مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 08:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبدالله عثمان(عبدالله عثمان)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-06-2008, 08:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه
                  

10-06-2008, 08:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)



    محمود محمد طه.. وتكريس نظام اللاعقل

    بقلم: غسان علي عثمان

    يمدنا التاريخ الإسلامي، في جانبه الفكري، بعدد كبير من أهل التصوف الذين قالوا بالمعرفة الباطنية (المتعالية عن المصادر البشرية)، جاء ذلك تطوراً طارئاً ضد إسلام الصحابة الأوائل، والذين كانوا يكتفون بترديد عبارات «الله أكبر، سبحان الله» تعبيراً منهم عن يقينهم بما يُقال، ولكن، وبعد تعاظم نفوذ الدين، والتداخل الإثني الذي حدث في زمن الفتوحات الإسلامية، جاء الجدد بمفاهيم مستبطنة في وعيهم، من بقايا موروثهم المانوي، عن كيفية فعل التدين ومعنى وجود الله، ومن هؤلاء كان الفرس المسلمون، كانوا على دين المجوس؛ يؤمنون بثنائية العالم (النور والظلام = الخير والشر)، ومعهم ظهرت مفاهيم غريبة عن التدين العربي الحر والعقلي الموصوف بالمباشرة ورفض الغريب من الشعائر والمستهجن من العبادات، وقضت حكمة الله في العرب أن يأتيهم نبي يجدد لهم دينهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور؛ من عبادة العِبَاد (الأصنام كانت رجالاً صالحين قُدِّسوا بعد مماتهم) إلى عبادة رب العباد، وبمقتضى الحال بدأ رسول الله ([) بتحييد السيء من الظواهر المصاحبة لممارسة الشعائر؛ فالحج سُنَّة إبراهيم، عليه السلام، بأمر ربه، اختلط بممارسات غريبة عليه «الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ» ـ البقرة. فرسالة النبي ([) هي ثورة تصحيحية بكل المقاييس، فمع تبدل الحال والتغييرات التي صبغت وجه المجتمع برزت التيارات الإسلامية من معتزلة وأشاعرة وماتريديَّة وطحاوية، وهؤلاء ينبني فهمهم للدين على أساس من العمليات الذهنية من استقراء واستدلال وقياس، ولكن في المقابل، ظهرت تيارات باطنية تدَّعي المعرفة بما هو خافٍ عن العقلانيين، فنبتوا في صلب المجتمع كمتصوفة خائفون متوجِّسون من عظائم الدهر وملماته فتسمَّى بعضهم (الملاماتية)؛ يلومون أنفسهم فيما يحسبونه تفريطاً في جنب الله، زاهدون في العمل، مع كون التشريع يقول بضرورته؛ فالعمل عبادة، ولم يكن صحابته ([) يتوقفون عن العمل. ونحن نفرد هذه الصفحات لمناقشة (العرفان) كنظرية وكشف تهافته وضعف حجته، وكيف أن العرفاني لا يؤمن بالمعرفة العقلية، ويعيش حياته بذاكرة منكسرة إن لم نقل أنه يعيش حاضره بأسئلة غيره!، ولنا في تيار الجمهوريين الذي برز في ثمانينات القرن الماضي في السودان وقفة، فقد كانوا فاعلين في نشر أفكارهم بواسطة توزيع وبيع الكتب وطباعة المنشورات والتبشير برؤيتهم للدين عبر منابر النقاش في الجامعات والشوارع العامة، فقادهم ذلك النشاط للاصطدام بالسلطات الحاكمة آنذاك (حكومة مايو 1969م ـ 1985م) قادت رائدهم وأستاذهم محمود محمد طه (1909م ـ 1985م) إلى مقصلة الإعدام متَّهَماً بالردَّة وبإثارة الكراهية ضد الدولة. هنا نناقش الجانب الفكري من أطروحتهم اعتماداً على نصوص (طه)، ونذكِّر بأنه كان الملهمَ الوحيد والكاتب والمرشد فرداً لجماعة.

    في العِرْفَان Gnosis:

    يتفق معظم الباحثين في تعريف العرفان بأنه «العلم بأسرار الحقائق الدينية»، و«العرفاني هو الذي لا يَقنَع بظاهر الحقيقة الدينية بل يغوص في باطنها لمعرفة أسرارها»، وهو عبارة عن سلسلة عريضة من نظم التأملات الدينية مركزها البنية اللاشعورية، والعرفانيون يعتمدون على عقيدة الخلاص (الفِدَاء) والتي تعني المعرفة أو (العرفان)، وهي تهتم بفهم الأشياء المقدسة وكيفية الخلاص إليها، والتي لا سبيل إليها عن طريق العقل وإنما من خلال نوع من الإلهام الداخلي فقط. ولعلماء المسلمين: (العرفاني لا يُقيم وزناً لهذه الصفة فحقيقة الإسلام لا يعلمها إلا العارف وهو هنا شيخ الطريقة أو المربِّي الروحي). آراء عديدة في توصيف العرفان، ومثالهم في ذلك ابن عربي وابن سبعين والبسطامي والحلاج، يقول عنهم ابن خلدون في مقدمته: «ومن هؤلاء (العرفانيون): ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة بمستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أو عدّها في الشريعة»، وبن تيمية في مجموعة فتاويه يورد رأيه في بن عربي الصوفي الأندلسي (عام 1164م ـ 1240م): (مقالة ابن عربى صاحب فصوص الحكم وهى مع كونها خروجاً عن الدين إلا أنه أقربهم إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيراً ولأنه لا يثبت على الاتحاد (الحلول والاتحاد نظرية عرفانية تقول بحلول الله في الإنسان) ثبات غيره بل هو كثير الاضطراب فيه وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذي يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى).

    العقل العرفاني منتهى طموحه تقديم استقالته:

    العرفان تكريس اللاعقل؛ فبحسب د.الجابري فإن العقل العرفاني هو «جملة التيارات الدينية التي يجمعها كونها تَعتبر أن المعرفة الحقيقية بالله وأمور الدين هي تلك التي تقوم على تعميق الحياة الروحية واعتماد الحكمة في السلوك، مما يمنح القدرة على استعمال القوى التي هي من ميدان الإرادة؛ فالعرفان يقوم على تجنيد الإرادة بديلاً عن العقل» وهنا يأتي تكريس اللاعقل عند العرفاني، ووسائله هي سلاحه المشهر دوماً في وجه الانضباط العقلي والتقيد العلمي وهو الإلهام والكشف، والرياضات والمجاهدات التي يتلقاها ويمارسها العارفون. ويعتقد أهل العرفان أن معرفتهم أفضل من المعرفة البيانية (القرآنية والسنة المحمدية ) والبرهانية (العقلية التجريبية)، إذ إن طريق العرفان هو طريق الأصفياء، خصوصاً الأولياء والأئمة. فالعرفاني دائم الهروب من عالم الواقع إلى عالم (العقل المستقيل) الذي يلجأ إليه كلما اشتدت وطأة الواقع عليه وعجز عن تجاوز أزمات عصره.

    ثنائية الظاهر والباطن في النص القرآني:

    إن الظاهر والباطن هما ما يميز فهم العرفاني للقرآن الكريم، ورائدهم في ذلك هو ابن عربي؛ النموذج الفلسفي الذي يؤسسون عليه نظريتهم نحو العالم والدين، وهو يقول بأن الله جعل في كل شيء من مخلوقاته ظاهراً وباطناً. وأن ما نسميهم بأصحاب الإشارات مَعْفُوون من التقيد بحدود اللغة (اللفظ والمعنى)؛ إذ إن فهم القرآن الحق هو فهم بالقلب، والمؤمن ينبغي أن يضع نفسه في منزلة الرسول ليسمع مثله القرآن في قلبه، كما يسمع الرسول من جبريل؛ فموقف العارفين هذا موقف خطير. إذ إن ذلك يجعل فهم الصحابة أقل من فهم العارف الصوفي أو الشيعي، أمَّا القياس العرفاني فيصفه الجابري بأنه القياس بدون جامع، وبدون حد أوسط، وبدون رقابة عقلية. فجعل الشيعةُ مكانةَ الولاية أفضل من النبوة مصداقاً لعدم ترابط بنية القياس العرفاني وتناسقها؛ فالولي عند المتصوّفة والإمام عند الشيعة لهما السلطة الدينية الكاملة التي لا تنافسها أية سلطة أخرى بخصوص مصداقية المعرفة. وإدعاؤهم معرفة باطنية تغيب عن ناظري العالِم والباحث في الدين دعوى لا يسنده حق، فالعلم بالباطن خصيصة آلهية ليست لأحد، فليس لإنسان مهما بلغ من تدرُّج روحي! أن يعلم علم الله أو أن يشاركه شيئاً. «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم»، فالنص القرآني لدى (العارف) لا يعتمد فهمُه على حجة العقل، ورغم ادعائهم البصيرة الفلسفية إلا أنهم لا يقيمون وزناً للعلة وهي العلاقة التي من ضروري الأخذ بها في عالم الأشياء الذي نعيش، والغريب في الأمر ادعاء القدرة على حل مشاكل العالم رغم أنف العقل، والحديث عن ملكات روحية تجلب الحظ وتُغيّر العالم!. وفي رأينا أن القول بوجود أسرار دينية لا يشبه العقيدة الإسلامية في شيء؛ فالنبي (ص) بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ولا يحدثنا النص القرآني عن أسرار للدين إلا اللهم ما يفعله العرفانيون اجتزاءً للنص وقراءته عِضِين، فمن المسلَّم به أن المعرفة الجزئية لا تكون علماً، إنما المعرفة الكلية هي التي تكون أساس العلم!، ولهذا، وبما أن الموقف العرفاني يكرس السلطة بالعلم في يد ذاتٍ عارفة تمتلك الفرادة والعلو على الواقع المادي فإنها لا تمتلك القول بعِلْمِيَّتها، فالمعرفة الجزئية فروض تتأسس فقط على القول بها، ومثل هذا، ادعاء بعض أصحاب الكرامات القدرة على الإتيان بما يخالف سنن الله في الأرض؛ فقد طلب مشركو قريش من رسول الله (ص) أن يأتيهم بآية ليؤمنوا « وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ». فكيف يُمنح إنسان ما مُنع منه النبي (ص)؟. وحديث العرفانيين حول تفسير للظواهر الدينية وتداولهم لنظرية العقول المفارقة فإنهم لم يأتوا بجديد؛ إذ يستطيع الباحث في الشأن الديني أن يجد أصولاً لأفكارهم في صحف الصوفية الأوائل، ويمكننا القول بأنهم نقلوا ما وجدوه من كتب محيي الدين بن عربي كفصوص الحكم ومقالاته والفتوحات المكية وعنقاء مغرب، والجدير بالذكر أن حتى ما كتبه بن عربي منقول من كتب الفرس القدامى أتباع زرادشت، وهذا شأن آخر يمكننا الخوض فيه تفصيلاً. كل هذا يجعلنا نقف على تهافت مقولاتهم، فعن أية حقيقة يتحدث العرفاني؟، ألحقيقة التي اختُصَّ بها بواسطة نظام يسميه الكشف والخروج عن قوانين الواقع والمحسوس؟ وما يدعيه أهل العرفان باعتمادهم آلية الكشف واعتبارها آلية فوق العقل، نقول إن صدق الحكم هو أن يكون ما هو مصرَّح به مطابقاً لما هو موجود في الواقع، وكذبه أن يكون مخالفاً لما هو موجود فيه. هذه أبسط قواعد منطق القضية، ففي القول بأن الحقيقة واحدة تَجنٍّ على العقل وإقصاء ما بعده إقصاء للآخر، وأيضا يشكل ذلك تعدياً على المبادئ العقلية التي تنظم المعرفة، فلا مبدأ للهوية ولا وجود للسببية وإلغاء للحتمية والغائية، وهذه المبادئ هي التي تضمن الارتباط المنطقي بين حدود البرهان وصدق القضية. إن العرفانيين في الغالب يعتمدون أيما اعتماد على مقولات مأثورة تحتاج إلى السند والمرجع الصحيح، ولا نكون مغالين إن قلنا أن مرجعيتهم هي الهرمسية، والتاريخ يخبرنا بوجود جماعات أطلقت على نفسها تسميات عدة ولكنها عملت بأيدلوجيا واحدة؛ وهي القول بأن عالم الأشياء له ظاهر وباطن.

    الصلاة وشُّهود الذات الإلهية عند طه:

    نقرأ لـ(طه)، في رسالته المسماة «رسالة الصلاة 1966م»، فالصلاة لها معنى بعيد، ولها معنى قريب. ولقد خرجت الصلاة على مستويين من مستويات شهود النبي ربه، والقرآن يقص علينا هذين المشهدين فيقول: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.)، هكذا، وبلا أية مقدمات تفسيرية، يُطْرَح النص القرآني بما يخدم فكرة العارف، فالصلاة لديه لها عدة معان؛ قريب وبعيد، وفي هذا مخالفة منهجية، ومحاولة سطحية لتوليف رؤية غير ذات جدوى كحديثه عن مستوى للشهود: «فأما المشهد الأول فهو مشهد أسمائي، وأما المشهد الثاني فهو مشهد ذاتي.يقول تعالى عن نفسه: (كُلّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْن) وشأنه إبداء ذاته لعباده، وهذا الإبداء إنما هو تنزُّل من بهموت الذات إلى مراتب العباد ليرقوا في معارج هذه التنزلات إلى حضرة الذات؛ فالله تعالى له تنزلاته إلى عباده»، وفكرة حلول الله في المخلوقات وتحوله من مشهد إلى آخر قال بها بن عربي، يقول: (لمَّا بدا صُوراً لهم متحـوَّلاً/قالوا بما شهدوا وماجحدوه)، وأفكار (طه) تلتقي بفكرة «ال?يدا» عند الهنود التي تقول إن المعرفة تأتي من طريق الإشراق، وإن الهدف من الحياة هو الاتحاد ببراهمان، كما تلتقي بمبدأ «الطاو» في الصين الذي يقول: إن الله يتجلّى في العالَم. كما تلتقي بالأفلاطونية الحديثة؛ خصوصاً بفكرة «الفيض» القائلة إن العالَم قد فاض وإن النفس الكلّية كنور الشمس المُشرق على غُرَف عدّةٍ، في كلٍ منها جزءٌ منه، فماذا ينفعنا أن نصلي وفق ما سماه رؤية النبي ([) لربه جلا وعلا؟ هذا يعني أن نتوقف عن الصلاة كأمر (وأقيموا الصلاة..) وانتظار إبداء الله لذاته؟ الملاحظ أن جميع كتب (طه) لا توجد بها إحالة لمصدر وهنا تتجلى لا منهجيته (إن العرفاني يتلقى الوحي، ويترفع عن عالم البشر!)، وما يثير حفيظة أي باحث في الشأن العرفاني تلك قضايا التي يعمل العرفاني على تضخيمها، وبلورة رؤية خاصة به يوظفها لخدمته، والسؤال هو ماذا ينفع الناس؟ الحديث عن عوالم غير مرئية؟ أم مجابهة الحياة ومشاكلها بإيمان ثابت وعقل فاعل؟ أيهما أهم محاربة الفقر والمرض بالتخطيط والعمل؟ أم السقوط سهواً من ذاكرة الفعل الاجتماعي؟ والتعالي على حقائق الحياة وشروط الواقع؟. ويتابع صاحب رسالة الصلاة الحديث في تنزيل القرآن بشرح الآية: «وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً» بالقول: «... فالقرآن هو الذِّكر في مقام الجَّمْع، والفرقان هو الذِّكر في مقام الفَرْق...» وكلامه هنا ترديد لما يقوله غُلاة المتصوفة بأن العارف يصل إلى مقام فتُرفَع عن التكاليف مثل: مقام وحدة الوحدة، مقام الوحدة فقط، ومقام الجمع، ومقام الفرق، ومقام جمع الجمع، ومقام فرق الفرق، وفي كتاب (مدارج السالكين) لـ ابن القيم يشرحها شرحاً صحيحاً في مقام الجمع، ومقام الفرق، ومقام جمع الجمع إلى آخره، لكن بعضها يرجع إلى الاتحاد. كان يمكن أن نواصل في شرح مقولات صاحب رسالة الصلاة ولكننا نتوقف لصغر مساحة هذا المقال على أن نعاود الكتابة مرة أخرى في بحث يفي بالغرض. فتفسيره للنصوص القرآنية يفتقر إلى أدنى مقومات التحليل العلمي، والعلم هنا بمفهومه العام، يشمل كل معرفة منظمة, عقلية منطقية كانت أو حسية تجريبية، أو كما يقول الإمام المازري (ت536هـ): إن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به, مع سكون النفس إليه, إذا وقع عن ضرورة أو دليل. نشدد على حداثة هذا الفهم , فهو قد جمع فيه بين أربعة عناصر واضحة: اعتقاد+مطابقة+سكون النفس+دليل ضروري.
    كما إنه لا يسع البعض الحديث عن قواعد غير علمية في التعامل مع النص القرآني لا مبرر لها و(طه) يجيِّر نصوصه بمفاهيم فلسفية تعد الآن من مخلفات عصر النهضة؛ فالوعي الغربي الآن تجاوز (الليبيدو) وثنائية (إيروس) و(تاناتوس) ، والغرب ليس رهيناً اليوم لديكارتية الذات والموضوع.
    (إن العرفاني يتحرك بدوافع جعلته يقِيم اللامعقولَ العقليَّ وسيطاً بين الله والناس؛ الشيء الذي جعله يعاني من الحضور المكثف للغيب ومقولاته، ويجد نفسه، بالتالي، مهيأ للهروب تحت وقع أية صدمة من عالم الواقع إلى عالم المماثلة البدائية؛ من المعقول إلى اللامعقول).


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1154
                  

10-06-2008, 08:40 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    خطاب النميري في تأييد الحكم على محمود محمد طه بالردة
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوَّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ > وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ > أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ > وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ >} صدق الله العظيم .

    اسم الله، وباسم الشعب، وباسم الثورة؛ نصدر الأمر بتأييد الحكم على محمود محمد طه وآخرين على أساس الشرع والقانون حماية للأمة من خطره وافترائه على الله وتطاوله على أنبياء الله وحماية لهذا الدين من بدعه وأهواء النِّحَل الضالة وأن يكون لمن خلفه آية وعبره وحماية للوحدة الوطنية القائمة على احترام الأديان كافةً والرسل أجمعين وعلى العبودية لله والولاء للوطن الحر. ونحن، إذ نؤيد الإدانة والعقوبة بجميع المواد القانونية التي أدانت بها المحكمة المتهمين، نشيد بالتَّسبيب الوافي الذي جاء في حكم محكمة الاستئناف، والجهد الذي بذلته محكمة الموضوع رغم أن المتهمين ساروا على نهجهم غير الحضاري في التعامل مع المؤسسات الدستورية بالاحتقار التام وهو سلوك درجوا عليه منذ عُرِفوا؛ فما وقَّر هؤلاء الناس قضاة ولا احترموا تشريعاً ولا قدروا حاكماً ولا قاضياً. بل رفضوا التعامل حتى مع المحامين الذين تطوَّع عدد منهم للدفاع عنهم. قد وقفنا بتأنٍّ عند الجرائم التي ارتكبها المتهمون واعترفوا بها بتبجُّح وإصرار، وراجعنا المستندات التي قُدِّمت والأقوال التي حوتها يومية التحري واعترف بها المتهمون وكذلك المؤلفات التي كتبها الجمهوريون عن فكرهم الشيطاني المضر، ورأينا تبصير جماهير شعبنا المؤمن ببعض ما غاب عنه من خطورة هذا الرجل الشيطاني ومن معه من الشباب الضال وما عليه إجماع الأمة أن ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محكم من كتاب الله فلا ينسخه إجماع المسلمين، وما مات عنه وهو منسوخ فلا يحكمه إجماع المسلمين إن السلّم الجهنمي الذي انحدر به المتهم عبر درجات سبع تحتهن سبع أخرى حتى قاع الشرك الكامل وما زال يتدنى من درجات الشرك الغليظ حتى ادَّعى الألوهية صراحة ودون أي حياء من الله أو من الناس الذين يأكل معهم ويتغوط ويتبول مثلهم وينكح ويلد. لقد أحسنت محكمة الاستئناف صنعاً حين استعرضت إنكار المتهم لبعض أركان الدين حتى انتهت إلى إنكاره لوجود الله إلا فيه هو هذا البشر الضعيف. ولكنها سكتت عن بعض منكرات المتهم والتي تؤدي بالضرورة إلى إنكاره لكل أركان الدين ركناً وراء ركن مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصلاة عماد الدين. من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين». ومن أقواله التي لم تتعرض لها المحكمة قوله في شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي كتابه عن (لا إله إلا الله) يقول المتهم في صفحة 13 وصفحة 14: «لا إله إلا الله لن تنفك، تقال، زي ما قلت ليكم، في السرمد، لكن الشهادة المقرونة بمحمد يعني: لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ تجب مرة في العمر». وقد تعرض في نفس الكتاب للملائكة المقربين وللصلاة وللتوحيد وللإسلام وللشريعة الإسلامية منكراً ما مات النبي عنه وهو ثابت، وهذا مما يجمع المسلمون على أنه ردة موجبة للحد. والمتهم ينكر الحج ويزعم أنه وثنية خالصة. وفي الرسائل والوثائق التي ضبطت بحوزة المتهمين رسالة مؤرخة 6/12/ 1984م ومكتوبة بلغة الكلام العادي حيث جاء فيها على لسان محمود محمد طه: «ممارسات الحج وثنية. يجيء وقت يعرف الناس أن الحج أساساً من أجل المعرفة. من أجل الإنسان الذي يستطيع أن يجسد المعرفة الإلهية» انتهى كلام محمود محمد طه. وهكذا اجترأ المتهم على المحكم والمنسوخ من الآيات ثم على الشهادة ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل سلمه السباعي الهابط به في الشرك بادعاء الألوهية قولاً واحداً بعد أن ظل سنين طويلة يدَّعي أنه رسول يتلقى عن الله كفاحاً زاعماً أن النبوة ختمت ولكن الرسالة لم تختم منافياً بذلك قول الله تعالى: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما». صدق الله العظيم. ومخالفاً أمر الله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. لقد عكفت على دراسة أوراق هذه القضية ومستنداتها على مدى (27) ساعة متصلة مستعينا بالله وكتب الفقه والقانون ومستشيراً ومستخيراً فلم أجد لمحمود محمد طه وحزبه مخرجاً ولا شبهة تدرأ هذا الحكم الحدي الذي لا يجوز لحاكم أن يعفو فيه أو يتنازل عنه ولا لشخص أن يشفع فيه، لقد كانت نتيجة الخوف والخذلان والذعر أن حاول كثيرون التأثير على مجرى القضية وهي في يد القضاء واتصل بعضهم برئيس الجمهورية وهم يعلمون أنه جزء من المحكمة بحكم أنه السلطة المؤيدة بنص الدستور والقانون والتأثير عليه لا يجوز لأنه يمارس سلطاته وفق محضر القضية وبيناتها وقد حاول بعض آخر التأثير في مجرى القضية بمزايدات فاشلة وهي في يد القضاء على الرغم من أن منبر المحكمة كان مفتوحاً لكل من أراد الدفاع عن المتهمين وفق أحكام القانون. إنني ومن هذا المنبر أجدد التأكيد على استقلال القضاء و أوكد بأن كل من يتدخل في القضاء سيجد الجزاء اللائق به أياً كان مركزه أو مكانته فالناس أمام القانون سواء ولذلك فإن كل من سمح لنفسه بمحاولة التأثير على القضاء أو الطعن في إجراءاته بغير طرق الطعن القانونية أو التدخل في القضية كل هؤلاء وأولئك يجب أن يعلموا أنهم عرضوا أنفسهم للمساءلة القانونية ولذلك يجنون ثمرة جبنهم وخورهم ونكوصهم ونفاقهم في هذا الأمر البين الذي لا خلاف عليه بين علماء الأمة وعامتها ولا جعل الله لخوار في بلادنا موقع قدم (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم). (صدق الله العظيم) والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    ألقاه وأذيع من الإذاعة والتلفزيون
    يوم الخميس 17 يناير 1985


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1167
                  

10-06-2008, 08:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    د.عمر القَرَّاي لـلخرطوم الجديدة
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    ما ندعو إليه فيه خلاص البشرية كلها
    المسلمون في حاجة إلى ترك الإيمان الاستعلائي والمفاهيم التي قامت عليها دولة المدينة
    «محمود» داعية إصلاح كوكبي
    بدأ من السودان والأفق ممتدّ أمامنا

    ذهنبا لمحاورة د.عمر القرَّاي، وفي الخاطر صورة ذهنية قديمة عن الجمهوريين وعن القرَّاي، سيَّما أننا جئنا من بيوت اعتنق بعض أفرادها الفكرة الجمهورية، وطالعْنا كتب الراحل محمود محمد طه مع كتب المناهج المدرسية ، وأنشدنا (سلام أيها الإنسان) جنباً إلى جنب (نشيد العلم)، واستنشقنا طِيب الجمهوريين مع بخور الجلسات الخاصة. ثم مرت سنوات اختفت فيها تلك الجماعة، وإن بقيت لها الفكرة ولنا الذكرى، وشيء من استعراض الأخيرة جعل الفُضْلَى حرم القرَّاي تطمئنّ إلينا لتعبق الأجواء برائحة أزكت الذكرى، والقرَّاي لم يخيب ظننا، رجل معتدٌّ بما يؤمن، ولا يستطيع أن يمسك نفسه عن التجاوب مع كل شيء أمامه، وشيء من هذا جعل زوجته تضطر إلى سحب (طبق الحلويات) من أمامه حتى لا يزيد من ارتفاع معدل السكر في دمه. بدا القرَّاي أقل حماساً للحديث عن مجتمع الجمهوريين اليوم، ونحسب أن ما قاله يكفي.. إلى أن يحين الوقت؛ وقت الجمهوريين، وعندها تجد كل الأسئلة إجابات لها.. وأولها: (المهرجان متى؟)، وإجابته: (المهرجان هنا.. والآن؛ في بيت القراي).

    حوار: بكري المدني

    د.القراي، في بداية هذا اللقاء، حبَّذا لو تقدِّم لنا ملخصاً موجزاً عن الفكرة الجمهورية؟

    الفكرة الجمهورية تقوم على رؤية تقدم المستوى الأصلي للإسلام كمخرج للمسلمين وللبشرية كلها من خلال حل مشاكلها الحاضرة، ونحن نعتقد أن الفكرة الجمهورية أكفأ من كل الأفكار الدينية والعلمانية الأخرى المطروحة لحل إشكالات البشرية، والسبب أن الإسلام والقرآن الكريم يحوي كل المعاني الدالة على ذلك، وقد ورد في الحديث ما معناه إن القرآن الكريم فيه خبر ما قبلنا وحكم ما بيننا، والمشكلة أصلاً تكمن في التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وقد حاولت كل الأديان والفلسفات أن تحل هذا الإشكال، غير أن الفرد لم يسعد بحرية مطلقة، بينما الجماعة مشغولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي معادلة صعبة؛ فالشيوعية قد نبذت حرية الفرد من أصل مصلحة الجماعة، وعلى العكس منها فعلت الرأسمالية، وهذا عجز واضح، بينما لم ير الراحل «محمود» و«الإخوان الجمهوريون» من توفيق إلا على أديم مبادئ الإسلام الذي يستطيع وحده تحقيق الحل؛ لأن فيه تشريع مفصَّل للفرد وللمجتمع لم يطرح من قبل ولن يطرح من بعد، وهناك الآن سؤال؛ لماذا يُتَّهَم المسلمون بالإرهاب؟، والإجابة في رأيي؛ لأنهم ركَّزوا على محاولة استحضار النموذج الذي تمَّ في دولة المدينة، والراحل محمود يرى أن تشريع دولة المدينة أخذ من فروع القرآن، بينما بقيت أصول القرآن المثلى بلا تشريع، ومجموع المجتهدين يروون عدم جواز الاجتهاد في الأمر الذي ورد فيه نص، وكل المجتهدين يأخذون النصوص المحكمة في الأحاديث والآيات، بعكس الراحل محمود، والذي كسر هذا الحاجز، وقال إن الإجتهاد يجب أن يكون فيما فيه نص!، وذلك لأن الحاجة أصلاً تكمن في الأخير، والاجتهاد في النص يوفر معرفة قيمة للإنسان. ومحمود، انطلاقاً من ذلك، دعا إلى بعث القرآن المنسوخ بدل القرآن الناسخ، والاختلاف أصلاً على المنسوخ وليس على الناسخ، لذا نحن مطالبون بالتفكير، وآيات الأصول أصلاً (عندها وقت)، وهذا الوقت بفهم محمود والجمهوريين قد حلّ، ومعرفة تشريع آيات الأصول يتم بالممارسة وليس بالقراءة، والله وَعَد بالمعرفة، وإسهام المسلمين يجب أن يكون إيجابياً في حل مشاكل البشرية التي باتت الآن في حاجة إلى السلام؛ سلام الفرد وسلام الجماعة. ومحمود طرح المعاني العميقة للعبادات، ومعروف أن للعبادات معان أعمق من الشعارات، ومنهج العبادة بعمق يجعل الفرد يتخلَّص من مخاوفه ويعيش في سلام ويقدم السلام للآخرين. لقد فشلت كل النظريات الداعية لهذا السلام في ملء حاجات الإنسان لأنها ترتبط بجهاز الحكم (السلطة)؛ سواءٌ بِطَلَبِها أم ممارستها، والإسلام يقدم حلولاً فوق السلطة وفوق طلب الرزق، وينهض برؤية للمَخرَج الذي تطلبه البشرية كلها، والمسلمون اليوم في حاجة إلى ترك الإيمان الاستعلائي والدعوة إلى الجهاد وضرب الآخرين والمفاهيم القديمة من أن المسلمين أعِزَّة، فالناس الآن أحرار، والدعوة تكون (بالتي هي أحسن)، وهي تمكن بقيام مجتمع إنساني وإسلامي أفضل، ومن هذا المنطلق فإن الراحل محمود داعية لإصلاح كوكبي بدأ من هنا؛ من السودان، والأفق ممتد، وهذا ما يعطي المسألة أهميتها الكبرى.

    دعوة بهذه الأهمية، كما ترى، وفكرة بهذا الحجم؛ (الإصلاح الكوكبي)، على من يقع عاتق نشرها بعد رحيل صاحبها؟

    الدعوة مسؤولية كل مؤمن بها، كما إن من واجب المثقفين إثارتها وبحثها.

    أفهم من ذلك، أن الأمر يتطلب وجود كيان من المؤمنين يتولى الدعوة، هل هذا صحيح؟

    نعم، الدعوة للفكرة الجمهورية تتطلب وجود كيان تنظيمي، ولكن الكيانات التي قامت بعد محمود استجهلت الحركة الخارجية، كما أرى، وكان الأفضل لها لو أنها استمرت في مجهود حواري مع الآخرين الذين لم يتحركوا معها.

    عفواً، ألم يقم الحزب الجمهوري أصلاً على هياكل تقوم بالعمل أثناء حياة محمود وبعده؟؟

    كانت هنالك لجنة تنظيمية ومكاتب تناقش وتجتمع وتقرر حتى حيال (إصدار كتاب)، وكان على رأس اللجنة التنظيمية سعيد الشايب، الذي كان الثاني في الترتيب في الجماعة، بعد الراحل محمود.

    من الطبيعي أن يضطلع الرجل الثاني بكل مهام الرجل الأول في كل جماعة في حال رحيل الأول، هذا الشيء لم يفعله سعيد، يرحمه الله، فما هي الأسباب برأيك؟

    سعيد كانت له وجهة نظره الخاصة، وكان يرى في الأمر مسؤولية دينية كبيرة، وقال؛ أنا لست في مستوى يؤهلني لقيادة هذا العمل، والعمل المناسب له كان حفظ مجتمع الجمهوريين، وهذا شعور ديني داخلي، ربما كان يعطيه الإحساس بأن الفكرة قد تتعرض للتشويه إن هو اضطلع بقيادتها!!

    إذا استشعر كل الجمهوريين شعور سعيد، فهذا يعني إحجاماً جماعياً دائماً عن الحركة؟

    الجمهوريون لا يمانعون من التحرك، ولا يمتنعون عن الحركة، ولكن هناك واقعاً عملياً وحواراً بين تيارات لم تختلف على فكرة الحركة، ولكن الاختلاف على التوقيت، والبعض يرى أن الوقت قد حان، وبالفعل قدموا بعض النشاطات في الجامعات، وأنا ومعي آخرون نرى ان الحركة تتطلب إعداداً ونقاشاً قبل الخروج على الناس مرة أخرى.

    نقاش في ماذا، هل ثمة مراجعات في الفكرة نفسها مثلاً؟

    لا توجد مراجعات إلا في حدود جدة الواقع، أما المسائل الجوهرية فلا إختلاف عليها بين الجمهوريين، والذين يَعتبر كل فرد منهم أن الفكرة فكرته لكثرة الجلسات والنقاشات والقراءات التي تمت لها، وهذا ما يجعل كل جمهوري على استعداد دائم للنقاش والدفاع عن الفكرة، وقد تُقبل أساليب العمل بعد المراجعات، ولكن دعني اؤكد لكم أنكم لو انتظرتم حتى أولاد أولادكم فلن نغيِّر في جوهر الفكرة الجمهورية، ولن نتغير عنها، والراحل محمود ليس مثل الترابي أوالصادق، وكان عنده فهم من الله، ولقد استمعت مؤخراً إلى المحبوب عبد السلام يقول إن الترابي سابقاً ليس هو الترابي الحالي وأنه ثمة تبدل في أفكاره، ولكن أفكار محمود جوهرية وثابتة، وأقدِّم لك دليلاً من أن القليلين الذين تركوا الجمهوريين لم ينتقدوا الفكرة في جوهرها أبداً ولم ألقَ أحداً قال بذلك، ولا أتوقع حدوثه.

    كيف يمكن أن تسمِّي الجمهوريين اليوم؛ هل هم جماعة إسلامية أم حزب أم ماذا بوضعهم الحالي؟

    إنهم مجتمع، له عمل داخلي منظم إلى حد، ولكن بلا مكاتب ولا قيادات، وهنالك جلسات ينظمها عبد اللطيف عمر في بيته بمدينة الثورة الحارة العاشرة يقدَّم فيها الإنشاد الديني، وهدفها اجتماعي في المقام الأول، ومثل هذه الجلسات تخلق نوعاً من الترابط الاجتماعي.

    وهل ثمة علاقات تربطكم بالتنظيمات الأخرى في الساحة؟

    توجد ولكن أيضاً على المستوى الاجتماعي، وليست هناك علاقات تنظيمية ولا سياسية ولا حتى تنسيقية بالمعنى المعروف، ولكن ثمة علاقات تربط أفراداً جمهوريين ناشطين باسمهم وليس باسم الجمهوريين مع تنظيمات أخرى في الساحة.

    من المفارقات في الحركة الجمهورية أنها أيَّدَت نميري في بداياته، بل وأهدى إليه محمود كتاباً في مقدمته، ولكن الأمر اختلف في الآخر، فمَن الذي تبدَّل؛ أنتم أم نميري؟

    نميري عندما جاء و جد أطروحات الجمهوريين؛ كالدعوة للحكم المحلي، والسلام بين الشمال والجنوب، وتبناها، والغريبة أنه أعدم محمود في منشور يدعو إلى السلام، وتأييد الجمهوريين لنميري كان احترازاً من الطائفية التي كانت تخطط للوصول إلى السلطة، وقدَّر الجمهوريون أن أخَفَّ الضررين على البلاد هو تأييد مايو تأييداً سلبياً من خلال تبني نميري لأطروحاتنا، وكانت الطائفية وقتها، كما ذكرت، تسعى للوصول إلى السلطة من خلال حركة الإمام الهادي، الذي طرح ما يعرف بـ(الدستور الإسلامي) وتضامَنَ الإخوان المسلمون معه ممثَّلِين في محمد صالح عمر لفرض ذلك الدستور، وكنا نرى أن نظام نميري قد حال بين الشعب وبين خطرين هما الطائفية والشيوعية، وهذا ما جعلنا نؤيد مايو تأييداً سلبياً في العام 1973م، وعندما انطلقت حركة شعبان ضد نميري وقفنا ضدها؛ لأنها كانت تحالفاً بين الإسلاميين والشيوعيين للاستيلاء على الحكم، وتحرَّكْنا وسط النقابات وقمنا بتخذيل الطلاب عن المشاركة فيها، ولما خرج الإسلاميون والشيوعيون من الجامع وضَرَبهم البوليس انقلبوا على بعضهم، وسَطَا الإسلاميون على مايكروفون الشيوعيين وعَدّوه غنيمةً، وسقط الحلف ووَضَعَ الإسلاميون المايكروفون في معرضهم وأصبحت السخرية من لون المايكروفون الأحمر!، فأنظر إلى حلف كهذا؟!. إن الذي لم يفهمه الناس أننا لم نؤيد مايو لأننا كنا نريد الحكم كالآخرين، ونميري نفسه كان قد عيَّن اثنين من الجمهوريين في مجلس الشعب، ولكن محمود رفض ذلك لأنه لم يكن يريد للإخوان أن يكونوا مسؤولين عن ممارسات مايو ولا الجمهوريين كانوا يريدون أن يكونوا حكاماً أصلاً، وإن لم نكن ضد المصالحة والتي عندما تمت بين النميري والآخرين أخرجنا فيها كتاباً بعنوان (الصلح خير) ودعَوْنا نميري لاغتنام الفرصة وتحرير المنابر الحرة برعاية الحكومة. وخلاصة القول أننا لم نكن مثل حزب الصادق ولا حزب الترابي في طلب السلطة من خلال تأييدنا لمايو، واللذين أشعل تأييدهما لها صراعاً بين القادمين والقدامى؛ لا سيما مع د.منصور خالد، كما أننا كنا نرى دائماً أن مايو متراجعة عن مكتسباتها حتى حل العام 1983م وأعلن نميري قوانين سبتمبر 1983م والتي عزل بموجبها القضاة ونقض اتفاقية أديس أبابا وتراجع حتى عن الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت تتدهور، فكان أن تصدَّى له الجمهوريون بالشكل المعروف بنهاياته. ولكل هذا فإن اتهام الجمهوريين بتأييد مايو لم يكن عميقاً؛ فالمؤيد قد يكون (طامعاً في السلطة أوخائفاً منها) ومحمود أثبت بحياته أنه أبسط سوداني؛ كان يأكل الكِسْرَة والمُلاح والبَلِيلَة وكان يسمع بأزمة (الرغيف) ولم يشعر بها إذ لم يكن يتناوله، وكان يقيم في منزل جالوص حتى رحل عنه، والطريقة التي مات بها تثبت أنه لم يكن جباناً أيضاً.

    هل يبدو لك سكون الجمهوريين طيلة هذه الفترة مبرَّراً؟، أليس من دواعي الخروج لطرح الفكرة وإثارة إعدام محمود على أقل تقدير؟

    السكون غير مبرَّر، ولكن هناك عملاً داخلياً لمعرفة أسباب التقصير، ونحن؛ عندما أُعْدِمَ محمود كنا شباباً، وناقشنا سعيد الشايب في ذلك، وإن تفهَّمْنا المرحلة السابقة فالأمر مختلف الآن، طبعاً من الممكن أن نطالب بالقصاص إذا أردنا، ولكننا لا نريد ذلك، ولا ثأر لنا مع نميري، وأسماء إبنة محمود وعبد اللطيف عمر رفعا قضية ضد محاكمة محمود وكسباها بإبطال حكم الردة الأول، والتي أسَّست للحكم الثاني، وعلى كل؛ كنا نرى ضرورة عودة الجمهوريين، ولكن سعيداً تحفَّظَ كما سبق وأشرت، كان تحفُّظه يقوم على ضرورة استمرار المنهج الفردي حتى إيجاد قيادة في قامة محمود، ومع أننا كنا نرى أن يقدم كل ما في مستواه إلا كنا نحترم سعيداً ونزوره، وهذا لا يعني أن أحداً لم يتحرك؛ فالبعض تحرَّك حركة ذات طابع فردي، بخاصَّةٍ خارج السودان، كعبد الله النعيم، الذي قام بترجمة كتب الجمهوريين، و(الفكرة) اليوم خارج السودان معروفة أكثر من الداخل، ولو أننا كنا قد نجحنا في إقناع إخوتنا بضرورة الحركة لزادت الحركة وزادت حركة الفرد، والذي لن يكون نشاطه كافياً مهما بلغ، وسيبقى نشاطاً محدوداً.

    هذا إقرار بفشلك في تحريك الجمهوريين؟

    أنا ما نجحت وما فشلت، وهناك الآن كثير من المراقبين وسط الجمهوريين، وأنا مقتنع بضرورة الحركة، ولكنني لن أترك إخواني، والذين أناقشهم حتى اليوم بضرورة الحركة.

    مضى زمن طويل، فإلى متى تظل مع إخوانك؟

    إذا شعرت بأنهم لن يتحركوا فسوف أتركهم، ولكني أحس الآن بأن هناك متجاوبين.

    أين القيادات الذين كانوا مع محمود عند اتهامهم من قبل نظام مايو، وما موقف الجمهوريين منهم؟

    هؤلاء عُذِرُوا بسبب الظروف النفسية التي تعرضوا لها؛ فقد أُجْبِرُوا على مشاهدة إعدام محمود، ولم يكن من مجال إلا أن يتنازلوا عن الفكرة، وإن كان الموقف الصحيح هو موقف الراحل، ولكن لا يمكن أن يدَّعوا أكثر من طاقتهم، ولهم العذر كما ذكرت، وفي التراث الإسلامي نعرف جميعاً قصة عمار بن ياسر والذي تنازل عن دعواه أمام المشركين من دون أن ينقص ذلك من مكانته كصحابي بين إخوانه.

    ثمة مقالة كانت تحدث بأن بعض الجمهوريين كانوا على قناعة بأن محموداً لن يموت ولو بحدوث شيء لمايو، ولكن محموداً مات وعاش النميري إلى اليوم؟

    أنا كنت أحس بأن هناك تخطيطاً أكبر من نميري في مسألة محمود، وكنت أحس بالمؤامرة، ولم يكن لديَّ اعتقاد بأن محموداً لن يُقْتَل ولكن بعض الجمهوريين كانوا يرون أن مكانة محمود عند الله أكبر من النميري لذا لا يمكن أن يسلِّطه عليه، أو يمكِّنه منه وأن الله سوف يحفظه، وكانوا ينتظرون معجرة أو حدثاً خارقاً، رغم أن محموداً، وقبل أسبوع من مقتله، قال لنا (ما تنتظروا معجزة)، والسبب، في رأيي، يعود لإيمان البعض بالفكرة وتعلقهم بالراحل. وهذا حدث حتى لصحابة كبار في صدر الإسلام؛ فسيدنا عمر بن الخطاب مثلاً، بداية أنكر وفاة الرسول (ص) وقال: (إنما ذهب لملاقاة ربه كموسى بن عمران)، حتى جاء أبوبكر الصديق وتلا: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)، فقال عمر بن الخطاب: (والله كأني أسمعها لأول مرة!!).

    برحيل محمود لم ينقطع (عَشَم) الجمهوريين في حدوث معجزة، فإلى متى يستمر هذا العشم؟

    ليست هناك تفاصيل لمعجزة ينتظرها الجمهوريون، ولكن للجمهوريين علم كبير بالله، والمعجزة قد تكون في قدوم حركة الجمهوريين من الخارج هذه المرة، وعموماً، نحن لا نناقش العقائد؛ لأنها أصلاً لا تقوم على منطق، ويجوز أن يكون هناك شخص ما ينتظر شيئاً ما، وهذا موجود بشكل أدق عند الجمهوريين من الجماعات الأخرى، ونحن نرى عودة (المسيح المحمدي) وليس عودة (المسيح الإسرائيلي).

    بصراحة أكثر، هل ثمة من ينتظر عودة محمود، ولو من شَطَطٍ في الاعتقاد؟

    اللهم إلا إن كان هناك جمهوري يرى أن محموداً هو المسيح المحمدي. ومجيء مَن يحقق الكمالات من آل محمد، ويملأ الأرض عدلاً، أمر بَشَّر به الرسول (ص) نفسه، ولكني أؤكد لك أن الجمهوريين في جملتهم غير مشتَطِّين، ولكننا لا نناقش العقائد، ونتجه الاتجاهات التي تتَّسم بعدم العدوانية.

    مؤخراً عادت زوجة محمود، والتي تُعرف عند الجمهوريين بـ(أمّنا آمنة)، وجاءت كذلك ابنته أسماء، وسجَّل بعض الجمهوريين حزباً، هل هذه مؤشرات على عودة الحزب الجمهوري؟

    أنا لا أستبعد حركة الجمهوريين؛ فالوقت الآن ملائم أكثر من أي وقت مضى، وقد يلائم أكثر بفتح المزيد من الحريات وطر ح وسائل الإعلام، مما قد يتيح فرصاً لقول الآخر.

    ذكرت أن الفكرة قد تأتي من الخارج، كيف تدلِّل على ذلك؟

    دلائلي؛ الندوات الكثيرة التي أقيمت للفكرة خارج السودان، والكتابات التي ترُجمت لعدد من اللغات، ومنها حتى اللغة الصينية والماليزية، والحركة في الخارج لها نتائج؛ فهناك من تبنَّى كتب الجمهوريين، وعبد الله النعيم فوجئ في الخارج بأن الناس يعرفونه بأنه تلميذ محمود، واتحاد النساء في ماليزيا مثلاً يتبنى قانون الدعوة للأحوال الشخصية لمحمود محمد طه، ولو أن محموداً عاش لكانت حركة الجمهوريين قد بلغت شأواً عظيماً.

    كنتَ من كوادر أركان النقاش في جامعة الخرطوم، ماذا تحمل من ذكريات ذلك الزمان؟

    أحمل الكثير، وأذكر الكثيرين، ومنهم الراحل محمد طه محمد أحمد، والذي أعتبره من أكثر السودانيين معرفة بالفكرة؛ لأنه كان من أكثر الناس حرصاً على متابعة حركة الجمهوريين، وقد أنفق ساعات طويلة من الحوار معهم؛ بدأت بمعارضة شديدة وانتهت إلى شيء من التفهم، وكتب عنها الكثير في صحيفته، وما كانت تمر مناسبة، فيما بعد، دون أن يكتب بشجاعة عن محمود وأن ينشر صوره، ومحمد طه كان من الناس الذين يحرصون على متابعة الأفكار وتحمُّل عناء البحث، وكان يرفض حتى توجيهات الإسلاميين بعدم مناقشة الجمهوريين، وقد نزع يده يوماً من يد محمد عثمان محجوب، وقال له سوف أستمع إليهم وأناقشهم، وفي الآخر قُتِل محمد طه بطريقة لا تشبه أهل السودان، وكنت أنوي زيارته بعد حضوري إلى السودان مباشرة، ولكن قدره كان أسرع، وأذكر أيضاً الحاج ورَّاق الذي كان يناقش الجمهوريين ويحرص على حضور أركانهم، وقد طلب منا أن نعقد أركاناً في المساء لمناقشة الشيوعيين، وذلك لأن محمد طه كان يحتكر أركان النقاش نهاراً بالجامعة، وكان له ما أراد.

    بمناسبة وراق، ثمَّة مَن يرى أن الرجل كان في الأصل، أو في فترة ما جمهورياً؟

    الحاج لم ينتم إلى الإخوان الجمهوريين في يوم من الأيام، ولكنه كان، وسيظل، صديقاً لهم.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1162
                  

10-06-2008, 08:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    في ندوة (الخرطوم الجديدة) حول إحتمالات وحظوظ الجمهوريين في العودة
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    د. طارق محمد عثمان: تَعارُض الفكرة الجمهورية مع أصل الدين هو ما دعا المجتمع لرفضهم وهو حائط صد أمام عودتهم من جديد
    د.الباقر العفيف: عودة الجمهوريين ليست (معجزة) لكنهم مكبَّلون بقوانين غير دستورية
    د. صبري محمد خليل: مستقبل الفكر الجمهوري محدد بموقفهم من مصادرة الأصلية وتطويرها أو الإبقاء عليها
    طارق محجوب: رحيل محمود هو غياب الأصيل الأوحد الذي لن يَخْلِفه أحد لتتطوَّر الفكرة

    أكثر من عشرين عاماً مرت على ر حيل المفكر والزعيم. وحركة الإخوان الجمهوريين اسمٌ على صفحات ساحات النشاط الفكري والسياسي في السودان؛ فرحيل القائد والمعلم الأول محمود محمد طه، بعد محاكمة مثيرة للجدل في أواخر سنوات الرئيس السابق جعفر نميري، كان حدثاً مجلجلاً لا تزال آثاره واضحة على مسيرة العمل الفكري والسياسي في بلادنا عموماً وعلى مسيرة حركة الإخوان الجمهوريين التي تراجع نشاطها واقتصر على جوانبه الاجتماعية والثقافية، يقابله تراجع واضح على مستوى الفعل والتأثير السياسي جراء هجرة العديد من كوادر الحركة وابتعادهم.
    بيد أن السنوات الأخيرة شهدت ما يشبه عودة الجمهوريين من جديد إلى واجهة العمل السياسي من خلال عودة عدد من الكوادر التي هاجرت، هذا فضلاً عن بعض الأنشطة التي تدعم فكرة العودة.
    هل يفكر الإخوان الجمهوريون، الذين يصرون على أنهم لم يغيبوا، في عودة أكثر قوة؟.
    ما هي حظوظهم في العودة والتأثير في واقع البلاد السياسي الراهن؟.
    هل يمتلك الجمهوريون ما يؤهلهم فكرياً وسياسياً لإعادة إنتاج صوتهم الذي كان ملء السمع والبصر قبل رحيل مؤسس الحركة ومفكرها والذي لا تزال حادثة الحكم بإعدامه بسبب أفكاره حدثاً يثير الجدل والاستفهام؟.
    كل هذه الأسئلة والمحاور كانت مثار الندوة الصحفية التي نظمتها مجلة (الخرطوم الجديدة)، بمشاركة د.الباقر العفيف؛ مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية بالخرطوم، والمهندس طارق محجوب، ود.صبري محمد خليل؛ أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم، ود.طارق أحمد عثمان؛ أستاذ التاريخ بجامعة إفريقيا العالمية، بحضور مدير التحرير وسكرتير التحرير والمحرر العام بالمجلة. نتابع أهم الإفادات التي تناولها المشاركون بالحوار.

    أعدها للنشر: مجدي علي ـ بكري المدني

    • د.الباقر العفيف: العودة طبيعيَّة

    إن الفكرة الجمهورية في حد ذاتها، ثم اغتيال مؤسِّسها، ليمثلان حدثين متَّصلين من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ السودان الحديث على الإطلاق. وذلك بسبب من أن الإقدام على قتل إنسان مسالم بسبب آرائه، وأن يكون القتل مسبَّباً بذرائع قانونية، لهُوَ شيء كبير بكل المقاييس، كانت البشرية تحسب أنها خلَّفته وراءها، غير أننا، للأسف، استعَدْناه بفكر القرون الوسطى، هذا، بالإضافة إلى أن هناك مؤامرة صمت كبيرة على الراحل محمود وعلى فكرته، وذلك جزء من المؤامرة التي استهدفَتْه شخصياً وأوصلَتْه أخيراً إلى حبل المشنقة. أما عن النظر إلى عودة الجمهوريين كـ(معجزة)، على حَدِّ الوصف، فهي على أية حال، ليست بالنظرة الغريبة على الفكرة الجمهورية (وهل ينظرون إلا أن يأتهم الله في ظُلَل من الغمام)، (ولو شئنا لأنزلنا عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين)، كما إن الآيات القرآنية التي تتحدث عن المعجزات موجودة، ولذلك عوملت (المعجزة) كشيء خارق لا يملك الإنسان إزاءه إلا التسليم. وأنا أعتقد أن هذه الثقافة موجودة وسط الجمهوريين ومرتبطة بما استقرَّ في الوجدان الديني عن مجيء (المسيح)، مع أن فكرة الجمهوريين؛ وفكرة المسلمين بعامَّة، عن عودة المسيح، تختلف عن فكرة أصحاب الأديان الأخرى حول هذا الأمر، أما عن الجانب الآخر، والمتمثل في عودة النشاط الجمهوري، فهو مفصول عن ذلك في اعتقادي؛ فأنا لا أرى معجزةً في عودة ذلك النشاط إلى الساحة السودانية، وإن حدث فهو شيء طبيعي أفْضَت إليه تطورات الحياة الطبيعية. أعتقد أن عودة الجمهوريين إلى الساحة بفاعلية مرهونة بمسألتين أساسيتين؛ الأولى خارجية، وهي مجمل المحيط الذي يعمل فيه الجمهوريون، وعلى نحو أخص؛ البلد ككل، بقوانينها ونظامها الحاكم ومآلات الفكر فيها من ما يتعلق بظواهر الهوس الديني كنتيجة لسياسات الإنقاذ، والتي خلقت مجموعات يمكن أن تقتل شخصاً بسبب عدم اتفاقها مع آرائه، وأصبح هناك أئمة مساجد يحرِّضون على القتل، ومعروف عنهم علاقاتهم بتنظيم القاعدة، وهناك انتشار للسَّلَفية مع ما يترافق معها من ظواهر كارتداءالنِّقاب في أوساط البنات وهو ما يسمى الحجاب، ضِفْ إلى ذلك بوليس الآداب وكل الآليَّات التي تعمل على ضبط المجتمع وتسييره وفرض رؤى الساسة المتحكمين في أمر الدولة. مع ضرورة الإشارة إلى مادَّة في القانون الجنائي (1999م) تتحدث عن حكم الردَّة، والتي، عندما تقرأها، تجدها مفصلة على قدر الجمهوريين تماماً، وهي مادَّة دستورية، والردِّة إحدى المسائل التي خلَّفتها البشرية منذ قرون وراءها، لكنها بعثت في الحاضر إغفالاً للحق الإلهي الذي يكفل حرية الفكر والدين والمعتقد بموجب قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و«الحق في الكفر بالله» حق من حقوق الإنسان التي منحها إياه الله، ولا يمكن أن يَسْلُبك هذا الحقَّ إمام جامع مهووس تحت ظل حكم دستوري وقانون صحيح، وحتى وجود المادة في الماضي كان مرتبطاً بالحكم على الإنسان الذي يعلن خروجه عن الإسلام أمام محكمة، وهذا مَن يجب ـ إذا تجاوزنا عدم دستورية قانون الرِّدة ـ أن ينطبق عليه فعل الردة، لكن المادة مصمَّمة على أساس أن كل إنسان يفكر خارج إطار معين، وهو الإطار الذي وضعته الجبهة الإسلامية، بمسمياتها المختلفة، في القانون، يعتبر مرتداً، ويمكن أن يأتيك من يقول لك إنك تفرِّق بين القرآن المكي والمدني مثل الجمهوريين ويحكم عليك بأنك كافر!، وذلك بدعوى أنك تلغي نصف القرآن وتنكر ما هو معلوم بالضرورة؛ كما كان يقول المكاشفي طه الكباشي قبلاً، وعليه فأنت كافر!. وهذا القانون الآن موجود، وهو مفصَّل على قدر الجمهوريين، وما دام موجوداً فإن الجمهوريين، قانونياً، مكبَّلون عن النزول إلى الشارع وممارسة نشاطهم كما كانوا، وصحيح أن هنالك أفكاراً حول إسقاط المادة عملياً بتحديها وإسقاطها بالدعوة والضغط، باعتبارها مادة غير دستورية ويجب أن تذهب. هذا هو المحيط الخارجي الذي يحول دون عودة الجمهوريين. ثانياً، هنالك ما يتعلق بالجمهوريين كمجموعة؛ فهُم، وعقب اغتيال محمود محمد طه، قد دخلوا في إشكالات فكرية وتنظيمية، وهي من العوائق القائمة، كما إنهم لم يستطيعوا إيجاد تفسير فكري وديني وروحي لاغتيال محمود لينزل بشكل متَّسق مع الفكرة الجمهورية، وما يزال الاغتيال يفرز تناقضاً داخل الفكرة والجماعة، وهناك اجتهادات كثيرة جداً في هذا الشأن تحاول أن تشرح اغتيال محمود وذهابه بالشكل الذي ذهب به، ولكن ما من إجماع على شيء محدد، ومن خلال إلمامي بطبيعة النشاط والمبادئ الجمهورية، اعتبر هذا عائقاً يقف أمام العودة، ولا مناص للجمهوريين من أن يجدون لهذا الإشكال صيغة حلّ قبل أن يتحركوا.
    إن المؤامرة قائمة وحقيقية، اشتركت فيها الحركة الإسلامية العالمية، واشتركت فيها الدولة السعودية، والمؤسسات الدينية العالمية؛ كالأزهر والرَّابطة العالمية الإسلامية، والمؤسسات الدينية السودانية المرتبطة بهاتين المؤسستين؛ كجامعة أم درمان الإسلامية، ووزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة الشؤون الدينية، كما اشتركت في هذه المؤامرة الحركة الإسلامية (جماعة الترابي)، والوهابيون، والطائفية؛ كالأنصار، بدليل أن محكمة الردَّة الأولى 1968م للراحل محمود كتب عنها الجمهوريون الكثير من الكتيبات وأماطوا النقاب عن المتآمرين؛ كأمين داؤود، وحسين زكي، واللَّذَين رفعا دعوة على محمود، وقبلها تشاورا مع القاضي الذي من المفترض أن يحكم فيها، وتشاورا مع عضو عن حزب الأمة في البرلمان، وهو من عائلة المهدي، وتشاورا مع الأزهري، وقالوا أخذنا من هؤلاء الضوء الأخضر لرفع الدعوة!، ورفعوها في ثلث ساعة، وجيء بشهود رأي على ارتداد محمود!. محاكمة مهزلة؛ كان الغرض منها اغتيالاً معنوياً لمحمود محمد طه، وهو ما سبق الاغتيال الحقيقي في العام 1985م. إنها مؤامرة ظاهرة جداً، وإننا؛ إذ نتحدث عن (مؤامرة)، فلأننا نعلم أن هناك محاولات سابقة جرت لقتل محمود ولكن الجمهوريين لم يجهروا بها؛ ففي الأبيِّض أرسل الإخوان المسلمون رجلاً للاعتداء على محمود أثناء تقديمه محاضرة هناك، وكان الرجل معروفاً كمجرم (رَبَّاطِي)!، فضَرَب الرَّاحِل بعصا وبقوة أثناء المحاضرة. وأثناء اعتقال نميري الأخير للراحل محمود جرت محاولة لتسميمه بالأكل، وكان محمود في كل سجونه يعتز بملابس السجن، وكان يقول إن تلك من أعز الثياب، وكان يأكل أكل السجن، وهذا ما أغرى بتسميمه. إن المؤامرة حقيقية، ولا يُستثنى من الإسهام فيها المثقفون السودانيون الذين لزموا الصمت، كما اشترك فيها الإعلام أيضاً؛ إذ لم يُسمع الراحل عبر الإذاعة أو التلفاز أبداً وظلت (الفكرة) منذ بدايتها وحتى وصول الراحل إلى حبل المشنقة محلَّ نزاع بين الجمهوريين وأعدائهم بسبب من أنها لم تجد المجال الرحب الذي يفي بطرحها على نحو يُتَجَنَّب معه سوء الفهم والتخمين والاعتقاد الخاطئ. بحلول الفترة الديمقراطية، اجتمع الجمهوريون لممارسة نشاطهم، ولكن سعيد الشايب، والذي كان الرجل الثاني بين الإخوان، طرح سؤالاً على المندفعين للنشاط قائلاً: (نوع الفكرة الجمهورية لا يمكن أن يعمل عليه الناس ولا أن يمضي إلا بواحد من شيئين؛ الأول حكم القانون الذي يحمي الناشط، والثاني حكم العارف). وقال سعيد: (إن السودان لم يكن به حكم قانون أصلاً، كان هناك حكم العارف، والعارف كان هو الراحل محمود، والذي كان يتحمل مسؤولية الجمهوريين، وكان يتصدَّى للدولة ويَفْدِي الجمهوريين، وعندما وقعت الواقعة قال للدولة: هؤلاء أولادي وأنا أرسلتهم وأنا المسؤول، إن حسابكم يجب أن يكون معي)، وحدث ذلك عند الحكم بالإعدام عليه وعلى الأربعة الذين معه، والذين أوْعَزَ إليهم بشكل غير مباشر بإخراج أنفسهم. وكان سعيد متوجساً بشأن مصير الديمقراطية، فقال لنا: (هل أنتم متأكدون وواثقون من استمرار الديمقراطية، أم أن الإخوان المسلمين من الممكن أن يستولوا على السلطة، وأن يحكموا البلد منفردين، فيذهبون بكم إلى المحاكم. وهل عندها ستأتون إليَّ مُسْتَتَابِينَ أم ستمضون إلى المشانق؟). ثم أضاف سعيد: (أنا أرى أن الإخوان المسلمين عندهم أقوى الفرص، والديمقراطية لن تستمر، وبالنسبة لي؛ المسرح غير مهيَّأ لاستئناف النشاط). وظل سعيد الشايب يردد هذا القول طيلة فترة الديمقراطية وحتى انقلاب الإسلاميين.
    إن الجمهوريين عند تحليلهم للأوضاع السياسية لا ينظرون فحسب تحت أقدامهم وإنما ينظرون أماماً، والسؤال الذي يواجههم باستمرار؛ هل الحالة السودانية ماضية إلى استقرار، أم أنها منتكسة؟، والوضع العام يقول بأنها منتكسة، ومن الواضح أن أسس الاستقرار غير ثابتة، وهذا ما حدا بالجمهوريين أن يَخْلُصُوا إلى أنْ ليس هناك حكم قانون، ولا يمكن للجمهوريين العمل من دون حكم قانون. والحديث عن توقف نشاط الجمهوريين على العموم حديث غير دقيق؛ فالحركة الجمهورية لم تكف عن العمل على الإطلاق، وما توقَّفَ هو النشاط السياسي، والذي يمثل بُعْداً واحداً وغير أساسٍ من أبعاد الحركة الجمهورية. وإن (الجمهورية) حركة ثقافية فكرية تعمل من أجل الإصلاح الثقافي والديني، ولها آلياتها للقيام بهذا، وهي تعمل في أقسى لحظات الكبت، وتعداد المنتمين إلى (الفكرة الجمهورية) في زيادة.

    • د.صبري محمد خليل: رهينةٌ بالمصادر

    إن مستقبل الفكر الجمهوري، بالاستناد إلى أصوله، محدد بموقف الجمهوريين أنفسهم من مصادره، والتي هي في الأصل محصورة في مصدرين أساسيين؛ الأول، مصدر إسلامي، ويتكون من نظرية وحدة الوجود لمحيي الدين بن عربي، والتصوف السُّنِّي، والفكر الجمهوري في الأساس، محاولة لتطوير فكرة وحدة الوجود لـابن عربي والتي تقول إن هناك وجوداً حقيقياً واحداً، وهو وجود الله سبحانه وتعالى، بينما وجود المخلوقات وجود وهمي. والتصوف السني، إضافة إلى القرآن والسنة، والاستناد إليهما يقوم على أساسٍ من منهج تأويلي يقول بأولوية الباطن على الظاهر، ثم هناك المصدر الثاني؛ مجمل الفكر الغربي، من فلسفة المثالية الموضوعية والوجودية ومفهوم الحرية المطلقة ووحدة الوجود والدارونية والليبرالية والماركسية بمفاهيمها المختلفة، وهذان المصدران أساسيان للفكر الجمهوري استمدهما؛ إسلامياً من ابن عربي، وغربياً من هيجل وماركس ودارون، وغيرهم، ومستقبل الجمهوريين مرتبط بتطوير هذه المصادر أو بالإبقاء عليها وترديد ذات المقولات والتي رددها بعض من أصحاب محمود محمد طه، وفي حالة التطوير بالنسبة للمصدر الغربي يتطلَّب الأمر استيعاب التحولات الفكرية في الساحة الغربية نفسها، والتي شهدت فلسفات جديدة، أما التطوير في المصدر الإسلامي، فيتطلب إعادة قراءة الفكر الإسلامي. وهناك مسارات للفكر الجمهوري محددة أيضاً بمصادره، وبما أن له مصدر غربي، فإن هناك اتجاهاً للتغريب، إذ نجد أن هناك جمهوريين اتجهوا لاعتناق الماركسية، وهناك مَن اتجه للحركات الليبرالية. وتحديد مسارات الفكر، كما سبق أن قلت، تكون وفق مصادره. والمسار الآخر، وهو المصدر الإسلامي، يقتضي مراجعة للنظريات، والتي تتناقض، دائماً وموضوعياً، مع الجمهور، وهم أهل السُّنَّة والجماعة، وتتحول؛ أي النظريات، إلى تيار تجديدي، وبعض التيارات استغلَّت هذا التناقض لأسباب سياسية وشخصية لإضعاف الجمهوريين.

    • د.طارق محمد عثمان: عودة من الخارج

    إن الذي يحدث الآن، وما نسمعه عن عودة المحموديين أو الطاهَوِيِّين، يحدث على نطاق عالمي، والمنطقة الإسلامية تشهد نوعاً من التحوُّلات والتبدُّلات في أوضاعها نتيجةً لما يمكن أن نطلق عليه مجازاً العولمة، والذي يمكن أن نردَّ إليه أيضاً أصداء البهائية الآخذة في الازدياد، وهي فرقة معروف عنها عالمياً أنها تتلقَّى دعومات ومصادر مشبوهة لضمان الاستمرار وزيادة النشاط في المجتمعات الإسلامية، والبهائية تعمل بسر وصمت، وتحصل على سند مادي كبير، ولديها مواقع إلكترونية ومؤسسات داعمة في أوروبا وفي أمريكا. وأظن أن هذا يشبه مؤشرات عودة الجمهوريين، والذين هاجروا بأعداد كبيرة إلى أمريكا وأوروبا؛ حيث يتوافر لهم جو من الحريات وأشياء أخرى.
    ويبدو لي أن عودة الجمهوريين مؤيدة أيضاً بالوسائل العولمية الجديدة، وإذا طالعت موقعهم الإلكتروني وجدته مميزاً من الناحية التقنية، وربما لا يستطيع حتى أصحاب الأفكار التي تتجذر في المجتمع إقامة مثله، مما يعطي انبطاعاً عن طبيعة العودة التي يمكن أن تحدث، وأظن أنهم مرتبطون بهذه الظروف، ولا يمكن أن تأتي العودة مثل البدايات، والتي كانوا وقتها مرتبطين وقتها بحياة الناس، فيركبون البصات، ويتنقلون بين الناس، ويعقدون حلقات النقاش، وكان ذلك في الواقع وضع زاهٍ ومظهر جعل البعض يدخل إلى الحركة الطاهوية، كانت حركة الجمهوريين الاجتماعية السابقة مؤثرة كوسائل الزواج وغيرها، والمحموديون اليوم لن يعودوا كما كانوا، وذلك لغياب المنظِّر الأساس ومؤسِّس الحركة والذي يعتبر مصدر الرفد الأساسي لها، والبقية كانوا متلقِّين لا أكثر، كما يحدث في المنظومة الدينية التقليدية (حوار وشيخ)، وليس أي شيخ؛ فمحمود كان صاحب أفكار جديدة وغريبة مأخوذة من أكثر من مصدر، والعودة إلى كل هذا ستكون مختلفة، والمحموديون أنفسهم صنعوا لهم أعداءً من خيالاتهم، وربما مقتل صاحب الفكرة قد أورثهم أضغاناً كبيرة، وربما وقفت وراء الاعدام وقتها دوافع سياسية، ولكن المؤسسات الإسلامية التي أشار إليها د.الباقر كلها مؤسسات معترف بها كذلك المشايخ والعلماء، والتأثير على المجتمع لا يمكن أن يتم بنفس الطريقة القديمة؛ فهناك اليوم صحوة إسلامية مشهودة، ولا أظن أن الإسلاميين هم الأعداء التاريخيون للجمهوريين، أو أن لديهم عداء خاص، بدليل أن عوض الكريم موسى؛ واحد من أهم الجمهوريين الذين كتبوا ودبَّجوا القصائد الطوال، تحوَّل في نهاية الأمر إلى شخص أقرب إلى المشروع الإسلامي الذي جاءت به الإنقاذ!، ثم إن آخرين أيضاً من الجمهوريين تصالحوا مع المجتمع، ومنهم عصام عبد الرحمن، ولا يمكن إحصاؤهم فرداً فرداً، ولكن هذا ما تم بشكل عام، وأؤكد أن الإسلاميين ليس لهم مصلحة في معاداة الجمهوريين، وكثير من الأفكار التي دعا إليها محمود موجودة في الفكر الإسلامي، وعند الإسلاميين عموماً، ولكن المجتمع والإسلاميين عموماً رفضوا الأفكار التي طعنت في عنق الدين كالحديث عن الحجاب مثلاً، والصحيح أن العفة ليست بهذا ولكن الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكرم وضعت شروطاً للباس المرأة وجعلت شروطاً للعلاقة بين الرجال والنساء والكثير من الأصول والثوابت التي لا يستطيع أحد أن يغيرها حتى وإن كثر أصحاب الرأي، فلا أحد يمكنه أن يغير القرآن الذي تكفل الله بحفظه ولا أن يتجاوز سنة الرسول الكريم (ص)، وهذا التعارض وهذا التضارب مع أصل المجتمع هو الذي جعل المجتمع يسارع بإبعاد الجمهوريين ولفظهم، وسيكون هذا التعارض هو الحائط والمانع لعودتهم من جديد، ومحمود عندما أراد أن يؤثر على الناس أثر عليهم عن طريق الشيء الذي يؤمنون به أصلاً كالتصوف، وليس ثمة سوداني إلا وبه محبة وميل إلى التصوف، وكان هذا مدخلاً مهماً جداً، وأغلب الجمهوريين كانوا صوفية وأذكارهم من المظاهر التي حبَّبت الناس فيهم، وكان عندهم طواف على كل بيوت الصوفية، ولكن الأفكار الغريبة على الدين والمجتمع هي التي أبعدت الصوفية عنهم، وهي التي جعلت قادة المجتمع الصوفي يطالبون بإعدام محمود؛ كالشيخ محمد الفاتح قريب الله؛ قائد الطريقة السمانية، والشيخ عبد الجبار المبارك، وليس الإخوان المسلمون فحسب هم الذين وقفوا في وجه محمود، ولقد كانت مصلحتهم في ذلك مصلحة المجتمع، وقلت إن الإعدام ربما فيه دوافع سياسية لنميري، ولكن مسألة الحكم بالردة كانت من قَبْل، نميري وكنت ميالاً لأن يكون هناك حوار أكثر من الذي تم مع محمود، ومسألة الردة ترك الله الحرية فيها للناس أن يكونوا كفاراً أو مسلمين، ولكن لدينا أيضاً من سند الأحاديث أن من يخرج عن الجماعة ويشق عصاها ويبغي حربها بقوة السلاح يمكن أن يحاكم بالردة، ولكن إن ارتد إنسان وجلس في بيته لن يطاله أحد، أما من يريد هدم أفكار المجتمع فأمره مختلف، وذلك نقلاً عن المفكرين المسلمين، وأظن أن الجمهوريين كان لهم ذلك التأثير على المجتمع، وكانوا في كل مكان يوزوعون كتاباتهم، والناس انفضوا من حولهم لتصادمهم مع ثوابت الأمة والدين، وليس أدَلَّ على ذلك من البروفيسور عبد الله الطيب والذي كان يحب محموداً في شخصه ولكنه ابتعد عنه لما رأى انحرافاً في أفكاره، والسودانيون لا يفضلون الشَّطَط في الدين.

    • طارق محجوب: رسالة ثالثة

    لقد عايشتُ وجاورتُ الرَّاحل مسكناً، كما زاملت معظم قيادات الجمهوريين بالجامعة. الحزب الجمهوري بدأ حزباً سياسياً فقط، ثم جاء البعد الفكري الباطني العرفاني لاحقاً؛ بمبادرة من الراحل محمود محمد طه ضمن الأطروحات السياسية التي قامت بالساحة قبيل وبعد الاستقلال، شأنها شأن الأطروحات الاتحادية والاستقلالية والجبهة المعادية للاستعمار والإسلاميين. ولعل محموداً لو اكتفى يوما بأطروحاته السياسية حول الجمهورية لظلت باقية حتى اليوم، ولكان تأثيرها أوسع، لكن خيار محمود كان التحول من حزب سياسي إلى حزب ذي محتوى فكري مبني على منهج عرفاني وصوفي، وهذا باعتقادي ما مثَّل البُعد الأقوى في حركة الجمهوريين.
    المعلومة المتعارف عليها أن الانتقال لهذا البعد قد تم بعد دخول محمود إلى الخلوة ليتحول الحزب الجمهوري إلى الإخوان الجمهوريينتماشياً مع ما كان سائداً يومها من طرح (إخوان)، القائم على مقولة (ألسنا إخوانك يا رسول الله؟) كأساس يخالف تعبير (إخوان) عند الإخوان المسلمين التي لم يقم اسمها على هذا البعد. الأفكار الأساسية التي طرحها محمود تقوم على أن الشريعة الإسلامية بصورتها الحالية لا تصلح للقرن العشرين وهو يطرح منهجاً تجديدياً للشريعة وللإسلام عامةً يقوم على البعد العقائدي والشرائعي والشعائري والمعاملات. لم يكن محمود متأثراً بالفلسفات الغربية كما يشاع، لكن ما طرحه جاء متطابقاً مع الأطروحات والقيم الإنسانية التي كانت سائدة في العالم يومها، وهذا هو البعد الثاني في أطروحاته، وهو أن الشريعة يجب أن تتماشى مع القرن العشرين، وقد قدَّم محمود انتقادات رفيعة للأطروحات الغربية دليلاً على عدم تأثره بها.
    على هذه الخلفية الفكرية القائمة على تصوُّرٍ يرى أن محمود محمد طه هو صاحب الفكرة بشخصه وهو الإنسان الكامل وهو الأصيل الأوحد صاحب المقام الذي لن يبلغه إلا رجل واحد، بكل هذه الترتيبات يصعب جداً أن يأتي رجل في مقام محمود يحدث له الإلهام والتلقي المباشر ويحدث تطورات داخل الفكرة من جديد، إلا إذا جاء بـ(رسالة ثالثة)؛ لأن رجل الرسالة الثانية، هو محمود، وقد رحل الأصيل الوحيد الذي يخاطبه الله كفاحاً من غير واسطة، كما يدَّعي، ويبعث المقام الأصيل، مثلما رحل النبي الكريم (ص) صاحب الرسالة الأولى الذي يبعثه الله المقام المحمود، لذلك يصبح من الاستحالة امتداد الفكرة بعد رحيل محمود، ويكفي أن الشايب؛ الرجل الثاني في الحزب بعد محمود، اعتذر عن قيادة الحزب بعد رحيله، لأنه كان على قناعة أن ذلك يتطلب تأهيلاً روحياً آخر وحينها قطعاً ستكون الرسالة مختلفة.
    أهم ما جاء به الجمهوريون فكرياً هو طرحهم التجديدي في أصول الشريعة والعقائد الإسلامية، وهذا ما قاد إلى تداخلاتهم مع كل التيارات القائمة حينها في الساحة وليس مع الإخوان المسلمين فقط، والذين كانوا، وللحقيقة، أضعف تيار يناوئ ويقابل الحركة الجمهورية، ولم يتجاوز الصراع الحوارات داخل الجامعة في أركان النقاش، على غير الحال مع تيارات أخرى مثلها علماء المعهد العلمي والجامعات الإسلامية وبعض القضاة والعلماء التقليديين الذين واجهوا محموداً وأصدروا كتباً ونظموا محاكمات، كذلك واجهه قيادات الحركات الصوفية والشيوخ، وكان أبرزها مع عبد الجبار المبارك والشيخ المجذوب والشيخ الفاتخ قريب الله، وللتاريخ، فإن د.حسن الترابي لم يتطرق للجمهوريين لا في حوار ولا كتاب ولا مخاطبة، وعندما سئل عن عدم تبنِّيه أي رأي وعدم قيادته أي حوار معهم، قال إن المجتمع عموماً يعيش اختلالاً، وأن الجمهوريين هم واحد من مظاهر هذا الاختلال وليسوا داءاً أساسياً يستحق مجهوداً مباشراً، لكن الجمهوريين تصدوا للترابي وأصدروا أكثر من كتاب؛ خاصة بعد حديثه عن حكم المرتد وعقوبة الزاني ووضعية المرأة في الإسلام. أنا أعتقد أن الخصومة بين محمود والترابي مردها إلى أنهما صاحبا منهجين تحديدين لأصول الشريعة الإسلامية، لكن منهج الترابي اجتهادي عقلاني، ومنهج محمود صوفي عرفاني لا يقوم على مناهج الاجتهاد ومبني على أصول العلوم الإسلامية القائمة على التحليل والتبرير؛ فمحمود كما يقول (يخاطبه الله كفاحاً) بالأمر وينتهي دون أية مساحة فكرية للحوار؛ لأنه منهج تلقٍّ مباشر من الله سبحانه وتعالى، لكن في بعض النتائج التي تشابهت حدث الخصام، وخاصة حول رأي د.الترابي في حكم المرتد.
    أطروحات محمود نجمت عنها خلافات سياسية بينه وبين غالب التيارات؛ خاصة المنسوبة للتيار الإسلامي، وكذلك العقائدية واليسارية الذين انتقدهم محمود، وكذلك التيارات التقليدية؛ الأمة والاتحادي، لكن لاحقاً، وفي آخر أيامه، حدث تقارب بين محمود وكل هذه التيارات التي كانت تناصبه العداء، ودخلوا في قائمة موحدة في انتخابات جامعة الخرطوم في وجه الاتجاه الإسلامي، وعندما جاءت مايو كان محمود أكبر مؤيد ومنافح عن نظامها، المفاصلة الحقيقية بينهما حدثت بعد إعلان نميري قوانين الشريعة الإسلامية، وبدتأ حملة الجمهوريين على مايو. وهذه في اعتقادي مفاصلة عادلة تتطابق مع أطروحات الجمهوريين حول عدم صلاحية الشريعة، عندما تبنى نميري المنهج الإسلامي دخلت القوى المنضوية تحت الجبهة الوطنية بما فيها الإخوان المسلمون والاتحاديون والأمة في مصالحة مع النظام بمبادرة من الصادق المهدي وأصبح الترابي نائباً عاماً، لكن النميري كان حريصاً أن لا ينسب هذا التوجه إلى الإخوان المسلمين تحديداً، وأن لا يشترك د.الترابي في صياغة قوانينه، وكذلك عمد إلى إبعاد رموز الإسلاميين عن المحاكم بعد تشكيلها، عدا واحد هو الراحل حاج نور، بعد صدور الحكم على محمود عبّر د.الترابي عن رأيه في قضية الردة التي كان له رأي سابق حولها دون الإشارة إلى محمود، وبذلك يتضح أنه لم يكن طرفاً فيها مثلما لم يكن يؤيدها فكرياً.
    المهم أن الإعدام كان حدثاً فاصلاً وسط الجمهوريين، وأذكر، ونحن في الجامعة، في الليلة السابقة للإعدام، أن الناطق الرسمي باسم الجمهوريين؛ محمد المصطفى الدالي، كان يردد أن (الأستاذ سيتجلى غداً، وأن حقيقة الفكر الجمهوري ستظهر، وأن الأصيل لن يموت حتى تقوم دعوته وتكتمل دولته)، وهكذا انتهى أصل الفكرة بعد الإعدام وهاجر أغلب كوادرها.
    على المستوى التنظيمي لم يكن للجمهوريين تنظيم بالمعنى العقائدي. الفكرة كانت رجلاً واحداً تتحوصل حوله، لكن الجمهوريين أثْرَوا ساحة العمل السياسي بأدبيات جديدة أهمها أنهم أدخلوا أدب التسامح وأحدثوا حراكاً فكرياً كبيراً وخاصة حول قضايا الثقافة الإسلامية لم يحدث بعدهم حتى اليوم، لكن أغلب المنضمين لهم، ورغم ثقافتهم الإسلامية الضعيفة، إلا أن أشواقهم كانت عالية، وهذا ما يدعو لتشبيههم بحركات البابية والبهائية، والتي انتهت إلى عمل سياسي محدود بعد أن أضمحلَّ البعد الفكري فيها، والملاحظ كذلك أن الجمهوريين أول من مارسوا الديماغوجية بعينها لاحقاً في التحرش بأعدائهم وطباعة المنشورات والحملات ضد الأشخاص بشكل لم يكن متعارفاً عليه رغم تاريخهم الأول المتسامح. طبيعة الفكرة ومحوريتها لم تكن تسمح بأي شكل تنظيمي للجمهوريين، لكن الملاحظ أن الجمهوريين تمتعوا بتماسك اجتماعي كبير وصل إلى درجة المصاهرات، وهذا ما رسخ تماسكهم اجتماعياً بعد رحيل محمود وانفراط العقد. أغلب كوادره من المبرزين أكاديمياً تركوا الدراسة وتجاوزوا طموحاتهم الفردية وتفرغوا في البداية لدعوة محمود، بل إن الكثير من الطلاب حينها تأثروا بأطروحات الجمهوريين قبل أن يصل إلى الحديث عن الباطنية، وهذا ما أدى إلى عدائهم مع الصوفيين، باعتبار أن محمود هو أفضل من طرح الفكر الباطني بوضوح وتفاصيل فاستفحل العداء، أنا لا أقول بأن لا مستقبل للحركة الجمهورية اليوم، باعتبار أن الأصيل قد ذهب، وعليه لا بد من ظهور أصيل آخر يخاطبه الله كفاحاً مثل محمود كي تتواصل الفكرة، والواضح أن لم يظهر بين الجمهوريين من يدَّعي ذلك حتى الآن، الجمهوريون يمكن أن يكون لهم تأثير كحزب سياسي؛ فأطروحات محمود الأولى حول الجمهورية أصبحت اليوم جزءاً من برامج بعض الأحزاب السياسية.

