهة عملية الغسيل وحقيقة مصطفى تعذّب كثيراً خلال هذه الفترة.. وحتى وفاته كان مصطفى يخضع لعملية الغسيل ثلاث مرات في الأسبوع.
ما هي الظروف التي حالت دون الأسرة للسفر إلى الدوحة للوقوف بجانبه؟
لا.. سافرنا إلى قطر وكنّا إلى جواره لمدة ستة أشهر وكان ذلك في عام 3991م إلى أن استقرت حالته الصحية واطمأنينا عليه تماماً والسبب الذي اضطرني للسفر إلى الاسكندرية يعود لعدم حيازتنا على «فيزا اقامة» أضف إلى ذلك أن سيد أحمد «الإبن الأكبر» كان قد بلغ عمره ستة أعوام مما يستوجب الأمر إدخاله المدرسة ومن هنا جاء خيار السفر إلى الاسكندرية التي وصفها مصطفى بالمدينة الهادئة.. وبالفعل أدخلنا سيد أحمد المدرسة وسامر الروضة.. بالمناسبة مصطفى نفسه لم يُمنح الاقامة إلا بعد فترة طويلة.
كم بلغت تكاليف علاج الراحل بالمستشفى القطري؟
تكاليف استئصال الكلية اضافة لجلسات الغسيل بلغت ستين «06» ألف ريال قطري.
كيف تم سداد فاتورة العلاج؟
«بعد صمت» يعني ضروري؟!
للتاريخ؟
السداد تم بواسطة الأخ صلاح إدريس عن طريق الشاعر مدني النخلي.
هل تم ذلك بعد الوفاة؟
لا.. لا.. قبل الوفاة بفترة وجيزة.. وكانت إدارة المستشفى قد حجزت جواز سفره رافضة تسليمه ما لم يقم بسداد مبلغ الستين ألف ريال.
هل كانت هناك معرفة مسبقة بين الراحل والأستاذ صلاح إدريس؟
أيوه.. وكانت هناك اتصالات هاتفية مستمرة بينهما وكما قلت عن طريق الأخ مدني النخلي الذي تربطه صلة القرابة بالأخ صلاح إدريس.. وبعد دفع القروش تم استلام الجواز من إدارة المستشفى وابتدأ مصطفى في تجهيز أوراقه تمهيداً للسفر إلى الاسكندرية وكان مفترضاً أن يكون معنا يوم 32/1/6991م أي بعد أسبوع من تاريخ وفاته «71/1/6991م».. وكنّا قد اتفقنا مع إحدى المستشفيات بالأسكندرية حتى تقوم بإجراء عملية الغسيل له بها.
في الدوحة استنزفوه.. واتعبوه.. وساعة الحارة «خلّوه»!
الأنباء التي كانت ترد من الدوحة وكمية الشرائط المرسلة من هناك أوضحت أن البعض لم يراع ظروف الراحل الصحية بإصراره على مشاركة مصطفى مناسباتهم سواء كانت زواجاً أو خطوبة أو حتى حفلات أعياد الميلاد.. فماذا أنت قائلة في هذا الجانب؟
السودانيون الموجودون بالدوحة «استنزفوا» مصطفى بشكل غير عادي.. كان مصطفى يدخل المنزل وهو قادم من المستشفى ـ بعد إجراء عملية الغسيل ـ فيجد من هو بإنتظاره لإقامة جلسات الاستماع.. وكنت دوماً أتصل عليه من الاسكندرية أطالبه بعدم الإسراف في مثل هذه المجاملات.. كل هولاء لم يراعوا ظروفه الصحية المتدهورة فقط كان همهم محصوراً في أن يغني لهم مصطفى في مناسباتهم وافراحهم.. اتعبوه.. فعلاً اتعبوه واستنزفوه!! وساعة الحارة «خلوه»!!
