|
الأستاذ محمود محمد طه: القميص دة مفصّل قدر د. مرسي تماما
|
يرى انه مما يؤمنه ضد الانقلابات العسكرية أن يرضى إخوانه الضباط بإعطائهم من الامتيازات ما يلهيهم عن التطلع إلى منافسته، وما يجعلهم أعوانا له ضد كل محاولة تستهدف إنهاء حكمه، سواء كانت هذه المحاولة من الشعب عامة، أو من أفراد مغامرين
Quote: الرئيس محمد مرسى كلف وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى بدراسة زيادة مرتبات ضباط وأفراد القوات المسلحة.. |
| ورد في كتاب الشرق الأوسط: الدكتاتورية العسكرية
((النظم التقدمية)) نظم دكتاتورية عسكرية. ومع أن أسلوب الحكم الدكتاتوري أسلوب سيء، من حيث هو، فان أسوأه ما كان منه دكتاتوريا مسيطرا عليه الجيش.. ذلك بان تربية الجيش بطبيعتها لا تؤهل رجاله ليكونوا حكاما مدنيين، يتجاوبون مع طبيعة المدنيين، في الاسترسال والحرية، وإنما هم ينشأون على الضبط والربط والطاعة العمياء. ثم أن الجيش في الأوضاع الصحيحة، يجب ألا يكون له تدخل في السياسة، لان السياسة تفسده، وتصرفه عن تجويد فنه العسكري، وتجعله، بما يظن لنفسه من حق في التطلع إلى السلطة السياسية، يرى نفسه حاكما على الشعب، وانه، من ثم، من حقه الاستمتاع بامتياز الحاكم وهو عندهم الترف والدعة. ثم أن الدكتاتور العسكري، وهو قد وصل إلى السلطة بفضل إخوانه الضباط، وأبنائه الجنود، لا بد أن يرى حقهم عليه مما يوجب تمييزهم عن بقية الشعب.. وهناك أمر هام وهو أن هذا الدكتاتور العسكري، زيادة على ما تقدم، لا بد أن يرى انه مما يؤمنه ضد الانقلابات العسكرية أن يرضى إخوانه الضباط بإعطائهم من الامتيازات ما يلهيهم عن التطلع إلى منافسته، وما يجعلهم أعوانا له ضد كل محاولة تستهدف إنهاء حكمه، سواء كانت هذه المحاولة من الشعب عامة، أو من أفراد مغامرين.. هذا، على أيسر التقدير، ما يكون في بداية أي حكم عسكري.. فإذا أتفق للدكتاتور العسكري، وقليلا ما يتفق، أن يكسب حب شعبه، وان يصبح، من ثم اعتماده على حماية الجيش إياه أقل، في أخريات الأيام، مما كان عليه في أولياتها، فانه يصعب عليه أن يسحب امتيازات الجيش التي تكون قد أصبحت يومئذٍ حقاً مكتسبا ومسلما به.. والامتيازات تفسد الجيش، كما يفسد الترف أخلاق الرجال في جميع الأماكن وجميع الأزمان.. وأسوأ من هذا! فان الشعب لا بد أن يدرك أن هذه الامتيازات، من الدكتاتور العسكري لبقية رجال الجيش، إنما هي بمثابة رشوة، ولمثل هذا الشعور سود العواقب على أخلاق الشعب وقيمه.. والحكم الدكتاتوري، سواء كان من ملك وارث للعرش عن آبائه، ويجمع في يديه السلطات، أو من متسلط، مستبد مطلق، إنما يفسد الشعب بما يفرض عليه من وصاية تحول بينه وبين ممارسة حقه في حكم نفسه كما يفعل الرجال الراشدون.. وأسوأ من ذلك!! قد يكون المتسلط – وهذا هو الغالب الأعم – جاهلا بأساليب الحكم الصالح، وخائفا من انتقاض الشعب عليه، فهو لذلك يعتمد على الإرهاب، والبطش، والتجسس الذي يحصى على الشعب كل كبيرة وصغيرة، وينشر عدم الثقة بين أبنائه.. فمثل هذا الحكم إنما يربى المواطنين تربية العبيد لا تربية الأحرار.. وأنت لن تجد العبد يدفع عن حوزه ما يدفع الحر.. وجميع العرب بين تربية تشرف عليها الدكتاتورية العسكرية، وهى التي تسمى نفسها ((بالتقدمية)) و((بالثورية)) وبين تربية تشرف عليها الدكتاتورية المدنية، وهى التي تسميها الدكتاتورية العسكرية ((بالرجعية العربية)).. والشعوب العربية، بين هؤلاء وأولئك، مفروضة عليها الوصاية، من قادة قصّر، هم، في أنفسهم، بحاجة إلى أوصياء.. ونحن لن نتحدث هنا عن قصور القيادات المدنية بين العرب، لان هذه القيادات ليس لها كبير أثر في الحوادث العنيفة التي تعرضت لها البلاد العربية في الآونة الأخيرة، وإنما سنتحدث عن القيادات العسكرية، وبوجه خاص عن القيادة المصرية – قيادة جمال عبد الناصر – لأنها فرضت زعامتها على العرب كلهم – بالترغيب وبالترهيب – حتى أصبحوا تبعا لها، فقادتهم من هزيمة إلى هزيمة، وجرت عليهم من العار ما أن خزيه ليبقى على صفحات التاريخ، إلى نهاية التاريخ.
|
|