    • د.الباقر العفيف: التحول الديمقراطي

    الحقيقة أن بعض ما طرحه المشاركون يتضمن معلومات خاطئة؛ فالحديث عن أن الراحل كوَّن أفكاره نتيجة تجميع مجموعة من الأفكار لتركيب وصفه ينم عن تبسيط مُخِلّ وعدم إدراك لأفكار الرجل الذي كان ابن زمانه وعصره، والذي قال، عندما سئل عن مؤهلات الداعية العصري، أن يكون ملمَّاً بمشاكل عصره، وأن يلم إلماماً دقيقاً بحقائق القرآن ليأخذ منه حلاً للمشاكل، الراحل محمود هضم هذه المصادر وتمثلها ثم صاغها وأخرج منها فكراً أصيلاً بمعنى الكلمة، وهذا شأن الأفكار الكبيرة، وهو لا يقل عن ماركس مثلاً. فكرة تطوير التشريع الإسلامي التي جاءت بها محمود هي المدخل لعودة الفكر الجمهوري؛ لأن الزمن اليوم يثبت ذلك. أما الحديث عن انفراط العقد وذهاب كوادر الجمهوريين إلى أحزاب أخرى فغير صحيح على الإطلاق، لم يحدث ذلك؛ لأن من انتموا إلى الفكرة الجمهورية تعلقوا بها وبجوهرها، وللحقيقة فأن الفكرة الجمهورية تعصم أصحابها من يصبحوا سلفيين أو أن يصابوا بالهوس الديني.
    نعم، العلاقة بين الراحل والأعضاء كانت علاقة شيخ وحيران، لكن المطلوب أيضاً أن ننظر إليها من باب العلاقة بين أستاذ أسس مدرسة وتلاميذه، وهذا وصف أدقّ، وهي علاقة روحية ووجدانية قائمة على الاحترام. أنا رافقت محمود منذ العام 1979م وحتى رحيله، وأتحدث عن معرفة بالحقائق. كان محمود يدعو أصحابه، إن أطاعوا أن يطيعوا بفكر، وإن عصوا أن يعصوا بفكر، وأن يكونوا متحررين من حب السيطرة والخوف.
    وفي جانب آخر فإن الفكر الجمهوري لم يكن مخالفاً ولم يأت بأفكار غريبة عن المجتمع، بل كانت دعوة لصحوة إسلامية تقودها نماذج وقدوة كان يمثلها الراحل، على عكس ما نسمع اليوم عن صحوة هي في حقيقتها تراجع مريع ونماذج سيئة للقدوة باسم الدين والمظهرية والشكلانية التي يدعو لها الإسلاميون، المشكلة أن الجمهوريين لم يجدوا فرصتم للإفصاح عن آرائهم والدفاع عنها باعتبار أن الشعب السوداني متسق تماماً مع الفكر الجمهوري لأنه نابع من تصوفه ولا يراه متعارضاً إلا مع الإسلاميين التقليديين السلفيين الداعين إلى الدين الفقهي المدرسي الذي جاء مع الأتراك ومن مصر وباكستان وغيرها.
    د.الترابي كان ينظر للفكر الجمهوري، باعتباره أكبر خطر وعائق يقف دون وصوله إلى السلطة، وهذا الحديث أكده د.حسن مكي، بل زاد، إن الترابي كان يخاف إلى آخر لحظة أن يتراجع النميري عن إعدام محمود، وللتاريخ فإن حركة الإخوان المسلمين كانت من الضالعين في التآمر على الراحل هم ومعهم عدد من الأفراد الذين ينتمون إلى بيوت طائفية لكنهم في حقيقة الأمر (غَوَّاصَات) للحركة الإسلامية داخل بيوتاتهم الطائفية.
    الحديث عن أن الفكرة الجمهورية مرتبطة بشخص الراحل غير صحيح. نعم هو من أسَّس لها ووضع فكرة الإصلاح الديني، ثم أصبحت مدرسة ظهرت داخلها تيارات متعددة تشكلت كلها داخل المدرسة وذهبت في تفاصيل الفكرة الأساسية وعلى ضوئها، ويظهر ذلك في مجهودات عبد الله النعيم في الجوانب القانونية تفصيلاً لما أجمله الراحل وكذلك مجهودات د. القراي وعبد الله فضل الله وإبراهيم يوسف وغيرهم. إذن نحن لا نحتاج إلى رسالة ثالثة ورابعة وغيرها، وهذا غير موجود في فكر الجمهوريين، وليس هناك من منفذ ومحل لرسالة أخرى، على هذا الأساس، هناك عودة للجمهوريين على ساحة النشاط العام باعتبار أنهم لم يغيبوا أصلاً عن ساحة الفعل الثقافي أما عودتهم إلى النشاط السياسي وأن يكون لهم إسهامهم في كل الأوضاع السياسية، مثلما كانوا في بداية عهدهم، فإن ذلك رهين بسقوط القيود الخارجية المفروضة عليهم، وأن يتم في السودان تحول ديمقراطي وإصلاح للقوانين.

    • طارق محجوب: خلاف منهجي

    ما يقوم به د. القراي وفضل الله وإبراهيم وغيرهم هو مجرد اجتهادات وتحليل للأفكار التي طرحها الراحل محمود في أبعادها المختلفة، لكن محموداً يطرح منهج تجديد للإسلام باسم الرسالة الثانية يشتمل على تغيير اجتماعي وتشريعي وسياسي، السؤال هل يمكن أن يتواصل هذا المنهج بصورته القديمة اليوم؟، أنا أعتقد أن الخلاف مع الراحل ومع الفكر الجمهوري هو خلاف حول المنهج، بين القطعيات والظنيات في أصول الدين في كل مستوى، باعتبار أن هناك أساسيات وقطعيات لا خلاف حولها لكن الظنيات والفرعيات يمكن الخلاف حولها، وذلك وفق منهج وضوابط مبنية على الأصول الأولى، الخلاف إذن أن الفكر الجمهوري ألغي تماماً المنهج القديم بأصوله وفرعياته وفق الطريقة العرفانية التي لا يمكن التعامل عقلانياً معها، أنا أعرف التصوف تماماً وعلى يقين، برغم خلاف أي أن لهذه الطريقة آثار إيجابية، وما منع الناس عن فهم ذلك وما خلق لديهم حالة من التشويش هو عدم معرفتهم بالفكر الصوفي بوضوح. نعم هناك تأهيل فكري وروحي قد يحدث للإنسان ويجعله على معرفته بدينه، ولذلك ارتبط هذا المنهج بمن تأهل لهذا المقام، وهي قد انقطعت بإنقطاع صاحب المقام دون أن تنفذ الرسالة وذلك هو التحدي الذي واجه الفكرة وحال وسيحول دون استمرارها مستقبلاً.

    • د. صبري محمد خليل: لا فكر بلا مصادر منطقية

    التحليل لا يقلِّل من قيمة أية فكرة، حتى وإن عاد إلى مصادرها ومكوناتها الأساسية؛ لأن المعلوم أن أي مفكر إنما يعيد ترتيب وتركيب الأفكار السابقة. الفكر الجمهوري، شأنه شأن أي فكر، استناداً إلى هذا المنهج، هو محصلة إطلاع عقلاني على الفكر الإنساني السابق، ولمؤسسه الفضل في التركيب والتأليف بين هذه المصادر، لا يمكن أن نقول إن هناك فكراً قد جاء من غير أصل، أنا لا أعتقد أن هناك شخص يمكن أن يأتي بأفكار من عالم غيبي دون أن يكون لها أساس، مسارات الفكر الجمهوري إذن محددة بمصادرها ومكوناتها، وهذه قاعدة منطقية تنطبق عليه.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1163
                  

10-06-2008, 08:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    حوار مع : أسماء محمود محمد طه
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    محمود بلغ مقام (الأصيل) الذي لم يبلغه أحدٌ بعده
    نعم.. كان يرى أن للإسرائيليين حق تاريخي في فلسطين ودعا إلى التسامح معهم

    حاورها: ضياء الدين بلال

    بثوبها الأبيض وابتسامتها الناصعة، كانت «أسماء»؛ ابنة الراحل محمود محمد طه، وأبرز القياديات الجمهوريات في وقت مضى، والعائدة إلى الوطن بعد غياب كاد أن يكمل ثمانية عشر عاماً، وابتعاد عن أجهزة الإعلام فاق تلك المدة؛ كانت أسماء تجيب عن أسئلتنا التي تفرض عليها محددات المهنية والصراحة أن تكون «قاسية» بعض الشيء، خاصة على من يملك الإجابات التي تخرج منهم من تحت الأظافر، ولكن يفعلون ذلك معك بودٍّ يُلقي عليك كثيراً من الحرج وإن أصابهم بكثير من الألم. كان الحوار مع أسماء أقرب للتداعي الحر، ينتقل من العام إلى الخاص وإلى الخاص جداً أحياناً، دون أن يلتزم المنهج الأرسطي «مقدمة وموضوع وخاتمة» ولا بذوق المتصوفة الذي قد يحافظ على سلامة الخاطر وإن أصاب الأذى الفكرة، ولأن أسماء قلّما تحدثت بعد رحيل والدها الأستاذ محمود محمد طه، كان الحوار معها بطعم مختلف، وكانت إجاباتها بثبات جميل وسماحة ناجعة.

    هل صحيح أن والدك كان لا يؤدي العبادات الشرعية من صيام وصلاة وحج؟

    «دا كلام فارغ». الراحل له كتاب بعنوان «كيف تصلون؟» يتَّهم فيه المسلمين بأنهم لا يصلون رغم أنهم يملأون المساجد، ولكن صلاتهم هذه لا تنهاهم عن الكذب والنفاق والفحشاء والمنكر و...

    مقاطعة: هل ذهب إلى الحج؟

    لا..!، قد يكون ذلك مرتبطاً بالاستطاعة.

    هل كان ذلك مترتباً على موقف فقهي وفكري أم عن عدم الاستطاعة؟

    هو له موقف فكري تجاه الدعوة لكل العبادات، فهو يرى أن العبد يترقى بهذه العبادات إلى مراقٍ يصبح فيها على علاقة خاصة بالله.

    هل تسقط العبادات حينها؟

    يسقط التقليد ولكن لا تسقط العبادات .

    العبادات كأداء، هل تسقط مع ذلك الترقي؟

    «الاستاذ لم يكن يصلي مثل صلاتنا دي لكنو كان بصلي».

    كان يصلي مثل من؟

    لم يكن يصلي الخمسة أوقات، أرجو أن ترجع إلى كتاب رسالة الصلاة لأن هذا الأمر كان يخص الراحل.

    كم كان يصلي من الخمسة أوقات؟

    كان يصلي أكثر من الخمسة أوقات؛ لأن نَفَسَهُ الصاعد والهابط كان صلاةً, وهو يرى أن العبادة يجب أن تكون أسلوباً للحياة تجلب الخير للناس وتمنع عنهم الشر.

    وماذا عن الصيام؟

    كل عباداته كانت خاصة به لأنه أصيل فيها، أرجو أن ترجع في ذلك إلى كتبه لأنها هنالك مفصلة بشكل أكبر.

    هل ثمة من الجمهوريين من وصل ذلك المقام؟

    لا..!، هذا على حسب علمي.

    ولا أظن أن ذلك حدث في التاريخ؟

    نعم دعوَتُه غير مسبوقة، هنالك نماذج لبعض الصوفية مثل الشيخ أحمد البدوي لهم شرائعهم الفردية.

    هل كان يحثكم كأبناء على الصلاة؟

    بصورة أشد وأكثر من الآخرين، في وقت معين كنت أنا شخصياً أغتسل عند كل صلاة ولا أصلي بالوضوء العادي.

    ألم يساورك شك في شرعية هذا الأمر في أية لحظة من اللحظات؟

    إن المعايشة الشخصية للنموذج الذي حققه الراحل؛ من استقامة ومن تطابق بين القول والعمل، كانت كافية تماماً لإقناعي والقضاء على أي شك.

    وعندما أُعدم انهار كل شيء؟

    التجسيد مهم, بغياب الراحل فقدتُ الكثير, علاقتي بالعبادات لم تعد كما كانت، لم أعد أجد في صلاتي ما كنت أجده من قبل.

    يبدو أنه هنا تكمن أزمة الفكر الجمهوري؛ أنه ارتبط بشخص القائد وذهب بغيابه؟

    من الطبيعي أن يكون هنالك أثر عاطفي ونفسي لغياب القائد الروحي، ولكن الأفكار تظل ثابتة وقوية, وأفكار الراحل الآن منتشرة بين الجميع وإن لم تُنسب إليه.

    يتعجب الكثيرون من دعوة والدك للاعتراف بإسرائيل؟

    هو أشار من المراجع التاريخية إلى وجود حق للإسرائيليين بفلسطين، ودعا للتسامح والعيش معاً، الفكرة الأساسية أنه أراد أن يقول إننا، كعرب، ليست إسرائيل هي أزمتنا، ولكن الأزمة في تصوراتنا وسلوكنا الذي يعبِّر عن قشور الإسلام وقشور المدنية الغربية.

    قيل إن دعوته المبكِّرة للاعتراف بإسرائيل فاضت على أتباعه بعد رحيله منحاً ومعاملات خاصة في الدول الغربية؟

    هذا غير صحيح، أنا ابنة الراحل، عندما ذهبت إلى أمريكا كنت أعمل في مطاعم ماكدونالد أنظف وأعمل، وأكملت دراستي إلى أن وجدت العمل المناسب، ولم تقم أية جهة باحتضاننا كما يشاع.

    هنالك من يقول إن أزمة الجمهوريين أنهم يراهنون على التغيير؛ لا عبر الجماهير، ولكن عبر الحلول الإلهية الجاهزة؟

    لأن الفكرة أديمها روحي والتسيير فيها تسيير مطلق على هدي الإرادة الإلهية.

    كيف كنت تفصلين بين محمود الأب ومحمود القائد الروحي بالنسبة لك؟

    الراحل محمود كان يعامل الجميع كأبنائه حتى إنهم كانوا ينادونه «أبوي الاستاذ»، نعم كان بيننا ما هو خاص وأسري.

    ماذا كان يدور بينكما كبنت وأبيها؟

    كثيراً ما كان يوجهني لبعض الأشياء وينصحني ببعض النصائح التي قد لا يلقيها على آخرين، وعندما أخطئ يعاقبني بالعزوف، وكان ذلك عقاباً قاسياً بالنسبة لي.

    ومتى كان يتعامل معك كأب فقط؟

    عندما تكون هنالك جلسة خاصة تجمعني به دون حضور الآخرين, وهذه لحظات نادرة, كان يتحدث عن التضحية التي نقدمها كأسرة لا تستمتع كثيراً بالجلوس مع والدها, لأنه كان يعلم أن ذلك يصيبنا ببعض الحزن «لماذا لايكون والدنا أباً عادياً لا يجابدنا فيه أحد»، ولكن مع الزمن كنا نشعر بأن تلك تضحية قليلة أمام الغايات العظام.

    هل كنتم تشركونه في شؤونكم الخاصة كبنات؟, وكيف كان ينظر لعلاقتكم بالجنس الآخر، وأين تقف خطوطه الحمراء؟

    الخطوط الحمراء تبدأ عنده وتنتهى بالمسؤولية الكاملة عن التصرفات، وهنالك حدود يجب أن لا يتم تجاوزها، فكرياً لم يكن له مانع من الاختلاط بين النساء والرجال في المجالس العامة.

    كيف كان ينظر للخلوة بين المرأة والرجل؟

    كان يتعامل على أساس أن الشريعة تمنع الخلوة، والمجتمع يرفضها.

    هل الاعتبار الأكبر كان يعطيه للمجتمع أم للشريعة؟ والمعروف أن له رؤية أخرى للشريعة، تتناقض مع ما هو سائد ومتفق عليه؟

    هو يعلم أن المجتمع ملتزم بقواعد ضابطة لسلوكه، ومسألة العرض يصعب تصحيح أخطائها, نعم فالمجتمع مقدم عنده على الاعتبارات الأخرى، وهذا لا يعنى الاستسلام للعادات والتقاليد السيئة، فكان مقترحه بلبس الثوب الأبيض وعدم الإفراط في استخدام الزينة.

    هل كانت تلك إرشادات تنظيمية أم دينية؟

    هذه اعتبارات سودانية متدينة، والثوب الأبيض زي ساتر وغير مقيد للمرأة، وكلما ارتقت المجتمعات وتطورت أصبحت النظرة للنساء أكثر إنسانية من كونها أنثوية، كذلك فإن الزي سيَخِفّ في شكله و مستواه و.....
    مقاطعة: ماذا تقصدين بأن الزي «سيَخِفّ»؟
    بمعنى سقوط القيود الكثيرة التي تثقل بها النساء, ومنها ذلك الزي الذي ترتديه بعض النساء مثل ما هو بالخليج وبعض الدول الأخرى باعتباره زياً شرعياً.

    وما حدود الزي الشرعي بالنسبة لكم؟

    هو ما يكفي للحشمة التي يرتضيها المجتمع.

    أنتم في ذلك تريدون مسايرة المجتمع إذاً والتماهي معه، ولا تسعون لتغييره، على عكس أصحاب الأفكار والمعتقدات؟

    الفكر الجمهوري لا يريد أن يقفز بالمجتمع إلى مدى أبعد من طاقته وحاجته للتغيير، ولا يساير المجتمع الجاهلي في عاداته وتقاليده السيئة.

    كانت لكم علاقة جيدة بالنميري وبمايو، حتى إنه أهدى أحد كتبه للأستاذ محمود، هل تطبيق القوانين الإسلامية فقط هو سبب الانقلاب في هذه العلاقة؟

    نحن ساندنا مايو لأنها كانت حائلاً بين الشعب والهوس الديني والطائفية، وعندما سلَّمَت مايو نفسها للإخوان المسلمين، بل وأعطت الهوس الديني السلطة والقوة، سحبنا ذلك السند وانتقلنا إلى معارضتها.

    كنتم سلبيين جداً تجاه الديمقراطية وعوناً للشمولية؟

    لم تكن هنالك ديمقراطية، كانت هنالك طائفية تستغل الجماهير وتفسر الدين حسب مصالحها الخاصة، الصادق المهدي نقض حكم محكمة دستورية في قضية حل الحزب الشيوعي، وقال إن سلطة الجهاز التنفيذي فوق أحكام المحكمة الدستورية والاتحاديون كانوا يريدون تمرير الدستور الإسلامي.

    لكن كنتم أكثر قسوة على الصادق المهدي؟

    لأن الصادق كان له بريق وسط الشباب الذين ظنوا أنه قيادي مستنير، وهو مسيطر على قطاع واسع من المستغَلين وهم طائفة الأنصار.

    هل تعتقدين أنه كان سعيداً بغياب والدك؟

    لا أستطيع القول إن له دوراً في ذلك، لكن أعتقد أنه بارك ما حدث, المهم إن دوره كان سلبياً.

    قيل إن الترابي كان معترضاً على إعدام محمود؟

    الترابي كان وراء ما حدث.

    ما الدليل على ذلك؟

    تصريحات عديدة أطلقها الترابي وقتها.

    هل ترين في آراء الترابي الأخيرة إعادة لآراء والدك؟

    إلى حد كبير ذلك صحيح، نحن عندما كنا نتحدث عن حقوق المرأة والمساواة بينها والرجل، وعن تطوير التشريع, الترابي كان يهاجمنا في ذلك، الآن أصبح يتبنى هذه الآراء وينسبها لنفسه.

    الراحل محمود، في مستهل الخمسينيات، قاد ثورة برفاعة ضد منع الخفاض الفرعوني، ثم طوَّر أفكاره بعد ذلك؟

    موقفه كان اعتراضاً على تدخل الإنجليز في الشؤون الداخلية, وفي مسألة تمسُّ حياء المرأة السودانية، وكان ذلك موقفاً سياسياً ضد الإنجليز وبدايةً للثورة عليهم؛ أكثر من كونه مناصرة للختان الفرعوني.

    حتى بعد ذلك لم يُسَجَّل له موقف صريح ضد الختان الفرعوني؟

    كان له كتاب عن الختان الفرعوني ووَصَفَه بأنه عادة ذميمة، ولكنها في فترة من الفترات خدمت غرضاً، على اعتبار الاعتقاد بأنها جزء من الفضيلة والعفة بالنسبة للمرأة، وقال إن محاربتها لا تتم عبر القانون ولكن عبر التربية.

    كيف تنظرين لمحاولة إعادة تنظيم الجمهوريين مرة أخرى؟

    لا أرى ذلك مفيداً، فالفكر الجمهوري أصبح ملك الجميع، وأقصى ما يمكن القيام به إعادة طباعة كتب الراحل وتوزيعها على نطاق واسع وترجمتها، وهذا ما نحاول القيام به الآن من أمريكا وأماكن كثيرة.

    كأسرة، لماذا لم تهتموا بالبحث عن قبر والدكم؟

    كانت هنالك مساعٍ ومناقشات أيام الديمقراطية لكنني كنت زاهدة في ذلك .

    إذا كانت أسباب خروجك من السودان اعتبارات سياسية كما ذكرت من قبل، ماذا تقولين عن العودة في هذه الأيام؟

    لم أكن أتصور أن أعود في ظل هذا النظام، ولكن اعتبارات أسرية ومتغيرات سياسية منها اتفاقية السلام هي التي جعلتني بالخرطوم الآن.

    تعليقــــات القراء
    من hushaam بتاريخ الجمعة 14 مارس 2008
    مأساتنا ان الحروف اذا اتت عن ساسة فسدوا وداسو بعد ان سادوا ضلوع البائسين البائتين علي الطوي او عن زمان قد تولي وانطوي ومضي ليتركنا نعاني ما نعاني في زمان عب من دمنا وعب وما ارتوي قتلوك يامحمود في السجن الكبير وماقتلوك في قلوبنا فأنت باق فينـا بأفكارك وتطلعاتك التي سكنت دواخلنـا


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1161
                  

10-06-2008, 08:57 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25086

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)

    اللهم أرحمه بقدر نيته وحبه لك ولرسولك الكريم
                  

10-06-2008, 09:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: حيدر حسن ميرغني)


    نسـاء في مطبخ السياسـة

    سـارة نقد الله : تتطلع لرئاسـة حزب الامـة!!

    وسعاد الفـاتح تقـول : الرجال يهتمون بالمناصب!

    تحقيق بكري المدني

    المرأة شريكة في الحياة شراكة مطلقة وان عمد الشريك احيانا الي التقليل من نسبة هذه الشراكة هنا وهناك وهنالك -والمرأة في السودان خرجت بمشاركتها للرجل من البيت الي العمل والي دور العلم والي مجالات المشاركة العامة فكانت سياسية - تنتظم في الاحزاب وتقود المظاهرات وتخطط سرا مع الرجال لتدبير الثورات ان شئت او الانقلابات وفي هذا المجال اضافت الي اعبائها عبئا جديدا وادخلت معها السياسة التي خرجت من اجلها ادخلتها معها الي البيت بل الي المطبخ لما اثرت هذه السياسة علي حياتها جملة وتفصيلا.. في هذا المشوار التقيت بعدد من السياسيات الناشطات زمانا ومكانا فكانت حزمة هذه الافادات مع تقديري الجزيل لهن:

    لما اردت التحقق وليس التحقيق الصحافي حول دور المرأة في السياسة السودانية كان يتعين علي ان ابدأ من حيث بدأت هي وان كان محتم علي ان اتوقف بينما لن تتوقف هي عن مسيرتها القاصدة لنيل كافة حقوقها ومن بينها السياسية والبداية كانت رحلة الي مسكن السيدة حاجة كاشف - خير من يرصد حركة المرأة السياسية في السودان ومنذ بداياتها وقالت حاجة كاشف ان المرأة السودانية شاركت في السياسة منذ الثلاثينات بالتضامن مع الرجل ومولت العمل السياسي وشاركت في المظاهرات وقدمت العرائض وقالت انا لم ابتدئ بتاريخ مهيرة بت عبود لاني اعتبر ان مشاركتها كانت غير ايجابية والمشاركات الايجابية جاءت بعد ذلك وعند انخراط النساء في العمل السياسي الحزبي واول حزب احتضن النساء وساعدهن هو الحزب الشيوعي واذكر والحديث علي لسان كاشف من رموز ذلك الزمان خادم الله عثمان ولمن دامت جلي وخالدة زاهر وعزيزة مكي ولم تسع الاحزاب الاخري في ضم النساء اسوة بالحزب الشيوعي الا بعد ان اصبحن اصواتا انتخابية !! وتضيف ان ثورة اكتوبر تعتبر البداية الحقيقية لفعالية المرأة السياسية وبعدها أصبح داخل كل حزب مجموعة من النساء واكثر الاحزاب اعطاءا لحقوق المرأة اليوم هو حزب الامة اذ وصلت فيه امرأة الي موقع ناطق باسم الحزب واعود لذكر الرموز فقد نشطت سياسيا كل من سعاد ابراهيم احمد وسعاد الفاتح التي ظلت تناضل تحت عباءة الاخوان المسلمين منذ العام 1954م وكانت معها ثريا امبابي وفي اليسار تميزت فاطمة احمد ابراهيم بينما برزت نفيسة كامل في حزب الامة والسيدة مريم عبدون وعائشة ابوبكر في الاتحادي وان لم تستمرا اما بالنسبة لي فقد نشطت لفترة مع اليسار وانقسمت في اول انقسام له في العام 1958م وكنت ضمن مجموعة عوض عبدالرازق ضد مجموعة عبدالخالق محجوب ونحن اطلقنا علي مجموعتنا اسم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني بينما مجموعة عبدالخالق سمت نفسها الحركة السودانية للتحرر الوطني وتختصر في (حستو) وكان الانشقاق بسبب عدم الحرية داخل الحزب ولاتفاق عبدالخالق مع حزب الامة علي عكس خط الحزب العام.. وسألت الحاجة كاشف عن مدي تقبل المجتمع السوداني لمشاركة المرأة للرجل في ميدان السياسة فقالت ان الشعب السوداني احترم مشاركة المرأة السياسية ودفعها للامام في هذا المجال وقد كانت الرائدات عند حسن ظن اهاليهم واذكر في تلك الفترة لما كانت المرأة ترتدي البليمة ( القناع) كان ابي يطلب مني ان اكشف وجهي ليعرف الناس من انا وماذا افعل وكان ابي مهتماً جدا بحركة النساء وكانت في اتحاد النساء لجنة رجالية ضمت اخي بدري كاشف وزوجي علي التوم ومهدي مصطفي الذي كان يفخر في جامعة الدول العربية بأنه عضو الاتحاد النسائي السوداني وان لم يكن هذا الموقف مطلقا فقد كانت هناك اقلية ولاسباب عقدية وتربوية متحفظة علي مشاركة المرأة وقاطعت كاشف بالقول ان المرأة رغم تاريخها الطويل لم تصل لزعامة حزب اسوة ببنات جنسها في العالم فقالت ان النساء لا يواصلن في الاحزاب ومن تستمر تحدث لها مشاكل مثل الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم.. ولا تبتعد الاستاذة امال عباس التي جلست اليها بمكتبها المفتوح بجريدة الصحافة لا تبتعد الاستاذة آمال كثيرا في حكمها علي قبول المجتمع السوداني للمرأة السياسية عن حكم السيدة حاجة كاشف فقد قالت الاستاذة آمال ان تحفظ المجتمع علي ولوج المرأة للسياسة كان واقعا وان لم يمنع خروجها العام
    وساعد في ذلك النماذج المضيئة للرائدات فمثلا خالدة زاهر لما خرجت في مظاهرة من كلية غردون قوبلت بالفخر والاعزاز واستوقفت الاستاذة آمال بالقول ان الشواهد تشير الي ان المرأة لم تحتمل ضريبة العمل السياسي وان كثيرا من مواقفها السياسية تشكلها مواقفها الشخصية وردت امال بأن الحكم ليس مطلقا لا علي الرجال ولا علي النساء فهذه المسألة لها علاقة بتكوين الانسان الفردي وقالت ضاحكة هناك رجال (بتجرسوا جرسة عجيبة) وبنفس القدر هناك نساء.
    وآمال عباس لا تعتبر عدم وصول امرأة الي زعامة حزب سياسي مسؤولية الرجل وانما تعتبره ناتج نظام اجتماعي كامل لن يسعي الرجل لتغييره ان لم يجد افاقا مشرقة من النساء وقالت انا لا افضل في النضال الزحف علي خصوصية الرجل والمطلوب منطقة تفاهم لان الحركة السياسية لم تظلم المرأة وقد سافرت الي هلسنكي في سن صغيرة مع الاستاذتين محاسن عبدالعال ونفيسة احمد الامين وقد كان الناس هناك مندهشين من مشاركتنا في ذلك المؤتمر متقدمات بذلك كثيرا علي نساء العرب وافريقيا وناقشت الاستاذة امال عباس المقولات والامثال التي تنظر دونيا للمرأة فقالت ان جذورها جاهلية وهي مقولات وامثال تجاوزها الزمن والخطاب الديني الذي قرن المرأة بالرجل واضافت ان الاستاذ محمود محمد طه كان يقوم بمجهود رائع في هذا المجال ومن اجل المساواة العادلة، قالت ذلك ولم تنس ان تؤكد انها ليست (جمهورية) ومن الاستاذة امال عباس العجب الي الاستاذة سارة نقد الله الناشطة السياسية اللامعة في حزب الامة والناطقة باسمه والتي قلت لها مبتدءا ان النفس العالي الذي بدأت به رابحة الكنانية مشوارها لم تكمله بنفس المستوي نساء الانصار وحزب الامة من بعد ، فقالت اننا لم نتأخر فعندنا ام سلمة سعيد من مؤسسات الاتحاد النسائي وعندنا السيدة سارة الفاضل من مؤسسات العمل النسوي في حزب الامة ولكن هذه الادوار حسب نقد الله لم تجد اعلاما وقالت انها نالت منصباً متقدماً في الحزب لانها تعتبر رمز ولها مجهود ولم يجئ اختيارها لوزنة نوعية داخل الحزب ولا لدعاية سياسية له.. وعن توزعها بين العام والخاص قالت سارة ان المعادلة صعبة جدا وان السياسة تأخذ كل اليوم وان لم يجد السياسي من يسنده ماديا ستكون مهمته صعبة هذا غير ان للمرأة دورها الاسري ومظهرها، وعن نفسها تقول ان ظروفي مختلفة نوعا ما فقد امنت نفسي ماديا وان خيرت بين العام والخاص تقول سارة بكل ثقة سوف اختار العمل العام! وهذه الثقة دفعتني لان اسأل هل تشبثها بالسياسة ناتج من انها لم تدفع ضريبتها حتي الان ؟ فردت انا دخلت العمل العام منذ العام 1985م وبقناعة ولخدمة الانسان السوداني ومن اجل ذلك سجنت وفصلت عن عملي وكله يهون من اجل الشعب ولا اندم عليه .. ولكني بصدق احيانا افكر .. تواصل سارة .. في الاعتزال وذلك عندما احس انني غير قادرة علي تنفيذ رؤياي ولكني لا استطيع ومؤسستي لن تتركني وردا علي سؤال ما تكون في ذهن سارة عن الرجال بعد احتكاكها بهم في العمل السياسي تقول كنت في القاهرة العام 1987م والتقيت بصحفية وسياسية سألتني بصراحة ان كنت الاقي مضايقات من الرجال في حزبي فاستغربت السؤال ولكنها قالت لي انها تلاقي الكثير من المضايقات في حزبها مع ان زوجها عضو فيه وزميل لزملائها في الحزب وهنا الفرق واضح فنحن تركيبة ناسنا وتربية الانصار فيها شئ من الروابط الاخوية والرجل دائما مايحس ان المرأة التي معه يجب ان تصان وانا للتاريخ ومنذ احترافي السياسة لم يحدث لي مطلقا ان تعرضت لمضايقة رغم انني سافرت مع الرجال برا وجوا وانما كنت اشعر دائما معهم بالاطمئنان والحماية وسألت سارة نقد الله عن الدور الذي تتطلع له بعد وصولها لمنصب الناطق الرسمي باسم الحزب فقالت جادة اتطلع لرئاسة الحزب!! وقالت ان سبب عدم وصول امرأة للرئاسة سببه قصور في اجهزة الاحزاب والدولة وقالت ان المرأة نجحت في المشاركة وصنع القرارات السياسية المهمة وذكرت مثالا لذلك ان قرار عدم مشاركة حزب الامة في السلطة كانت خلفه النساء واضافت انها مثلا نجحت في العمل السياسي في الفترة السابقة وقالت بفخر عالي ( اسأل عني ناس الامن) هل استطاعو ان يحصلوا علي معلومة مني؟ بالعكس انا التي كنت انجح في جلب المعلومات ولصمودي مع الاخت سارة الفاضل اطلق علينا ضابط الامن اسم السارتين!!
    الدكتورة سعاد الفاتح الرمز النسائي الكبير بدأت افادتها في هذا العمل بالقول ان السياسة تجمع كل الالوان والشرائح وان المرأة شاركت فيها بمالها ومجهودها ورأيها وكانت رائدة في هذا المجال وان الرجل لم يقف في وجهها سياسيا وان من يقلن ذلك مكابرات وتقول ان التقصير في الاجهزة لا يسأل عنه الرجل وكأنها تقارب هنا الاستاذة آمال عباس في الفكرة وتضيف ان الدستور افرد للمرأة حقوقها في المشاركة السياسية وذكرت انها ضد التمثيل وعمل الكوتات للنساء!! وقالت ان تأثير السياسة علي المرأة ينسحب علي صحتها واسرتها ان لم تنتظم وقالت انا شعاري النظام وقد قاربت الخمسين عاما من الزواج واعيش بسعادة الي جانب اسرتي والعمل لم يؤثر علي وان اثر علي صحتي وتردف ان مرضي وتعبي ضريبة بسيطة من اجل وطني وذكرت ان الضريبة الاكبر دفعتها ايام مايو فقالت ان مايو هددتنا في اعراضنا واولادنا ونميري طردني للخارج ولكني لم اتأثر وقد نجحت فانا ابنة العمل العام واذكر انني سافرت الي مصر وانا صغيرة مع الاخ محمد خير عبدالقادر لمقابلة الشيخ الهضيبي وقد ناقشته في كل الامور حتي اندهش الاخوان هناك مني وتفخر سعاد الفاتح بأنها شاركت سياسيا في العمل السري والتنظيمي الدقيق والخطير علي حد تعبيرها وقالت ان الفرق بين الرجال والنساء في السياسة ان الرجال يهتمون بالسلطة وبالمناصب عكس النساء اللائي يدخلن السياسة من اجل خدمة الناس وقالت بمعني ان الحركة الاسلامية لم تؤت من قبل النساء وتؤكد سعاد الفاتح ان بروز الاسلاميات والشيوعيات اعلاميا اكثر من نساء الاحزاب الاخري لأنها احزاب أفكار بينما البقية احزاب سلطات ومناظر! وان استدركت بأن ما وصلت اليه المرأة في حزب الامة لم تصل اليه امرأة لا في اليسار ولا في اليمين ونادت الدكتورة سعاد الفاتح بضرورة مشاركة الرجل للمرأة في اعباء المنزل وقالت من قال انها مهمة المرأة وحدها فالامر شراكة في السياسة وفي البيت واضافت انها تشاور زوجها سياسيا وتحتد معه ولكنها في النهاية تخلص الي نتيجة ايجابية..
    وقادني هذا التحقق الصحافي الي امرأة تأثرت لمقابلتها كثيرا الاستاذة نفيسة المليك والتي كدت اضع حافة قلمي علي جرح قلبها وانا اسألها عن ضريبة السياسة فقالت لي انا رزئت بفقد ابني في السياسة وما يجعلني استاء ان كل شئ تغير بعده واصبحت الحكومة تقبل ما لم تكن تقبل بهم او به قبلا !! وقالت انها لم تستطع مغادرة محطة فقد ابنها وانها الان تقوم بعمل خيري وسياسي من اجل اسرته واسر رفاقه وبشكل حاسم قطعت المليك اي امل في ان تتصالح مع الواقع السياسي وقالت انها الان مستقلة سياسيا وهي تتفق مع الكتاب الاخضر فحتي الديمقراطية بشكلها المتداول تقيم دكتاتورية الاغلبية وقلت لها ولكنك استاذة نفيسة المليك مصنفة بأنك اقرب لليسار قالت أنا لست أقرب لليسار ولا ابعد من اليمين واذا كان اليسار قد التقي معي لفترة من الفترات في خدمة قضايا المرأة فأنا يسار بهذا المفهوم، وقالت انا ليس لدي سر ولا اعرف السر الا في الصلاة! وانشط الان من اجل تفادي تجارب السياسات المريرة في السودان ولن اشارك ولم اشارك في حكومة وفي ايام مايو كنت اسمع خبر تعييني من الاذاعة وامشي اقدم استقالتي واعود لبيتي ومن قيادة سياسية تاريخية عامة الي ناشطة شابة الاستاذة سناء حمد الصحافية الاسلامية المعروفة والتي قالت ان السياسة لعبة ذكاء ومصالح وفق ما يحقق مصالح الناس وفي السياسة هناك الصالح والطالح ومن الناس ايضا وان كان وضع المرأة السودانية حالة خاصة فهي بدءا كانت شيخة وسلطانة ولا يعزو دورها لمثقفات او حركات تحرر نسوي والمجتمع السوداني لم يكن مستغربا من دخولها عالم السياسة عكس العالم الخارجي والذي يصور السياسة بلغة السلطة والجنس فهي في السودان ما كانت في حاجة لتتاجر بجسدها ولم تكن مضطرة الي تقديم تنازلات علي حساب اخلاقها وسلوكها واضافت سناء ان المرأة السودانية دخلت للسياسة من باب التعليم وان المرأة التي تدير شؤون بيتها لن تفشل في ادارة العمل العام وان تأثرت بزيادة الاعباء مما ينعكس علي اسرتها وصحتها وعموما تعتبر سناء المرأة اكثر تحملا من الرجل واكثر صبرا في الاداء التنظيمي وقالت ان التاريخ يكشف ان كل الجواسيس كانوا من الرجال!! بينما اللائي يجلبن المعلومات نساء! وعن متاعب المرأة السياسية الاخري تقول سناء انها في نظرة للمواطن البسيط والذي يعتقد ان السياسية قادرة علي تلبية حاجاته بشكل سريع وغير قانوني وقالت ان النساء يعتبرن السياسية التي لا تلبي الحاجات بأنها متعالية وغير خدومة وان رجعت الي ان المرأة اعمق اساسا بقضايا المجتمع ومصالح الناس من الرجل..
    ولن يبلغ هذا التحقق الصحافي تمامه الا بمسك الختام ومسك الختام هي السيدة سارة الفاضل حرم السيد الصادق المهدي والتي ابتدرت الحديث بالقول:
    ان المرأة في حزب الامة في ايام الشمولية وعندما يكون معظم الرجال اما في السجون او المنافي تتصدي هي لتصريف شؤون الحزب وتقول وانا مثلا كنت اعمل سرا ومن دون قيادة وذلك لاني كنت اعرف سياسة الحزب واعرف المطلوب مني وفي ديكتاتورية نميري كان يتعين علي ان اتصدي للمسؤلية مع اخرين فقد قدت المعارضة بالخارج بعد ان كانوا يريدون محاكمتي في محكمة الاعدامات واذكر انني كنت انتقل بين لندن وجنيف والمانيا لخدمة العمل السياسي المعارض لنميري وكان ذلك العمل ضمن معارضة الجبهة الوطنية وبعد الانتفاضة عدت للخرطوم واردت الترشيح في قيادة حزب الامة وقابلت الامام الصادق المهدي واخبرته انني اريد الترشيح للامانة العامة فقال لي لا بأس ولكن كان هناك بعض الاخوان معه يضحكون وقالوا لي ان هذه المسألة تحتاج ( للوبي) والحمد لله ترشحت وجماهير حزب الامة كانت واعية ومنحتني ثقتها رغم اشاعات بعض اخواني في الحزب بانني تنازلت عن الترشيح وقد نادينا بالتميز الايجابي للمرأة ونادينا ايضا بالغاء دوائر الخريجين في زمن سوار الذهب لصالح المرأة وفي مؤتمر الحزب استطعنا الحصول علي 10% من الامانات الحزبية مع احتفاظنا بحظوظنا في القيادة والان وصلنا الي نسبة 20% ونحن نطالب باكثر من ذلك .
    مقاطعة: سيدة سارة هل يعني هذا التدافع النسبي ان العمل في حزب الامة عمل صراعي ؟ قالت لا نحن نعمل بروح الفريق مع الرجال ولكن ليس علي حساب قضايانا والتي يجب ان تثبتها اولا .. وفي اخرمؤتمر للحزب طالبنا بنصف المشاركة السياسية !
    وسألتها .. وهل تمضي هذه الحركة النشطة من النساء دون تحفظ؟
    فردت.. يوجد تحفظ فمثلا انا اذكر انه تم تقسيمنا علي اقاليم السودان المختلفة وكان من نصيبي الخرطوم في الانتخابات فكان هناك نزاع بين اولاد الشيخ الكباشي الذين كان لديهم مرشحين وكان الدستور والقانون ان الذي تأتي به لجان الحزب هو الذي يجب ان يترشح ولما اتوا دار الحزب قبل الانتخابات رفضوا مقابلتي وقالوا مستحيل نقابل لينا امرأة!! مع اني اتيت من خلال المؤتمر العام للحزب فهناك فهم غريب فمثلا انا كنت اسمع البعض يقول والله من اجل حزب الامة نحن نؤيدك رغم انك امرأة!! وسألت سارة ان كانت قد اختلفت سياسيا علي شأن حزب الامة يوما من الايام مع السيد الصادق المهدي فقالت قد نختلف ولكني التزم بقرارات الحزب .
    وقلت لها انت سياسية متفرغة والسيد الصادق سياسي متفرغ من اذا يدير شؤون البيت؟ فقالت:
    نحن الحمد لله اسرة ممتدة واولادنا يعيشون في هذه الاسرة الممتدة وانا مثلا سجنت وكان لي ابن عمره سبعة اشهر ولم أره الا وهو سائر علي قدميه . مقاطعة.. ولكن سيدة سارة الضريبة السياسية علي المرأة دائما خفيفة فهي لا تعذب ولا تعدم؟ قالت بوضوح انا هددت بالضرب ورأيت زملائي معلقين علي الحبال واكياس الشطة في افواههم فأي تعذيب اكثر من ذلك وكان ذلك في مايو وكان هناك ضابط اسمه حاتم مدحت رفع يده علي وقال لي ان لم تتعاوني سأعذبك مثل زملائك .. وقلت له لا تمد يدك (النجسة) علي ويمكنك ضربي بالسلاح من بعيد وبالفعل جلست علي كرسي وسط القيادة العامة وقلت له اضربني!! والتحدي يدفع الانسان ليصبح قوة كبيرة ولما رأيت مناظر التعذيب تمنيت لو كان بيدي سلاحاً لاضرب به ضباط امن نميري وقد نجحت بعد ذلك في الحصول علي ملفاتهم وتهريبها لخارج السودان.. وعما اذا كانت السيدة سارة الفاضل تتوقع طلاقاً سياسياً بينها وبين السيد الصادق المهدي بعد هذا العمر الطويل في حزب الامة ؟ قالت بجزع لا اتوقع ذلك فنحن الاثنان ليس لدينا مطامع شخصية نرجوها من السياسة حتي نختلف عليها وانما التقينا علي مبادئ ومعتقدات وعلي كل اتمني الا اموت علي سوء الخاتمة.

    بعد المونتاج

    - السيدة حاجة كاشف ترددت كثيرا في الموافقة علي الادلاء بافاداتها في هذا التحقيق ولكنها وافقت بعد اصرار ثم عادت لتنتزع شريط الكاسيت ولم تعيده الا بعد ترجي!
    - الاستاذة آمال عباس استقبلتني بكل اريحيتها كعادتها دائما في استقبال ابنائها من الصحفيين ولقد خرجت من عندها ملئ بها..
    - سناء حمد وجدتها اصغر من اسمها كثيرا وتحدثت بثقة نسائية زائدة .. وامسكو الخشب يارجالة
    - الاستاذة نفيسة المليك اسفت كثيرا وهي تتحداني بالنشر لاني مثلها كنت اعلم اني لا استطيع..
    - الاستاذة سارة نقد الله عرفت لماذا اختارها الحزب ناطقة باسمه واتوقع ان يتحول الي ناطق باسمها


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=3&action=article&id=125
                  

10-06-2008, 09:28 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    رحلة تفتيش في الدفاتر الخـاصة لرئيس تحـرير الوفاق -2-
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    رحلة تفتيش في الدفاتر الخـاصة لرئيس تحـرير الوفاق -2-

    محمد طه محمد احمد : لم يبق أمامي سوى القـبر!!

    هل كان من السهولة محاصرة محمد طه محمد احمد؟!

    لا اظن ان الاجابة بنعم .. هي الاجابة الصحيحة .. محمد طه رقم جدلي في معادلات الصحافة والسياسة السودانية المعاصرة غير قابل للتجاوز او المرور عليه او القفز من فوقه .. وهو دوما قادر علي الاحتفاظ باثارته ومقدرته علي الادهاش والمفاجأة .. فلا تستطيع ان تقدر ردود افعاله .. فهو لا يعطي القارئ شيك ضمان .. الحوار الثلاثي الذي اجراه الطاهر حسن وضياء الدين بلال وجمال علي حسن مع محمد طه اختار لنفسه ان يتحرك في جغرافيا الرجل النفسية والثقافية دون محاذير او مراعاة للخطوط الحمراء .. فعاد الحوار من رحلته بحصاد من الاجابات المثيرة والصريحة والجديدة كذلك .. والتي ترسم صورة قلمية لمحمد طه في كل احواله في هدوئه وفي ثورته .. لا نفسد عليكم الطعم ولكن تفضلوا لتناول هذه الوجبة الصحافية الدسمة وتحملوا مذاق توابلها الحارقة الي نهاية الصحن..!!

    الطاهر: هنالك جانبٌ مهمٌ وهو علاقتك بالتشيع وسط حركة الإتجاه الإسلامي.. الذي بدأ يتميز فيها تيار ذو ميول شيعية.. محمد طه إكتمل تيار تشيعه داخل الجامعة أم بعد التخرج منها؟!

    طه: تيار التشيع كاد يكتسح الحركة الإسلامية وحتى الجمعيات التي أنشأتها الحركة الإسلامية كانت صدى لجمعيات إيرانية مثل رائدات النهضة وجهاد البناء وزواج الزهراء.. كل هذا العمل كان تأثراً بالحركة الإيرانيّة سلوكاً وفكراً وانتشرت كتب الثورة الإيرانية في أوساط الإسلاميين.. وهذا التيار أخاف الكثيرين أولهم الترابي.. أذكر في ذلك الوقت نشبت معركة كلامية بين الترابي وأمين بناني في مكتب الأول بالخرطوم «2».. الترابي قال لأمين (أنا.. عارفك داير تكون حزب الله في السُّودان)، وردّ عليه أمين (أنا.. لو عاوز أعمل حزب الله ما بتقدر تمنعني).. والتيار الشيعي كانت له مجلة كان يرأسها عبد الرحيم عمر محيى الدين، عمل ملحقاً إعلامياً بالسفارة السودانية ببيروت!

    ضياء الدين: هل هذا يعني أن محمد طه يعترف بأنه شيعي؟!

    طه: لا أبداً.. أنا عندي تعاطف مع آل البيت والإمام علي.. ولي قراءات مبكرة في الفكر والأدب المرتبط بآل البيت حتى الروايات التي كتبها المسيحيون مثل جورج زيدان أنا من مدرسة ترى ضرورة التوحيد بين مدارس الفقه.. التي هي في الأصل تقسيمات تاريخيّة.. فالإمام علي لم يقل إنّه شيعي ولا الإمام الحسن و...

    الطاهر: محمد طه عّودنا أن يكون قاطعاً في اختياراته ولكنه في موضوع السنة والشيعة إختار مدرسة توفيقية.. إذا وضعت لأنْ تختار هل أنت شيعي أم سني؟!

    طه: الإسلام سابق للتصنيف.. أنا لست شيعياً وكذلك لست سنياً بالتصنيف الضيِّق الجاري الآن..

    الطاهر: مدرستك التوفيقيّة بين السنة والشيعة أين موضع سيدنا معاوية بن أبي سفيان فيها؟

    -بدت ملامحه أكثر جدية مع انفعالٍ طفيفٍ-
    طه: طالما أن الإمام علي قاتله.. فهو أول من سنّ للقيصرية والكسروية والملكية والوراثة في الحكم.. وهذه أخطاء فادحة في التاريخ الإسلامي.. فهو نازع الخليفة المنتخب الإمام علي والإمام علي دائماً على حق (ودي ما فيها كلام)! لا بد أن يكون هنالك من هو على حق والآخر على باطل..

    الطاهر: حاولت أن تقلل من أهمية التصنيف (شيعي وسني).. رغم أنّ المذهب الشيعي الذي يظهر إقترابك منه وتدّعي حبه وأسميت إبنك الخميني يعطي هذه الخلافات في منشئها التّاريخي بُعداً عقديّاً وإرتبط بفكرة ولاية الفقيه؟

    طه: نشأة الخميني تختلف عن نشأتي، كذلك نحن من منابع ثقافية مختلفة.. وأنا مُطّلع على المنهجين «السني والشيعي».. وأنا دارس للقرآن وللفقه وأنا ..
    -مقاطعة-

    ضياء الدين: أراك تدخل نفسك في مقارنات مع زعماء تاريخيين ومعاصرين وتكثر من كلمة (أنا).. إلى أيِّ مدى يمكن إستنتاج أنّ محمد طه رجلٌ نرجسي؟

    -ضحك-
    طه: لسبب بسيط أقول (أنا) لأنّ الحوار الذي تجرونه معي (أنا).. وتسألونني عن أشياء مُتعلِّقة بي.. فلا يمكن أن إستخدم (نحن) فأنا أمثِّل نفسي في هذا الحوار!

    ضياء الدين: محمد طه.. يحب الشعر لكن هل يكتبه؟

    طه: لا أبداً.. أنا أحب الشعر لكنني أحب القصة والرواية أكثر.. كتبت القصة.. وكانت لي محاولات في كتابة الرواية..
    -ماذا أخذت من الإشتراكية؟
    طه : العدل الإجتماعي.. الإسلام إشتراكي لكن الشيوعيين ربطوا الإشتراكية بالعلمانيّة والإلحاد لذا نفرت منها الحركات الإسلامية..

    ضياء الدين: أبو ذر الغفاري هل يمثل قدوة بالنسبة لك في منهجه الفرداني؟

    طه: أبوذر مُهمٌ جداً للمسلمين كنموذج صحابي.. وهذا ما تشهد به الأحاديث النبوية..

    ضياء الدين: إلى أيِّ مدى شخصية أبوذر مؤثرة على نظرتك لذاتك ودورك؟

    طه: المسلمون الأوائل لو استمعوا لصيحات أبوذر لتجنّبوا الفتنة!

    ضياء الدين: أسميت صحيفتك في الجامعة «أشواك» والأشواك عَادَةً ما تحمل مدلولاً سلبيّاً.. وهي مما يصعب الإستفادة منه؟

    طه: «أشواك» أخذتها من رواية لسيد قطب قبل أن يلتزم في جماعة الأخوان المسلمين وهي قصة عاطفيّة.. و«الأشواك» إسمٌ أدبيٌّ لا يشبه الإيحاء الذي يأتيك منه عندما تسمع الإسم..

    ضياء الدين: هنالك مفارقة بين «أشواك» الجامعيّة التي لا يخفى بُعدها الصراعي.. و«الوفاق» الحاليّة التي تبدو مهادنة في اسمها.. رحلة محمد طه من الأشواك الى الوفاق.. كيف كانت؟

    طه: أشواك لم تكن تُعبِّرعن الصراع فهي كان بها إهتمام كبير بالأدب وكانت السياسة فيها تتحرك في فضاء الأدب، أمّا الوفاق فقد فرضتها المرحلة، فقد وصلت لقناعة بأن الصراع السياسي في السودان إذا وصل إلى نهاياته سوف يُدمِّر السودان.. لإن القوى السياسية تتملّكها روح الإنتقام فإذاً لابد من الوفاق!

    الطاهر: ماذا تعلّمت من الفكر الجمهوري غير الإحتجاج؟

    طه: الفكر الجمهوري به إضافة مُهمّة جداً ألا وهي تأكيده على فكرة العدالة الإجتماعية وحياة الجمهوريين، وحياة المهندس محمود محمد طه فيها الكثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص.. وفيهم كثير من حياة الأشعريين.. ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتّبعه كل السودانيين.. فهو قدوة في السلوك الإجتماعي..

    -هل أنت حزينٌ لإعدامه؟

    طه: (شوف دا سؤال خطير.. لكن أنا زي ما بتمنّى لنفسي الهداية وأنا مازلت بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية.. وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك)!
    - الإجابة غامضة.. هل تعتقد أن إعدامه كان خطأً؟
    طه: (والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق)!
    - بناءً على الحيثيات التي أُعدم على اثرها.. وأنت قانوني ماذا تقول؟
    طه: لعادل إبراهيم حمد مقولة ذكية وهي أن محمود لم يكن طارحاً نفسه كبطل ولكن كصاحب دعوة لا ينال.. قبل إعدام محمود بيوم كان هنالك حشدٌ كبيرٌ للجمهوريين والمهتمين في الميدان الغربي لجامعة الخرطوم، وظل الجمهوريون يرددون (أن قوى الظلام في كل الأرض سوف تعجز عن نَيل شعرة واحدة من رأس الأستاذ محمود محمد طه)، فقد كانوا يعتقدون أنّ محمود فوق طاقة وإرادة البشر وله رسالة لن يموت إلاّ بعد إكمالها..

    الطاهر: هل تفاجأت ببيان 30 يونيو؟

    طه: لم أتفاجأ.. فقد فهمت من الإشارات ولقد كنت عضواً في مجلس الشورى.. أن هنالك تغييراً عسكرياً قادماً.. والترابي لم يكن يخفي ذلك.. لا أدري هل كان غير حذر أم أن يدعي ذلك للتمويه.. وفي الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم قال (أنعي إليكم الديمقراطية)!

    الطاهر: متى طرق لك الباب وأخبرت أن الإنقلاب إسلامي ووجهت لك الدعوة لتأخذ موقعك من الصحيفة «الكذا»؟

    طه: دخلت في صباح الجمعة كعادتي باكراً إلى الخرطوم.. وقابلني أحد كوادر الأخوان المسلمين وقال لي (البلد مشكلتها حلاها الجهاد).. وعندها عرفت..
    -مقاطعة-

    مَن هذا الكادر؟

    طه: على كل حال هو مدني في القوات الخاصة أو السرية.

    ضياء الدين: كنت من الذين تعرّضوا لبطش الإنقاذ في فترتها الأولى، الآن تبدو على علاقة حميمة بها.. هل رضيت عنك أم رضيت عنها؟

    طه: كان ذلك في فترة التوترات.. ومايزال النظام متوتراً فالتحديات الداخليّة والخارجيّة ماتزال تحاصره.. نحن من قبل لم نقدر تلك التحديات لأنّنا كنا كوادر جماهيرية صحفية نفكر في أن الأشياء يجب أن تمضي وفق تصورات مثالية محدّدة..

    ضياء الدين: السُّؤال مايزال قائماً هل تفهم محمد طه الطبيعة التوترية للإنقاذ.. أم تفهمت هي الطبيعة الجماهيرية لمحمد طه.. ومتى تمّ هذا التفاهم؟

    طه: يمكن نكون الإثنان قد وصلنا الى نقطة تفاهم في وسط الطريق.. فالنظام نفسه إختلف عن بداياته وتبيّن له أنّ كثيراً من أطروحاتنا كانت صحيحة مثل دعوتنا للإنفراج والوفاق.. ونحن في المقابل تفهّمنا بعض المخاطر التي تجعلها مُتوتِّرة..
    من المحطات المُهمّة في مسيرة محمّد طه كتاب محاولة إغتيال حسن الترابي.. كيف تقرأه الآن؟
    طه: هو كتابٌ موضوعيٌّ أورد فيه كثير من الجدل حول شخصية الترابي وهذا الكتاب يحوي نصائح وتحذيرات قدمتها للترابي..

    -هل أنت نادمٌ عليه؟

    طه: لا أندم على ما كتبته.. هو يمكن أن يقرأ قراءة جديدة.. أورد في الكتاب أن على عبد الله يعقوب حذّر الترابي من هذه الرحلة.. لكن الترابي دائماً يحب المغامرات ويسخر من التحذيرات وهذه هي طريقته في الحياة بصفة عامّة..
    - وماذا عن رصاصات عصام الترابي التي أطلقها نحوك؟
    طه: (الموضوع ده خلوه هسع.. ما في داعي ليهو)!

    - نريد تسجيلها للتاريخ؟

    طه: ما أحب أن أؤكِّده أن عصام الترابي ليس سياسياً وهو قال لي ذلك (يا محمد أنت عارف أنا ما سياسي من حقك تهاجم أبوي لكن ليس من حقك تهاجمني أنا).. هذا هو منطقه لذا يجب ألا نخوض في هذه الواقعة!

    ضياء الدين: كتبت في 98 مقالة تحت عنوان ما بين الاطلال واذكريني وقصيدة الامام الصرصري فهمت على حد كبير إنّها تعريض بالأستاذ علي عثمان محمد طه؟

    طه: مكتب السيد علي عثمان طلب المقالات وأخذها من إرشيف الجريدة وهي 13مقالاً وهي بسيطة جداً من عنوانها.. وكانت تريد أن توصل فكرة أن الحكم مسؤوليتنا جميعاً عبر المناصحة.. فيجب أن يكون لنا حق نصيحة الرجل العام في أي وقت.. كان هذا تقليد الحركة الإسلامية.. كنا نجلس كل أربعاء في منزل يس عمر الإمام ويوم الخميس مع الترابي.. نتحدث في الشأن العام.. وعلي عثمان كان الأجدر أن يُحافظ على هذا التقليد.. ما معنى أن نذهب إلى منزله ونجد مديح عبد السلام في الإمام الصرصري؟!
    قد يكون علي عثمان كرجل دولة طاقته ووقته لا يستوعب هذه المسألة لكنه يمكن أن يستفيد هو نفسه من هذه اللقاءات.. لأنّها تعكس له آراءً ومعلومات لا يمكن أن تصله عن طريق التقارير.. فإذا كُنّا نذهب لعلي عثمان في منزله لنستمع لمديح البرعي أو فرقة الصحوة لا معنى لهذا لأنّ المديح موجودٌ في أيِّ مكان..

    ضياء الدين: روماريو يعود الى الملعب.. سلسلة مقالات في وقتٍ كان محمد طه في مساندة الترابي ضد مجموعة العشرة.. وكان يُشبِّه الترابي بروماريو اللاعب البرازيلي الخطير؟

    طه: لم أُساند الترابي وقتها فقد كنت في مرحلة المراقب.. كنت أراقب إجتماع شورى المؤتمر الوطني من خارج القاعة وكان معي حسن مكي.. وكنت أقول إنّها مباراة رياضيّة بها نجومٌ من طراز روماريو وبيبيتو..
    - مقاطعة-

    ضياء الدين: لم تكتب تلك المقالات في ذلك الوقت ولكن كتبتها بعد الهجمة التي قادها الترابي ضد العشرة في المؤتمر العام للحزب.. وعصف بالكثيرين منهم خارج هيئة قيادة المؤتمر؟

    طه: قلت «هجمة» لذلك أسميته روماريو.. فالترابي مازال وحتى الان يمثل دور «روماريو» في ساحة السياسة السودانية لان لديه مقدرة الخلط بين الكثير من الأوراق.. فعندما كان قيد الإقامة الجبرية بكافوري كان الوضع مختلفاً عن الآن.. فما يحدث في دارفور والمُتغيِّرات التي طرأت على المفاوضات مع المتمردين جاءت بعد خروجه.. فهو له دوره وله قدراته التي يمتلك فيها خبرة كبيرة جداً على تلاميذه..
    -مقاطعة-

    ضياء الدين: هل تخشى على الحكومة من الترابي؟

    طه: الترابي له تأثيرٌ كبيرٌ وأنّ القوى السِّياسيّة الأخرى مثل حبّات المسبحة غير المنظمة .. فالترابي يمكن أن يكون الخيط الذي يجمع هذه الحبّات وتلك المتناقضات ويمكن أن يُسبِّب مشاكل لا حصر لها.. ويمكن أن ينشط عبر أيّة جهة..

    ضياء الدين: يعتقد على نطاق واسع أنّ تحول محمد طه من التعريض بعلي عثمان في مقالات الصرصري ومدح الترابي في روماريو.. أي مدح علي عثمان وإساءة الترابي أخيراً.. ان محمد طه إنحاز لعلي عثمان بمفهوم قبلي فقط؟!

    طه: أنا.. لا أهتم بالقبليّة.. فقد عشت خارجها فقد تربيت في حلفا وهي مدينة نوبية.. وعلي عثمان لا يهتم بالقبلية لأنّه ولد في الخرطوم.. ولا أقول سراً إذا قلت إنّ المرات التي إلتقيت فيها بعلي عثمان تكاد تكون قليلة جداً..

    الطاهر: صمت عن الدفاع على إيقاف صحف «الأيام و ألوان والوطن» وفي مجالس تتبع لجهات مسؤولة عن الأمن في البلد.. هاجمت بعض رؤساء الصحف؟

    -صمت.. بشئ من الغضب قال:
    طه: هنالك حقيقة لابُدّ أن يعرفها الناس عشان يفرّقوا بين البطل وبين إدعاء البطولة.. فمحجوب محمد صالح.. هو رئيس لجنة تأميم الصحافة السُّودانيَّة في عهد مايو.. وهذه حقيقة مثبتة، فهو مسؤولٌ عن تأميم ومصادرة الصحف مع التجربة اليسارية القاسية.. وكان رئيس تحرير الصحيفة، ومايو كانت بتضرب في الناس بالقنابل في الجزيرة أبا وفي ودنوباوي.. وكذلك محجوب عثمان هو وزير الإرشاد.. في عهد مايو.. التي كانت تجمع الثقافة والإعلام.. (فما يدعو البطولات) الحكومة تعرف ذلك جيداً.. وحتى كان فيها وزير وهو مهدي إبراهيم كان مطارداً في عهد محجوب عثمان.. وأكثر من ذلك اللجنة الرباعية التي كانت تنسق بين المخابرات والأمن والصحافة في ذلك الوقت مسؤولها الأول كان محجوب محمد صالح.. ولجنة العشرة نفسها.. الرئيس كَلّفهم بالحوار، العضو فيها هو محجوب محمد صالح.. أمّا محجوب عثمان فقد أشارت الوثائق البريطانية إلى أنه بالإضافة لشيوعيته مخترق من قِبل المخابرات المصريّة.. ونشر ذلك نقلاً عن الوثائق البريطانية في مجلة المجلة والشرق الأوسط..
    بالإضافة إلى أنه كان لوقتٍ قريبٍ جداً مع التجمع الذي يحرق في كسلا وبضرب خطوط الأنابيب.. رغم ذلك تَمّ قبوله في الوطن.. فلا يمكن أن ينقل حرب الشرق للداخل وينشر في جريدته بيان مؤتمر «البجا»..
    الذي يتحدّث عن تطهير عرقي مزعوم.. لشعب «البجا».. والشكوى هي أصلاً جاءت من قاضي محكمة عليا وهو مسجل التنظيمات السياسية ويمكن الرجوع إليه.. فلا يمكن أن يتعدوا كل الخطوط الحمراء للبلد و«الأيام» كسبت ملايين الجنيهات كملفات وملاحق من المؤسّسات الحكوميّة.. وحرمت انا من الاعلان لأكثر من عام.. بقرار من الطيب مصطفى.. وعبيد أحمد مروح.. ويشهد بذلك علي شمو قدمت النصائح لمحجوب محمد صالح وسيد احمد خليفة وابنه عادل في إجتماعات كثيرة جداً في المجالس العدلية وقلت لهم إني أعرف النظام أكثر منكم.. فلابد أن نعمل معادلة.. مثل شعرة معاوية إذا شد نحن نرخي.. وإذا رخى نحن نشد.. وفي إجتماع إحتدينا مع سيد أحمد خليفة وإبنه عادل.. وتجمعني بهم علاقة شخصية.. ولم يقبلوا نصائحي، بل أن الشرطة إشتكت للرئيس في ماكتبه الوطن بان الشرطة تعتدي وتقتحم بيوت الله في احدى المظاهرات.. بدعوى ان هذا يؤلب المواطن على الشرطة.. ولا أؤمن بالمنافسة الصحفية.. وسيد أحمد خليفة قال لي في احد الاجتماعات.. بلغني إنك حسدتني! فقلت له أحسدك على ماذا؟.. إذا كان ذلك كذلك.. فلماذا انا عملت ليك اعلانات بخمسة وعشرين مليون جنيه في الصفحة الأولى من «الوفاق».. لصحيفة «الوطن».. مجاناً فهل هنالك شخص يعمل اعلانات لآخر منافسه؟صحيفة «الوفاق» غير قابلة للمنافسة.. لأنّ طريقتها مختلفة.. لكنهم لم يقبلوا النصيحة.. «فالأيام» كانت تعتقد أن القوى الأجنبية يمكن أن تحميها.. ويخرج السفير البريطاني أو القائم بالأعمال الأمريكي ويضغطا على الحكومة.. وقلنا لهم إن الامريكان أنفسهم قتلوا طارق أيوب.. يمكن النظام دا يقول بنفس المنطق الذي عزلتوا به مهدي إبراهيم.. يمكن أن نطبقه.. فنحن غير مُكلّفين بالدفاع عن أناس أصلاً باحثين عن المشاكل.. وندافع عنهم بالباطل والآن قضاياهم معروضة أمام القضاء والنيابة..
    -مقاطعة-

    ماذا عن الوطن؟

    أسباب إيقافها هي أسباب غير سياسيّة.. وسيد أحمد خليفة يعرف ذلك جيِّداً.. بدليل أن مدير جهاز الأمن الداخلي تناول معهم وجبة الإفطار الرمضاني في منزلهم قبل إغلاقها بـ «48» ساعة.. وقلت لعادل سيد احمد خليفة انتم تناولتم بالخط العريض 7 مرات في الجريدة «محامي يعمل في السوق وعايزين تدمِّروا سمعته» وهو عبد الرحمن محمد علي.. وعايزين تقطعوا عيشته.. وأنتم بنفس الطريقة سوف ينالكم مصيره.. سوف يقفلوا جريدتكم ويقطعوا رزقكم.. وهذا ما حدث فعلاً.. ودعيتهم لمعالجة ذلك.. والكف عن ترديد «محامي الرشوة.. محامي الرشوة».. إذاً مشكلتهم غير سياسية.. وكل المشكلة أن الصحيفة تجاوزت حدوداً كبيرة جداً.. لا علاقة لها باصراع السياسي.. أمّا «ألوان» ليس لديها مشكلة.. الترابي قال فيها «ألوان.. تتلوّن».. ولا أقدر أن استعدى عليها الناس ولا أحببهم فيها.. لأنّ حسين خوجلي.. النائب الأول يعلمه خبر اطلاق الترابي قبل اي شخص وهذا سبق صحفي..
    -مقاطعة-

    يقال إنّك صمت فترة توقيفها؟

    توقيفها تم عبر الأجهزة.. ونحن في «الوفاق» أيضاً طالنا الإيقاف بل توقفنا أطول فترة 15يوماً.. ولم يوقفنا القضاء ونحن الصحيفة الوحيدة التي قال القضاء إنّ إيقافها غير صحيح..!
    «فألوان» توقفت عبر الأجهزة ولها مستشاروها القانونيون للدفاع عنها وعادت بالأطر القانونية أيضاً.

    -أخيراً: محمد طه بعد رحلته من «أشواك» الحائطية إلى «الوفاق» اليومية.. ماذا بقي من المشوار؟

    صمت!!
    قال: لم يبق سوى القبر!


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=4&action=article&id=158
                  

10-06-2008, 09:30 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    الخاتم عدلان:الإحساس بالإعتباط والظلـم

    الحزب الشيوعي ظلّ يمارس إهدار الكوادر مـنذ وجوده وحتى الآن!!!

    في صوته هدوء.. عميق الفكرة.. أحد إثنين قادا الإنشقاق العظيم داخل أكبر الأحزاب الشيوعيّة في الشرق الأوسط

    له آراؤه الخاصّة والمتميزة

    الخاتم عدلان زعيم حركة «حق»

    أخذنا أدواتنا وجلسنا في دروب ذاكرته ننحت ونفتش عن نقوش توضح المسير وتجلي الطريق فكانت: نحتاً في الذاكرة

    إعداد: عبدالله إبراهيم الطاهر

    ولدت ككثير من السُّودانيين في 1/1/1948م وهو تقدير قريب من الحقيقة، راجعته مع أبي وربطناه بأحداث كانت دائرة في ذلك الوقت..
    كان الميلاد في قرية تقع على الجنوب من مدينة المناقل وتسمى العمارة نشأت بها وترعرعت حتى تم إلحاقي بمدرسة (كضيبات) الأولية وهي من المدراس العريقة القائمة حتى الآن. أما قصة الاسم المعروف الخاتم عدلان فهي ترجع الى تلك الفترة حين أخذني جدي عدلان للمدرسة وسئل عن إسمي فقال: هو الخاتم عدلان ومنذ ذلك اليوم إختفى إسم أبي عبد الهادي وسار على هذا الإسم رغم ان ناظر المدرسة في المرحلة المتوسطة كان قد نصحني بتعديله الى الإسم الحقيقي.. لم أكن أعي ذلك الأمر جيداً، كما أن أبي كان قد رفض تغيير الإسم خاصةً بعد وفاة جدي، فكان إسمي كبش الوفاء بذكرى جدي وعند عودتي مؤخراً الى الخرطوم أفردت وقتاً للحديث مع أبي حول هذا الامر.. فوجدته ما يزال مسروراً به. كانت نشأتي في الريف بخصائصه المعروفة قد صقلت شخصيتي كما أنضجتني مشقة الريف لمجابهة مصاعب الحياة.. من خلال اللهو العنيف والعراك مع البيئة في الرعي والزراعة والتنقل الشاق بين القرى في تلك الأيام..

    موت الأقارب عنصر حاسم في حياتي:

    تلك أحداث ذات أهمية حاسمة في حياتي، موت أمي كنت في السادسة من عمري وشقيقتي قبلها، حيث كان إرتباطنا بوالدتنا قوياً للغياب الكثير لأبي خاصة في مواسم الزراعة وقضائه لموسم الخريف في قرية أم دكة الجعليين. وكانت والدتنا رحيمة بنا الى أبعد الحدود وبتفرغ كامل شأنها شأن كل نساء القرية يمثلن الملاذ الآمن والحضن الدافئ. موتها كان عملاً صاعقاً مزلزلاً.. كأنما قد إنتهت به الدنيا.. كانت مريضة (بحمي النفاس) بعد أن ولدت طفلاً ميتاً حتى جاء اليوم الأخير في حياتها كانت مسجاة وغائبة عن الوعي.. أذكر ذلك جيداً.. والحقيقة أن موت الأقارب ترك بصمات عميقة في نفسي وإحساس طفولي بالإعتباط والظلم، فقد توفيت خالتي فيما بعد ثم جدي عدلان وشعرت بأن هنالك أشياءً تحدث في الدنيا لا مبرر لها في مخيلتي كطفل فواجهني عبث الوجود منذ تلك اللحظات الأولى في حياتي لكنه فيما أعتقد أكسبني قوة نفسية بعد تلك القوة الجسدية في معارك الحياة كما أسلفت..
    إنني أُدين لنشأتي الأولى بشكل كامل تضاف إليها قدرة كبيرة على الفهم والإستيعاب فيما يتعلق بالأحداث والدراسة بانطباع الأشياء في الذهن بصورة قوية. وكانت الدراسة في الواقع هي عزاء كل ذلك.. كانت طريقاً مختلفاً جداً عن المسار العادي الذي يسير عليه أترابي من أطفال القرية وربما تنبّهت بصورة غير كاملة الا أن هذا المسار هو الذي يوصلني الى الضياء. لذلك تفوقت في المدرسة وأحببتها من اللحظة الأولى حتى تخرجت في الجامعة التي كانت تبعد بي عن المحيط المباشر الذي عشت فيه لكنها ترجعني إليه من ناحية أخرى باستيعاب الظواهر التي علقت بفهمي في البداية وإستيعاب كيفية السيطرة على هذه الظواهر وإخضاعها للإرادة الإنسانية الواعية لرسم مسيرة عقلانيّة من الحياة الإعتباطية في ظل غياب الطب المتقدم والتعليم الواسع المنتشر وأشكال الحياة الحضرية الميسورة التي توفر الكثير من الأشياء.. أيضاً طول اليوم وقصره، فالكهرباء تطيل اليوم لكن في القرى مغيب الشمس كان إعلاناً لنهاية اليوم، اعتقد ان كل هذه الأشياء مكونات أساسية من النشأة الأولى تعمّقت بالقراءة والاطلاع .

    زملاء في درب الدراسة

    جمعتني صداقات حميمة بكثيرٍ من الزملاء منهم صديق عثمان وهو رجل مفكر كان قد إنقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية وكنا نتبادل الكتب والنقاش في القضايا الفلسفية وكان هناك تقارب في الأفكار بيننا، قرأنا سوياً كل ما وقع بين أيدينا من فلسفة وكانت قوة جذب كبيرة.. وهناك عدد آخر من الأصدقاء مثل المهندس أحمد السماني وهو صديقٌ منذ تلك الفترة رغم إختلافاتنا الفكرية، وهناك الكثير من الأصدقاء الإجتماعيين منهم شرف الدين بانقا ومن الصداقات التي عاشت معي حتى الآن صداقة محمد الحسن محيسي في أبي ظبي ودكتور مبيوع بالخرطوم والأستاذ حسن كباشي بالأمم المتحدة وهؤلاء يمثلون جيلاً مليئاً بالإيجابيات التي نراها تَندثر الآن..!

    محطة أخرى

    في المرحلة الوسطى في الستينات أي فترة الفريق عبود إشتركنا في نشاط مقاومة الديكتاتورية في تنظيم الإضرابات برفقة مجموعة من قادة الحركة الطلابية في ذلك الوقت حسن كباشي وعبدالباسط سبدرات وكان في الجانب الآخر دكتور الزبير بشير طه ودكتور مالك حسين، ومن الأشياء التي أذكرها في الثانوية إننا قد كنا في داخلية بحي الدرجة بمدينة مدني وفي الأيام الأولى جاء دكتور مالك حسين وأيقظ كل الطلاب في الداخلية إلا أنا ليأخذهم إلى قاعة كبيرة ويخطب فيهما للإنضمام للحركة الإسلامية وبالفعل نجح في ضم الـ 59 طالباً لجماعة الأخوان المسلمين، فوجئت عند الصباح بهذه الدراما وقد كانت لي مواقفي من الأخوان المسلمين منذ ذلك الوقت.
    حقيقة لا أدري لماذا لم يدعوني مالك حسين مثل الباقين؟ لكنني أعتقد بأنّه ربما كان يعرف بأن هذا الطالب سيعرقل برنامج دعوته وكان يريد أن يسوقهم كالقطيع دون نقاش أو مجادلات فكرية لكن إستطعت بعد ذلك أن أقنع أصدقائي بأن قرارهم كان متسرعاً ويجب أن يعطوا أنفسهم الفرصة لدراسة كل التنظيمات، وعندما وصلنا السنة الرابعة تبقى ستة طلاب فقط بتنظيم الأخوان المسلمين. اسلوب التكويش الذي قام به مالك حسين هو أسلوب للتجنيد موجود في الحركة الإسلاميّة حتى هذه اللحظة ربما أُضيفت له إغراءات كثيرة، السلطة والجاه، المهم هو اسلوب يغيب عقل الآخر ويباغته ولا يعطيه فرصة للفكاك، هذا هو المنهج التجنيدي لهذه الحركة.

    بداية تحديد المسار الفكري:

    أغلب الناس يبررون دخولهم للحزب الشيوعي بإعجابهم ببرنامجه السياسي ثم توسّعوا من بعد ذلك في فضاء فلسفته وبرنامجه الإجتماعي وهكذا، أما أنا بالنسبة لي فإن الموضوع مختلف جداً فقد دخلت الحزب الشيوعي لاعتبارات فكرية ولم أكن على إطلاع كامل على برنامجه السياسي التفصيلي وكان الموقف الفكري حاسماً بالنسبة لي، إذ أعتقدت انه يعلي قيمة الإنسان حتى يستطيع أن يعيد صياغة الكون بعقله ويمسك الأشياء بيده هذا هو المدخل ثم جاءت بعد ذلك تفاصيل البرنامج السياسي والمراحل النضالية وهذا مكون أساسي في شخصيتي، لذلك كان إقتناعي به ميسوراً وكانت هناك أولويات وأهمها مقاومة الديكتاتورية متمثلةً في حكم عبود، وأذكر في المرحلة الوسطى كان هناك أستاذ الإنجليزي دخل علينا يحمل في يده صحيفة ثم قرأ خبر إعدام الضباط الستة على رأسهم (كبيدة والصادق أحمد الحسن) وطلب مِنّا أن نقف دقيقة حداداً على أرواحهم وكانت بحق لحظة مؤثرة لا تُنسى.
    المهم إنخرطنا في مقاومة حكم عبود وكُنّا في مظاهرات طوال اليوم تقريباً ثم شاركنا في أكتوبر بفعالية شديدة عن طريق جبهة الهيئات التي تكونت بقيادة البروفيسر فاروق محمد إبراهيم والمحامي عبد المنعم الإتحادي لا إذكر إسمه الآن وهو شخصية نارية كنا نتبعه أينما ذهب لنستمع إلى خطبه ذات اللغة الجميلة المقنعة.. واستطاع مع د. فاروق أن يهيئوا المدينة لتنفيذ العصيان المدني بصورة جماعية، واذكر خروجنا من المدرسة الثانوية بمدني لمجابهة البوليس الذي كان لديه أمر باستخدام الرصاص الحي، وفي إحدى المنعرجات سقط الشهيد حسن أحمد الذي كان من مواطني مدني، أعتقد أن كان له دور كبير في نضالات ثورة أكتوبر وإسقاط ديكتاتورية عبود. وكنت أفكر كان يمكن أن تصيبني تلك الرصاصة.
    أنا درست بعض الكتيبات الماركسية جزءاً منها أخذته من عبد الوهاب محمد عبد الوهاب بعد أن حدثنا عنها أخذت منه (البيان الشيوعي) وأهم ما في هذه الكتب رواية للكاتب جوركي (أرني الله) في هذه الرواية جموعاً من الناس تذهب الى كنيسة العذراء وترفع فتاة مشلولة عسى ان تعيد اليها العذراء الحياه في رحيلها وبالفعل شفيت الفتاة وقد أرجع جوركي هذا الفعل للجماهير وكانت دلالتها عندي ان الانسان يمكن ان يسيطر على مصيره واتيانه المعجزات في مقاومة الطبيعة وقد تركت هذه الرواية أثراً في نفسي لا ينمحي، ثم قرأت رواية (الام) ايضاً للكاتب جوركي وهو يتحدّث عن الحلقات الشيوعية في روسيا وهذه الأسر البسيطة التي قاومت القيصر تلك كانت المؤثرات الأولى.
    كان من الذين إنضموا معي للحزب الشيوعي أحمد العبيد من ود ربيعة وتدخل الحزب حينما تكون مرشحاً، وانا دخلت في اغسطس 1964م ولم تكتمل عضويتي إلاّ بعد أكتوبر، وكان من الذين أعانوني نظرياً وفكرياً هو أحمد العبيد وهو من الصوفيين حالياً وكان يمتاز بهدوء غير عادي حديثه بطئ ، حينما يصل الى نصف التعبير عن الفكرة أكون عرفتها، كان ثابتاً وواثقاً من نفسه وهو يتحدث عن هذه الأشياء، أنا مثلاً الآن حينما أتحدث عن الشيوعية يكون هناك مجالٌ للشكوك أو رأي آخر أو إيحاء بأنّ هذا غير كامل، ولكن احمد كان يلقي هذه المحاضرات بصورة ايمانية مطلقة، ومن الطبيعي ان ينتقل الى مجال ايماني آخر وهي الصوفية.
    أنا لا أسمي التحول من الماركسية الى الصوفية هو تحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، عندما يتعلّق الأمر بالتصوف، فمثلاً حينما نتحدث عن شخص مثل أحمد سليمان تحرّك من أقصى اليسار الى اقصى اليمين لإنّه إنضم الى الإسلام السياسي ببرنامجه اليميني المتطرف الواضح، فهو في الحزب الشيوعي نفسه كان يمثل التطرف والمنهج الإنقلابي على المجتمع..
    بالنسبة إلى إنتقال الشيوعي إلى التصوف أنا أفتكر انه يتحرك في نفس المجال، يتحرك في متواصل فكري واحد هو الإيمان، هم تعاملوا مع الماركسية من مواقع الإيمان وهؤلاء يمكن أن ينتقلوا إلى مواقع إيمانية أخرى دون شعور بالتناقض خاصّةً الصوفية لأنّها قائمة على الزهد والماركسية أيضاً تقوم على الزهد ونقاء السريرة ونقاء الضمير..
    الشيوعيون دائماً من الغيِّريين الذين يفكرون في مشاكل الناس وحلها عكس الأنانيين الذين يفكرون في أنفسهم فقط، وهذا ليس بشكل مطلق، أنا أتحدث بصورة عامة.. أنا لا أندهش حينما يتحوّل شخص شيوعي إلى التصوف، المزاج الشيوعي الإيماني يمكن أن يتوافق ويجد نفسه في مجال صوفي ونظيف، ولا أعتقد إنّها إنقلاب في حياة الشخص ولا أعتقد أني يمكن أن أتحوّل إلى متصوف وذلك مربوطٌ بتحليلي لشخصيتي، أنا أريد أن أسيطر على مصيري..