من هم الذين وقفوا إلى جانبه «ساعة الحارة»؟
كُتار.. منهم دكتور مسعود ومحمد الحسن وأحمد البكري ومدني النخلي وبدر الدين الأمير وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة لذكر اسمائهم وبرضو في ناس كُتار اتعبوه شديد وارهقوه بشكل ما عادي!
الحاجة ست الجيل أُمي.. وشقيقاته «أخواتي»
سيد أحمد وسامر يسمعان أغاني والدهما بإستمرار وطوال اليوم
العلاقة التي نشأت بين مصطفى والشعراء الذين تغنى بأعمالهم.. هل لا يزال حبل ودها ممدوداً مع الأسرة بعد رحيله؟
نعم.. ومن أكثرهم تواصلاً معنا وتفقداً لأحوالنا الأساتذة محمد الحسن سالم «حميد» وأزهري محمد علي ومحمد طه القدال وصلاح حاج سعيد وقاسم أبو زيد ومدني النخلي وأيضاً يحيى فضل الله عندما كنّا معاً في كندا.. ومن غير الشعراء هناك السر محجوب وجهاد فكي وطبعاً يوجد من كانوا يسجلون تواصلاً في حياة مصطفى لكنهم بكل أسف تساقطوا وتواروا عن الأنظار بعد وفاته ولا داعي لذكر اسمائهم!
التواصل مع الأسرة الكبيرة في ود سلفاب بالقطع قائم.. ماهي آخر زيارة قمتي بها إلى هناك؟
طبعاً.. أنا حريصة كل الحرص على زيارة الأهل بود سلفاب وآخر مرة زرتها كان في عيد رمضان الماضي وبعد أيام سأشد إليها الرحال لقضاء عطلة عيد الأضحى المبارك هناك إن شاء الله.. لأنو لا يوجد عندي أهم من «أم مصطفى» وشقيقاته وأبنائهن.. والحاجة ست الجيل هي «أُمي» وشقيقات مصطفى هن أخواتي وأنا أحبهم حباً كبيراً وعميقاً وهؤلاء الأخيار اصبحوا أهلي منذ ارتباطي بمصطفى سيد أحمد وإلى يوم الدين بإذن الله.
ماذا عن الأبناء سيد أحمد وسامر.. هل هما متعلقان بأعمال والدهما وهل يسيران على ذات دربه؟
نعم.. ويسمعان أغانيه بإستمرار كما في هذه اللحظة.. (من المحرر: «أثناء حوارنا مع السيدة بثينة كان جهاز التسجيل يبث أغنية «ما بين مريم الأخرى والمجدلية»).. أما سامر فقد تعلّم العزف على العود بعد عودتنا من كندا وأصبح يجيد عزف أغاني والده.. يعني بيعزف أكثر من أن يغني.
وسيد أحمد؟
سيد أحمد لا علاقة له بالموسيقى لكنه يستمع لوالده طوال اليوم.
هذه قصة العشاء الأخير قبل الوفاة بلحظات
أُغمى علىّ بعد ابلاغي بالنبأ الحزين.. وسيد أحمد وسامر اختبآ في الدولاب!!
سيدة بثينة.. نريدك أن تميطي اللثام عن اللحظات العصيبة.. أو الأيام الأخيرة لحياة الفنان الراحل؟
«صمت» ثم دموع غزيرة.. نعم.. كان مصطفى يتصل علىَّ هاتفياً بإستمرار في آخر أيامه.. وكان يتكلم مع سيد أحمد وسامر ويقول لهما «عاوزين شنو اجيبو ليكم معاي» وأذكر إنو آخر «بدلة» لبسها في الحفلة بتاعت رأس السنة وجدت في واحدة من جيوبها الورقة التي دوّن فيها مقاسات «البناطلين» الخاصة بسيد أحمد وسامر واللي كان مفروض يشتريها ليهم من الدوحة.
