|
الأستاذ محمود محمد طه: ما بين يناير 1979 ويناير 2013: حرق مراكز الوعي
|
بمناسبة اغلاق الحكومة لمراكز ثقافية بالخرطوم أعيد نشر هذه الرسالة التي كتبها الأستاذ محمود محمد طه قبل 34 عاما ام درمان فى 13/1/1979م حضرة الاخ الكريم عبد الرحيم محمود أبوعيسى رئيس نادى الخريجين بمدنى وحضرات الاخوان الكرام أعضاء لجنة النادى الموقرة وحضرات الاخوان الكرام أعضاء هذا النادى العزيز
تحية طيبة إن ما حصل لناديكم لا يدعو إلى الاسف ، ولا الحزن ، كما قد يتبادر إلى الاذهان ، لدى الوهلة الاولى ، وإنما يدعو الى الاستبشار ، والفرح ، عند التأمل المستبصر. لقد خرجت من ناديكم ، فى الثلاثينات ، الشعلة الاولى التى كانت نواة الحركة الوطنية العظيمة التى إنتهت الى إخراج الاستعمار الحسى ـ حكم الانجليز ـ من البلاد ، فأحرزت بذلك تحريرها .. وستخرج بهذا الصنيع البشع ، من هذا القبيل الضائع ، من ناديكم الشعلة الثانية التى ستنتهى الى إخراج الاستعمار المعنوى ـ الجهل بالدين ـ وتسلط هذا الجهل على عقول أفراد شعبنا ـ من العقول بإذن الله ، فيتم بذلك ما بدئ ، فى مضمار التحرير ، من إحراز الاستقلال الصحيح .. لقد أراد الله بهذا النادى خيرا للمرة الثانية ، وأراد ان يصل ماضيه بحاضره فى خدمة رسالة الحرية فى هذه البلاد.. لقد ظللنا نحن الجمهوريين ، ننبه دائما إلى الخطر الذى يتهدد هذه البلاد من مؤامرة الطائفية التى إستغلت ، وتستغل ، الدين فى تضليل هذا الشعب لتسوقه ، معصوب العينين ، بإسم الله ، وبإسم الاسلام ليكون فى خدمة أغراضها الدنيئة .. ولقد ركزنا على تنظيم الاخوان المسلمين ، كذيل للطائفية ، كأسوأ تنظيم إستغل الدين لاغراض الدنيا .. وما هذا المعرض الذى اقمناه وتكرم ناديكم بفتح أبوابه له ، وهو له أهل ، إلا محاولة عملية جاده فى سبيل هذا التنوير الذى نضطلع به لشعبنا العزيز ، وفى سبيل هذا التنبيه الملح ، إلى خطر هذا القبيل المارق.. لقد طالما تحدثنا عن أن مساجد الله قد أصبحت ملوثة بجهالات رجال عقولهم خربة ، ونفوسهم مريضة .. وهؤلاء الرجال هم اليوم أئمة الناس ومعلموهم الدين .. ولكن حديثنا كان يفتقر الشاهد المحسوس الملموس ، على صدق النذير الذى يسوقه ، فوجدناه اليوم بحريق هذا النادى العتيق ، العزيز ، وجدناه بصورة ستظل نموذجا حيا فى أذهان الناس ، كنذير بما ينتظر هذه الامة ، اذا ما قدر لها أن تحكم بإسم الاسلام ، كما يفهمه هؤلاء الرجال الجهلة ، والمريضو النفوس . إن هذا النموذج البشع الشائه ، يجئ فى الوقت المناسب لينبهن العقلاء لدرء خطر الجهلاء قبل فوات الاوان.. هذا النموذج البشع لن يترك الناس لينسوه ، وذلك ليكون لهم نبراسا ، على ضوئه يدرجون إلى تقويض معاقل الجهل الذى يدبر الخيانة بإسم الاسلام . الطائفية.. ونحن الذين وقفنا حياتنا ، وقتنا ومالنا لاستنهاض الهمم لمقاومة هذا الجهل النشط الذى يستغل الدين فى تضليل الشعب ، نطمع فى أن يجند أعضاء ناديكم أنفسهم لمواجهة هذا الخطر الداهم ، ونطلب مثل هذا الطلب ، الى جميع المثقفين فى جميع بقاع هذا البلد ، الذى نعزه ونفديه.. فأرجو أن يكون هذا الحادث البشع نقطة إنطلاق لناديكم ولاندية الخريجين فى كل مكان ، لتواصل المشوار الذى بدأته فى الثلاثينات فى محاربة الاستعمار الحسى ، حتى تقضى على هذا الاستعمار الجاهل الذى يشل العقول بإسم الله وبإسم الاسلام.. وأخيرا هذا دور ناديكم ، وهو دور يجب أن ينتظر له ، وأن يتوقع ، وهو دور مشرف ، كل التشريف !! ألا ترضون أن يكون ناديكم قد فدى البلاد ، والامة ، فساق لها هذا النذير العريان ، الذى يعصمها من أن تسير معصوبة العينين إلى حظيرة هذا الجهل الاسود ؟؟
أخيرا لكم جميعا تحيتى وودى المخلص محمود محمد طه
|
|
|
|
|
|