    حل الحزب:

    معركة حل الحزب الشيوعي خضناها في مدني، وكنت ما أزال في الثانوية، وكان من اصدقائي عبدالله السماني وكان في الكلية المهنية بمدني وهي بعيدة عن المدرسة الثانوية ولكن كلنا كنا في مكتبة الطلاب الشيوعيين في مدني، وكان هناك في المدرسة العربية تاج الأصفياء ودخلنا الحزب في نفس التاريخ، شاركنا في موكب في مدني وكان عبدالله السماني منفعلاً جداً حيث أحرق نفسه في الموكب بعد أن صب جالون جاز على نفسه وكان يندد بالمحجوب والصادق المهدي ويهتف حتى توفى.. وكانت خطب عز الدين علي عامر، محمد إبراهيم نقد وعمر مصطفى المكي مُؤثرة جداً على كل المستنيرين في السودان، ومعركة حل الحزب الشيوعي كانت معركة لظهور القوى الديمقراطية في عنفوانها وإتساعها الكبير وكان إنضمام الحزب الجمهوري بقيادة الشهيد محمود محمد طه الى هذه المعركة إضافة غير عادية و إيماناً برسالة الجمهوريين حول أن الحرية لنا ولسوانا وتصرفوا على هذا الأساس رغم عدائهم الفكري للحزب الشيوعي وكان ذلك من المواقف الكبيرة فعلاً والحقيقة الترجيح الذي قام به الحزب الجمهوري هو انضمامه، إنّ هذه قضية للديمقراطية فعلاً وليس قصة أجندة سياسية لحزب ما لانه لا يمكن أن يكون هناك إتفاق بين الحزب الجمهوري والحزب الشيوعي على أجندة سياسية إلاّ إذا كانت هذه الأجندة وطنية فعلاً وكلية مثل قضية الديمقراطية.. كانت معركة حل الحزب الشيوعي لها آثار بَعيدة جداً في ظهور هذه القوى الديمقراطية وكان لها آثار على كل المسيرة السياسية في السودان لاحقاً، والذين حلوا الحزب الشيوعي تحمّلوا مسؤولية تشويه الديمقراطية في السودان، مسؤولية إبعاد الرأي الآخر، ولم يكن يهدد الحكومة بالإسقاط بأي حال من الأحوال هم كانوا (11) أو (13) نائباً، وحتى لو كان هناك تهديدٌ وجودي ليس من حقهم إقصائهم مادام هؤلاء الناس يطرحون آراءهم بصورة ديمقراطية ليس من حق أحدهم أن يخرجهم..
    والشئ المهم هو إحتقار القضاء والقضاء على إستقلاله مما أدى إلى إستقالة رئيس القضاء في ذلك الوقت بابكر عوض الله وقرار الصادق المهدي بأن هذا حكم تقريري وهي من الأشياء المشينة في الواقع..
    ورغم أن الصادق المهدي الأعلى صوتاً ينادي بالديمقراطية حالياً إلاّ أنه أكثر شخص أسهم في تشويهها..!
    حق وسقوط المشروع الماركسي:
    هناك محوران جزء سياسي وآخر فكري، وقد توصّلت منذ أوائل التسعينات إلى أنّ المشروع الماركسي للتغيير الإجتماعي سقط تماماً، ويجب أن يفكر الناس بطريقة أخرى، والموضوع الثاني هو مواجهة السُّلطة التي جاءت عن طريق الإنقلاب وقضت على كل مظاهر الديمقراطية وتحدت الناس لمواجهتها وقالت على رؤوس الأشهاد من أراد السلطة فليحارب من أجلها..
    هاتان القضيتان حدثت فيهما مفارقة مع قيادة الحزب فيما يتعلّق بالقضية الثانية، أنا قدمت ورقة إسمها (تكتيكات فعّالة) من أجل النضال ضد (السلطة) ورفضت هذه الورقة بعد أن قبلت حصل إيحاء من الاستاذ نقد بأن هذه الورقة غير سلبية فغيّرت السكرتارية موقفها (180) درجة وقالت إنّ هذه الطريقة خاطئة ونحن براء منها، كانت تلك لحظة مريرة في حياتي بالإضافة إلى إكتشاف الكثير من النقائص والصور الكاذبة.
    القضية الثانية تمّت مقاومة للورقة التي قدمتها عن التغيير وفحواها أن هذا المشروع سقط ونحن يجب أن نُفكر بطريقة جديدة وإنشاء حزب عادي للإنسان العادي، حزب يطلع بمهام النهضة الوطنية وتحقيق التنمية المتوازنة في البلاد والإستجابة لمطالب الناس، اليوم حزب غير مثقل بحمل أيديولوجي ثقيل مثل بناء الإشتراكيّة فالشيوعيّة. التي لا يمكن أن أتوجه بها إلى الناس في قريتي مثلاً للإيمان بها، أنا لم أكن أدعوا أهلي في قريتي للدخول الى الحزب الشيوعي لأنّ هذا يعني أشياءً ضخمة جداً لا أستطيع أن أناقشهم فيها دعك عن إقناعهم بها، لكن إذا كان الحزب خالياً من الأيدويولوجيا وموجهاً لخدمة الناس كما هم وفق احتياجاتهم الماثلة يمكن أن أدعوا كل الناس ويدخلوا ذرافات ووحداناً في هذا الحزب، ليتحوّل الحزب إلى قوى جماهيرية كبرى كما كان يحلم عبد الخالق محجوب، لم تطبع هذه الورقة إلاّ بعد عام كامل بعد أن اضطررتهم الى ذلك وبعد أن وزعت منها عشرين نسخة خارج قنوات الحزب ووجهت الورقة بعداء شديد من القيادة والكوادر الأخرى. وتلك المنطلقات التي كنت أنادي بها ينادي بها الحزب الآن بعد أن غادر صفوفه مئات الناس يأساً من التغيير، عملية الإهدار للكوادر ظلّ يمارسها الحزب منذ أن وجد وحتى الآن. وحق نشأت لكل هذه الأسباب، والحقيقة قفزت حق سواء بالداخل أو الخارج، ونمت بصورة لا أعلم أن هناك حزباً للقوى الحديثة نما بهذه الطريقة في أشهر قلائل ليصبح قوى محسوسة في كل الجامعات، ولكن حدثت ضربات وهذه واحدة من الأشياء المؤسفة ونعتبرها كبوة ونحن قادرون على تخطيها.
    عبدالخالق محجوب: .. كان قائداً مُلهماً وذكياً وجريئاً، وكانت له رؤية ثاقبة ومقدرة غير عادية على إجتذاب الناس وتحت قيادته صار الحزب قوة يأبه لها من قِبل كل القوى السياسية في السودان ولم يكن أي حزب يبرم أي أمر دون أن يضع موقف الشيوعيين في الاعتبار، من الناحية الاجتماعية كان الحزب الشيوعي قوة تحسها في كل البيوت وكان للنفوذ الشخصي لعبد الخالق محجوب أثراً مباشراً في ذلك.
    الصادق المهدي: .. من الصعب جداً أن تتحدّث عن الصادق المهدي في كلمات قليلة، لكن انا أعتقد في المحصلة النهائية أن تجربة الصادق المهدي كانت سلبية ودفع الشعب السوداني ثمناً غالياً لثقته به ولإيمانه بأنّه تعلّم من تجاربه ،وأنا أعتقد أن الصادق المهدي لم يتعلّم من تجاربه مطلقاً بل أن الصادق المهدي إرتكب خطأً جوهريّاً وهو إنه لم يفهم عدوه، كان يعتقد دائماً ومايزال أن الجبهة الإسلامية صديق وحليف أستراتيجي له وكانت الجبهة الإسلامية تعامله على طول الخط بإعتبار أنه عدوٌ وقد أطاحت به وهزمته وأهانته أيضاً. والقائد الذي لا يفهم عدوه ينهزم، من خلال مشاركة الصادق المهدي في حل الحزب الشيوعي من خلال تهاونه الكبير إزاء الجبهة الإسلاميّة القوميّة وهي تحضر لانقلابها وكان يعلم كل التفاصيل عن هذا الانقلاب لعب بذلك الصادق المهدي دوراً أساسياً في تدمير الديمقراطية السودانية.
    محمد إبراهيم نقد: .. الأستاذ محمد ابراهيم نقد شخصية محبوبة وسط قطاعات كبيرة من الشعب السوداني للخصائص السودانية التي يتمتّع بها، اللغة البسيطة التي يعبر بها عن أفكاره ولحس الفكاهة والسخرية التي يكثر منها في خطابه ولكن على مستوى الحزب الشيوعي، أعتقد أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد أنهى قوى ضخمة جداً وهمّش الحزب وأصبح لا يلعب دوراً يناسب تاريخه في الحياة السياسية السودانية.
    حسن عبدالله الترابي: .. الترابي أكبر ديماجوج في تاريخ السُّودان.
    الشيخ محمد عثمان الميرغني: .. ليس سياسياً، لا أتحدّث عنه في مجال السِّياسة يمكن أن أتحدّث عنه كزعيم روحي ينال إحتراماً كبيراً جداً من أقسام واسعة من الجماهير ولكن يفعل خيراً بنفسه وبهذه الجماهير إذا تنحى عن السياسة.
    الحاج وراق: .. لا أريد أن أعلق على هذا.. نحن نتحدث عن زعماء كبار.

    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=19&...ction=article&id=298
                  

10-06-2008, 09:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    الخصاء الفكري

    أزمة السياسة السودانية كانت وما زالت تتمركز في محنة القيادات التي لم تقدم نموذجاً حياً يقتدي للقيادي المتمرس والذكي، وإنْ كان الذكاء يُستخدم في غير محله.
    رحم الله أستاذنا محجوب كرار، فقد كان منتدى الأربعاء في منزله يفرخ أفكار التشريح لأزمة القيادات وحينما لمعت نظرية (الخصاء الفكري) في المنتدى كان من الحاضرين أستاذنا أحمد شاموق وأحمد عبد الله التوم وآخرين، وقد أعجبني الطرح في ذلك.
    كانوا يلامسون الفكرة ويعمقون الطرح، ويفندون الآراء، وكان محور النظرية يعتمد أن القيادات الرئيسية على مستوى كافة التنظيمات السياسية تستولى على مقاليد الأمور وتمارس (الخصاء الفكري) على الآخرين، هي مؤسسات وأحزاب الرجل الواحد.
    فالجمهوريون بعد إعدام زعيمهم وعراب فكرهم الأستاذ محمود محمد طه لم تقم لهم قائمة، فلم يكن هناك من يمكن أن يجلس على مقعده الذي أصبح خاوياً وما زال فهو الملهم الوحيد والمنظر الأوحد.
    وحزب الأمة - رغم الإنشقاقات التي شهدها مُؤخّراً - فإنّ السيد الصادق المهدي هو رئيس الحزب وهو إمام الأنصار بلا منازع ولا يوجد مَنْ هو بقامته ليستحق أن يكون بديلاً له، والسيد محمد عثمان الميرغني هو رئيس حزب الإتحاديين الديمقراطيين وشيخ الطريقة الختمية والحزب خاوٍ من القيادات التي تصلح أن تكون في المقدمة.
    والحركة الإسلامية - كان - يسيطر عليها الشيخ حسن الترابي دون أن يعطي فرصة للآخرين أن يبرزوا.. وكان منطوق التنظير في ذلك يقوم على أنّ هؤلاء يمارسون (خصاءً فكرياً) على الآخرين الذين معهم حتى لا يقدموا فكراً يبهر الآخرين.
    فتجد من هم أقرب إلى قامة أولئك القيادات ولكنهم قومٌ تُبّعٌ، لا يستطيعون أن يفكروا خارج دائرة الآخر الذي هو الزعيم، وحتى هناك من لهم السبق على الزعيم في التنظيم... ولكن ..!!!
    وإن كانت تجربة الرابع من رمضان قَدّمت نموذجاً للإنفكاك من ربقة الممارسين (للخصاء الفكري) بعد أن اكتشف الأخرون - بعد فوات الأوان - أن الزعيم يمارس ما لا يمارسه الإقطاعي في رقيقه.
    ومع كل الأحداث التي يشهدها السودان نعتقد أن الترابي يريد أن يعود إلى دائرته الأولى، وهو يريد أن يقول إنّهم لن يستطيعوا أن يكونوا بدوني! انهم مجموعة من المخصبين فكرياً، وأنا الأوحد بينهم بلا خصاء..!


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=9&action=article&id=414
                  

10-06-2008, 09:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    على مشارف التحول الديمقراطي ...

    مولانا محمد أحمد سالم مسجل الأحزاب والتنظيمات السياسية :



    يمكننـي تجمـيـد كل الأحزاب الـمسجلة!!

    الحزب الحاكم لم يقدم لنا تقريراً عن ميزانيته حتى الآن!!

    كل المفاوضات والحروبات الجارية ستفضي لا شك إلى فترة إنتقالية تعود بعدها الأحزاب - لا أقول كما كانت - إذاً كيف تعود الأحزاب سؤال نطرحه على مولانا محمد أحمد سالم مسجل عام الأحزاب والتنظيمات السياسية والذي تحدّث إضافة إلى ذلك عن واقع الاحزاب الآن وتاريخها ومشاكلها وما ينتظرها، ومولانا سالم الذي يحتل هذا المنصب الرفيع رجل تكنوقراط أكثر منه سياسي يدرس إلى جانب عمله القانون الدستوري وحقوق الإنسان بعددٍ من الجامعات هذا غير حصوله على دورات تدريبية في الإنتخابات بأمريكا، سويسرا والهند - والرجل أيضاً أمين عام الحقوقيين السودانيين وكان قبلاً قاضي إستئناف ومستشاراً برلمانياً - وهي حزمة مُؤهِّلات جعلته يتبوأ كرسي التسجيل - الساخن طوال الست سنوات الماضية - وكان قدر مولانا أن يشرف على أكبر عمليّة إنقسام وتشرذم تمر بها الجماعات السياسيّة في السُّودان - كالحركة الإسلامية وجماعة حزب الأمة وغيرها من الجماعات التي انقسمت فدخل نصفها على مولانا وبقي النصف الآخر بالخارج!!
    ومولانا سالم أعطى ومنع وأخذ ورد بحق القانون مما جعله في محل إتهام دائم، وهاهنا نلتقيه قبل أن تدخل علينا الديمقراطيّة الرابعة من أوسع الأبواب..

    حوار: بكري المدني

    الأحزاب والتحول الديمقراطي المرتقب

    بعد كل هذه السنوات التي قضتها الأحزاب بعيداً عن السلطة وعلى مشارف التحوُّل الديمقراطي المرتقب - هل تعتقد أنّ الأحزاب إستفادت من التجربة أم أنّها ستعود سيرتها الأولى؟!

    - هذا سؤال الساعة، فأحزابنا السِّياسيَّة في تجاربها الثلاث الماضية لم تكن معافاة تماماً والحلقة المفرغة هي أن يكون هناك حكمٌ مدنيٌ ضعيفٌ يجعل الناس يزهدون في الديمقراطية ولما ينقلب عليه العسكر يقابلهم الناس بالترحيب مع إدراك أن العسكر سوف يصادرون الحريات ويُكمِّمون الأفواه ويُعطلِّون الدستور ولكنه حكـم يكون قد جاء بعد حكم جعل الناس يرفعون شعار العذاب ولا الأحزاب والناس لا يصبرون على العذاب كثيراً فتقوم ثورة شعبية أو ما شابه وتعود الأحزاب وهكذا.. ولذا كان لابد من كسر هذه الحلقة المفرغة، فالحكم العسكري ثبت أنّه ليس بالحكم الأمثل ولا حكم الحزب الواحد وليس هناك مخرجٌ غير اعتماد التعددية لأنّها توفر الحريّات والخيارات والتنافس والشفافية وهي أفضل نظام حكم وصل إليه المجتمع الإنساني حتى الآن ولكن هذا المخرج يتطلّب تقوية الحكم المدني وإصلاح الأحزاب لأنّها أدواته.. والسؤال هو كيف نصلح أحزاباً لم تستفد من ثلاث تجارب؟ ليس هناك إلاّ طريقتان لإصلاح الأداء الحزبي الطريقة الأولى هي إنتظار التطور البطئ كما قال الأستاذ محمد أحمد المحجوب إنّ عيوب الديمقراطية لا تُعالج إلاّ بالمزيد من الديمقراطية وهذه الطريقة قد تُكلِّفنا مائة سنة إنتظار أخرى.. والطريقة الثانية هي التدخل الجراحي عن طريق قانون يعالج أمراض الأحزاب ومن هنا ظهر قانون تنظيم عمل الأحزاب والمسجل وما حدث خلال الست سنوات الماضية يعتبر تمريناً ديمقراطياً، فنحن الآن لدينا 24 حزباً مسجلاً لاحقناها كلها حتى عقدت مؤتمراتها مهما كان وزنها أو حجمها، كذلك إلتزامها بالتسجيل وطرح ميزانيتها واختيارها لقياداتها.. في الماضي كنت تحس أن المؤسسية مشكلة - الآن القانون حسم هذه المشكلة بجانب الشفافية وقد كان تمويل الأحزاب سابقاً يتم عن طريق المُنظّمات الخارجية والسفارات الأجنبية ولهذه أجندتها التي تتعارض مع مصالح البلد، كذلك التمويل كان يأتي عن طريق رجال الأعمال والذين يأخذون بالشمال ما يعطونه للحزب باليمين إذا ما هو وصل للسلطة - الآن وبنص القانون لابد من أن يكون مسجل الأحزاب على علم بأي قرش يدخل لميزانية الحزب وأكثر من ذلك من حق المسجل أن يرسل تيم مراجعة بصورة دورية لمراجعة ميزانية الحزب المعني..
    المهم في القانون أنّه أعطى الحزب الشخصية الإعتبارية وكان الحزب قديماً حزباً عرفياً ليس له حساب في بنك وهناك خلط ما بين رئيسه وزعيمه الملهم وجسم الحزب نفسه، فالإتحادي هو الميرغني والوطني هو الترابي والشيوعي هو نقد والأمة هو المهدي وهكذا.. كما أنّ القضايا كانت مشخصنة في هؤلاء، وأحب أن أضيف أن الحديث عن قانون ينظم عمل الأحزاب كان سابقاً لمجئ الإنقاذ، فقد كتب عن ذلك ميرغني النصري وكتب السيد أبيل ألير وقانون الأحزاب هو الحل الوحيد، خاصةً مع أحزاب مثل جماعة الباربون التاريخية في أوروبا والتي لم تنس شيئاً ولم تتعلم شيئاً، نحن نريد الأحزاب ولكننا نريدها مُنظّمة..
    مَنْ يبقى ومَنْ يذهب إذا.....

    إقرأ لنا الخارطة الحزبية المستقبلية في الديمقراطية الرابعة أي الأحزاب ستتقدم وأيها ستتأخر ولماذا في كل الأحوال والأحزاب؟!

    - من الواضح أنّ الإنتخابات للديمقراطية الرابعة ستكون شرسة جداً، وذلك لأنّها ستتم برقابة دولية ولأنّ عوامل النجاح فيها لم تعد عوامل النجاح في الماضي.. فمسألة التمويل مهمة جداً، ولقد ذكر عبد الماجد أبو حسبو في مذكراته أنه لم يعد بمقدور حزب أن يستمر باشتراكات أعضائه والقانون كما تعلم قد سد الطريق أمام منافذ التمويل الأجنبي لمخاطره وإن تحدّثنا عن ضرورة أن تمول الحكومة الأحزاب الجادة بأن تعطي الحزب حسب أعضائه في البرلمان والمقاعد التي حقّقها - وهذا السلوك يحمي الحزب أولاً..
    ولدينا من الخارطة المستقبليّة أحزاب البرنامج الوطني والأحزاب الكبيرة بالنسبة لأحزاب البرنامج الوطني، فقد حدثت خلافات بين المؤتمر الوطني والإصلاح والتجديد وتواجه جبهة الإنقاذ مشكلة كبيرة لأنّ قرنق سيملأ عليها الساحة الجنوبية بعد أن توفي من توفي من قياداتها وعاد لقرنق مَنْ عاد! لذا فإنّ مستقبل جبهة الإنقاذ مجهول وغامض بالنسبة للأحزاب الصغيرة، فهي ليس لها أي حراك سياسي ولقد خذلتنا وخَيّبت ظنّنا وأساءت للتجربة بل كانت مادة خام وذخيرة لخصومنا استخدموها ضدنا وسمّوها بأحزاب الفكة وأحزاب الزينة!!
    وبالنسبة للأحزاب الكبيرة كالإتحادي والأمة فلكلٍّ مشاكلها، فالإتحادي يعاني من التشرذم والأمة يتهم الصادق فيه بتحويل الحزب إلى مُؤسّسة أسرية بعد إدخال أولاده وبناته إلى القيادة ويحتاج الحزبان لتغيير سلوكهما وخطابهما السياسي.. أمّا الأحزاب الخطرة على المستقبل فهي تلك التي قامت على أساس عرقي وجهوي وفكرتها ليست جديدة، فقد كان هناك حزب سانو الجنوبي وحزب أبناء الإستوائية وغيرهما ولما منع القانون ذلك فقد تحايل البعض على القانون فالأب فيليب عباس غبوش مثلاً جاء ببعض الشماليين في قيادة حزبه وسمّاه الحزب القومي السوداني!! ولا ننسى مؤتمر البجا - والأحزاب التي تَتَحَايل على القانون وتقوم على أساس جهوي وقبلي هي مشكلة المستقبل!!
    مصير المسجل في الديمقراطية الرابعة

    مولانا سالم نجاح الديمقراطية الرابعة قد يتطلّب وجود المسجل فهل هذا ما سيكون؟!\

    - لا أعلم، فالقانون سارٍ حتى الآن وقد يُلغى مستقبلاً أو يستمر، ولئن أُلغي فإنّ القصة سترجع إلى سابق عهدها بدون ضبط ولا ربط وهذه حاجة مخيفة جداً ولقد طرحت لنا ديمقراطية بعد الإنتفاضة أكثر من «50» حزباً والآن لو فتح الباب بلا رقيب فسوف تخرج العقارب والأفاعي من جحورها!! أمّا إذا لم يلغ القانون فسيكون ذلك خياراً مضموناً لاستمرار العملية الديمقراطية ويبقى من حق الأحزاب الكبيرة مراجعته ولقد أشرنا إلى ذلك فعلاً في ندوة بقاعة الشارقة أقامتها فريدرش ايبرت وخرجت بقرارات رهيبة وهي أنّه لا بديل عن التعددية مع الإقرار بإنشاء وإصدار قانون لتنظيم العمل الحزبي تشارك في وضعه كل الأحزاب السياسية.. وأخيراً أنا من أنصار أن يبقى القانون مثل الدستور مع إجراء التعديل اللازم - حرصاً على التسجيل طبعاً وليس المسجل إذ لا مصلحة لي في الإحتفاظ بالكرسي لشخصي بل هذا الكرسي جعلني في الواجهة النقدية ووضعني دائمًا موضع النقد والتجريح!! كما أنّ زبائني دائماً ما كانوا من الكبار أمثال البشير، الترابي، الصادق ومبارك لما يختلفوا وهذا ما يجعل مهمتي صعبة جداً جداً ولا مجال فيها للإستمتاع بالوظيفة، وعلى كلٍّ فإنّ بروتوكولات السلام الستة لم تذكر شيئاً عن القانون وإن أكّدت حق تكوين الأحزاب السياسية، ونحن كمؤسسة مع الإبقاء على المسجل حتى وإنْ كان في شكل لجنة لضمان تنظيم العمل الحزبي..
    ثلاثة إتهامات في مواجهة مسجل الأحزاب!

    مولانا أ حمد سالم من موقعك كمُسجِّلٍ للأحزاب والتنظيمات السياسية دعنا نُوجِّه إليك ثلاثة إتهامات، فأنت أولاً منحت البجا كتنظيم جهوي حق العمل السياسي وأنت لم تحم الأخوان الجمهوريين حتى يمارسوا حقهم في العمل السياسي وأنت أخيراً تتعامل مع ثلاث مجموعات من حزب الأمة للإصلاح والتجديد في وقتٍ واحدٍ ونتهمك لاعتقادنا في أنّ هذه الإتهامات - إن صحت - فإنها تحمل إلى ديمقراطية المستقبل جرثومة المرض القديم؟

    - أولاً بالنسبة لمؤتمر البجا فقد طرح أعضاؤه أنّ البجا المقصودة ثقافة وليست جهة وهي حجّة ضعيفة طبعاً ولكننا قبلنا من السيد سليمان أونور والذي تقدّم لتسجيل مؤتمر البجا في البداية منطقه القائل بأنّه أراد من خلال الإسم أن يُوضِّح للناس إنّ فصيل البجا بالداخل قد ارتضى العمل السِّياسي السلمي وهو في ذلك يختلف عن فصيل الخارج ويتميّز عنه والمراد في النهاية توضيح أن ليس كل البجا يقاتلون الحكومة ولقد قبلنا بذلك مؤقتاً، أمّا بالنسبة لمجموعات حزب الأمة - الإصلاح والتجديد فالمادة «26» من الدستور تعطي أيّة مجموعة سودانية الحق في أن تكون تنظيماً سياسيّاً وهذا حقٌ دستوري - صحيحٌ أنّ التشرذم يُسبِّب لنا مشكلة ولكن إن حضر إلينا مائة فصيل من حزب الأمة والتزموا بالقانون فنحن لا نملك إلاّ أن نمنحهم حق العمل السياسي بشرط أن يختلفوا في الأسماء حتى لا يحدث خلطٌ وفعلاً عندما حدث الإنقسام حضرت مجموعة نهار وسجّلوا حزب الأمة الفيدرالي، أمّا المجموعة الثالثة مجموعة مسار فقد قدموا طعوناً من داخل الحزب بعد فصلهم ولم يتقدّموا بتسجيل حزب جديد باعتبار أنّهم أصحاب الحزب الحقيقيين وهكذا أصبح لكل مجموعة ملف عند المسجل وأنا على المستوى الشخصي لا تعجبني هذه القصة ولكنها حق قانوني لا أستطيع أن أقف أمامه.. وأخيراً قصة الأخوان الجمهوريين دعني أوضِّح لك موقف المسجل منها، فصحيحٌ أنّ هناك مجموعة من الأخوان الجمهوريين تقدّموا بطلب إخطار لممارسة العمل السياسي بقيادة الدكتور معتصم وسألناهم عن مدى إلتزامهم بالقانون فقالوا إنّهم ملتزمون به وبالدستور بل سألتهم سؤالاً خارجياً عن موقفهم من العقيدة فقال دكتور معتصم لي نحن مسلمون وأحسن من غيرنا - المهم منحناهم حق العمل السياسي لأنّه ليس هناك ما يمنع ولكن قامت علينا القيامة!!
    صدِّق خمسة مساجد في يوم واحد تهاجم المسجل الذي منح الجمهوريين حق العمل السياسي بما فيها المسجد الذي أصلي فيه!! وكان حديث الأئمة عن الفتنة التي أيقظها المسجل، وأصدر علماء السودان بياناً في ذات الإتجاه وواحد من الأئمة قال: إذا لم نستطع منع الجمهوريين من العمل بالقانون فسوف نمنعهم باليد، وكادت تحدث فتنة في البلد، وبعد ذلك جاءني الدكتور معتصم وقال لي لقد أحيل بيني وبين العمل!! فضربت له مثلاً بالصراف وقلت له لو مشيت للصراف وسلّمك راتبك وبعد ذلك أخذه منك شخص آخر هل ترجع للصراف أم تذهب للبوليس؟! فقال بمشي للبوليس، فقلت خلاص أنا أعطيتك القرار كحق دستوري خاصة وبعد أن أبطلت المحكمة العليا إعدام محمود محمد طه وتلقيت مع ذلك الهجوم من الأئمة والعلماء وانزعاج الوزراء ولكن ليس عندي السلطة التنفيذية التي أحمي بها التنظيمات السياسية هذا عمل المحكمة الدستورية.. أنا أمنح الحق الأدبي وللأجهزة الرسمية مُراعاة حفظ وسلامة الدولة والمجتمع وفق رؤاها وهذا خارجٌ عن دائرة إختصاصي..
    المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية نموذجان متضادان!!

    مولانا هناك الكثيرون الذين ينظرون أيضاً بعين عدم الرضاء عن موقف المسجل عندما تجاوزته الدولة وحلّت المؤتمر الشعبي - كذلك هم ينظرون بعين الإستغراب للحركة الشعبية التي تمارس نشاطها السياسي فعلاً بالداخل من دون إخطار المسجل ومن دون أن يكون القانون الذي سمح للأحزاب التي كان لها نُوّاب في آخر جمعية منطبق عليها - فما هي دفوعات مولانا؟!

    - أولاً المؤتمر الشعبي مَرّ بعدة مراحل، فقد وقّع مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية وكانت عملاً سياسياً رغم أن فيها بند تحدث عن إسقاط الحكومة ولكنها قالت بالطرق السلمية ولم يكن هناك متهمون ولا بلاغ ولكن في أبريل الماضي أُتهم الشعبي بالمحاولة التخريبية الأولى والتي تعاملنا معها بتحفظ لأنّ القضية ذهبت للمحكمة وإن كُنّا قد اتصلنا بقادة الحزب كالسيد عبد الله حسن أحمد والدائرة الدستورية والذين نفوا لنا علاقتهم بالمحاولة وقالوا نحن كحزب ضد العنف وقد يكون من قام بها جماعة عنصرية أو أفراد متفلتين منا، ولقد أتت لنا الجهات الرسمية بخبر حل المؤتمر الشعبي فرفضنا التعامل معهم وقلنا لهم نحن لا نتعامل إلاّ مع لجنة عدلية وبالفعل جاءنا رئيس اللجنة العدلية وقدّم إلينا أدلة عن تورط الشعبي في محاولة ابريل التخريبية وأصدرنا قراراً بتجميد الشعبي وليس بحله وهذا التجميد يرفع تلقائياً في الأحوال التالية:-
    1- شطب البلاغ لعدم توفُّر البينات.
    2- حفظ البلاغ في حال الوصول إلى تسوية سياسية.
    3- براءة الحزب مما نُسب إليه.
    أمّا إذا ثبت تورط المؤتمر الشعبي بواسطة المحكمة فإنّ هذا الحزب يحل حلاً دائماً.
    أمّا شأن الحركة الشعبية وممارستها للعمل السياسي من خلال إقامة الندوات بالداخل فهي من الأشياء التي نأخذها على الدولة.. صحيحٌ أنّ الحركة وقّعت بروتوكولات للسلام مع الحكومة ولكنها لم تخطر المسجل بعزمها بدء نـشاطها السياسي بالداخل وأكثر فأن وفدها الذي زار الخرطوم مؤخراً لم يطل على المسجل- نحن طبعاً ندرك مُتطلبات التفاوض ولكن كان على الدولة إشراكنا في الأمر والذي كُنّا سنجد له معالجات قانونية تحفظ للقانون هيبته وأكثر من ذلك يا أخي حتى التجمع أصبح يمارس نشاطه السياسي في وجود المسجل بإذنٍ من جهات لم تفكر في أن هناك جهة مسؤولة عن ذلك؟ وأنت في الخرطوم لو عايز تعمل حفلة عرس فهناك جهة مختصة فما بالك بالعمل السياسي الذي يقع تحت مسؤوليات المسجل!! وأنا في ذلك عاتبٌ على الأجهزة الرسمية والتي كان يتعيّن عليها ولو لاعتبارات إستثائية بشأن الحركة الشعبية والتجمع المعارض أن تضع المسجل في الصورة حتى تقوي موقفه وتحفظ للقانون هيبته ونحن كل مرة يلاقينا عمل مثل هذا مرة من الحركة ومرة من التجمع ومرة من كيان الشمال وكلها جهات غير مخطرة ولو رضيت الدولة بذلك فلماذا المسجل أصلاً؟!
    الحزب الحاكم واحترام القانون!!

    لو سألناك عن علاقة الحزب الحاكم بمسجل الأحزاب - في سطور ماذا تقول فيها؟!

    - نحمد للمؤتمر الوطني تعامله باحترام مع المسجل من قِبل رئيسه ونائبه وأمينه العام ولم يحدث أن كتبنا له طلب إلاّ واستجاب له وليس هناك تدخل منهم في عملنا وعلاقتنا معهم مثالية ونأخذ على المؤتمر الوطني مثله مثل الأحزاب المسجلة الأخرى عدم تقديمه تقريراً عن ميزانيته للمسجل والقانون يلزم كل تلك الأحزاب بنشر ميزانيتها ولكن ولا حزب التزام بذلك حتى الحزب الحاكم!! والمشكلة أنّنا لو طبّقنا القانون بحذافيره فسنجمِّد كل الأحزاب المسجلة..!
    شهادة لحزب مثالي..

    ومن ضمن أحزابك الـ «24» المسجلة وبعد كل تلك التجربة لو قلنا لك حَرِّر شهادة حسن سير وسلوك سياسي لحزب مثالي في عمله وتعامله السياسي مع المسجل، فلأي الأحزاب المسجلة تُمنح هذه الشهادة؟!

    - لحد ما فإنني أمنحها لحزب العدالة القومي برئاسة أمين بناني لأنّه يمارس نشاطه بشكل منتظم ومتصل معنا بواسطة أمينه العام عبد الباسط سعيد، ولقد عقد هذا الحزب مؤتمرين منذ قيامه وأنشأ داراً خاصة ودائماً ما يدعونا لحضور نشاطه السياسي ويستشيرنا في كل خطواته..
    بالنسبة للحزب الإتحادي المسجل فقد بدأ يصحو مُؤخّراً بعد أنْ كان في حالة ركود وعقد مؤتمراً بالساحة الخضراء وانتخب أميناً عاماً وأسّس داراً فخمة ونرجو أن يستمر في نشاطه..
    أمّا تحالف نميري فهذا حزب لديه شعبية وقدرات وخبرات ضخمة جداً ولا ننسى أنّه حزب حكم السودان « 16 عاماً ولديه كوادر وجماهير وإن لم يستخدمها الحزب وجماهيره لازالت متمسكة بمايو وبكاريزما جعفر نميري ولكنه قصر نشاطه على الإحتفال بذكرى 25 مايو دون أن يفعّل أجهزته الكثيرة والكبيرة وخسارة هذا الحزب أنّه عملاق نائم يستطيع إن صحا ملء الساحة بنشاطه، فحزب أعضاؤه أمثال دكتور عون الشريف، صلاح مبروك، بشير عبادي، كامل محجوب، خليفة خوجلي وخالد عباس وآلاف المايويين الذين يثير لديهم إسم مايو الذكريات وللأسف فإنّ حزباً كبيراً كهذا في وقتٍ تحتاج فيه البلد إلى حكومة قوية مُعطّلٌ!!


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=10&...ction=article&id=468
                  

10-06-2008, 09:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    محمد المهدي المجذوب والحزب الجمهوري

    في ذكرى رحيله: جانبٌ من سِيرته غير مطروق

    عبد المنعم عجب الفيا

    تأسّس الحزب الجمهوري سنة 1945م وكان حزباً سياسيّاً أول أمره وأخذ اسمه من دعوته إلى قيام جمهورية رئاسية مستقلة في السودان لتكون خياراً وسطاً بين دعوة الاتحاديين إلى الإتحاد مع مصر تحت التاج المصري، ودعوة حزب الأمة والأنصار إلى قيام مملكة سودانية مستقلة، تحت التاج البريطاني.
    وقد انتخب الأستاذ محمود محمد طه رئيساً للحزب وكان الحزب صغيراً ومن أعضائه المُؤسّسين: منير صالح عبد القادر، عبد القادر المرضي، منصور عبد الحميد، ذو النون جبارة، أمين صديق، محمّد الفضل الصديق ومحمد المهدي المجذوب. ويقال إنّ المجذوب كان أصغرهم سناً.
    ويلاحظ أنّ بين هؤلاء الأعضاء ثلاثة شعراء هم: المجذوب، منير صالح ومنصور عبد الحميد.
    ويبدو أنّه ربطت المجذوب علاقة صداقة حميمة بمنير صالح، حيث وردت إليه إشارات في شعر المجذوب.
    بدأ الحزب بالمقاومة بمواجهة الاستعمار الانجليزي علانيةً، وذلك في الوقت الذي اثرت فيه بقية الأحزاب اتباع أسلوب المهادنة والمذكرات وكان الحزب يوزع المنشورات التحريضية باسمه ويقيم أفراده الندوات والخطب الحماسية في المقاهي والأماكن العامة، فأزعج ذلك سلطات الإحتلال الانجليزي فاعتقلت الأستاذ محمود وحكمت عليه بالسجن عاماً بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة، مع وقف التنفيذ وإمضاء تعهُّد بعدم ممارسة النشاط السياسي، فرفض الأستاذ توقيع التعهُّد وفضّل السجن فأودع سجن كوبر، كان ذلك سنة 1946م.
    وأثناء سجن الأستاذ محمود كتب محمد المهدي المجذوب قصيدة:
    المنتظر - نشرت بديوانه: نار المجاذيب حملت تاريخ: سنة 1946م ومما جاء في هذه القصيدة:
    وطني وما رعيت وخالفت هدي الكتاب عمائم الأحبار
    الدين مقود جاهل، اقباده سبح تسوخ بخطوه في النار
    ما للمراغنة انطويت مكابراً يوم الخلاف ولا أنا أنصاري
    أهلي على الحب العميم وليلهم ليلي وشمس نهارهم لنهاري
    ----
    محمود قم وأخرج بسيفك عادلاً علما ًيؤم كتيبة الأحرار
    ----
    وقد أفرج عن الأستاذ قبل أن يكمل العام بعفوٍ من الحاكم العام وبعد شهرين فقط من خروجه وقعت حادثة رفاعة، حيث سُجنت إمرأة خفضت بنتها مخالفة قانون الخفاض الذي سنه الإنجليز، فاستغل الأستاذ محمود الحادثة لتأجيج الشعور العام لمقاومة المستعمر وقوانينه وخطب خطبة عصماء في مسجد رفاعة ثم قاد جمهور رفاعة وهاجموا سجن الحصاحيصا وخلصوا المرأة، فقبض على الأستاذ ومعه بعض أعضاء الحزب وبعض المواطنين.
    وكان المجذوب من بين المُعتقلين، وقد سجّل حادثة اعتقاله والتحقيق معه ومحاكمته في قصيدة سيدة رفاعة - ديوان: الشرافة والهجرة وقد جاء فيها:
    والقيت علينا في الليل شرطة وما هزنا سهد الحراسة والجبر
    فيا حارسي مهلاً بيمناك سنجة وأضحك هل في الانجليز له صهر
    وأوسعه لوما فيصغي ويتقي مصيري ويغضي ملء نظرته عذر
    -----
    يسائلني قاضٍ عن الحزب عابساً ومن محنتي هذا الدعي له أجر
    يقلب وجهاً ذا بريق يزمه حذاء وهل ومض الحذاء به كبر
    أتسهر يا مولاي تحمي خواجة يعشيك من سلطانه الطبل والزمر
    تسجل أقوالي وأني شاهد عليك وحكمي الحكم واقترب الفجر
    ويواصل في نفس القصيدة تمجيده للأستاذ محمود قائلاً:
    أبايع محموداًً على الحق بيعة هي الصبر والرضوان في عقدها بدر
    أبي الله أن تلقي هواناً مصونة وما ذنبها إلاّ العفافة والطهر
    حماها أبي الدين والعقل تأثر له منبر ما فيه خوف ولا ستر
    تخطى إليها السجن والنار دونه ولم يجد إنذار المفتش والزأر
    لك النصر يا محمود والنور باقياً وأعطيت ما أعطى بصائرنا الفجر
    عرفنا رجالاً قدرهم ليس قادراً وغيرك في السودان له قدر
    وقد حكم على الأستاذ في هذه الحادثة سنتين وبعد خروجه سنة 1948م اعتكف في خلوة برفاعة لمدة ثلاث سنوات، ثم خرج على الناس بدعوته الجديدة للإسلام سنة 1951م. وعاود الحزب الجمهوري نشاطه وقد تحول من حزب سياسي إلى حزب ديني فتخلى عن الحزب معظم الأعضاء المؤسسين ومنهم المجذوب ومنير صالح عبد القادر، ولم يتبق مع الأستاذ سوى أمين صديق وذو النون جبارة ومحمد الفضل.
    ويبدو أنّ السّبب الرئيسي لخروج المجذوب من الحزب هو تخلي الحزب عن خط المواجهة والمقاومة وانتهاج الأسلوب السلمي في التغيير، ويكشف المجذوب عن هذا السبب في نهاية قصيدته الطويلة: شحاذ في الخرطوم التي كتبها سنة 1969م حيث يوجه حديثه إلى الأستاذ محمود قائلاً:
    يا ولد الهميم أيُّها العارف ساحمني
    أقلني من بيعتي
    كيف أفتيت بخمود آية السيف، كيف
    والفساد ما ترى،
    أبايع المختار خارجاً مع الحسين!
    والهميم هو جد الأستاذ محمود والمذكور في كتاب الطبقات، وقد نشرت قصيدة شحاذ في الخرطوم سنة 1984م في كتيب صغير.
    هذه لمحة سريعة عن حياة المجذوب وعلاقته بالحزب الجمهوري أرجو أن تكون قد كشفت عن جانب من سيرة المجذوب غير مطروق.
    إلى محمد المهدي المجذوب
    د. أحمد الحسين
    -1-
    يا بحر الكلمات ويا نبض الشعب
    مجذوب الدامر، صوفي الحب
    الرائع كتلال السودان السمر...
    وأشواق الغابات
    الروعة حين يشيع الكذب
    ويفرخ في الطرقات
    الجذر النامي في قاع القلب
    في هذا الزمن الزاخر بالترهات
    -2-
    مجذوب اللغة، مديد الكلمات
    لم تبق إلاّ أقبية الصمت...
    وضباب اللغة وصرير الحشرات
    والشعر له طعم الكذب ورائحة القات
    في هذا الزمن البائس عصر التنزيلات
    هذا وقت الصبر المر ورمي الجمرات
    أتسآل هل هذا حكم الوقت...
    أم بعض تشارات..؟
    -3-
    يا شيخ الشعر ويا ابن الثورات
    وحوار أبينا قد تهنا في دهم الطرقات
    وفقدنا طاقات الإسماع ومقدرة الإنصات
    وسقطنا من نور الصبح إلى قاع الظلمات
    هذا زمن عبأه الشر بكل مفاسده
    وأحتل جميع الشرفات
    -4-
    اليوم قرأت شرافتكم
    وعمار الحبر يسيل على الصفحات
    عبأت عروقي من دفء النغمة والكلمات
    ومنابركم تملأ أفقي بالطيب من كل الصبوات
    تنداح معطرة بالصدق الحارق والحرقات
    وتراب السودان يلوِّن كل الأبيات
    فطربت كدرويش هيّجه صوت النوبات
    أدركه الحال ففضحته العبرات
    -5-
    نار المجذوب تطهرني من رجس الغفلات
    تحملني لبلاد الشمس الرائعة القسمات
    وتعطرني ببخور التيمان ومسجوع الدعوات
    وتؤرخ للسُّودان روائعه في عهد الحسرات
    تمنحني قدرة تفعيل الحلم بوقت الأزمات...


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=13&...ction=article&id=194
                  

10-06-2008, 09:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    الخرطوم الجديدة تفتح النافذة لتجربة وردي!

    البروفسيور الفاتح الطاهر:

    عندما قال وردي إنّ أغنياتي تنافس أغنياتي لم يكن نرجسياً!

    الماحي سليمان:

    صوت وردي (أوبرالي) تميز به الأوربيون

    (من غير ميعاد) كان لنا هذا اللقاء المعنوي مع القادم إلينا من ضاحية (صواردة) المحسية حَاملاً سَيفاً شق به قلب السودان متربعاً على قمته.. وبكل (الود) وما فيها من توزيع موسيقي مُتميِّز يبعث الراحل عمر الدوش بتحية ومن بعده (أندريه رايدر) قائلاً: (صحيح أنه الزمن غَلاّب.. غَلاّب) وكأني بالشاعر أبو شورة يقول (أنت في حدق العيون كما الوطن) ويبقى هناك نداء شجي للراحل إسماعيل حسن يوم إلتقى بك (صدفة) وشكّل معك أروع (دويتو) في دنيا الغناء ويشق الصمت صوت قوي يُردِّد (الحمد للّه أنّ الطائر قد عاد وكان التّوقيع من الوطن - الأم)..
    بأيِّ شئ استحق وردي كل هذا؟
    هذا ما سنراه من خلال هذا التحقيق مسافرين مع بعض كبار الشعراء والمُفكِّرين وأساتذة الموسيقى لنُفسِّر سر هذا الشجن الذي يغلف ذلك الصوت!!

    استطلاع أجرته: سلمى العابد

    البروفسيور الفاتح الطاهر:

    كان وردي جهاز تسجيل يحفظ بسرعة غريبة للغاية وتَتَوفّر فيه كل مقومات الفنان النّاجح من صوتٍ وحضورٍ مُتميِّز وذكاء وشخصية نادرة، تقابلت معه لأول مرة سنة 1958م وكان في بداياته الفنية أدخل الأغنية السودانية مرحلة الرومانسية وجعل الفن رسالة ومدرسة وغنى أربعة عقود ونيفاً، وقف أمام لجنة الألحان والأصوات لإجازة صوته سنة 1957م، غنى أمام اللجنة أغاني حسن عطية وإبراهيم عوض ووقف على آثار النوبي العظيم خليل فرح وجاء لينقب ويستكشف أصول الغناء السوداني.
    جاء وردي والحياة السودانية لم تعرف (التعقيد) بعد، لهذا نجح بغنائه الذي يزيح الهموم، ونلمس أثر الروح الفلكلورية لأرض النوبة مولده واضحة وانعكست في فنه وعندما قال وردي إنّ أغنياتي تنافس أغنياتي لم يكن نرجسياً.

    الأستاذ فكري أبو القاسم

    استطاع وردي أن يلعب دوراً كبيراً وهو أن يظل صمام أمان في منطقة تماس ثقافي ما بين العرب والنوبة مما أكسبه مقاماً (مزدوجاً) لا يألفه إلاّ المجتهدون إلاّ نادراً، وملك توزيع الشرق بين العرب والنوبة دون أن يخشى على نفسه من التمزق والتعصب لجانبٍ دون الآخر (عرباً نحن حملناها ونوبة)، من أجل هذا كله إستطاع وردي وبذكاء دبلوماسي أن يفرض نفسه بنجاح قومياً دون فقد لخصوصيته المحلية وهناك بين أهله من لا يرى تاريخاً للسودان سوى تاريخ (النوبة) ولكنه إستطاع أن يغني دون إثارة غضب أي من الأطراف.
    ومن الملاحظ أنّه بالرغم من كثرة الانتقادات المُوجّهة لوردي إلاّ فإنها كانت انتقادات واتهامات لشخصه وليست لفنه ولم يجد الخصوم ثغرة لفنه وهذا من أسباب تقدمه.. فقد تخرّج وردي في مدرسة الخليل وهو ابن قريته الذي يفخر به ويعتبر رحيله وتزامنه مع حضور وردي نوعاً من التخاطر الغريب بين الأسطورتين وكأنه جاء ليكمل مشوار خليل فرح مؤسس المدرسة الفنية الأولى (حقيبة الفن).

    الموسيقار الماحي سليمان

    قال الموسيقار الماحي سليمان إنّ صوت وردي ينتمي لفصيلة (التينور) ولكن بالتجربة والخبرة غطي مساحة صوتية واسعة وتجاوز مجاله الصوتي الحاد بإستخدامه للصوت البشري الإضافي والذي يعرف أكاديمياً بالصوت المستلف (أو المستعار) وهذا النوع يحتاج لتدريب وصقل علمي شاق حتى يَتَمَكّن أي مطرب من استخدامه ويستخدم في الأداء الأوبرالي ويمتاز به الأوروبيون كما استخدمته المطربة فيروز ومن بعدها ماجدة الرومي وبعض من الرجال الفنانين، اما خامة صوته فهي فريدة النبرات يعبر بها عن الحزن والبطولة وقد زادته الخبرة القوة والإتساع والقفزات والانتقالات وأداء الآهات وجمال التطريب والتعبير إعتمد في البداية على آلة الطنبور وقد أكسبته خواصّ منها أنّ الأداء بآلة واحدة يحتاج لقوة الصوت ثم جاء بعد ذلك بالآلات الموسيقية الحديثة وانطلقت معها أفكاره نحو التجديد ليصبح فنان الشعب الأول وقاد بذلك أكبر حركة تجديد في الأغنية السودانية لذلك نجح وعشقه كل السودانيين لإعتماده على النغمة الشعبية وابتعاده عن التعقيد مع وضوح القفلات وتنوع الإيقاعات في مزيجٍ نادرٍ للأسلوب الحديث والتقليدي، ووردي لا يُكرِّر نفسه فأغنياته تختلف في قالبها وأسلوبها في الأداء ويبحث دائماً عن قيمة جديدة وهذا يرجع لاهتمامه بالمقدمات الموسيقية في أعماله الكبيرة ويهتم أيضاً (باللزمات) الموسيقية المبتكرة الطويلة والزخرفة الموسيقية وأداء الصولو، كما يهتم كذلك بتكوين فرقته الموسيقية من حيث التكوين الآلي والإعتماد على العازفين المهرة بجانب عنايته بالإيقاع اللحني في نظام الكوبليهات المتعددة داخل العمل الواحد والحديث عن وردي يحتاج لإحصائيات تتناول حياته وفنه لأنّ وجوده في حياتنا الموسيقية والغنائية شكّل الوجدان السوداني بالنغم الأصيل وأسهم في رفع ذوقه الفني وثبت النغمة الخماسية في قوالب حديثة مُتميِّزة ولديه خصوصية لحنية أثرت في كل من جاءوا بعده، وهكذا إستطاع وردي بتلك المدرسة (الوردية) والخاصية الوردية أن يثري الغناء السوداني بمناهج أساسها النغمة الخماسية وابتداع لأسلوب الوسطية وفهمه للمزاج السوداني بعمق أن يكون فنان أفريقيا الأول.
    محمد عبد القادر أبو شورة - شاعر:
    من عبقرية وردي أنّ كل أعماله من ألحانه ما عدا القليل منها مثل أغنية (الوصية) التي لحنها برعي محمد دفع الله (يا طير يا طائر) لحنها له خليل أحمد (حرمت الحب والريدة) من ألحان الطاهر إبراهيم وقد لا يعرف الكثيرون أن وردي لحن لكبار الفنانين منهم صلاح بن البادية أغنية (أيامك) ولعثمان مصطفى (والله مشتاقين)، وفيما يختص بأعمال الحقيبة فقد تناول وردي عملاً واحداً فقط هو (قسم بمحيك البدري) وزعها وردي موسيقياً دون أن يطمس اللحن الحقيقي ولتكن هذه الأغنية درساً للمتناولين لأغاني الغير بالتشويه والتحوير، وبالنسبة لتعامل وردي مع الشعراء فقد كان للشاعر إسماعيل حسن نصيب الأسد في أغاني وردي وغنّى له معظم أغانيه وشكل معه أروع (دويتو) على الإطلاق في دنيا الغناء وكان أول عمل بينهما (يا طير يا طائر) التي كانت جواز مرور لوردي وسط عمالقة الفن آنذاك وإنطلق بعدها شلال الأغنيات وردي يغني وإسماعيل يكتب فكان النجاح ولكن بالرغم من التجربة فإن وردي أحس أن هذه التجربة مع إسماعيل قد تسجن إمكانياته اللحنية وأدرك بذكاء أنّ إمكاناته يجب أن تتناول موضوعات أخرى مما خلق جفوة بينه وبين إسماعيل لفترة طويلة ولكن هذا التحول كان لصالح وردي وصالح الأغنية السودانية عاد بعدها وردي لإسماعيل أكثر قوةً وأهداه أغنية (وا أسفاي) كتعبير عن المصالحة بينهما في السبعينيات وهي من ألحان وردي الخاصة كما غنى وردي للعديد من الشعراء بمختلف مَدارسهم الفكرية ولا تجد أغنية دون المستوى في رصيده الفني، أمّا أنا فقد كتبت لوردي عدة أعمال على رأسها (حدق العيون ليك يا وطن) وهي أغنية وطنية معروفة وفي مطلع سنة 1979م قدمت له أغنية (زولي القبيل) ولدي العديد من الأعمال الجديدة لدى وردي منها (رؤي) وعذرك معاك وحدق العيون، أغنية مستلهمة من حدقات عيون الأطفال البريئة فقد وجدت السودان بمساحته الشاسعة يتمثل في تلك الأحداق الصغيرة.. وختاماً أن من أسباب نجاح وردي أنه جعل الأغنية الوطنية كالأغنية العاطفية فكان وهو يغني رمزياً كأنما يتغزّل في الوطن والدليل على ذلك أغنية (بناديها) للراحل الدوش وغيرها.

    سليمان عبد الجليل صحافي وشاعر

    وردي في حقيقته شخص بسيط للغاية بالرغم من إتهام الكثيرين له بالإستبداد والسخرية وكان معلماً يعلِّم أبناء قريته بمال قليل ويفخر كثيراً بأهله ويعتز بقريته وكان يحترم فنه بمثالية فيفهم الناس أنه متكبر وعندما يقف في المسرح للغناء يمنع الناس أن يُبشِّروا «ويعرضوا» لأنّ هذا يشغله عن الغناء والإندماج فيه ولو حدثت أي مشاجرة في حفل يقيمه يترك الغناء على الفور وعند ظهوره في الخمسينيات إبتسم له الحظ في العاصمة وترك التدريس واختار الفن وبدأ بتقليد ابراهيم عوض وحسن عطية ولكنه سرعان ما كون نفسه وأول ما غنى (بالرطانة) في العام 1958م وكان محظوظاً لأنّ منطقة الخرطوم جنوب تحديدا كان يوجد فيها (الرباعي) الذي بدأ معه مشواره الفني، العازف عبد الله المغربي، الملحن خليل أحمد، وعلي ميرغني العازف والشاعر إسماعيل حسن وانتقل من نجاح لآخر وشغل الناس بفنه لأنّه أتى بلهجة جديدة ويعتبر جزءاً من عبقرية خليل فرح ونجاح وردي يُعزى لأنّه يعرف ماذا يفعل، وأذكر مرة صادرت السلطات أغنية سياسية لوردي فأخبرت (عمر الحاج موسى) وزير الثقافة آنذاك موضحاً فاتصل فوراً (بصالحين) مدير الإذاعة آنذاك الذي أصدر قراراً ببث الأغنية (عشرين مرة) في اليوم، بعد نصف ساعة فقط من كلامي مع عمر الحاج موسى وهو شاعر وأديب قبل أن يكون (وزيراً) والأغنية هي (قلت أرحل) وتربطني بوردي علاقة قوية غير أنه من نفس بيئتي وهو لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب بل عانى الكثير من أجل وصوله لما يريد.

    وردي والأغنيات الوطنية

    لم يغترب وردي ولكنه كان يحمل معه الوطن أينما ذهب ولم يجد المتنفس كي يغني أغنيات المقاومة والنضال في بداياته ولكنه لحّن أغنية (ماني خايف) للشاعر المكاشفي أحمد بخيت 1983م، وغنى وردي لكل الثورات الوطنية بدءاً بأغنية (اليوم نرفع راية إستقلالنا) وقدّم أول نشيد وطني في سنة 1958م (لا سادة لا رعاع) ولينا زمن نفتش ليك، وأصبح الصبح، وعلى أيام كوبر والنضال والاعتقال كان وردي يغني ومحجوب شريف يؤلف ويسجل بذلك كفاح الشعب وعانى من الويلات الكثير ودخل السجون دفاعاً عن هذا الوطن وأبنائه وغنى لثورة أكتوبر وإستطاع أن يطوع أصعب الكلمات السياسية لكلمات ومعانٍ رشيقة سهلة الحفظ فتجد ثاني يوم كل الشعب يردد الأغنية رجالاً ونساءً واعتقلته السلطات بعد فشل (19 يوليو) لعام كامل وعانى من ظلام السجن وهاجم مايو بألحانه فوضعته مايو تحت قائمة المغضوب عليهم فساءت ظروفه وظروف أسرته وحجر عليه أي نشاط فني ومنع من الغناء في حفلات الأفراح وفي الخارج كان يغني للجاليات السودانية حيث كانوا يرون فيه الأمل لوطنهم وكان الخروج من الوطن صعباً في تلك الأيام فأرسل له محجوب قصيدة في يوم إعدام محمود محمد طه محوِّلاً حزنه لنغم يحرك الآخرين (يا شعباً تسامى يا هذا الهمام) وقال إنّ الإعدام هذا كان أولى شرارات الثورة..
    والأغنية الثالثة التي لحنها هي أغنية (الوطن والديمقراطية) أو (أبريل) كما أسماها (حنبنيه البنحلم بيه يوماتي وطن شامخ وطن عاتي) وكان منحازاً للشعب مما أكسبه الحب ونشيد 17 نوفمبر لم يكن بدايات النضج السياسي لأنّه حينها كان مسالماً ومتوقعاً للخير ولكنه سرعان ما أدرك المسألة وتحوّل للغناء الواعي منذ العام 1959م وغنى لكرري وكان يمقت الفنان الذي يشارك في أجهزة القمع لأنّ الفن ليس كرباجاً في يد السلطة وكان دائماً للظلم (لا) وظلّ محافظاً على الرمز والقضية منذ الخمسينيات رغم ظروف القهر ولكن عمر الديمقراطية قصير جداً وقد لحّن مرة وهو في المعتقل أغنية (قلت أرحل) للتجاني سعيد فنشرها الأستاذ سليمان عبد الجليل في جريدة الصحافة فأرسل وردي لسليمان مرسالاً من السجن بعدم التصرف فيها ودخلت (سراً)..
    وعند خروج وردي من السجن بدأ في عمل برو?ات للأغنية وعندما أخذ يُردِّد في المقطع الذي يقول (كل الأرض منفى) إعتبرتها السلطات مقصودة واعتقلته في الحال إلى أن حل أمرها بواسطة (عمر الحاج موسى)، والفنان وردي كان يعشق السودان عشقاً خاصاً وكان يدخل المطار باكياً ويقول إنّ الغربة لم تضف إليه شيئاً لأنّها دون الخاطر.. وعندما سُئلَ مرة عن وصوله للقمة قال إنّ الحديث في النهاية والحكم للشعب لأنّ الذي يظن أنه وصل للقمة مخطئٌ! والعمر لا يتسع لذلك كله.

    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=21&...ction=article&id=586
                  

10-06-2008, 10:08 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    مراجعات في أوراق د. جعفر شيخ إدريس

    كنت أكثر من واجـه الترابي في كذبه

    اشتم رائحة أمريكـا في كل مــكان بالسودان حتى في بيتي!

    الخرطوم - إدريس الدومة - طارق المغربي

    منذ طرده الأمريكان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وعودته للبلاد ظل د. جعفر شيخ إدريس معتكفا بداره عن أي نشاط سياسي لكنه ينشط في مجالات الجماعات والطوائف الإسلامية والتيارات ، ويؤكد ذلك كثرة المتحلقون حوله بداره وخاصة أولئك الذين ضاقت بهم السبل وتعددت عليهم المسالك في ظل الخلافات والتشيع والانقسامات التي باتت طابع الجماعات الإسلامية.
    والرجل عندما طرحنا عليه فكرة الحوار ظل يتردد ويتحرى في اشخاصنا وظل الموعد يتأجل لمرة وأخرى إلى أن وافق في أمسية بداره ولكنه أجل مرة أخرى لصبيحة اليوم التالي.
    جلسنا إليه وفي عينيه وشفتيه سؤال حائر سرعان ما انفجر وطرحه علينا.. فقال من أنتم والمشتريكم منو؟ وسؤاله قد آثار حفيظتنا فبادرناه بسؤال: لماذا هذا السؤال فقال: أني اشتم رائحة أمريكا في كل مكان في السودان حتى داخل بيتي فضحكنا وبدأنا حوارنا الذي بين أيديكم..

    نريد تقييماً لتجربتك مع الحركة الإسلامية وعلاقتك بالحركة الإسلامية العالمية؟

    أولاً أنا أول جماعة انتميت لها جماعة أنصار السنة المحمدية وقد كنت وقتها صغيراً، وكثير من الناس لا يعرف هذا وقد استفدت منهم كثيراً ولا أزال أذكر لهم هذا الفضل لأن انتمائي لهم قد حررني من الطائفية، والتعلق بالخرافة في الدين، وعندما انتقلت للثانوي لم يكن لأنصار السنة نشاط وكنت قد بدأت الحركة الإسلامية مع بعض الإخوة الذين سبقونا بعام وكان التحدي الذي واجهنا مختلفاً عما عشناه في مدينة بورتسودان حيث ولدت ونشأت وكنا نواجه الطائفية، أما في حنتوب فقد واجهنا الشيوعية التي لم يكن لدينا الاستعداد لمواجهتها فكرياً، وكان الشباب الشيوعي يعرضون فكرهم بصراحة حيث يحدثونك عن الإلحاد، وليس كما حدث مستقبلاً، فالحركة عندما بدأت أظن أن أخانا بابكر كرار أول من بدأها في الجامعة وكان اسمها حركة التحرير الإسلامي وهو نفسه كان شيوعياً ثم ترك الشيوعية عندما وصلت المسألة إلى الإلحاد وأسس الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم، وهكذا قامت الحركة الإسلامية على يد الشباب في جامعة الخرطوم والمدارس الثانوية آنذاك (وادي سيدنا وحنتوب) وجئت بخلفيتي السنية، وهذه هي بداية التجربة ثم تحولت الحركة إلى اسم الإخوان المسلمين من غير قرار وإنما تلقائياً.

    هل كنتم تعتبرون كتنظيم طلابي للجماعة في الثانويات؟

    - في البدايات لم يكن هناك تنظيم طلابي للثانويات لكن لاحقاً أصبح من أهم نشاطنا العمل في الثانويات ولما دخلنا الجامعة كنا مسؤولين عن طلبة الثانويات من حيث تنظيم النشاط وتقسيمه من خلال المجموعات لإقامة النشاط الإسلامي في المدارس الثانوية.

    هل كان من بين أهدافكم الوصول للسلطة؟

    - في ذلك الوقت المبكر لا أذكر، لكن بلا شك أن الوصول للسلطة كان من أهداف الحركة الإسلامية حتى إنني كتبت في ذلك لأنه قد حدثت مشكلة فكرية بين الإخوان في مصر وهنا لأن بعض قادة الإخوان في مصر ومنهم الأستاذ الهضيبي (عليه رحمة الله) قال: (نحن لسنا طلاب سلطة)، وفي نفس الوقت كانت الحركة تعلِّم الناس أن الإسلام دين ودولة، ونظام الحكم في الإسلام، وأنا كتبت في الستينيات مقالاً قلت فيه: (نحن لسنا طلاب سلطة لأشخاصنا، ولكننا نريد حكماً إسلامياً، ففرقت بين أن الحركة تريد الإسلام وبين أن أفراداً منها، وبالطبع هذا كان كلاماً نظرياً في أن أفراداً ما جاءوا للحركة إلا لطلب السلطة وطبعاً الناس بشر.

    ما هي وسائلكم لتحقيق مثل هذا الهدف؟

    - في ذلك الوقت لم يكن هنالك إشكال لأنّ الديمقراطية كانت منتشرة في كل العالم العربي في سوريا، العراق ومصر، فكانت وسائلنا هي تكوين جماعة وجمع الناس حول أهدافها ونخوض الانتخابات، لكن بعد ذلك تغيرت الأمور، وأنا في رأيي أن الحركة كانت السبب في ذلك، ولازلت عند اعتقادي هذا - يعني شوف مؤامرات الغرب أكثر بكثير مما يظن الناس، والمسألة ليست بوش ولا بلير المسألة أكبر من ذلك بكثير - عندما شعروا بأن الحركة الإسلامية إذا دخلت الانتخابات يمكن أن تصل إلى الحكم ضحوا بالديمقراطية حتى إن نميري اعترف أن انقلابه كان سببه الخوف من أن تصل الحركة الإسلامية للحكم، وذلك حدث في مصر، سوريا، العراق وأخيراً الذي حدث في الجزائر حتى كتب أحدهم واسمه فولر «متخصص في الحركات الإسلامية» ورأيه هذا لم ترض عنه الإدارات الأمريكية قال: (لو كنا نريد ديمقراطية فالجماعات الوحيدة التي يمكن أن تأتي بالديمقراطية هي الجماعات الإسلامية، لأن وراءها الشعب، أما كل الحكومات هذه فهي حكومات أقلية لا يمكن أن تأتي بالديمقراطية).

    مقاطعاً.. لكن الحركة الإسلامية في السودان انقلبت على الديمقراطية؟

    - نعم، هذا في البداية لكن الأمور تغيرت بعد ذلك، إذا كنت في بلد حدث به انقلاب طرفين وتعرف أن بالجيش عناصر انقلابية، تجلس وتقول أنا حارس (صاحب) الديمقراطية، ويأتي هؤلاء ويستولون على الحكم ويدخلونك السجن! يعني الانقلاب هذا وإن كنت لست على علاقة به - لأنه كما تعلمون خلافي مع الترابي - وابتعادي عن الحركة ولم يكن لي دخل في ذلك، لكن وبصراحة لم يكن لديّ مانع من حدوث الانقلاب لأنه إذا لم يحدث انقلاب الحركة الإسلامية كان سيحدث انقلاب آخر، لأنه لم تكن هنالك ديمقراطية ثابتة بالمعنى. وعندما كانت هناك أحزاب كنت أقول لإخواننا لا تعملوا مشاكل مع الأحزاب لأن ما يتميز به السودان ولله الحمد أنه ليس هناك حزب ضد الإسلام عدا أحزاب ضعيفة وصغيرة ولا تأثير لها. لكن الحزبين الكبيرين هما حزبان يقومان على أرضية جماهير مسلمة والفرق بيننا وبينهم فرق درجة لا فرق نوع، وكنت أنادي بالاتفاق معهم على حد أدنى للإسلام ثم نتنافس بعد ذلك للوصول للناخب من دون صراع. وقد قلت هذا الكلام في دار الجبهة الإسلامية القومية وقتها.

    هل تستطيع أن تقول إن جبهة الميثاق الإسلامي كانت أول تنظيم جبهوي للإخوان في السودان؟

    هذه كلها كانت واجهات لحركة الإخوان المسلمين كانت الحركة الأم هي حركة الإخوان المسلمين وهذا نظام معروف نحن قلدنا فيه الشيوعيين، وكانت هذه الواجهات لجمع أكبر عدد من الناس، فالجبهة الإسلامية للمطالبة بالدستور، وجبهة الميثاق الإسلامي جمعت للحركة عدداً كبيراً من الناس، لكن الذي أضر بجبهة الميثاق الإسلامي وهذه كانت من بين الخلافات التي بيننا. لذلك فإن أصعب المسائل الالتزام بالأخلاق، الإنسان يمكن بسهولة جداً أن يبرر لنفسه الكذب وغش الناس في سبيل الانتصار السياسي. طبعاً السيئ في الشيوعيين أنهم اتخذوا هذه قاعدة، لينين كان يقول: ما هي الأخلاق؟ كل ما ساعد الحزب وكان في مصلحته فهو أخلاق، وكل ما تعارض مع الحزب فهو...؟ نحن لم نعترف بهذا ولكن هذا يحدث، نحن كوّنا الجبهة هذه وكتبنا دستورها، وفي دستور الجبهة أن الناس يدخلونها أفراداً، وكان الذين أخلوا بذلك هم الذين كتبوا دستورها، فأنا كنت أقول دائماً إننا نعيش أزمة أخلاقية! نحن نتكلم مع مسلمين لا غيرهم فلماذا نفعل ذلك معهم.

    مقاطعاً.. هل هذا اعتراف منكم بذلك؟

    - أي نعم، نحن على الأقل كنا نعترض، وهناك أشياء ندمت عليها، نحن بسبب معارضتنا للشيوعيين احتككنا بالفكر الشيوعي حتى كنا لا نختلف عن قادتهم في معرفة الشيوعية وفهمها، ومن الأشياء التي لا أنساها أبداً أن في العالم عدداً من الشيوعيين تركوا الحزب بسبب هذه المسألة الأخلاقية، وهذه مسألة متعمقة في قلب الإنسان حيث لا تستطيع أن ترتاح وأنت تكذب على الناس وتغش عليهم!

    هل يفهم من كلامك هذا أن خلافك مع الترابي كان على أساس أخلاقي؟

    - خلافات كثيرة لكن هذه منها.

    من رأس حركة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت؟

    - مرت عليها قيادات كثيرة أمثال الشيخ علي طالب الله وغيره، وحركتنا هذه كان على رأسها الرشيد طاهر بكر ثم صادق عبد الله ثم الترابي، في جبهة الميثاق كان الإخوان داخلها وكل يصدر عنها باسم الجبهة، والترابي كان غرضه إنهاء حركة الإخوان وكان يستعجل الوصول للسلطة، ويرى أن جبهة الميثاق الإسلامي تجمع عدداً كبيراً من الناس ويرى التعاون مع حزب الأمة لكسب الانتخابات، واعترض ذلك انقلاب النميري.

    الذي نعرفه أن الترابي في سنة 1964م خيّر الإخوان بين العمل التربوي والعمل السياسي؟

    - لا، هو لم يقل ذلك وهذا من طموحاته السياسية ولم نوافق عليها، قال: الحركة تصبح حركة ضغط والعضو يمكن له الانتماء لها والانتماء لأي حزب آخر ولم نوافق عليها.

    لكن تظل مسألة الأخلاق حتى بعد وصول الإخوان للسلطة تظل إشكالية؟

    - طبعاً هذه مسألة أساسية وأبطلت الكلام عن الوصول إلى السلطة أولاً ثم تربية المجتمع! من الذي يربي؟ وها هو الترابي يتحدث عن الفساد؟ وهو حصاد يديه.
    فمسألة الأخلاق مسألة ضرورية للحياة السياسية، الآن إذا نظرنا لنقد الأمريكان لبوش فهو نقد أخلاقي في مسوغات غزو العراق، فالناس يجدون العذر لإنسان صادق ويخطئ،.

    مقاطعة - هل الموقف الأخلاقي بمعنى نقد القيادة ومعارضتها فلو كنت في نفس المكان لفعلت الشئ نفسه.

    - لو كان كل الناس كذلك فهذه مشكلة كبيرة، لو كان كل الناس لا يلتزم بالأخلاق أو يستعملها كمجرد وسيلة يبقى الأمر أزمة عالمية كبيرة ولكن هناك المخلصون.

    مقاطعة - يعني موقف د. جعفر موقف أخلاقي في خلافه مع الحركة الإسلامية؟

    - لست وحدي في ذلك، هناك الكثير ممن كانوا يقفون مواقف أخلاقية ينتقدون الأوضاع داخل الحركة، بل هناك من سبقني إلى هذا في نقد الترابي ومواجهته أكثر مني، لكن كنت أكثر من واجه الترابي في كذبه.. وبعضهم لازال في الحكم الآن.

    من كان يساند د. جعفر في مواقفه هذه؟

    - كنت صوتاً يكاد يكون منفرداً، لكن المسألة تطورت وكان معي رجل لا تشك في صدقه محمد صالح عمر (رحمه الله) ومحمود برات (رحمه الله) والأخ سبّال وكذلك زين العابدين الركابي، وكذلك بعض الشباب منهم د. مالك بدري وجميعهم من قيادات الإخوان، لكن الأغلبية كانت مع الترابي.

    طيب لماذا خرجتم وتركتم التنظيم للترابي؟

    - كان رأيي ألا نخرج لكن خذلتني جماعة شيخ صادق والحبر، حتى إنني كنت أقول لهم: (يا إخوان أنتم فعلتم مثل أحدهم الذي دخل عليه اللص في بيته فخرج وترك له البيت، أنا لن أترك بيتي للحرامي).

    مقاطعة - لكن موقف شيخ صادق كان متأخراً عند مصالحة النميري؟

    - نعم نحن حتى ذلك الوقت لم نخرج.

    مقاطعة - لكن الخلافات منذ الستينيات؟

    - الخلافات منذ الستينيات أبداً لم نخرج.

    ألم يؤثر ذلك على التنظيم؟

    - فليكن هناك تأثير على التنظيم إذا شعرت أن هناك من يحاول (تكسير) التنظيم هل أخرج وأتركه له؟ لا، لم نخرج بل حتى...

    مقاطعاً.. كيف يتسنى للتنظيم أن يكون متماسكاً برغم الخلافات؟

    - من مزايا الحركة الإسلامية والسودانيين عامة أن هناك تسامحاً لو كان في بلد آخر كنا فصلنا، كان يمكن للترابي فصلنا، أنا لا أريد الكلام عن الترابي.

    كثير من الناس برروا هجومك على الترابي بأنه موقف شخصي وتنازع على زعامة الحركة؟

    - هذا كله كلام خطأ، غير صحيح أنا قلت للناس هذا (ربع العمر)، هل عندي مشكلة شخصية مع محمود محمد طه، لماذا كنت انتقده؟أنا من أكثر الناس الذين انتقدوا محمود محمد طه، كنت انتقد الشيوعيين هل عندي مشكلة مع عبد الخالق؟!، الأمر الآخر قبل أن يأتي الترابي كنا نرشح وكنا ندفع بها لغيرنا، لو كنت أريد القيادة لكنت منافساً للرشيد طاهر فلم أكن أقل منه سناً أو علماً، لكنني لم أنافسه فلماذا أنافس الترابي؟!

    مقاطعاً - لأنه كان متفوقاً عليكم.

    - مقاطعاً - من قال ذلك؟! بالعكس!! وماذا يعني ذلك؟

    مقاطعة - كان للدكتوراة صيتها؟

    - وأنا كذلك حزت على الدكتوراة وكانت ثالث دكتوراة في مجالي.

    لكن جئت بها بعده.

    - لأنني في الدراسة كنت بعده، هو أكبر مني.

    ألم تعاصره في حنتوب؟

    - عاصرته ولكن لم تكن له علاقة بالحركة الإسلامية، ما جاء إلا بعد ذلك بزمن.. دعونا من هذا.

    لكنك وُوجهت بكثير من الاتهامات بالذات في فترة التسعينيات؟

    - نعم صحيح، وكثير منها أُبطل، قال لي أحدهم بعد طرد الأمريكان لي: (هذه كتبها الله لك براءة؟ لأنو في ناس يقولون جعفر «سي. آي. أن») لكن هذه قلة عقل لو كنت كذلك فلماذا أجلس بينهم، ولجاملت الترابي وصالحته وجلست هنا وأتزعم وهكذا أنا اعتقد أن كثيراً من الأحزاب مخترقة من قِبل المخابرات الأجنبية!

    ماذا بعد انشقاق الحركة الإسلامية لمؤتمرين؟

    - الحركة انشقت كثيراً، بالنسبة للانشقاق الأخير بالطبع أنا لا أتبع لمسمى الحركة الإسلامية من قبيل الانقلاب، والآن لا أنتمي لأي تنظيم، وإنما احتفظ بعلاقات مع جميع الإخوان في الجماعات الأخرى ولي صلات مع أناس أحترمهم وأقدرهم وأعتبرهم من أفضل الناس.

    مقاطعة - وليست لك جماعة مقربة منك الآن؟

    - لا أبداً.

    ما علاقتك بجماعة عبد الحي يوسف؟

    - لا علاقة رسمية لي معهم ولست بعضو في أي مجلس أو شئ من ذلك.

    هنالك حديث عن أن د. جعفر شيخ إدريس يعتبر راعياً لجماعة عبد الحي؟

    - (يضحك) ربنا يجعلنا رعايا لـ...... جاءني كثير من الشباب من جماعات مختلفة والشباب قلق، وأنا قلت لهم إني لا اعتقد أنني مؤهل لعمل تنظيم ولست مستعداً لإضاعة وقتي في تنظيم، لديّ بعض الأفكار وأنا مشغول بكتابتها ولا أريد تكرار الخطأ الذي وقعنا فيه في جماعة الإخوان، وهي أن التنظيم أصبح أهم من المبادئ وإذا أردتم شيئاً فنحن أول شئ نعتني بالمبادئ ونكتبها وننشرها، فإذا اقتنع بها الناس يمكننا عمل تنظيم يرعاها. وفي أيام الخلاف مع الترابي جاءني بعض الإخوان وقالوا لي نريد مبايعتك قلت لهم تبايعونني على ماذا؟ على أنكم لا تريدون الترابي، أنا لا أرضى لنفسي بيعة مثل هذه - بكرة تشوفوا إني فعلت غلط تمشوا تبايعوا رجلاً آخر- فلازم الناس تثقف على المبادئ فليس لي جماعة أبداً.

    هل نعد هذا اعتزالاً للحياة العامة؟

    - لماذا؟ وهل الحياة العامة إلاّ أن أكون مع عبد الحي أو الترابي، عبد الحي كان مع مَن؟

    طيب أنت الآن ليس لك دور في الحياة العامة؟

    - أنا أنشط في الكتابة والحياة الفكرية وأكتب رأيي وأنشره.

    لو تحدثنا عن علاقتك بأمريكا ولماذا هاجرت إليها؟

    - أنا لم أهاجر لأمريكا بل كنت أستاذاً بجامعة الإمام (محمد بن سعود الإسلامية)، فجامعة الإمام فتحت فرعاً في واشنطن، وقالوا لي نريد من يجيد الإنجليزية للعمل هناك فوافقت على العمل هناك، وذهبت لأمريكا بجواز سفري السوداني لا كما يظن الناس فليست لديّ جنسية أمريكية ولا إقامة دائمة ولا ولا.. ذهبت وأنا سوداني وعدت وأنا سوداني، وكان ذلك في فترة الثمانينيات حتى عام 1995م حيث انتهى عقدي مع جامعة الإمام وأسّست بعد ذلك الجامعة الأمريكية المفتوحة مع مجموعة من الناس ولازالت مستمرة.

    هل كان لك أي نشاط في أمريكا؟

    - طبعاً.. طبعاً لا تسمع لكلمة إرهاب وما إرهاب، أصلاً مشكلة الأمريكيين هي النشاط الإسلامي ودخول الناس في الإسلام، وأنا ليس لديهم ضدي أي دليل على الإرهاب لا من ناحية السن ولا حديثي، بل أول ما حدثت 11 سبتمبر اتصل بي مركز إسلامي وطلب مني أن أخطب أول جمعة بعد الحادثة بحضور وسائل الإعلام، فقلت له إذا تركتم حرية الكلام سأخطب الجمعة، فقال لي: تفضل، فذكرت أن هذا العمل خطأ ولم يُعرف عن المسلمين سواء فعله مسلم أم غيره للأسباب كذا وكذا، ولكن إذا قام أحد به من المسلمين فنحن نتفق معهم في شكوانا من أمريكا، لكن نختلف في طريقة التعبير عن شكوانا هذه، لأن أمريكا بلد ديمقراطي في الداخل ديكتاتوري في الخارج، وانتقدت السياسة الأمريكية وقد نشرت «السي. أن . أن» جزءاً من الكلام.

    بعد هذه الإدانة هل حاولت الإدارة الأمريكية الاستعانة بك كداعية معتدل؟

    لا أظن ذلك، لأنهم يعتبرون الوهابية وعاءً واسعاًً يشمل حتى الصوفية، عندهم أي إنسان يعتقد أن القرآن هو كلام الله لا يغير ولا يبدل، وأن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلام يتبع وينشغل بالدعوة فهو مسلم راديكالي، فهم لا يعتبرونني معتدلاً.

    ما الأسباب الفعلية التي دعتهم لإبعادك؟

    - القشة التي قصمت ظهر البعير كانت محاضرة قدمتها في إحدى الجامعات وجاء عدد كبير من الأساتذة على غير العادة، وكانوا مهذبين وتناقشنا مطولاً حول الإسلام والحوار بين الحضارات وأبنت لهم أنه لا بديل للحوار والتعايش بيننا لأنه لديك أسلحة نووية تدمر الأرض سبع مرات. والتعايش أمر حتمي ونحن لا مشكلة لدينا في التعايش معكم ويبقى الصراع صراع أفكار، لكن العمل ضد الاسلام في أمريكا يقوم به اليهود وبعض الجماعات اليمينية المتطرفة، إضافةً إلى جماعات غير منظمة وهي جماعات علمانية وهي ضد الدين بغض النظر عن كونه إسلامياً أونصرانياً وهؤلاء يرون أن الناشط في المحاضرات والمناقشة والحوار يمثل خطراً لأنه يقنع بعض الناس والإسلام أكثر الأديان انتشاراً في أمريكا.

    إذاً كيف تنظر أمريكا للإسلام؟

    - أمريكا تخاف من الإسلام وتعتبره أكبر خطر يهدد أمريكا، وهذا ليس كلامي وإنما كلامهم وكتبوه وعبّروا عنه وهو في نظرهم أكبر خطر يهدد الحضارة الغربية بعد الشيوعية.

    هل هذا الخوف ناتج عن عدم فهمهم الصحيح للإسلام؟

    - بفهم صحيح أو خطأ الاثنان موجودان، وهو عمل يدخل في (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ....الآية) هل كلهم غير فاهمين وإنما تعصباً لدينهم ومبادئهم وبلير ذكر ذلك عدة مرات، نحن لازم ننشر مبادئنا وقيمنا، ما هي قيمهم التي يريدون نشرها؟ ماكونالدز ولا هوليوود؟! وهل قيمهم هي ما ظهر في أبي غريب وغوانتانامو؟

    لكن ردة الفعل كانت عنيفة على الإسلام بعد 11 سبتمبر؟

    - كانت ضد الإسلام وكانت أيضاً سبباً للفت الكثير من الناس للإسلام، ولأول مرة تسبق كلمة الإسلام كلمة الجنس في الإنترنت، بدأ الناس يبحثون عن الإسلام ويقرأون عنه ودخل الكثير في الإسلام ليس بسبب اقتناعهم بابن لادن، ولكن لمعرفتهم بحقيقة الإسلام، وللحقيقة فإن دينهم ليس له مستقبل، الدين الوحيد الذي يجمع للإنسان دينه وعلمه وعقلانيته وإيمانه بالبحث العلمي هو دين الإسلام، الأديان الأخرى تحول بينه وبين ذلك.

    قيل إن السبب في إبعادك من أمريكا هو نشاطك المكثف في الدعوة والكتابة والمحاضرات؟

    - صحيحٌ، ولخلق العداء يلزم تضخيم الأمر وإعطاؤه حجماً أكبر من حجمه مثلاً هناك كاتبة كتبت تقول عني في (الواشنطن بوست): إن هذا الرجل يعتبر رئيس كل الحركات المتطرفة، وإن كل ما يقوله أو يكتبه حالاً يكون في مواقع المتطرفين وهذه مبالغة. لدينا دار صغيرة اسمها دار الأرقم إذا سمعت ما أثير حولها في الصحف والمحطات تعتقد أنهم يتحدثون عن البنتاغون، والأمر لا يتجاوز محاضرة إسبوعية لا يتجاوز حضورها المائة أو المائتي شخص ومعي في إدارتها شخص أكثر نشاطاً مني هو د. علي التيميمي حُوكم بمؤبد يفوق المائة عام بتهمة التأثير على الشباب ففعلوا وفعلوا، فقال لهم: (ينبغي عليكم سجن كل أساتذة الجامعات لأنهم يؤثرون في الطلاب).

    كيف تم إبعادك؟

    - عن طريق السفارة السعودية طلبوا منهم مغادرتي في ظرف شهر وبعدما رحلت جئت هنا.

    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=31&...ction=article&id=858
                  

10-06-2008, 10:13 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    أعضاء مجلـس (قيادة الثورة)...
    أيــن هـم.. ومـاذا يفعلـون؟!!

    أسئلة أولى

    صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989م صحت الخرطوم على صوت المارشات العسكرية والدبابات والمدرعات تسد الطرق والكباري، وما كان الأمر يحتاج كثير تفسير؛ إذ أن الإرهاصات كلها قبل ساعة الصفر كانت تنذر بتغيير قادم، تمثلت تلك الإرهاصات في مذكرة الجيش الشهيرة في فبراير من نفس العام، هذا غير إحباط أكثر من محاولة في الفترة من فبراير وحتى يونيو 1989م أشهرها الحركة التي اعتقل بموجبها العميد -وقتها- الزبير محمد صالح، وكانت أكثر من مجموعة في الجيش -ذلك الحين- تتسابق لانتزاع السلطة، ولما ظهرت المجموعة التي كسبت الرهان فإن الخرطوم طفقت تسأل عن خمسة عشر ضابطاً أعلنوا أنفسهم كأعضاء في مجلس قيادة الثورة الجديدة، وكان أكثر الأسئلة تداولاً حتى قريب هو ذلك السؤال الذي طرحه الروائي الكبير الطيب صالح عندما تساءل قائلاً: من هؤلاء ومن أين أتوا؟ بيد أن الأسئلة اللاحقة كانت تحمل في طياتها افتراضات الجهة السياسية التي أتى منها هؤلاء الضباط كشاكلة السؤال الجرئ والثورة لم تكمل عامها الأول على صفحات الصحافة الجديدة، وهو: هل هؤلاء الرجال جبهة؟...وفي التقرير التالي نقف على أحوال أولئك الضباط بعد مضي سبعة عشر عاماً على مجيئهم، أين هم، وماذا يفعلون؟!