وخلال هذه المكالمات كان يقول لي «يا بثينة أنا عارف إنك تعبتي معاي كتير وكمان برضو الأولاد اتعبوك لكن اصبري والحمد لله المسائل والأمور كلها هانت وإن شاء الله عمّا قريب نتلمّ مع بعض» وكان يقول لي «بُعدنا عن بعض أقسى من أي وضع صحي»!!
وكان دوماً يرسل شرائط مسجِّل فيها أحاديث ونصائح ليّ وللأولاد.. وكان في أحاديثه المسجّلة يوجه ويرشد سيد أحمد وسامر وكان يقول لهما «حبوا بعض وخليكم أصحاب وما تزعلوا «ماما» وسبحان الله.. مصطفى زي الكان حاسي بإنو مودّع الدنيا وما حا يعيش كتير!!
هل محتفظة بهذه التسجيلات؟
أيوّه.. وبالمناسبة مصطفى كان بيسجِّل أي لحظة يغضب أو يفرح فيها وبالتفاصيل الدقيقة كمان.. وحتى الآن أنا وسيد أحمد وسامر بنشغّل الشرائط ديَّه وبنسمعها وحتى اليوم عندما يقول لهما مصطفى «يا سيد أحمد ويا سامر» يردان عليه قائلين «نعم!!» وعندما يقول لهما «افعلا كذا ولا تفعلان كذا» يردان عليه بالقول «حاضر يا بابا»!!
آخر اتصال هاتفي أجراه معك؟
آخر إتصال كان يوم الأحد 41/1/6991م بالمساء «قبل وفاته بثلاثة أيام» وكان دائماً ما يتصل في وقت متأخر من الليل.. وأذكر أنه قال لي «بكرة حا أضرب قبل سيد أحمد وسامر ما ينوموا عشان اتكلم معاهم» قلت ليه «هم هسع صاحين ممكن تتكلم معاهم» وفعلاً «اتونس» معهما لزمن طويل وقال لهما «خلاص الاسبوع الجايي أنا حا أصل مصر إن شاء الله».
ومصطفى عادة كان يرسل المصاريف أول الشهر.. فقام قال لي «يا بثينة أنا ح أرسل ليك قروش» فقلت له «يا مصطفى انت اصلاً جايي الاسكندرية.. ثم انو مصاريف الشهر موجودة» لكن مصطفى أصر أن يرسل المبلغ.. وفعلاً حوَّل المبلغ صباح نفس يوم الوفاة «الأربعاء 71/1/6991» ولم استلم هذا المبلغ إلا بعد فترة طويلة من وفاته.
هل لك أن تكشفي لنا اللحظات الأخيرة التي سبقت الوفاة؟
أحد اصدقائه واسمه عمر الطاهر زار مصطفى في المنزل ووجده مُشغِّل «الغسالة» يغسل في ملابسه و«بشاكيره».. قال لمصطفى «أساعدك».. مصطفى شكره وقال له «خلاص انتهيت».. وبعد ذلك جلسا مع بعض يتجاذبان أطراف الحديث وعندما حاول عمر الاستئذان للإنصراف رفض مصطفى ذلك وأصر عليه أن «يتعشى» معه وأخبره أن الأخ «عبد المنعم» الذي يسكن معه ذهب لإحضار وجبة العشاء.. وقد أخبرني الأخ عمر الطاهر ـ لاحقاً ـ أنهم كانوا «يتونسون» ويضحكون أثناء تناول العشاء وكان مصطفى في هذه اللحظة ـ لحظة الوفاة ـ يمسك بيده قطعة خبز وفي اليد الأخرى «قرن شطة» وفجأة قال «آه».. هنا قام عمر وعبد المنعم بحمله من الكرسي الذي كان جالساً عليه ووضعاه على سريره ليكتشفا أن مصطفى أسلم الروح إلى بارئها وسط ذهولهما الشديد!!
كيف تلقيت أنت الخبر؟
أذكر أن ولديّ كان |
|
|
|
|
|
|
|
|
|