    من خمسة عشر ضابطاً كونوا مجلس قيادة الثورة وهم: العميد عمر حسن البشير، والعميد الزبير محمد صالح، والعميد التجاني آدم الطاهر، والعميد فيصل علي أبو صالح، والعميد عثمان أحمد حسن، واللواء إبراهيم نايل إيدام، واللواء بكري حسن صالح، واللواء مارتن ملوال، واللواء دومنيك كاسيانو، واللواء صلاح كرار، واللواء فيصل مدني مختار، واللواء سليمان محمد سليمان، واللواء بيويو كوان، واللواء محمد الأمين خليفة، والرائد إبراهيم شمس الدين، ومن هؤلاء الضباط الخمسة عشر تبقى اليوم لاثنين فقط علاقة مباشرة بالسلطة هما المشير عمر حسن أحمد البشير والفريق بكري حسن صالح؛ فالمشير البشير يشغل منصب رئيس الجمهورية والقائد العام للجيش والثاني وزيراً برئاسة الجمهورية، ويعتقد كثير من المراقبين أن الرئيس استند على بقائه في السلطة طوال هذه المدة لتمسكه بزيه العسكري، فيما عصم موقع وزير الدفاع إبان حل مجلس قيادة الثورة اللواء بكري حسن صالح من الحل، ولقد جرت محاولات كثيرة لحمل الرئيس إلى الاستقالة أو الإطاحة، إلا أنها باءت بالفشل سواء تلك التي اضطلع بها الدكتور حسن الترابي قبل وبعد الإنفصال أو المحاولات التي ناوشت الإنقاذ، ولم تستطع إزالتها كمحاولة رمضان 1990م، والمنسوبة إلى حزب البعث العربي الاشتراكي والتي نفذها ضباط من داخل القوات المسلحة، بالإضافة إلى ضباط كانت الإنقاذ قد أحالتهم للصالح العام. وعلى كل فإن بقي اليوم على (قيد العمل) كل من البشير وبكري فإن اثنين آخرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة المذكور كانا أول من فارق المجلس والسلطة، وهما العميد عثمان أحمد حسن واللواء فيصل علي أبو صالح، وذلك بعد أن تقدما باستقالتيهما للرئيس عقب اجتماع في منزل الأخير، والذي يشغله اليوم مجلس الصداقة الشعبية العالمية، وقد احتج المذكوران باكراً على ما اعتبراه تدخلاً في شؤون المجلس من جهة سياسية مدنية، ولمّا لم تُحسم هذه القضية حسبما كانا يريدان أن تكون الأمور كلها بيد أعضاء مجلس قيادة الثورة فإنهما آثرا الاستقالة، ويذكر أن أعضاء المجلس شعروا منذ الشهور الأولى للتغير أنهم لم يكونوا وحدهم في الميدان، وهذا أول ما أحدث تصدعات في جسم الحكم الوليد فخرج مستقيلاً من خرج وبقى ينتظر الحل من انتظر!!

    رحلوا!!

    إن كان السؤال أصلاً يدور حول حال أعضاء مجلس قيادة الثورة اليوم؛ فحري بنا الوقوف في المحطة التي تقف عندها حياة كل إنسان، وقد كان عضو مجلس قيادة الثورة السابق اللواء بيويو كوان أول الراحلين عن الدنيا؛ إذ توفي فجأة، وردد البعض أنه كان يعاني من مرض السرطان، وقد خلق موت بيويو المبكر فراغاً في المجلس، وبعد سنوات من حل المجلس ومن رحيل بيويو كوان رحل الفريق الزبير محمد صالح إثر تحطم طائرته في سماء الناصر بجنوب البلاد، ولحقه بعد أعوام عضو مجلس قيادة الثورة السابق العقيد إبراهيم شمس الدين في حادثة من نفس النوع وفي سماء عدارييل، والكثير من الضباط لقوا حتفهم مع الزبير ومع شمس الدين، وفي النهاية فإن ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة السابق رحلوا للدار الآخرة!!.

    الحل في الحل

    بعد اكتشاف أعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم ليسوا وحدهم في الميدان وبعد تقديم اثنين منهم استقالتيهما للرئيس البشير احتجاجاً على ذلك الوضع فإن الجهة السياسية التي كانت تلقي بظلالها على الأحداث بدأت تظهر وتتشكل في الأفق ماضية إلى بسط سيطرتها على حساب ضباط التغيير، وبدأت الحقيقة تتكشف، وكان لابد من حل خشية أن يقود ذلك الازدواج إلى ما لا تحمد عقباه، وكان الحل في حل المجلس؛ حيث طوّف اللواء الزبير محمد صالح في واحدة من أمسيات أكتوبر من العام 1993م على أعضاء مجلس قيادة الثورة ودعاهم لاجتماع يحلون فيه المجلس، وفعلاً اجتمع من تبقى منهم وتم حل المجلس؛ حيث بقي بعضهم على صلة بالحكم وخرج البقية تماماً من الملعب! ومن بقوا إلى جانب الرئىس هم الزبير وبكري وشمس الدين والتجاني آدم الطاهر ومحمد الأمين خليفة في الوزارات، بينما ذهب للعمل بالسفارات كل من اللواء (م) سليمان محمد سليمان واللواء (م) صلاح الدين كرار، فيما مضى كل من اللواء (م) إبراهيم نايل إيدام ومارتن ملوال واللواء (م) فيصل مدني مختار.

    إقالة

    كانت المفاجأة التي حيرت الرأي العام إعفاء عضو مجلس قيادة الثورة اللواء مارتن ملوال تحفظاً على تعامله بالمال العام، وكانت الثورة بذلك ترسل رسالة للجميع فحواها أن إقالة أحد رموزها بسبب الإخلال بالمال العام سيكون مبدأً يطول كل من تسول نفسه له ذلك.

    مزارع وكافتريا!!

    بعد حل المجلس استمرت علاقات بعض أعضائه -كما سلف- بالاستوزار أو العمل الدبلوماسي، وإن ظل الفريق بكري حسن صالح -إلى جانب الرئيس- متنقلاً في الوزارات منذ ذلك الوقت، فإن اللواء التجاني آدم الطاهر عمل أيضا بالوزارات لفترة طويلة مما هيأ له حالة مستورة، وإن لم تكن ميسورة وهو اليوم -خارج السلطة- يجتهد في خلق عمل خاص، وأيضا التحق بالعمل الدبلوماسي للدولة كل من اللواء (م) سليمان محمد سليمان واللواء (م) صلاح الدين كرار؛ حيث عمل الأول سفيراً للسودان في سوريا والآخر شغل ذلك المنصب في دولة البحرين، وعاد الاثنان بعد انقضاء الأجل الدبلوماسي، وفيما اتجه كرار للعمل بالسوق وبرأس مال محدود فإن سليمان القادم من بلاد الحلويات والأكل الشامي الشهي افتتح كافتيريا بمنطقة الكيلو الخرطوم ولكنه أغلقها بعد خسارة بائنة! وإضافة إلى هؤلاء فقد اتجه بعض أعضاء المجلس المحلول إلى العمل بالزراعة وتربية الحيوانات! وللواء (م) إبراهيم نايل إيدام مزرعة للأبقار بحلة كوكو بالخرطوم إضافة إلى مزارع بالسليت شمال الخرطوم، كذلك اتجه العميد (م) عثمان أحمد حسن منذ أن غادر المجلس في وقت مبكر للعمل في مزرعته بالخوجلاب، أما مارتن ملوال فقد اتجه للعمل الخاص أيضاً، فيما أنشأ دومينك كاسينو منظمة للعمل الإنساني بالإضافة إلى اتجاهه للعمل السياسي، وقد انضم لمنبر الجنوب المسجل لدى مولانا سالم، ومثله اتجه للعمل السياسي اللواء (م) محمد الأمين خليفة والذي اختار منذ المفاصلة الشهيرة بين الإسلاميين ركاب الدكتور حسن الترابي، وتبشر المعلومات أيضاً بأن اللواء (م) فيصل مدني مختار قد اختار العمل الخاص المحدود، فيما اكتفى اللواء (م) فيصل علي أبو صالح بالمعاش الحكومي!!.

    عربات

    منذ حل المجلس واتجاه أكثر أعضائه للعمل العام فقد اعتمدوا بداية على المعاش الحكومي والذي تم تعديله مؤخراً بعد قرار الرئيس في أغسطس من العام 2005م ليساوي 2.600.000 جنيه سوداني، ولم يصرف أي عضو منهم بهذا التعديل الجديد إلا منتصف العام الجاري، وظل هؤلاء الأعضاء يقيمون في منازلهم الخاصة بعد تسليم منازل الحكومة، عدا اللواء (م) إبراهيم نايل إيدام والذي ظل بالبيت الحكومي نسبة لأنه لا يمتلك بيتاً خاصاً بالخرطوم وأبقي على السكن الحكومي على أن يستقطع من راتبه (بدل السكن)!!.
    والجدير بالذكر أيضاً أن الدولة لم تملك أعضاء مجلس قيادة الثورة السابقين عربات المجلس إلا في العام 2001م وهي عربات يقودونها منذ العام 1989م، ولكن الرئيس البشير صادق أخيراً لكل منهم بعربة جياد للاستعمال الشخصي ونجح إيدام في استبدالها بعربة لاندكروزر من دلالة الجمارك بمساعدة صديقه اللواء شرطة صلاح الشيخ مدير الإدارة العامة للجمارك، ويقود كل أعضاء مجلس قيادة الثورة السابق اليوم عرباتهم بأنفسهم.

    أبطال الطيب صالح!!

    عودة إلى بدء وللإجابة عن الأسئلة التي طرحت صباح الجمعة 30 يونيو 1989م والأيام التالية هل كان أعضاء مجلس قيادة الثورة مجهولين للناس كما أوحى بذلك الطيب صالح وكما صرح أيضاً في ذات الاتجاه الدكتور حسن الترابي بعد المفاصلة؟ إن شواهد الأحداث قبل 30 يونيو تشير إلى أن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا معروفين بالنسبة للرأي العام، بل تجاوزت معرفة بعضهم الحدود إلى الأقاليم، وبالتالي إلى العالم؛ فالعميد عمر حسن البشير رئيس الجمهورية والمجلس والقائد العام للجيش بعد 30 يونيو كان قبلها ضابطاً معروفاً استطاع أن ينتزع بقواته منطقة ميوم من سيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان بالجنوب، هذا بالإضافة إلى مشاركته ضمن القوة السودانية في حرب أكتوبر والجبهة المصرية، ولقد وثقت -منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي- مجلة الدستور اللندنية المحسوبة على حزب البعث القومي العربي طموحات الضابط عمر البشير في تغيير نظام الحكم في السودان، وهذا إضافة إلى تميّز البشير عسكرياً وسط زملائه ونيله دورات تدريبية وعسكرية عليا خارج البلاد يجعله شخصية معروفة، وأي حديث غير هذا يجافي الحقيقة، وضف إلىه من الأعضاء المعروفين للرأي العام الزبير محمد صالح والذي كان ناشطاً وسط الجيش وكان معتقلاً بسبب ذلك النشاط حتى ساعة التغيير بجبل الأولياء، ومن المعروفين أيضا الرائد إبراهيم شمس الدين صاحب المزاج التغييري والذي اعتقل أيضا بسببه عدة مرات وطرد من الجيش، كذلك فإن اللواء إبراهيم نايل ايدام والذي كان يرأس جهاز الأمن في العهد الديمقراطي كان معروفاً للرأي العام بالضرورة، ويعرف الرأي العام مِن أعضاء مجلس قيادة الثورة العميد فيصل مدني مختار منذ أيام مايو حين أوكل إليه الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري مهمة نقل جثمان الأستاذ محمود محمد طه إلى مكان مجهول، ولقلة الضباط الجنوبيين بالجيش وقتها فإن أسماء مثل اللواء دومينك كاسيانو واللواء مارتن ملوال واللواء بيويو كوان تبقى معروفة للرأي العام.

    أعضاء فريق واحد!

    أما حديث الترابي القائل بأنهم ما كانوا يعرفون بعضهم البعض قبل 30 يونيو 1989م فهو حديث مجاف للحقيقة أيضاً؛ وذلك لأن أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا أبناء دفعة واحدة وهي الدفعة 18 وهم العميد عمر البشير، واللواء الزبير محمد صالح، واللواء فيصل علي أبو صالح، واللواء التجاني آدم الطاهر، واثنان من أعضاء الدفعة التي تليها وهما اللواء إبراهيم نايل إيدام والعميد عثمان أحمد حسن، والبقية من الدفعة التالية وهم الفريق بكري حسن صالح واللواءات صلاح الدين كرار وسليمان محمد سليمان ومحمد الأمين خليفة وبيويو كوان ومارتن ملوال ودومينك كاسيانو، فيما مثل الرائد إبراهيم شمس الدين وحده الدفعة 29، وإضافة إلى اشتراك بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة في دفعة واحدة واشتراك بعضهم في أسلحة معينة جمع بين أكثرهم الفكر السياسي الواحد منذ سنين مبكرة وأغلب هؤلاء الضباط كانوا يعرفون بعضهم البعض داخل الجيش كمدرسة واحدة، وقد جمعت بينهم الاجتماعات التنظيمية منذ أيام مايو، ولم تتوقف إلا في العام 1987م، وذلك لما تناقلت أجهزة الإعلام المقروءة خبر هؤلاء الضباط الذين يُعدون أمراً ما! وبداية الثمانينيات كانت تلك المجموعة تلتقي في منزل الوزير الراحل علي الروا بشمبات في مدينة بحري، وكان يجتمع معهم بالإضافة إلى أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة أحمد فشاشوية، وكانت هي المجموعة بعد حفظ المعادلة بإدخال ممثلي لبعض جهات السودان وبعض الأسلحة التي أحدثت التغيير الشهير.

    شئ في النفوس!

    يشتكي بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة -منذ حل المجلس وحتى اليوم- من حال كانوا عليها إلى حال آلوا إليها لدرجة أن بعضهم يعتقد أن قبوله فكرة حل المجلس كان خطأ! ويمضي البعض الآخر إلى أكثر من ذلك باعتقاده أن قبوله عضوية ذلك المجلس كانت من أساسها خطأ! ومواقف متفرقة كانت وراء هذه الأحاسيس مثل أن يفشل أحدهم في مقابلة الرئيس أو يمنع دخول القصر الجمهوري أو القيادة العامة بسبب عدم المعرفة أو التنسيق المسبق! وإن كان بعضهم يحمد للرئيس مشاركته إياهم مناسباتهم الخاصة، وللراحل الزبير الذي كان يتفقدهم من حين إلى آخر، وإضافة إلى ما يعتبره بعضهم سوء حال فإن ضباط الإنقاذ السابقين يشتكون من حالة يعاني منها كل الضباط بالمعاش في العام الثالث وهي المراقبة الدائمة من قبل الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية خاصة عند حدوث تحرك مضاد للحكم وهي حالة يشتكي منها أعضاء الحكم السابقون!!.

    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=33&...ction=article&id=915

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 10-06-2008, 10:13 PM)

                  

10-06-2008, 10:18 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    من الأرشيف: حفر في الذاكرة : محمد طه محمد أحمد ما بين الجبل والنهر
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    رحلة تفتيش في الدفاتر الخاصة لرئيس تحرير الوفاق
    نعم أنا غير قابل للتحضر وجسمي يرفض حتى مكيفات الهواء!!
    لقد سرقني العمر...ولم أعش حياتي الطبيعية..!!
    الإسلاميون عندهم الغَيْرة والحسد!!
    دخلت في قصة حب ولكنها فشلت..!
    تعرضت لثلاث محاولات زواج فاشلة!!
    لا أتعاطف مع علي عثمان لأنه شايقي!!
    تيار التشيع داخل الحركة الإسلامية أخاف الترابي
    الوثائق البريطانية قالت إن محجوب عثمان عميل مصري!!
    على هؤلاء ألّا يدّعوا البطولات!
    سيد أحمد خليفة قال لي: أنت تحسدني يا محمد!
    هل كان من السهولة محاصرة محمد طه محمد أحمد؟! لا أظن أن الإجابة بنعم...هي الإجابة الصحيحة.. محمد طه رقم جدلي في معادلات الصحافة والسياسة السودانية المعاصرة غير قابل للتجاوز أو المرور عليه أو القفز من فوقه..وهو دوماً قادر على الاحتفاظ بإثارته ومقدرته على الإدهاش والمفاجأة.. فلا تستطيع أن تقدر ردود أفعاله...فهو لا يعطي القارئ شيك ضمان، الحوار الثلاثي الذي أجراه الطاهر حسن وضياء الدين بلال وجمال علي حسن مع محمد طه اختار لنفسه أن يتحرك في جغرافيا الرجل النفسية والثقافية دون محاذير أو مراعاة للخطوط الحمراء.. فعاد الحوار من رحلته بحصاد من الإجابات المثيرة والصريحة والجديدة كذلك.. والتي ترسم صورة قلمية لمحمد طه في كل أحواله.. في هدوئه وفي ثورته.. ولا نفسد عليكم الطعم ولكن تفضلوا لتناول هذه الوجبة الصحافية الدسمة وتحملوا مذاق توابلها الحارقة إلى نهاية الصحن..!!.
    الطاهر: محمد طه بدايات التكوين والنشأة؟
    طه: نحن أسرة شايقية لكنها من أقاصي الشمال...من وادي حلفا، وحلفا مدينة لها نكهة خاصة لأنها تقع ما بين النهر والجبل، حلفا تركت تأثيراً كبيراً جداً على حياتي أكثر من مناطق الشايقية، قرب حلفا من مصر مصدر ومنهل الثقافة قربني من الاطلاع الثقافي والأدبي الذي كان يمكن ألّا يتوفر لي في القرير، والقرير بالنسبة لحلفا أقل تحضراً، في حلفا كانت هنالك مكتبة السلام، والدي كان يومياً يأتي وفي رفقته الأصدقاء الذين لا نمل لهم حديثاً..وهم الكتب مثل كتب دار الهلال، وقرأنا فيها معظم ثمار الفكر العربي والإسلامي؛ طه حسين، والعقاد والمنفلوطي، وسلسلة العبقريات، وكتباً عن الثورة المصرية، وقرأنا مجلة العربي، فمنذ وقت مبكر شدت انتباهي للثقافة، أما بقية الأسرة لا توجد لديهم هذه الاهتمامات لأنهم ولدوا في مناطق الشايقية بالقرير والقرير بها ثقافات عامة مثل شعر الشايقية.. حلفا خلقت لي صلة بالكتاب وهي تختلف عن المدن...لان فيها طبائع المدينة وفيها ميزات القرية.
    -اعتدل طه في جلسته-
    ثم واصل حديثه:
    الشايقية والحلفاويون تجمع بينهم أواصر الإخوة.. فالدلائل تشير إلى أن عاصمة النوبة كانت بأراضي الشايقية بالبركل.
    ضياء الدين: محمد طه ما بين الجبل والنهر النهر بعذوبته والجبل بشدته وقسوته، مناخات مختلفة تتقلب فيها شخصية محمد طه؟
    طه: أتذكر جيداً..كان بيتنا في طرف المدينة، كنا في مدينة اسمها دبروسة كان هنالك ميدان يفصل بيننا والجبال، حدثت لنا قصة مثيرة ونحن صغار..كنا وقتها ستة أطفال نلعب في الجبل دون سابق إنذار حاصرتنا مجموعة من الثعابين، أهلنا كانوا يقولون إذا قتلت ثعباناً صغيراً تكسب عداوة كل الثعابين أتذكر أننا قتلنا ثعباناً صغيراً في مرة من المرات..وهنالك روايات كثيرة مسرحها كان وادي حلفا والمنطقة أصلاً منطقة ثعابين، كان رد فعلنا أننا أصبحنا نتقافز من أعلى إلى أسفل رغم وعورة مسالك الجبل، عدت إلى البيت مثخناً بالجراح...هذا ما يخص صِلاتي بالجبل!!
    التفت إلى اتجاه معاكس ثم قال:
    أما عن عذوبة النهر يا الطاهر...أنا إلى الآن (بيني وبين النهر عشانك عشرة بتبدأ) مثل محجوب شريف..ولاأزال على صلة بالنهر منذ حلفا والقرير التي كان فيها النهر قريباً جداً من بيتنا، وأنا سباح ماهر ويمكن أن أسبح في الليل، النهر لم يكن كله عذوبة، فمثلما تعرضت للثعابين في الجبل تعرضت للتمساح في النهر..!
    ضياء الدين: منذ البدايات صراع مع الثعابين والتماسيح، هل هذا هو الذي وسم شخصية محمد طه بالمزاج الصراعي الحاد؟!
    طه: يمكن أن يكون ذلك صحيحاً، لكن أثر السياسة كان أكبر، لا أرى نفسي عنيفاً، لكنْ ظروف كثيرة تجعلني أبدو متوتراً.. إضافة للسياسة جاءت الصحافة بكل موتراتها بعد أن أصبحت تحدياً شخصياً بالنسبة لي رغم ذلك لم اشترك في يوم واحد في أحداث عنف ولم أحمل عكازاً.
    قد يكون عنفك لفظياً؟
    طه: أبداً أنا قد أكون كثير الميل للسخرية ومحاولة هزيمة الآخرين بالحجة.
    الطاهر: محمد طه ليس عنيفاً والحدة ليست عنفاً قد تكون طبعاً هل أنت حاد الطبع؟
    طه: شوف يا الطاهر، الحدة في أي إنسان.. الحياة ليست جلسة صفاء طويلة..أشعر الآن أن حياتي الطبيعية لم أعشها بعد، بلغت 45 عاماً أي أن العمر سرقني حتى أطفالي روعة ورماح، رماح سيمتحن الجامعة في هذا العام...كثيراً أسأل نفسي (ديل..أنا ولدتهم متين)..منذ أن تزوجت يمكن البيت تناولت فيه وجبة الفطور والغداء، 40 مرة فقط، التوتر والحدة من طبيعة الحياة التي أعيشها، لكن طبيعتي الشخصية ليس بها توتر لأنني أحب القصة والشعر والغناء (ودي ما طبائع ناس حادين). حتى ولو كانوا حادين تجعلهم أكثر رقة، وحتى المفكرون الذين يوصفون بالحدة مثل سيد قطب، أنا لم أبدأ من أفكارهم الحادة (معالم على الطريق) ولكن من قصصه (المدينة المسحورة وأشواك وطفل من القرية) لكن السياسة والظرف الصحفي خاصة في الفترة الأخيرة جعلت الكثيرين يصفونني بأنني (زول حاد).
    ضياء الدين: إذا لم يكن محمد طه بحلفا ولم تكن هنالك مكتبة السلام وكنت بالقرير، إلى أي مدى كان سيكون هنالك اختلاف بين الشخصيتين؛ الشخصية الاحتمالية والشخصية التي بيننا الآن؟
    طه: الاسرة بطبيعتها بها بذرة الاهتمام بالفصاحة، يروى أن واحداً من أجدادنا، جدنا الكبير مثل أمام القاضي الإنجليزي وكان هنالك من يترجم له كلامه، وعندما أفحم القاضي بالحجج، سأل القاضي جدي (أنت الكلام دا بتجيبو من وين؟) فرد عليه بالقول (الجن قال)...ومنذ ذلك أطلق عليه لقب (جنقال) فالمسألة موجودة في الأسرة، يمكن إذا استمررت في حلفا أن أصبح رطّانياً، فتغلب الرطانة على لغتي العربية وأصبح مثل محمد وردي في بداياته لكن الشايقية أثروا فيّ بشعر إسماعيل حسن.
    جمال: هنالك قول بأن محمد طه لا يزال في القرير وهو غير قابل للتحضر والتعامل مع المدنية، أو أنه يشعر أن الشكل الذي ظهر به منحه لونية خاصة تميزه عن الآخرين لذلك أراد الاحتفاظ بتلك الصورة لدعم نجوميته؟
    شوف الكلام دا صحيح، أنا مُش قابل للتحضر بس أنا جسمي ذاتو يرفض التحضر، دي حاجة غريبة جداً، يعني مثلاً مكيف الهواء في المكتب يورم لي جسدي.. معدتي لا تقبل أي طعام فأنا شاعر أن هذه المسألة أشبه بالمنهج المفروض عليّ، وأنا لا أدمن الزهد لكن هذا الأمر أصبح بالنسبة لي فلسفة حياة، سيدنا عمر يقول (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) بمعنى مثلاً أنا حريص على أن أولادي يكونوا مثل باقي أبناء الناس ما ممكن أوديهم المدرسة بالعربية،، عاوزهم يتربوا مثلي.. أذكر أنني كنت أقطع مسافة طويلة جداً من الحي إلى القرير الوسطى، أنا أريدهم يعيشوا كده، طبعاً لن تكون نفس المعاناة هي أقل ولكن هذا الأمر سيفيدهم كثيراً.
    الطاهر: إذا كان محمد طه أهملته الحياة وفرضت عليه قسوة النشأة..لماذا يفرض تلك التجربة على أبنائه الذين أكرمتهم الحياة بمال وافر؟
    طه: أصلاً إذا أردت أن أشكلهم لا استطيع، يعني هم الآن ليس لهم أي اهتمامات سياسية يمكن روعة لها اهتمام ثقافي، رماح يمكن يكون طبيباً أو مهندساً وهم أصلاً محظوظون، أنا أبوي عندما ذهبنا للقرير لمصادر المعرفة انقطعت عنه.. أبوي يمكن يكون شكّل اهتماماتنا لكن أنا لا أقدر على تشكيلهم، فهم مسيرون بغير إرادتي أنا!.
    ضياء الدين: قد يكون ما قلته سابقاً هو فلسفة تبريرية للبخل؟
    طه: هذه فلسفة سيدنا عمر.. الحياة فيها الترف وفيها الزهد...من المفروض أن تختار لنفسك -ومن باب أولى لذريتك- تختار لهم طريقاً يؤمنهم من عثرات الدهر، النعم لا تدوم فمن الأفضل إذا جاء الثراء يكون إضافة إليه وإذا جاءه الفقر يكون هو أصلاً متحصناً بخشونة العيش..
    ضياء الدين: لماذا لا تعلمهم إدارة النعمة بدلاً من أن تؤقلمهم على العسر؟
    طه: أحاول أن أعلمهم أن يعيشوا حياة عادية، نحن نسكن في حي شعبي، أمهم ترغب لهم النعم... النساء يختلفن عن الرجال بمن فيهن بنت الإمام علي كانت تحب زينة الحياة الدنيا..والله خاطب زوجات النبي: (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً) الراحة مطلوبة ولكن أنا لا أرى أن يقوموا على الترف.. السودانيون يصيبهم التطلع الزائد عن الحاجة.. كنا في البيوت الملاية يتم تغييرها كل عيد. وكنا في القرير الوسطى والجامعة نغسل ملابسنا بأنفسنا، ولكن الآن يكون الشخص محدود الدخل جداً ويأخذ ملابسه إلى الغسّال!.
    ضياء الدين: الخوف من المستقبل من القادم والاحتراز له لحد عدم الاستمتاع بالحاضر، صفة ميزت خطاب محمد طه السياسي وجعلته دائماً أقرب للتشاؤم؟
    طه: من الضروري أن يبني كل شخص أو دولة حسابهم على الحد الأدنى..صحيفتي الوفاق هي في الأساس قائمة على التدبير المنزلي، قرأت قصة لنجيب محفوظ يقول فيها البطل: أمي بين النساء كألمانيا بين الدول تستفيد من كل شئ، وكان يضرب مثلاً بأن الملاية في البيت إذا قدمت تحول إلى كيس مخدة، والكيس إذا قدم يحول لقطعة مسح، الوفاق قامت على هذا النهج لذلك هي أقل الصحف تعرضاً للأزمات المالية كما تعلم يا ضياء -ضحك-
    جمال: إذاً محمد طه شخص غير قابل للتمتع بنعم الثراء؟
    طه: كل ما لدي أوجهه للصحيفة حتى تكون هي الصحيفة الأولى التي لا تستعين بغير الله.
    -ضحك- ثم واصل:
    أنا ما عندي قروش لكن إمكن عندي ورق ومطبعة فضل فيها قسط وللا قسطين، وإمكن عندي عقار خاص بالمطبعة والصحيفة نعم هذا ثراء ولكنه ثراء للرسالة الصحفية والمجتمع..لا ثراء بوباري مثل أن أذهب إلى جنيف في الإجازة وتكون لزوجتي حلي ذهبية وأرصدة في البنوك!.
    ضياء الدين: ماذا إذا قلنا إن محمد طه يعيش في الخرطوم على معكوس مصطفى سعيد في ود حامد... مصطفى سعيد بعد عودته من بريطانيا وفي منزله بود حامد كانت له غرفة على النمط الإنجليزي يقضي فيها أغلب وقته، فالبطل هنا استدعى الحياة الأوروبية إلى قريته، أنت في الخرطوم تستدعي الحياة الريفية، أبراج الحمام وسعاية الأغنام لمجتمعك الحضري الجديد؟!
    طه: أريد أن أوضح بأنني لم أشعر أصلاً أنني انتقلت لمجتمع حضري بقدومي للخرطوم بل العكس أنا أتيت من مجتمع حضري لمجتمع ريفي، أنا ابن أعرق مدينة في السودان؛ حلفا، يمكن تقول حدثت لي ردة مجتمعية (الخرطوم دي ما مدينة، دي شئ مجهول) وعندما جئت للخرطوم لم افتكر لها هل هي مدينة أم قرية فقد دخلنا في المعمعة السياسية، مصطفى سعيد لم يربط نفسه بقضية فكرية أو سياسية، ولكن كان يربط حياته بالمتعة واللذة، الرسالة ربطتنا باللذة السياسية، وأنا علاقاتي بالإسلاميين في مروي الثانوية وجامعة الخرطوم أكبر من علاقتي بأشقائي، لذلك أقول لك إن الالتزام السياسي عادة ما يقودك إلى مجتمع مختلف.
    ضياء الدين: ما هو الباب الذي دخل به محمد طه للحركة الإسلامية، إذا لم تكن كتب سيد قطب أو حسن البنا، خاصة وأن هنالك حديثاً شعبياً مثاراً عن تدين الحلفاويين، وأنت قضيت فترتك الأولى بحلفا؟
    طه: دخلت عبر التأثر الثقافي، كل المنطقة النوبية من حلفا إلى ديار الشايقية لم يدخلها الدين فاتحاً لذلك يشاع بأن هذه المنطقة ضعيفة في التدين، هذه المنطقة قبلت بالتدين الصوفي، البرهانية بدأت بحلفا وشيخهم حلفاوي محمد عثمان عبده البرهاني، ونسيت أن أقول لك بأن والدي كان برهانياً وكانت الحضرات تقام ببيتنا.. أنا طبعاً كنت معجباً بالاشتراكية ولكن أبعدني منها موقفها من الدين ولكن جذبتني أطروحات حسن البنا وسيد قطب.
    السؤال بصورة مباشرة من الذي استقطبك للحركة الإسلامية؟
    طه: ليس هنالك شخص محدد، كانت مناقشات عامة بمروي الثانوية، وكان هنالك تنظيم قوي جداً للجبهة الديمقراطية، وتنظيم قوي لحزب البعث أقوى فروع الجبهة الديمقراطية والبعث كانا بمروي الثانوية ونوري... عدد كبير من أطباء المنطقة درسوا بالعراق، ومعظم ضباط حركة 28 رمضان من تنقاسي، مدرسة مروي كان بها جو صراع سياسي وفكري حاد، في هذا المناخ وبحكم ثقافتي وقراءاتي وجدت نفسي أقرب للإسلاميين فقد كانوا الأكثر إقناعاً.
    ضياء الدين: فردانية محمد طه، البعض أطلق عليك صفة أبي ذر الغفاري، طوال سردك لم يتضح أثر الأصدقاء والأقران عليك، كنت عضواً بالاتجاه الإسلامي في الثانويات والجامعة بصلاحيات وسلطات مستقلة تماماً...صحيفتك في الجامعة التي تنطق باسمك فقط...وكذلك الوفاق الآن؟
    -أصبحت ملامح وجهه أكثر جدية-
    طه: قد يكون مرد ذلك لاختلاف الاهتمامات.. الإسلاميون لم يكن لهم اهتمام بالأدب إلا القليل منهم، لكن، لقد كنت بمروي الثانوية المسؤول السياسي في الاتجاه الإسلامي، ولقد انتخبت في أول مكتب سياسي للجبهة الإسلامية بعد تكوينها في 85، مع ذلك نعم هنالك فردانية، لم أكن أحب الدخول في العمل النقابي، تجربتي في العمل مع الجماعة لم تكن ناجحة، وكثيراً ما يحدث تصادم في القناعات.. تجربتي في الراية لم أكن سعيداً بها، وإذا لم أكن أملك الوفاق ليس هنالك صحيفة يمكن أن تستوعبني (وخليها مستورة)، في كل عمل سياسي هنالك المنافسة، الإسلاميون مثل كل البشر عندهم المنافسة والغَيْرة والحسد (هسع الصحيفة دي لو عندهم فيها يد لما قدموني لرئاسة التحرير.. لي معهم تجارب كثيرة) عملت في الملتقى فوجدت معاكسة كبيرة جداً، ولقد منعت أن أكون رئيس تحرير، في ألوان مورست ضغوط كثيرة حتى لا يظهر اسمي، وظللت اكتب باسم المحرر السياسي، كل هذا جعل من الفردية جنة بالنسبة لي..
    جمال: تتحدث عن أنك عملت الملتقى ولا تذكر الآخرين الذين كانوا معك؟
    طه: أنا أريد أن أميزها عن الإسلاميين الجماعة، لم تكن لها علاقة بالمتلقي وهي ليست إبداعاً خاصاً بي وحدي كذلك.
    ضياء الدين: لماذا يتملكك شعور باستعداء الآخرين لك؟
    طه: الآخر أنا تعاملت معه، لكن تجربتي معه لم تكن مفيدة ولا سعيدة، بسبب المشاكل التي حدثت في الحركة الإسلامية التي يشتعل فيها التنافس، فأنت كلما بعدت عن مجال التنافس فذلك أفضل، تجربة العمل الجماعي فيها مطبات كثيرة جداً.
    الطاهر: ومحمد طه من ينافس؟
    طه: إذا لدي كسب أفضل أن يذهب إلى المجتمع، وهم كانوا يستفيدون من كسبي استفادة كبيرة جداً، دون أن أنافسهم في اتحاد أو جمعية مثل أن أصبح نائباً في الجمعية التأسيسية (أنا كنت زول معروف جداً لأكثر من ناس كثيرين من الذين فازوا في دوائر الخريجين. كثيرون منهم كانوا نكرات لم يكونوا نجوماً ولم يكن يعرفهم أحد، وأنا كنت معروفاً جداً فأنا منذ 75 - 85 كنت أتحدث في الجامعة رغم ذلك لم أنزل في الانتخابات وكان هذا أفضل طبعاً إذا أصبحت نائباً في البرلمان لم يكن من الممكن أن أصبح صحفياً.. نعم إن عطائي من خلال الراية أفضل للمجتمع والحركة الإسلامية من أن أصبح نائباً في البرلمان.
    الطاهر: بعد كل هذه المجاهدات الطويلة هل شعرت بأنك مستغل من قبل الحركة الإسلامية وأنها تسخرك دون أن تدري؟
    طه: سؤالك دا مهم، هذا كان من أسرار نجاح الحركة الإسلامية في مرحلة الدعوة، والحركة كانت تتقبل أي فرد مهما كانت طبيعته؛ كادر عنف أو كادر نقاش.. لكن الدولة فيها المكاسب والمغانم والكراسي... ففي الجامعة يمكن أن تتعطل أو تسجن..أنا مثلاً سجنت ثلاث سنوات، الحركة تفرض عليك دفع الثمن لكن السلطة فيها المغانم.
    لماذا اخترت مهنة القانون؟
    طه: لم اختر القانون وليس لي علاقة بهذا الاختيار، كنت أرغب في دراسة الآداب.. والدي هو الذي ملأ الأورنيك واختار القانون وقالت وقتها أمي إن والدي يريدني أن أصبح قاضياً مثل قاضي مروي الذي يملك أكبر بيت هناك وعلى البحر.
    الطاهر: محمد طه كان معلماً ومحامياً والآن صحفي ما هو الخيط الذي يربط بين هذه المهن؟
    طه: كنت معلماً لفترة محدودة جداً بمدارس دار النعيم، واغتربت بعد ذلك إلى قطر هذه هي الفترة التي قابلت فيها الطيب صالح، وفي فترة التدريس تعرضت لثلاث محاولات فاشلة للزواج.
    -ضحك-
    ضياء الدين: محمد طه له تأثير على الحركة في مرحلة الجماعة والسلطة عبر قلمه الصحفي ما تأثير الحركة عليك في جانب اختياراتك الشخصية مثل الزواج مثلاً والعمل؟
    طه: الحركات كانت تلعب دوراً في الاختيارات الشخصية خاصة خيار الزواج، كثير من الأخوان المسلمين تزوجوا أخوات مسلمات، كانت لي تجربة في ذلك حيث كنت لا أفضل الزواج والارتباط بأخت مسلمة لأن وجود الأخوات المسلمات خارج البيت أكثر من وجودهنّ في البيت، لذلك كنت أفضل الزواج من فتاة عادية، ورغم ذلك كان من الممكن أن أتزوج من إحدى الأخوات المسلمات لكن هذا الزواج تعطل لأسباب عادية، وفي النهاية تزوجت زواجاً عادياً والأخوان المسلمين لا يجبروك على الزواج ولكن طبيعة المناخ تفرض عليك الزواج من داخل التنظيم.
    هل استقطبت زوجتك للحركة الإسلامية؟
    طه: أبداً أنا ما فضيت ليها أصلاً وهي امرأة عادية تلبس الحجاب ذي أي امرأة وتدرس الأطفال.
    ضياء الدين: طبيعة علاقتك بالمرأة هنالك حساسيات كثيرة فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين داخل التنظيمات الإسلامية السلفية والمعاصرة، كيف كانت علاقتك بالمرأة داخل إطار التنظيم وخارجه؟
    طه: لا يمكن أن تشبه العلاقة بين الجنسين داخل جماعة الأخوان المسلمين بالعلاقة المقابلة في أنصار السنة، فالأخوان المسلمين حركتهم حركة حجاب وليست حركة نقاب، فالعلاقات كانت عادية فالمرأة في الكلية والنشاط والاتحاد المشكلة الحقيقية في ممارسة الرياضة و...
    -مقاطعة-
    ضياء الدين: السؤال متعلق بمحمد طه وتجربته الشخصية في التجاذب بين الأطروحات الإسلامية المحافظة والتي تضبط العلاقة بين الجنسين بضوابط كثيرة، وروح الشباب ومتطلباته، في محيط مختلط وغير منضبط بالتصورات المحافظة، التجارب هذه إلى أي مدى كانت مصدر توتر وقلق بالنسبة لك؟
    طه: الفترة التي قضيناها في الجامعة كانت فترة التوترات السياسية والصراع السياسي وهما يطغيان على ما سواهما من توترات أُخر كانت.. (شوف مثلاً نحن سجلنا للجامعة يوم الخميس وانقلاب المقدم حسن حسين كان يوم الجمعة 5 سبتمبر 1975م ثم بعد ذلك جاءت حركة 2 يوليو 76 وجاءت المشاكل الكثيرة، الجامعات كانت تشهد مشاكل كثيرة من السياسيين وأمن نميري، وكانت هنالك في كل يوم (الكشة) الأمنية التي تنظف الجامعة من كل الصحف الحائطية والشعارات...لاحظ هذا التوتر في كل يوم كيف انظر للمرأة وللداخليات، وهذا حال كل السياسيين، والاهتمام بالمرأة في الجامعات (جا هسع لما الجامعات خلت من الصراع السياسي والندوات وأركان النقاش والمشاكل.. فالفراغ هو الذي جعل البعض يلتفت للنساء!.
    ضياء الدين: هل دخلت في قصة حب؟!
    ابتسم باقتضاب ثم قال: طبعاً لكن لم تنجح!!
    الطاهر: هنالك جانب مهم وهو علاقتك بالتشيّع وسط حركة الاتجاه الإسلامي، الذي بدأ يتميز فيها تيار ذو ميول شيعية، محمد طه اكتمل تيار تشيعه داخل الجامعة أم بعد التخرج فيها؟
    طه: تيار التشيع كاد يكتسح الحركة الإسلامية وحتى الجمعيات التي أنشأتها الحركة الإسلامية كانت صدى لجمعيات إيرانية مثل رائدات النهضة وجهاد البناء وزواج الزهراء، كل هذا العمل كان تأثراً بالحركة الإيرانية سلوكاً وفكراً وانتشرت كتب الثورة الإيرانية في أوساط الإسلاميين، وهذا التيار أخاف الكثيرين أولهم الترابي، أذكر في ذلك الوقت نشبت معركة كلامية بين الترابي وأمين بناني في مكتب الأول بالخرطوم (2)، الترابي قال لأمين (أنا عارفك داير تكوّن حزب الله في السودان) ورد عليه أمين (أنا لو عاوز أعمل حزب الله ما بتقدر تمنعني)..والتيار الشيعي كانت له مجلة كان يرأسها عبد الرحيم عمر محيي الدين، عمل ملحقاً إعلامياً بالسفارة السودانية ببيروت.
    ضياء الدين: هل هذا يعني أن محمد طه يعترف بأنه شيعي؟
    طه: لا أبداً، أنا عندي تعاطف مع آل البيت، والإمام علي، ولي قراءات مبكرة في الفكر والأدب المرتبط بآل البيت، حتى الروايات التي كتبها المسيحيون مثل جورج زيدان أنا من مدرسة ترى ضرورة التوحيد بين مدارس الفقه، التي هي في الأصل تقسيمات تاريخية، فالإمام علي لم يقل إنه شيعي ولا الإمام الحسن و...
    الطاهر: محمد طه عودنا أن يكون قاطعاً في اختياراته ولكنه في موضوع السنة والشيعة اختار مدرسة توفيقية، إذا وُضعت لأن تختار هل أنت شيعي أم سني؟
    طه: الإسلام سابق للتصنيف، أنا لست شيعياً وكذلك لست سنياً بالتصنيف الضيق الجاري الآن.
    الطاهر: مدرستك التوفيقية بين السنة والشيعة أين موضع سيدنا معاوية بن أبي سفيان فيها؟
    بدت ملامحه أكثر جدية مع انفعال طفيف..
    طه: طالما أن الإمام علي قاتله، فهو أول من سن للقيصرية والكسروية والملكية والوراثة في الحكم، وهذه أخطاء فادحة في التاريخ الإسلامي، فهو نازع الخليفة المنتخب الإمام علي والإمام علي دائماً على حق (ودي ما فيها كلام) لابد أن يكون هنالك من هو على حق والآخر على باطل.
    الطاهر: حاولت أن تقلل من أهمية التصنيف (شيعي وسني)، رغم أن المذهب الشيعي الذي يظهر اقترابك منه وتدعي حبه وأسميت ابنك الخميني يعطي هذه الخلافات في منشئها التاريخي بعداً عقدياً وارتبط بفكرة ولاية الفقيه؟
    طه: نشأة الخميني تختلف عن نشأتي، كذلك نحن من منابع ثقافية مختلفة، وأنا مطلع على المنهجين السني والشيعي، وأنا دارس للقرآن وللفقه وأنا..
    -مقاطعة-
    ضياء الدين: أراك تدخل نفسك في مقارنات مع زعماء تاريخيين ومعاصرين وتكثر من كلمة (أنا)..إلى أي مدى يمكن استنتاج أن محمد طه رجل نرجسي؟
    -ضحك-
    طه: لسبب بسيط أقول (أنا) لأن الحوار الذي تجرونه معي (أنا) وتسألونني عن أشياء متعلقة بي، فلا يمكن أن استخدم (نحن) فأنا أمثل نفسي في هذا الحوار.
    ضياء الدين: محمد طه، يحب الشعر لكن هل يكتبه؟
    طه: لا أبداً.. أنا أحب الشعر لكنني أحب القصة والرواية أكثر، كتبت القصة وكانت لي محاولات في كتابة الرواية.
    ماذا أخذت من الاشتراكية؟
    طه: العدل الاجتماعي، الاسلام اشتراكي لكن الشيوعيين ربطوا الاشتراكية بالعلمانية والإلحاد لذا نفرت منها الحركات الإسلامية.
    ضياء الدين: أبو ذر الغفاري هل يمثل قدوة بالنسبة لك في منهجه الفرداني؟
    طه: أبو ذر مهم جداً للمسلمين كنموذج صحابي..وهذا ما تشهد به الأحاديث النبوية.
    ضياء الدين: إلى أي مدى شخصية أبي ذر مؤثرة على نظرتك لذاتك ودورك؟
    طه: المسلمون الأوائل لو استمعوا لصيحات أبي ذر لتجنبوا الفتنة!
    ضياء الدين: أسميت صحيفتك في الجامعة (أشواك) والأشواك عادة ما تحمل مدلولاً سلبياً، وهي مما يصعب الاستفادة منه؟
    طه: أشواك أخذتها من رواية لسيد قطب قبل أن يلتزم في جماعة الإخوان المسلمين وهي قصة عاطفية (والأشواك) اسم أدبي لا يشبه الإيحاء الذي يأتيك منه عندما تسمع الاسم.
    ضياء الدين: هنالك مفارقة بين (أشواك) الجامعية التي لا يخفى بعدها الصراعى، والوفاق الحالية التي تبدو مهادنة في اسمها ..رحلة محمد طه من الأشواك إلى الوفاق، كيف كانت؟
    طه: أشواك لم تكن تعبر عن الصراع.. فهي كان بها اهتمام كبير بالأدب وكانت السياسة فيها تتحرك في فضاء الأدب، أما الوفاق فقد فرضتها المرحلة، فقد وصلت لقناعة بأن الصراع السياسي في السودان إذا وصل إلى نهاياته سوف يدمر السودان، لأن القوى السياسية تتملكها روح الانتقام فإذاً لابد من الوفاق.
    الطاهر: ماذا تعلمت من الفكر الجمهوري غير الاحتجاج؟
    طه: الفكر الجمهوري به إضافة مهمة جداً ألا وهي تأكيده فكرة العدالة الاجتماعية وحياة الجمهوريين وحياة المهندس محمود محمد طه فيها الكثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص، وفيهم كثير من حياة الأشعريين ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتبعه كل السودانيين، فهو قدوة في السلوك الاجتماعي.
    هل أنت حزين لإعدامه؟
    طه: (شوف دا سؤال خطير، لكن أنا ذي ما بتمنى لنفسي الهداية وأنا مازلت بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية، وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك).
    الإجابة غامضة...هل تعتقد أن إعدامه كان خطأ؟
    طه: (والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق)
    بناء على الحيثيات التي أعدم على إثرها، وأنت قانوني ماذا تقول؟
    طه: لعادل إبراهيم حمد مقولة ذكية وهي أن محمود لم يكن طارحاً نفسه كبطل ولكن كصاحب دعوة لا ينال.. قبل إعدام محمود بيوم كان هنالك حشد كبير للجمهوريين والمهتمين في الميدان الغربي لجامعة الخرطوم، وظل الجمهوريون يرددون (أن قوى الظلام في كل الأرض سوف تعجز عن نيل شعرة واحدة من رأس الأستاذ محمود محمد طه) فقد كانوا يعتقدون أن محمود فوق طاقة وإرادة البشر وله رسالة لن يموت إلا بعد إكمالها!.
    الطاهر: هل تفاجأت ببيان 30 يونيو؟
    طه: لم اتفاجأ، فقد فهمت من الإشارات، ولقد كنت عضواً في مجلس الشورى، أن هنالك تغييراً عسكرياً قادماً، والترابي لم يكن يخفي ذلك، لا أدري هل كان غير حذر أم يدعي ذلك للتمويه، وفي الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم قال (أنعي إليكم الديمقراطية)!.
    الطاهر: متى طرق لك الباب وأخبرت أن الانقلاب إسلامي ووجهت لك الدعوة لتأخذ موقعك من الصحيفة «الكذا»؟
    طه: دخلت في صباح الجمعة كعادتي باكراً إلى الخرطوم، وقابلني أحد كوادر الإخوان المسلمين وقال لي (البلد مشكلتها حلاها الجهاد) وعندها عرفت.
    -مقاطعة-
    من هذا الكادر؟
    طه: على كل حال هو مدني في القوات الخاصة أو السرية.
    ضياء الدين: كنت من الذين تعرضوا لبطش الإنقاذ في فترتها الأولى، الآن تبدو على علاقة حميمة بها، هل رضيت عنك أم رضيت عنها؟
    طه: كان ذلك في فترة التوترات، ومايزال النظام متوتراً فالتحديات الداخلية والخارجية ماتزال تحاصره، نحن من قبل لم نقدر تلك التحديات لأننا كنا كوادر جماهيرية صحفية نفكر في أن الأشياء يجب أن تمضي وفق تصورات مثالية محددة.
    ضياء الدين: السؤال ما يزال قائماً هل تفهّم محمد طه الطبيعة التوترية للإنقاذ، أم تفهمت هي الطبيعة الجماهيرية لمحمد طه ومتى تم هذا التفاهم؟
    طه: يمكن نكون الاثنان قد وصلنا إلى نقطة تفاهم في وسط الطريق، فالنظام نفسه اختلف عن بداياته وتبين له أن كثيراً من أطروحاتنا كانت صحيحة مثل دعوتنا للانفراج والوفاق، ونحن في المقابل تفهّمنا بعض المخاطر التي تجعله متوتراً،
    من المحطات المهة في مسيرة محمد طه كتاب محاولة اغتيال حسن الترابي كيف تقرؤه الآن؟
    طه: هو كتاب موضوعي أُورد فيه كثير من الجدل حول شخصية الترابي وهذا الكتاب يحوي نصائح وتحذيرات قدمتها للترابي.
    هل أنت نادم عليه؟
    طه: لا أندم على ما كتبته، هو يمكن أن يقرأ قراءة جديدة، أورد في الكتاب أن علي عبد الله يعقوب حذر الترابي من هذه الرحلة، لكن الترابي دائماً يحب المغامرات ويسخر من التحذيرات وهذه هي طريقته في الحياة بصفة عامة!.
    وماذا عن رصاصات عصام الترابي التي أطلقها نحوك؟
    طه: (الموضوع ده خلّوه هسع.. ما في داعي ليهو!)
    نريد تسجيلها للتاريخ؟
    طه: ما أحب أن أوكده أن عصام الترابي ليس سياسياً، وهو قال لي ذلك: (يا محمد إنت عارف أنا ما سياسي.. من حقك تهاجم أبوي، لكن ليس من حقك أن تهاجمني أنا).. هذا هو منطقه، لذا يجب ألا نخوض في هذه الواقعة!
    ضياء الدين: كتبت في 98 مقالة تحت عنوان: ما بين الأطلال واذكريني وقصيدة الإمام الصرصري فهمت على حد كبير أنها تعريض بالأستاذ علي عثمان محمد طه؟
    طه: مكتب السيد علي عثمان طلب المقالات وأخذها من إرشيف الجريدة وهي 13 مقالاً وهي بسيطة جداً من عنوانها... وكانت تريد أن توصل فكرة أن الحكم مسؤوليتنا جميعاً عبر المناصحة.. فيجب أن يكون لنا حق نصيحة الرجل العام في أي وقت.. كان هذا تقليد الحركة الإسلامية.. كنا نجلس كل أربعاء في منزل يس عمر الإمام ويوم الخميس مع الترابي.. نتحدث في الشأن العام.. وعلي عثمان كان الأجدر أن يحافظ على هذا التقليد.. ما معنى أن نذهب إلى منزله ونجد مديح عبد السلام في الإمام الصرصري؟! قد يكون علي عثمان كرجل دولة طاقته ووقته لا يستوعب هذه المسأله لكنه يمكن أن يستفيد هو نفسه من هذه اللقاءات.. لأنها تعكس له آراء ومعلومات لا يمكن أن تصله عن طريق التقارير.. فإذا كنا نذهب لعلي عثمان في منزله لنستمع لمديح البرعي أو فرقة الصحوة لا معنى لهذا لأن المديح موجود في أي مكان..
    ضياء الدين: روماريو يعود إلى الملعب.. سلسلة مقالات في وقت كان محمد طه في مساندة الترابي ضد مجموعة العشرة.. وكان يُشبه الترابي بروماريو اللاعب البرازيلي الخطير؟
    طه: لم أساند الترابي وقتها فقد كنت في مرحلة المراقب.. كنت أراقب اجتماع شورى المؤتمر الوطني من خارج القاعة وكان معي حسن مكي.. وكنت أقول إنها مباراة رياضية بها نجوم من طراز روماريو وبيبتو..
    -مقاطعة-
    ضياء الدين: لم تكتب تلك المقالات في ذلك الوقت ولكن كتبتها بعد الهجمة التي قادها الترابي ضد العشرة في المؤتمر العام للحزب. وعصف بالكثيرين منهم خارج هيئة قيادة المؤتمر؟
    طه: قلت «هجمة» لذلك أسميته روماريو.. فالترابي ما زال وحتى الآن يمثل دور «روماريو» في ساحة السياسة السودانية لأن لديه مقدرة الخلط بين الكثير من الأوراق.. فعندما كان قيد الإقامة الجبرية بكافوري كان الوضع مختلفاً عن الآن.. فما يحدث في كافوري والمُتغيِّرات التي طرأت على المفاوضات مع المتمردين جاءت بعد خروجه.. فهو له دوره وله قدراته التي يمتلك فيها خبرة كبيرة جداً على تلاميذه..
    -مقاطعة-
    ضياء الدين: هل تخشى على الحكومة من الترابي؟
    طه: الترابي له تأثير كبير وأن القوى السياسية الأخرى مثل حبات المسبحة غير المنظمة، فالترابي يمكن أن يكون الخيط الذي يجمع هذه الحبات وتلك المتناقضات ويمكن أن يسبب مشاكل لا حصر لها، ويمكن أن ينشط عبر أية جهة.
    ضياء الدين: يعتقد على نطاق واسع أن تحول محمد طه من التعريض بعلي عثمان في مقالات الصرصري ومدح الترابي في روماريو، إلي مدح علي عثمان وإساءة الترابي أخيراً أن محمد طه انحاز لعلي عثمان بمفهوم قبلي فقط؟
    طه: أنا لا أهتم بالقبلية، فقد عشت خارجها.. فقد تربيت في حلفا وهي مدينة نوبية، وعلي عثمان لا يهتم بالقبلية لأنه ولد في الخرطوم، ولا أقول سراً إذا قلت إن المرات التي التقيت فيها علي عثمان تكاد تكون قليلة جداً..
    الطاهر: صمت في الدفاع عن إيقاف صحف الأيام وألوان والوطن وفي مجالس تتبع لجهات مسؤولة عن الأمن في البلد، هاجمت بعض رؤساء الصحف؟
    صمت..بشئ من الغضب قال:
    طه: هنالك حقيقة لابد أن يعرفها الناس عشان يفرقوا بين البطل وبين ادعاء البطولة، فمحجوب محمد صالح، هو رئيس لجنة تأميم الصحافة السودانية في عهد مايو، وهذه حقيقة مثبتة فهو مسؤول عن تأميم ومصادرة الصحف مع التجربة اليسارية القاسية، وكان رئيس تحرير الصحيفة، ومايو كانت بتضرب في الناس بالقنابل في الجزيرة أبا وفي ود نوباوي، وكذلك محجوب عثمان هو وزير الإرشاد، في عهد مايو، التي كانت تجمع الثقافة والإعلام...(فما يدعوا البطولات) الحكومة تعرف ذلك جيداً، وحتى كان فيها وزير وهو مهدي إبراهيم كان مطارداً في عهد محجوب عثمان وأكثر من ذلك اللجنة الرباعية التي كانت تنسق بين المخابرات والأمن والصحافة في ذلك الوقت مسؤولها الأول كان محجوب محمد صالح...ولجنة العشرة نفسها..الرئيس كلفهم بالحوار، العضو فيها هو محجوب محمد صالح، أما محجوب عثمان فقد أشارت الوثائق البريطانية إلى أنه بالإضافة لشيوعيته مخترق من قبل المخابرات المصرية، ونشر ذلك نقلاً عن الوثائق البريطانية في مجلة المجلة والشرق الأوسط.
    بالإضافة إلى أنه كان لوقت قريب جداً مع التجمع الذي يحرق في كسلا ويضرب خطوط الأنابيب، رغم ذلك تم قبوله في الوطن، فلا يمكن أن ينقل حرب الشرق للداخل وينشر في جريدته بيان مؤتمر (البجا).
    الذي يتحدث عن تطهير عرقي مزعوم لشعب «البجا».. والشكوى هي أصلاً جاءت من قاضي محكمة عليا وهو مسجل التنظيمات السياسية ويمكن الرجوع إليه.. فلا يمكن أن يتعدوا كل الخطوط الحمراء للبلد.. و«الأيام» كسبت ملايين الجنيهات كملفات وملاحق من المؤسسات الحكومية.. وحرمت أنا من الإعلان لأكثر من عام.. بقرار من الطيب مصطفى وعبيد أحمد مروح.. ويشهد بذلك علي شمو.. قدمت النصائح لمحجوب محمد صالح وسيد أحمد خليفة وابنه عادل في اجتماعات كثيرة جداً في المجالس العدلية وقلت لهم إني أعرف النظام أكثر منكم.. فلا بد أن نعمل معادلة.. مثل شعرة معاوية إذا شد نحن نرخي.. وإذا رخى نحن نشد.. وفي اجتماع احتددنا مع سيد أحمد خليفة وابنه عادل.. وتجمعني بهم علاقة شخصية.. ولم يقبلوا نصائحي، بل إن الشرطة اشتكت للرئيس في ما كتبته الوطن بأن الشرطة تعتدي وتقتحم بيوت الله في إحدى المظاهرات.. بدعوى أن هذا يؤلب المواطن على الشرطة.. ولا أومن بالمنافسة الصحفية.. وسيد أحمد خليفة قال لي في أحد الاجتماعات: بلغني أنك حسدتني! فقلت له: أحسدك على ماذا؟.. إذا كان ذلك كذلك فلماذا أنا عملت ليك إعلانات بخمسة وعشرين مليون جنيه في الصفحة الأولى من «الوفاق» لصحيفة «الوطن» مجاناً فهل هنالك شخص يعمل إعلانات لآخر منافسه؟ صحيفة «الوفاق» غير قابلة للمنافسة.. لأن طريقتها مختلفة.. لكنهم لم يقبلوا النصيحة.. فـ«الأيام» كانت تعتقد أن القوى الأجنبية يمكن أن تحميها.. ويخرج السفير البريطاني أو القائم بالأعمال الأمريكي ويضغطا على الحكومة.. وقلنا لهم إن الأمريكان أنفسهم قتلوا طارق أيوب.. يمكن النظام دا يقول بنفس المنطق الذي عزلتم به مهدي إبراهيم.. يمكن أن نطبقه.. فنحن غير مكلفين بالدفاع عن أناس أصلاً باحثين عن المشاكل.. وندافع عنهم بالباطل والآن قضاياهم معروضة أمام القضاء والنيابة..
    ماذا عن الوطن؟
    أسباب إيقافها هي أسباب غير سياسية.. وسيد أحمد خليفة يعرف ذلك جيداً.. بدليل أن مدير جهاز الأمن الداخلي تناول معهم وجبة الإفطار الرمضاني في منزلهم قبل إغلاقها بـ«48» ساعة!.. وقلت لعادل سيد أحمد خليفة: أنتم تناولتم بالخط العريض 7 مرات في الجريدة «محامي يعمل في السوق وعايزين تدمروا سمعته» وهو عبد الرحمن محمد علي.. وعايزين تقطعوا عيشته.. وأنتم بنفس الطريقة سوف ينالكم مصيره.. سوف يقفلون جريدتكم ويقطعون رزقكم.. وهذا ما حدث فعلاً.. ودعوتهم لمعالجة ذلك.. والكف عن ترديد «محامي الرشوة.. محامي الرشوة».. إذاً مشكلتهم غير سياسية.. وكل المشكلة أن الصحيفة تجاوزت حدوداً كبيرة جداً.. لا علاقة لها بالصراع السياسي..
    أما «ألوان» فليس لديها مشكلة.. الترابي قال فيها: «ألوان تتلون...» ولا أقدر أن استعدي عليها الناس ولا أحببهم فيها.. لأن حسين خوجلي.. النائب الأول يعلمه خبر إطلاق الترابي قبل أي شخص وهذا سبق صحفي..
    - مقاطعة -
    يقال إنك صمت فترة توقيفها؟
    توقيفها تم عبر الأجهزة.. ونحن في «الوفاق» أيضاً طالنا الإيقاف بل توقفنا أطول فترة 15 يوماً.. ولم يوقفنا القضاء، ونحن الصحيفة الوحيدة التي قال القضاء إنّ إيقافها غير صحيح..!
    - أخيراً محمد طه بعد رحلته من «أشواك» الحائطية إلى «الوفاق» اليومية.. ماذا بقى من المشوار؟
    صمت!!
    قال: لم يبق سوى القبر!


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=38&...ction=article&id=951
                  

10-06-2008, 10:21 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    الكاتب د. أحمد البدوي لـ(الخرطوم الجديدة)
    بقلم: عبدالمنعم حسن الحاج

    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    أعكف الآن على مشروع دائرة المعارف السودانية
    كتاباتي عن أم درمان محاولة لرد الجميل لمكان مدهش
    التجاني يوسف بشير هو الشاعر الأول على امتداد القرن العشرين
    الإذاعة الواحدة كانت مثل حكّامة القبيلة تعطي صوتها للجالس على الكرسي!
    عيب إذاعتنا الإكثار من الأغاني!
    المراكز الثقافية المستقلة تميّز عاصمتنا الخرطوم
    الأغنية السودانية الحديثة كهربائية الموسيقى ومعلبة وتعاني من الأنيميا!
    تحولت الملفات الثقافية من فضل زاد إلى سلطة داخل الجريدة!

    المشهد الثقافي الآن أكثر معافاة ومتانة من المشهد السياسي
    (الخرطوم الجديدة) في حضرة كاتب تتسامر العاصفير بذائقته النقدية
    د. أحمد البدوي يكشف عن ملامح مشروعه السوداني
    مدخل
    إنه كاتب تتسامر العصافير بذائقته النقدية، وتتفتق الآفاق بإرهاص إبداعه النقدي، استل قوس قزحه من قلب السحب ذات مساء ماطر شفيف وكتب بالألوان ما لا عين قرأت ولا خطر ببال بشر.
    سيرة
    د. أحمد محمد البدوي، أستاذ جامعي، مارس التدريس بكفاءة مشهودة في جامعات سودانية نيجيرية ليبية وبريطانية، كاتب وناقد، رقم احتفت بكتاباته كبريات الصحف والمجلات داخل وخارج البلاد، رفد المكتبة السودانية والعربية بكتابات رصينة، من كتبه المنشورة: الطيب صالح سيرة كاتب ونص الدار الثقافية، القاهرة - سيد قطب ناقداً، الدار الثقافية القاهرة -علامات على خارطة النقد الأدبي، منشورات جامعة قاريونس بنغازي ليبيا - الخليل بن أحمد سيرة ونصوص، منشورات جامعة قاريونس بنغازي ليبيا - أوراق عربية من صكتو، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي ليبيا - ترجمة سيرة ذاتية لمحمد علي دوس - مركز البحوث، المنيل القاهرة.
    وله كتب قيد النشر نذكر منها: بديع إلى درجة، محمد المهدي المجذوب، القاهرة ومحمود محمد شاكر الناقد الأدبي- القاهرة، الدارس غلب الفارس.
    حاوره: عبد المنعم حسن الحاج
    أحمد محمد البدوي ومشروعه السوداني
    منذ رعشة الخلق الأولى لكتاباتك أنت مهموم بالسودان الوطن الإبداع. إلى أي مدى، وصل مشروعك السوداني؟
    أثناء إقامتي، جسداً خارج الحدود، تمكنت من نشر بعض الكتب ذات الصلة بالسودان منها: الطيب صالح، سيرة كاتب ونص، ومنها مسكين من دنقلا، سيرة الإمام المهدي ومنها ترجمة كتاب: حياة موّارة ألفه دوس محمد علي بالإنجليزية، مع دراسة عن مسيرته وإنجازه، وهو كاتب سوداني عاش في القرن التاسع عشر وحتى العشرينيات، عشرينيات القرن العشرين، في لندن، وعمل بالتأليف المسرحي والتمثيل والصحافة والسياسة، ثم انتقل إلى أمريكا، وقضى سنواته الأخيرة في نيجيريا، في عاصمتها لاغوس.
    أما الآن، فإن المشروع يتضمن أمرين أولهما: استكمال أعمال سبق إعدادها «خارج الحدود»، ولكن ثمة فجوات ولمسات، من العسير استكمالها إلا في السودان، فهي «خارج الحدود» ،عزيزة منال.
    أولها: الأستاذ: سيرة محمود محمد طه، في لندن وأدنبرة وقفت على أوراق المخابرات البريطانية والإدارة الاستعمارية، وما كتبه باحثون في ألمانيا وأمريكا، والجمهوريون وثقوا كل شئ عن الأستاذ بحيث لم يتركوا شيئاً غائباً، وذلك عن الأستاذ بعد حادثة رفاعة، ما احتاج إليه هو جمع مادة وافية عن الفترة السابقة، ولا سيما أيامه في عطبرة، باختصار لا مناص من عقد مقابلات مع شخصيات معينة، واستيفاء جمع مادة مدونة مخطوطة ومطبوعة.
    وكتاب آخر: جاهز الإلمامة، هو صورة الزول (السوداني) في المرآة العربية، مستمدة من نصوص أدبية وصحائف منشورة، وكتاب: (ديوان الشعر السوداني: مختارات وكتاب، الفيتوري في مجتلاه الأول).
    بدأ مشروعك يتمدد في مساحات ضوئية فسيحة؛ اللقاءات، الندوات والإصدارات؟
    بدأت السير في طريق التعاون مع زملائي وزميلاتي لإنجاز أعمال بدءاً من اللقاءات الخاصة، والندوات المفتوحة، إلى عقد المؤتمرات ونشر الكتب، وسعدت في العام الماضي، بولادة المنتدى، الذي اقترح إقامته د.موسى الخليفة وضم د.عبد المتعال زين العابدين والأستاذة بثينة خضر، وبدأ بتقديم أوراق مكتوبة في لقاءات خاصة، وينتقل الآن إلى مرحلة إصدار مجلة علمية محكّمة.
    ولأني أعكف على مشروع دائرة المعارف السودانية، فسيحدد التعاون مع الآخرين مدى حظ المشروع من النجاح، وعلى هامش هذا المشروع سيصدر كتيب في (1٦ صفحة عن علم من الأعلام، وكان من المفروض أن نبدأ بالشيخ الأمين الضرير، وآل الضرير قوم معروفون بالفضل والعلم والنبل، ولكنني رأيت أن يتطور هذا المشروع إلى إصدار موسوعة عن آل الضرير؛ وهي موسوعة معلوماتها متاحة، وطريق مستقيم واضح المعالم، ومن دلائل التوفيق، حسن استجابة آل الضرير وعونهم وأريحيتهم.
    لمشروعك اهتمامات شخصية أثيرة للنفس
    أما الجانب الشخصي من المشروع، فيتضمن العكوف على إعداد كتاب عن أم درمان، محاولة متطلعة إلى رد الجميل إلى مكان مدهش وباهر، وأجمل شئ في الأمكنة سكانها، وأم درمان كلمة، هي مضاف إليه، حذف منه المضاف لأنه معروف بالبداهة أي أهل أم درمان أو إنسان أم درمان، وهو عملة حضارية نادرة، لا توجد إلا في مكانها، أو منسوبة إليه بالنبل والذوق، ولكن الكتابة عن أم درمان معناها تناول التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي، مما أدى إلى توزيع العمل على كتابين؛ الأول: أم درمان ملامح من سيرتها، وفقما تتبدى في مرآة الكاتب، والثاني: كتاب في تاريخ السودان الحديث، بوصفه دائرة متحركة حول مركزها، أم درمان، يتناول الجزء الأول المرحلة الممتدة من النصف الثاني من الثلاثينيات رحيل عرفات 1936م، التجاني 1937م، قيام مؤتمر الخريجين 1937م وحتى عام 1956م، يعرض للتاريخ الثقافي، الصحافة والشعر... إلخ والتاريخ السياسي، الحركة الوطنية وأحزابها ومواجيدها، والتاريخ الاجتماعي، تاريخ الإنسان العادي ونمو المدينة، وما يمور فيها، معتمداً في المقام الأول على المصادر المحلية السودانية المخطوطة والمنشورة، والرواية الشفوية؛ المقابلات والمشاهدات ما يسمى تنقية الثقافة من وضر الاستعمار Decolonization fo culture وأول ذلك النأي عما كتب الإداريون الاستعماريون وتمحيصه وتجنب الاعتماد عليه كمصدر وحجة.
    ويظهر أن وقوفي على تجربة الأندلس في مجال الحب الإنساني، والتعبير عنه شعراً حفزني لتدوين كتاب عن تجربة الحب الإنساني في السودان، مفيداً إلى حد كبير من أم درمان، ولا سيما شعرها الغنائي، القديم والمستحدث، فأم درمان هي بلد الحب الإنساني في أسمى مظاهره وأسناها، وهو رأي انتهيت إليه، قبل أن يصدر كتاب (المجذوب والذكريات)، حيث عبر مؤلفه أبو سن برزانة وسطوع عن هذا الرأي، وسمى أم درمان (مدينة الحب).
    وعلى هامش ذلك نواصل مع أخي، د.علاء الدين أغا، إعداد الأعمال الكاملة للتجاني وسنبدأ بالأعمال الشعرية محققة ومشروحة في طبعة حسنة متقنة، وذلك بعد 70 سنة من رحيل التجاني، نموذج أو «إيقونة» إنسان أم درمان النبيل، وهو أعظم شاعر أنجبته أم درمان، والشاعر العربي الأول على امتداد القرن العشرين.
    وأحاول أيضاً كتابة رواية عن مرحلة زمانية، عنوانها: الخساسة، لعل هذا أبرز ما يسعى إليه المشروع، على مدى الاستراتيجية بالحلم والدأب والتضامن.
    د. البدوي المشهد الثقافي.. الإذاعات المستقلة.. المراكز الثقافية ..الأغاني الملاحق أو الملفات الثقافية ما هو تقييمكم؟
    الحيوية تمثل الطابع الغالب على النسيج الحي من المشهد الثقافي،
    فلأول مرة ظهرت إذاعات، وكانت هناك إذاعة واحدة ممنوحة للدولة، مثل حكّامة القبيلة، تمنح صوتها وحنجرتها للجالس على الكرسي، وظهرت المراكز الثقافية، وزادت كمية الروايات السودانية المنشورة، المشهد الثقافي الآن أكثر معافاة ومتانة من المشهد السياسي من حيث الرصيد والحصيلة والنوعية، وخاصة إذا تضامنت أيدي رموز الثقافة في المجتمع مع أيدي رموز الثقافة في المؤسسات الأكاديمية (مثلما حدث في جريدة الصراحة قبل الاستقلال).
    الإذاعة المستقلة؟!
    مكسب كبير، ولكن تطويرها يقتضي التخلص من عيب الإذاعة السودانية التقليدية الرسمية، وهو الإكثار من الأغاني، الترويج للأغاني صار وظيفة الشركات ومهمة أجهزة التسجيل، وهذا يعني اكتساب الميسم الأساسي للإذاعة الحديثة وهو بث الكلام، وخاصة إدارة الحوار مع الجمهور في الشؤون الاجتماعية المختلفة، والحوار يرتبط ببروز الآراء المتباينة، والتعرف على موقف الرأي العام، مهمة الكلمة المسموعة والمقروءة يجب أن تقترن بالوعي في مداها الغالب، وألّا تحصر في نطاق الترفيه واللهو.
    وكان من سمات الإذاعة التقليدية جنوح المذيعين إلى المغالاة في تزويق الكلام، وبهرجته، رصف كلمات لامعة ذات جرس ولمعان، وليس لها عمق، وقد يُعزى ذلك إلى دافع الفرار من التورط، ولا بد للإذاعة الآن من التحلي بالبساطة، الكلام السهل الدال على النحو التلقائي الذي نراه في حياتنا اليومية.
    آفة التكلف في الكلام والنطق المفخم (المقعّد) والزي واختيار الموسيقى والغناء، تدل على التخلف.
    المراكز الثقافية؟
    لعل العاصمة الآن تتميز بهذه الظاهرة التي لا نظير لها في المنطقة العربية والأفريقية، ببروز مجموعة من المراكز الثقافية المستقلة عن أي هدف أو دافع غير ثقافي.
    ويظهر أن مهمتها اليومية هي إتاحة الفرصة للجمهور، لممارسة القراءة والحوار (بمعنى أن تسمع الناس وأن يسمعك الناس).
    فالمركز منتدى ثقافي ومكتبة ومجال احتكاك وتبادل خبرات، هذا الانطباع الإيجابي اكتسبته من زيارة مركز البشير الريح ولكن!.
    الأغاني؟!
    في حين تروج الأغنية السودانية القديمة رواجاً لا منافس له من سواكن إلى السنغال، وفي حين تبرز الأغنية الأفريقية عالمياً بأدواتها الموسيقية التقليدية، فإن الأغنية السودانية الحديثة تغلب عليها الموسيقى الكهربائية، أي أنها آثرت أن تكون معلبة بدلاً من أن تكون (طازجة) وهي تعاني من (فقر دم) في الكلمات، ولهذا اتجهت إلى (الجاهز) القديم من أغاني الحقيبة وما بعدها!
    يتعزز موقف الأغنية السودانية بالاستفادة من تجربة طلائع غرب أفريقيا الذين صعدوا إلى العامية، مصطحبين آلاتهم الموسيقية التقليدية ومعها نبض أهلهم وأمتهم وعشائرهم!.
    الملاحق الثقافية
    الملحق الثقافي سلطة داخل الجريدة بمعنى تحوّل المادة الثقافية من هامش في الجريدة اليومية، وفضل زاد، ونافلة بل (زائدة دودية) إلى مركز الدائرة) حتى صارت كل جريدة تتميز عن غيرها بمزايا ملحقها الثقافي، وربما يغالط بعض المتنفذين في الصحف، فينكرون قيمة الملحق الثقافي، ولكن الجريدة اليومية لم تعد مصدر الخبر الجديد، فهناك وسائل أخرى تسبقها وتحوّل أخبارها إلى مادة (بائتة)، ما يميز الجريدة اليومية الآن هو العمود- ويدخل فيه التعلقي على الأخبار- والملحق الثقافي، والأيدولوجيا تكاد تلوّن الأعمدة، وهذا ملمح سلبي، بيد أن المنحى الإيجابي في العمود المميز هو طريقته في التناول، وهنا نقترب من الملحق الثقافي بل يتحول إلى كتابة ثقافية، وهذا ما يطلق عليه (الصحافة الحديثة) أي الصحافة ذات المنزع الأدبي في أسلوب التناول.
    ومن ناحية أخرى، يرتقي الملحق الثقافي كلما ابتعد عن وحل الأيدولوجيا بمعناها الواسع، الجريدة الناجحة هي الجريدة الثقافية غير المؤدلجة.
    ولكن ازدهار الملحق الثقافي جدير بأن تسنده مجلات ثقافية شهرية وفصلية، مخصصة كلها للشأن الثقافي، وليست مجلات متخصصة في المغنين وأخبارهم الشخصية والغناء.
    وإذا كنا نشهد الآن صدور مجموعة من الصحف الرياضية مع تكريس مركز الدائرة لكرة القدم فإن كرة القدم السودانية من حيث مستوى الأداء هابطة ومتخلفة، وسلبية، في حين أن الصحافة الرياضية من حيث مستوى الأداء المهني والفني متقدمة وإيجابية، وهذه مفارقة: صحافة ذات كفاءة عالية وأداء إيجابي لظاهرة هابطة ومتخلفة!، في حين أن الأداء الثقافي ذو كفاءة عالية وأداء إيجابي وباهر، ولكنه بدون مجلات مخصصة له، تصدر بصورة منتظمة.
    رصيد الحركة الثقافية السودانية يعتز بنفسه وقادر على المنافسة خارج السودان، وإثبات التفوق، رصيد كرة القدم السودانية، على ملعب المنافسات الإٍقليمية (على مستوى القارة) رصيد بائس ولا يقارن بدول.. سكان أم درمان، أكثر عدداً من سكانها مثل: السنغال والكاميرون.. لا مناص من صدور مجلات ثقافية توزع محلياً، وتتجاوز الحدود إلى رحابة بلاد الله المجاورة وما بعدها.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=41&...tion=article&id=1012
                  

10-06-2008, 10:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    سياسة: أنا يساري وليس لدي ما أندم عليه


    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    إسحق أحمد فضل الله مثل الفأر الذي لازال يظن أن القط أخطر مخلوق رغم وجود قنابل نووية!!
    لا أتبول على الإناء الذي أكلت منه مثل الطيب مصطفى!!
    ليست لدي طموحات سياسية في قطاع الشمال!
    قرنق أصر على بقائي معه وقلت لسلفاكير سأعمل لعام واحد!!
    كان هذا ردي على البشير عندما سألني هل لازلت شيوعياً؟!
    سأغرس أرجل الحركة الشعبية في أرض الشمال عميقاً رغم أنف الطيب مصطفى ومن معه
    أنا يساري ولست غريماً لكارل ماركس
    الصراع داخل الحركة الشعبية سر مفتوح
    صفق أعضاء المكتب السياسي في جوبا لما حققناه في قطاع الشمال
    أنا قلق وأحلامي في سودان كبير بدأت تتراجع!!
    مقدمة
    تسرب من بين عيون وثقوب الحياة السياسية في شمال السودان الطالب ياسر سعيد عرمان عندما اتجه إلى أدغال الجنوب ناشداً حركة الدكتور جون قرنق ولسان الذين افتقدوه يردد (ولداً متين بقى للسفر والاغتراب والدردرة) ولكن في عيون البعض كان مبعوث الحزب الشيوعي السوداني لاختراق الحركة الشعبية وامتطائها لإيصال الشيوعيين إلى الحكم، وكبرت الحركة وكبر ياسر ورحل قرنق وبقيت الحركة وبقي عرمان وزادت الاتهامات وتجددت عندما نشط (ياسر) في قطاع الشمال... فكيف يرد الاتهام وكيف يرد على الذين يتهمونه..؟!
    في ظل الاستقطاب الواسع الذي يقوم به قطاع الشمال داخل الحركة الشعبية ألا تخشون من الافتراق السياسي لتنظيمكم؟
    نحن ومنذ استقبال الدكتور جون قرنق في الساحة الخضراء كان هنالك مؤشر واضح وثيرومتر دقيق لكل من يقرأ قراءة سياسية جيدة أن فكرة السودان الجديد وبعد 21 عاماً أصبحت فكرة تلبي حاجة كبيرة للغاية للمثقفين والناس العاديين وقد كان في إنتظار الدكتور جون قرنق جماعات كبيرة، -وكما علق أحد الظرفاء- من الشيخ الترابي وحتى ستات العرقي!! والحركة استقبلت أطروحاتها كل أطراف المجتمع السوداني، فالطرق الصوفية رأت في رؤيتها امتداداً لروح التعايش والسماحة التي غرسوها في هذا البلد، كذلك النساء المهمشات والمزارعون والريف الذي أُفقر والبيوت التقليدية التي همشت وأبناؤها المثقفون إضافة للتوتر الإثني الحاد الذي لا بديل لمعالجته سوى رؤية الحركة الشعبية، وأنا ألتقي عشرات الناس يومياً ومنهم على سبيل المثال زعماء قبيلة الرشايدة العربية.. وتقرأ هنا إهداء بكلمات مشرقة من أحد عمدها والدكتور قرنق اختزن أحلام هؤلاء الناس، ونحن حركة جماهيرية عاتبة لا تخشى الاختراقات، وإنما تخشى الاختراقات الأحزاب العقائدية الصغيرة ولكننا حركة جماهيرية يأتيها الناس بالآلاف وتأتيها قبائل كاملة، ولك أن تعلم أن فيها تنظيماً يسمى اللجنة المركزية لأبناء المساليت وقطاعات نوبية ورجال طرق صوفية، ونحن وضعنا استراتيجية أن تبني الحركة على الانفتاح الواسع لاستيعاب هذا الكم الهائل، وقطاع الشمال مثلاً كان به 17 شخصاً يقومون بالعمل، الآن بلغوا 140، وله مدرسة سياسية هي مدرسة الدكتور جون قرنق، ولدينا حملات تنظيمية واسعة للعمل، وذهبنا للأقاليم وكان مدهشاً مستوى الاستقبال من الجماهير وهي لا تكذب.
    أستاذ ياسر أنت متهم دائماً بالعمل لمصلحة الحزب الشيوعي داخل الحركة الشعبية؟
    رواية مضحكة وتوضح بؤس ما أرادوا إلصاقه بي وهم يعلمون أن الجماهير واستقبالاتها الحاشدة لا تكون لحركة تعمل بالوكالة، وغريب أن يحتج خصوم الحركة الشعبية فما هذا الود وهذا الاهتمام بها؟! اقرأ من يقوم بالكتابة في هذا الأمر والاتهام الآن أن الدكتور جون قرنق نفسه كان يعمل لمصلحة الحزب الشيوعي وهذه مسألة مضحكة، والذين يعرفون قامته وقدرته لا يصدقون ذلك، ومثلاً إسحق أحمد فضل الله وغيره إذا تعاملت معهم بحسن نية ودون شكوك يمكن أن أقول إنهم كالفأر الذي لا يزال يرى أن القط هو أخطر مخلوق في العالم على الرغم من وجود القنابل النووية!!
    وإسحق لا يرى أكثر من أرنبة أنفه ولكن إذا تكلمت بشكل حقيقي فإن إسحق ومن معه يريدون إغراق الحركة الشعبية وإرباكها وجرها إلى قضايا إثنية، ولديهم مصلحة في تخويف الناس وإبعادهم عنها، وتذكر في الاحتفال بذكرى جون قرنق في استاد المريخ كتب إسحق ومن معه أن إستاد المريخ سوف يشهد مجزرة وقالوا عن الشموع التي أوقدناها إنها عادة مسيحية، وكان شعارنا فلنوقد شموع التسامح والمحبة، وشعاراتنا تكشف نوايانا وشعاراتهم تكشف نواياهم دائماً، وهم يريدون استخدام أي رماد يذر على العيون، وبدأوا بالقول إن هنالك مذكرة قدمت للسيد سلفاكير وإن دينق كوج وملونق وأقوك ماكور يحتجون فيها من تهميش ياسر عرمان لهم في قطاع الشمال، ولكن وصلهم في ذلك الوقت أن دينق يشرف على العمل بولاية سنار وأقول يشرف على ولاية الجزيرة، وملونق في النيل الأبيض وهي ظاهرة جديدة أن يشرف على العمل في ولايات شمالية شباب جنوبيون وهذا لم يحدث منذ هزيمة حركة اللواء الأبيض.
    البعض يصفك (بالمفرغ من الحزب الشيوعي للعمل داخل الحركة-كعمل منظم مسبقاً ومعد سلفاً)؟
    هم يعتبرون أن مقتل الحركة الشعبية في بقائها حركة جنوبية، ويخافون نجاحها في الشمال وأنها ستنجح إن نجحت في أهدافها القومية، لذا المعركة طويلة وهي امتداد لمثلث كولينيالي يقسم السودان على أساس عرقي وديني، وإسحق فضل الله يلعب في هذا المثلث، وهو يرى بعيون إنجليزية استعمارية والتي يقول إنه ضدها ولم يتخط ذلك، ويرى البلاد شمالاً وجنوباً مسيحيين ومسلمين.
    ماهو مصير مفاهيم السودان الجديد في حال انفصال الجنوب، وما هو مستقبل قطاع الشمال؟
    تقرير المصير هو النقاط أ.ب.ج وأنت لا تتحدث عن النقطة ج قبل أن تمر بالنقاط (أ) و(ب) وما تفعله الآن يمكن أن يؤدي إلى نتائج ومآلات مختلفة، والانفصال والوحدة نتاج ما نفعله اليوم فحين نقول بوحدة جاذبة لا نطلب من الأستاذ إسحق فضل الله أن يبتز باسمها، فجاذبة تعني فقط تنفيذ الاتفاقية والذي يعطي توجهات وسياسات جديدة ويولِّد فرصاً جديدة منها الجانب التنموي كإنشاء السكك الحديدية والنقل النهري، وكذلك الطرق البرية بين الشمال والجنوب، واتمنى إنشاء هيئة لربط الشمال بالجنوب، والدكتور جون قرنق أشرف بنفسه على تصميم 18 طريقاً لذلك و...
    لم تجبني على مصيركم ومفهوم السودان الجديد حال ذهب الجنوب؟!
    الجنوب إذا انفصل لن يذهب إلى موزمبيق، وسيكون جنوب السودان، ومفهوم السودان الجديد لا مناص منه في الشمال أو الجنوب بل وليس في السودان فحسب ولكنه مهم لكل أفريقيا التي بها تعدد إثني وديني، والمشكلة إدارة هذا التعدد، وفي الشمال الكثير من القبائل، والجنوب كذلك، والمطلوب إدارة الوحدة في إطار التنوع وهو مفهوم السودان الجديد ببساطة، والأُفكار لا ترتبط بالجغرافيا وإنما بتاريخ المجتمعات البشرية وفصل الجنوب لن يلغي التنوع داخل الشمال أو حتى داخل الجنوب نفسه واستغرب مثلاً أن يكون شعار الطيب مصطفى على جريدة الإنتباهة خريطة السودان كله وكان عليه أن يكون أميناً مع نفسه ويضع خريطة لشمال السودان فقط!
    لماذا المعركة بينك والطيب مصطفى وصلت حد التراشق والاتهام الحاد؟
    أنقل عني للطيب مصطفى ولأمثاله أنهم يستثمرون في الكراهية وفي الفتن وأنا أستثمر في التعايش وهما مشروعان مختلفان!
    ولكنهم يتحدثون عن طموحات شخصية وسياسية لياسر عرمان داخل حركته الشعبية؟
    أنا ليست لديّ طموحات سياسية وحتى داخل الحركة نفسها، وكنت سأعتزل النشاط السياسي منذ زمن نتيجة للمماحكات في الحياة السياسية، وأنا أسعى لمشروع كبير في أن يظل السودان بلداً فاعلاً وقد حاولت أكثر من مرة أن أهجر العمل السياسي، وطلبت من الدكتور قرنق ذلك ولكنه طلب مني وأصر على أن أكون موجوداً، وبعد رحيله لم أكن أريد أن أبدأ في المرحلة الجديدة وجئت بطلب إلى رئيس الحركة الشعبية السيد سلفاكير وقلت له إنني سأمضي معك عاماً واحداً حتى تثبت أقدام الحركة في مهامها الجديدة بعد غياب الدكتور جون قرنق وحتى نفعل ما نراه مفيداً مما يساعدك ويساعد الحركة الشعبية على وجه الخصوص والآن وغداً كل ما أقوله من أجل الحركة وضد خصومها ولكن ليست لديّ طموحات خاصة ولماذا أعمل حزباً وحزبي الأكبر الآن الحركة الشعبية وأنا من الذين بنوها؟! ولماذا أبحث عن حزب آخر وقد أمضيت فيها 21 عاماً والقمح مُرّ في حقول الآخرين والحركة تحت جزء منها.
    هل سيتطور قطاع الشمال إلى حزب في حال انفصال الجنوب؟
    إن انفصل الجنوب وتمزق السودان فأنا لا آسف على أي حزب من الأحزاب، وسيكون قد تمزق أكبر حزب وهو السودان، وماذا تفيد الأحزاب والذين لا يزعجهم ذلك؟! هؤلاء يجب أن يذهبوا إلى أحد مستشفيات المعالجة النفسية.
    المعركة تبدو بينك وبين رموز الحركة الإسلامية دائماً ومنذ أمد بعيد لماذا؟
    ليس كل الإسلاميين ولكن...
    هم الطيب مصطفى وغيره منهزمون حتى أمام الفكرة الإسلامية نفسها وهم يعلمون أن رجال الطرق الصوفية بالرايات المطرزة وعلى مدى 900 عام نشروا الإسلام والتسامح بين الناس، وهؤلاء لا يدعون للإسلام ولهم هزائمهم وهم مهزومون، والآن يعيشون على هامش الحركة الإسلامية وقد هزموا هزيمة نكراء ولا سبيل لهم وهم متوارون ومتراجعون ويعبرون عن إحباطات ويريدون إرباك الحركة مثلما ارتبكوا! فالطيب مصطفى مرتبك ارتباكاً إنسانياً عميقاً وذلك لأنه يعلم أن الإسلام هو الذي يستهدي بـ(وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وهو دين كوني وعالمي ومشروع الطيب مصطفى هزيمة للإسلام وهزيمة للفكرة نفسها، ويعلم ذلك ويعز عليه وجود أناس مثلنا يؤمنون بحق الآخرين والحياة عابرة!
    ولماذا يواجهون ياسر فقط ويتركون رموز الحركة الأخرى بل ورموز الحزب الشيوعي الواضحة على الأقل؟!
    لا توجد مواجهة معي هم ينظرون إلى ما خلف 45 ألفاً من أعضاء الحركة الشعبية بالجزيرة وأكثر من 8 آلاف بكسلا و7 آلاف بكنانة وما يقارب الألف بالجزيرة أبا ولم تأت إحصائية نهر النيل بعد! ولكن ما يعز على الطيب مصطفى ومن معه أن محمد عبد السلام شنان هو سكرتير الحركة فيها وهو لا يريد ذلك ولا يريد انضمام شماليين للحركة، ولكن شاء الطيب أو لم يشأ سأسهم في هذه الحملة وأريد أن أغرس وأساهم في غرس أرجل الحركة عمقاً في أرض الشمال وذلك ما ينفع الناس، والطيب تأتيه تقارير من جهات عديدة تؤكد فاعلية الحركة وبقاءها بعد رحيل قرنق والخوف من مشروع السودان الجديد وليس من ياسر عرمان.
    ألا تأتي نجاحات ياسر وقطاع الشمال على حساب الحزب الشيوعي؟
    الحزب الشيوعي موجود وأكن له الاحترام كغيره من الأحزاب حتى المؤتمر الوطني لكن الخوف من مشروع السودان الجديد، ويريدون إلصاق التهم فيه لأنه هزم أفكار الطيب مصطفى الذي ينزوي ويتراجع ويسعى لتقسيم السودان، بينما نسعى لوحدته وذلك يغمض أجفان أمثاله وهو مشروع مضاد لأفكار الطيب مصطفى.
    هناك تهم واضحة في مواجهة ياسر عرمان من الشيوعية إلى العلاقة الخاصة بقرنق؟
    لا يجدون تهماً أخرى وليست هي الوحيدة، وفي البداية كانوا يريدون جرنا إلى فتن عرقية ولكننا واجهناهم بالحقائق وأسقط في يدهم وتكلموا عن أولاد قرنق وسلفاكير أكبر هؤلاء الأولاد، وقال أنا الوحيد الذي حاربت إلى جانب قرنق كتفاً بكتف وليس في الحركة أولاد لقرنق أو لغيره وإنما هي محاولة لزرع الفتن وأنا جندي لهذه الحركة في أي مكان وأي زمان وفق تكاليفي.
    كيف تفصل علاقتك بالحزب الشيوعي الآن؟
    تربطني علاقة صداقة بقيادات الحزب الشيوعي وهو حزب جيد ولا يمكن لأطروحات الطيب مصطفى أن تجعلني أنزوي وأتحدث عنه بغير ذلك، وكنت بالحزب الشيوعي في يوم من الأيام وتعلمت منه، ونحن لا نتبول على الإناء الذي أكلنا فيه، والطيب مصطفى يفعل ذلك للترابي ولا نفعلها نحن، بل نحن نقدر حتى الترابي نفسه، ونقدر البشير وعلي عثمان لأنهما صنعا معنا أكبر تاريخ جديد للسودان وهو اتفاق السلام وأنت تقرأ صحيفة الطيب مصطفى تراه يهاجم ياسر عرمان والدكتور حسن الترابي وذلك لأن لديه صدمة وإحباطاً وأنا لست كذلك، وأرى أن الحياة فسحة قصيرة وعابرة يجب أن استخدمها فيما يفيد الناس وسنتبارى في عمل الخير والخير خير وإن طال الزمان به.
    ثمة ما يعطي إحساساً بأن ياسر لا يزال يسارياً؟
    اليسار في كل العالم كان مع العدالة، وأنا لازلت يسارياً ولا مجال لأى شخص أن يحاكمني في محاكمات التكفير، ولست غريماً لكارل ماركس والذي قال أفكاراً استفدنا منها، ومرة قال لي البشير (الجماعة ديل يقولون لي إن ابن عمك شيوعي) فقلت له سيدي الرئيس أن تكون شيوعياً ليس كما أنك زغاوي أو جعلي ولا يمكن أن تغيرها!!) فالعالم كله قابل للمتغيرات وإن كنت لا أزال يسارياً فأدعو للعدالة الاجتماعية ولن أتخلى عن ذلك وأحترم تاريخي في الحزب الشيوعي ولا أتبول على الإناء الذي أكلت منه كما يفعل الطيب مصطفى وكما ذكرت آنفاً..
    ماذا تسمي ما يجري حولك؟
    هذه حملة لا تهز شعرة مني، وأنا أجمل أيامي وسنواتي هي التي قضيتها في الحركة الشعبية لتحرير السودان، والحياة دون قضية لعنة كبيرة، وفي حركة الأنانيا الأولى كان الذي يستمع إلى إذاعة أم درمان يكسر الراديو، ومرت أزمنة وخلقنا ثقة جعلتنا ندخل على مقر الدكتور جون قرنق بأسلحتنا ونخرج ولا يشك فينا أحد مطلقاً، وكُسر حاجز انعدام الثقة وخلقنا تاريخاً جديداً ماذا نريد بعد ولقد ساهمنا في بناء حركة من جميع السودان؟ نجحت أم فشلت فهذه مآلات مستقبل الأجيال القادمة، وإن كنت أتمنى أن أكون عايشت حركة اللواء الأبيض وأنا تهزني بعنف صورة عبد الفضيل الماظ وهو يقطع شارع الجامعة في الصباح حاملاً صناديق الذخيرة ومعه جنوده والذين كانوا يحسبون أنه سيوجهها إلى صدور السودانيين حباً في الإنجليز وعلاماتهم العسكرية ولكنه وجهها إلى رؤوس الإنجليز، ونحن ليس لدينا ما نندم عليه، ولقد عشنا سنوات جميلة مع الدكتور جون قرنق ومع أنبل الناس لن نجد مثلهم.
    هل جديد الحركة الشعبية هو تقديم ياسر وغيره كوصفات شمالية في الحركة؟
    ليس فقط ذلك بل الجديد أن شباباً وشابات جدداً ساهموا في بناء حركة في السودان تحت قيادتي ومعي ولقد فرغت من جولة في الأقاليم، وليذهب الطيب مصطفى ويستقبل مثلما استقبلنا حتى في ولايته نهر النيل لن يستقبله أو يحفل به أحد!! والشعب السوداني معنا ومن أجل حياة أفضل.
    ولكن الحركة نفسها فيها تيارات جنوبية مختلفة فيما بينها؟
    هذا سر مفتوح والحركة باستمرار فيها صراع بين من يرون أن تقصر الحركة عملها في الجنوب وبين من يرون أنها يجب ان تتمدد في كل السودان، وميزتها أنها تستطيع دائماً إدارة حوار بين من يدعون إلى القومية وغيرهم، وتوفق ما بين التزاماتها في الجنوب ونحو الوطن، وهذه عبقرية الدكتور جون قرنق الرئيسية ومساهماته القاطعة في القضية السودانية وأن تقوم حركة من الهامش من أجل كل السودان وهذه التيارات موجودة.
    تتحرك في نظر الكثيرين بماكينة ضخمة في الشمال من أين لك قوة الدفع هذي؟
    أنا لا يمكن أن أقوم بكل هذا العمل الكبير في شمال السودان دون دعم الحركة الشعبية، وكل ما قمت به أجيز قبلاً، خططاً وبرامج في المكتب السياسي للحركة الشعبية وليس في أي حزب آخر، وفي جوبا صفق أعضاء المكتب السياسي جميعاً عندما قدمت تقريري عن العمل في قطاع الشمال وسلفاكير يدعم ما أقوم به، وكيف تعمل كل ذلك دون دعم الحركة؟! أما الحديث عن أهداف ياسر عرمان فهو محاولة لاصطياد وتمزيق الحركة الشعبية، فأنا لست جديداً على الحركة بل أنا قديم فيها ولديّ صداقاتي وعلاقاتي وتاريخي ولم أقفز من الشباك ولقد طرقت أبوابها منذ سنوات بلغت 21 عاماً.
    الغالب أن أكثر شماليي الحركة من أصول سياسية يسارية خاصة الرعيل الأول؟
    ليس كل شماليي الحركة أتوا من خلفية يسارية، فمنصور خالد لم يكن يسارياً ولكن حركات الهامش ذات طابع يساري، والحركة إلى حد ما بها مسحة يسارية وهذه ليست جديدة، وفي مدارسها السياسية كان يُدرّس أدب اليسار باستمرار،
    ذلك يجعل احتمالات التنسيق والتحالف مع الحزب الشيوعي قادمة؟!
    لماذا الحزب الشيوعي؟! كل القوى السياسية يمكن أن ننسق معها في المستقبل.
    لماذا لا يعجب أداء ياسر السياسي بعض الرموز السياسية ولا يرتاحون لحركته في الحركة وفي القطاع؟!
    لقد شاركت في ثلاث حملات رئيسية منها حملة استقبال جون قرنق وحملة تأبينه وتنظيم الحركة في شمال السودان وذلك لا يعجب الكثيرين خاصة النجاح الباهر الذي حققته مع فريقي، ويمكنك أن تسألهم لماذا أنا بالذات أورقهم وأنا تعملت من الأستاذ محمود محمد طه أن يكونوا في أشخاصهم موضع حبي وأفكارهم موضع حربي!!
    هل أنت متفائل وخاصة بالنجاحات الكبيرة التي ذكرت أنك حققتها في الحركة وفي قطاع الشمال مع الآخرين؟
    لديّ قلق كبير، وكانت لديّ أحلام في سودان كبير وأن يتوجه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لرسم خارطته في الإقليم والعالم ولكن هذا الحلم بدأ يتراجع بفعل قضايا كثيرة، ولكنني باستمرار سأدفع ضد محاولة إغراق الحركة الشعبية في لجة من الصراعات العرقية وضد محاولة تخريب العلاقة بين الشمال والجنوب، وسأدفع ضد تصنيف السودانيين على أساس عرقي وعنصري ديني، وهذا مضر أيما ضرر، وسأشعر بأسف شديد إن لم يتم ذلك.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=41&...tion=article&id=1007
                  

10-06-2008, 10:29 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    عصف ذهنى
    بقلم: د.كمال حنفي

    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    عصف ذهنى
    كمال حنفى
    كم بَنَيْنَا من قِبَابٍ حَوْلَنَا!

    داخل تجويفنا الوجدانى صوفية زائدة تفيض عن حاجتنا حتى تتجاوز خط وعينا السياسي. السودانيون لم تكفهم ثقافتهم الزاهدة، ولم يكفهم حبهم للتصوّف وأهل (السِّلْسِلَّة)، فكادوا على تشكيل حياة عامة يسيّرها التصوّف السياسي!.
    أعظم صورة للسياسي في أعين السودانيين هي أن يروا زعماءهم داخل أضرحة وقباب، من يودون رفعه درجات يبنون له (قبّة مفروشة)، وتأسيساً على هذا المنحنى فإنّ صورة السياسي لا تكبر عندنا إلا حينما يموت، وفضائله لا تنكشف إلا في سرادق العزاء وصفحات النعي، وقتها يستحق نوط الجدارة وشهادة بحث لقبّة!.
    لذلك فمعظم عظمائنا في نظرنا هم الذين تحت الأرض، بنينا لهم ضريحاً في خيالنا يليق بمقامهم، فهم غالباً صفحة من الماضي أو شاهد على القبر أو مقبرة بضريح، سر عظمتهم انّهم غائبون عنّا، موتى لا يمشون بيننا، الحكمة السياسية التي نؤمن بها: فوق كل سياسي عظيم قبّة عظيمة!.
    لا نتخيل السياسي صالحاً إلا إذا كان تحت الأرض، لا نتصوّره بأخلاق كريمة إلا بعد استخراج شهادة وفاته، لا يمكن أن تكون صورة السياسي الصالح عندنا وزيراً بمجلس الوزراء، أو استراتيجياً في مركز دراسات، أو مراجعاً عاماً أو نائباً عاماً أو مفتّشاً عاماً أو موظّفاً عاماً، أو مفاوضاً بأبوجا، أو ضابط أمن أو مندوباً من الخارجية لمناقشة العملية الهجين!.
    هذه الصوفية الزائدة جعلت الحل السياسي ينبع من المقابر، وهي التى رهنت إرادتنا السياسية دائما بإمام غائب أو مهدي منتظر أو فريضة غائبة أو تعويذة مدفونة داخل القصر الجمهوري، نرى الغائب أفضل من الحاضر، والذى مضى أفضل مما هو آت، ومن يسكن تحت الأرض أطهر يداً وأنقى سيرة ممّن يمشي على الأرض، والحكم الراشد يأخذ شكل قبّة أو ضريح!.
    صوفيتنا السياسية هي السبب في أن نرى علي الميرغنى أفضل من محمد عثمان الميرغنى، وعبد الرحمن المهدى أصدق من الصادق المهدى، وعبد الخالق أنقى من نقد، وجون قرنق أكثر كارزمية من سلفاكير، ومحمود محمد طه أسبق في اجتهاده من حسن الترابى، وإبراهيم عبود أحق بالسلطة من عمر البشير، والقدرات السياسية لمحمد اسماعيل الأزهرى لا تتكشّف إلا في سرادق عزائه، وطيبة مجذوب الخليفة لا يعترف بها أصدقاؤه وخصومه إلا بعد دفنه بطيبة الخوّاض!.
    كثير من الإصلاح السياسى ينتظرنا، بل ربما بعض خطوات الإصلاح تبدأ بخلعنا زي الدراويش عن السياسة، وابتعادنا عن المجال المغناطيسي للأضرحة والقباب، وأن نأمل من مقاولينا السياسيين الإقلاع عن بناء القباب، فلا تزيد قيمة السياسي بوفاته، ولا نحيل السياسي المتوفَّى بطلاً بعد وفاته وقد كان في حياته غير مسموع ولا مأمول، وأن لا نصنع من حبة الموت قبّة؛ فالقبّة الوحيدة المسموح بها للسياسي للجلوس تحتها هي قبّة البرلمان!.

    ما جاء بالعصف اختراق تحت الجلد للسياسة السودانية، نتفق / لا نتفق مع ما يلي:

    1ـ ثقافة الموت عند السودانيين أدّت بهم إلى كشف عيوب السياسي في حياته واكتشاف حسناته بعد وفاته.
    2ـ يميل السودانيون في تعاطي السياسة للنظر إلى الوراء والحنين للماضي.
    3ـ حتى العقائديين في السياسة صمّموا لزعمائهم ومفكريهم قباباً وأضرحة.
    4ـ ضعف إنجاز المشروع الوطنى قاد السودانيين إلى الإيمان بالغيب السياسي.
    5ـ هذا العصف الذهنى يستحق إحالة أوراقه إلى أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراة في علم النفس السياسي!.



    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=44&...tion=article&id=1053
                  

10-06-2008, 10:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    من المدرسة إلى المشرحة
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    من المدرسة إلى المشرحة
    سفر محمد طه محمد أحمد في الوجود
    إعداد: بكري المدني
    حَفِظَ العديد من سور القرآن الكريم بحلفا القديمة وهو في سن الخامسة وضربه تلاميذ مدرسة دكام الأولية بالقرير لأنه طلع الأول عليهم!!
    كان مولعاً بالقراءة والسباحة والكرة الطائرة في المدرسة الوسطى وكان يشجع اللعبة الحلوة في الكوتشينة ولا يفرق بين الآس والجوكر!!
    في مروي الثانوية كتب خطاباً محتجَّاً على مدير المدرسة الذي قال له: (علمي راسب ولا أدبي ناجح) ونجح في حَمْل المدير على قبوله بالمساق الأدبي
    حَمَل السيف مدافعاً عن عشيرة الترياب وهو يهتف الله أكبر وكان شديد الغيرة على أهله
    في جامعة الخرطوم بزغ نجمه ككادر إخواني في مواجهة الجمهوريين ومقارعة الشيوعيين وعدم الالتزام بموجهات التنظيم الإسلامي!!
    لم ينف اهتمامه بالطالبة الشيوعية في جامعة الخرطوم ولكنه كان اهتماماً مختلفاً عن الذي تصوره إخوانه في الإتجاه الإسلامي ومن القرير اختار فوزية محمد أحمد زوجة له
    في محطات الصحافة خاض معاركه الصحفية بالقلم والحجارة وتعرض للضرب في المليان والدهس بالعربات وخُطف في المحطة الأخيرة من قطار الحياة قسراً!!
    مدخل
    اتصالان هاتفيان تلقاهما السيد طه محمد أحمد والد محمد طه غيَّرا مجرى حياته كلية ونقلاه من أقصى درجات السعادة إلى أقسى درجات الحزن؛ الهاتف الأول كان في مكتب مصلحة المساحة في مدينة حلفا القديمة في الثاني من فبراير عام 1956م يبشره بميلاد غلام طالما انتظره بعد رحيل ابنه البكر وميلاد ابنته الثانية زينب، وكان الغلام هو محمد طه محمد أحمد.
    أما الاتصال الثاني فقد كان في السادس من سبتمبر عام 2006م حيث أبلغه العميد (م) فاروق هلال نبأ رحيل ابنه محمد طه. وبين الاتصال الأول والأخيركانت حياة محمد طه الصاخبة، والتي رافقه فيها والده مرتاداً كل المشاعر؛ من الفرح بميلاده إلى الفرح المتواصل بنجاحه إلى الخوف عليه من الدروب التي سلكها وحتى حزنه عليه، وفي هذه الصفحات نقلب، ونتقلب عبر الصور والأسطر، فصول تلك الحياة الحياة.
    ولد مختلف
    في حي دبروسة بمدينة حلفا القديمة وُلِد محمد طه محمد أحمد؛ حيث كان والده يقيم هناك موظفاً في مصلحة المساحة، وكانت حلفا القديمة يومها ميناءً رائجاً ومدينة عامرة لقربها من مصر، عرفت المواصلات الجيدة والاتصالات التي لم تعرفها بقية مدن السودان، وتيسرت فيها بعض الخدمات التي جعلتها مدينة متفردة، وفي ذلك قال عثمان العمدة؛ صديق محمد طه: (إننا لم نر أحداً في القرير يرتدي البنطلون والقميص قبل محمد طه والذي كان، بارتدائهما الدائم، يكشف عن سلوك مديني ما عرفته الأرياف الساحلية وقتها، ومرحلة الميلاد والنشأة في حلفا القديمة). يقول طه أن تميز محمد بدأ باكراً وذلك عندما غشي خلوة دبروسة طفلاً غريراً وطوى العديد من أجزاء القرآن حفظاً وعلى نحو غريب وهو لم يتجاوز بعد الخامسة من عمره، وعليه لم يستغرب طه بعد ذلك يوم أن جاءه محمد وهو يعدو وبين يديه شهادة النجاح والتفوق الأولى في المدرسة الأولى عندما بَزَّ أقرانه وجاء (البرنجي) عليهم أجمعين. ويسترجع طه ذكريات حلوة في ذلك قائلاً إن تفوق ابنه تسبب له في غيرة زملائه، حتى عندما جاء إلى القرير وواصل التفوق، لدرجة أن تلامذة معه من أبناء عمومته اجتمعوا عليه يوماً عند بوابة مدرسة دكان الأولية وأوسعوه ضرباً؛ فقط لأنه ظل يحتكر المركز الأول، ولكن طه، ولأن الجميع كانوا أولاده، فقد ضرب الأولاد يومها علقة ساخنة انتصاراً لابنه وقادهم إلى أهاليهم حيث نالوا ضعفين من العذاب!.
    ويقول طه أن محمد، ومنذ المدرسة الأولية، ظل دائم التلصص على مكتبته الخاصة وقراءة المجلات والكتب المصرية والتي كانت تصله عبر اشتراك ثابت، وأنه لاحظ خلال ذلك ميله الشديد لقراءة كتب الإخوان المسلمين لا سيما محمد قطب وسيد قطب ورسائل الشهيد حسن البنا.
    ويضيف حسني الدقرون زميل محمد طه في مدرسة دكان الأولية أن محمداً ظل عالَماً لوحده في المدرسة يراقب التلاميذ من بعد ويشارك في نشاطاتهم باستحياء وذلك لأنه كان في أغلب ساعات اليوم إما منهمك في قراءة كتاب أو مجلة لا تمت لجنس الدراسة المدرسية بصلة.
    في المدرسة الوسطى
    ومن مدرسة دكام الأولية التحق محمد طه بالمدرسة الوسطى بالقرير وكان اسمها المدرسة الأميرية (مدرسة الشريان الفنية الآن) وكانت المدرسة آنذاك تتبع النظام الداخلي.زرناها ونحن بصدد هذا التوثيق فأبلغنا أساتذتها بأن الراحل محمد طه كان قد زارها في آخر زيارة له للقرير؛ حيث وقف على الفصول التي درس فيها والعنابر التي سكن فيها وتحدث كثيراً لعدد من المعلمين عن تاريخها، وقد كشف لنا زميله عوض صديق في الأميرية أنه، وفوق اهتمامه بالقراءة والأنشطة الأدبية في المدرسة الأميرية الوسطى، بدأ لعب الكرة الطائرة مع زملائه في الداخلية، هذا إلى جانب هواية تفرد بها بين أقرانه في القرير وهي ميله الشديد للسباحة، وفي ذلك قالت لنا الحاجة بخيتة محمد نور أن محمد طه كان يذهب إلى البحر وحيداً، وكنا، أنا ووالده، نتبعه ونتظره حتى يستحم ويسبح ونعود من خلفه دون أن يشعر بنا. بينما يؤكد لنا صهره ووالد زوجته محمد أحمد ود المكي أن محمد كان ينزل البحر في أوقات غريبة، وغالباً ما تكون بعد صلاح الصبح!. أما صديقه عثمان العمدة فقد كشف عن شجاعة نادرة تميز بها الراحل حين قال: (كنا نخاف البحر ولا ندخل الماء إلا في جماعات ومع بعض أهلنا الكبار نهاراً، ولكن محمد كان يذهب إلى البحر منفرداً وفي ساعات متأخرة من الليل ولا يخشى التماسيح أو الأحاديث الرائجة عن وجود مخلوقات غريبة تسكن البحر وتظهر في تلك الأوقات.
    كادر إسلامي
    وهكذا انتقل محمد طه من المرحلة الوسطى بالقرير إلى مدرسة مروي الثانوية (أبوبكر الصديق حالياً)، وقد كانت من المدارس المهمة والمشهورة وقتها في السودان. ويصف لنا محمد خضر محمد بلول، والذي عاصر محمد طه في تلك المرحلة، وهو من أبناء القرير حياة محمد في مروي الثانوية قائلاً: (كنت أعرف محمد طه لأنه من أبناء منطقتي، ولأنه من الطلاب البارزين، وقد كان اهتمامه بالنشاط السياسي فوق اهتمامه بالأدب وجمعياته منذ أن كان طالباً في الصف الثاني بالمدرسة الثانوية؛ حيث أصبح معروفاً ضمن كوادر الاتجاه الإسلامي.
    وحول ذلك يعلق والده طه محمد أحمد ذو الميول الإخوانية قائلاً: (أنا لم أعترض محمد في انتمائه للإخوان، وربما كنت اعترضته لو أصبح شيوعياً!). ولما كانت مروي المدينة قريبة من القرير فقد كان محمد طه يعود إلى قريته مع زملائه كل أسبوعين، بينما كان والده يزوره في داخلية مهيرة التي كان يسكن فيها زملائه بالمدرسة، وعند عودته للقرير في العطل والإجازات كان يندمج على حسب رواية عثمان العمدة مع مجتمعه مشاركاً في المناسبات العامة والخاصة محتفظاً لنفسه بذينك العالمين الخاصين؛ البحر والقراءة.
    ويقول عثمان: (كان محمداً السكرتير الثقافي لنادي حي الشاطئ بالقرير، وكان يصدر فيه صحيفة حائطية، وقد درج أن يأتي إلى النادي مساءً وفي صحبته كتاب يجلس بجانبنا إلى طاولة الكوتشينة ولا يقطع قراءته إلا عندما تتعالى الأصوات معلنة انتصار فريق على الآخر فيطبق الكتاب و يصفق للفائز مشجعاً من دون أن يفرق بين الآس والجوكر في اللعب)، وأضاف ود العمدة: (إن محمد طه لم يعرف شقاوة المراهقة ولا طيش الشباب، وفي تلك الفترة المفتوحة من عمر السودان لم يتناول أياً من المكيفات، بل إنه لم يرتد الحفلات الصاخبة وإن كان يحفظ جميع أغاني الطمبور وشعرائه ومناسابتها حفظاً كاملاً). وفي ذلك يقول طه أن محمد لم يسبب له أية مشكلة ولم تستدعه أية مدرسة في يوم من الأيام بسبب سلوك نشاز، ولكنه يعود مستدركاً أن محمداً، وفي يوم من الأيام، كاد أن يتسبب في مجزرة، وذلك لما حمل سيفاً وأغار به على أبناء حي آخر في القرير لأنهم تجاوزوا العرف والأدب. ويؤكد طه: (لولا أنني كنت موجوداً وأخذت منه السيف لحدث ما لا تحمد عقباه).
    ويكشف عثمان العمدة هنا أن محمد طه كان شديد الغيرة على أبناء وبنات أهله، ولكن محمد واجه مشكلة من نوع مختلف في المدرسة الثانوية، وذلك لما أصر عليه مدير المدرسة الالتحاق بالمساق العلمي، وقال له (علمي راسب ولا أدبي ناجح)، ولما لم ينسجم محمد مع المساق العلمي سَطَّر للمدير خطاباً في الإجازة مستعطفاً إياه أن يعفيه من الالتحاق بالمساق العلمي ليظل في المساق الأدبي الذي يجد نفسه فيه، وكان أن قبل مدير المدرسة الثانوية طلبه، ومن يومها انطلق محمد طه في الميدان الذي يعرفه وحتى جامعة الخرطوم والتي كان يريد فيها دراسة الآداب، ولكن والده ملأ له أورنيك القبول برغبته في أن يدرس ابنه القانون، وكان عميد الأسرة وقتها مولانا خلف الله الرشيد هو رئيس القضاء في عهد نميري وفخر أهل القرير، ولربما كان طه محمد أحمد ينظر إلى ابنه في كرسي القضاء أسوة بالرشيد، ولكن كانت الميول السياسية والأدبية تأخذ طالب القانون من مقاعد الدرس إلى سوح النشاط بالجامعة؛ بل والى معتقلات نميري مما جزع له والداه.
    تقول والدة الرحل الحاجة بخيتة محمد نور: (لطالما فزعت من الحياة التي اختارها، ولكن أحد أقاربي لي قال لي أن محمد يسير على طريق قريبه محمد خير المحامي السياسي والدبلوماسي الضليع ولن يتراجع والمسألة وراثة والأفضل أن يترك لخياره. ويكشف الوالد أنه ولطالما راجع محمد وطلب منه عدم اقحام نفسه في المشاكل السياسية وأشهد عليه الكثيرين ومنهم الشريف زين العابدين الهندي؛ وهو قريب الأسرة، ولكن كانت إجابة محمد أن لكل إنسان أجل محتوم!.
    في الجامعة
    وفي الجامعة برز نجم محد طه كواحد من أبرز كوادر الاتجاه الإسلامي الخطابية والكتابية؛ حيث كان يصدر صحيفة (أشواك) الحائطية، ويجادل الإخوان الجمهوريين في منابرهم، ويقارع الشيوعيين، ولا يلتزم في ذات الوقت بموجهات تنظيمه؛ الحركة الإسلامية، في الجامعة، وكان في أغلب الأحيان يمثل حركة إسلامية لوحده، وكان طلاب الجامعات السودانية الأخرى في ذلك الوقت في أم درمان والقاهرة فرع الخرطوم والجزيرة يستعينون به في إحياء نشاطاتهم، هذا فوق حديث راتب له بمسجد الجامعة تحت عنوان (الحديث السياسي الأسبوعي) كان يخف لسماعه كبار القوم في التنظيمات السياسية المختلفة؛ لا سيما كوادر الحركة الإسلامية، وقد كشف مؤخراً أن الرئيس عمر البشير والفريق عبد الرحيم محمد حسين كانا يواظبان على حضور ذلك الحديث بالزي المدني؛ الشيء الذي أكده رئيس الجمهورية حين قال أنه تعرف على محمد طه من خلال حديثه بمسجد الجامعة، ولم يقتصر نشاط محمد طه السياسي على الداخل، فقد أوفدته الحركة الإسلامية عبر واجهتها الطلابية؛ الاتجاه الإسلامي، إلى مصر والهند والمغرب؛ حيث قدم العديد من الندوات للطلاب السودانيين هناك حول فكر ومنهاج الحركة الإسلامية ورؤيتها للمستقبل، وتم اختياره فيما بعد، وبعد أن ولج المجال الصحفي، ضمن كوكبة من الصحفيين الشباب، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أيضاً قد زار في تلك الفترة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تعلق بثورتها ومفجرها الإمام آية الله الخوميني للحد الذي سَمَّى أحد أبنائه عليه.
    في دروب الصحافة
    ولما تخرج الراحل محمد طه عمل برهة في ديوان المراجع العام وفترة متقطعة بالتعليم المتوسط حتى تفرغ كلية للكتابة في صحف (ألوان) و(الراية) ومجلة (الملتقى) ثم جريدة (السودان الدولية) و(أخبار اليوم) و(الرأي العام) و(الرأي الآخر) حتى أصدر صحيفته الخاصة (الوفاق) والتي ظل مواظباً على إصدارها منذ ديسمبر عام 1997م وحتى رحيله في العام 2007م وهي الفترة التي أسهمت في أن يقفز اسمه ليصبح من أشهر الكتاب الصحفيين على نطاق الوطن، ومن خلال سنوات (الوفاق) العشر مضافاً إليها سنواته الأولى في الصحف الأخرى واجه محمد طه عنتاً كثيراً بسبب كتاباته حتى حرم في الكتابة باسمه مرة وأُوقفت صحيفته مرات، عدة بل واشتبك مع بعض خصومه في معارك حية سلاحها الحجارة ووقف مع بعضهم في ساحات المحاكم ودفع ثمن بعض مقالاته من خلال استهدافه بطلقات نارية من قبل عصام؛ النجل الأكبر للدكتور حسن الترابي مرة، ثم استهداف آخر من نجل الترابي الأصغر محمد عمر بعربة بوكس على شارع كترينا بالخرطوم.
    وقد ساءت العلاقة كثيراً بين محمد طه والترابي وجماعته من جهة بعد أن كانت علاقة متميزة شهدت دخول محمد طه للمكتب السياسي للجبهة الإسلامية بقيادة د.حسن الترابي كأصغر عضو ثم تُوِّجت بمصاحبة محمد طه للترابي إلى منطقة مروي والقرير من خلال الدعاية الانتخابية للجبهة الإسلامية منتصف الثمانينات وهي الزيارة التي بزغ فيها نجم محمد طه كمتحدث لبق وخطيب مُفَوَّه أقام الندوات على شرف زيارة الترابي للقرير ومروي حتى كافأه الترابي عليها بزيارته لبيت أهله بالقرير، ومع ذلك تبقى أشهر المحطات الصحفية سخونة في حياة محمد طه هي المحطات الأخيرة والتي نَقَلت (الوفاق) فيها عن طريق الخطأ مقالاً صحفياً منسوباً للمقريزي في ذكرى مولد الرسول (ص) ولكن المقال كان يحوي عبارات مفخخة فاتت على القائمين على أمر (الوفاق) تحت رئاسة محمد طه ثم تبع ذلك مقال آخر رأى البعض أنه يُسيء لقبيلة الفور وهي القشة الأخيرة والتي ترجل محمد طه بموجبها عن قطار الحياة قسراً.
    كادر شيوعي
    اتسمت حياة محمد طه العامرة، وخاصة في جانبها الاجتماعي، بطابع فريد؛ إذ كشف بعض معاصريه في جامعة الخرطوم أنه تودد إلى بعض زميلاته واسمها غادة كانت ناشطة في المجال السياسي ضمن المعسكر الشيوعي مما أثار ثائرة طلاب الاتجاه الإسلامي واعتبروا تلك العلاقة شركاً للنيل من كادرهم وعملوا على الحيلولة دون تطورها. وإن لم ينفِ لي محمد طه اهتمامه بزميلته إلا أنه أكد أن إخوته بالغوا في تخوفاتهم وأن محض اهتمامه بها كان ناتجاً عن نشاطها السياسي، فيما كشف لي عن ترشيحات قُدِّمت له للاقتران ببعض الفتيات منهن ابنة كادر سياسي في حزب وسطي مشهور، ولكنه قدَّر وأراد أن يتزوج من أهله فتاة تحمل طباع بيئته وتكون له ربة بيت وأم أولاد بينما يتفرغ هو لنشاطه السياسي والصحفي، ولما كان دائم الصلة بالقرير فقد وقع اختياره على زوجته من بعد؛ فوزية محمد أحمد، وهي تقرب لأمه من ناحية الأب، وقد ذكرت لي السيدة فوزية أن محمد رآها في مناسبة زواج ابن خال له وأصبح مهتماً بأمرها حتى أنه زارها مرة وهي مريضة بالبيت ثم تقدم لخطبتها من أبيها محمد أحمد ود المكي الذي كان مغترباً وقتها بالسعودية فوافق على زواجها منه بعد موافقتها والتي عللتها بسيرة محمد المحمودة وسط أقرانه بالقرير واسمه اللامع. وتضيف فوزية، والتي كنت أحاول إخراجها من دائرة الحزن بالأسئلة الحميمة حتى كدت أرى بسمة على وجهها لم تُطِلّ منذ أكثر من عام وأن أسألها عن العلاقة في فترة الخطوبة، وهي تقول لي: (كان يزورنا في البيت أمام الأهل)، وتحت الإلحاح قالت: (كنت أنا خلالها أبحث عن مساحة لأُحَادِثَه حديث العاطفة، ولم تكن إلا مرة واحدة جلسنا فيها إلى بعض وتحدثنا عن المستقبل). ومن جانبه أكد طه محمد أحمد: (إن محمداً قد اختار فوزية بنفسه وقد وافقناه عليها وتقدمنا أنا وأمه إلى والدها الذي بارك الطلب وساهمت بنفسي مادياً في زواجه الذي جمع الأهل والأقارب ومعارف محمد طه من القرير وكل القرى والمدن المجاورة وحتى رفاقه من الخرطوم.
    وتعود فوزية بالذكرى لتؤكد: (لم يكن زواجنا عادياً كما كانت الزيجات تتم في بلدتنا، فقد كان زواجاً مميزاً وحدثاً كبيراً من حيث الحضور والفرحة وقد شمل زواجنا كل أنواع الطقوس المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات وقد غنى فيها المطرب جعفر السقيد في أول ظهور له وهو يافع)، ولكن فوزية تستدرك: (لم يرد محمد للحفلة أن تستمر أكثر من ذلك فقد أرضى الحضور وأراد أن يُرضي نفسه وهو الكادر الإسلامي المتدين والذي لا يمكن أن يتجاوز بالفرح الحدود المسموح بها). وتختتم فوزية بالقول أنها ليست نادمة على الاقتران بمحمد طه وأنها لو كانت تعلم النهاية لاختارت ذات البداية.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=45&...tion=article&id=1085
                  

10-06-2008, 10:36 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    الجمهوريون هل يملكون الحل؟
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    عبد المنعم مصطفى النعيمة



    هل ماتت الفكرة برحيل محمود محمد طه؟

    علينا أن نقول للشامتين على الرصيف، إن الوقفة الشجاعة، والتي أدَّت إلى إعدام محمود محمد طه، هي وقفة بذل فيها نفسه في سبيل ما يؤمن به، وهي بذلك عمل فريد. وعلى الجانب الآخر فقد استشعر الراحل أزمة لدى الأمة والإنسانية، وحاول أن يقدِّم لها الحلول؛ اتفقنا أو اختلفنا مع تصوره للحل.
    ولكن.. بشَّرَنا الراحل محمود بتحول وانتقال إلى حالة إنسانية وسودانية أرقى؛ فهل هذا التحول الموعود قائم، أم إنه آتٍ، وكيف؟، أم إنّ البشارة ذهبت مع قائلها؟. بمعنى آخر، هل تتمحور التصورات على الفكرة أم على الشخص؟.
    إن ما قدمه الفكر الجمهوري هو جهد بشري قابل للتناول والنقد وليس تقوقعاً فكرياً ينحو إلى الانغلاق الطائفي كما يريد لنا بعضهم أن نفهم.
    د. عبد الله النعيم أخذ على استاذه، وفي كتاب منشور، موقفه من العقوبات، وهي بلا استثناء قرآن مدني.
    ونجد بين ظهرانينا أسماء محمود بعد غياب طويل، وقد استهلَّ د.عمر القراي الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الأستاذ محمود بعدد من المقالات.
    أسماء محمود أقرت في ندوة مركز الخاتم عدلان بأنهم أتباع لصاحب الفكرة، ومدَّت الحضور بعنوان موقعهم الإلكتروني للإلمام بأطروحات الفكر الجمهوري؛ أي كتابات الراحل نفسه، فيما يربو على 34 مؤلفاً، ووقفت بنا في العام 1985م.
    وترد في الخاطر مجموعة تساؤلات بحكم أن الأحداث متسارعة والقضايا متحولة ومتراكمة، وتقع على أتباع الفكرة ومريديها مسؤولية طرح الإجابات.
    ركز د.عمر القراي، في نقده الموجه إلى د.جعفر شيخ إدريس، على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأغفل بصورة لافتة الحديث عن الإشتراكية. وشيخ إدريس كان محاصراً داخل الإسلاميين إبان زعامة د.الترابي، ولا يمثل الخط السلفي الذي عاش وسطه؛ فهو لا يشكل تياراً أكثر من سخطه على الزعامة.
    فهل تبنَّى جمهوريُّو المهجر أطروحات الغرب الرأسمالي في الديمقراطية وحقوق الإنسان بدون نقد أو تمحيص وأضربوا عن الدعوة للإشتراكية كما هو بارز في أقوال الراحل محمود عن زكاة المقادير؟، وهل، حقيقةً، اختلفت سلوكيات ورؤى مجموعة الداخل عن القادمين من المهجر؟.
    إن الأطروحة الرئيسة التي انبنت عليها الفكرة الجمهورية تدعو للرجوع إلى القرآن المكي، وهو اتجاه تفكيكي للتراث الفكري والفقهي، ولكنه، وكما يظهر في كتابات القراي الأخيرة، قاصر عن التركيب.
    فمكية ومدنية السور والآيات في حاجة إلى تجديد من داخل الفكر الجمهوري حتى يتضح المنهج في السياسة والتشريع والجمهورية التي يدعو إليها؛ فاستشهادات القراي أوردت عدداً من الآيات المدنية في رده على د.جعفر شيخ إدريس.
    إن التفاصيل المستترة داخل الفكرة هائلة وتحتاج إلى تصنيف وشرح وتداول. ففي حياته، امتاز الراحل محمود،بحيوية ونشاط وملاحقة لما يجري داخلياً وخارجياً، ثم أتت حقبة فراغ ما بين العام 1985م والذكرى الثالثة والعشرين. لقد دخلنا قرناً جديداً ومجرد الاجترار لما سبق لا يكفي.
    فمايو التي دفعت بالراحل إلى حبل المشنقة هي مايو التي كان بينها والجمهوريين تفاهم ضمني سمح لهم بممارسة أنشطتهم العامة وكتاباتهم وندواتهم، وهي في البدء انقلاب ونظام شمولي صنع التعدد السياسي باسم التنظيم الواحد، وهل يكفي التبرير بأن مايو جاءت في لحظة الصفر لإلغاء الدستور آنذاك، وغفلت الجماعة عن التحولات التي يمكن أن تطرأ على نظام قهري، جاء بما هو أسوأ من مسودة للدستور؟.
    إن الخروقات في المبادئ والممارسة عند الغربيين بعد الحادي عشر من سبتمر انعكست كعداء ضد الإسلام والمسلمين بدون تمييز، ولا يمكن حصره في الهوس الديني عندهم؛ فالهوس الديني أصبح مع المحافظين الجدد يضع الخطط لرئاسة الجمهورية في أمريكا، وهو مستثمر في دولة اسرائيل، ونجح في اغتيال رابين الداعي لمقايضة الأرض بالسلام.
    وأصبحت إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي التي تفرض حلولها على الآخرين بمنطق القوة والأمر الواقع، وترفض، ومن ورائها أمريكا، الاختيار الانتخابي للفلسطينيين، لكن لا اعتراض على اختيار الإسرائيليين لشارون كرئيس للوزراء وهو المعروف بارتكابه جرائم ضد الإنسانية.
    فما هو الاختيار في أزمة الشرق الأوسط، وقد ثبت مدى لا عقلانية النخبة والشارع الإسرائيلي؟.
    إن تسوية قضية الشمال والجنوب في السودان أتت بنظامين في دولة واحدة، وبرز الاختلاف الشمالي ـ الشمالي على أشدِّه؛ فهل أطروحات الفكر الجمهوري هِيَ هِيَ؟، أم إنه يجب أخذ الكثير من المستجدات في الاعتبار وفق رؤى جديدة؟. ومن هو الشخص المؤهل فنياً وروحياً لذلك عند الجمهوريين؟، أم إن صاحب الفكرة هو الذي حقَّق فرديته المطلقة ووقف أتباعه دون ذلك المقام؟.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1166
                  

10-06-2008, 10:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    .حيدر إبراهيم في حوار المراجعات
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    لستُ شيوعياً.. وأرفض تماماً عقلية القطيع!

    يتهمه البعض بـ(الفردانية) في العمل والتعامل، لكنه يرد على هذا الاتهام بأنه رجل (مؤسَّسِي) يؤمن بأخلاقيات العمل ويحترم علاقاته وزمنه، وهذا يشعره بالرضا عن نفسه دون أن يكترث كثيراً بتقييم الناس له، حتى ولو وصل الأمر إلى بقائه (دون صليح).
    من إشلاق البوليس إلى بيوت السكة حديد في عطبرة، ومن فرانكفورت إلى القاهرة ثم الخرطوم، تشعَّب حوار المراجعات مع د.حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية، وتناول همومه التي توزعت بين القراءة والكتابة والبحث والدراسة وبعضاً من صلات بالفكر والسياسة والثقافة. كان صريحاً في بعض الإجابات، مثلما كان دبلوماسياً في الرد على بعضها الآخر، لكن الخلاصة حوار لا يخلو من إفادات تستحق المطالعة والتوثيق على الورق، مثلما كانت على شاشة (مراجعات) على قناة النيل الأزرق.

    أجراه: رئيس التحرير

    • د.حيدر لديه برنامج شخصي قاسٍ يبدأ فيه يومه منذ الساعة الخامسة صباحاً؟

    ـ هذا في أصلي وفي أصل الترابلة عموماً، وحتى عندما دخلت عصر التكنولوجيا تحول معي مزاج الترابلة وتكامَل مع المزاج العصري الجديد، المهم، وفي النهاية، هي محاولة لزيادة عدد ساعات اليوم؛ متبعاً قول الشيخ فرح ودتكتوك: (يا أم البدري.. قومي بدري.. وحِشَّي بدري.. شوفي كان تنقدري).
    في فترات التكوين الأولى كنت أدعي أن لي آباء روحيين منهم الكاتب سلامة موسى الذي كان كأب يوجِّهني حين يقول بوضوح أنك إن أردت الارتباط بالقراءة والثقافة فإنك يجب أن تضحي بالاجتماعيات. المسألة تتعلق بالوقت، وكيف تكيف نفسك على هذا الوضع، من ناحيتي أشعر بقدر من الرضا، ولكن لا أدري كيف ينظر الناس إليّ.

    • يقولون إنك تركت البيت وانتقلت إلى أستديو صغير تعيش عزلة الكتابة؟

    ـ إنه نوع من العزلة المجيدة، ولكن طبيعة العمل مرتبطة بهذه الخيارات، ثم إنني لا أجيد عملاً غيرها، ولذا لا بد أن أذهب في هذا الاتجاه حتى نهايته، وهذا لا يعني أنني لا أحب الناس اجتماعياً، ولكني أريد أن أحل المعادلة، فأكسب زمني وأحب الناس، وإن بطريقة أخرى.

    • إذا أردنا تناول رحلة د.حيدر في نطاق البدايات، فإننا نتوقف عند أربع محطات؛ الأولى هي القشلاق، والثانية جدك أحمد بابكر، والثالثة عطبرة والرابعة فرانكفورت، كل محطة تحتاج منك إلى حديث؟

    ـ عندما سُئلت مرة عن مصدر معرفتي الاشتراكية قلت ببساطة إنني أخذتها من الحياة الاجتماعية التي عشتها في القشلاق؛ فوالدي كان يعمل في البوليس وترقَّى إلى درجة (نقيب)، في القشلاق لا نعرف كلمة (دا حَقِّي)، إذ كنت، عندما أعود من المدرسة، أدخل أول بيت يقابلني وأتغدى وأنام كأنني في بيتي، الناس من خارج القشلاق كانوا ينظرون إلينا كأننا عصبة؛ لأن الناس هناك أخوان. أعتقد أن قيماً كثيرة في تكويني أخذتها من القشلاق، جدي أحمد بابكر كان رجلاً تنويرياً سبق عصره، كان مزارعاً وشاعراً ومادحاً وعسكرياً و(فَكِي)، كان من نوع الشخصيات الشاملة التي تستطيع أن تفعل مجموعة من الأشياء دون ترابط بينها، يكفي أن أقول إنني رأيت مجلة (الرسالة) لأحمد حسن الزيات لأول مرة في مخزنه بالقرير.
    فرانكفورت محطة مهمة ترتبط بخلفية محبتي للسفر، فقد عمل والدي لفترة في عطبرة وهناك ارتبطت بالقطار والسفر، ومن الأسباب الكبيرة التي دعتني لدخول معهد المعلمين أنهم كانوا يصرفون للمعلم يومها راتباً شهرياً يبلغ واحداً وعشرين جنيهاً، ويوم قررت السفر جمعت راتب ثلاثة أشهر وقطعت تذكرة الباخرة من شركة (كونت مخلص) في رحلة من الإسكندرية إلى اليونان، وقد تكررت هذه السفرة أكثر من مرة، وفي عام 1971م قررت السفر إلى باريس، إذ كنت معجباً بالحياة هناك، وقد شجعني أكثر وعد أستاذي الراحل محمد علي مختار أن نلتقي في باريس وأن يساعدني في الحصول على فرصة للدراسة هناك، وفي طريقي إلى باريس قررت أن أزور فرانكفورت وأبقى بها لسبعة أيام، فأصبحت سبع سنوات نلت خلالها درجة الدكتوراة وكان موضوعها (التقارب الاجتماعي بين الشايقية)؛ ليس تعصباً ولكن ذلك يعود لأكثر من سبب، الأول أنني قدمت إلى مشرفي مقترحاً أن أتناول في رسالتي موضوع الإشتراكية في إفريقيا، فاعترض وطلب أن أكتب عن منطقتي وأهلي، وفي النهاية اتفقنا أن تكون الأطروحة شاملةً الفكرتين، وجاء الجزء الأول منها إثنوغرافياً وصفياً عن المنطقة، فيما تناولت في الجزء الثاني مسألة التغيير الاجتماعي.
    نشأ اهتمامي بالموضوع من ملاحظتي للاختلاف الذي يميز هذه الجموعة الإثنية وقد وجدت في كتاب (تاريخ الخرطوم) لمحمد إبراهيم أبو سليم أحد الرحالة هو يصف احتفالات تعقد في الخرطوم قائلاً: (وكان يشارك في هذه العرضة الأتراك والمصريون والسودانيون والعرب والشايقية)، ثم أتْبعتُ ذلك بمقارنة كنت أجريها بين بعض أهلي من جهة والدي الذين رحلوا إلى شندي واستقروا فيها وأهلي الذين كانوا لا يزالون في الشمالية، وقد لاحظت اختلافاً كبيراً بينهم، وقد اكتشفت خلال بحثي أن الشايقية ليسوا مزارعين جيدين كما يشاع والدليل أن موروثاتهم الزراعية هي ملك للنوبة، وأنهم ليسوا (حنينين) كما يشاع ولكنهم واقعيون ويحبون أرضهم وهذا ما جعل حياتهم منظمة بشكل مختلف، كل هذه الأفكار تناولتها في رسالتي.
    عطبرة ارتبطت في ذهني للمرة الأولى بسليمان موسى والشفيع والحركة العمالية وبإضراب البوليس الشهير في 1951م عندما دخلت المدرسة الأولية، وفيها بدأت علاقتي بالقراءة يوم أشركني والدي في مكتبة دبورة فعرفت مجلتي (الصبيان) و(المصور) وغيرهما وظلت تمثل محطة مهمة في تكويني الفكري.

    • هل كانت عطبرة، بكل ما فيها من زخم وحراك، هي المدخل لجذب د.حيدر إلى الحزب الشيوعي؟

    ـ أنا لم أنتمي للحزب الشيوعي ولم أكن في يوم من الأيام عضواً فيه. وعطبرة مدينة جماعية، وبها قدر من المساواة الاجتماعية في معيشة الناس وحياتهم، وكانت بها حركة نقابية نشطة يصر الشيوعيون رغم إسهامهم فيها أنها مستقلة.

    • قلتَ إن محطة القشلاق هي التي قادتك إلى الإشتراكية، أمَا كان بدهياً أن تقودك الإشتراكية إلى الشيوعية؟

    ـ ليس بالضرورة، هذا لسبب بسيط أنني أميل إلى القراءة أكثر من ميلي إلى التنظيم؛ فأنا مثلاً أحب الأدب السو?ييتي وقد قرأته باكراً.

    • إذن، فقط كوابحك الذاتية هي التي حالت دون انضمامك إلى الحزب الشيوعي؟

    ـ أنا من داخلي فوضوي، في داخلي بعض من فوضى باكونين والقذافي وعبد الله زكريا، وهذه الفوضى لا تحتمل التقييد وتقف حائلاً أمام انخراطي في أي تنظيم.

    • لو أنهم أعفوك من التنظيم فهل كنت ستقبل الشيوعية؟

    ـ لماذا تصر على (شيوعي).

    • طيب الماركسية؟

    ـ أنا أعتقد أن التفسير الوحيد الصحيح لفهم المجتمع وتفسير حركته وبنائه كتحليل اجتماعي واقتصادي وتاريخي مكتمل هو التحليل الذي أتى به ماركس.

    • وهل رأيت في عطبرة صراعاً طبقياً بين العمال والرأسمالية؟

    ـ ليس هناك طبقة عاملة أصلاً في عطبرة، حتى العام1945م لم يتجاوز عدد سكان عطبرة السبعة آلاف، عطبرة لم تكن بها مصانع لذلك هم عمال خدمات، وعموماً السودان ليس فيه صراع طبقي وإنما استغلال طبقي، السودان قطر زراعي فلاحي، فلو أن فيه صراعاً طبقياً فقد كان من المفترض أن يظهر عند المزارعين.

    • أنا استغرب؛ لماذا لم يعمل الحزب الشيوعي على تجنيد د.حيدر؟

    ـ عندما أتيت إلى معهد المعلمين دخلت إلى الجبهة الديمقراطية عن تلقاء نفسي، أما تجنيدي فربما كان قرارهم أن أظل متعاطفاً كنوع من المراعاة، في بعض الأحيان يكون المتعاطفون الحقيقيون أكثر فائدة بما يملكون من مساحة للتعامل، أنا شخصياً لم يكن غرضي وهمِّي أن أكون مفيداً للحزب الشيوعي.

    • هذا يعني أنك كنت ماركسياً في بنيتك الفكرية وأن عدم علاقتك بالشيوعيين سببها إشكال تنظيمي يتعلق بطبيعتك الشخصية؟

    ـ إذا كنت تصر على هذه التسمية فلا مانع.

    • وكيف عبرتَ عن الماركسية إلى الصوفية؟

    ـ إن الذي يقرأ الماركسية قراءة جيدة يدرك أنها تهتم بمسألة اغتراب الإنسان الذي يفصله عن الطبيعة. وإلغاء الاغتراب هذا فيه روحانية كبيرة جداً وهو يعني إلغاء الاغتراب بين داخل الإنسان وخارجه وهذا بعض من الصوفية.

    • لكن الغيب حاضر في الصوفية، في حين أن الماركسية ضد الغيب؟

    ـ الصوفية سلوك، وإلغاء الاغتراب عند الماركسية هو ما يجعل الانسان متسقاً، وبمفهوم ديني بسيط يمكن اعتبار الآلاف من الشيوعيين الذين ماتوا خلال الحرب العالمية الثانية شهداء رغم أنهم ملحدون، أنا أفسر ذلك بأن لديهم ما آمنوا به روحياً إلى درجة الموت من أجله، عندما يصل الإنسان إلى حد المراهنة بحياته فحتماً هناك ارتباط روحي.

    • أنت تسعى إلى نوع من المقاربة بين الصوفية والماركسية، ولكن الماركسية، بالفهم البسيط، نقيض السماء، في حين أن التصوف هو ابن المشروع السماوي، أين تجد العلاقة؟

    ـ الإنسان مستويات ورؤى، فأنا، عندما أحلل حياتي مثلاً، أجد مجموعة من الشخصيات التي تأثرتُ بها رغم تناقضها؛ فأنا تأثرت بمحمود محمد طه والتجاني الماحي وخضر بشير ومحمد محمد علي وإسماعيل عبد المعين، وعندما أراجع أجد أن ما يربط كل هذه الشخصيات هو خيط صوفي، المعنى البسيط للصوفية هو السلوك غير المتناقض.
    من الأخطاء التي تردد أن للماركسية مشكلة مع الدين، وكتابي (لاهوت التحرير) مثلاً يشرح كيف اندمجت الماركسية في أمريكا اللاتينية وتحالفت مع الكنيسة الكاثولوكية، قضية الماركسية الأساسية لم تكن مع السماء ولا كانت متعلقة أساساً بإذا ما كان هنالك إله أم لا. إنها قضية الأرض، وكيف يمكن أن تتحقق العدالة، الكنيسة الكاثوليكية كانت ضد الحياة والإنسان، فحدث الإصلاح الديني من داخلها، ومارتن لوثر لم يكن ماركسياً لكنه اعتبرها بشكلها القائم أفيوناً للشعوب، أنا شخصياً ليست لدي مشكلة في التعامل مع الغيب، وأعتبر أن مشكلة الإنسان أن يمنح حياة منذ يوم يولد إلى أن يموت وأن يعيشها بكرامة بحيث إذا سئل عنها يوم يخرج منها لقال إنها حياة جديرة بأن تعاش.

    • لماذا لم يجذبك محمود محمد طه؟

    ـ كنت قريباً منه، وكان يعجبني سلوكه، ولكن الفكر الجمهوري به ثغرات كثيرة، محمود يتحدث عن الاتساق بين الفكر والقول والفعل وهذا كلام متطور، وأنا أقدر جداً كونه دافَع عن فكرِه حتى المشنقة بغض النظر عن صحة الفكرة أو خطأها.

    • وما رأيك في مشروعه الديني؟

    ـ أفكاره في القضايا ذات الصلة بالدين لم تكن جديدة، والرسالة الأولى والثانية فيها حيلة قديمة من الحيل الفقهية، لكن الناس يومها لم تكن في استعداد فكري ونفسي لتلقي هذه الأفكار رغم أنها أعطته فرصة كمجدد ليقدم قراءة جديدة للقرآن الكريم، وقد كتبت ناقداً لها، ودليلي على عدم صحة هذه الأفكار أنها أصبحت اليوم صفوية، ولو أنها وجدت جماهيريتها لكانت مستمرة حتى اليوم، ولكنها أصبحت فكرة نخبة قليلة كانوا تلاميذ محمود الذين لم يستطيعوا الاستمرار بعد إعدامه لكن هذا لا يمنع من القول بأن مواقف محمود عن الاشتراكية والمرأة وغيرها كانت جاذبة لي.

    • يقدِّر البعض، من خلال موقفك من الحوار القومي الإسلامي الذي دعا إليه مركز دراسات الوحدة العربية، وكذلك موقفك من الفكر الجمهوري، أنك لست من أنصار التقارب بين الأصالة والحداثة؟

    ـ أنا لست من أنصار التوفيقية أو التلفيقية التي لا تقوم على أسس فكرية؛ فالعمل الذي قام به مركز الحوار القومي هو عملية تلفيقية أكثر من أي شيء آخر. أنا أفهم أن الحوار يقوم على أسس معينة، وأنت، عندما تحاور من تختلف معه، فإنك تحاول الوصول إلى المشترك بينكما، القوميون يرفعون اليوم شعارات الاشتراكية والوحدة العربية، والإسلاميون ضدها تماماً، بل ويعتقدون أن النظم القومية هي أشد مَن أساء إليهم من النظم منذ عهد عبد الناصر والبعثيين، ليست هنالك واو عطف بين الفريقين، وما تم ليس حواراً فكرياً، ويمكن أن يبحثوا لها عن تسمية حتى لو كانت جبهة سياسية ضد الإمبريالية.

    • أما من سبيل إلى الاتفاق والتعايش بينهما؟

    ـ بلى، بأن يقفزوا على خلافاتهم الفكرية لكي يحققوا الاتفاق السياسي فقط.

    • د.حيدر أسَّس مركز الدراسات السودانية واستهل نشاطه بكتاب (أزمة الإسلام السياسي)، البعض يرى أن الكتاب كان محاولة لتدشين العلاقة بينك والمعارضة السودانية؟

    ـ لا، ليس تدشين صلة؛ فأنا أصلاً معارض، لكن التاريخ يقول إن فكرة المركز بدأت منذ فترة أبعد، مع الراحل أبو القاسم حاج حمد. وفي جامعة الجزيرة كان همي إنشاء مركز للدراسات السودانية، دون أن أربط ذلك بالمعارضة، وربما القدر هو الذي جعله يبدأ في ذلك التوقيت؛ أي العام 1991م، عندما كانت بيوت الأشباح والتعذيب والتشريد. الشكل الذي وضعته للمركز لا صلة له بالمعارضة أو الحكومة، وما قدمته يومها كان إسهامي في الكشف عن النظام.

    • ولكن المركز، ظل وعلى طول الخط، يعبِّر عن لون واحد هو لون المعارضة؟

    ـ هذا غير صحيح، عندما أقمت ندوة لتقييم التجارب الديمقراطية في السودان، وقدم فيها د.عبد الوهاب الأفندي ورقة، انتقدني الناس أن أقدم الأفندي، وهو يعمل يومها ملحقاً إعلامياً للحكومة في الخارج، فدافعت عن ذلك بأن الديمقراطية تقتضي أن تسمع رأي الجميع، وكذلك فعلتُ عندما أقمت ندوة أخرى حول التنوع الثقافي؛ حيث بعثت بالدعوة إلى د.حسن مكي في السودان، ورغم ذلك قال لمن أتاه بالدعوة إن مركزالدراسات السودانية مركز مشبوه.

    • هل أنت راضٍ عن المعارضة السودانية وألوان طيفها؟، وهل قدمت فيها نقداً حقيقياً؟

    ـ لو سألت المعارضة عن رأيها فيَّ فستجده نفس رأي الحكومة فيَّ، أنا على قناعة بأنه ليس بالضرورة أن ترضى عنك الأطراف، وهذا البلد لم يصل إلى هذه الحال إلا نتيجة مشاكل ظلت تتضاعف منذ الاستقلال، فوصلنا إلى هذا الدرك من السوء والانحدار الذي أسهم حكم الجبهة القومية في مفاقمته بأساليب جديدة لم تكن موجودة.

    • هل يمكن القول إن نقدك للحزب الشيوعي السوداني كان نقداً خجولاً؟

    ـ لا.. لم يكن كذلك؛ لديَّ العديد من الكتابات عن الحركة الوطنية عموماً، وعن الشيوعيين، وحسبك أن تسألهم عني، ستجد أن رأيهم لا يختلف عن رأي غيرهم، ليس هناك طرفٌ راضٍ عني.

    • لا الحكومة ولا المعارضة ولا الشيوعيون ولا الإسلاميون راضون عنك؟، أنت في موقف فردي مختلف؟

    ـ أعتقد أن السودان بلد محافظ، ويعتمد ما يسمى (عقلية القطيع) الذي لو خرج أحد أفراده جانباً فإن النبال تنهال عليه، لو فكرتَ في التجديد قالوا أنك (مخالف) أو قالوا أنك تبحث عن أمجاد شخصية، كل ما في الأمر أنني أحاول أن أجرب دروباً غير تلك التي يألفها الناس.

    • مركز الدراسات السوداني هو د.حيدر إبراهيم؟

    ـ هذا اتهام كثيراً ما يتردد، وأنا أقول لو أنه كان ذلك لكنت سميته باسمي، هذا المركز ملك للشعب وللدراسات السودانية، المركز يقدم كل سنة تقريراً استراتيجياً عن السودان، وهذا ما لم ينجح فيه مركز آخر مثل مركز الدراسات الإستراتيجية الذي يديره وكيل وزارة أو وزير دولة، حيث توقفوا بعد ثلاثة تقارير.

    • د.حيدر (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب)، قدَّم كذلك نقداً للمثقف السوداني؟

    ـ هذا يعود بي إلى ذِكْر (عقلية القطيع). في البلدان الفقيرة، يدفع المزارعون والعمال (دم قلبهم) حتى يتعلم المثقف ويكمل دراسته الجامعية بالداخل والخارج. ولو أن هذا المثقف السوداني حرص على الأقل على رد الجميل لما وصل السودان إلى هذه الحال، أنا أنتقد المثقف من ناحية التزامه بقضايا شعبه الحقيقية. هل بالضرورة أن يظل المثقف على الدوام أنانياً؟، هناك نماذج مشرقة لمثقفين وصلوا إلى حد تقديم أرواحهم دفاعاً عن قضايا شعبهم؛ مثل محمود محمد طه وعبد الخالق محجوب وغيرهم، وهؤلاء هم النموذج الذي نبتغيه لا ذلك المثقف الموظف الذي ينتظر إكرامه بـ(ظرف) لو أنه شارك فقط في اجتماع عام.

    • هل تعني أن المشهد الثقافي في بلادنا اليوم (مُسَيَّس)؟

    ـ الحقيقة إن السياسة تطغى على الثقافة اليوم في السودان؛ فالحاكم وصاحب السلطة هو من يطغى اسمه، لا المثقف. د. الترابي يدلل على هذا الخلل بالتذكير أن الناس سابقاً كانوا يتذكرون الشيخ عبد القادر الجيلاني مثلاً ولا يتذكرون الحاكم في زمنه، اليوم يعرف الناس ويتذكرون الساسة فقط.

    • احتراف البحث والدراسة يتطلب حيدة، هل يعتقد د.حيدر أنها متوافرة فيه؟

    ـ أحاول قدر الإمكان أن أكون محايداً، في وضع مثل وضع السودان من الأفضل أن لا تكون ظالماً.

    • د.حيدر إبراهيم ركب موجة العداء للإسلاميين؟

    ـ ليس صحيحاً، أنا لديَّ عمل ومشروع قديم، ولا أعادي الإسلاميين ولم أهاترهم يوماً، أنا ضد الحركة الإسلامية في أمرين واضحين؛ هما التعذيب والفساد، لو أنهم قدَّموا نقداً لأنفسهم لكفونا كل هذا العناء، لكن المشكلة أنهم لم يعترفوا.

    • وهل يستحق الآخرين أي نقد حتى لا نقع في ذات الأخطاء؟

    ـ الآخرون نقدناهم كذلك، والسكوت ليس شيمتنا.

    • أما من سكوت متبادل بينك والحزب الشيوعي؟

    ـ عندما كنت بالقاهرة كنت أهاجم التجمع، ولم يعتبر الاتحاديون أن في ذلك هجوماً على الحزب الاتحادي الذي كان رئيسه يقود التجمع، لكن الشيوعيين اعتبروا نقدي موقفاً عدائياً من حزبهم، وعندما دعوت في العام 1995م إلى عودة المعارضة المقيمة في الخارج إلى البلاد هاجموني أيضاً وقالوا إنهم كانوا يعتبرونني ضمن معسكرهم.

    • هل تشعر بالرضا حيال تجربتك في مركز الدراسات السودانية؟

    ـ هو ليس بالرضا الكبير؛ لأنه مشروع مستمر، ما يرضيني أننا نفكر دائماً في المستقبل عبر مشروعات، المركز يعمل كذا وكذا ويفكر في إنجاز كذا وكذا، وقديماً قالوا: كن واقعياً واطلب المستحيل.

    • أحاديث كثيرة تدور بين المثقفين عبَّروا فيها عن عدم رضاهم عن (فردية) د.حيدر في التعامل؟

    ـ أنا لست فردياً، لكن السودانيين ليست لديهم أخلاقية عمل؛ فأكثرهم لا يلتزمون بالمواعيد ولا يحترمون الوعود، خذ مثلاً أننا نطالب المشاركين في مجلة (كتابات سودانية) ربع السنوية بتسليم موادهم قبل فترة كافية، لكن أغلبهم لا يحرص على التسليم إلا قبل أيام من الصدور، برغم أننا نكافئهم مالياً مقابل أعمالهم، مع العلم بأن العديد من الدوريات لا تفعل ذلك، ويكفي أن أدلل على ذلك بالقول إن خير الدين حسيب الذي يصدر مجلة (المستقبل العربي) عن مركز دراسات الوحدة العربية قد كتب على الصفحة الأولى من مجلته بأن (لا مكافآت) للمشاركين.

    • من أين يموَّل د.حيدر المركز؟

    ـ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا أجوب أطراف الأرض، ولو أنني بعد كل هذه السنين بقيت بلا علاقات ولا معارف فلا بد أنني شخص عاطل، هي ليست كلها علاقات وإنما مصالح مشتركة.

    • المنظمات الدولية حاضرة في تمويل بعض الأنشطة؟

    ـ أنا أتعامل مع عدد من الجهات كشريك، وليست هنالك يد عليا وأخرى دنيا، ولم يحدث أن كتبت أو نشرت عملاً تحت إملاء او وصاية، أنا أتعامل مع الأمم المتحدة ومنظماتها ومع مراكز الوحدة العربية والسفير وغيرها، وأؤمن بأن هناك ما يسمى (مجتمع مدني عالمي) والمركز في السنوات الأخيرة يحمل سمات عالمية.

    • لكن هذه المنظمات لها أجندتها وأهدافها أيضاً؟

    ـ ليست كلها، أنا أميِّز.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=52&...tion=article&id=1189
                  

10-06-2008, 10:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    منصور خالد يرد لأول مرة على د.عبد الله علي إبراهيم
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    لا أحد يستطيع أن يتّهم شخصاً مثلي بالتخابُر

    هذه واحدة من خمس حلقات اجريتها مع د.منصور خالد على قناة (النيل الازرق) في برنامج (مراجعات).. في هذه الحلقة يفكك د.منصور الكثير من علامات الإستفهام حول صلته بالحركة الشعبية وحول الاتهامات التى وجهها له د.عبد الله علي إبراهيم عبر صفحات هذه المجلة في سلسلة مقالات (... ومنصور خالد) ونسبة لأهمية هذه المقابلة تنفرد (الخرطوم الجديدة) بنشرها كاملة.

    حاوره : رئيس التحرير



    > كنت في طريقك لأديس ابابا للقاء د.جون فرنق في الثمانينات فهل كان هذا أول لقاء؟

    < كانت هذه هي المرة الأولى التي التقي فيها مع د.جون، برغم أنه كان بالخرطوم يعمل في الجيش في قسم البحوث، ولكن لم يتح لي أن التقي معه في تلك الفترة، وهذا اللقاء في تقديري كان فاتحة لعلاقة توثقت فيما بعد، وكان الحديث منذ البداية يدور حول الوضع الراهن في السودان.

    > بالتحديد كان هذا اللقاء في العام...

    < 1984م، وأنا قادم من لندن، وكنت أقيم فيها، حضرت حسب ما ذكرت نتيجة للاتصالات المبدئية التي تمت عن طريق قريبه وليم بيور ثم عن طريق الأخ دولاش ويل وعقب لقائه مع د.خليل عثمان رحمه الله، وكان الحديث حول الوضع الراهن، وأكثر ما استرعاني في حديث د.جون أنه بدأ الحديث معي في قضايا تهمني، كان يعرف أنني كنت نائباً لرئيس اللجنة الدولية للبيئة والتنمية فبدأ الحديث حول الوضع البيئي في السودان وفي إفريقيا، وأيضاً تطرق الحديث إلى آرائي حول قناة جونقلي، وكانت هي موضوع رسالته للدكتوراة «الآثار الاجتماعية والبيئية لمشروع جونقلي»، وبالطبع هذه الاهتمامات لم أجدها في أي واحد من السياسيين الذين التقيت بهم ولا أذكر أن واحداً منهم كان قد تحدث معي حول لجنة البيئة والتنمية وما تقوم به هذه اللجنة وانعكاس ذلك على حال السودان..

    > ولكنك لم تكن في هذا اللقاء بالنسبة لـ د.جون ضيفاً عادياً أو زائراً عادياً؛ كنت زائراً من العيار الثقيل، زائر تحتاج ملاقاته إلى تحضير.

    < لا أظن ذلك؛ فدراسته عن الدكتوراة كانت عن البيئة وقناة جونقلي، ولذلك لم يكن في حاجة إلى تحضير، لكن كما قلت هذا جعلني أرى فيه رجلاً يهتم بسياسة القضايا أكثر من سياسة السياسة، ثم بعد ذلك بدأت اجتماعات شارك فيها آخرون من بينهم رياك مشار، دينق ألور، مارت ملوال رحمه الله، ثم التقيت فيما بعد بقيادات الحركة الأخرى.

    > متى قررت الانضمام إلى الحركة الشعبية؟

    < أستطيع أن أقول إنني كنت معداً نفسياً لذلك، وقد ذكرت قولي للنميري آنذاك أن السودان لم يعد كما كان نتيجة لإلغائه اتفاقية أديس أبابا، وهذا يعني أن أي رد فعل يأتي من الجنوب سيكون مبرراً، ولكن أي رد فعل ما كان ليستهويني لولا أن جاء في إطار نظرة سودانية شاملة لمشاكل البلاد، وهذا هو حال قرنق؛ لأنه كان ينظر إلى القضية السودانية بشكل أكبر ولا يعتقد بوجود ما يسمى بمشكلة جنوب السودان.

    > لم تكن تحتاج كثير عناء لتعلن انضمامك للحركة الشعبية؟

    < إطلاقاً؛ فقد كنت جاهزاً بدون شك، وهذا القرار لم يعجب كثيرين لأسباب مختلفة.

    > ما الذي كان مبهراً بالنسبة لك في شخصية قرنق؟

    < أولاً قدرته على التعبير عن نفسه، وإلمامه بالذي يدور في الساحة السودانية في الوطن ككل، ثم إلمامه بما يدور في الساحة الإقليمية، وحرصه على أن لا يستهين بالمستمع، يأخذ كل ما يقوله مأخذ الجد، كل هذه الأشياء تحببك في الرجل.

    > هل تعتقد أن قرارك بالانضمام إلى الحركة الشعبية كان مبرراً من الظروف التي كانت تحيط بك؟

    < لا تستطيع أن تقول أنه كان قراراً مبرراً ولكن وكما قلت لك أن هذا القرار سبقه موقفي جراء ما يحدث في السودان...

    > هل كان القرار نتيجة انفعال?

    < هو ليس نتيجة انفعال لأنه لو كانت هذه الحركة يقودها شخص آخر لا يتمتع بالصفات التي يتمتع بها قرنق ولا تكون أطروحاته بنفس الشمول الذي كانت عليه أطروحات جون قرنق لكان لي بالقطع موقف آخر.

    > الطيب صالح قال :«إن منصور خالد يسير في طريق وعر ولا أحسب أن أستاذه جمال محمد أحمد يرضاه له» ويعني بذلك الحركة الشعبية؟

    < هذا صحيح فبيني وبين الطيب صالح خلاف في النظرة إلى الهوية السودانية، (الطيب) بدون شك ليس عنصرياً بل عندما تقرأ ما يكتب في واقع الأمر ترى أنه يريد أن يعكس السودان بكل تكويناته. لكن الطيب ككثيرين من مثقفي الشمال، تتملكهم عروبية للحد الذي لا أقول ينكرون ولكنهم يهملون معه المقومات الأخرى للشخصية السودانية، وبالطبع كانت هنالك قراءة أخرى عند عديد من الناس لشخصية جون قرنق، فهم لم يكن ينظرون إليه باعتباره الشخص الذي يدعو حقاً إلى هوية سودانية شاملة بقدر ما كانوا ينظرون إليه كشخص راغب في إزاحة المكون العربي الإسلامي. هذه قراءتهم ولكن كثيراً من هذه الأفكار قد انتهت بدون شك خاصة بالنسبة للطيب صالح؛ لأنه تمت لقاءات بين الطيب وجون قرنق في لندن دار فيها حديث بينهما أزال كثيراً من هذا اللبس.

    > الأستاذ محمد أبو القاسم قال: «إن منصور خسر الشمال ولم يكسب الجنوب»!!.

    < د.محمد أبو القاسم صديق عظيم ومفكر متميز وكانت بيني وبينه سجالات كثيرة، وأنا أحترم كل ما كتبه، وخلافي معه في أنه كان يريد أن يحصر السودان في مثلث فكري لا كمثلث حمدي ولكنه مثلث فكري، وهذا ناتج عن توجهه العروبي!، بالطبع سقطت كل هذه التوجهات وأظن أن الراحل لو عاش لاصطحبني في الطريق الذي سرت فيه.

    > د.عبد الله على إبراهيم يقول: (وكثيرون من بين المهاجرين إلى الآخر كانت هجرتهم لأنفسهم ومنصور عندي سيد هؤلاء، بل إن هجرته إلى حركة قرنق هي أقرب في الدلالة إلى اللجوء السياسي منها من معانقة الآخر).

    < عبد الله على إبراهيم ينتمي إلى مدرسة يسارية أو تنسب نفسها لليسار وتظن أنها الوحيدة القمينة بقيادة اليسار في السودان، فعندما يحضر رجل مثل جون قرنق ويقلب كل المناضد أمامهم ويثبت أن لديه قدرة أن يحرك كوامن هذا الشعب بالصورة التي لم تستطع قبائل اليسار أن تفعل، أولاً هذا يؤذيهم، ويؤذيهم أكثر من هذا أن يكون من بين نصرائه شخص لا ينسبونه إلا لليمين، هذه قضيتهم وهذه قضية فيها من الحسد بقدر ما فيها من الغرور الكثير.

    > وماذا عن أن هجرتك لجوء سياسي أكثر منه عناق للآخر، فقد قال عبد الله على إبراهي< «إن عناق الآخر عند منصور لم يكن لله وإنما لنفسه ولذا لم تمس منه الشغاف فتزلزل دفين محفوظاته العرقية الأولية»، بمعنى أنه إذا ما غضب منصور استدعى كل مواريث العرقية القديمة وله في ذلك شواهد.

    < ماذا يعنى بذلك....؟

    > يقصد أن منصور متى ما غضب من أشخاص يستدعي أعراقهم ليتحدث عنها.

    < هذا حديث غير صحيح فأولاً أن العرقية مترسبة في أهل الشمال، هذا حديث لا يحتاج إلى شواهد، أنا عشت طوال الأعوام الماضية في منظمات دولية وكانت لي علاقات بمنظمات إقليمية أيقنت أنه من النفاق بمكان أن تتحدث عن ما يحدث في جنوب إفريقيا وأن تتحدث عن ما يدور في مناطق أخرى من صراعات قبلية في الوقت الذي ترضى عن أشياء أنت لا تقبلها مطلقاً لدى الآخرين في بلدك وأمثالنا كلها تشير إلى هذا فأي جنوبي يستدعي العرقية له مبرر لأننا بالرغم من كل ما نقوله عن المواطنة وحقوق كل المواطنين وعدم التمييز على أساس العرق لكننا ما زلنا نتحدث عن «سجم الحلة الدليلها عبد» وما زلنا نتحدث «العبد كل ما طال زاد سنو قلت قيمته» هذه الأشياء الإقبال عليها خاطئ من الجانبين، الإقبال عليها من جانب الشماليين وغير الشماليين أنا لا ألوم الأفراد العاديين.

    > لكنها ثقافة وأنت تتحدث عن ثقافة لها تأثيرها على السياسة!

    < ربما، ولكني ألوم المثقف الشمالي الذي لا يريد أن يعترف بهذا الواقع، ومن الجانب الآخر بالرغم من أن العرقية والرق كان لهما الأثر الكبير على السياسة السودانية إلا أنهما في نهاية الأمر ظاهرتان تاريخيتان، والرق كان وسيلة من وسائل الإنتاج في كل المجتمعات في الماضي ويجب أن ننظر إليه هذه النظرة.

    > إذا كانت القضية ثقافية في الأساس أو لم يكن مفيداً أن يبقى د.منصور بعيداً عن الحركة ليعالج من وسط من ينتمي إليهم ويسهم في معالجة هذه الأمراض الاجتماعية؟

    < نظرتك إلى هذه القضية نابعة من يقينك بأن الحركة حركة جنوبية منذ اليوم الأول، قال جون قرنق أنه ينشئ حركة وطنية تريد أن تنتظم كل السودان فلماذا الإصرار على أن هذه الحركة جنوبية ويجب أن تبقى جنوبية؟ في اعتقادي أن هنالك سبباً للسعي للوحدة بالرغم من كل الحروب لكننا لن نقبل بعد أن تكون هنالك حركة على رأسها جنوبي!.

    > هنالك اتهام يوجه إلى الحركة بأنها تقوم بتوظيف واجهات شمالية لتصبغ نفسها بما يجعلها تبدو حركة وحدوية لعلك سمعت هذا ولعله ارتبط بك وبالآخرين؟

    < هذا ليس بصحيح لو نظرت إلى الشماليين الذين كانوا يحيطون بجون قرنق وكانوا يلعبون دوراً كبيراً ربما كان أكبر من الدور الذي يلعبه الجنوبيون، لا يستطيع إحد أن ينكر أن ياسر عرمان كان له دور فعال في الحركة، ولا يستطيع أحد أن ينكر دور د.الواثق كمير، فكل أفكار جون قرنق التي ظل يتداولها كان د.الواثق هو الذي يجلس معه ويصوغها باللغة العربية واللغة الإنجليزية وبالتالي لا تستطيع أن تصف هؤلاء بأنهم واجهات.

    > أنت كنت كارهاً للأدلجة، جئت فوجدت الحركة يسارية أو ماركسية، وعندما قرأت لك بعض النقاط من منفستو الحركة قلتَ لي إن هذا تأثير الخطاب اليساري على الحركة، هل أنت من قدت هذا التحول نحو تعديل الخطاب ليكون خطاباً أقرب إلى الحضارة السائدة؛ خطاباً أقرب إلى الغرب؟

    < أولا تعبير (أقرب إلى الغرب أو الشرق) تعبير غير صحيح، جون قرنق مفكر ولم يكن ذا أيدولوجية مطلقاً فعندما سئل وهو في أديس أبابا عقب مؤتمر كوكادام عن آيديولوجية الحركة لم يقل إنه ماركسي، قال إنني لست ماركسياً أو اشتراكياً أو رأسمالياً، أنا سودانوي، وقال: قبل أن تكون لك أيديولوجيا لا بد أن تكون لك كينونة، إذاً هذه هي أفكار جون الحقيقية، هنالك مؤثرات بعضها يتعلق بالجو الإقليمي الذي كان يعمل فيه وبالجو الدولي الذي كان سائداً، ولكن في اللحظة التي وقع فيها هذا التحول بسقوط الهرم الشيوعي في العالم كان لا بد أن يغير أي شخص ناهيك عن رجل مفكر مثل جون قرنق يفكر في كل ما يفعل، الحقيقة الثانية أن القضية ليست قضية شمال أو غرب وشرق، في الواقع الذي سقط هو نظام متكامل، وسقوط هذا النظام كان لسبب واحد ليس لأن الرأسمالية نظام أمثل، الرأسمالية هي ليست الرأسمالية التي كان يتحدث عنها كارل ماركس وكان يتوقع أن تنهار من تلقاء نفسها، الرأسمالية هي نظام أفلح في أن يفعل ما لم تفعله اللينينية، أدرك بأن هناك واقع لا بد أن يتعامل معه فيما يتعلق برعاية الطبقات الفقيرة والعمال المعاشيين والنساء والأطفال، وأخذ كل ما حققته الدول الاشتراكية في هذا المجال وقلص من كل جموح الرأسمالية، من الجانب الآخر ظل الاشتراكيون أو اللينينيون يظنون بأن أفكارهم عقيدة لا يمكن لها أن تزول مطلقاً وأنه لا بد من الالتزام الحرفي بها، علماً بأنه حتى كارل ماركس نفسه كان يدرك هذه الحقيقة في خاصة نفسه فعندما تقدم فتى يدعي «لافارش» للزواج من ابنته كتب إلى صديقه أنجلس في رسائل ماركس وإنجلس، هذه الرسائل موجودة، ويقول له لا أريد لابنتي أن تتزوج شحاذاً ولكني سعدت عندما تسلمت رسالة من والد الفتى لافارش يقول فيها أن لافارش قد اكتنز مائة ألف دولار واستغل هذه الأموال لشراء سندات لحكومة نيو أورليانز في أمريكا، فإذا كان ماركس يدرك هذه الحقائق البديهية، فما بال الذين جعلوا من أفكاره عقيدة وأرادوا أن يتمثلوا هذه العقيدة في كل ما يصنعون وفي كل واقعة تجابههم، بدلاً عن إخضاع النظرية للواقع يفرضون هذه النظرية على ذلك الواقع وبالتالي انهار النظام!!.

    > عندما تقرأ منسفتو الحركة الشعبية في 1983م تجده يتحدث عن سودان اشتراكي ثم تأتي مقولة قرنق مؤخراً بأنه (سودانوي) لا بد أن نقول أن لمنصور خالد دوراً في هذا؟

    < لا أريد أن انسب لنفسي وحدي فضلاً في هذا، ولكن هنالك الكثيرون لعبوا دوراً بخاصة عقب مؤتمر توريت؛ لأن مؤتمر توريت هو الذي حدد الخط الذي لا نستطيع أن نقول أنه غير آيديولوجي ولكنني أقول أنه على الأقل أن تأخذ الحركة طريقاً براغماتياً.

    > هذا خط د.منصور خالد الذي كان يرفض اليمين واليسار ويريد أن يختط خطاً بعيداً عن الأدلجة؟

    < أنا لا أريد أن أنسب لنفسي الفضل في هذا ولكن كثيرين لعبوا هذا الدور.

    > طيب، عموماً في ثقافة الراحل د.جون قرنق، ما هو الدور الذي لعبه د.منصور خالد، فقد سمعت أنك كنت تمده ببعض الكتب الخاصة باللغة العربية كديوان المتنبئ!.

    < جون قرنق كان حريصاً على أن يتعلم كل شيء، كان حريصاً أن يتعلم اللغة العربية وبالتالي ترى أن جون قرنق في الثمانينيات ليس هو جون قرنق في نهاية التسعينيات. تعلم اللغة العربية، وكان صديقي الطيب صالح عافاه الله يقول لي دائماً لا بد أن تعلم يوهانس ديوان المتنبئ، نقلت هذا إلى جون قرنق وقلت له أن الطيب يقول أنك لا بد أن تتعلم العربية للحد الذي يمكن فيه أن تقرأ ديوان المتنبئ، وبالطبع هذا أمر عسير وهذا شأنه مع كل الناس، ففي لقاءاته مع علي عثمان كانا يقضيان الساعات الطوال في الحديث عن الأديان فيمده (علي) بما يريد مده به من القرآن وكان جون ليس فقط يناقش وإنما يسعى لاستكشاف المشترك بين القرآن والإنجيل.

    > فعلت هذا من قبل مع نظام مايو، ففي الملتقى الفكري حاولت أن تغير بوصلة النظام؟

    < في تلك المرحلة لا أستطيع أن أقول إنني فشلت لأن الذي كنت أسعى له هو الوصول إلى قاسم مشترك. في ذلك الوقت كنا نحسب إننا ننتمي إلى (القوى التقدمية) في الوطن العربي، ولذلك شارك في ذلك الاجتماع البعثيون, وشاركت فيه جبهة التحرير الجزائرية, وكمال جنبلاط الحزب الاشتراكي، وشارك حزب البعث بمصر ومن سوريا ومن العراق وكان ممثل العراق طارق عزيز، وبالطبع الحزب الاتحادي الاشتراكي في مصر، وكان الهدف هو الوصول إلى قاعدة فكرية يمكن أن يتعاون كل الناس في إطارها، لكن موقف الإخوة الشيوعيين لم يكن موقفاً فكرياً؛ كان عداءً سياسياً، بمعني أن شيوعيتهم سبقت ماركسيتهم.

    > هم واصلوا المعركة معك بعد التقييم الذي سموه بتقييم اتفاقية أديس أبابا وهم أول من أطلقوا الاتهام بعلاقتك بالولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً أنا أسأل؛ لماذا هذا الربط الشديد بين د.منصور خالد والولايات المتحدة؟

    < دعني أبدأ بالأول وهو الحديث عن الاتفاقية، فإن أي شخص يصم هذه الاتفاقية بأي شيء هو في اعتقادي إما جاهل، أو مغرض غرضاً فاحشاً...

    > مقاطعاً : جون قرنق وصفها بأنها كانت اتفاقية أقلية؟..

    .< لا جون قرنق كان له سبب آخر، بالنسبة للقوى السياسية السودانية، فهذه الاتفاقية هي النص الذي توافقت عليه لجنة الاثني عشر وفشلت الحكومة آنذاك في تطبيقه، كل الذي فعلناه أننا أخذنا ذلك التقرير الذي أعدته هذه اللجنة وكان على رأسها رجلان أحدهما ما زال حياً هو الأستاذ يوسف محمد علي وهو من القانونيين المتميزين وكان صديقاً حميماً لي والثاني المرحوم عبد الرحمن عبد الله، إذن القضية هي ليست قضية المحتوى؛ فقضية الولايات المتحدة هو اتهام يطلق عليّ والغرض منه هو استهجان الآخر، وفي بلد تصبح فيه أخطر الاتهامات هي أسهلها لا بد أن يكون هنالك ثمة خطأ في التفكير، وعلى أية حال علاقتي بأمريكا علاقة لا أتبرأ منها؛ فهي لعبت دوراً في تكويني، بدليل أنني درست هناك، وبدليل أنني عملت هناك، وأمريكا ليست هي (بوركينا فاسو)؛ فهي بلد قضيتها ليست السياسة فقط، فهي البلد التي أنجبت 90% من حملة جائزة نوبل في السنوات الخمسة عشر الماضية، في العلوم المختلفة، حتى الذين نالوها من غير الأمريكان نالوها لأنهم أصبحوا أمريكان، ولأن وراءهم عقل جمعي أمريكي يعينهم على البحث، أمريكا أيضاً هي دور العلم، هي المكتبات، هي حتى أندية الجاز الذي استمع إليه كثيراً ويسعدني الاستماع إليه ولا أجد غضاضة في أن أقول إنني أستمع إليه.

    > لكنهم لم يكتفوا بأن يربطوا بينك والولايات بهذه الصلة الثقافية العامة بل مضوا إلى أبعد من ذلك إلى حد الاتهام بالتخابر؟

    < طبعا هذا حديث مكرور يتردد دوماً لكني أقول إن هذا الاتهام لسوء الحظ يجيء من أناس يمثل التخابر جزءاً هيكلياً من تكويناتهم؛ لأنهم يظنون أنهم جزء من منظومة فكرية معينة، وبالتالي من حقهم أن ينقلوا إليها كل ما يستطيعون نقله، أمريكا ليست هكذا، ولا يستطيع أحد أن يتَّهم شخصاً مثلي بالتخابر أو أن علاقته علاقة تخابر، علاقاتي في أمريكا بدأت من أعلى قمة فيها وما زالت، ولا أقول إلا قول المتنبئ: (مَن مُبلِغ الأعراب بَعدي أني شاهدت أسطاليس والإسكندر)، وأنا قد شاهدت أكثر من أرسطاليس وأكثر من الأسكندر في أمريكا وفي غيرها.

    > هناك علاقة خاصة تربطك بجورج بوش؟

    < نعم.

    > هذه العلاقة نشأت منذ السبعينيات؟

    < منذ السبعينيات عندما كان سفيراً لبلده في الأمم المتحدة. وكنت أنا سفير السودان في الأمم المتحدة كذلك.

    > ماذا عن اغتيال القنصل الأمريكي كيرتس مور.. هل صحيح أن العملية جائت رداً على محاولة إبعادكم السودان عن محيطه العربي؟

    < لا هذا ليس صحيحاً، القضية هي جزء من الصراعات الفلسطينية المختلفة، المجموعات التي سعت في أكثر من مناسبة إلى أن تلحق الأذى بأمريكا، وبالطبع السودان كان هدفاً هشاً، وكان رد فعل نميري رداً عنيفاً؛ فللمرة الأولي في تاريخ المنظمات الفلسطينية تقدم الدولة متهمين لمحاكمة وتدينهم.

    > اعذرني، أريد منك توضيحاً، ماذا عن هذه الوثائق في عدد من المقالات قدمت كدليل على اتهامك بالتخابر؟

    < مقال واحد، رسالة من جوزيف سويني الذي كان ممثل اتصال، في ذلك الزمان لم تكن في الخرطوم سفارات، كان هنالك من يسمون بضباط الاتصال، كان هناك ضابط اتصال أمريكي هو جوزيف سويني، وكان هنالك ضابط اتصال فرنسي يدعي بول كارتول أصبح فيما بعد سفيراً في عدد من الدول، وكان هناك ضابط اتصال بريطاني المستر ريتشارد، هؤلاء الضباط جميعهم دبلوماسيون، وكانت التقارير التي يكتبونها ترسل إلى وزارة الخارجية، وبالتالي تفتح بعد أمد معين، وهي ليست تقارير استخباراتية، وتقارير هذا الرجل بالذات، وهو بالمناسبة كان رجلاً عالماً لأنه يحمل درجة دكتوراة من هارفارد، وكان رئيساً لدائرة البحوث في وقت من الأوقات، ورسائله جميعها موضوعة في مكتبة آيزنهاور ومكتبة نيكسون ومكتبة ترومان وهي مكتبات مفتوحة للناس، والتقارير الاستخباراتية لا تُنشر، وعدم الأمانة في الإشارة إليها أن يكون في التقرير رصد لمن التقى بهم الرجل، وأن يتناول الكاتب الاسم الثاني عشر ويسميه (العميل الثاني عشر)، دون أن يذكر للناس أن الرجل الأول هو عبد الله خليل رئيس الوزراء ولا يمكن لرئيس الوزراء أن يكون عميلاً، الثاني هو رجل مثل عبد القادر يوسف هاشم مدير العمل ، أو يوسف مصطفى التني حادي الوطنية السودانية وكان نائباً لمدير العمل وكانت له أبحاث في نقابات العمال، سعد الدين فوزي أبو الاقتصاد السوداني، جميع هذه الأشياء تكشف غرضاً، وكما قلت هذا لا يقدم أو يؤخر خاصة عندما تجد عنصر الغرض في هذه الأمور.

    > كانت هذه رسائل إلى الخارجية الأمريكية، ولكنها بصورة ما إلى أفرع القوات المسلحة الأمريكية أو السي آي آيه وهو تقرير استكمل به ضابط الاتصال مذكرة سلفت بتاريخ 31 مارس وعنوانها الشيوعية في السودان!

    < طبعاً وغريب جداً أن يرى أحد اهتمام أمريكا بالشيوعية في السودان أو الشيوعية في كل العالم ما هو الغريب في هذا؟

    > أنت في حوار مع قناة الجزيرة ذكرت أنك كنت تتحدث مع الأمريكان بأن يأتوا إلى السودان وعن دور الاتحاد السو?ييتي وعن ضرورة التوازن ، كان حديثاً يُشتمّ منه أنك خدمت الخط الأمريكي في السودان؟

    < هو الخط السوداني وليس الأمريكي، السياسة السودانية سياسة لا عقلانية، يعني مثلاً قطع العلاقات مع ألمانيا قطع العلاقات مثلاً مع أمريكا نتيجة لمواقف سياسية اتُّخذت ولكن إذا نظرت إلى العالم العربي لوجدت أن عدداً كبيراً من الدول العربية لم تكن قد فعلت هذا، هل من مصلحة السودان البقاء في هذا الوضع أم لا، ولكن بعد اتفاقية أديس أبابا كان السودان يحتاج إلى دعم كبير لتنفيذ هذه الاتفاقية بخاصة بالنسبة للتنمية في الجنوب وكانت هنالك إقبال عظيم من جانب الدول الإفريقية حيث أعلن عدد من الرؤساء منهم الإمبراطور هيلاسي لاسي والملك الحسن في المغرب ونيريري أعلنوا دعماً لتنفيذ اتفاقية أديس أبابا، وكان أكبر دعم في تقديري هو ما قام به كابرال وكان رئيس لجنة التحرير في إفريقيا ، وقال: نحن لا نملك شيئا نقدمه، ولكننا نظن إن السودان قدم أكبر هدية للوحدة الإفريقية للوحدة الإفريقية بإكماله لهذه الاتفاقية، ولذلك نطالب منظمة الوحدة الإفريقية بأن لا تطلب من السودان أن يقدم دعماً لحركات التحرير الإفريقية كما كان هو الحال، حتى يستطيع أن يسخّر كل ما يملك لتنفيذ هذه الاتفاقية. وبعد الاتفاقية اتصل بنا وليم رودجرز كان وزير الخارجية وكان في تلك اللحظة في أنقرا يقول لي إنه ذاهب من أنقرا إلى صنعاء ويريد أن يحضر إلى السودان لنعلن سوياً إعادة فتح السفارة الأمريكية، فكان ردي عليه أن هذا القرار لم نتخذه بعد، فأجلنا هذا القرار لأنه كان قرار المؤسسات والمكتب السياسي ورئيس الوزراء، فلم تكن هنالك لهفة على التعاون مع أمريكا لكنني موقن بالأمس واليوم وغداً بأن السودان لا بد أن تكون له علاقات وثيقة مع الدول الكبرى في العالم ليس فقط لأنها دول كبرى بل لأن هذه الدول هي التي تهيمن على كبريات المؤسسات الاقتصادية الدولية، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً في سوق المال بدون شهادة صحة من صندوق النقد الدولي.

    > هذا إذا أغفلنا ضرائب بعينها على صعيد قرارك السياسي، يتوجب عليك دفعها في المقابل!.

    < ما هي الضرائب التي تدفعها؟، في رأيي أن لدينا انتفاخ ذات، ونعتقد بأننا أناس نتمتع بقدر من الأهمية يتيح لنا نوجه سير العالم، أنا أقول إننا بلد صغير له احتياجات معينة، ودول كثير أقامت علاقات وثيقة مع أمريكا ومع الغرب لم يطالبها أحد بأن تدفع ثمناً أو فواتير، فإن دولة كماليزيا تتعاون مع أمريكا تعاوناً وثيقاً استطاعت أن تحقق ما حققته، وهنالك دول عربية كثيرة تتعاون مع أمريكا، تونس مثلاً والمغرب، أما الحكومات التي أرادت أن تحشر نفسها في صراعات آيديولوجية من صنعها فيجب عليها هي أن تتحمل هذه المسؤولية وليس البلد، ففي نهاية الأمر يدفع الثمن البلد.

    > دكتور دعني أمضى بك نحو اللزال أو ما أسميه الصدمة؛ أعني الرحيل المفاجئ لـ د.جون قرنق، أين كنت وقتها، كيف كان تأثير الخبر عليك؟

    < حقاً كان الحدث زلزالاً، كنت في بريتوريا، وكان هنالك فريق من أبناء وبنات الحركة يتلقون تدريباً دبلوماسياً في بريتوريا تحت إشراف حكومة جنوب إفريقيا بمساندة بعض جامعاتها تمهيداً لانتمائهم لوزارة الخارجية، وكنت هناك لإلقاء محاضرة أدرجت في البرنامج، وجاءني الخبر، لم أصدق، ثم تأكدت منه. كان حدثاً مؤسفاً محزناً، وحتى الآن لا أريد أن أصدق أن رجلاً بحجم الدنيا قد رحل عن الدنيا.

    > لم ترثه برغم هذا الحزن الكبير فدموعك عبر القلم أبلغ، عندما توفي محمود محمد طه ذهبت تبكيه بالورق فلماذا كان جون قرنق استثناءً؟

    < جون قرنق يحتاج إلى أكثر من مقال، وأنا أعد كتاباً، صحيح أنه كتاب يتناول اتفاقية السلام ولكنه في الحقيقة يتناول دور جون قرنق في اتفاقية السلام.

    > أنت من من لا يؤمنون بنظرية المؤامرة ولكنك أمام هذا الحادث تبدو حائراً؟

    < صحيح، هذه القضية لا أريد أن أقول بأنها قتلت بحثاً، ولكن تم تحقيق قام به رجال على قدر كبير من النزاهة والمعرفة، ومثل هذه القضايا ستظل دوماً مكان سؤال، ما زال الناس يتساءلون حتى اليوم؛ من قتل جون كنيدي؟!.

    > يخشى البعض أن تصبح هذه القضية كقميص عثمان؛ يرفعه الناس كلما واجهتهم الأزمات؟

    < هذه حقيقة، لأن هناك من يستخدمه اليوم كقميص عثمان؟

    > من تقصد؟

    < أنت أدرى، اقرأ في الصحف من الذين يثيرون قضية موت جون قرنق؟

    > في الجنوب أم في الشمال؟

    < في الجنوب وفي الشمال، ولكن أكثرهم في الجنوب؛ لأن كل صاحب قضية يريد أن يحمل هذا القميص ليؤجج قضيته. لأنه من السهل استثارة الناس بهذا الأمر.

    > ما الطريق الناجع لقفل هذا الباب؟

    < أظن أن الإسراف في الحديث عن هذا الموضوع به تحقير للرجل، وبه إثارة ذميمة لأقرب الأقربين له؛ زوجته وأبنائه، ومن الخير أن يبحث الناس عن الطريقة المثلى لإغلاق هذه الصفحة.

    > في الثورات، دائماً ما يتحدث الناس برحابة الحلقوم، في الثورات تستطيع أن تزن لمن تشاء كيفما تشاء، عندما يأتي الحكم تنهض التحديات بوجه الذين جاءوا من كرسي المعارضة والثورة ليواجهوا تحدياً آخر كيف ترى تحديات الجنوب الآن؟

    < كثيرة، أولاً يجب أن نأخذ في الاعتبار الحركة الشعبية باعتبارها الحزب الأغلب في الجنوب، وهي تمر بالعديد من الفترات الانتقالية من مرحلة إلى أخرى، أولاً انتقالها من حزب كان يقود حركة تحرير إلى حزب سياسي، ومن حزب يكاد ينفرد بالسلطة في الجنوب إلى حزب يتعامل مع قوى سياسية أخرى، الانتقال أيضاً في القيادة، من قائد ظل معها منذ نشأتها إلى قائد جديد بالرغم من أنه رجل يحمل الشرعية وهو الشخص الوحيد الذي كان منتخباً مع جون قرنق، وأيضاً قضايا تتعلق بما ورثته هذه الحكومة، فيجب أن لا ينسى الناس أن هذه الحكومة تبدأ من الصفر، تذهب إلى المدارس فلا تجد إلا مباني مهدمة، تذهب إلى الجامعة فلا تجدها إلا أصبحت ثكنات عسكرية، تذهب إلى المستشفيات فلا تجد بها شيئاً، الطرق انمحت جميعاً، حتىتلك التي خلفتها حكومة أبيل الير. اللاجئون المرحلون من الداخل إلى الجنوب، كل هذه الأمور تسعى الحكومة إلى حلها، وهي مهمة صعبة ولكن هذا لا يجعلها متعذرة العلاج.

    > هل ترى الإيقاع منتظماً داخل حكومة الجنوب منذ مجيء الحركة الشعبية إلى الحكم، هل أنت راضٍ عنه، وهل يسير وفق خطة؟

    < الايقاع بدون شك لا يرضي أحداً، وعلى رأس هؤلاء سلفاكير، فما من مناسبة إلا وقف ونقد هذا الأداء في كل المجالات، بخاصة أن أمامنا فترة قصيرة هي الفترة الانتقالية لكن النجاح في أداء هذه المهام يتطلب شيئين؛ الأول يقع تحت مسؤولية حكومة الجنوب وهو الانصراف بكليتها لتحقيق المطالب الأساسية بالنسبة للجنوبيين، وأمامها مشروع متكامل ومدروس قدمته لجنة الـ(جيم)، وهنالك أيضاً لجنة التقديرات المشتركة، وهنالك أيضاً أموال موعود بها وهنالك أموال تأتي من عائدات البترول، فأنت بحاجة إلى أن تسخّر كل هذا لتلبية المهام الأساسية، الجانب الآخر هو مسؤولية الحكومة القومية، فإذا كنا نتحدث عن جعل الوحدة خياراً جاذباً فلا بد أن يكون لهذه الوحدة رايات يستطيع أن يراها الجنوبي حتى يقول والله هذه الوحدة أكسبتنا هذا أو ذاك.

    > هناك تحديات كالتكوين القبلي في الجنوب ثم الفساد، إلى أي مدى تعتبر أن هذين الأمرين يشكلان قلقاً؟

    < التكوين القبلي في الجنوب مشكلة كبيرة؛ لأنه ينعكس على قرارات كثيرة، أنت في واقع الأمر إذا أردت أن تتخذها بموضوعية لا تستطيع أن تصل إلى النتائج التي تصل إليها في اختيار الناس إلى مواقع معينة، فالجنوب غير محظوظ لأن ما وحّد أهل الشمال، خلافاً لما يرى الكثيرون، هو الطائفية، فقد لعبت دوراً مهماً في خلق وجدان قبلي يتجاوز القبلية والعشائر؛ فالمسيحية ليست مثل الحركات الصوفية، فقد ركزت على الصفوة وعلى نخب متعلمة ولعل المسيحية في الشمال القديم في مملكة سوبا انهارت لأنها كانت ديانة صفوية لم تنتقل إلى الجميع، انعدام هذه الرابطة قطعاً جعل عوامل الطائفية والعرقية والإثنية تلعب دوراً مهماً في السياسة وستظل، وبالتالي نحن بحاجة إلى معالجة هذه المسائل بالتعليم.

    > الفساد؟

    < الفساد ظاهرة، وحتى لا نرمي الجنوب بذلك الداء ثم ننسل منه، فالفساد ظاهرة في كل السودان، وهذه الظاهرة من أكثر الأشياء التي تدمر البلد، في الجنوب هنالك ثلاث مشاكل، المشكلة الأولى تتحدث عن القبلية، فجنوب السودان وجميع دول شرق إفريقيا كلها نجد أن الرابط الذي ينتمي إليه الفرد هو القبيلة والعشيرة والبطن، الدولة كيان لا معنى له، فأنت محتاج إلى أن تخرج من هذه العرقية بأن هنالك ما يسمى الدولة، فتوجد ضوابط وقوانين، والجانب الآخر يتعلق بالفساد هو الضعف الإداري في الجنوب، لم تكن هنالك قوانين في الماضي، كانت موجودة في أيام حكم أبيل الير في فترة الحكومة الانتقالية، هذه القوانين انهارت فالجنوب كله أصبح مسرح حرب ، فلا توجد قوانين ولا أشخاص بعينهم لأداء العمل، فبالتالي هنالك ضرورة لمعالجة موضوعية، الأمر الثالث، اللصوص؛ فهناك مَن لا يأنف أن يمد يده للمال العام، وهؤلاء في تقديري لا بد من قطع يدهم.

    > من خلاف؟ تطبّق عليهم الحدود؟

    < لا.. (يضحك)...

    > أحد الكتّاب قال إن الموت أنقذ قرنق الثائر من هذه التحديات الضخام؟

    < قرنق قبل وفاته كان يتحدث مع بعض أصحابه قال لهم ما كانت المسيحية لتنتشر لولا الحواريين، هذا حديث يصدر من رجل كان يعرف بأن دوره تاريخياً لا بد ان ينتهي في وقت من الأوقات وبهذا المنطق قد تستطيع أن تقول إنه حتى قرنق نفسه يدرك أن دوره ليس دوراً أبدياً، أن تقول إن الموت أنقذه من التحديات هذه وجهة نظر، لأنني عندما أنظر إلى السودان اليوم أشاركك الرأي، في تقديري لا يستطيع أي شخص معالجته إلا بعون من الله تعالى.

    > لماذا يتسرب لي الشعور بأنك يائس؟

    < لا أدري عندما أتيت إلى السودان، بخاصة بعد الاتفاقية، ظننت أن هنالك آفاقاً جديدة تمكّن أهل السودان من أن ينقذوا أنفسهم من ما ألحقوه بأنفسهم، فبالنسبة للسودانيين ليس هنالك أي سبب بأن يكونوا خلف دولة مثل كوريا التي كانت تعتبر حالة ميؤوساً منها، مثل ماليزيا التي نالت استقلالها بعد السودان وليس لها أية مقومات غير الثروة البشرية «العقل»، كنت أظن أن هذا يمكن أن يحدث، كنت أظن أن الحرب هي السبب، برغم أننا نحن من صنعها، لكن بدأت أظن أن هنالك مشكلة أكبر، فيكاد إحساسي يكون مثل إحساس يوليسيس عندما عاد إلى إثيكا وقال: عدت إلى البحث عن الوقت الضائع، نحن نلعب في الوقت الضائع، هذا هو حال السودان. أيضاً شهدت مظاهراً جعلتني أشعر باليأس، فالمشكلة ليست في الأحزاب السياسية بل هي في الثقافة السائدة، فقد تجد فتى يجد غضاضة في أن يصافح أخته، هذا لا يمكن أن يكون في السودان الذي كانت به مهيرة تركب الحصان وعائشة بنت أبو دليق التي أورثها والدها الخلوة ولم يورثها لأبنائه، فنحن نعيش في ألفية جديدة وفي عالم نريد أن ننافسه, ومع ذلك لا زلنا نظن أن صوت المرأة ينقض الوضوء.

    > تحدثت عن اعتزال العمل السياسي في أكتوبر 2003م قلت إنك إذا وصلت الخرطوم ستعتزل العمل السياسي وتتفرغ للأدب، فها نحن الآن في العام 2008م وما زال الدكتور يخوض في أوحال السياسة، متى تعتزل العمل السياسي؟

    < يتوقف على ما تعنيه بالسياسة. هنالك أوضاع حُملت عليها، فربما لو كان د.قرنق حياً لأحسست بأني يمكن أن أترك الساحة ولكن عندما أشعر بأن هنالك عبئاً أُوْرِثته مع آخرين فعلى الأقل يجب أن أؤدي ما يؤديه الآخرين.

    > سؤال أخير، هل في تاريخك السياسي ما يستحق ان تستغفر منه أمام الشعب السوداني؟

    < (أه!) ارتكبنا أخطاء كثيرة فكل مشاكل السودان اليوم أورثها جيلنا للسودان، فبالتالي نحن مطالبون بالعمل، أولاً مطالبين بالاعتراف بهذا، فنحن نغالط، كمثل صديقك الذي تحدثت عنه منذ قليل، بأننا ملأنا الفضاء ضجيجاً حول الاستعمار والعمالة للاستعمار ثم نحج إلى ديار هذا الاستعمار ونحن سعداء ولا نريد أن نلغي كلمة واحدة من الكلمات التي قلناها عن من كنا نجحدهم بالأمس ونجحدهم اليوم، لأننا لو لم نجحدهم اليوم لقلنا لهم بارك الله لكم في كسبكم الجديد.

    > دكتور، كلمتان للمستقبل ولشباب هذا المستقبل؟

    < المستقبل في هذا البلد لشباب هذا البلد وشابات هذا البلد ونصيحتي لهم بأن يمسكوا بزمام أمرهم بأنفسهم، وأن لا يصدقوا أحداً.

    > حتى منصور خالد؟.

    < حتى منصور خالد.!!.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=54&...tion=article&id=1247
                  

10-06-2008, 10:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    ( الخرطوم الجديدة ) حصاد عام



    بقلم: بكري المدني
    سكرتيرا التحرير

    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    بهذا العدد تكون مجلة (الخرطوم الجديدة) قد دخلت السنة الخامسة من عمرها الممتد، بإذن الله. ولما كانت المجلة قد تناولت في الأعداد الاثني عشر أحداث عامها السابق فقد أتينا، كما درجت العادة، على إعداد (كوكتيل) من أهم الموضوعات التي تطرقت لها المجلة في أعدادها المذكورة للتذكير ولتعميم الفائدة، والمادة الملخصة أدناه تعتبر بمثابة مختصر لما سيحتويه مجلد السنة الخامسة.
    • العدد المزدوج 46 ــ 47 مارس ــ إبريل 2007م أجرت (الخرطوم الجديدة) حواراً مع السيد الزبير أحمد حسن، وزير المالية والاقتصاد الوطني ــ السابق ــ رد من خلاله على الحديث الذي جرى وقتها عن انهيار الموازنة للعام المذكور، واصفاً إياه بالتهويل السياسي للمعارضة، وإن لم ينكر وجود مشاكل في الموازنة، ولم ينف أيضاً قيامه بإجراءات للمعالجة في حال حدوث متغيرات. وكشف الوزير عن صعوبات تواجهها المالية للمحافظة على الأهداف الكلية في ظل الأوضاع السياسية المتغيرة في البلاد، وتحدث أيضاً عن مشروع النفرة الزراعية الذي أطلقته رئاسة الجمهورية من أنه لا يمثل هروباً بل هو محاولة تفادي الاعتماد المتزايد على عائدات النفط، وختم الزبير حديثه حول تأثير انخفاض سعر الدولار على الصادر، نافياً التأثير الكبير، وقال إن المشكلة تكمن في زيادة تكلفة الصادرات.
    وفي العدد نفسه كانت (الخرطوم الجديدة) قد أجرت استطلاعاً حول إمكان نقل الحركات المسلحة في دارفور الصراع إلى الخرطوم شارك فيه اللواء (م) برمة ناصر والذي قال إن تصريحات الحركات المسلحة ليست عبثاً ولكن الحل الأمني ليس نهائياً، واتفق معه العميد (م) بلة عبد الفتاح الذي قال إن نقل الحرب إلى الخرطوم أمر ممكن ولكن النصر فيها مستحيل. أما الفريق (م) إبراهيم الرشيد فلقد خالف الاثنين قائلاً إن على حركات دارفور المسلحة أن تتعظ بتجربة الحركة الشعبية الفاشلة في نقل الحرب للخرطوم.
    وفي العدد أيضاً تحقيق عما يريده السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي، من نشاطه السياسي، قال فيه علي السيد إن الميرغني يعمل على جمع الناس ودرء المخاطر عن السودان. ومضى د.بركات موسى الحواتي إلى أن الميرغني يمسك بالخيوط كلها في يده، وأن كلمته تبقى مسموعة. فيما اختلف كل من (الراحل) فاروق كدودة والحاج مضوي محمد أحمد مع السابقين بقول الأول إن الميرغني مهتم بذاته ومصلحته ويبحث عن مشاركة في السلطة تحفظ ماء وجهه، أما الثاني فقد جزم بأن الميرغني يعمل سفيراً (خفياً) للحكومة بالخارج ويسعى لمكاسب سخية منها استعادة أملاكه المصادرة.
    المجلة أجرت في العدد نفسه استطلاعاً عن ظاهرة الصحف الإعلانية حيث اتفق الذين يتابعونها بأنها ألغت خدمات السمسار ووفرت العمولة، وحسب إفاداتهم أن بالإمكان الحصول على وظيفة بالتلفون من خلال إعلاناتها، أما المواد الاجتماعية والمعلوماتية التي تنشرها فلقد اتفق على أنها مفيدة ومميزة. وكشف متحدث عن مجلس الصحافة عن أن التصديق لإصدار صحيفة إعلانية من أيسر ما يكون مقارنة بالإصدارات الأخرى، أما أصحاب تلك الصحف فذكروا أن هدفهم الترويج والتوعية برغم قلة العائد المادي وارتفاع أسعار الورق والطباعة.
    استضافت المجلة في العدد ذاته الموسيقار أنس العاقب الذي قال إنه ينتمي إلى قبيلة مجهولة تدعى (المبدعوناب)، داعياً إلى فتح النوافذ لنور الشمس، وتساءل عن السبب وراء مهاجمة المواهب الجديدة. وفي رده على معالجة بعض الأغاني والألحان قال العاقب إن الآثار هي التي ترمَّم لا الأغاني، وكشف عن أن المرأة حاضرة بكثافة في ديوانه (همس الاعتراف) وفي ثنايا ألحانه وأغانيه.
    تناول العدد معارك كمال شداد الرياضية، حيث ذكر القانوني محمد أحمد البلولة أن خصوم شداد يحاربونه لأسباب واهية، أما النعمان حسن فقال إن شداد يخسر قضاياه قانونياً ولكنه يكسبها بقرارات فوقية.
    • العدد 48 ــ مايو 2007م
    في هذا العدد أجرت المجلة حواراً مع السفير بوزارة الخارجية خضر هارون والذي عمل سابقاً سفيراً للسودان في الولايات المتحدة قال فيه إنه لا يملك وصفة محددة لإصلاح العلاقات السودانية ــ الأمريكية، مؤكداً أن أمريكا أضاعت مواقيت مهمة لإصلاح العلاقات مع السودان، معدداً أسباب عدم جني السودان لثمار تعاونه مع أمريكا في مكافحة الإرهاب، وأضاف قائلاً إنه قال للأمريكان في هذا الصدد (إننا إن نفعل أو لا نفعل فنحن ملعونون عندكم على أية حال)، وحكى أن مدرّسة أمريكية أخذت ابنتها الصغيرة إلى متحف للهولوكوست لتقف على ما يجري في دارفور.
    في العدد استطلاع تحت العنوان (هل يطبِّع السودان علاقاته مع إسرائيل؟) شارك فيه د.الحاج آدم بالإجابة قائلاً إن الأمر وارد؛ فالسلطة القائمة تريد إرضاء أمريكا، أما يوسف حسين فقد اعتبر الحديث حول هذا الأمر سابقاً لأوانه، ومضى قور ماكوك إلى أن العلاقات دائماً ترتبط بالمصالح وأن الحركة الشعبية لا تمانع من التطبيع مع إسرائيل وفقاً لذلك.
    (من يدير الخرطوم عند الأزمات؟) تحقيق داخل العدد تحدث من خلاله مصدر أمني كاشفاً أن حالة معينة تستدعي تدخُّل الاستخبارات العسكرية لحماية الخرطوم. أما اللواء شرطة خضر المبارك فقال إن للشرطة مقدرة لم يرها أحد، وتمنى ألا يحدث ما يجعلنا نحتاج إليها، فيما تحدث اللواء حمدنا الله عن تحمل قوات الدفاع المدني لأخطاء الآخرين، وذكر د.مخلص طه أن أحداث الاثنين كانت أزمة أمنية يمكن قراءة إرهاصاتها قبل الوقوع، فيما أكد بروفيسور حسن محمد صالح وجود خلل عمراني وظواهر في الخرطوم قد تؤدي إلى كوارث اجتماعية.
    هل يمكن الوصول إلى قلب الرجل؟، هذا السؤال طرحته (الخرطوم الجديدة) في هذا العدد، وأجاب عنه عثمان التجاني قائلاً إن الرجال بلا استثناء يحبون المرأة الطباخة، وقد رفضت الأستاذة سماح علي هذا المنطق قائلة: أرفض الذي يفكر في بطنه فهذا يحتاج إلى طباخة وليس إلى زوجة. وكشفت اعتدال المرضي أن تجربتها لا تخلو من الأخطاء لكن زوجها تحمل جرائمها المطبخية؛ حسب تعبيرها.
    المجلة أفردت تحقيقاً عن المطلّقات قالت فيه إحداهن أن تجربة الزواج أحياناً قد تكون أمرّ من الطلاق نفسه، أما المقدم شرطة حسن التجاني فذكر أن الضغوط على المطلقة قد تقودها إلى عالم الجريمة، وأكدت اختصاصية في علم الاجتماع أن نظرة المجتمع إذا تبدلت نحو المطلقة فإنها تتحول إلى شفقة وعطف، وقالت مختصة في علم النفس أن تقبُّل المطلقة لوضعها الجديد رهين بالمحيط الذي تعيش فيه.
    التشكيليون.. هل هم مهمشون؟، هذا السؤال الافتراضي أجاب عنه البروفيسور أحمد شبرين قائلاً إن تهميش التشكيليين حقيقة، وقد بدأ منذ عهد محيي الدين صابر، أما د.أحمد عبد العال فقد نفى أن يكون التشكيليون مهمشين قائلاً إنهم في كل مكان في حياتنا، وخالف التشكيلي عيسى الأخير واتفق مع الأول، ذاكراً حالة اهتمام الإعلام بوفاة الفنان بادي محمد الطيب وتجاهُله لوفاة التشكيلي جحا واللتين حدثتا في وقت واحد.
    في الرياضة تحدث المدرب أحمد بابكر عن إمكان وصول المنتخب الوطني إلى نهائيات بطولة غانا للأمم الإفريقية قائلاً إن المنتخب مستقر ومؤهل للوصول إلى غانا، وأضاف إليه كابتن الرشيد المهدية أن أمامنا فرصة ذهبية لإعادة صياغة واقعنا الكروي.
    • العدد 49 ــ يونيو 2007م
    في العدد أعلاه أجرت (الخرطوم الجديدة) حواراً مع السيد مني أركوي مناوي، كبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيس السلطة الانتقالية ومركز جيش تحرير السودان بدارفور، قال فيه: وجودي في الميدان والسلطة واحد، وأنه مستعد للتنازل عن موقعه للآخرين على أساس اتفاق أبوجا. وأضاف مني أن وصول حركته للسلطة وسّع من فرص وجودها على الأرض، مؤكداً أن الحركة لم تفقد شبراً من أراضيها، كاشفاً في الوقت نفسه أن 80? من دارفور باتت آمنة. ورفض مساعد الرئيس الحديث عن القوات الهجين باعتبار أنه لم يكن طرفاً في الاتفاق عليها، وقال إن الحديث عن قبلية حركة تحرير السودان دعاية سياسية لتدميرها وأنه لا يميل إلى من يكتبون بأفكار ومرجعيات عنصرية.
    التحقيق عن مراكز البحوث والدراسات في السودان، قال فيه جاد الكريم عبدالقادر؛ من مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا، إن عدم تأثيرها في الحياة السودانية سببه إهمال الدولة وتجاهلها لهذه المراكز. أما هويدا عتباني، من مركز دراسات المرأة، فقد اتهمت بعرض المراكز بأنها أداة لتحصيل المال والبعض الآخر عبارة عن واجهات أمنية. السؤال عن تمويل المراكز رد عليه د.حيدر إبراهيم، مدير مركز الدراسات السودانية، معتبراً إياه سؤالاً خبيثاً يستبطن الهجوم على المراكز، فيما اعترف عبد الحافظ عثمان، من هيئة الأعمال الفكرية، أن ثمة جهات رسمية وأخرى غير رسمية تموّل الهيئة. واعترف د.المعز لله صالح، من مركز التنوير المعرفي، أن الأخير أُنشئ بقرار حكومي وإن كان مؤسسة مستقلة. ومن خارج تلك المراكز تحدث مبارك محمد؛ من جامعة إفريقيا، قائلاً إن هناك تباعداً بين صناع القرار والمراكز البحثية. أما علاء الدين بشير، الصحافي بجريدة (الصحافة)، فكشف أن مركز الدراسات الإستراتيجية لم يقدم ورقة واحدة في نيفاشا برغم أن مديره كان أحد أعضاء التفاوض.
    في هذا العدد أجرت المجلة استطلاعاً عن الرجل (المطلّق) حيث قال حسين الفكي إن رجلاً رفض تزويجه ابنته بعد أن عرف بأنه سبق له الطلاق، أما حاتم الطاهر فقال إن المطلق يمكن أن يكون ضحية لامرأة أنانية.
    الإشاعة.. كان تحقيق العدد المذكور، وقال عنها اللواء (م) حسن ضحوي إنها تستهدف البلد، والإشاعة التي تُطلق أثناء الحرب هي الأخطر من نوعها، وأكد العميد (م) عبد الرحمن فرح إن الحكومات أيضاً تستخدم الإشاعات عبر أجهزتها الأمنية. أما د.خليل مدني فقال إن غياب المعلومة يشكل بيئة صالحة لإنتاج الإشاعات وتضخيمها، فيما ذكر د.خالد كردي إن صناعة الإشاعة تحتاج إلى مهارات وفن ومعلومات.
    في حواره مع (الخرطوم الجديدة) قال الكاتب حسن محمد سعيد إن الفنان يخلع جبة الإبداع عندما يتزَيّا بجبة الآيديولوجيا، وذكر أن محمد أحمد المحجوب كان قد استوعب سيد أحمد الحاردلو في وزارة الخارجية برغم اختلاف الرؤى، وقال إن الوزارة تحتاج إلى هؤلاء المثقفين.
    ناقش العدد نقل المباريات تلفزيونياً، وقال كمال حامد إن اتحاد كرة القدم تسرَّع في اتفاقه مع شبكة ART دون ضمانات للتنفيذ، أما القطاع الاقتصادي بالتلفزيون فأكد على تحمسه للنقل الحي رغم العائد الضعيف من الإعلان التجاري أثناء المباريات، وتحدث مدير قناة النيل الأزرق عن أسباب فنية تقف وراء عدم نقل مباريات الكرة بالولايات، وختم د.معتصم جعفر بالقول إن على الأندية استيعاب المفاهيم الإعلانية والتجارية بدلاً عن الاعتماد على دخْل المباريات.
    • العدد 50 ــ يوليو 2007م
    حوار السيد الصادق المهدي في العدد أعلاه ذكر فيه الإمام أنه إن كان يريد تغيير نظام الحكم فلسوف يبحث عن شخص آخر موقفه أكثر ثباتاً من الميرغني، وكشف أن باقان أموم وأركو مناوي يتفقان معه على أن المؤتمر الوطني حزب غير مؤتمن وأن الدكتور نافع علي نافع (يدق في الركب) لأنه رجل أمن لا سياسة.
    العدد حوى تحقيقاً عن الخصخصة قال فيه كمال عبد اللطيف إن خطة إصلاح سودانير كان الهدف منها أصلاً جذب المستثمرين. أما بابكر محمد توم فكشف أن تكوين لجنة للتصرف في القطاع العام دليل على الشفافية والتروي، واختلف معه عثمان مضيفاً إن قيمة الخصخصة نفسها تتعرض لإهدار لأنها تتم في الظلام، أما عباس السيد فقال إن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على خصخصة سودانير، وكشف هاشم البشير إن اتحاد عمال السودان يشارك في كل سياسات الدولة الاقتصادية.
    (الانتخابات على الأبواب) استطلاع تحدث من خلاله عبد الله حسن أحمد قائلاً إن قانون الانتخابات والتعداد يقفان حجرَي عثرة أمام إجراء الانتخابات، أما د.عبد النبي أحمد فأكد أن المؤتمر الوطني لن ينال أكثر من 10? إذا جرت انتخابات نزيهة، وتحدث د.الطيب زين العابدين عن ضعف الاستعدادات وشكَّك في قيام الانتخابات في موعدها، بينما نادى الزهاوي إبراهيم مالك الأحزاب بالاستعداد للانتخابات وترك التعلُّل.
    فطور العريس.. كان من الظواهر التي تناولها هذا العدد، وقالت عنه الفنانة حواء الطقطاقة إنه كان في الماضي رسالة ترحيب لا يتجاوز صينية صغيرة، وقال إسحق فضل الله إن فطور العريس تحول إلى مظهر اجتماعي يُثقل كاهل كل الأسر، وحددت باحثة اجتماعية أسباب استمرار فطور العريس إلى انتشار الجهل والفقر وأنه يقود المجتمع إلى ممارسات انصرافية.
    في هذا العدد أيضاً تحدث الناقد عبد القدوس الخاتم عن سبب فقده لوظيفته ومعاشه بسبب كتاباته الموضوعية. وقال إن اليمينيين أحرقوا كتاب (العودة إلى سنار) للشاعر محمد عبد الحي في احتفال مهيب على رأسه فراج الطيب.
    حكّام كرة القدم في قفص الاتهام، وكابتن عمر النقي يقول إن إثبات فسادهم أمر صعب، فيما يؤكد الرشيد علي عمر أن شراء الذمم واقع قائم في عالم كرة اليوم، ويمضي كابتن محيي الدين الديبة أكثر إلى أن هناك حكاماً سودانيين اشتهروا بالرشوة والانحياز، ويختتم الطاهر عثمان المرافعة بأن ميول الحكم هي نقطة ضعفه.
    • العدد 51 ــ أغسطس 2007م
    الحوار الرئيس كان مع كمال عبيد، القيادي بالمؤتمر الوطني، والذي قال إن حزبه لا يتعمّد إضعاف الأحزاب الأخرى، ولكنه في نفس الوقت غير مسؤول عن تقويتها. وكشف أن بعض القوى السياسية تسعى لإفساد العلاقة بين المؤتمر الوطني وشركائه، ومضى إلى أن التاريخ سوف يثبت أن الإنقاذ من أقوى الأنظمة التي مرت على السودان، وأن الحركة الإسلامية مثل القطار لا تتأثر بنزول السائق عنه.
    (ماضي الزوجين قبل الزواج) استطلاع قال فيه محمد عبده إن المرأة تفضِّل أن تجد زوجاً بلا ماضٍ، أما نبيل غالي فيرى أن توافر الثقة بين الزوجين سيجعل الماضي مجرد حكايا، ولكن سمية إبراهيم تؤكد أن الرجل الشرقي بعامة؛ والسوداني بخاصة، لا يتفهم ماضي الزوجة.
    العازف محمدية حكى في هذا العدد قصته مع الكمنجة، وقال إن الإيطالي ماسترلي له فضل كبير عليه حتى إنه دخل الإذاعة دون فترة تجريبية، وكشف أنه عمل أستاذاً في معهد الموسيقى قبل أن يلتحق به طالباً، وقال إن الكمنجة انتصرت على كرة القدم والصفّارة والعُود لديه.
    لاعب الهلال المحترف سابقاً قودوين ذكر للمجلة أنه رفض كل العروض رغبةً في ارتداء شعار الهلال، وتحدث عن زملائه في الملعب، وقال إن كلتشي هداف ماكر والبرنس قائد محنك.
    • العدد 52 ــ سبتمبر 2007م
    حوى هذا العدد ملفاً خاصاً بالأستاذ الشهيد محمد طه محمد أحمد، حيث تناول حياته من الميلاد إلى الاستشهاد، وتناول معاركه الصحفية في ندوة تحدث فيها هاشم الجاز قائلاً إن محمد طه كان يدير معاركه بالمعلومات والتكرار، وإنه زرع التناول الحر حتى وصلت الصحافة إلى مستوى الجرأة التي هي عليها اليوم وذلك ما جعل كثيرين يتفادون الوقوع تحت طائلة هجومه. وقال فتح الرحمن محجوب إن (الوفاق) لم تكن صحيفة وإنما كانت عبارة عن منبر سياسي، وأن الممارسة الصحيفة كانت وجهاً من أوجه شخصيتها المتعددة. أما عادل إبراهيم حمد فذكر أن (الوفاق) أضافت أسماء جديدة للصحافة السودانية، وعزا عدم خضوع صاحبها للمعايير الصحفية لأسباب اقتصادية، أما خالد التجاني فقال إن كان هناك منبر غير (الوفاق) توافر لمحمد طه لاتخذه، وقال إن معاركه تبدو خصومات مع أشخاص أكثر من كونها حول قضايا بعينها.
    التحقيق حول شبكات الاتصالات داخل العدد المذكور قال فيه وزير الدولة بالإعلام والإتصالات إن التطور في هذا المجال نشأ عن اهتمام الدولة، وقال الطيب مصطفى إن قطاع الاتصالات من أكبر مصادر الدخل القومي بعد البترول، فيما كشف الأستاذ عادل الباز أن الجهات الرسمية لا تملك القدرة على الرقابة على شركات الاتصالات وفرض قواعد للتنافس بينها.
    الشلوخ.. من الظواهر التي سادت ثم بادت، تحقيق هذا العدد. يقول عنها الشاعر إسحاق الحلنقي إنها لم تستهوه وإعتبرها تشويهاً لوجه الوردة، أما بروفيسور يوسف فضل (المشلخ) فذكر أن الأوروبيين اعتبروه نازياً بسببها، وقالت خبيرة تجميل إن الشلوخ مثلت ثقافة مجتمع لم تكن لديه خيارات تجميلية أخرى.
    الفنان عثمان اليمني تحدث في هذا العدد عن مشكلة أغنية الطنبور ولخصها في انسلاخ شعرائها عن واقعهم وسوء اختيار المطربين الذين صاروا يرون أنفسهم أكبر من (نادي الطنبور)، وقال اليمني إنه يفكر في الإنتاج لنفسه وذلك لأن شركات الإنتاج لا تدفع للفنان ما يستحق، وهاجم إبراهيم بن عوف بتهمة أنه نسب ألحانه إليه وباعها!.
    إنجازات ألعاب القوى السودانية وحضورها عالمياً كانت موضوع الملف الرياضي خاصة في رياضة التجديف والعدو والوثب الثلاثي للسيدات.
    • العدد 53 ــ أكتوبر 2007م
    في ندوة تحت عنوان (الحركات الإسلامية ــ إشكالات الواقع ومآلات المستقبل) تحدث فيها للمجلة البروفيسور حسن مكي قائلاً إن انتقال الولاء من الأفكار إلى الأشخاص تغيُّر نوعي في بنية الحركات، وقال الدكتور يوسف الكودة إن غياب فقه الألفة والعصمة لا يزال يشكل عائقاً أمام الخروج من الأزمة. وكشف د.الطيب زين العابدين أن انتهاج الشعارات العامة لم يعد وسيلة صالحة، وختم د.حمد عمر حاوي بأن غياب فقه الاعتراف بالآخر من علل الحركات الإسلامية.
    إعادة ترتيب الخرطوم من خلال الإجراءات الأخيرة قال فيها معتمد محلية الخرطوم إن المعالجة النهائية كفيلة بالقضاء علي سلبيات قرار نقل المواقف، وقال إن المطلوب إنشاء كباري وطرق على أطراف الولاية لفك الاختناقات القائمة، وكشف مدير إدارة الجنايات أن الخرطوم ليست مدينة بلا جرائم ولكنها مع ذلك ليست آمنة تماماً.
    ظهور مشاط الشعر بالنسبة للنساء مرة أخرى قالت فيه الحاجة أم كلثوم إن الاحتقار قديماً كان يلحق بالمرأة التي تترك شعرها بلا مشاط، وقالت رشا سلوم إن مسؤولياتها الكثيرة جعلتها اليوم تلجأ إلى المشاط لأنه لا وقت لديها لتسريح شعرها.
    المسرحي محمد شريف علي قال إن اضطهاد الدراما السودانية يتمثل في إهمالها وتحدث وقال إن المعلنين رفضوا بث إعلاناتهم خلال المسلسل السوداني وقام التلفزيون باختيار وقت غير مشاهد له.
    انتفاضة الكرة السودانية تمثلت في متابعة العدد للمنتخب الوطني في غانا ورصدت وصول المريخ إلى نهائي الكونفيدرالية وخروج الهلال لسوء الحظ.
    • العدد 54 ــ 55 نوفمبر ــ ديسمبر 2007م
    ناقش هذا العدد واقع الصحافة السودانية، حيث ذكر مصدر أمني أن جهاز الأمن مع حرية الصحافة من دون تهاون في مصالح الوطن. وعبّر رئيس اتحاد الصحافيين عن خشيتهم من أن يمتلئ سجن أم درمان بالصحافيين قبل تعديل المادة 159، وكشف قانوني لـ(الخرطوم الجديدة) أن لا تعارض بين القانون الجنائي وقانون الصحافة، وقال الأستاذ فيصل محمد صالح إن الصحافة قد ترتكب أخطاء، ولذلك فهي تحتاج إلى مجتمع يحاسبها.
    في مراجعات مع الأستاذ عثمان ميرغني نفى من خلاله الأخير أن يكون راتبه الصحفي هو الأكبر بين الكتّاب الصحافيين في السودان، وقال إن الصحافة عمل إبداعي وأن كل الزيادات التي أصابت راتبه لم يطالب بها.
    مدير الشرطة السابق فريق أول محجوب سعد تحدث لـ(الخرطوم الجديدة) عن تأثير أحداث الاثنين والتغيير الذي رسخته في ذهنية المواطن حول نظرته لقيمة الأمن، ولكنه أضاف قائلاً إن الخرطوم تشهد انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الجريمة وقارن بين الوضع الأمني فيها وفي بقية العواصم الإفريقية، وذكر أن 75? من أمن السودان يقوم على تأمين الخرطوم.
    العدد المذكور كان قد غطى الأسبوع الثقافي السوداني في الجزائر عاصمة للثقافة العربية للعام 2007م متناولاً فعالياته والتجاوب الجزائري الرسمي والشعبي معه، وعكست التغطية أوضاع السفارة والجالية السودانية في العاصمة الجزائرية.
    تناول العدد دورة كل الألعاب العربية كآخر محطات المشاركات الخارجية وقتها وكشف عن أسباب الإخفاق الدائم والفشل المتكرر للمشاركات السودانية في مثل هذه الفعاليات الرياضية.
    • العدد 56 ــ يناير 2008م
    فتح هذا العدد ملف الإخوان الجمهوريين بحوار مع د.عمر القراي الذي قال إن ما يدعو له الجمهوريون فيه خلاص البشرية كلها وذلك؛ بحسبه، لأن الأستاذ محمود محمد طه داعية إصلاح كوكبي، وأضاف القراي قائلاً إن المسلمين في حاجة إلى ترك الإيمان الاستعلائي والمفاهيم التي قامت عليها دولة المدينة، كما لم ينف حاجة الجمهوريين إلى جسم منظم يقوم بالدعوة للفكرة الجمهورية.
    (الخرطوم الجديدة) عقدت ندوة لمناقشة مستقبل الجمهوريين تحدث فيها د.طارق عثمان الذي قال إن تعارض الفكرة الجمهورية مع أصل الدين هو ما دعا المجتمع إلى رفضها، وأكد طارق أن المجتمع سيرفض عودة الجمهوريين مجدداً إن حاولوا ذلك. أما د.صبري خليل فقد ربط مستقبل الفكر الجمهوري بموقف الجمهوريين معاً من مصادره الأصلية من خلال تطويرها أو الإبقاء عليها. وقال طارق محجوب إن رحيل الأستاذ محمود محمد طه مثل غياب الأصيل الأوحد عند الجمهوريين والذي لا يخلفه أحد ليطور الفكرة، ورد على كل هؤلاء الأستاذ الباقر العفيف قائلاً إن عودة الجمهوريين ليست معجزة لكنهم مكبلون اليوم بقوانين غير دستورية.
    الأستاذ أتيم قرنق في حوار مطول في هذا العدد هاجم الشرطة وقال إنها اشبه بحزب الله، وأشار إلى أن هناك هروباً من المؤتمر الوطني بسبب طرحه الإقصائي، وأكد أن حكومة الجنوب حققت الكثير، وأن الحديث عن قصور في التنمية مجرد دعاية سياسية.
    العدد أفرد استطلاعاً لعطلة السبت حيث تساءل د.عصام صديق عن السبب في اعتزام الدولة تجربيها لفترة محددة ثم الحكم عليها ما دام العالم؛ بحسب صديق، كله قد طبقها وجنى ثمارها. لكن حسن ساتي قال إن الفرق بيننا وبين الآخرين هو أننا أسسناها على النقل، وهم أسسوها على العقل، واستبعد اتحاد أصحاب العمل تطبيقها في القطاع الخاص في الوقت الراهن.
    كسف حوار العدد مع الفنان زيدان إبراهيم عن افتقاده لأصوات عائشة الفلاتية ومنى الخير والعبادية والبلابل، وقال زيدان إن الفنان محمد وردي هو الأب الروحي للغناء السوداني وإنه لولاه لما أصبح فناناً.
    وحول تجربة التجنيس وإسهامها في انتفاضة الكرة السودانية رأى حسن يوسف أولوية الهلال والمريخ في تجنيس الأجانب، واختلف معه الطريفي الصديق الذي كشف من جانبه عن الضرر الذي ألحقه التجنيس بالكرة السودانية.
    • العدد 57 ــ فبراير 2008م
    في هذا العدد نقرأ حواراً مع السيد باقان أموم، الوزير برئاسة مجلس الوزراء، أكد فيه لـ(الخرطوم الجديدة) أن التزامه بمبادئ الحركة ومشروعها السياسي هي مصادر قوته وقال: قناعاتي هي عقيدتي، ونفى اتهامه بالعنصرية قائلاً إن ضيق الأفق ليس من صفاته، وهاجم دعاة الانفصال قائلاً إنهم يعانون من مركبات نقص.
    السني الضوي تحدث عن زميله السابق إبراهيم أبو دية قائلاً إنه كان يعشق الشعر ويغني بعمق وأضاف إن منى الخير كانت وراء مشروع ثنائي العاصمة، واختتم الضوي حديثه عن أبو دية مؤكداً أن رحيله أعاده إلى التلحين.
    (الخرطوم الجديدة) عقدت ندوة حول مستقبل الكرة السودانية تحدث فيها الوزير هاشم هارون والذي قال إن ماضي الكرة السودانية كان مشرقاً وأن التاريخ سوف لن يرحم الجيل الحالي إذا عاش على أمجاد ذلك الماضي، ورداً عليه أكد يوسف النعمة أن الجيل الحالي يضم أفضل اللاعبين ولكنه محروم من المعينات، وتداخل سيد سليم مبيناً أن الإمكانات في الماضي أيضاً كانت شحيحة ومع ذلك فقد كانت الحال أفضل من الحاضر. وتساءل النعمان حسن؛ ابتداءً ماذا نريد من ممارسة كرة القدم؟، وفنّد مزمل أبو القاسم حاجة الكرة السودانية إلى محترفين في فن الإدارة، ورأى معاوية دفع الله أن إنجازات السودان تتم بالصدف.
    حوار مراجعات في هذا العدد كان مع د.حيدر إبراهيم علي الذي رفض من خلاله السؤال حول انتمائه للحزب الشيوعي قائلاً أرفض تماماً عقلية القطيع، مؤكداً أن كل معارفه عن الإشتراكية أخذها في باكر حياته الاجتماعية والتي عاشها في حي القشلاق.
    أجرت المجلة استطلاعاً حول مكانة الأستاذ الجامعي تحدث فيه د.محمد يوسف أحمد المصطفى قائلاً إن الدولة والجامعات هي المسؤولة عن تراجع دور الأستاذ الجامعي، فيما اعتبر د.طارق عابدين أن ثورة التعليم العالي أثرت سلباً على الأستاذ الجامعي وشغلته بالعمل وغيبته عن بقية الأدوار الأخرى. ومن جانبه تحدث د.مجذوب بخيت عن المشكلة ملقياً باللائمة على الإعلام الذي يركز على نجوم الفن والرياضة وعلى السياسيين من دون العلماء.
    الشاعر عبد الله النجيب، تحدث في هذا العدد عن نشأته في حي أمدرماني يتحدث الشعر وقال إنه يعيش في صداقة دائمة مع أشعاره وكشف أنه قد قرأ مع مصطفى سند كل المكتبة المركزية.
    • العدد 58 ــ مارس 2008م
    حوار هذا العدد كان مع د.الصادق الهادي المهدي أكد فيه أن مقولة (غيبة الإمام) تم ترويجها لأسباب سياسية، ووصف معركة الجزيرة أبا بأنها لم تكن انتحاراً سياسياً للأنصار، مشيراً إلى أن جهات خارجية ــ غير عربية ــ اعترفت بالمشاركة في قصف الجزيرة أبا والتي هاجمها نميري بعد فبركة محاولة لإغتياله.
    ناقش هذا العدد وحدة الحركة الإسلامية حيث استبعد محمد الأمين خليفة أن يَترك وزير أو سفير أو حتى رئيس موقعه من أجل وحدة الإسلاميين، فيما أكد المحبوب عبد السلام اقتراحهم تقاسم إدارة الحركة الإسلامية، مشدداً على أنهم لم يتحدثوا مطلقاً عن مناصب في الدولة. وحول موقع الشيخ الترابي في حال وحدة الإسلاميين قال كمال عمر إن أهم منصب للشيخ الترابي هو التزام الدولة بأفكار الحركة، وأضاف حسن مكي قائلاً إن وجود الترابي في مؤسسات الحزب بعد الوحدة لا يشكل مشكلة، بينما أكد عمر مهاجر حاجة الحركة إلى مؤتمر عام ــ بعد الوحدة ــ يحدد موقع الشيخ الترابي والآخرين الذين معه في السلطة والحزب.
    أجرت (الخرطوم الجديدة) في هذا العدد من القاهرة حواراً مع مؤلف روايات المغامرات (رجل المستحيل) د.نبيل فاروق كشف فيه عن أن تأليفه لهذه الروايات يتم بالتعاون مع المخابرات المصرية، وتحدث عن المرحلة الراهنة للسينما المصرية والتي وصفها بمرحلة الانحطاط والمسخرة الفنية.
    (هل نحن أفضل شعب؟) كان استطلاعاً شاركت فيه الصحافية آمال عباس مذكرة بأن الغرور هو مقبرة الشعوب، وأضافت أن صفة الكرم اندثرت عن السودانيين، واختلف معها التجاني حاج موسى الذي قال: بلا تحيز لا زلنا كسودانيين نحمل العديد من القيم الخيرة.
    فنان الطنبور محمد كرم الله ذكر في هذا العدد أن أغنية (الطيف) منحته امتياز الترقية إلى مطرب درجة أولى إضافة إلى شبّال مع الرئيس، ومن ذكرياته قال إن فتاة قد طالبت بتوظيفه كي لا يفارق مدينة كريمة.
    العدّاء أبو بكر كاكي كان آخر عناقيد الفرح، حيث أكد صداقة اتحاد ألعاب القوى السودانية للذهب، ورصد العدد مع إنجاز كاكي حصاد الاتحاد المذكور لـ144 ميدالية ذهبية في عام واحد.



    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=55&...tion=article&id=1285
                  

10-06-2008, 10:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    في ( مراجعات ) مع غازي سليمان المحامى
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك


    حوار: رئيس التحرير
    هذه حقيقة دورى نهارية انقلاب هاشم العطا
    يقولون إن التاريخ السياسي في بلادنا يقبع خلف حصون حصينة مكتوب عليها (ممنوع الاقتراب والتصوير). فاكثر من 35 سنة مرت على انقلاب 19 يونيو 1971م؛ ذلك الانقلاب الشهير الذي قاده الرائد هاشم العطا ضد الرئيس الأسبق جعفر نميري، والحديث عن هذا الانقلاب يستدعي المزيد من الجدل!. فما هو دور «الرفيق عابدين»؛ الاسم الحركي لغازي سليمان المحامي، في هذا الانقلاب؟، وما هي حقيقة الرسالة التي كلَّفه هاشم العطا أن يوصلها إلى القيادي الشيوعي الشفيع أحمد الشيخ؟، وما رأيه في الاتهامات أو العبارات المشكِّكة في هذا الدور من قِبَل فاطمة أحمد إبراهيم؟. لإماطة اللثام عن كل هذه الأسئلة وغيرها، كان هذا الحوار الذي اجريته لصالح برنامج مراجعات بقناة النيل الازرق وتنشر الخرطوم الجديدة الجزء الاول منه والخاص بآحداث 19 يوليو 1971.
    ----
    • غازي سليمان، نجم المنابر، وأداؤه يوصف بأنه مسرحي تمثيلي؟
    ــ أنا في حياتي لم أمثِّل، وأنا رجل صادق وأتوخَّى الصدق؛ لأني أريد أن أنام مرتاحاً وخالي البال، كما إنني لست سياسياً محترفاً، وأيّ كلام أقوله يجب أن يكون موثَّقاً، لذا لا أتكلم كلاماً ليس له معنى، وأنا لا أدَّعى لنفسي صفة علمية، غير أني عاصرت أحداث السودان منذ العام 1956م حتى هذا اليوم، ودائماً أرى نفسي شاهداً على العصر وراوياً للتاريخ.
    • شخصية غازي سليمان عند من يحبونه هي صورة «الثوري المناضل» وهم يتمثَّلونها في الواقع، وناقدوه يرسمون له صورة «المهرّج»؟
    ــ هذه مسألة عجز، فإن صحفاً كثيرة تكتب عني، وبعضها يكتب أنني قُدت المحامين السودانيين في انتخابات نقابة السودانيين مرتين وكنت فاشلاً، وهذه فرية؛ فأنا قد علَّمت شعب السودان ــ في أيام القمع والاستبداد ــ كيف يناضل، فأين كان من يتهمني بالفشل في تلك الأيام، وما هو الدور الذي قام به.
    • لماذا تتعرض شخصية غازي للهجوم بشكل كبير من قبل معارضيه، ترى ما هي الأسباب الدفينة وراء ذلك؟
    ــ إنها الطبيعة البشرية؛ فالشخص العاجز دائماً يهاجم الأشخاص الآخرين، ونحن بذلنا ما بوسعنا لمساعدة أهل السودان.
    • لهل أنت نادم على المرحلة التي كنت تقود فيها «النضال» ضد الإنقاذ؟، وماذا عن الاتهام الموجه إليك بأنك صنيعة إنقاذية؟
    ــ لا أريد أن أردّ عليهم، وحسبي ردّ صديقي الشهيد محمد طه محمد أحمد، قال؛ هؤلاء تعلموا في غازي سَلْخ التمساح، أنا أمثِّل مرحلة تعلَّمَت الإنقاذ فيها سلخ جلد التمساح، لا توجد معارضة بعد اتفاقية نيفاشا يوجد برنامج وطني اسمه برنامج تنفيذ اتفاقية السلام.
    • اذا انت لاتعترف بمن يعارضون الان اتفاقية السلام ؟
    ــ هؤلاء نقول لهم إنهم يلعبون خارج لعبة (السِّيجة) التي «فَنَّطها» د.جون قرنق دي مبيور وقادة الإنقاذ، ونلعب فيها نحن، وهؤلاء ليسوا جزءاً من هذه اللعبة؛ البرنامج الوطني للسلام، بل ينصبّ عملهم على التشكيك في رموزه وفي الذين يعملون على تنفيذه، وأنا لا أقبل أي تشكيك في هذا البرنامج المتفق عليه سياسياً.
    • غازي سليمان الآتي من مدينة بورتسودان إلى جامعة الخرطوم، من جَنَّده للحزب الشيوعي؟
    ــ أود أن أوضح شيئاً. في أواخر الخمسينيات، كان الطلاب المثقفون ينقسمون إلى محورين (الجبهة الديمقراطية وحركة الإخوان المسلمين)، نحن كنا في جانب الجبهة الديمقراطية؛ لأن الأغلبية الغالبة من الطلاب كانوا في الجبهة الديمقراطية، كنت في جامعة الخرطوم منتمياً إلى الجبهة الديمقراطية، وجَنَّدَني المناخ العام و لم يقم أحد بتجنيدي، ونحن أبناء أمدرمان كلنا كنا نستمع إلى خطب سلّام والوسيلة وعبد الخالق محجوب ويشهد علينا نادي الهاشماب، والذي كان منقسماً إلى جناحين؛ إما مع الأزهري وبالتالي يشجع فريق الهلال، أو مع الحزب الشيوعي ويشجع فريق المريخ. هكذا كان السودان في تلك الأيام.
    • هل صحيح أن عبد الباسط سبدرات قام بفصل غازي سليمان من الجبهة الديمقراطية والحزب لأنه كان يسلك سلوكاً برجوازياً؟
    ــ أعتقد أنك تريد أن تسبب لي مشكلة مع سبدرات. سبدرات ومعه بعض الناس قالوا إنني أنتمي إلى أسرة برجوازية، وسبدرات، الذي كان من الطبقة «التعبانة» من جبل أولياء، كان ينعتني بأنني برجوازي، وكنت عنيفاً في استجاباتي فتعاركت معهم، وبسبب ذلك تركت لهم الجبهة الديمقراطية، وأنا ومحمد مالك عثمان ــ والرجل من أعز أصدقائي ــ قدنا انشقاقاً، وأعتقد أن محمد مالك وجد فيّ الشخصية المتمردة، وانفصاله عن الجبهة الديمقراطية كان بسبب اختلافات فكرية، ولكنني انفصلت كراهية في قادته؛ فقد كانوا متحجرين ومتعصبين، ولم أكن أريد غير أن أشارك في العمل العام ولكن ليس بطريقة الاجتماعات، فأنا بطبعي لا أستطيع أن أدوام على حضور الاجتماعات بصورة راتبة، ولكني في العمل العام مستعد أن أرتبط بالأفكار العامة، لكن لا يوجد أحد بعينه أثَّر عليّ.
    • ولكنك عقب انفصالك عن الجبهة الديمقراطية قمت بتأسيس حزب جديد؟
    ــ نعم أسست الجبهة الاشتراكية وكنت زعيمها وصاحبها، وكان معي محمد مالك، وقد حالفنا الحظ وفزنا بالانتخابات ودخلنا المجلس الأربعيني، وكان من المفترض أن ندخل اللجنة التنفيذية التي سيطرت عليها بالاغلبية لجنة ربيع حسن أحمد، ولولا تآمر الاشتراكيين العرب، وعلى رأسهم إسحق شداد، الذي قال له الشيوعيون من الجبهة الديمقراطية (إن غازي غير مأمون الجانب فإنْ هو صَوَّت مع الإخوان المسلمين لشكَّلوا أغلبيةً بستة أعضاء في اللجنة التنفيذية، ومن الأفضل أن يتم إقناع غازي بالتصويت لنا)، فجاءني إسحق شداد ومحمد علي جادين وعقدا معي صفقة على أساس التصويت لهم في المجلس، وفعلاً حجبوا صوتي من الإخوان المسلمين ولم يصوتوا لي وغدروا بي، وفي النهاية وجدت إنني صوَّتُّ لنفسي، ولكني قمت بضرب إسحق شداد، أما جادين فقد فرّ هارباً ولو كنت عثرت عليه لنال جزاءه ضرباً.
    • إلى أي مدى تأثَّرْتَ بشقيقك بدر الدين سليمان الذي كان شيوعياً وانشقَّ عن الحزب؟
    ــ نعم هو مثلي الأعلى لأنه شخصية عفيفة، أرني شخصاً واحداً في السودان يشكِّك في بدر الدين.
    • لقد عمل في مايو، وبسببه تغيرَت وجهة نظرك لمايو؟
    ــ هو لم يكن يعرف مايو، و لم تكن له علاقة بقيادات مايو، أنا من كان له علاقة بهم، بل كان دخوله مايو عن طريق منصور خالد وجماعته.
    • ما هي علاقتك بسكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني الراحل عبد الخالق محجوب، وإلى أي مدى تأثرتَ به في الحزب الشيوعي؟
    ــ هذا سؤال حساس جداً وأعتقد أن ثمة شخصيات في تاريخ السودان المعاصر لن تتكرر، منهم نقد الله الكبير، عبد الخالق محجوب، ومحمود محمد طه والشريف حسين الهندي.
    • وماذا عن د.حسن الترابي!
    ــ حسن الترابي مرحلة ثانية فيها محمد إبراهيم نقد والشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، أما عبد الخالق محجوب فقد تلقى تعليمه على يد والدي المشهور بـ«أبو دومة»؛ محمد أحمد سليمان، والذي كان أستاذاً للغة العربية بكلية غوردون التذكارية، وكان يحتفظ بكراس عبد الخالق محجوب، وأنا أفخر بأن الصادق عبد الله عبد الماجد وإدريس البنا قد تعلموا على يد والدي، وعندما كنا معتقلين في كوبر كان إدريس البنا معنا، وكان يقرأ لنا الشعر بالإنجليزية كما درّسه له والدي. وقد كنت معجباً جداً بالندوات السياسية التي تقيمها الجبهة المعادية للاستعمار، وأذكر أنه عندما طُرِد النواب الشيوعيون من البرلمان عَقَد عبد الخالق ندوة أمام منزل فاروق أبو عيسي بحي العباسية بأم درمان وكان يتحدث حديثاً جميلاً، كانت تربطني بعبد الخالق علاقة فكرية، وكان كلامه يجيب عن أسئلة كثيرة، فعندما قيل له إن البعض يقولون بألا يُدفن الشيوعيون بمقابر المسلمين، كان رده: حتى تقوموا بعمل أسوار لمقابر المسلمين فليحدث ذلك؛ لأننا لا نريد أن نُدفن فيها ونكون عرضة للكلاب الضالة. كان يحذِّر من الاعتداء على الشيوعيين والديمقراطيين وإلا فالنعل بالنعل والبادي أظلم، وأول كلمة تعلمتها منه (الغدر لأهل الغدر أمان عند الله) فقد كان شخصية فريدة.
    • وماذا عن دوركم في التطهير الذي جرى في الخدمة المدنية وفي مؤسسات الدولة؟
    ــ كنت متأثراً بفكر عبد الخالق محجوب، وهو كان ضد التطهير وضد التأميم وضد المصادرة، وكان كل ذلك يتم باسم الحزب الشيوعي، وكان عبد الخالق لا يوافق على ذلك، وحدث أن أرسل السيد محمد عبد الحليم الذي كان مسؤولاً في مجلس الوزراء في التخطيط ،وكان قريب جداً من نميري، وقال لي اخاه احمد عبدالحليم وانا في وزارة المالية: لماذا لا تحاكموا اللص الشريف حسين الهندي مثل ما حدث لأحمد السيد في وزارة التجارة، وطبعًا بعض الاقتصاديين والمفتشين في الوزارة، وبإيعاز من أجهزة الأمن، رفعوا دعوى ضد أحمد السيد، وكانت مشهورة بدعوى «السِّفِنْجَات»، قلت له بأنه لا يمكنني أن أقيم دعوى ضد الشريف حسين، فقال لي: هذا تطهير!، فقلت له: لو كان كذلك لا بد أن أطهِّر نفسي أولاً.
    • ما الذي حدث بعد ذلك، وماذا كان مصيرك؟
    ــ فصلوني من العمل وطهَّروني أنا، وأنا من كنت الضحية. و لا بد أن نذكر أن الجهة الوحيدة التي لم يتم لها تطهير للإخوان المسلمين هي وزارة المالية للاقتصاد الوطني وهذا للتاريخ.
    • عبد الخالق محجوب أتى إليك في المنزل بعد أن فُصِلت؟
    ــ يوم فُصِلتُ لم أذهب إلى وزارة المالية، وقمت بإرسال خطاب إلى السيد وزير المالية قلت فيه: (إنني أرفض قرارك رفضاً باتاً لأنه يعني الفقر، وليس الفقر في تقديري هو الجوع إلى المأكل أو العري إلى الكسوة، ولكن الفقر هو القهر والاضطهاد، ولا سلام عليكم.. غازي سليمان)، وقام السيد شرف الدين؛ ضابط شؤون العاملين، بالرد عليّ في خطاب في يوم 4/4 يقول فيه: (السيد غازي سليمان المفتش، لقد قرر الوزير إنهاء خدمتك ابتداءً من يوم 4/4)، عبد الخالق أتى إليّ في الساعة الخامسة، وذهبنا لأداء العزاء في حاج أحمد وهو والد فاطمة إبراهيم وصلاح إبراهيم، وهناك سألني صلاح أحمد إبراهيم متعجباً؛ كيف يقومون بفصلك!.
    • هل انقطعت صلتك بالشيوعيين والحزب الشيوعي بعد أن فصلك سبدرات من الجبهة الديمقراطية؟.
    ــ كان صلتي الوحيدة هي عبد الخالق محجوب.
    • كيف كانت أول مقابلة بينك والرائد هاشم العطا؟
    ــ هذا كلام موثق للتاريخ، فقد كنت أقابله مقابلات عادية، وفي 19 يونيو كانت توجد بالخرطوم مساكن للعُزَّاب اسمها ميز «الهبوب»، كنت في ميز الهبوب الصغير، وكان جيراني القاضي بسيوني؛ قاضي الخرطوم شمال، والملازم أول موسى البشرى، وهو الآن محامي، وفي حوالي الرابعة والنصف من 19 يونيو، وكنت أعرف أن البلد غير مستقرة، جاءت عربة جيش، فنزل منها عسكري وتوجه إلى الميز وقال: أريد غازي، ثم قال لي يجب أن تبلغ الشفيع أحمد الشيخ بالانقلاب.
    • مقاطعاً، في كتابه (عنف البادية) أورد حسن الجزولي رواية للطيب أبو جديري المحامي، قال: أمام مدخل ميز «الهبوب» وجد هاشم العطا بعض كوادر الحزب كالطيب أبو جديري وعبد الله صالح وسيد عيسي الذين فوجئوا بوصوله مثل ما فوجئوا بخبر الانقلاب، وكان هناك أيضاً بعض أصدقاء الحزب مثل غازي سليمان؛ المفتش بوزارة المالية آنذاك، والمحامي في ما بعد، فقال إن هاشم طلب من أبو جديري أن يذهب معه وغازي تطوع وقال بأنه سوف يكلم قيادة الحزب؟
    ــ أولا أبو جديري رجل صديق عزيز عليّ، وله مصداقية، ولا أتجرأ أن أقول عنه إنه كذاب، وأنا رجل محامي، وأقول إن لمثل هذا الحديث بينة منقولة، أنا أتذكر أن هاشم كلفني بأن أذهب فأُخبر الشفيع أحمد الشيخ.
    • لماذا اختارك أنت بالذات في وجود من هم أعضاء بالحزب الشيوعي وأنت مصنف بأنك صديق للحزب؟
    ــ لا أعرف، هذا هو السر، ذهبتُ معه ونزل هو في القيادة العامة.
    • ربما، بعد نجاح انقلابه جاء هاشم العطا باحثاً عن محمد إبراهيم نقد أو التجاني الطيب بابكر، وبالمصادفة المحضة وجد غازي سليمان، فكلفه بإيصال الرسالة إلى الزعيم العمالي الشفيع أحمد الشيخ، فهل هذا صحيح؟
    ــ لا أدري.
    • هل سألك عن موقع محمد إبراهيم نقد أو التيجاني الطيب؟
    ــ نعم سألني وقلت له لا أعرف، ولو كنت أعرف لأخبرته، وعن علاقتي بالحزب الشيوعي أقول لك إن الانضمام إلى الحزب لا يحتاج إلى بطاقة فهو ليس تأميناً صحياً تلزمك البطاقة حتى يصبح بإمكانك العلاج، فرئيس الحزب وسكرتيره العام عبد الخالق محجوب بين منزله ومنزلي ربع ساعة. وسوف أروي لك الرواية مثل ما حدثت، نزل هاشم العطا في القيادة، وذهبت أنا إلى الشفيع، وعند وصولي فتح لي الشفيع شخصياً الباب وقال لي: ماذا هناك؟، فقلت له: إن انقلاباً قد حصل، قال لي: من الذي قام به؟، قلت: هاشم العطا، وقد استلم السلطة، قال لي: ومن كلفهم بالقيام بانقلابهم هذا؟، قلت: لا أعرف، وفي هذه اللحظة أتت السيدة المحترمة فاطمة أحمد إبراهيم وجلست بجانبه، فقال لي: ثم ماذا؟، قلت: نحتاج إلى تأييد اتحاد نقابات العمال، ولم أخبره بأن يكتب بياناً، فقال لي : النميري نحن من قدَّمه إلى الناس على أنه شخصية ثورية، فهل نأتي ثانية ونقول لهم خاب ظننا فيه ولم يعد يصلح لقيادة الثورة!، قلت له: أنا مرسال فقط وأريد الرد، فقال لي: هذه المرة نحن نؤيد بشروطنا؛ فقد أيدنا نميري دونما شروط، ولكن هذه المرة بالذات بشروطنا، فقلت له: هل هذا ردك. قال لي : نعم.
    • وماذا عن الرواية التي أوردها حسن الجزولي؟
    ــ حسن الجزولي اتصل بي، وقلت له إن هذه أحداث انتهت ولن أسرد التفاصيل، ولكن لأن بعض ما أورده كان مصدره فيه فاطمة أحمد إبراهيم فإنني لا أكذِّبها، ولكني أروي لك ما حدث من وجهة نظري، ولا توجد جهة ترغمني على القول بغير ذلك.
    • هناك أكثر من رواية أولاً: التكليف بكتابة بيان للثورة الجديدة، وأن على غازي سليمان أن يذهب فيطلب من الشفيع أحمد الشيخ أن يكتب البيان، هذا ما روته فاطمة أحمد إبراهيم، وهنالك أيضاً رواية تقول إن غازي قد وصل إلى منزل الشفيع حوالي الرابعة عصراً بدعوى أنه يريد مقابلة الشفيع لأمر غاية في الخطورة، وأن فاطمة استوضحته عن الأمر الخطير، فقال لها إنه مبعوث من هاشم العطا إلى الشفيع، فطلبت منه الانتظار ريثما يخرج الشفيع من الحمام، وكان بادي الاضطراب، فحضر الشفيع لمقابلة غازي، وأخبره غازي بأن هاشم العطا قاد انقلاباً عسكرياً ناجحاً واستلم السلطة، وهو يطلب منه معاونته في صياغة بيان الانقلاب، اندهش الشفيع للوهلة الأولى وأخبر غازي بأن يعيد عليه الكلام مرة أخرى، فأكد غازي ما قال، فبدت دهشة الشفيع مشوبة بانزعاج، وأخذ يستفسر من غازي عن علاقته هو نفسه بالجيش والانقلاب وكيف علم به؟، وكيف استطاع الدخول إلى القيادة العامة؟، وكيف نفَّذ هاشم العطا الانقلاب؟، ولماذا يطلب من الشفيع معاونته، وما إلى ذلك من الأسئلة، ولما لم تكن لدى غازي أية إجابة طلب منه الشفيع أن يُبلغ هاشم بأنه يعرف طرقاً أخرى أكثر انضباطاً للاتصال به، ثم قال الشفيع بأنه ليس عسكرياً يعمل عند هاشم العطا، بل هو مسؤول سياسي؟
    ــ كل هذا الحديث روايات، المهم في الأمر؛ ماذا قلتُ للشفيع وماذا قال لي، كل الذي حصل أنني مبعوث من هاشم العطا إلى الشفيع أحمد الشيخ، وأنا لديّ احترام تاريخي لهذه الأسرة؛ أسرة حاج أحمد إبراهيم، الشفيع قال لي بكل أدب أن أخبر هاشم بأننا سوف نؤيد بشروطنا، فذهبت وأخبرت هاشم.
    • الروايات قد تختلف، ولكن فاطمة في 24 نوفمبر 1997م ركزت حديثها حول غازي ووضعت علامات استفهام حول مسائل بعينها، فهل بالفعل أرسله هاشم العطا ليبلغ الشفيع رسالة؟، وتساءلَت فاطمة: لماذا يتهرب غازي سليمان مني كل هذه السنوات؟، ولماذا تعرض الشفيع للتعذيب؟، وكل هذه الأسئلة تشكك في الدور الذي قمت به في انقلاب هاشم العطا؟
    ــ هل كنتُ عضواً في ثورة مايو؟، وما هو دوري!، أنا شخصيا هربت، وإذا لم أفعل لكانوا أعدموني مع البقية، وللأسف الشفيع قبض عليه، ويومها كنتُ قد وصلت إلى الحبشة، والشخص الذي كنت مسؤولاً عن تأمينه هو عز الدين علي عامر، ولفترة عام ونصف لم يستطع النظام أن يجده، لأنه كان تحت مسؤوليتي، وأنا لا أدَّعي شيئاً، ولكنني أعرف تماماً مقدراتي، وإذا كنت مسؤولاً من تأمين الشفيع لما حدث له ما حدث، ولكنه القدر.
    • د.الهادي أحمد الشفيع قال إنك رجعتَ مرة أخرى إلى الشفيع وطلبت منه أن يصحبك إلى هاشم، لماذا كل هذه الروايات المتناقضة؟
    ــ حسن الجزولي اتصل بي وأنا في لندن، فاطمة تقول حديثاً وأنا أقول آخر وهي فوق رأسي.
    • الحقيقة إنك رجعت إلى هاشم العطا في القيادة العامة؟
    ــ نعم كان مشغولاً، وأخبره حرسه، فقال لي: (أنا ماشي أم درمان)، فطلبت منه أن ينزلني في قهوة أتينيه بالخرطوم، وهي قهوة حديثة في عمارة أبو العلا الجديدة، في ذلك اليوم أذاع هاشم بيانه، ووجدت شيوعيين وديمقراطيين، ووجدت سيد عيسى، فسألني عن رأيي في الانقلاب، فقلت له: إنه فاشل، لأنه لا يوجد حظر تجول ولا يوجد بيان.
    • ولماذا فشل انقلاب هاشم العطا برأيك؟
    ــ هاشم العطا كان شخصية مثقفة أكثر منه عسكرياً. أنا لا أريد أن أدعي شيئاً ولكني كنت سأكون أعنف منه حينها، ولا أعنى أنني كنت سأقوم بإعدامات، ولكني لو قمت بانقلاب فسوف أحافظ عليه. ولن يستطيع أحد أن يفشله، وحكومتي ما كنت لأسلمها لأحد.
    • قفلتَ راجعاً إلى القيادة العامة للقوات المسلحة مرة أخرى بعد مفارقتك لهاشم العطا، لماذا؟
    ــ ذهبت لأرى ما يحدث، فوجدت أن الفرقة الثانية مدرعات قامت بخداع الانقلابيين، عندما خرجت من القيادة أتت عربتان من سلاح مدرعات ومصفحة شكلت تشكيلة هجوم وبدأت بالضرب، وأذكر أنه كانت الأسبليطة لمجلس الثورة لهاشم العطا خضراء ولمايو حمراء، هذا للتاريخ، خرجت من هناك وذهبت إلى منزلي بحثاً عن مال أدبِّر به خروجي من العاصمة، فقد كنت أحد المطلوبين، والإذاعة لم تكف عن تكرار أسمي مع آخرين باعتبارنا مطلوبين للعدالة، ومن الغريب أن عودة نميري كانت سريعة جداً، وحينها، وأنا في المنزل، جاءت عربة شرطة عسكرية وسألوني: أين غازي سليمان؟، قلت لهم إنه مات في القيادة العامة، فركبوا عرباتهم وذهبوا، فذهبت إلى أحد جيراننا من عائلة بدري في أم درمان، فقال لي: أدخل، قلت له: لا أريد أن أسبب لك مشاكل، أخبر زوجتك أن تذهب إلى والدتي أم النصر وتخبرها بأنني معكم وأنني بخير، خرجت فوجدت هاشم سيد أحمد في الشارع فأوقفته فقال لي: إلى أين؟، فهؤلاء الناس سوف يقومون بإعدامك حال وقعتَ في أيديهم، فقلت له: أريد مالاً، فأعطاني، وذهبت إلى السوق العربي ونزلت في فندق حلفا الجديدة وقلت لصاحب الفندق: أريد سريراً لأنام فقد أُعلن حظر التجوال بالعاصمة، ووجدتُ شخصاً نائماً تحت ناموسية وملابسه وعمَّته فوق الناموسية ومركوبه أمامه، فنمت وفي تمام الساعة الثانية عشرة أتى عدد من عساكر الجيش يفتشون فسألوا هل يوجد شيوعيين هنا؟، فقلت لهم: (ماذا هناك؟.. خَلُّونا ننوم يا اخوانَّا)، وفي تمام الرابعة استيقظت ووجدت جاري في الغرفة لا يزال نائماً فأخذت جلابيته وعمته ومركوبه وسافرت إلى الشمالية.
    • هل صحيح أنك في سفرك استخدمتَ العربة التي كانت مخصصة لتأمين عبد الخالق محجوب؟
    ــ أنا ذهبت ببص شندي، وذهبت إلى ديم القراي ومعي السر النجيب، هناك نزلنا ووجدنا د.عمر البدري ــ لم يكن دكتوراً بعد ــ كان دفعتي فأشار لي، وقال لي: ماشي وين؟، وقال: إذا ذهبتَ إلى شندي ستجدهم في انتظارك، لقد أعدموا الحاردلو، وكل أهل شندي حزانى عليه، ثم قال لي: اذهب واختبئ، ثم أتاني ابن عم الرئيس عمر البشير فقال لي: تعال يا غازي، وأدخلنا إلى منزله أنا والسر النجيب وصاحبنا عثمان أكرمنا فقال لي لا تذهبوا إلى شندي الآن، ولكن يوجد لوري ذاهب إلى شندي اتفقت معه أن تكونوا عمال هذا اللوري فذهبنا إلى بيت السر النجيب.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=57&...tion=article&id=1331
                  

10-06-2008, 11:17 PM

مامون أحمد إبراهيم
<aمامون أحمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 02-25-2007
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)

    العزيز عبدالله عثمان ،

    كل عام وأنتم بألف خير ،،


    أتابع متابعة لصيقة ،، واصل درك .


    سلام للجميع .
                  

10-07-2008, 04:29 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: مامون أحمد إبراهيم)


    الدكتور عبد الله حمدنا الله
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    السيرة الذاتية
    أعطيك معلومات جواز:
    المولد قرية عبيد البشارقة محافظة الكاملين عام 1/1/1948م وسنة 48 الجمعية التشريعية والمظاهرات وقتل العمال في عطبرة لذلك تعتبر سنة غير سعيدة للسودان ولا أدري إذا صح إنشاد كامل الشناوي حين قال:
    عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشر
    عدت يا يوم مولدي ليتك يا يوم مولدي كنت يوماً بلا غد
    وإذا نظرنا إلى هذه السنة من جهة اخرى ننظر لها كسنة لتصعيد الحركة الوطنية لنضالها ضد الاستعمار، وهنا بدأت تتحسن أحوال المزارعين ولكن قمة التحسن كان سنة 52 وفيها تحصلوا على أموال خيالية لم يكونوا يحلمون بها لذلك هذه السنة يؤرخون لها، وقد وجد في هذه الظروف وعي وبناء مؤسسات ساهمت في ذلك الوعي، ومن ذلك إنشاء مدرسة في قريتنا يوم مولدي عام 48 وقد كانت المدارس قليلة في ذلك الوقت، لذلك اعتبر قريتنا كانت محظوظة فقد تشكل وعي في وقت مبكر حتى إن بعض أفراد أسرتنا كانوا واعين جداً، أتذكر بصعوبة أحداث مارس، ولكن بالتأكيد أتذكر بوضوح استقلال السودان، واعتقد أنني كنت لا بأس بي، في دراستي على الأقل أتمتع بعلاقة جيدة مع أساتذتي حتى الآن.
    هل وجدت المدرسة إقبالاً ورواجاً في ذلك الوقت؟
    نعم -مثلاً في حوشنا الكبير جدي عبد الرحمن أفندي مجذوب (خال الوالدة) من أوائل السودانيين الذين تعلموا وكان يعمل في اتحاد المزارعين وتوظف لفترة قصيرة، فقد ترك الوظيفة نسبة لظروف الأسرة وأصبح مزارعاً والتحق بالعمل العام، كما لديّ خال درس في معهد أم درمان العلمي وكانت لديه مكتبة، كما كان لجدي اهتمام كبير بالجرائد، عموماً كان هناك وعي.
    هل وجدت تشجيعاً للمضي قدماً في التعليم؟
    - نحن تربية الصدفة، فعندما أتأمل زملائي في الفصل أجد فيهم من هو أشطر مني وأكثر انضباطاً ومنهم من كانت ظروف أسرته أفضل مني، ورغم ذلك هم ما مشوا وأنا مشيت، ليس لأن أسرتي كانت أكثر اهتماماً بالتعليم ولكنها الصدفة والقدر، فمثلاً الوالد رغم وعيه فإنه كسائر أهل القرية لا يعرف أنت في أي سنة لكن شعرت أنه مهتم بأنني لازم أتعلم واقرأ.
    هل كان لديكم نماذج في القرية؟
    كما ذكرت كان جدنا المجذوب وكان علماً كبيراً وكان لدينا إخوان (كويسين) والآن ورغم إنني جزء من حركة التنوير في البلاد وعاصرت العديد من الشخصيات لم أجد من هو أرقى حديثاً من جدي عبد الرحمن المجذوب لا من حيث انتقاء المفردة أو إلقاؤها، ومن الأسرة أيضا الأمين علي المدني، ولكنه لم يعش في القرية، بل عاش في أم درمان وعندما توفي سنة 25 رثاه إبراهيم العبادي وقال:
    ...................
    ..................
    بعد ذلك مشيت في مشوار العلم وقبلت بمدرسة كاب الجداد المتوسطة ولكن خالنا محمد حامد التكينة أصر على أن أدرس معه في المعهد وبالفعل درست بالمعهد وجئت أم درمان وامتحنت الشهادة السودانية عام 1968 وكنت ضمن دفعة تلقت نوعاً غريباً من التعليم يجمع بين الثقافة الإسلامية العربية التقليدية وبين الحديثة، وفي النهاية أضربنا لمدة عام كامل، البعض اتجه نحو الثقافة الإسلامية التقليدية والآخرون اتجهوا نحو الحديثة، والبعض مزج بينهما الاثنتين، لكن امتحنت الشهادة السودانية على النمط الحديث، وتحصلت على الدرجة الثانية وقتها وقبلت مبدئياً في معهد المعلمين العالي -كلية التربية جامعة الخرطوم حالياً- لكنني تحولت منها إلى أم درمان الإسلامية.
    متى دخلت جامعة أم درمان الإسلامية؟
    عام 68- كانت أم درمان الإسلامية من عام ٦٥ - ٩٦ تمثل إشعاعاً للعلم قوياً جداً، وكانت تضم خيرة العماء، تلقينا العلم على أيديهم، منهم على سبيل المثال في الأدب عز الدين إسماعيل ود.محمد مصطفى وعبده بدوي وعبد المجيد عابدين، وعلى مستوى اللغة تجد الدكتور تمام حسان، وعلى مستوى الاقتصاد الدكتور أحمد النجار، وعلى مستوى القانون الدكتور مصطفى كمال وصفي، والدكتور عبد البر، وتجد بنت الشاطئ، وفي الصحافة تجد أساتذة الصحافة في مصر -حسنين عبد القادر، عبد اللطيف حمزة، وحقيقة استفدنا منهم كثيراً بالذات في السنة الأولى في الجامعة، ولكن ما إن قامت ثورة مايو حتى حلت الجامعة أو ألغيت جميع التخصصات عدا اللغة العربية في كلية الآداب، والشريعة في كلية الشريعة والقانون،
    مقاطعاً-برضو كان قدر؟!
    نعم هنا تدخل القدر، لأني حقيقة كان لدي رغبة في دراسة الصحافة، وقد كانت دفعتنا قوية جداً،
    من تذكر من أبناء دفعتك؟
    الكثير وأصبحوا رموزاً فيما بعد منهم النجيب آدم قمر الدين نقيب الصحفيين وعبد الله آدم خاطر الكاتب المعروف، التجاني سعيد، كان في السابق شريعة وقانوناً ولكن حول إلى جامعة القاهرة (الفرع)، عدد كبير من زملائنا احتلوا مواقع جيدة وأصبحوا جزءاً من حركة التنوير في البلاد، منهم عبد الحميد الكاتب وهو مؤلف لأكثر من 40 كتاباً مطبوعاً ومنشوراً وهناك الكثير ممن كان لديهم هم ثقافي، وأما على مستوى الأشخاص العاملين في الدولة، عدد كبير منهم كان من دفعتنا.
    متى تخرجت في جامعة أم درمان الإسلامية؟
    تخرجت في العام 1972م في البدء أعلنوا اسمي ضمن أسماء الضباط الإداريين في الحكومات المحلية، وبالرغم من هيبة هذه الوظيفة (ضابط مجلس) فإنها لم ترق لي فلذلك لم أذهب للعمل بها مع العلم أن زملاءنا من ضباط الحكومات المحلية يشكلون الآن قيادات الحكومات المحلية، لكنني ذهبت إلى مكان آخر كان يهرب منه الخريجون ألا وهو الشؤون الدينية، وأصبحت مشرفاً على مجلة اسمها (البيان)، حقيقة أنا كنت جزءاً من تأسيسها في العام 1973م والعدد الأول منها ظهر عام 74 وكان رئيس تحريرها أحمد البيلي، وأنا كنت مدير التحرير وكنت أقوم بمعظم العمل داخل المجلة واستمررت فيها حتى 1977م.
    ذهبت للشؤون الدينية حتى تعمل في البيان أم وجدتها هناك؟!
    لا- عندما ذهبت للشؤون الدينية البيان لم تكن موجودة كمؤسسة وهم قبلوني في قسم البحوث والترجمة والمؤتمرات ولكنني وجدت الأمر عبارة عن لافتة ولا يوجد عمل ملموس، وهممت بترك العمل، ولكن تم اختياري لمجلة البيان وأنا لم أتم الستة أشهر فيها وجدت نفسي وذاتي، حقيقة هذه المجلة تعد من أقوى المجلات التي ظهرت في السودان، وتركتها في نفس العام الذي ذهبت فيه إلى مصر أي عام 1977م.
    ماذا قدمت في الإذاعة من برامج؟
    شاركت في عدد من البرامج -الخاتم عبد الله في برنامج المجلة الإسلامية كتبت له 12 شخصية إسلامية، كذلك قدمت عن الثقافة الإسلامية في عدد من البرامج- كان لي نشاطات عدة في الإذاعة حتى ذهبت 1977م بعدها لمصر لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة فألحقت بقسم اللغة العربية بجامعة الأزهر وحضّرت في الأدب والنقد فبحثي للماجستير كان بعنوان (المقال الصحفي في السودان من ظهور الصحافة السودانية إلى ظهور الصحافة اليومية) وأنهيت دراسة الماجستير عام 1986م وسجلت فوراً للدكتوراة التي كانت بعنوان (أثر الحركات الدينية في تطور الشعر في السودان).
    عندما ذهبت إلى مصر كنت أقول لهم الناس أتوها في شبابهم فسرتهم وأتيناها في فترة شارع الهرم، لكن حقيقة أدركنا بقية الجيل القوي في الثقافة المصرية واستفدنا منهم بصورة كبيرة، وأنا كنت عضواً راتباً في ندوة العقاد ولو أنني لم أحضره بعينه ولكن ندوته استمرت وكان يديرها المرحوم عامر العقاد واستمررت أشارك فيها من 1979-1986م وندوة محمود شاكر ورابطة الأدب الحديث وغيرها، لذلك تولدت لدى علاقات جيدة مع الثقافة المصرية والمفكرين المصريين.
    قبل أن تذهب الى مصر هل كانت لديك علاقة بالصالونات الأدبية هنا في السودان؟
    أذكر مكتبة البشير الريح، والمكتبة الشعبية جوار البوستة بأم درمان، وكذلك كانت توجد المكتبة المركزية -بيت عبيد عبد النور- كنت أذهب إليها جميعاً، وكذلك كنا نذهب إلى نادي أم درمان الثقافي، ولكن لم أذهب لندوات أدبية كثيرة ولم أكن نشطاً فيها، عكس مصر تماما ففي مصر كان بجانب الندوات والصالونات كانت الحركة نشطة من جانب آخر، في مصر كان يوجد حوالي 12 ألف طالب سوداني موزعين من قنا وحتى الاسكندرية وكل مدينة بها خمسون طالباً سودانياً لديهم الحق في تكوين أسرة طلابية، ذلك كان النشاط الثقافي متوفراً، وأنا شارت بفاعلية وجبت كل مصر تقريباً وقدمت في كل عدد كبير من مدنها محاضرات وبذلك أصبحت شخصية معروفة للبعض ممن درسوا في القاهرة وأذكر منهم -خاصة الذين كانوا جيدين- عثمان ميرغني وهو كان رئيس الاتحاد في فترة من الفترات وكمال حنفي والذي كان يدير مجلة الثقافي، السموأل خلف الله، أيضا كان رئيس الاتحاد، كل هؤلاء كانوا موجودين هناك وأتاحوا لشخصي نشاطاً وحركة كبيرة في مصر ولا تزال علاقتي طيبة بكل هؤلاء، عدت للبلاد عام 86 لأعمل أستاذاً في جامعة أفريقيا بكلية التربية حتى العام 94 عندما سافرت لتشاد وعدت عام 2002م واستلمت عمادة كلية الآداب (جامعة أفريقيا).
    كل محطة من هذه المحطات كافية لتكون حواراً كاملاً، لكن ما يلفت النظر للدكتور عبد الله جرأته، فكل السودانيين يلتزمون جانب الجياد، لكن عبد الله حمدنا الله يتناول المواضيع بجرأة ومن زاوية مختلفة تفاجئ الناس دائماً، مثل (الحقيبة فترة زمنية) وأم درمان مدينة مصنوعة) أو الحديث عن النكتة وبعض الشعر، هل تقصد الإثارة أم تحريض الناس لتناول المواضيع بجرأة؟
    والله يوجد أكثر من سبب، لو لاحظت أنا لا التف حول الإجابة حول أي سؤال؛ بل أدخل مباشرة وهذا جزء من تكويني؛ فأنا في حياتي لا أعرف المراوغة حتى في نقاشي لأي قضية أدخل فيها مباشرة - هذا من جانب - النقطة الثانية لدينا مشكلة في السودان،كأننا لدينا أصنام من يقترب منها تحترق أصابعه، ولكن جزءاً من مسؤوليتنا تجاه المجتمع الاقتراب، من الحقيقة، صحيح ستواجهك مضايقات، وأنا شخصياً واجهتني مضايقات كثيرة، يعني الحقيبة صنم ومن يقترب منه يجد سهاماً كثيرة موجهة عليه، أم درمان صنم ومن يقترب منها معرض أيضاً للسهام! وجهت إليّ كثير من السهام شعراً ونثراً، وهذا جزء من ضريبة حركة التنوير أصلا.ً إما أن تعطيه حقه أو تنسحب تماماً، فمن الأخلاق ألا يكتم أحد نتيجة توصل إليها، هذا ما يجعلني أقول رأيي على النحو الذي ترونه، ولكني لم أقصد إحداث إثارة، أو أنسب أفكاراً لنفسي.
    الشخصية السودانية ما هي مشاكلها، وهل هناك شخصية سودانية أصلاً؟ وهل هي مرتبطة بالسياسة؟!
    لا الشخصية السودانية ليست مرتبطة بالسياسة، إذا أردت أن تعرِّف الشخصية؛ هي التي تتوقع استجابتها إذا أُثبت شئ مثير، أما الشخصية السودانية إجمالاً أتوقع أن تستجيب لك إذا أتيت بشئ مثير، مثير كيف؟ أنا لا أريد الدخول في علم النفس السلوكي ولكني سأحكي لك القصة المشهورة (هناك مريض في إحدى دول الخليج أعطوه روشتة، فقام بإعطائها للممرض وقال له: اذهب وأعطيها لأي سوداني موجود في الشارع، طيب هذا متوقع الاستجابة أم لا، وهل يمكن أن يقول سوداني لهذا الممرض لا ويرفض صرف الروشتة، لا اعتقد! هنا تبرز الشخصية التي تجمع كل أفراد الشعب السوداني حول الظاهرة المعينة.
    في علم النفس يقولون لكل مثير استجابة هذ هي الشخصية السوداني كما أراها وهي بمعزل عن السياسة، سأحكي له قصة ثانية - تحكى عن الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان يقول للمصريين ويحذرهم من التدخل بين السودانيين، وقال إنه عندما كان في السودان ومقيماً بلكوندة فيكتوريا بشارع القصر، في إحدى المرات قال إنه نزل الشارع فوجد اثنين سودانيين يتشاجران، فذهبت لأصلح بينهما، وأفض اشتباكهما فتوقف الاثنان عن الشجار وقالا لي أنت يا حلبي!
    بتنقلك الكثير ومعرفتك للسودان الواحد هل هناك أشياء تجمع إنسانه في الشمال والجنوب..إلخ؟
    قد يكون الجنوب مختلفاً لأنه أخذ تطوراً منفصلاً بمعنى أن نسيجه لم يكتمل، ولكن إذا ذهبت لأي مكان من دارفور وحتى بورتسودان تجد القيمة واحدة لكن التعبير مختلف، إذا ذهبت للقرية تجدهم يذبحون إكراماً لك، لكن إذا جئت لأحد في الخرطوم يحضر لك بيبسي كولا هل إنسان الخرطوم بخيل؟!
    لا ما بخيل لكن لن يسمح لك بالخروج إلا إذا تناولت شيئاً حتى ولو كوب ماء! لكن كل إنسان يكرم ضيفه بالمتاح، لذلك من غرب السودان وحتى شرقه فالقيم واحدة والاختلاف هنا نسبي على حسب طبيعة البيئة وما هو متاح.
    تحديد الهوية الثقافية للمجتمع هل لها دور في صقل الشخصية وتطورها وتحديد إمكاناتها وتصرفها؟!
    طبعا فالشخصية هي ناتج المكونات البيئية، يعني.. إنسان نشأ في مجتمع معين عنده ثقافة معينة وطقس خاص وتقاليد معينة وسبل كسب كذلك معينة، هذه هي الأشياء التي تبلور الشخصية وتكونها ودعني أقل لك، السودان ورغم اتساعه الظاهر فإنه ضيق جداً نتيجة التفاعل الكبير، مثلاً إذا تقابل اثنان أحدهما من الجنينة والآخر من بورتسودان لابد أن تجد شيئاً يجمعهما بصلة قرابة، أو زمالة دراسة أو عمل.
    هل تعتبر الهوية مشكلة؟
    اعتقد هذه انتهازية مثقفين لأنهم يريدون أن يكبروا عن طريق قبائلهم على حساب تحطيم السودان وهذا واقع صحيح، قادة الحركة الوطنية منهم طلاب حاربوا القبلية ودعوا للسودان الكبير.
    نحن للقومية النبيلة
    ما بندور عصبية القبيلة
    تربي فينا ضغائن وبيلا
    تزيد مصائب الوطن العزيز
    فقد كنا نكتب في الجنسية الخاصة.
    تحدثت عن انتهازية المثقف؟ انتهازية مثقف أم سياسي؟
    لا لو لاحظت رواد الحركة هذه لم يكونوا سياسيين؛ بل شباب صغار تجاوزوا السياسيين الموجودين في أقاليمهم، ولذلك هم دخلوا السياسة من باب وعيهم الكبير بمشاكل بلادهم ومحاولة حلها، يعني إذا نظرنا لحركة تحرير دارفور مَنْ مِنْ قياداتها مارس السياسة؟ أحمد إبراهيم دريج دخل مؤخراً وهو يمثل أبرز شخصية دارفورية، على الحاج الحركات تجاوزته.
    طيب يا دكتور أنت عشت في فترة كانت تعج بزخم من التيارات والمدارس المتباينة؟ أين كنت؟ وهل كان لديك مشروعك الخاص كما كنت تسميه؟!
    هذه المدارس التي تتحدث عنها ظهرت في الستينيات، الغابة والصحراء جاءت بعد مايو 69 وكنا في المرحلة الثانوية ولم يكن لأحدنا مشاركاته المطلوبة، كما أن هناك أشياء جنت علينا كالآيدولوجيا مثلاً، يعني أنت تصنف المدرسة وأيدولوجيتك مختلفة، تلقائياً تجد نفسك بعيداً عنها، واعتقد أن التفاعل الثقافي أكبر عقبة واجهته، كان تأثير الآيدولوجية، وهذا الذي عطل كل جمعياتنا الثقافية، لذلك كنا ننظر لمثل هذه الأشياء نظرة غير مريحة، تماماً مثل الشيوعيين الذين خرجوا بـ( لا تقرأوا لعبد الله الطيب)، وعبد الله علي إبراهيم كتب مقال (عالم كبير فاقرأوه) وأنا في تلك الفترة لم يكن لدي اتصال مباشر مع الجمعيات، صحيح كانت لدي علاقات وصداقات لكن جاءت في فترة لاحقة في الستينيات، أولاً نحن كنا ناشئين ونظرتنا للأشياء كانت تحكمها الأيدولوجيا فلم تكن لدينا مشاركة، أنا عندما طرحت العلاقة بين المثقف والسياسي توصلت إلى أن السياسي احترامه رهين بجلوسه على كرسي الحكم، أما الثقافة فهي قيمة ذاتية لا يمكن لأحد أن يأخذها منك.
    لكن المثقف يطمح أن يكون سياسياً، كيف ترى المعادلة؟
    نعم وهذه الجزئية ناقشتها ولخصتها في جناية السياسة على الثقافة، وهذه بدأت بتحليل صحيح لثورة 24 لكن انتهى إلى نتيجة خطأ، والمثقفون عندما حللوا أسباب فشل ثورة 24 انتهوا إلى أنها لم تصحبها حركة فكرية تضئ لها الطريق وصمموا على عمل تثقيف ذاتي، وبدأت جمعيات القراءة، وإلى هنا والأمر صحيح ولكن النتيجة الخطأ كما عبر عنها محمد أحمد محجوب في كتابه (الحركة الفكرية في السودان إلى أين تتجه) عندما قال: المثل الأعلى للحركة الفكرية في السودان أن تكون حركة إسلامية وكذا وكذا، وفي النهاية ذكر أن تنقلب هذه الحركة إلى حركة سياسية تسعى بالبلاد نحو الاستقلال تنقلب لماذا؟ المفروض تخرج من أحشاء حركة سياسية، لكن تمقلب كل المثقفين...هذا ما أسميته أنا في الأربعينيات بالهروع العظيم عندما جاءت السياسة هرع إليها كل المثقفين وتركوا العمل الثقافي خالياً، ومن كان مخلصاً للثقافة لا يجد من يذكره إذا ما قارناه بأقرانه الذين عملوا بالسياسة!، من منا يذكر محمد عشري صديق أعمق ناقد سوداني ربما بعد معاوية محمد نور أو يساويه؟ لأنه لم يذهب للسياسة هذا جزء من جناية السياسة على الثقافة، وأصبح الآن هم كل مثقف أن يجد مكاناً في السلطة،، ولو لم يجد منصباً سيكسر قلمه ويمزق أوراقه، وإذا لم يحصل على المنصب الذي يحلم به يهاجر وينضم لسياسي ويعارض ويبقى معه هناك، وأنا قلت ذات مرة عبارة (إن المثقف لن يكون يوماً سيف الدولة، هو دائماً المتنبئ) يريد ظلاً سياسياً ليعيش فيه.
    لدينا نموذج محمد أحمد المحجوب جمع بين الشعر والمنصب السياسي؟
    أنا اعتقد أن السياسة جنت على محمد أحمد المحجوب، المثقف بدليل واحد أن المحجوب قبل التحاقه بالسياسة كتب في النهضة والفجر وأخرج كتابه (الحركة الفكرية في السودان إلى أين تتجه) وكتاب الحكومة المحلية في السودان، وكتب معظم شعره، وعندما دخل مجال السياسة ماذا كتب؟ لا شئ سوى قليل من الشعر و(الديمقراطية في الميزان) والأخير هذا كتبه بعد أن ترك السياسة عقب مايو، بمعنى أن محمد أحمد محجوب عندما كان في الحلم لم يؤلف أي كتاب، ولذلك الذين يتحدثون عنه بإعجاب أنا متأكد أنهم يتحدثوا عن محمد أحمد محجوب السياسي وأنهم لم يقرأوا كتبه.
    نأخذ مثالاً، الطيب صالح كلما ذكر السودان يذكر الطيب صالح أو البامبو السوداني! هل هل مشكلتنا أم مشكلة الآخر؟
    والله اعتقد أنها مشكلتنا ومشكلة الآخر، والتي تتمثل في أن الطيب صالح روائي كبير وهو مفخرة لنا ولكن لا اعتقد أنه يرضى ولا نحن سنرضى أن يكون مثل قصيدة عمرو بن كلثوم لقبيلة بني تغلب:
    ليس لديهم إلا قصيدة عمرو بن كلثوم ونحن ولا حتى الطيب صالح نرضى أن نكون مثلهم، لكن المشكلة فينا وفي الآخر، فينا لأننا لم ننجح في إيصال صوتنا، إعلامنا ضعيف ومشاركاتنا الخارجية ضئيلة لأن المسؤولين لدينا لا يريدون أن يدركوا أن مثل هذه المشاركات تعود بمردود وفائدة كبيرة للدولة -نحن ما عندنا أي مشاركات خارجية بالمعنى المفهوم...هذا بالنسبة لنا، أما المشكلة بالنسبة للآخرين أنهم وجدوا شخصيات معينة وتعرفوا عليها ولم يكن لديهم استعداد لأن يبحثوا عن المزيد في البلد المعين، وأنت إذا جهلت نفسك فيجب أن لا تلوم الآخرين إذا تجاهلوك واعتقد أن هذه مشكلة، ومشكلة مركبة، أما البامبو السوداني فإذا ذهبت إلى غرب أفريقيا مثلاً هل تجد البامبو السوداني فقط؟
    لا في تشاد الأغنية التي تطلع اليوم يعرفونها قبل أن تصل الخرطوم، نحن ما رضينا بالذين ينظرون لنا كقبلة وارتضينا قبلة الذين لا يريدوننا وهذه مشكلة!.
    عطفاً على حديثك عن الطيب صالح، عندما تحتفل مجلة مثل العربي بالبروف عبد الله الطيب، نجد من المقالات التي وردت في هذه الجزئية لماذا لم يترك الناس الكتاب السودانيين، يحتفون بعبد الله الطيب؟
    أنا من أكبر المناصرين للثقافة العربية، ولا أتردد في الوقوف معها في أي محفل، وهذه قضيتي منذ نشأتي، وحديثي الذي ذكرته لا يتناقض مع موقفي، لكن من أكبر الشواهد على عدم الاهتمام أو التجويد في النظر نحو الثقافة السودانية ملف مجلة العربي لعبد الله الطيب، هذا ملف بائس جداً بائس لأقصى حدود البؤس- ثانياً الكتاب الذين يكتبون فيه غير سودانيين لأن الكتاب السودانيين لا يستطيعون أن يكتبوا عن عبد الله الطيب وأنا اعتقد هذا فيه نوع من الإثارة، فإذا المجلة لا تستطيع أن تقدم مادة محترمة فالأحسن أن لا تقدمها أصلاً لذلك اعتقد أن ما قدمته العربي يعتبر مادة بائسة - لكن لو سمحت لي بالحديث عن عبد الله الطيب - اعتقد أنه من أصعب الشخصيات التي يمكن أن تدرسها لماذا؟ لأن عبد الله الطيب تأتي كتاباته على طريقة تداعي الخواطر، يعني لو مسكت (على نافذة القطار) و(التماسة عزاء بين الشعراء) تجده يتحدث عن الموضوع ثم ينتقده، بمعنى أنه لا يتناول موضوعاً واحداً يمضي به للنهاية، لو أردت أن تتحدث عن عبد الله الطيب تحتاج لمنقاش تأخذ من هنا، وتشل من هنا، لذلك أنا قلت إن أكثر الناس الذين ظلموا عبد الله الطيب هم تلامذته لأنهم ركزوا على حديث الحكاوي والنوادر والطرف هذا بنظري لا يفيد عبد الله الطيب في التاريخ، ولكن ما يفيد هو أن نستخلص فكره ومنهجه النقدي، وهذه مسألة صعبة جداً ولكن لابد من إنجازها وتحتاج لطول بال.
    لديك عدة معارك في أسوان؟ هل تذكرها؟
    نعم، كانت مع فرقة الفنون الشعبية في أسوان، وأصل الحكاية أنني سافرت في أوئل الثمانينيات لأسوان وكان ذلك في شهر ديسمبر والذي يصادف سوق السياحة هناك، وذهبت لأشاهد فرقة الفنون الشعبية، وكان المسرح ممتلئاً عن آخره، وأغلب الحضور كان من السياح الأجانب، والشئ الذي أثارني حقيقة هو أنهم قدموا أغنية (الوافر ضراعو) ورقصة البطانة عندنا، والمسألة هذه لم ترُق لي، وذهبت واحتججت لمدير المسرح وذكرت له إن هذه الأغنية سودانية ومن وسط السودانيين فقال لي: لا هي أغنية مصرية، وكان ردي عليه بأنني أعرف الفنون المصرية جيداً واعرف أن فنونكم هنا أخذتها فرقه جوبا وقدمتها في القاهرة، فأنتم اتجهتم للفنون السودانية وأصبحتم تقدمونها نريد منكم أن تذكروا أيضاً أن الأغنية سودانية وأقسمت لهم بأنني لن أترك هذا الموضوع وسأكتب عنه وبعد أشهر جاءني واحد من الفنون المصرية وذكر لي أنهم سيقدمونها سودانية مصرية.
    مسألة التوثيق قليلة ما رأينا إسهاماً منك في هذه الناحية؟ باعتبارك موسوعة شعبية ومتحركة؟
    الكلام الذي قلته عني غير صحيح -نحن لدينا مشكلة في السودان، مثلاً يأتيك شخص ويطلب منك رأيي في موضوع عن تشاد وأقوم بإعطائه رأيي وفي اليوم الثاني تجده يكتب (قال الخبير في الشؤون الأفريقية) هذه مشكلة حقيقية لأنني لست خبيراً كما يدعي، وأنا كثيراً ما اتصل بهؤلاء وأقول لهم إن ما تقومون به لا يجوز - بالنسبة للتوثيق لدى صراحة مشكلة، أنا لدي خمسة أعمال جاهزة منذ فترة طويلة بل إن برنامجي الذي أقدمه في الإذاعة (أمسيات أدبية) هذا البرنامج مكتوب منذ عشرين عاماً والكثيرون يطالبون بنشره، رسالة الماجستير خصصتها عن الصحافة السودانية يعني وجوه جديدة وتقديم شئ جديد، عندي اهتمامات ومذكراتي في الأدب التشادي واعتبر نفسي أول من بحث في هذه الجزئية -لكن أنا لدي مشكلتان في الكتابة-أولاً اعتقد أن الفكرة الموجودة في ذهني هي موجودة في ذهن أي واحد مهتم بالأدب، فلا يوجد داعي الآن أن أكتب لشخص عن شئ هو موجود في ذهنه، والله أصدقكم القول حتى هذا الكلام الذي أقوله لكم أنا افترض أنه موجود في أذهانكم، الشئ الثاني إذا أنجزت العمل بنسبة 90٪ ولم أًصل بالموضوع إلى نهايته لن أكتب أبداً فيه، وطبعاً البحوث هذه ليست لها نهاية كاذب من يقول إنه وصل فيها إلى آخرها، لأن كل جزء فيها يولد أشياء أخرى، الآن عندي في مكتبتي في المنزل خمسة أعمال جاهزة والبعض يعتقد أن قيمتها العلمية (كويسة).
    التواضع الدائم في الشخصية السودانية هل هو نتاج لتربية صوفية مغروسة في السودانيين، وشخصيتهم ذات التواضع الدائم هل تعتبرها شيئاً جميلاً أم شيئاً سالباً عكس ما نراه لدى المصريين الذين يصنعون هالات من الضوء على أشخاص وأناس عاديين وأقرب مثل عبد الله الطيب سوداني وانتهى به المطاف هنا في الإطار المحلي وأمثاله في مصر نجد أن شهرتهم طبقت الآفاق؟
    في مصر وفي غيرها صناعة النجوم أصبحت علماً، ونحن نفتقد لهذا العلم، والناس الذين اشتهروا يعتبرون وجدوا ظروفاً جيدة، بالنسبة لتواضع السودانيين هذه حقيقة لكن لا اعتقد أن كل السودانيين متواضعين هناك ناس يفرحون جداً عندما تضخمهم لكن اعتقد أن للأثر الصوفي دوره، رغم إنني أنا شخصياً لا أزعم أنني عشت في الصوفية بشكل مباشر لأنني كنت بين نقيضين؛ فأهل والدتي وخاصة -جدي لأمي- سلفيون جداً، وأهل والدي لديهم علاقة قرابة من أهل الكباشي، لكن لا استطيع أن أذكر أي أثر بشكل مباشر عليّ لكن يمكن القول إن للتصوف دوره، لكن الناس دائماً تنسى عاملاً مهماً جعل السودانيين لا يعتنون بالتوثيق ألا وهو أن الثقافة العربية الإسلامية دخلت لنا في عصور انحطاطها ولم تدخل لنا في عصور نشاطها كما حدث لمصر والشام والمغرب، ولذلك كانت حركة التاريخ في تلك الدول قوية جداً والإنسان في تلك الدول لو عنده فكرة واحدة يكتبها لكن نحن الثقافة العربية والإسلامية جاءتنا في أسوأ أيامها، عندما أصبحت حواشي ومتوناً أصبح المثقف هو الحافظ وليس المفكر، لذلك اليوم رموز ثقافاتنا هم الحفظة وليس المفكرين، ونحن نحفظ ولكننا لا نكتب والعقلية النافذة لم تتبلور لدينا بعد، واعتقد أن هذه هي المشكلة.
    الثقافة العربية دخلت مع التجار وليس المفكرين؟!
    ليس التجار، السودان في البداية داخلته القبائل الرعوية، لأن دولة النوبة كانت قوية فتسللت القبائل الرعوية، لكن أتحدث عن دخول الثقافة العربية بعد قيام مملكة الفونج وتشريعها لها، الفترة هذه بالضبط هي فترة انحطاط الثقافة العربية الإسلامية في العالم الإسلامي وهذه هي فترة العهد التركي والتي اعتبرها أضعف الفترات.
    الأمس دائماً هو الأفضل يقولون لك العصر الذهبي في السودان، دائماً يرجعوننا لأيام زمان- التعريفة والقرش، والسياسة، دائماً تجدها ودائماً تجدها في حقيبة الفن، هل مشكلتنا فعلاً في عصرنا الذهبي أم في العصر الذي جاء بعده؟
    أنا اعتقد أن عقليتنا (ماضوية) ليس في حقيبة الفن فقط حتى في الكرة، يقولون لك (حليل أيام منزول وبرعي) وكذلك في السياسة إذا تحدثت في أي ظاهرة: التعليم زمان كان عندنا وعندنا، أنا ضد العقلية الماضوية- إلى الحنين للماضي وأرى أن الكبار يمارسون إرهاباً ثقافياً على جيل الشباب، هذه سنة الله في التاريخ، أي أن جيلاً غربت عنه الشمس يريد أن يمسك بخيطوها ولا يريد أن تخرج للآخرين، أنا لست مع هذا التفكير لأنه ببساطة الأمة التي أجمل أيامها أصبحت وراء ظهرها هي أمة انتهت - الآن عندما أتأمل في كل الظواهر أجد هناك تطوراً وتقدماً، مرة كان يتحدث لي أحدهم ويقول المدرسة والتعليم وووو....قلت له أنت تتحدث عن زمن كانت فيه المدرسة هي الوسيط الوحيد للمعرفة، الآن طفل الأربع سنوات وسائطه التعليمية تتجاوز المدرسة، وشباب اليوم ليسوا أفضل من شباب الأمس-أنا اعتقد أننا غير مؤهلين لأن نحكم عليهم -لماذا؟ لأن هذا جيل ما بعد الحداثة ونحن جيل ما قبل الحداثة، (الليلة الواحد مما يقوم نجده يبحث عن اللوتري عمره خمس سنوات وعاوز يهاجر ويعرف كل شئ عنها!).
    الآن أصغر طفل يمكن أن يتعامل مع الكمبيوتر والإنترنت ببراعة نحن لا نعرفها ولا نقدر عليها، أصغر طفل يعمل لك أشياء في الموبايل ونحن بالكاد نفتحه ونغلقه، نحن عندنا المعرفة زمان أنك تحفظ أكبر كمية من المعلومات، الليلة الشئ الذي قرأته من يوم ولادتي، وحتى الآن يمكن أن يسجله طفل في خمس اسطوانات C.D الشباب عنده المعرفة ليست في كمية الحفظ لأنه يمكن أن يستدعي المعلومة في دقيقة لكن عنده المعرفة كيف تتعامل من لغة العصر ومنتجات العصر وهذه نحن ما بنعرفها يبقى من المتقدم؟.
    أنا أقول لأولادي: ما تسمعوا يقول ليكم زمان الثقافة والمثقفين، أنا دخلت المدرسة منتصف الخمسينيات وعاصرت من درسوا في الأربعينيات معنى ذلك أنني يمكنني أن أحكم على جيل سبعين سنة، عندما أتذكر من كانوا يقرأون في الفصل لا تجد أكثر من اثنين ثلاثة مثقفين في الفصل لذلك أقول لاولادي لا تسمعوا هذا الكلام.
    الإنتاج الأدبي الإبداعي هل حدث له تطور؟ في القصة النقد...؟
    طبعاً كان هنالك تطور حتى سنة 50 ، القصة عندنا لا تتعدى القصص القصيرة جداً، من صفحتين أو ثلاث وتكون في المجلة وضعيفة، ثم ظهر إحسان عباس في منتصف الخمسينيات فشجع بعض القصص مثل «النازحان والشتاء»، للزبير علي وخوجلي شكر الله، والبرجوازية الصغيرة لعلي المك وصلاح أحمد إبراهيم، ونشر بعض الأشعار لكجراي وغيره وغيره، اليوم عندما تشاهد كتاب (البرجوازية الصغيرة) و(النازحان والشتاء) وتقارنهما بكتب وروايات اليوم تجد فرقاً كبيراً، قبل يومين قرأت لأحمد عبد العظيم رواية رومانسية فكانت الرومانسية تبكينا زمان والآن عندما نقرأها نقدياً تجاوزناها بكثير.
    الأدباء الجدد وما يكتبونه مقارنة بالطيب صالح تعتبر كتاباتهم قلة أدب؟
    لا استطيع أن أقارن كاتباً مبتدئاً بكاتب تربع على القمة، وأول حاجة نجد شروط المقارنة معروفة، يمكن أقارن بما يكتبه هذا الكاتب في عمر ثلاثين سنة مع ما قدمه الطيب صالح في نفس العمر وأللّا رأيك شنو؟ وعلى أي حال أنا اعتبر أن الطيب صالح ليس تطوراً للرواية السودانية، ولكن وجوده خارج السودان جعله يتصل بالرواية العالمية لذلك امتلك من أدواتها ما لم يكن متاحاً للروائيين السودانيين لذلك الطيب صالح المسافة كبيرة بينه وبين أقرانه من الكتاب السودانيين.
    ممكن تحدثنا عن إبراهيم إسحاق ودوره في الرواية السودانية؟
    هو مبدع جداً والرواية عنده متقدمة جداً وأروع ما فيها نفس دارفور، لذلك اعتبره علامة مشرفة جداً في الرواية السودانية.
    هل يحصر جمهوره في نفس دارفور؟
    لا أبداً، هل الأغنية الدارفورية محصورة في دارفور؟، أنت عندما تستمع: نحن الليلة بنات ثلاثة ومشينا لي دهر لقينا لينا كركير...إلخ ما محصورة في كردفان هل أغاني الشابقية محصورة في مناطق الشايقية؟ لا اعتقد.
    هل يصل إبراهيم إسحاق للعالمية كما وصل الطيب صالح؟!
    والله لا اعتقد أن هنالك ما يمنع - الليلة أنا عندما اقرأ لنجيب محفوظ- بالذات الثلاثية، القصة كلها في مصر الفاطمية خان الخليلي، زقاق المدق وهكذا، ونجد اللغة فيها المصرية العامية - حتى إنه توجد بها ألفاظ لا ترد في السينما، لكن من السياق العام قد لا نعرف المعنى تحديداً.
    نعم والكتاب الذي انتجوه أعطوني له وكنت استمع لهم في أروقة وصلتي بهم ممتازة جداً.
    بنفس القدر هل حدث تطور في الأغنية؟
    الأغنية حدث فيها تطور لكن لسوء الحظ نحن نقدياً لم ندرس هذا التطور، والتطور يمكن دراسته من جوانب كثيرة جداً وأنا دائماً أقول في الخيال إذا مزجنا التشبيه كأصغر أداة من أدوات الخيال ورصدنا التطور فيه، نجد في حقيبة الفن دائماً التشبيه محسوساً من محسوس تمسك العيون مثلاً لأنها من الأشياء الشائعة في الحقيبة، يقول ليك عيون الصيد، عيون المها، هنا تشبيه محسوس لأن عيون المها معروفة، لكن توجد مشكلتان: الأولى أنه ربما أنني لم أشاهد صيداً وأغلب أهل الخرطوم لم يشاهدوا صيداً، كيف أتذوق التشبيه إذاً؟ ما في تذوق، فالتشبيه معمول لنقل الأثر النفسي وهذا أضعف أنواع التشبيه محسوس بمحسوس وإذا تحولنا قليلاً نجد تشبيه محسوس بمعقول مثل تشبيه سواد حظي بجور لواحظه كحيل-هنا شبه العيون بسواد اللحظ فالعيون محسوسة وسواد الحظ شئ معنوي معقول، فكل واحد يتذوق حسب حظه، تقدمنا شوية، وجدنا التشبيه اتقلب- حظي أسود من كحل عينيه - هنا شبه الصيد بشئ لكنه جعل الصيد مشبهاً - عندما جئنا لشعر التجاني سعيد وجدنا أن التشبيه وصل مرحلة بعيدة جداً.
    عيونك زي سحابة صيف - تسقي بلاد وتجافي بلاد
    وزي فرحاً يشيل-مني الشقاء ويزداد
    وزي فرح البعيد العاد
    وزي كلمات بتتأوه...إلخ
    دي حكاية متطورة جداً (والّلا مش كده) فلو مسكنا من يقول لك الحقيبة تجد ليس لديهم القدرة النقدية على دراسة الظاهرة، فالأغنية السودانية ماشة متطورة حسب تطور الذهنية نفسها، فذهنيتك أنت تختلف عن ذهنية والدك، لذلك عندما يأتي أحدهم بتشبيه محسوس بمحسوس، وهناك ناس يرحبون بذلك فأنا اعتبرهم متخلفين جداً دعك من التشبيه- زمان النموذج المثالي للمرأة الجميلة كان هو الامتلاء لكن هل يستطيع الآن أحد أن يتزوج امرأة لا تستطيع أن ترفع قدمها من العتبة؟، ما هي الوظيفة الاجتماعية لهذه المرأة؟ وقد كانت الفتاة قديماً إذا كانت ضعيفة تقوم أمها بإعطائها الموز حتى تشحم، وعندما تسألهم يقولون لك الأعشى قال:
    تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل....
    والله أنا أعجب لأناس نموذجهم الجمالي يمثله رجل أعمى بينما النموذج الحقيقي أمامهم...! هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة.. هذا تطور كبير لذلك نصيحتي للشباب أن لا يسمعوا ما يقال عليهم بل يعملوا عقولهم من الداخل.
    الأبنودي قال ذات السودانيين لديهم أجمل الأغنيات لكن العرب لا يسمعون أجمل الأغنيات!! هل نحتاج لإعادة صياغة الثوب الخاص بنا أم نقفل عليه؟
    مداخلة: الشعر الدارجي أعمق عندنا من الفصيح؟!
    بالنسبة للأبنودي ورأيه في جمال الأغنية السودانية وعدم استماع العرب للأغاني الجميلة- يروي عن العقاد -والله أعلم- أنه كان يستمع لأغنيتين هما (ضنين الوعد) للكابلي، و(أكلك منين يا بطة) وعندما يأتي مقطع (إن تكن أنت جميلاً...فأنا شاعر يستنطق الصخر العصي) فإن العقاد كان يقول: طالما يوجد في جنوب الوادي من يستنطق الصخر العصي فإن لغة الضاد بخير، هذا ما يحكى عن العقاد، نحن لا نحتاج أن نخرج من ثوبنا، العرب إذا رغبوا في أن يستمعوا لنا أهلاً وسهلاً وإذا لم يرغبوا هذا شأنهم..نحن إذا خرجنا عن ثوبنا هذا لن نستطيع أن نبدع، لأن هذه هي ثقافتنا وشخصيتنا وهكذا وأنا ضد الدعوة لتغيير الذات، أما حكاية الشعر الدارجي أعمق من الفصيح، هو ليس كذلك فبخبرة المكان يمكن أن يكون كذلك حقيقة لكن على الإطلاق ليس أعمق، لكن في فترة من الفترات الشعر الدارجي استطاع أن يعمل له نفساً سودانياً لم يكن موجود في الشعر الفصيح لأن الفصيح كان نموذجه القصيدة العربية ذلك لم يستطع أن يعمل نفساً أو معاني سودانية كما الحاردلو يقول:
    تتمايح مثل قصبة مدايح
    هذا نموذج لا أجده في الشعر الفصيح، لكن طبعاً خلال الأربعين سنة الفائتة بدأ النفس السوداني يدخل في القصيدة الفصيحة وهذا أعطاها إضافة وعمقاً حقيقياً يمكن أن يبرهن على هذا بقصائد كثيرة جداً لصلاح أحمد إبراهيم (غابة الأبنوس) سوداني من رأسه حتى أخمص قدميه، رجل سوداني مائة في المائة، وأنا دائماً لا اعتقد في الأخيلة والمعاني بل اهتم بالروح السائدة في القصيدة، تعبر عن المكان يعني أنا كسوداني أعيش في الأماكن الحارة حامي بطبعي لا يمكن أن أكون بارداً مثل نزار قباني في الشام، هو روحه تشكلت خلاف روحي، لذلك أنا عندي القصيدة حتى في الروح السائدة فيها تنبئ لك عن طبيعة المكان، وهذا موجود في الشعر السوداني الفصيح، لذلك أنا لا أقبل مقولة أن الشعر الدارجي أعمق من الفصيح، لا أقبلها على الإطلاق.
    لكن الدارجي أكثر سيادة من الفصيح؟
    في أي بلد يحدث ذلك، في مصر مثلاً تشعر بانتسار الأغنية الدارجة أكثر من الفصيحة لأنها اللغة التحتية وهي لغة الناس، والناس دائماً تغني بلغتها بالآن الفصيح لغة الصفوة، لغة النخبة.
    باختصار عن التاريخ والجغرافيا، يا أخي أى سائح لو زار المقرن يمكن أن يقول قصيدة، أي شخص لو قرأ تاريخ السودان يمكن أن يقول قصيدة عن المهدية (صاح ولا لا؟) كليبني ألم يعمل قصيدته عن الهدندوة وقتالهم مع عثمان دقنة؟ هذه ليست القومية، مثلاً عندما يقول خليل على ودور يقول
    ولقمة من دقيق الدخن دافئة * ألذ في الطعم من قراصة الفيني
    صنعتها بيدي في الصاج لينة * كأنما صنعت في دوكة الطين
    ملاحها ويكة لايووقة وبها* ملح أجاج...............الخ
    لكن القومية هي أن تعبر عن عبقرية الأمة وخصائصها الخاصة، شعورها وأنت إذا لم تكن منها لن تعبر عنها، يعني قصيدة العباسي، أنت ياذا عمداً لا تسميني...
    ما يقدر يعبر عنها أي شخص، مفهوم القومية مرات يطلق غلط.
    الموضوع الذي يشغل عبد الله حمدنا الله؟
    والله المواضيع كثيرة وأنتم تطرقتم لها.. الإرهاب الثقافي ضد الشباب أنا شايف أنه أكبر موضوع يجب أن يجد الاهتمام ونتطرق له بشجاعة لكن من الذي يتصدى له من الكبار من يدين جيله-يجب أن يكون الشخص منصفاً فلا ينبغي أن نغرس في أذهان الشباب أنهم جيل تافه وأنهم جيل آخر الزمن، والله نحن منذ أن نشأنا نسمع آباءنا يقولون لنا إنتو جيل آخر زمن!
    هل تتعامل مع مصطلح السودان الجديد؟
    المفهوم كما يبدو لي فيه ظاهر وباطن الظاهر هو تحقيق العدالة والديمقراطية للناس كلهم كما يقال ويصبح من حق كل إنسان أن يحكم السودان ومن حق كل إقليم أن يحكم نفسه الدعوة سليمة، لكن نحن ما من أهل الباطن.
    السياسي الدكتور عبد الله تحس به...؟
    أنا ما سياسي، شوف أنا كتبت موضوعاً قبل ثلاثة أسابيع، كل إنسان ميسر لما خلق له ومشكلتنا في السودان أننا نترك ما نحسن ونصبح سياسيين كلنا، أنا لست مهيأ للسياسة لسبب ذكرته آنفاً.
    هل هذا اعتراف مع الذات أن المثقف لا يستطيع أن يدير أمور السياسة؟
    لا أقصد ذلك -لكن أنا أعبر عن الأشياء بأدواتي- على سبيل المثال، هل من اللازم أن أخرج في مظاهرة واهتف تسقط أمريكا؟!، لكن إذا أحضروا لي مشروب حاجة باردة، لو رفضت البيبسي لديها دلالاتها الفنية، ولو أنا كتبت رواية، ولو ذكرت أنني أفضل الفيمتو وضد البيبسي، أنا أكون عبرت ولا ما عبرت؟!، وهذا تعبير أقوى من الخروج للمظاهرات التي يستطيع أن يخرج فيها الكثيرون.. المثقف يا جماعة يعبر بأدواته والمثقف سياسي بأدواته، وتبقى المشكلة للمثقف عندما يترك أدواته ويتجه للتعبير المباشر، هناك يكون واحداً من الآلاف لكن هل يكون واحداً من المبدعين.
    هذه الأدوات يمكن أن لا تكون فاعلة في المجتمع السوداني؟!
    من قال هذا؟!، أغنية واحدة تحرك لك الشارع السوداني كله أود أن أقول لك شيئاً، تجد الحاكم بكل هيلمانته خائفاً من مفكر موجود في السجن، ولا حسن الترابي نجده خائفاً من مفكر طيب داك قوته شنو؟!.
    محمد أحمد محجوب جنت عليه السياسة وجنى على الثقافة.
    الترابي نفس هذه المشكلة؟!
    وكثيرون غيره
    الصادق المهدي؟
    والله إلى حد ما
    لكن الترابي السياسة جنت تماماً عليه؟
    نعم.!
    هل تتعامل مع مصطلح السودان الجديد؟
    المفهوم كما يبدو لي فيه ظاهر وباطن الظاهر هو تحقيق العدالة والديمقراطية للناس كلهم كما يقال ويصبح من حق كل انسان ان يحكم السودان ومن حق كل اقليم ان يحكم نفسه الدعوة سليمة،لكن نحن ما من اهل الباطن.
    القيادات الوطنية في السودان استخدموا القضاء الفكري لأي قيادات أخرى تعمل تحتهم يعني الترابي ما يلتقى شخص بعده، الجمهوريون انتهوا بعد محمود محمد أحمد طه وهكذا؟!
    طبعاً هذا واقع وكان في المقالات التي كتبها عبد الله علي إبراهيم عن شيبون .
    هل قرار مقاطعته هو قرار من الحزب الشيوعي أم لا؟
    طبعا الذين كانوا مع عبد الخالق محجوب يعرفون الترابي، ما محتاجين أن نطلع قرار.


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=10&...ction=article&id=189
                  

10-07-2008, 04:31 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    تأملات فكرية في اغتيال محمد طه (1)
    بقلم: خالد عويس



    (عجبت لذلك النوع السخيف من الأخلاق، الذي يجزع لكلمة نابية، أكثر من جزعه لفعل قبيح!)
    المقولة للفيلسوف البريطاني، بيرتراند راسل.
    ..
    الأكيد، أن الزميل والصديق، الشهيد محمد طه محمد أحمد، ما كان ليقتل بتلك الطريقة البشعة، لو لم يكن صحافياً، سلاحه هو قلمه. آراء محمد طه، تسببت بمقتله. فهو، إن كان مزاولاً لأية مهنة أخرى، بعيدة عن (الرأي)، لما فصل رأسه عن جسده، في حادثة تنذر بفواجع أخرى مقبلة، ما لم يتصد المجتمع السوداني، بقوة، لمثل هذه الممارسات، التي لابد أن يسبغ عليها توصيف (الإرهاب).
    ولابد من التوقف طويلا إزاء هذه الجريمة البشعة التي تهز أركان المجتمع، ويمكن أن تشطب للأبد من قاموسنا، كلمة (التسامح). ثمة أمور متداخلة لا يمكن الفصل كلياً بين فسيفسائها المتناثرة تشير إلى خلل ما، فصيحات العنف التى أطلقها اغتيال طه، لا يمكن تأملها دون الرجوع لحوادث تفضى إلى نتائج جوهرية من دون التعمق فى معالجة المشكل القائم الآن، لكنها توضح قدراً من مآلات ربما قادت لتعمّق فكر سطحى كالذى تبشر به (القاعدة) مدعية أنه الإسلام، أو أي فكر (منحرف) آخر يتكيء على أية ذريعة، ليجد مسوغا أخلاقيا للتصفية الجسدية.
    القضية الآن أكثر تشعباً وأبعد غوراً من التناول السطحى الذى يعمد إليه البعض، ولا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، فعناصر كثيرة تغوص فى خاصرة المشكلة بشكل جدلى، وتستدعى تشريحاً وتفكيكاً على مستويات عدة:
    المستوى الأول: المستوى التاريخى، إشارة لإعدام الحلّاج نظراً لأسباب سياسية تلبّست ثوب الفكر (المقصلة فى وجه الفكرة _ المدية فى مواجهة القلم)، يتبين أن الأسباب التى أدّت لسحقه هى خاصة بخطر الفاطميين على الدولة العباسية، والقحط والجوع، اللذين أديا لتذمر الناس، فما كان بد من شغلهم بقتل الحلّاج، شاغل الناس بفكره وشعره وكتبه رغم عدم مصادقة الحنابلة والشافعية على الأمر!! مأساة الحلاج (الفكر) فى مواجهة السلطة (المجتمع _ النموذج) دعت العديدين للدفاع عنه تاليا : صلاح عبدالصبور، لوي ماسينيون، عبدالوهاب البياتى، مارى شيمل، هربرت ميسن.
    تفكيك المستوى التاريخى يقودنا لاستنطاق (الثابت والمتحول: بحث فى الابداع والاتباع عند العرب/أدونيس) وكتابات عدد من المفكرين حول مراجعة العقل العربى (أو العقل في هذه البقعة من العالم، وهو الأصح) وتفكيكه، ودراسة عناصر تكوينه، فهم أشاروا بادئاً لقبول العقل العربى بمصادرة العقل ومصادمة الفكر ارتهاناً لمأزق النقل وتخلصاً من “مجازفة العقل” أو (الإبداع/الاتباع)، فالعقل العربى واقع -برأيهم- فى مأزق تاريخى يشده للوراء دائماً، وفى حالة من الثبات والركود الماضوى، المصادم لكل ما هو جديد: شعراً /فكراً / أدباً / اجتهاداً.
    يلازم هذه الحالة، أخرى من تنامى الشعور بضرورة حراسة (كل القديم) بحسبانه “أيقونة مقدسة” تستوجب الدم إذا ما تعرض لها أحد! وهذا فى حد ذاته باعث على خلق توازن عاطفى فى تحقيق الواجب الحياتى/الثيوقراطى على وجه أكمل تجاه (المقدسات) بدءاً بالدين ونهاية بالمتنبىء وزهير! ويحفظ للفرد والجماعة إحساسها بالقرب من المصادر الأولى (الكاملة) فيتقمص روحها وحقيقتها الكاملة معظّما من (الأنا) حيال (الآخر) المتجاسر على المصادر الأولى.
    إن إمكان الحوار بين (الأنا) و(الآخر) يصبح مجازفة باقترابه من حدود المصادر ذاتها طالما أن (الأنا) تلحّ فى افتراضها -بالحلول- فى المصادر. المحصلة النهائية لوضع كهذا هو انقراض الفكر وتشريده، لأن الفكر يتغذى بالحوار (فالآخر) -المصادر بالطبع- هو المحفز الأول لإطلاق طاقات (الأنا المترفعة) فى مجال الفكر . أى أننا أمام نموذج يجزم بأنه الحق الكامل وأنه ما من فكرة يمكن أن تزحزح يقينه بما وصل إليه : إذ أنه أصبح المقدس نفسه ، ورقى عتبات اليقين وبلغ حد مصادرة آراء الآخرين لثبات بطلانها سلفاً لحصول المعرفة الكاملة!!
    المستوى الثانى: اللغة. افتراض أن اللغة يمكن الإحاطة بها وحصر دلالاتها هو افتراض يمج فى هطرقته وجدليته، ويحصرها فى إطار زمنى ومكانى ودلالى محدد. بإمكان اللغة أن تتجاوز كل المألوف لقدرتها على التجدد والتشكل (أو حتى الانحدار) حسب معطيات كثيرة، منها قدرة الكاتب نفسه على ارتياد مدارات جديدة للتراكيب والدلالات، فالكلمة يمكن أن تعنى معاني كثيرة، وتتشرب رمزية عالية ومكثفة حسب ظرف الكاتب ومناخاته النفسية، وتطويعه للمصطلح، ورؤيته له، ولغيره من المصطلحات - وربما تماساته التاريخية به-، فالنص هو حالة معقدة من الظرف الوجدانى، والتفاعل الفكرى، والتكنيك اللغوى، بحيث لا يمكن فصل هذه المكونات، فهى تشكل فى ختامها (فضاء النص) و(مناخ الكاتب) وبين الاثنين علاقة جدلية معقدة يستحيل حشرها فى زاوية فك الرموز، فالنص لم يعد محدوداً بالسقوف التقليدية بعدما خيّم على آفاقه وهج الحداثة آخذة فى ثناياها حوارات ضروب الفن وعلوم الاجتماع، والسوسيلوجيا، وعلوم أخرى مختلفة وتماهيها وتأثيراتها المتبادلة، بحيث يصعب قطعاً ضبط حركة الصعود والاكتشاف داخل النص اللغوى بتجريده من المستويات الأخرى: معرفية، وجدانية، طفرات لغوية تختص بالكاتب نفسه، إذ أصبح من المرجح تماماً افتراض أن اللغة يمكن أن تنقاد -لحيويتها- إلى زمان لغوى لاحق.
    المستوى الثالث: الفكر، المغامرة الفكرية (ربما قبل الحلّاج نفسه) أصبحت محفوفة بالمخاطر مما جعل الفكر مقيداً، راكناً إلى الاعتياد والترديد والتقليد، متلبساً ومتحولاً إلى حقل السياسة دون الخوض فى متاهة الأسئلة الكبرى (ما عدا النذر القليل)، مكتفياً بحنجرة الهتاف والاحتجاج.
    التحرش الفكرى الدائم أدّى لظهور «ثقافة مهادنة» لا تحفل بالدفاع عن معتقداتها وآرائها بجرأة خوفاً من (القتل، المحق والتكفير) . هذا الأمر أكاد أجزم أنه عطّل حركة الإبداع بل وجعلها حركة ورائية، فما من مبدع يبدع بيننا إلا وأذنه على الباب وعينه على النافذة خوفاً من إطلالة (ملالى) الشرف والفضيلة، رغم إن المقاييس الأخلاقية متبدلة ولا يمكن قياسها (للفرد) حتى بالركون للملالى أنفسهم. وللصوفية عبارة ذهبية يلخصون بها رأيهم فى الاخلاق: إن على الإنسان أن يكف شروره عن الآخرين قبل أن يتجه بتفكيره إلى تحاشى شرورهم لأن مجرد التفكير فى شىء كهذا شر فى حد ذاته! ، ومع تطوّر الحياة وولوجنا إلى عصر الوسائط التكنولوجية أصبح بمقدور (نجيب محفوظ) أن يحط رحاله فى «روما» ليكتب ما يشاء، و(نصر أبو زيد) فى “استكهولم” و(مارسيل خليفة) بإمكانه أن يخوض معركته عبر الكاسيت أو الانترنيت من «شيكاغو» ، بل إن ما يجرى من إرهاب فكرى هو مدعاة لذوى المواهب الضئيلة والطاقات الكاسدة بالتنطع وتبنى مواقف (علمانية) متطرفة ضد الدين نفسه (بحسبان أن الملالى هم الدين) سعياً وراء بطولات وهمية انطلاقاً من عواصم لا تلقى بالاً لما يكتب أو يقال. وحتى العلمانيون المعتدلون فى ظل الموقف المتصاعد يمكن أن ينتقلوا إلى خانة أكثر تشدداً حيال وجود الدين فى الحياة العامة. ولعل الظاهرة أقوى وجوداً فى المجتمعات المتباينة مذهبياً ودينياً أذ يصبح التشدد جزءاً من عوامل التماسك الداخلى لفئة أو فئات دينية بعينها.
    المستوى الرابع: الدين . فهو فى جوهره ثابت، والمتغير، حركة الناس تجاهه أو عنه (نمط التدين) التى تتشكل بحسب الاستيعاب، الموروث الثقافى، والبيئى وعوامل لا حصر لها. نزاع الحلّاج لم يكن بين الدين وخصومه وإنما بين أنماط التدين (الخلاص الفردى/ الصوفية - فى مواجهة الخلاص الجماعى/الدولة العباسية) أو الحلّاج فى مواجهة خصومه، الصراع فى لبّه كان فكرياً ولا يمكن التكهن بصحة مسلك أحد الطرفين فعلم ذلك عند الله (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) الحديث .
    المشكلة أن موقف (غلاة المتعصبين) -اليوم- يمكن أن يقودهم إلى مأزق -فى الغد- إذا تهجّمت على المجتمع جماعة أكثر غلوّاً فى تعصبها ورفضها للحوار، ترى فى الجماعة الأولى تساهلاً وليناً تجاه (المنكر)!. وقد يفرز فى الجانب الآخر خطاب من لقوا اضطهاداً وذلاً ثقافياً على أيدى هؤلاء (انظر إلى الخطاب المستخدم ضد الجماعات المتشددة، يحفل بمصطلحات: الرجعية، الظلامية، الجمود، قوى التخلف، القوى المحنطة) مما ينذر بكارثة تعطل الحوار تماماً ليحل بدلاً عنه خطاب العنف وحوار الدم .
    وللاستدلال على النتائج الكارثية لقمع الفكر وانتهاج العنف، نعود بذاكرتنا (الجمعية) إلى الوراء للاستشهاد بحادثة وقعت فى السودان! أعدم قبل عقدين من الزمان تقريباً شيخ مفكِّر هو محمود محمد طه بتهمة التجديف (راجع عبارة رسل التى صدّرت بها مقالى، ثم تأمل مسيرة جعفر نميرى التى بدأها بشلالات من الدم وختمها بدفن نفايات ذرية بالصحراء السودانية، وترحيل يهود الفلاشا إلى إسرائيل فى ظل ادعاءاته بتطبيق الشريعة السمحة) اعتقد أن إعدام “محمود” كان الباعث الأول على كساد حركة الفكر فى السودان، وبوارها على نهج «انج سعد فقد هلك سعيد» أدى ذلك الحادث البشع بحق شيخ سبعينى ينافح عن رأيه بالكلمة والقلم إلى إحجام المفكرين عن ارتياد آفاق الفكر، واختزال طاقاتهم فى الفعالية السياسية، خاصة بعد الصمت المفجع الذى قوبل به الإعدام فى أوساط السودانيين (مع ميل ظاهر لتجريم محمود ومدح قتلته!). الانتلجنسيا السودانية بدورها (إلا النذر القليل) تنصلت عن واجبها تجاه محمود -القضية- حتى بعد أن غيّبه الموت الذى جرى فى طقوس غرائبية خلطت بين المفاهيم الثورية والصوفية والكاريزمية، ولعل بعض المثقفين تنفسوا الصعداء بإزاحة خصم قوى الحجة، راسخ فى الدفاع عن آرائه ، ولا زال إعدامه محل تعتيم إعلامى ينبىء عن تواطؤ فادح مع المقصلة التى جزت عنقه والأيدى الخفية التى تسببت بمقتله لتخلو لها الساحة «الإسلامية» فى السودان!..
    إعدام محمود «برأيي» كان نقطة تحوّل كبيرة فى مسار تطور الفكر السودانى، ويحق لى استخدام مصطلح الصدمة “shock” التى حاقت به وصيّرته منغلقاً لا يبارح مكانه، إلا النذر القليل، فما من (مغامرات فكرية حقيقية)، مما دفع الفكر الدينى المتشدد إلى الأضواء فى ظل انحسار المنظومات الفكرية المعتدلة ووسط مناخ يشجع الإرهاب الفكري على وجه الخصوص.
    ونتيجة لذلك أصبح التكفير فى السودان أيسر من غسل اليد، ساد مناخ جديد، شديد الترويع أدّى لخلق وتشّكل ثقافة عنف غير مسبوقة (من المفارقات أن القتل على أيدى متشددين طال فناناً هو خوجلى عثمان وجماعات من المصلين المنتمين للفكر الوهابى بمدينتى أم درمان ومدنى بتهمة الكفر!!) ولم يجرؤ إلا قلة على التعبير عن امتعاضهم لما جرى لأن سيف (الدين) كان مسلطاً على الرقاب يتلاعب به المتشددون كيفما شاءوا، بل إن الثقافة الجديدة لجّت فى عدوانيتها حين شنّت حملة تجريمية من الوزن الثقيل ضد الطيب صالح متهمة إياه بالخلاعة والفجور ومنعت رواياته من أن تدرس بالجامعات السودانية.
    ولو كان الأديب الكبير موجوداً بالسودان لما نجا من متربص ينتظره «بمدية» أو «سيف» عند طرف الشارع مثلما جرى «لمحفوظ» ، إلا أن هذا كله لا يعنى عجز الإسلام عن الدفاع عن نفسه وارتهانه للبطش والعنف فقط، إنما يعبر عن ورطة فكرية بالغة الحدة تستدعى محاورة هؤلاء حول (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) الآية و«اذهبوا فأنتم الطلقاء» الحديث وموقف سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبدالله بن أبىّ، وحول معنى أن يضع فيلسوف غربي كتوماس كارليل، سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس عظماء كتابه «الابطال - heroes» وغيرها من مفاهيم التسامح والحوار والعقلانية التى ينطوى عليها الإسلام.
    إذا كنا عاجزين عن إدارة حوار داخلى حتى الآن ، وتتجه حواراتنا إلى مثل ما سقته من نماذج حيال حادثة واحدة لجأ خلالها أشباه بن لادن إلى التهديد بقتل كل المرتدين من الكُتّاب الفُجار دون حتى «استتابتهم» فكيف نقنع الغرب بوسطيتنا واعتدالنا من أجل حوار ناجح معه، وكيف نجادل الأدمغة الناشفة هناك أيضاً التى ترمى الإسلام بالتطرف؟!.
    ألا تبرز حاجة ملحّة فى هذا الوقت لإبراز فكرنا الدينى المتسامح، خاصة وأن التيارات الداعية للعنف استهدفت بادئاً الجماعات الموصوفة من قبلها بالتقليدية فضربت أول ما ضربت الإسلام المعتدل فى مصر والوهابيين وغيرهم فى السودان، وأدخلت فنوناً جديدة من القهر على النهج الدينى المتسامح فى الجزائر فإذا بها تبشر بثورة عارمة على الاعتدال والوسطية ولا تقر نهج هؤلاء فى الدعوة بالحسنى، وإذا كنا لا نُقر المعالجة الأمريكية باتباعها لسياسة (أخذ البرىء بجرم المذنب) حيال المدنيين الأفغان والعراقيين، فإنه يتوجب علينا الانتباه من غفوتنا لمنع التشدد والتشرذم من التسلل أكثر فأكثر إلى مجتمعاتنا ، طالما ثبت أن المتشددين لم يجلبوا سوى الدمار للأبرياء وتشويه صورة الإسلام، ولعل أبسط الحوادث كالتى سقتها تكفى من بعد الآن لتصد فاعل يبرز طاقات الإسلام فى الحوار والعقلانية.
    ما نخلص إليه فعلاً هو أن التطور الإنسانى نتج عن حوار رفيع كبح رغبات العنف والقمع والتوحش وسحق الآخر، وأقام نموذجه على شىء ولو يسير من الحب وهو جوهر الحضارة الإنسانية، وأن صاحب الفكرة لن يكسر قلمه لمجرد تهديد بالقتل والتصفية، بل إن ذلك سيزيده تعنتاً على الرغم من بطلان مسوغاته، ومن الخير لنا ولسوانا أن نتحاور ونحترم آراء الآخرين مهما بدا لنا من شناعتها وانحطاطها، لأن الحوار والحب هما السبيل لتصحيح المسار، لا صيحات العنف ورغبة الدمار.
    ومن عجب، في ختام هذه المقالات، أن محمود محمد طه، ومحمد طه محمد أحمد، يتشابهان في الأسماء. هل من دلالة أبعد غوراً على ما نخاله إزاء الأمر؟ ربما، فللقدر تصريفاته أحياناً، وتنبيهاته. والخلاصة، لابد أن تكون مراجعة أمينة لشتى شؤون حياتنا. التعليم، التربية، الهجرة غير المقننة خصوصاً إلى بلدان تصدر أفكاراً متطرفة لا تناسبنا، ولا تناسب حياتنا، إعادة النظر في المقولات التي نجترها دون تفكير: أننا شعب (متسامح). هل هذه عبارة (قاطعة) و(جازمة) تعكس رأياً مبنياً على دراسات وخلاصات، أم هو رأي (اعتباطي)؟!
    وكيف نحدد مفهوم (نحن)؟ من (نحن)؟، العلمانويون، أم الإسلاميون، أم اليساريون، أم السلفيون، أم الوسطيون، أم الصوفيون، أم الإثنيون، أم ماذا؟
    أرأيتم جزافية (نحن)، التي يصعب تعريفها على نحو قاطع وحاسم !!
    إن اغتيال محمد طه محمد أحمد، بتلك الطريقة الوحشية، التي تنم عن إقصاء ما بعده إقصاء، ورفض ما بعده رفض، تشير بوضوح إلى أن (الفيروس) بات في جسدنا الجمعي الآن. ومهما تكن نتائج التحقيقات، سواء أفضت إلى اتهام مجموعات متشددة، أو إثنية، أو مجموعة استهدفته لأسباب شخصية، إلا أنها (تنبّه) وبقوة إلى أن خداع النفس بأننا (بخير)، و(معافون) سيجر إلى كوارث أكبر.
    هذه جريمة ليست عادية. تشبه جريمة (اغتيال) محمود محمد طه. فهنا، كما هناك، المدية في مواجهة الورقة، والمقصلة في مواجهة القلم. (الجزّار) في مواجهة الفكر. فهل نعترف بأن هناك مشكلة عميقة، في مناهجنا، وفي تربيتنا الدينية التي ربما تكون (ساذجة) في بعض جوانبها، وفي تربيتنا الوطنية المنقوصة، وفي هجراتنا واستلافاتنا من (هناك) فكراً لا يشبه مجتمعنا، وفي وجوه كثيرة من حياتنا، تحتاج فعلاً لمراجعة معمقة؟


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=11&...ction=article&id=204
                  

10-07-2008, 04:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    مع الدكتور حيدر إبراهيم



    بقلم: الطاهر حسن التوم
    رئيس التحرير
    [email protected]

    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    - من هو حيدر؟
    * عاملان أثرا على نشأتي وتكويني، القرية في القرير والعيش في (قشلاقات) البوليس حيث تنقل بها الوالد كثيراً .. أثر القرية بائن تقريباً، من المشهور عن الحضارة الشايقية مسألة الطورية والعسكرية وهي أسس الحضارة بالطبع، المعمار والأمن.
    مولود في العام 1943، تأثرت بجدي المرحوم أحمد بابكر وأهديت له لاحقاً رسالة الدكتوراه، كان عسكرياً وشاعراًَ ومزارعاً و(فكي) في آن! رجل دين وكنت دائماً في حياتي الأولية أمضي الإجازة معه، حيث يوليني الاهتمام.
    درست الوسطى في مروي 1954.
    - التنشئة الحقيقية وفترة التشرب بالأفكار؟
    * التنشئة الحقيقية هي التربية في القشلاق -كما ذكرت لكم-. أنا لم ألتقط الاشتراكية من كتب ماركس وغيره، ولكن عشتها حيث لا وجود للملكية، حتى الآن لا استطيع أن أقول (ده حقي)!!
    الناس تأكل مع بعضها، وكل إنسان له الحق في أن يتدخل لتربيتك وتقويمك..
    عشت في سنار وعطبرة ودنقلا العرضي والقضارف و..و...
    المدرسة دخلتها في عطبرة حيث خدم الوالد في السكة الحديد.. ودي كان فيها تكوين بفتخر بيهو جداً.. بدأت معالم الأنانية وحب التملك تذوب هناك..
    - قد يكون للأمر مثالبه من منحى آخر!
    * (يمكن تكون حاجة ما كويسة المسألة دي)، خصوصاً عندما تعلم أنني من أوائل المغتربين، ومع ذلك وحتى الآن لا أملك منزلاً .. وبمشي بالمواصلات وبقعد في بيت الأسرة الكبير ونؤجر مرة .. يمكن الأنانية فقط متمثلة في الكتب..
    - طيب نواصل رصد المشوار..
    * بعد كدة جات الداخليات .. ذهبت إلى ألمانيا في العام 1971 ووجدت نفسي في بيت طلبة يضم الفوضويين، التروتسكيين، الهيبيز وغيرهم وغيرهم! سكنت معهم.. درست بهايدلبيرج وفرانكفورت وهنا أيضاً لم يكن لمسائل الملكية وجود!
    - نحس بقفزة هنا..!
    * طيب.. أنا قريت كلية التربية هنا لمن كانت معهد المعلمين، واشتغلت مدرساً لي فترة قصيرة وطلعت، القفزة من القشلاق للداخليات بألمانيا حاولت أربط بها مسألة الوجود الدائم في أوساط تعمل بنسق محاربة الملكية الذي ذكرت ..
    بيت الطلبة يتكون من أحد عشر طابقاً، قمنا باحتلاله مرة تحت شعار (الرأسمالية تؤذينا ويجب أنا نؤذيها) .. قررنا ألا ندفع أي فلوس لأن ألمانيا دولة رأسمالية.. استمر الاحتلال لما يزيد على العامين.. والجو العام هناك داخل السكن كان يتم وصم أيما طالب (يلقوهو داخل جوّة الدولاب وبيقرقش حاجة وللا كدة) بأنه (برجوازي قذر)!!
    - اهتمامك بالسياسة، متى بدأ؟
    * بقى عندي اهتمام بالسلطة منذ وقت مبكر.. على أيام انقلاب نجيب كنت في (الكتّاب) والوالد كان يدعم اهتمامي بالقراءة، كان يشترك لي في المكتبات وأصبحت أقرا عن الثورة المصرية، أهلنا في ذاك الزمان كانوا شغالين في (هيئة عمال قناة السويس) وعادوا.. وجدت لديهم كتباً كتيرة جداً، كانوا شيوعيين ووجدت عندهم كتب مكسيم جوركي وتولستوي و.. و.. أصبحت معجباً بالاشتراكية منذ وقت مبكر جداً.. الاعتداء على القناة في العام 1956 كنا في القضارف وقامت مظاهرة فيها عشرة إلى 12 متظاهراً قالوا بعدها للوالد (ولدك ده شيوعي). كان هم الوالد ساعتها أن أتم الثانوي فقط وبعدها أمشي البوليس .. غير أن أحد أقاربي اقترح له التجارة الثانوية.
    كنت شغال (بي طريقتي) في القراءة والاطلاع حتى أكملت الثانوي .. كان لدي زميل دراسة اسمه الخليفة الحسن –ترقى حتى وكيل وزارة في الصناعة- نصحني (ياخ نحنا ما نمشي معهد المعلمين، بيدو مرتب 21جنيه وريال) فصل لي المرتب كلو في ورقة وقلم.. فعلاً ذهبت والمرتب كان بالنسبة لي (حاجة مريحة)..
    - طيب، طبيعي راوحت في الفترة ديك كتير من الأفكار!
    * نعم.. أصبحت بعدها أقرا أكثر.. اكتشفت الفكر الوجودي .. جذبني بفكرة الحرية.. أصبحت لي (حاجة هامة)، وتعرفت في ذاك الوقت على الأستاذ محمود.. كان لدينا (ميز) في الثورة، وأصبحت أداوم على حلقاته، وكان لديه جوار عمارة أبنعوف مكتب ويقوم بإلقاء محاضرة كل أربعاء، تعرفت على محمود، أفكاره (ما جذبتني شديد)!!.. لاحظت فيهو جانب توفيقي كنوع من الحداثة.. الحاجة التانية التي أبعدتني عنه موقفه من حرب يونيو والثالثة علاقته مع نميري.. المهم أصبحت أتابع التيارات كلها لكن مالفت انتباهي مسألة الفكر الوجودي.. فلذلك قمت مرة بتعريف تكويني الفكري بأنني (ماركسي، صوفي ، وجودي) والحقيقة حتى الآن ده تصورى..أنا ماركسي ولست شيوعياً.. ماركسي من ناحية النظرية الاجتماعية وتفسيرها للمجتمع والمسألة بتاعة الوجودية للحرية ومسألة التصوف أنا (بربطه بالاتنين ديل) ..
    - نرجع لي معهد المعلمين؟
    * على أيام معهد المعلمين كنت أمارس وجوديتي في طريقة اللبس، الناس يسموها بهدلة يمكن، لكنها كانت طريقتي.. طلعت بامتياز في التاريخ، ومفروض استيعابي كمعيد، فالعميد رفض، كان -الله يرحمه- محمد توم التجاني، رفض رفضاً باتاً، لم يحكم بالنتيجة الموجودة ولكن حكم بالشخص.. الناس في القسم (ما كانو موافقين)..
    - والهجرة.. متى بدأت التفكير جدياً للهجرة نحو أوروبا؟
    * بعد النتيجة بدأت مسألة التأهيل للناس الذين أحرزوا تقديرات، انتسبت في ذلك الوقت لجامعة القاهرة، مكثت في الانتظار حتى العام 1977 دون رد!!.. حزت في العام نفسه على ليسانس اجتماع من جامعة القاهرة وبعدها قررت أن المسألة طالت.. واحد من أساتذتنا الذين درسونا التاريخ الدكتور محمد علي مختار -الله يرحمه- درس في باريس، وأنا بالخلفية الوجودية قلت له: أنا داير أمشي أقرأ في باريس! قال لي: (لو عملت شهادة لغة ولاقيتني في أي صيف في فرنسا بلقى ليك منحة)! فعلاً عملت كورسين لغة..كنت في ذلك الوقت أسافر أوروبا كل صيف (بي نظام الهيبيز داك، خاتي شنطتي ورا ضهري أركب الباخرة من اسكندرية لليونان بي 3 جنيه وأصلاً عندي تسريح سفر لغاية حلفا.. بمشي أوروبا)
    كانت لدي خبرة كافية.. (المرة دي كان عندي شوية قروش)، عملت توكيل بي مرتبي لروجيه عبد السيد وقطعت تذكرة طائرة بمبلغ 60 جنيه الخرطوم أثينا، مكثت بها من 4 – 5 أيام .. ذهبت إلى براغ ووجدت بها عدد من الطلاب الذين درّستهم في بحري الثانوية .. (كانت قفلت معاي في السودان حيث انحصرت خياراتي وقتها بين (تنتحر، تتصوف، تهاجر).. الطلبة الهناك نصحوني بالدراسة في التشيك واقتربوا من إقناعي.. وجدت كذلك نصحاً من الملحق الثقافي وقال لي إنه بصدد تجهيز منحة لي.. حيث إنه لا يوجد مستفيد من المنح سوى طالب واحد هناك هو عبد السلام نور الدين..(ف..تقعد)..عشت معهم هذه الفترة .. كانت قناعتي أنني يجب أن أدرس في بلد غير اشتراكي حيث استطيع أن أسبه بدون تحفظ وفي نفس الوقت أن احتفظ بالصورة الجميلة للاشتراكية، لذا طلبت منهم بعد مدة: (خلوني أطلع لي بلد تاني)! وعرفت أن أقرب طريقة هي فرانكفورت.. لم أكن أملك لحظتها سوى 25 جنيه استرليني بنفس الطريقة ساعدني أحد الزنوج الأمريكان في الوصول لأطراف فرانكفورت، اذكر أنه عسكري كان.. كانت أيام غريبة ولهذا حينما يسألني دائماً الناس عن المركز مصادر تمويله أقول لهم: (أنا جيت للدكتوراه بي 25 جنيه استرليني)!!
    ....ضحك
    - العمل وتدبير المعيشة مع هذا الإدقاع المالي الذي تحكي عنه؟!
    * في فرانكفورت قابلت سوداني وأثناء الونسة قال لي: أنا أعرف زول اسمو علي الشيخ مشيت معاهو ... استفدت منه ومن خبراته ومعرفته بالبلد، كنت شايل كرت الطلاب الدولي أدوني كرت للسحب في العمل.. وجدت عملاً بالرغم من أني سحبت الرقم 13 .. وهو رقم يتشاءم منه الأوروبيون! الشغل كان 3 أيام بمعية مصري اذكر أن اسمه جلال عبد الفتاح من ضباط حرب 73 وكان في طريقه للعاصمة الإنجليزية لندن، تعرفنا على بعض.. وكنا نعمل مقابل 6 ماركات عن الساعة.. قررت أستقر بألمانيا وعدلت عن الذهاب لفرنسا، دخلت كورس بتاع لغة ألمانية، المهم مررت بظروف صعبة، أحياناً كان يمر أسبوع (ما تلقى شغل)!!
    - هل تميّز لك أي حضور اجتماعي أو نشاط سياسي في تلك الفترة؟
    * علاقتي صارت قوية بالفلسطينيين وارتبطت بهم أكثر من السودانيين، لدرجة أن رشحوني لاتحاد الطلبة العرب وفزت.. أصبحت كأني فلسطيني وبديت -زي جاني اتجاه كدة– أن أعيش كأوروبي، ما تصادق سودانيين.. كنت مندمج تماماً واهتمامي بالنواحي الثقافية أكثر وكذا السياسية، عندما جاء انقلاب شيلي كونّا لجان.. كذلك كونّا لجنة لدعم الحركات الثورية في جنوب الجزيرة العربية نرسل الأدوية ولقيت نفسي فجأة كدة مندمج في الانترناشوناليزم الأممية الحقيقية..
    أنا في الفتره دي جلبت الكتب وأصبحت أقرأ في أوقات الفراغ، وحزت على قبول لكن بيشترط اللغة. أخدت إقامة وإذن عمل بعد أن امتحنت اللغة ونجحت. قررت بعدها الذهاب لهايدلبيرج بعد مخايرات مع فرانكفورت وجامعات أخرى..
    - .....
    * الشغل بتاع المصانع والسفر علمني الاستيقاظ مبكراً وهي عادة أواظب عليها حتى الآن..الساعة الخامسة أبدأ في ممارسة عملي وساعتي البيولوجية (بقت شغالة كدة)، الشاهد سجلت في هايدلبيرج لماجستير سوسيولوجي وكنت ميال إلى أن اشتغل موضوع عن الأفريكان سوشاليزم،كان هناك غاني اسمه (أساماوا) هو المشرف على هذا الكورس - الغريبة وأنا أشاهد كاس العالم الأخيرة وجدت لاعباً ألمانياً من أصل غاني يحمل نفس الاسم (أساماوا) فلم استبعد فرضية أنه ابنه- المهم في ولاية هايدلبيرج فاز الحزب المسيحي بها أيامها وهم مجموعة محافظين، لم يتوانوا في إغلاق المعهد بحجة شيوعيته.. كانت الوجهة بعدها نحو فرانكفورت، أثناء تقليبي في المكتبة وجدت كتابات لرجل اسمه اندرياس فلومينبيرج كلها عن السودان ويقوم بالتدريس في جامعة فرانكفورت، فطوالي نقلت اسمو.. اتصلت بالمعهد أسأل عنه وحددت لي مواعيد معه.. دخلت عليه وعندما عرف بسودانيتي قال لي: (أنا داير يوم واحد من السودان يقول لي عاوز أقرا في المانيا)!
    قلت ليهو: أيوة..
    اقترحت عمل ماستر في الأفريكان، سألني عن أصولي وكان قد عمل في ترحيل أهالي حلفا مع اليونسكو وله دراية كاملة بالبلد.. ألهمني هذا الرجل أن اشتغل في موضوعة التغيير الاجتماعي عند الشايقية .. له منطق دائم هذا الرجل أنه (مافي موضوع تافه في الدنيا، أي حاجة بتعتمد على الطريقة بتاعة التناول)!!.. طلعت مرتبك وجيتو المرة الجاية قلت ليهو: (خلاص بشتغل عن الشايقية بمرجعية خاصة قرية القرير).. قال لي: (خلاص ابدأ اشتغل) .. طبعاً لا وجود للمحاضرات، الطريقة عندهم مثل رواقات الأزهر في سابق العصور، سمنارات وورش.. أخذت في دراستي مناهج العلوم السياسية والأمريكانية بالإضافة لي شغل السوسيولوجي..
    المهم قعدت عملت الشغل الكويس في السمستر الأول قام قال لي: (أنت ذكي جداً بس تسمع الكلام داير اقترح ليك حاجة) .. (عندنا نظام تحقق عبره البي اتش دي مباشرة دون الحاجة لدرجة الماجستير لكن إذا لم تنجز تظل في نفس درجتك العلمية وهي البي إيه)!! سألني عن إمكانية المخاطرة؟!.. حيث إن الماستر لديهم هي خطوة فقط يتعلم عبرها الدارس طريقة الكتابة.. بالفعل أكملت الدكتوراه في العام 1978 وفقاً لهذا المنهج..
    - محطات على طريق رسالة الدكتوراه؟
    * كان من المفترض أن أنال الشهادة في العام 1977، غير أن أحد الزملاء ويدعى (شتريك) جاءني بعرض لطيف حيث ذكر لي حاجتهم لمغامر قلت ليهو: (ما بتلقى أحسن مني)! قال لي: (في عربات دايرين يعملو رحلة السودان ودايرين سوداني مترجم .. حكيت له عن ظرفي ورسالة الدكتوراه التي أحاول إنجازها، غير أن روح المغامرة كانت غالبة عندي.. استشرت الدكتور المشرف وأخبرني بأنه لا توجد مشكلة!!.. كانت طبعاً من أجمل الرحلات في حياتي ولن أنساها.. 100 يوم من عمرنا قضيناها داخل العربات، لمدة 3 أشهر وعشرة أيام نحن نراوح المدن الكبيرة، القرى، الصحارى، الغابات، الأحراش، الواحات والمناطق السياحية، نزلنا سويسرا وعبر البحر المتوسط ذهبنا إلى مصر على أيام انتفاضة (الحرامية) زمن السادات، نزلنا المحس، القرير، بيوضة، أم درمان، سنجة البيبور، ملكال و.. و.. عملنا منها 5 أفلام ..
    ....والله الليلة أثرتم فيّ ذكرى أيام جميلة جداً..
    - من قام بتمويل هذه الرحلة؟
    * هناك شخص يُدعى (فالتر فيلز) وهو ممثل فاشل، لكن وسيم، تزوج بنت أحد ملّاك مصانع البيرة في شمال ألمانيا.. في ألمانيا هناك حيلة يتهرب بها البعض من الضرائب لأن القانون يعفيك منها عندما توظف مداخيلك لأعمال ثقافية.. الفيلم الذي قمنا بتصويره في هذه المناطق طلبوهو في البرنامج التاني 6 مرات، جميل وموسيقى تصويرية راقية.. وجدنا السواقي تهدمت عملنا ساقية جديدة، عملنا حفلة (زار) ومشاهد كثيرة..
    كانت رحلة عملت وساهمت في تفتيح أفقي .. المهم جيت بعدها.. أكملت الرسالة في مايو 1978.
    - دكتور حيدر لم ينتم سياسياً؟
    * الحرية.. أنا اعتبر أن التفكير داخل الأحزاب هو تفكير قطيع لا يسمح بالفردية وهذا جانب من جوانب شخصيتي!
    - وأنت ماركسي لماذا لم تصبح شيوعياً؟
    * لأنو أنا ما بعتبر الشيوعيين ماركسيين.. أنا قلت ليك في فرق بين الماركسية والشيوعية.. يمكن أن تكون ماركسياً دون أن تكون شيوعياً.. والعكس.. أنا ببشر بيها.. الفرق الشيوعية حزب سياسي عندو بعض الشعارات الماخدها من الماركسية واكتفى بهذه الشعارات يعني في حالات كثيرة جداً الأحزاب الشيوعية بالذات في البلاد العربية الماعندها المصادر المباشرة للفكر بتاع ماركس لم تتعب نفسها بأنها تحول شعاراتها لفكر!
    - علاقتك بالعروبيين؟
    * ارتباطي بهم ليس كسياسيين وإنما من خلال عملي في الجمعية العربية لعلماء الاجتماع، أنا من المؤسسين، كنت أمين عام لها فترة، وعملي في الإمارات من 80 حتى 1987 لم أكن أستاذاً جامعياً فحسب،كنت أكتب في الصحف والمجلات، لذلك تعرفت على عدد كبير من المفكرين.. وكانت تصلني دعوات كثيرة للكتابة وإلقاء الندوات، فصلتي ثقافية وأكاديمية بهذه المجاميع، في العام 78 كتبت في دورية آفاق البعثية عن تطور البرجوازية السودانية ومنذ ذلك الوقت في ناس أدوني (ليبل) بتاع بعثيين!!
    - الفردية في حياة دكتور حيدر؟
    * الطفل الذي مباشرة جاء بعدي جاء بعد 8 سنوات، يعني لو كنت عاوز أرضع 8 سنة كان..
    ضحك..
    كان عندي عدد كبير من الحبوبات لذلك صارت الفردانية طاغية عندي، حتى اللحظة - لو عاوز تجنني قول لي نعمل لجنة - أصلو ما بشتغل مع لجنة!
    أتذكر لما كنا في جامعة الأمارات يطلبوا منا تكوين لجنة المكتبة مثلاً يجيبوا لينا فأنا كنت أطالبهم بعمل المهمة كلها لوحدي، فكان رئيس القسم يصفني بأني (ما متعاون)، أقول ليهو: (أنت مالك ومال تعاوني أنا بنجز ليك)!!..
    أنت ما بتبحث عن التعب لمن تلقى ليك كم نفر يشيلوا منك عبء عمل لكن تضمن أن يُنجز بصورة بيرفيكت.
    - طيب وشراكة مؤسسة الزواج، ألم تسهم في تقليل حدة المسألة؟
    * لدي 3 أخوان و3 أخوات كلهم يتعاملوا معي كأب.. وهذا جعلني أتعقل كثيراً في تكوين أسرة .. تزوجت في العام 1981 فتاة كانت قد اُقترحت لي سنة 1970، من منطقة القرير نفسها وأنجبت منها مظفر وأنديرا .. طبعاً أنا معجب بي نهرو جداً..
    لاحقاً وعندما صار لي أولاد عرفت (قصة قرة العين دي)، كنت أشرف على تربيتهم وأتأمل في طفولتهم وأتعامل معهم كأني من جيلهم!! اتخلقت علاقة غريبة جداً.. الفردية اتكسرت لكن متأخراً!!
    (أكون قاعد بعمل في شي مظفر يكورك لي: يا بابا تعال في فيلم خلى أي حاجة، وفعلاً أستجيب)!! ..
    - طيب ومع انكسار الفردية تظل بلا انتماء حزبي؟!
    * يعني يرسخ من مناهج تربيتي الأولية أنني تربيت أول حاجة يكون عندك فكر نقدي شكوكي، هو ما يجعلني أتساءل دائماً: ليه كدة؟ وهي أسئلة لا يصح النطق بها عندما تكون في مهمة حزبية مثلاً!! هي أشياء أقرب للعسكرية ما عليك سوى التنفيذ!
    لذا وبرغم انكسار الفردية لدي فهي لم تكسر بالشكل المطلوب وإنما اتخذت شكلاً مغايراً فقط تظل معه مسائل الانتماء الحزبي شبه مستحيلة.
    - ثمة وجه شبه بالمركزية؟
    * ما بالضرورة الفردية تعني المركزية، في بعض المرات تتكون مراكز قوى من بعض الأفراد، هذه جماعية ولكنها مركزية في ذات الوقت!!
    - التصوف الذي حدثتنا عنه مبتدأ.. كيف يتبدى مظهره عندك؟
    * اشتغلت في الإمارات 7 سنة لم أكن أعرف خلالها كم هو مرتبي.. فقط عرفته عندما طلبوا مني شهادة مرتب لغرض استقدام الوالدة!!
    ولاحظ كمان الابتعاد عن الوظيفة الحكومية وتشعر أنها تكتفك، هذه كلها من أشكال الصوفية، ابتعد عن العادات، المتعة الوحيدة التي أمارسها هي القراءة والموسيقى، أنا اعتبر العادات هي نوع من العبودية والمتعة عندي حقيقة روحية، أهم ملامح صوفيتي تتبدى في أن أهم شئ أنه ليس لدي حكم خارجي لأفعالي لا أسمح لأي حكم..
    ده مبدأ صوفي أكيد، مرآتك ليست الخارج!!
    التدين مهمته أنك تتسق، داخلك وخارجك (يكونو سوا) ووظيفته إلغاء التناقض.
    - النص لما يأمرك وينهيك بتتعامل معاهو كيف؟
    * النص ما فيهو قيم أخلاقية عالية، الأمر والنهي هي قيم أخلاقية..
    - أنا قصدي ده مؤثر وافد من الخارج؟
    * طيب والداخل حقي تكون كيف؟ ما هو من جماع الأشياء دي كلها..
    - نعود للحديث عن الاتساق الداخلي والحكم الخارجي؟
    * يفترض أنها ما يكون هناك تصادم، الدين مرتبط بي عملية الخير والشر، السؤال لو وجدت الوسائل التي يمكن أن تجعلك أكتر خيراً ولست ميالاً لعمل ما هو غير أخلاقي.. هناك فهم مغلوط في التيار العام حيث يكفي الشكل في الدين.. لكن أنا دايماً بقول (ما بيكفي نعمر المساجد إنما نعمر داخلنا بالمساجد) .. دي النقطة الداير أوضحها ليك..
    هناك سؤال كثيراً ما يطرح عن الشعائر، أنا اعتبره سؤال (محاكم تفتيش) أكثر من كونه سؤالاً فكرياً لأن المسألة هذه للكل رؤيته.. سؤال الشعائر نتركه لي صاحبها البيحاسب عليها.
    هذ المسألة أنظر إليها من ناحية مقابلة على أن هناك أيضاً عملية شخصنة غريبة في مجتمعاتنا، في أوروبا والمجتمعات المتقدمة لا تناقش سوى الأفكار أما المسائل الشخصية فلا يمكن أن تجد مكانها! في ألمانيا مثلاً هناك فيلي براند كان ابن سفاح لكنه زعيم للـ(سوشال ديموقرات) ووصل لدرجة مستشار لكن عندنا هنا نسأل: (ده متين عمل ثوري ما أمه زمان كانت بتشد المريسة وللا أبوهو كان قُمرتي)؟؟!!
    العرب تقول خذ الثمار فأما الحطب للنار.. شخص مثل أوسكار وايلد منحرف.. (هومو سيكشوال) معروف.. يعني أقول ما بقرأ ليهو؟ المسألة تم تجاوزها في أوروبا لأسباب عديدة منها أنهم موضوعيون ويحترموا فردية الشخص، فلذلك الحاجتين ديل جعلوا المسألة ليست مثار جدل.
    - درجتم كماركسيين تبريراً أو تفسيراً أنها لا تتعارض مع الدين؟!
    * ده ما تبرير، أنا حسب فهمي.. إيماني بالماركسية جاء بها كنظرية اجتماعية واعتبرها واحدة من النظريات الكبرى التي استطاعت أن تفسر تطور المجتمعات.. الماركسية اكتشفت الجانب الاقتصادي في تطوير الحياة الإنسانية ومسألة الصراع الطبقي.. فلذلك مدخلي خاص بهذا التفسير، وهذا قاد لأن تكون النظرية الاجتماعية متقدمة أو تصاعدية.. النظريات التي كانت قبلها نظريات دائرية للتاريخ، التاريخ لديه دورة تنتهي وتليها أخرى.. الماركسية تعتبره صاعداً برغم أنه يمكن أن يكون صعوداً حلزونياً، يعني تأتي فترات ارتداد لكنه ليس ارتداد نهايات.. تكون هناك قفزة، يعني التاريخ عندها ليس دائرياً كما هو عند ابن خلدون ولا هو خطي.. هو متقدم لكن يتقدم بالطريقة المذكورة.. هذا ما جذبني لها كنظرية اجتماعية.. الماركسية لم تتعامل مع الدين على أنه تفكير وفعل بشري ما عنده معنى وأفيون شعوب زي ما بيتردد.. البيقرا الماركسية بيلقاها أصلاً قايمة على (إلغاء الاغتراب).. الإنسان ما يكون مغترب لديه انفصال من العالم حواليه.. بالنسبة للعامل كانت تعتبره مغترب من أدوات إنتاجه، وعن علاقات الإنتاج الموجودة وبالتالي يتم استغلاله.. لأنه لا يرى مردود عمله.
    اعتبرت الإنسان مغترباً في الدين نفسه لأن الكنيسة كانت وسيطاً، لكنها ليس في مسؤولياتها أو همومها ومشغولياتها أنها تحارب الدين، وكذا لأنه أصلاً هي ليست نظرية ميتافيزيقة .. يعني ليس لديها صراع مع السماء.
    - أحياناً تتبدّى كنظرية مفرطة في المثالية!
    * الماركسية درست فترات في التاريخ، الإنسان لا يعرف فيها الملكية الفردية.. ليس من فطرة الإنسان أن يكون أنانياً ومالكاً وهذا هو الجانب الذي انبنت عليه الماركسية نفسها.. الماركسية فيها الجانب المادي التاريخي ده والمادي الجدلي.. بعدين دي فكرة متدينة جداً وعندها ثقة قوية في الأنسان.. بالمناسبة المادية رغم ما توصف بها اعتبرها أكتر فلسفة بتحاول تجعل الإنسان إنساناً.. ماركس لم يرغب في منافسة السماء، وإنما يريد أن يرجع الإنسان لإنسانيته.. مفروض يعيش بدون معاناة وفي مساواة وكل حاجاته الأساسية يحصل ليها اكتفاء وإشباع، الماركسيون هم الوحيدون بالمناسبة الذين كانوا يثقون في قدرة الإنسان، أي إنسان ممكن يكون بيتهوفن في حال تهيأت له الظروف.. ماهم بيتكلموا عن إنو الرأسمالية (تُحَيْوِنْ) الإنسان، لكن لو حصل إكمال إنسانيته بأن يجد الفرصة لذلك فإن كل الناس بيبدعوا.
    لذلك هناك جانب وللغرابة كل الناس الذين يتحدثون عن الماركسية لم يتنبهوا له؛..واحدة من الحاجات التي تقول بها الماركسية بخلاف مسألة المساواة والحاجات الأساسية: (أن يكون للإنسان وقت فراغ أطول).. ده واحد من الأصول الماركسية الهامة.. فعلاً فلسفة روحية وإنسانية لآخر مدى.


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=11&...ction=article&id=198
                  

10-07-2008, 04:34 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    في الهوية الثقافية.. مدخل لمناقشة الدكتور عبدالله بولا (1)
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك


    خالد عويس
    [email protected]
    تستدعي الأطروحة المعمقة الموسومة بـ“شجرة نسب الغول في مشكل (الهوية الثقافية) وحقوق الإنسان في السودان، أطروحة في كون الغول الإسلاموي لم يهبط علينا من السماء” للدكتور عبدالله بولا، مناقشات مستفيضة، و”استطرادات” من قبل الباحثين، لما بدأه د. بولا، وصولاً إلى “فهم” مشترك حيال الأطروحة.
    ولعل نقطة جديرة بالنقاش، كمفتتح لهذه الأطروحة، التي أراها غير بعيدة عن نقاشات الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان، هي كيفية “جعل مثل هذه المناقشات متاحة لقطاعات واسعة من الشعب السوداني” حتى لو تمت الاستعاضة عن “لغة البحث العلمية بـ”لغة تحوي قدراً من التبسيط والشرح للمصطلحات العلمية، والأفكار ذاتها”.
    وهذا بحد ذاته، يحتاج جهداً في مضمار الإقناع الواسع بضرورة الانتقال إلى “عقل ناقد” ومنفتح على المدارس النقدية، وأولويات المراجعة العميقة. بعبارة أدق، وبصيغة سؤال: كيف السبيل إلى بناء “ثقافات شعبية ناقدة” في السودان، وقادرة على طرح فرضيات مختلفة حيال المسائل الثقافية، عوضا عن اليقينات والمسلمات؟!
    وفي هذا الخصوص، يبدو لي أن مدخلي إلى مناقشة ورقة د. بولا، ستكون الشواهد التي لا تحصى عن الاستعلاء اللغوي -بحسب د. بولا- والعرقي والثقافي (والإضافة من عندي) من “الحياة اليومية العادية على قيامه في البنية الذهنية في كلا مستويي الوعي واللاوعي. يكفي في هذا الخصوص تعبير “غلفة اللسان”. وهو مع أنه مفهوم عام يسري على كل من لا يتحدث العربية “النظيفة”، إلا أنه يقترن أكثر ما يقترن بمفهوم العبودية السوداني” عبداً لسانه أغلف” و”عبداً أبلم” و”الطين في طينه والعبد في رطينه” “ [شجرة نسب الغول ص 15].
    والحقيقة إن مثل هذه المفاهيم تسري على أوجه كثيرة في حياتنا، وتقع ضمن “المسلمات” من دون أية مراجعات أو على الأقل “ملاحظات ناقدة”، وتؤثر حتى في الآمال المعلقة على السلام والوحدة في السودان. ويتوجب في هذا السياق أن نوجه عنايتنا وبشكل كبير إلى “الأمثال الشعبية” و”المفاهيم” التي لا تخلو من تأكيد هذه المعاني الاستعلائية، وتفصح عنها بشكل لا يستدعي اللبس، مثل “عبداً بي سيدو ولا حراً مجهجه”. والحر هنا بطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون “ود عرب”، وإنما سيأتي ذكره لاحقاً فيما يتعلق بأخلاف أسلاف كانوا “أرقاء” وأعتقوا. ويعني - في تقديري – رغبة مضمرة في استمرار الاستعباد بأشكال مختلفة، لأن الحرية “مجهجهة” !!
    ويمكن كذلك قراءة النكات - والتي لاقت رواجاً كبيراً في هذه الفترة من خلال مجموعات “فكاهية” – ومدى “تقبلها” في هذا السياق، وهي تستبطن أيضاً في بعض جوانبها استعلاء. وفي هذا الجانب أيضا، تقوم - ما يمكن أن أصفها بالذائقة الجمالية المستلبة إلى حد ما ولا أدعى بأنني اقتحم ميدان فلسفة الجمال - باجترار “المفاهيم العربية” حول لون البشرة، والزراية باللون الأسود، وتوجيه المثالب كلها إليه. بل إن المفاهيم هنا تستبطن بل وتصرح علانية أبيات المتنبي التي يبشّع فيها بكافور الأخشيدي مثل :
    لا تشتري العبد إلا والعصا معه.. إن العبيد لأنجاس مناكيد
    في تأكيد انحطاط “العبيد” والمصطلح مرتبط بطبيعة الحال بـ”الزنوج” !!
    إن نسقا “مضمرا” بل ومصرحاً به على هذه الشاكلة في الثقافة، كفيل بالقضاء على أية بادرة لـ”المواطنة” و”التعددية”، ناهيك طبعاً عن الاقتباسات التي ساقها د. بولا، مع تحليل لسياقاتها الثقافية. ولا يغيب عن حيز البحث أيضا، الاسقاطات السياسية الواضحة في هذا الخصوص، حين يكون هذا المدخل وحده، دالاً على إقصاء الآخر (د. قرنق مثلا) في العبارات الدارجة والاستنكارية في إطار المحاججة وفي صيغة سؤال “كيف يحكمنا هذا العبد” ؟.


    في الهوية الثقافية.. مدخل لمناقشة الدكتور عبدالله بولا (2)
    خالد عويس
    [email protected]

    لي أن أنبه في سياق مدخلي للمناقشة، إلى ما أسميه “هامش الهامش” إذا جاز المصطلح. والمرء لا يعوزه عناء كبير للاتفاق مع د. بولا، بأن “الزنجي” في السودان هو “عبد” بالضرورة، في “النسق الثقافي” للعربسلاميين (والمصطلح للدكتور بولا)، لكنّ ثمة “مغيبين” عن المشهد، هم أولئك الذين جيء بأسلافهم منذ عشرات السنين كـ”أرقاء”، وأعتقتهم القوانين، وربما أيضا انحسار مفهوم “الرق” في “صيغته القانونية”، لكن لم يُعَد إلى أخلافهم الاعتبار إلى غاية الآن. ويمارس بحق هؤلاء استعلاء عرقي وثقافي فائق، على الرغم من إسلامهم أو “أسلمتهم”، لكن الإسلام ذاته لم يشفع لهم لدى “سادتهم”. ومفهوم السيادة ما يزال ماثلا إلى غاية الآن على الرغم من انتفاء صيغته القانونية، لكن حصول هؤلاء الأخلاف على أبسط الحقوق ما يزال بعيد المنال، لأن غالبيتهم لم ينالوا تعليما يذكر، ولا يسعون - بالتالي - للمطالبة بها، كما أنهم لا يملكون أراضي زراعية (في الإقليم الشمالي مثلا) أو مصادر أخرى للرزق.
    وثمة أحياء تتألف من بيوت رثة في هوامش عدد كبير من المدن السودانية تضم هؤلاء، ويقومون في الغالب بالعمل في البيوت، ولدى الآخرين في أعمال البناء والفلاحة، والرعي، وصنع الشاي والقهوة، وربما صناعة الخمور في شروط إنسانية بالغة التعقيد. هؤلاء ينسحب عليهم مصطلحا “عبد” و”خادم” في ظل قبول من جانبهم تحتمه المصالح الاقتصادية، وربما الغلبة الاجتماعية والثقافية في تلك المجتمعات، وهي ظروف ليست في صالحهم.
    هذه المسألة برمتها، ومناقشاتها -خصوصاً في ما يتعلق بضرورات النقد والمراجعة -تبقى قدرتها على إحداث تغيير حقيقي، رهناً بمراجعة شاملة و”نقدية” للمناهج الدراسية في السودان. لا يتعلق الأمر بالتعريب “القسري” فحسب، وإنما في فرض ثقافة بعينها، بكل “إسقاطاتها” و”أنساقها المضمرة” وهنا بيت رئيس للقصيد. لا يتعلق الأمر فحسب، بالسماح بتدريس اللغات الأخرى في السودان، وإنما أنْ تحوي المناهج الدراسية قدراً غير قليل من “البناء المعرفي النقدي”، والاستعاضة عن مبدأ التلقين والتحفيظ، و”اليقينيات” وكون المدرسة والمعلم، مصادر نهائية للمعرفة . وتأهيل “المعلم” ذاته يبقى قضية مفتوحة للنقاش، إذ لا تستقيم مثل هذه الدعوة، في ظل “تعليم جامد” ناله المعلمون أنفسهم.
    التشوهات التي لحقت بأجيال تالية توّلدت عن انتقال خبرات غير مدعومة برؤى نقدية من أجيال سالفة، فتعاطي الأجيال مع بعضها عملية تلقينية بالكامل تتمحور حول محاور شيخ الطريقة -المدرسة-الأب- زعيم الحزب، أو يمكن القول بأنها دينية، تعليمية، اجتماعية تفرّخ أجيالاً غير قادرة على وضع لمسات حداثية عبر اتجاهات وطرائق جديدة للتفكير في ما عدا التقنية، أي أن الذهنية نفسها استبطنت النسق المتكامل المضمر في أنسجة المجتمع المستلهم للتراث الديني والثقافي والاجتماعي [مقال: مرئيات لمناقشة اختلالات البني السودانية وتفكيك العقل المستعار (1) - خالد عويس/ الزمان اللندنية 13/2/2002].

    في الهوية الثقافية.. مدخل لمناقشة الدكتور عبدالله بولا (3)
    خالد عويس
    [email protected]

    كيف نبني “العقلية الناقدة” المتطورة باستمرار؟ هذا هو السؤال الذي علينا أن نثابر على طرحه، ونحاول الإجابة عنه. فالنسق الثقافي، مؤثر جداً، وقادر على التأثير مستقبلاً، إن لم تشكل “الأسئلة القلقة” بل والقناعة بجدواها، إشكالية له (النسق الثقافي). وهو، في طبيعته الساكنة و”غير القلقة” يستمد صلابته “المعرفية” من تراكم ما يمكن وصفه بـ”الوصايا”، وأدعوها كذلك، لأن النسق الثقافي يضمر أيضاً تبجيلا منقطع النظير لآراء الكبار (الآباء، أئمة المساجد، المعلمين، شيوخ العشائر، وحتى زعماء الأحزاب) ويكاد يصل بقناعاتهم لمقام التقديس.
    وتبقى قدرتها على إحداث تغيير أيضا، بمدى قدرة الإعلام والمؤسسات الثقافية على إدارة حوار جاد وعلمي حول “الثقافات السودانية” وأنساقها المختلفة، و”تنمية” العقل الناقد.
    بالطبع، لا يمكن مناقشة المسألة - هذه المسألة شديدة الارتباط بالنسق الثقافي- بمعزل عن أن “ العقل السوداني نفسه لم يظهر إلي الآن عناية بحضاراته القديمة وحصر جهوده في اجترار التاريخ الأنجلوسكسوني بالسودان ومناوراته مع المهدية، وهذا يستدعي تضافراً لجهود تدعمها منظمات عالمية مختصة من أجل الكشف عن حلقة من أهم الحلقات الإنسانية، كانت لها اتصالاتها بحضارات بعيدة، يقرر باذل ديفدسن في كتابه “أفريقيا تحت أضواء” (والكتاب ترجمة المرحوم جمال محمد أحمد) جديدة بأن آنية من الآنيات المعروضة في المتحف السوداني باعتبارها راجعة للحقبة المروية تحمل زخارف صينية! ديفدسن ينبه العالم أن لمروي على الإنسانية أن ترعاها وأن تكشف ما في بطونها من ذخائر، إنها من أعظم ما خلّف العالم القديم، والتاريخ الذي تحتويه، شطر من تاريخ الإنسان جليل القدر علينا أن نجلوه، فالواقع الذي لا يزين الآن، هو أننا لا نعرف عن الحياة التي عاشها الإنسان في مروي وسائر مدن كوش، أكثر مما عرفه هيردوتس قبل 14 قرناً وما مروي الآن إلا مدينة بائسة يغير عليها النهر أثناء فيضانه وتتجاذبها رمال الصحراء الجامحة في سطوتها التي تذرو الغبار على كنوزها الغائبة في بطن الأرض، وتحتوي على أهرامات ملوكية لا تقل إبداعاً هندسياً عن رصيفاتها في الجيزة إلا بصغر حجمها”. [مقال: مرئيات لمناقشة اختلالات البني السودانية وتفكيك العقل المستعار (1) - خالد عويس - الزمان اللندنية 13/2/2002]. (وأنبه هنا إلى أن “العقل السوداني” ذاته مصطلح يحتاج لوقفة، إذ لا يجوز في تقديري إطلاقه بهذا التعميم ومن دون النظر في مكونات مختلفة له، وعلى أي حال هو غير منضبط مصطلحياً).
    والغريب أن المناهج الدراسية (التي درسناها على الأقل في مراحل التعليم قبل الجامعي) لا تعطي هذا الأمر إلا أهمية قليلة، شأنه شأن “تاريخ أوروبا” و”تاريخ أفريقيا”. والحلقات الغائبة في تاريخ السودان وتنشئة الأجيال بناء على نسق منفصل عن الجذور العميقة، جعل من (الشخصية الماثلة)، مستعارة ومستلبة إلى حد ما، كونها مستنبتة في معمل القرنين الماضيين فحسب! بينما يقبع التاريخ الورائي في ثنايا الذاكرة السودانية كـ”شظايا” غير حيوية ولا منتمية. عدم الانتماء هذا ولّد شعوراً بـ”هامشية الشخصية” وسط شخوص عريقة على المستوى الإقليمي.
    كما لا يمكن فصل المسألة، عن النظرة السائدة بالانشداد نحو المصادر الأولى (عربياً وإسلامياً) وهي الجزيرة العربية، حيث الحقائق تكاد - أقول تكاد - أن تكون مطلقة، والمعارف نهائية. فالعروبة خصيصة عرقية وثقافية “أفضل من غيرها”، وأنماط التدين “المنتجة” هناك، ربما تكون أكثر صلاحاً، والتصاقاً بالمصادر الأولى، لذلك فإن تأييد بعض علماء السعودية لحكم الإعدام على الأستاذ محمود محمد طه - مثلاً - يكتسب أهمية بالغة لدى (الرأي العام).
    وهنا تصبح الثقافة (هنا) جزءاً من (كل) هناك، مستهلكة لإنتاج ذلك الـ(كل)، أو في أفضل الأحوال تعيد إنتاجه بصيغ أخرى، لكنها تحافظ على جوهره “ويفهم النسق المضمر والمعلن هنا”. أي أن (هنا) ربما ليس إلا “جغرافيا” مكملة لـ(هناك)، وعليه، فإن منجزات الـ(هنا) الثقافية تبلغ كمالها بالتطابق ربما مع الـ(هناك) حتى في شكله. ففي حال غنى السودان وثرائه حال تدفق البترول سـ”نرتدي الأشمغة والعقالات” كما يستبطن ذلك في بعض النكات، و”القصائد الحلمنتيشية”. أما المثال الأكثر وضوحاً على هذه المسألة، فهي الدعاوى الدائمة، والملحة بأن (الأصول) تعود إلى ذلك الفخذ أو البطن من قريش، أو “الدوحة الهاشمية”. (في هذا الإطار لا تتم الإشارة مطلقا إلى أبي جهل أو أبي لهب مثلاً كجد مفترض لأية قبيلة سودانية !!).


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=37&...ction=article&id=509
                  

10-07-2008, 04:36 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    هموم فكرية : سعودة السودان !!
    بقلم: خالد عويس

    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    المتأمل في الحال الفكرية والثقافية في المنطقة، يصاب حتماً بالصداع، خصوصاً لدى المقارنة بالحراك الفكري في المملكة العربية السعودية والسودان. فالسعودية تكافح جدياً منذ أربع سنوات، مظاهر العنف البالغ الذي انتقل من طوره اللفظي والفكري، إلى شكله الجسدي، متمثلاً بأعمال إرهابية طالت أبرياء -من ضمنهم سودانيون-، وكل ذلك ناتج، بحسب عدد من المحللين والمفكرين السعوديين، عن التشدد والغلو، ورفض الآخر.
    ومنذ منتصف التسعينيات التي شهدت أعمالاً إرهابية نفذتها عناصر تابعة لـ(بن لادن) في الخبر، إلى أن شهد مطلع الألفية الجديدة، حادثة نفّذ فيها عدد من الشبان غالبيتهم سعوديون، العملية الإرهابية الأبرز، ربما في تاريخ العالم، أحداث 11 سبتمبر، التي جرّت على المسلمين ويلات ما كانت تخطر على بال، بدأت النخب السعودية تتنبه إلى أسّ العلة: التشدد!!.
    في السودان، كان الوضع مختلفاً تماماً. فعلى مرّ عقود، كان المجتمع السوداني متسامحاً وبعيداً عن ثقافة (التكفير) و(التشدد)، واعتبار الآخر (شيطاناً) يتوجب قتله. لكن السنوات الأخيرة شهدت مظاهر تؤشر بوضوح إلى أن السنوات المقبلة ربما تشهد تمدداً للتيارات التي تمارس عنفاً لفظياً وفكرياً (الآن)، وستتجه إلى العنف (الجسدي) متى ضاقت ذرعاً بمآلات ونتائج العنف اللفظي والفكري، كونه لن يعود مناسباً إزاء خصوم شياطين لا يعيرونهم انتباهاً!!
    علينا أن نقرأ جيداً بين السطور، فحادثة إحراق معرض الكتاب المقدس (الإنجيل) في مركز لإنتاج الوعي والمعرفة (جامعة الخرطوم) في 1998، وإهدار دم عدد من المثقفين السودانيين، من بينهم الزملاء الحاج وراق، والطاهر حسن التوم، والدكتور فاروق كدودة وآخرون، ثم هدر دم المرحوم محمد طه محمد أحمد، ومهاجمة مساجد، وقتل مصلين ساجدين راكعين بداخلها، وقبل ذلك كلّه إعدام شيخ مسن كالمرحوم محمود محمد طه، في ظلّ استحسان، هذا كله يثير قلقاً عميقاً على مستقبل السودان.
    الشرارة التي يمكن أن تقدح العنف الجسدي، بحق المخالفين في الرأي، هو الانتقال الحثيث الذي نشهده للفكر السلفي (المتشدد) من (نجد) وسط السعودية، إلى بلادنا. هذا الفكر (المتشدد) الذي باتت تحاربه السلطات السعودية بكلّ حزم، يجد (هنا) تساهلاً من قبل المجتمع كلّه!!
    وليس الأمر متعلقاً بجماعة أنصار السنة المحمدية، فهم منذ عقود يتعايشون مع المجتمع السوداني بجماعاته الصوفية، وتقاليده، وأعرافه، ومسلميه، ومسيحييه، و(قبابه). الأمر متعلق بـ(موديل جديد) من السلفيين الساعين لفرض نموذجهم، غافلين تماماً عن خطورة ما يفعلونه!!
    ومن واجب المثقفين السودانيين، ومنظمات المجتمع المدني، وكلّ الساعين لخلق وطن يسع الجميع التصدي بآليات فكرية وثقافية لهؤلاء منذ الآن وهم في (الضوء) قبل أن يلوذوا بـ(الظلام)، لتبدأ حفلات الألعاب النارية!!


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=15&...ction=article&id=253
                  

10-07-2008, 04:50 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    ندوتان حول تجربة عالم عباس الشعرية وبطلان محاكمة محمود محمد طه
    أقام اتحاد الكتاب السودانيين ندوة بقاعة محمد عبد الحي بمتحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم حول تجربة الشاعر عالم عباس، تحدث فيها الناقد شمو إبراهيم شمو، وشارك عدد من الحاضرين بمداخلات أثرت النقاش. وقد ابتدر شمو إبراهيم حديثه بإشارات عامة، تضمنت ملامح من تجربة عالم عباس الشعرية، كما أشارت إلى دارفور وحضارتها وسلطناتها العريقة، وعرجت على الصفات الشخصية التي يتميز بها الشاعر. وأوضح المتحدث أن التأمل والقضايا الفلسفية من أبرز ملامح العقيدة لدى الشاعر، محدداً أن شاعرنا صاحب قضية في الحياة وهو يكتب عن الثورة والرفض، ويدافع عن المقهورين باستمرار.
    وفي هذا الصدد يعتبر شمو أن قصيدة (تانغو تحت المطر) من أجمل ما كتب عالم، معتبراً هذه القصيدة وقصيدة أخرى بعنوان (أزوم) في مستوى واحد، إلا أن هناك اختلافاً في نوع القضية بين القصيدتين، معتبراً هذا الاختلاف يجعل (تانغو) تتفوق على (أزوم)!! وفي نقطة أخرى يوضح أن الشاعر يمتلك غنائية ممزوجة برومانسية مدهشة عالية ومذهلة على مستوى التكنيك، محدداً أن «52» قصيدة من قصائده تتميز بهذه الغنائية. بجانب هذا فإن الشاعر ينتمي لوطنه وللإنسان عموماً متدرجاً من السودان إلى الانتماء الإنساني الواسع. ويضيف بالقول إن الشاعر يمتلك ناصية اللغة العربية، بالاضافة للإنجليزية والمعرفة بالنحو والعروض.. ويقول إنه لم يفقد إحساس الشاعر المتمكن من الأوزان إلا في مواطن قليلة في قصيدة: (سوميت لبنات درجيل)، وفي هذا يشير إلى الغنائية والرومانسية في شعر عالم عباس.
    أيضاً ضمن نشاطه الأسبوعي أقام اتحاد الكتاب السودانيين بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان ندوة بعنوان: (دلالات قرار المحكمة العليا ببطلان محاكمة محمود محمد طه)، تحدث فيها الأستاذ طه إبراهيم المحامي. وعقب عليها القانوني أمين مكي مدني والأستاذ الباقر العفيف. أدارها الأستاذ شمس الدين ضو البيت، وذلك بمقر المركز بأم درمان حي العمدة شرق.


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=17&...ction=article&id=291
                  

10-07-2008, 09:03 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    ومنصور خالد سأعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ!


    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    استعرضنا في حديثنا السابق (المذكرات المضادة) للسيد إسماعيل الأزهري، أول رئيس لوزراء السودان المستقل وزعيم الحزب الوطني الاتحادي، كما نشرتها جريدة الناس، لسان حال منافسه اللدود السيد عبد الله خليل البيه الذي خلفه في رئاسة الوزارة في 1956 وسكرتير عام حزب الأمة. وهي مذكرات جاءت متزامنة مع مذكرات الأزهري الحقة التي أملاها على السيد بشير محمد سعيد ونشرتها تباعاً في عام 1957 جريدة الأيام التي رأس تحريرها. ووجاءت المذكرات المضادة موغلة في سوء وبهتان لا مبرر لهما بالغاً ما بلغت الخصومة بين الرجلين. وصبت الجريدة فيها على الأزهري جام الاستعلاء العرقي لود العرب النيلي من رمي للآخرين بالعجمة والدين الظنين. فقد رمت الجريدة الأزهري بالنقص في السودانية، في تعريف ود العرب، لأن له نسباً قوياً في الفلاتة أهل نيجيريا ومن لف لفها. وقد استعانت جريدة الناس في هذا اللؤم حيال رجل ذي سابقة وطنية تأسيسية، وحيال شعب الفلاتة (وهم قوم من كرام أهل الأرض انتسب لهم الأزهري أو لم ينتسب)، بنص من كتابات هارولد ماكمايكل، السكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي لعام 1926، قال فيه إن قوم الأزهري يدعون نسباً للبديرية الدهمشية من سكان شمال السودان وبادية كردفان، ولكنهم في حقيقة الأمر لا بديرية ولا دهمشية!. وللعبارة إيقاع بليغ في إنجليزيتها مما تطرب له الصفوة. وهكذا تغذى عرق استعلاء أهل البحر العرب أو (المستعربة كما يصفهم المرتابون في عروبتهم) بتطفل هذا المستعمر على أنساب أهل السودان!.
    حين نشرت جريدة الناس سخفها هذا، كان السيد منصور خالد، المحامي الشاب، محرراً بالجريدة؛ بل ربما كان محررها الأول بحكم وظيفته كسكرتير للبيه رئيس الوزراء أو المسؤول عن اتصالاته. ولا نريد بالطبع حساب منصور على هذه الترهة من زمن الصبا الأول. فقد مرت مياه غزيرة من تحت كبري منصور وأصبح الفتي الذي قبل ذلك الفحش العرقي بحق الأزهري (أو ربما ساهم فيه) صوتاً مسموعاً في إدانة الميز العرقي حبر به الكتب الغلاظ الشداد. وانضم بعد انتفاضة 1985 إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق، وأصبح من مستشاريه. وكان رده على من استنكر هذه النقلة المفاجئة أن دافعه كان زكاة يؤديها لينقذ أولاد العرب والبلد، ممن كان واسطة عقدهم في جريدة الناس وغيرها، من أنفسهم الأمّارة بالاستعلاء العرقي. وزاد منصور بانفعاله البلاغي الأشم المعروف بأنه سيؤدي فريضة هذه الزكاة وهو (ناهض إلى صعدائي، أعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ)، (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 194). ونسب ترحله من العنصرية إلى السماحة إلى ملابسة أنه (قضى عمره الراشد) بين مؤسسات عالمية تدين سياسات الميز العرقي والنوعي، ولمس عن كثب في أسفاره مضاضة التميز العرقي على من يقع عليهم.
    ولا تثريب، بالطبع، في إفاقة منصور المتأخرة جداً لسوءة عرقية ود العرب أو البلد التي امتزج بفكرها وأذاعه في جريدة الناس، أو أعان على ترويجه. فإن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي قط. ففي الفكر مكان رحيب للأوابين إلى الحق. بل قيل لا يخدم الحق مثل عائد إليه لائذ به. وهذا مما نستفيده مما كتبه ناثان قليزر الكاتب الأمريكي. فقد ناهض قليزر حركة التنوع الثقافي التي تأذن بها الجامعات الأمريكية وغيرها بتدريس كتب ومنتجات ثقافية من غير إرث الغرب. وكتب في إفاقته لضرورة المطلب ونفعه كتاباً عنونه: (كلنا في صف التنوع الثقافي الآن). وقال فيه كلمة غراء عما يعتلج المرء من طاقة وشفافية يوم يطرح الضلال ويستبين الحق: (ليس هناك ما يعبيء الذهن ويركزه على مسألة أشد مضاء من اكتشافه أن الصواب قد جانبه فيها).
    للعودة إلى الحق نصاب مستحق للزكاة. ويكتمل هذا النصاب عبر وسائط التربية والثقافة. ولم يبلغ منصور عندنا هذا النصاب لأسباب نتناولها في حديثنا القادم. ولهذا شابت الأوهام ما زعم أنه توبة نصوحٌ للحق. واصطفينا أن نطلع القارئ على عينات مما كتبه منصور بعد إثابته المزعومة للحق لم يبرح فيها امتيازه العرقي كـ(ود عرب) قيد أنملة. ورأينا في تشبث منصور بميزة العرقية نقصاً في نصاب الحق يجعل زكاته، التي خرج يؤديها عنا، حشفاً وسوء كيلة. وسنرى، متى وقفنا على أسباب هذا النقص، أن هجرة منصور لـ(عناق الآخر) العرقي لم تكن لله وإنما لنفسه!. ولذا لم تمس منه الشغاف فتزلزل دفين محفوظاته العرقية الأولية وتنقيه منها ليخلص للإلفة العرقية في الوطن وغيره. ولما لم تكن هجرته للحق كانت مضمضة سياسية.
    من أوجب الأمور على مثل الأواب إلى الحق مثل منصور أن يستوثق أنه قد نقى لغته من مصطلح الميزة العرقية الذي نفرت نفسه منه. فهذا مصطلح خبيء دسّاس مثل العرق، لو جاز التعبير. وهو باق في مطاوي الثقافة المستعلية لا يزول بمحض تحول حامل اللغة من عقيدة عوراء إلى أخرى عيناء. فمن أراد بعد تحوله من البغضاء إلى السماحة التعبير عن نفسه بلغته ذاتها، وجب عليه أن يوسعها نظراً ويقتحمها بالفحص ويكسر قاموسها المستعلي ويعيد تركيبه على نور الحق الذي استبانه. وهذا من شغل الثقافة الذي قال قرامشي إنه شغل طويل... سلبة. وهذه تقوى مدنية لها مشابه في تقوى الدين. فقد نبه الإمام محمد بن عبد الوهاب أن المسلم متى ما استقام على التوحيد ونفى الشرك عن نفسه استردف ذلك بتنقية لغته عن أوهام الشرك وعلى محجة التوحيد. فمتى وحدت بالله لا تقول للفرد من رقيقك (عبدي) بل (فتاي) لتحقيق التوحيد في الألفاظ. ومع مجافاة المثل مع معلوم عصرنا بالضرورة، إلا إنه دال على تقوى في اللغة قصر عنها شغل منصور في تنقية نفسه من نتن العرقية!. ولفساد هذا الشغل صح عليه مصطلحه هو نفسه عن الأشغال من شاكلته: لهوجة.
    فستجد منصور يستخدم صيغاً من مصطلح التميز العرقي لم تمر بمصفاة الحق الذي استبانه (ضحى الغد). فلو احتكم لتلك المصفاة لكان إمّا أجاز هذه الصيغ أو عدلها أو اطرحها. والأمثلة كثيرة. فهو حشد في رثائه للمرحوم محمود محمد طه المشهور طائفة نكراء من هذه الصيغ ذم بها الرئيس نميري وزمانه. فقد صور منصور محموداً بمنزلة أبي شجاع فاتكاً الذي قتله (كافورنا) الإخشيدي، أي النميري. وأضاف إن زمان نميري فينا (زمان عقيم عقم الخصي الأوكع تسرح فيه إماء لكع). وها أنت ترى هنا أن منصوراً استدعى مصطلح الرق العربي كله لحجته من خصي وكافور المتنبئ والإماء بغير أن يطرف له جفن من شفافية. بل ذهب إلى تبخيس العجم قاطبة بقوله إن مقتل محمود هو بدع لم يعرفها المسلمون.(إلا في عهود الانحطاط التتري والشعوذة الأيوبية والطغيان المملوكي). وخلص له تاريخ الإسلام من بعد نفي العجم عنه عربياً عربياً.
    ولا يطيق منصور مزاعم بعضنا عن عروبيته أو سياساتهم لها لا لأنها مما يخرق عقيدته المستجدة في التنوع الثقافي بل لأن العرب قوم أشراف لن نطالهم. فقد استنكر منصور تعريب نظام الإنقاذ للتعليم العالي. ولا تثريب فهو أمر خلافي حتى في تلك الأحوال التي لم يُفرض فيها الأمر فرضاً. ونقول للتذكرة، فقط هنا، إن منصوراً كان من عتاة دعاة التعريب في كتابه (حوار مع الصفوة) مثلاً. ولم يبدر منه، وقد تولى مسؤوليات التربية والإرشاد في سنينه المايوية، ما يؤشر لمراجعته عقيدة التعريب حتى انضم للحركة الشعبية. أنكى من هذا، الحيثيات التي جاء بها منصور لشجب نظام البشير لاستحداثه التعريب بغتة ومن عل. فقد فعل منصور ذلك بمصطلح (ود العرب) ومزاجه وهماً ما نسب منصور إليهما فشلنا وإدمان صفوتنا هذا الفشل. فقد استفظع منصور أن يحاول قطر كالسودان، لا هو في العير ولا في النفير، التعريب في حين تحاشته دول عربية يشار إليها بالبنان. وسنتجاوز عقدة قلة القيمة العربية هذه إلى ما هو أكدر للخاطر. فالأدهى أن منصوراً احتج على إتمام التعريب في ظل حكومة يقودها حاكم السودان (المستعرب)، الذي هو البشير، ورئيس مجلس تعليمه العالي وهو المرحوم اللواء الزبير محمد صالح. ووصف الأخير بأنه: (ما يزال يتحدث العربية برطيني (رطانة) يكاد لا يفهمها الأعاريب) (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الثاني ، صفحات 344-346).
    ولم يقف منصور، هذا الثور في مستودع الخزف، عند هذا الحد من التبكيت. ويبدو واضحاً أن منصوراً لا يطيق عبد الإخشيد كافوراً بالمرة مثل صفيه المتنبيء. فاستقدم عزته كملكي (في مقابل جهادي أي عسكري) إلى دائرة تبخيس الزبير العسكري. فواصل قائلاً: إن الزبير غير مستأهل أن يكون رئيساً لمجلس التعليم العالي أو الخوض في تعريبه لأنه (عسكري) يُضحك عِيه (عدم إبانته) وحصره (نفس الشيء) (ربات الحجول البواكيا). والمقطع مأخوذ من المتنبيء العربي يهجو كافوراً الإخشيدي الأسود. أقبض! بل أنظر ربات الحجول مما لا شغل لهن سوى صب الدمع الهتون. أقبض!
    وأساء منصور هنا من وجهين. فقد خاض في شأن علم العسكر أو جهلهم لا يعتوره حرج أن يمضهم هذا التبخيس، وهو الذي قال إن أوبته إلى توقير الآخر قد بدأت بأسفار وقف فيها على مضاضة الآخرين من الميز العرقي وغير العرقي. أما من الجهة الأخر فقد كان منصور يُنَظِّر طويلاً للدور التقدمي للجيوش في الدول النامية بإطلاق. فكيف بالله لجيش تقدمي أن ينهض بالتبعة الملقاة على عاتقه وضباطه مصابون بحصر يُضحك ربات الخدور؟ ومن الغريب أن يصدر مثل هذا القول عنه وهو مستشار حركة يغلب عليها العسكر!. ولا يصدر مثل قول منصور عن الزبير والعسكر والنساء إلا ممن استبدت به وعثاء العنصرية والصفوية الملكية والذكورية بينما يظن أنه قد خرج ليقضي عليها وعلى نتنها!.
    يزعم منصور أنه قد تربي في عمره الراشد على الحساسية تجاه مضاضة الآخر من شرور الميز العرقي من عنف لفظي وزراية. ولكننا نشك، مما نقرأ له، إن كان منصور قد تطهر فمه من وعثاء العرق، على حد قوله، أو أن ذلك التطهر ما يزال مشروعاً ينتظر التنفيذ. فقد أسقم منصوراً أداء القوات المسلحة على عهد الرئيس نميري التي كان يصحب قادتها الرئيس و(فكيه) الرسمي، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 1983، ليذروا الرمل المبارك في طول الجنوب وعرضه حماية لنميري من عوادي الكفار. فقارن منصور هذه الشعبذة بشدة رجال الجيش البواسل على عهد الفريق عبود قائلاً: (وعلم الله إن ذلك لعوج كبير يتململ له في القبر أبطال بنوا للسودان جيشاً فاخر به أمة العرب في الكويت وفاخر به أفريقيا في الكنغو . . تململ له الصنديدان أحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر)، (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الأول، صفحة 674). وتجاهل هنا منصور، الذي بوسعه عقد هذه المقارنة بالنظر لإرثه الشمالي الذي يبيح له المفاضلة، بين (وحوش) قومه، أن حكم عبد الوهاب ونصر هو الذي استن أسلمة وتعريب الجنوب التي انقدحت منها شرارة الحرب الأهلية التي انكوينا منها طويلاً أو ما نزال. وقد اشتهر عن نصر في سخيمة ذاعت بين الناس أنه قال، بعد انقضاء عهدهم بضربة جاءتهم نتيجة سياستهم في الجنوب، إنه لو تركه رفاقه ولم يحولوا دونه ودون خططه لحرق غابات الجنوب على بكرة أبيها لا يبقي فيها من المتمردين دياراً. ومنصور متفق معنا على جريرة نظام عبود في الجنوب. ولكن عطل حكمه هذا في العبارة التي سلفت مواتاة حتى ينال من نميري وجنده. فمنصور هو القائل في صحوته الفكرية الحالية لمسألة التنوع الثقافي إن قهر الجنوب بواسطة نظام عبود وقع بالعمل العسكري والأسلمة القهرية. وإنه هو النظام الأول الذي اختط هذين السبيلين لحكم الجنوب ( جريدة الفجر، الأسبوع الثالث من ديسمبر 1996).ولكنه عاد مرة في حديث مع عادل الباز ليخفف من وطء هذه السياسة ووصفها بالأسلمة القهرية الساذجة (الصحافي الدولي 22 يناير 2000). ولم يخطر لمنصور أن إشادته بشدة جند عبود وخيبة جند النميري (أو البشير سيان) هي بعض امتيازه كشمالي. فلن نتوقع جنوبياً يقيم مثل هذا التمييز بين قتلته. وكذا لن تجد جنوبياً يفرق بين السذج والدهاة ممن أزروا بثقافته وخياراته.
    ومع جزالة عبارة منصور في كراهة العنف اللفظي والزراية بالآخر عرقياً إلا أنه احتفظ لنفسه وحده، ربما، بحق ممارسة هذا الحرام من موقع ود العرب متى شاء. فإن ظن أنه اشتفى من داء العنف اللفظي بالجنوبيين أو النوبة والزراية بهم خلال صحوته الثقافية نجد أنه لم يبرأ بعد من تعنيف الفلاتة وأهل غرب أفريقيا بعامة. فقد استغربت لافتتان معجبي منصور من الأوابين بعبارة تنضح بالعرقية حيال الفلاتة وجمهرة غرب أفريقيا. وهي عبارة لم أجد لها موضعاً من كتب منصور ولكنها شاعت حتى أضحت من الحكم السائرة. وهذه العبارة هي: (أولئك الذين جاءوا مُستردفين على ظهور أمهاتهم، من سفوح كانم، وتمبكتو وسهول نهر النيجر، يدعون العروبة أكثر من أهل تهامة والإسلام أكثر من أهل بكة!) ومفاد هذه الجملة في عربية بسيطة هو الزم محلك يا فلاتي!!). وقالها منصور في لجاج السياسة يبكت ناشطاً من دولة الإنقاذ أصوله من برنو دارفور. واستهوت العبارة كاتباً مجيداً على منبر سودانيز أون لاين حتى قال إنها تشخص (أس البلاء في بلادنا) تشخيصاً ما حصل. ولا يعدل إعجاب طائفة منصور بعبارته هذه سوى إعجابهم بأخريين هما (القلوب الغلفاء والفكر الأصلع)، و(ألص من فارة وأزنى من قرد)، (وأخرى عن الفسو)!!. فتأمل
    وبلغ من شيوع عبارة المستردفين أن خطب ودها كل مضطغن على من انتسب إلى الفلاتة حقاً أو بالحدس اللئيم. وقد دنت العبارة بقطافها على رجل رشيد في معركة اشتهرت حول أمر ما بينه وبين رجل أصوله القديمة من نيجيريا. فقال الرجل الرشيد إن هذا (الفلاتي) لا يستطيع سلبه من حق ما (ولو بأمر من سلطان مايرنو). ومايرنو هي مواطن للهوسا والفلاني ممن هاجروا بعد ضربة الإنجليز القاضية لخلافة صكتو الإسلامية ببلدهم في 1898. وأكد الرجل لـ(لفلاتي) واقعة ما وقال إنها تأسست قبل دخول ذلك (الفلاتي) جامعة الخرطوم وقبل أن يعرف أين تكون جامعة الخرطوم أو أين الخرطوم ذاتها في خريطة السودان!. وافتخر الرجل الرشيد بسودانيته قائلاً إنه (لم يعبر حدوده (السودان) محمولاً على ظهر أمه) مستعيداً نمطيةً عن الفلاتة للزراية مما تلقاه عن منصور . . . عن ثقافته.
    ويعرف منصور عن الفلاتة وأهل غرب أفريقيا غير هذه الزراية متى أراد دفع الزكاة عنا يطهرنا ويزكينا بها من سيئات عرقنا. فقد أخذ بشدة على السيد خضر حمد، الزعيم بالحزب الوطني الاتحادي وعضو مجلس السيادة السابق، نصاً ورد في مذكراته. جاء في النص أن خضر انشغل جداً خلال حجة له يوم كان وزيراً بحكومة الحكم الذاتي في نحو 1954 بإقناع السعوديين بالتمييز بين السودانيين الشماليين العرب الخلص والتكارنة الذين ينبيء قوله عنهم إنهم فئة مستحقرة. وساء الوزير أن السعوديين لم يأبهوا لتفرقته بين كرام القوم ولئامهم. وأطنب منصور في سرد فضل التكارين أو أهل غرب أفريقيا كمثل قيام الشيخ عثمان دان فوديو فيهم وغير ذلك (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 384) وربما لاحظ القاريء أن مقالة خضر في الفلاتة أقدم بثلاث سنوات عن مقالة جريدة الناس عن القوم نفسهم في شخص الأزهري زعيم خضر. ويُشَهِّر منصور بخطئية خضر الأقدم ويعف عن التشهير بخطيئة جريدة الناس الأفحش والأقرب. وهذه اصطفائية من منصور (وهذه من لغته يذم فيها المصطفين) ينهي فيها عن فعل وقع في 1954 ويأتي مثله في تسعينيات القرن. وهذا عتو شديد لا يقبله منصور إلا . . . من منصور.
    وسنحاول في كلمتنا القادمة فهم لماذا ظل منصور يتورط في الوعثاء العرقية ومصطلحها في حين تأبط قلمه لحربها مذ انضم للحركة الشعبية. وبعبارة أخرى لماذا يصلي بلسان ويلحد بنفس اللسان؟!


    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=20&...ction=article&id=350
                  

10-07-2008, 09:04 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    منصور خالد: القوَّال (The Snitch)
    بقلم: د.عبد الله علي إبراهيم

    ... ومنصور خالد
    امتطى (محمد الأمين عبدالله عباس)، الطالب بكلية الأقباط المصرية، الدرجة الرابعة في إكسبرس حلفا بمحطة الخرطوم، في نحو السابعة والنصف من صباح يوم في الأسبوع الأول من مايو من عام 1953م. كان يطوي لفافةً ما طَيَّاً جيداً في رحلةٍ لا تشبه رحلات مَن حوله في شيء. كان واجف القلب؛ يتفصَّد جبينه قطرات عرق باردة يجففها في قيظ الخرطوم بعد انحسار برودة الصباح. لم تكن تستقرّ له عين على شيء. وكاد المريبُ أن يقول خذوني. وبالفعل أخذه البوليس الذي بدأ بفَضِّ لفافته فأُسقِط في يد محمد الأمين. يا له من صباح!. انتهت المهمة قبل أن تبدأ. وفتح البوليس اللفافة فإذا بها تحوي مائة نسخة من جريدة (اللواء الأحمر)؛ جريدة الحزب الشيوعي السرية، وبياناً سياسياً فيه تحليل طويل لاتفاقية الحكم الذاتي الموقَّعة بين دولتي الحكم الثنائي: مصر وبريطانيا في فبراير 1953م. وكان محمد الأمين في طريقه بهذه المواد الخطرة إلى عطبرة.
    هذه واقعة ربما لم تجدها مؤرخة في أيًّ من صحفنا أو كتب تاريخنا. ولكنك تجدها حسنة التوثيق في أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية الموْدَع بدار الوثائق الوطنية بمدينة كولدج بارك بولاية ميرلاند. فبجانب خبر هذه الواقعة بمحطة السكة الحديد التي كتبها السيد (جوزيف سويني) (1912-1979م)؛ ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية، من مصادره، سيجد المطَّلع بدار تلك الوثائق نسخاً من المواد الشيوعية المصادرة نفسها. بل سيعثر على عدد آخر من (اللواء الأحمر) (بتاريخ 10مايو 1953م) حصل عليه البوليس بعد دهم منزل السيد (عبدالوهاب البشير) في أم درمان. وكل هذا كائن بين دفَّتَي فايل لوحده عن الشيوعية في السودان. وهو سِجِلّ عن الحزب الشيوعي من أندر المراجع في تلك الفترة الباكرة، أو هو الأندر. وفي عددَيِ (اللواء الأحمر) تقرأ لرفاق مولهين بـ(ستالين) وسكارى به. مثل ما كتبه (الرفيق كمال) (بين قوسين سعاد) (حول وفاة ستالين الصديق) وسبب اختياره له كأحسن صديق. وستجد توقيعاً لـ(الرفيق راشد -السكرتارية المركزية) على بعض كلمات الجريدة السرية أو افتتاحياتها. وراشد هو الأستاذ عبد الخالق محجوب. ويسُودُ العددَيْن والبيان المصادَرين سوءُ ظنٍّ عميق بالنظام المصري تحت (اللواء نجيب)، بنسبته للعمالة للاستعمار البريطاني والأمريكي. وكان الاستعمار الأخير قد بدأ يطرح بضاعته في الشرق الأوسط؛ مثل مشروع النقطة الرابعة لبناء تحالفات مع عرب ما بعد الاستعمار المباشر للوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي لدى تباشير الحرب الباردة. ومن شأن هذه الوثائق أن تزيدنا علماً بمنطق الشيوعيين في معارضة اتفاقية الحكم الذاتي لفبراير 1953م التي بها استقلَّ السودان في خاتمة الأمر.
    لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية أن تترك الحبل للشيوعيين على الغارب. لم تستفز تلك المخابرات لرصد نشاط الشيوعيين مقتضياتُ الحرب الباردة الآيدولوجية التي كانت آخذةً في الشدة فحسب؛ بل عافية الشيوعيين السودانيين السياسية التي أذْعَرَت جوزيف سويني والذي ربما كان رجل المخابرات بالخرطوم. وهو ذعر امتدّ حتى انقلاب 17نوفمبر 1958م وخلاله؛ كما بينا في الحلقة الخامسة من هذا الكتاب. وبلغت تلك العافية حداً وَصَف به (سويني) مدينة عطبرة، التي لم ينفذ إليها محمد الأمين بشحنته السياسية، بأنها (مركز السكة الحديد، وواحدة من المواقع الرئيسية للتحريض الشيوعي في السودان). وبلغ به الخوف حداً سأل به السيد (بابكر الديب)؛ نائب مدير البوليس، إن كانت هِمَّة الشيوعيين وحَمِيَّتهم بين المزارعين، كما فصَّلها في رسائله، ستفضي إلى حركة مسلحة شبيهة بحركة الماماو في أوائل الخمسينيات بكينيا، التي قام بها مزارعون معدمون جرَّدهم الإنجليز البيض من أفضل أراضيهم. وقد طمأنه الديب بأن الأمور لن تبلغ بنا ذلك المبلغ، وإن نبَّهَه إلى أن أوضاع المزارعين في المشاريع الخاصة بشندي وأملاك السيد عبدالرحمن المهدي ربما نضجت لتسلُّل شيوعي لبسط نفوذهم بين المزارعين.
    وأذعر ما في هِمّة شيوعيي السودان أنها كانت وثيقة الصلة بـ(الكمنفورم) بصورة أو بأخرى. و(الكمنفورم) هو مكتب إعلامي للأحزاب الشيوعية والعمالية تكوَّن في 1947م وانحلَّ في 1956م. فاقتطف سويني من نشرة (بروجكت) (3يوليو 1953م) التي يصدرها (الكمنفورم) فقرةً من مقال عن حركة المزارعين في السودان لا بدّ أنها بلبلت خاطره للعلاقة غير الخفية بين شيوعيي السودان ومركز الشيوعية العالمي. وعلَّق (سويني) على الفقرة بين قوسين: (لربما جاء الوقت، لمَن ظنَّ أن بالوسع تجاهل الشيوعية في هذا البلد، أن يعيد النظر كَرَّتين). ووقَف (سويني) عن طريق (الديب) بصورة دقيقة على نشاط المخابرات البريطانية (MI-5) ومركزها الإقليمي، في (قناة السويس) ثم (عدن)؛ الساهر على محاربة الشيوعية في السودان. ولاحظ (سويني) أن بريطانيا بدأت تأخذ موضوع محاربة الشيوعية في السودان بجِدّ. فدرَّبت بمركزها بـ(عدن) السيد (أحمد حسن). وقد كانت للمخابرات البريطانية اليد الطولى في تشريع محاربة الشيوعية الذي أجازه المجلس التنفيذي للجمعية التشريعية في بداية الخمسينيات. فهي التي سَرَّعت خطواته، بينما كانت تشريعات (الديب) وبوليسه السياسي تراوح في محلها. وكان (MI-5) يعين البوليس في السودان بتعقب الشيوعيين متى بارحوا السودان. وكانت خطة (MI-5) أن يقيم مكتباً له في جهاز البوليس السياسي يغشاه (جـ. آي. إليوت) من عدن للتنسيق مع أمن السودان عن كثب. ومما يستحق الذكر أن المجلس التنفيذي بقيادة السيد (عبد الله خليل البيه) هو الذي عارض بشدة ترتيبات الحكومة تلك مع الـ(MI-5) وتراجعت الحكومة عنها.
    عَلُقت بـ(منصور خالد) تهمة أو ريبة العمالة للمخابرات الأمريكية في سياق هذا الرصد الغربي الدقيق لنشاط الشيوعيين. وكان أكبرَ مَن روَّج لعمالة الرجل، بالطبع، الشيوعيون. وظلوا حتى وقت متأخر من عام 1972 يصفونه بـ(عميل المخابرات الأمريكية) في تقويمهم لاتفاقية سلام أديس أبابا. وظلَّت التهمة ذمَّاً سياسياً عاماً لـ(منصور) لم يُقِم الشيوعيون الدليل الملموس على التهمة ذاتها. وهو أمر صعب بالطبع. وربما لم يكن الجيل الأول من الشيوعيين بحاجة إلى التدليل على ذلك. كانت تكفيهم البيِّنات الظرفية وما دونها. فمن جهة، كان (منصور) يُشاهَد في دوائر (الخواجات) غير حافل أو مكترث، في وقت استفحلت الوطنية، وأصبحت، مجرد خلطة الإنجليز والرهط، من عظائم الخيانة. فاكتفى، ذلك الجيل الشيوعي الأول، من البيِّنات على عمالة (منصور)، بالنظر المجرد والريبة الوطنية البديهية. وبدا أن تهمة (منصور) قد أخذت تسقط بالتقادم حتى إن الشيوعيين أنفسهم سحبوا عبارة (وعميل المخابرات الأمريكية منصور خالد) حين أعادوا نشر بيانهم الذي قوَّموا فيه اتفاقية اديس أبابا منذ سنوات خَلَت. وقد سمَّيتُ ذلك بـ(خفة اليد الثورية) لأنهم خدشوا مبدأ نهائية النص التاريخي وقدسيته بغير أن يصرِّحوا لقارئهم بدافعهم لتلك المراجعة.
    وبلغ فساد تهمة (منصور) بالعمالة لأمريكا حداً لم يعد (منصور) يعدّها سوى (سفاهة). فقد استنكر سؤالاً عنها من محرر جريدة (البيان) (13-3-2002م) وتمَنَّع أن يجيب عنه؛ لأنه إذا فعل، يكون انحدر من دَرَج المسائل المُهِمَّة والجدية التي سبقت في الحوار، إلى درك السفاسف. واضطرّ (منصور) للقول تحت إلحاح المحرر بإن اتهامه بالعمالة مما يشغل الأذهان: (اتهامي بالعمالة (سفاهة) دَرَجْتُ على تجاهلها). وواصل في استهجان بليغ للتهمة: (حسناً، مثل هذا الكلام دَرَجْنا على تجاهله وتجاوزه لأنه يندرج في خانة (السفاهة). وهذه من التهم السائدة في المنطقة خاصة من قبل الجماعات المتطرفة، أياً كان نوع التطرف، ضد كل من يخالفهم في الرأي. وقذف الناس بتهم مثل هذه تنضح بالسخافة خصوصاً في عالم اليوم في زمن تقوم فيه أمريكا بالتدخل في كل شيء، حتى إنها تسعى لحل قضية فلسطين عبر مخابراتها. في زمن مثل هذا يكون مثل هذا الكلام غير ذي معنى، ولذلك لا أقف عنده كثيراً ولا أعيره اهتماماً. من جانب آخر، عندما يكون المرء قد تربى في أحضان الأمم المتحدة، ويتدرج إلى مكانة تؤهله لخلق علاقات واسعة مع أشخاص رفيعي المستوى، وتؤهله بالتالي حتى لالتقاء رؤساء أمريكا نفسها، فلا يكون عندها حاجة ليكون مجرد عميل لجهاز في إدارتها).
    دفع منصور التهمة عنه؛ لأنها من فرط سخفها تردُّه أسفل سافلين، في حين بلغ هو منزلةً تساوَت كتفه فيها مع علية القوم الأمريكيين فأصبح ندَّاً لا عميلاً. وهو دَفْع لا بأس به لولا (شطح حيرانه) الذين... بالغوا. فلم يكتفوا بتثبيت عُلُوّ مقام حبيبهم (منصور) بل أسْفَلوا بالأمريكيين حتى أصبحوا عملاء لـ(منصور). مدد مدد. فكتب السيد (قاسم ثروت) (سودانايل 62-5-2005م): (أزعم أن المخابرات الأمريكية عميلة لـ(منصور) وليس العكس. هذا إذا افترضنا وجود عمالة، وهو افتراض خاطىء... فـ(منصور) لا يحتاج أن يكون عميلاً لأحد فعنده من المال والخيل ما يهديه. وفوق ذلك فإن استقلاله وقوة شخصيته الطاغية لا تجعله رهناً (؟) لأي من كان. ثم إن اتساع ماعونه الفكري يجعله يلعب بالمخابرات الأمريكية (سورو؟) ويلبسها خاتماً في يده. وإذا جُمعت كل عناصر المخابرات الأمريكية واحداً فوق الآخر لما وصلوا لكتف منصور). وهذه دروشة الحداثة بزبد وعبل.
    ويأسف المرء؛ لأن حقائق الأمر غير حقائق منصور وشيعته. فقد وقَعْنا على وثائق خبرها غير سار؛ فقد خدم منصور المخابرات الأمريكية في عام 1953م وهو طالب بعد بكلية الخرطوم الجامعية، وربما كان في عامه الثاني بكلية القانون، فقد وَرَد اسمه ونوع خدمته في تقرير من ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية بتاريخ 8 أغسطس1953م إلى الخارجية الأمريكية بصورة إلى أفرع القوات المسلحة الأمريكية والسي آي أىه. وهو تقرير استكمل به ضابط الاتصال مذكرةً سلفت له بتاريخ 31 مارس 1953م. وعنوانه (الشيوعية في السودان). وشمل تلخيصاً أثبت فيه قوة الشيوعية السودانية وحسن تنظيمها وسدادها في بناء الجبهات المتحدة، حتى إنها نجحت بسرعة في إزالة الآثار السلبية التي ترتبت على موقفها المعارض لاتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953م. وتعرَّض لحزْم بريطانيا في حرب الشيوعيين في حين تجرجر مصر قدميها حتى لا تكسب عداء دوائر سودانية. ثم تعرَّض إلى تمويل الشيوعيين، وقد نقل عن أحدهم أنهم يحصلون على المال من الشيوعية العالمية مطوياً في صناديق الكبريت (أبو مفتاح) الذي يستورده السودان من تشيكوسلوفاكيا بواسطة موردين أرمن سودانيين. وقد استسخف (سويني) هذه الرواية... ثم عالج التقرير بنية الشيوعية السودانية في أبواب ستة؛ هي: منظمات العمال والطلبة والصحافة ومنظمات النساء ونشاط الشيوعيين في القوات المسلحة ثم الحركة الشيوعية. وشمل الفصل الأخير خطط البوليس السياسي لرصد الشيوعية وقمعها، ثم تطرَّق لبرنامج الشيوعيين للترشيح في انتخابات الحكم الذاتي. وذكر التقرير أن (عبدالخالق محجوب) ربما ترشح لدوائر الخريجين، وهو ما لم يحدث. ثم تعرَّض التقرير لتنظيم البوليس السياسي وعلاقاته المصرية والبريطانية، وتناول أخيراً وضع القوانين الحكومية وسياساتها إزاء الشيوعية ثم موقف دولتي الحكم الثنائي من الشيوعية في السودان.
    وأرفق (سويني) قائمة بالمصادر البشرية التي زوَّدَته بالمعلومات لكتابة التقرير، ثم قائمة أخرى عَرَّفت بعشرين شيوعياً أو مَن اعتَقَد مخبرو (سويني) أنهم شيوعيون، ومنهم (عبدالخالق محجوب) و(محمد سعيد معروف) و(أحمد سليمان) و(قاسم أمين) و(طه بعشر) و(حسن الطاهر زروق) و(مصطفى السيد) و(عبدالقادر حسن) و(فاطمة طالب) و(خالدة زاهر السادات) و(محمد أمين حسين) و)عزالدين علي عامر) و(أحمد محمد خير) و(حسن سلامة) و(محمد المرضي جبارة) و(عبدالرحيم الوسيلة) و(فتح الرحمن محمد خلف الله) و(جيمس تدي لاركن) (جوبا) و(محمد إبراهيم نقد) و(عبدالعزيز أبّو). وأرفَق (سويني) بالتقرير القوانين التي صدرت لمكافحة الشيوعية ونصّاً مترجماً لخطاب ألقاه المرحوم (محمد سعيد معروف) في الأبيض عن مهام ما بعد الاتفاقية كانت قد نشرته جريدة (الصراحة).
    جاء اسم (منصور خالد) بالرقم (9) من بين المصادر البشرية لهذا التقرير، وعددهم أحد عشر. ووصفته القائمة بأنه (طالب قانون بكلية الخرطوم الجامعية ومحرر بجريدة (الوطن) والمعلومات عن الطلبة من صنعه). وعلى ضوء هذه المعلومات، كتب (سويني) ما يلي عن (عبدالعزيز أبّو): (طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية، وكان عضواً بلجنة اتحاد الطلبة. طُرد من الكلية لقيادته مظاهرة. هو الآن بسبيله للدراسة بجامعة براغ التي منحته مواصلات مجانية بداخل البلد وأعفته من المصروفات الجامعية ونفقات السكن والأكل التي تكفّلت بها الحكومة التشيكية طوال تلقيه العلم بالجامعة). وبحسب إفادة (منصور خالد) فإن (أبّو) كان قد بادر بالتقديم لهذه المنحة بالسفارة التشيكوسلوفاكية بالقاهرة. ويقول (خالد) (إن أبّو شيوعي لا غلاط فيه).
    وجاء ما يلي في تقرير (سويني) عن (محمد إبراهيم نقد): (طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وسكرتير اتحاد الطلاب. طردوه من الكلية لنشاطاته الشيوعية. هو الآن بسبيله إلى براغ. فقد منحوه مواصلات مجانية بداخل البلد، وكذلك أعفوه من المصاريف الجامعية مع السكن والأكل وتكفّلت الحكومة التشيكية بذلك). وبحسب قول (منصور خالد) فإنه (قد بادر بالتقديم للمنحة بسفارة تشيكوسلوفاكيا بالقاهرة. و(نقد) هو قريب (الدرديري نقد) من الحزب الجمهوري الاشتراكي).
    هذا الفصل من كتابي عن (منصور خالد) هو أشَقّها على نفسي. فلستُ ممن يَسعد بتعقُّب سِيَر الناس وكشف صغائرهم. وشَهِد الله لم أسعَ لدار الوثائق الوطنية الأمريكية لتوثيق عمالة (منصور) الشاب للأمريكان. ما حَمَلني لشَدّ الرحال إلى تلك الدار هو الوقوف على وثائق الخارجية الأمريكية عن انقلاب 17نوفمبر 1958م بعد اطِّلاعي على طرف من وثائق الخارجية البريطانية. ووجدتُ فيها علماً منيراً. ومن جهة أخرى تربيت في خلفية أن البحث (أمانات)، مثل البيوت، لا تحفر في أرشيفاته صيداً للزلاَّت الشخصية الصغيرة ولا الكبيرة حتى. وتربيت في الحركة الماركسية أنه لن يفلَّ حديد تطفُّل المستعمِرين على المستضعَفين إلقاء القبض على مخبريهم وفمهم في الدَّرِيش. فـ(التطفُّل) و(المخبرون) جزء من اللعبة التي بوسعك أن تستدبرها إلى بنية الاستضعاف نفسه لحشد أكبر حلف من غمار الناس لمساواة الصفوف وسَدّ الفرج بوجه شيطان المخبرين. ولكني ضربتُ باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن (منصوراً) استكبر جداً وعكّر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتى. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الإخاء السوداني التي شَقِيَ بها بعض جيله، بينما هو في شُغْل بالتبليغ عنهم، فأفسدها فشخبت دماً. وكان فينا مثل (طويس)؛ الولِع بشعر نقائض الأوس والخزرج وحروبهم. (فقَلَّ مجلسٌ اجتمع فيه هذان الحيَّان فغنى فيه (طويس) إلا وقع فيه شيء. فكان يُبْدِي السرائر ويُخرج الضغائن). ومثله في الإضرار بمشروعنا في الإلفة السودانية وممارستها مثل (الشيخ الأمين داؤد) من المرحوم (محمود محمد طه). فقد بثَّ المرحوم شكواه منه في 1978م في محكمة أراد بها رد الاعتبار لتعرُّض الشيخ لفكرِهِ بسوء النقل والتعليق الفاحش قائلاً: (نِحْنَا الأذى البَلَغْنا من الشيخ الأمين مُزْمِن صَبَرْنا عليهو).



    http://awragjadida.khartoummag.com/view.asp?release=24&...ction=article&id=381
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de