|
قضية القلق وحالة التذبذب بين النقائض عند المبدعين
|
دفعني البوست الذي أنزله الأخ الكاتب والروائي محسن خالد معلناً فيه سموه أو إنزلاقه عن أو من خيار إلي نقيضه... من خيار عرفه بالخيار العلماني للخيار الإسلامي..وطبعاً مسألة الخيارات دي من المفترض أن تكون مسألة حرية شخصية في حدود بقائها في الفضاء الشخصي فلا يصادرها أحد علي أحد بس المشكلة عنما يكون الخيار خيار لا بطبيعته ولا بنتائجه شخصياً.. بمعني أن السؤال ليس عن شرعية الإختيار بل سمات الخيار الجديد..لأن إختياراتنا في الحياة ما بتأثرنا نحن فقط بل بتأثر المجتمع الحولنا إبتداؤ من الحلقة الصغيرة التي نعيش فيها إلي كل فرد تضمه مساحة أو فضاء ما مع الشخص المعني بالخيار.. عندما أكتب عن فردية الخيار أعني أن إختيار التصوف أو الإنعزال في صومعة قد تكون تأثيراته الإجتماعية في أدني حدودها... أما عندما يقرر الكاتب السامي أو المنزلق إلي خيار جديد الإستمرار في فعالياته الكتابية أو التبشيرية وربما السياسية متسلحاً بالرؤي الجديدة تصبح الدعوة للنظر وتفكيك هذه الرؤي ضرورة حياتية وفكرية ملحة...لأن من يختار مثلاً التخلي عن أفكار لصالح أفكار هي أدعي لقيم الحرية (وهنا أقصد حرية الأقوياء علي حسب نيتشة) يختلف عمن يتخلي عن أفكار لصالح أخري هي أدعي لمعاني الجبر ... بمعني أنها تقرر للناس مسبقاً شكل الحياة التي يجب أن يحيون ، واللبس الذي يرتدون، والطريقة التي يمشون بها..هناك فرق بين خيار فكري ووجودي تتحول فيه تفاصيل حياتك وحياة الآخرين من أطار الحرية إطار الإلزام الديني أو السياسي لك وللآخرين.... سأحاول في هذا البوست معالجة هذه القضية وأبتدئ برؤية ثيمة القلق عن هايدجر وسارتر وكريكجارد بصفة أن الأخير متدين وسابقيه لا دينيين في مقاربة لمعاني إختياراتنا في الحياة
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قضية القلق وحالة التذبذب بين النقائض عند المبدعين (Re: Sinnary)
|
عند هايدجر القلق حالة وجودية مهمة وإيجابية وتختلف عن الخوف (الذي يكون مصدره خارجاً عنا ومهدداً لنا) أو الوسوسة... القلق مصدره نحن ... مصدره حالة الإبداع الكامنة في حواصل المبدع وقدرته علي التفرد.. أي أنها الحالة التي تحفز الإنسان لإكتشاف ذاته وإستقلاله عن التأثيرات زز فما هو مصدره التاُيرات ...تأثيرات السلطات المختلفة علينا هو الخوف، اًلإضطراب والرهاب وليس القلق ، لأن القلق مصدره داخلي لا خارجي .. ، سواء أن كانت تأثيرات من هم قريبون منا علينا (العائلة ، الرفاق ) ، تأثيرات الإعلام أو عامة تأثيرات الرقيب الإجتماعي (والذي له درجة من التسلط علي حياتنا لا تضاهيها حتي دكتاتورية السلطة السياسية ، لذا تجدنا نلبس ما يرضي الناس ونظهر في شكل يرضيهم فنخفي ما نمارسه ولا يرضي عنه المجتمع حتي لا يكتشفه وينزل أحكامه القاسية علينا بأننا سكيرون ، أو منحرفون ، أو علي علاقة غرامية بشخص ما أو أو أو) ...يسمي هايدجر حالة إستجاباتنا لضغوط المجتمع ولصرامة أحكامه عنا ...أي حالة بأن لا نكون نحن نحن بل نكون نحن هم...أن نكون ما يريدون لنا أن نكون بحالة الزيف الذاتي (ان اوثنتستي) مقابلة حالة الأصالة والوثوقية وهي التحرك من الهم بضم الميم ، مما يريده الناس ، من الإجبار الإجتماعي ، إلي الأنا ، الذات ، الأصالة والوثوقية.. من الذوبان في تقليد ما عليه العامة إلي السمو للإستقلال عن ضغوطاتم .. أن يتناول المرء مسألة وجوده في الحياة تناولاً جاداً...هذا موضوع مقلق وموضوع القلق...الأمر الذي يفتح أمام ناظري المرء الممكنات الخاصة به ..تلك التي تجعل من حياته حياة ذات قيمة وتفتح أمامها أبواب الإبداع...لكن قد يتحرك الفرد منا في رحلته الوجودية من إستقلالية الأنا إلي طمانينية الهم بضم الميم ...أواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قضية القلق وحالة التذبذب بين النقائض عند المبدعين (Re: Sinnary)
|
عندما يتحول المرء من إستقلالية الأنا إلي طمأنينية الهم بضم الميم، يتحول عن الحقيقة إلي الإغتراب ، الإغتراب عن نفسه وعن أصالة وجوده...الإغتراب من الوعي الوصيل الوثوقي للوعي الإجتماعي والرأي العام...للقلق عند هايدجر مكونان أحدهما نفسي والآخر وجودي ، وعندما يطغي النفسي علي الوجودي يأخذنا إلي الكآبة أوفي أقصي مشاويره إلي الإنتحار، أما عندما يطغي الوجودي علي النفسي يتجاوزالتأثيرات المزاجية السلبية للنفسي ويحفز معاني الحياة وبالتالي كل أفعال التميز والإستقلالية... عند هايدجر لا توجد أي أسباب خارجية معلنة أو خفية وراء القلق ، أي لا شيئ مزعج يحدث في حياة الفرد ويسبب له قلقاً دائماً لأن كل المؤثرات الخارجية تحدث ما يمكن أن نصفه ، بالخوف ، الإضطراب ، الإنكسارات المختلفة الدرجة لكنها لا تسبب القلق رغم ما إعتدنا عليه من إطلاق مفردة القلق عليها بدلاً عن تسميتها باسمها الحقيقي.. حيث الوجود الفردي لأي فرد منا هو كل شيئ .. الوجود الفردي المستقل عن أي تأثيرات أو أفكار مسبقة من خارجه تحدد له كيف يجب أن يعيش..الوجودي الفردي هو مسئولية كل منا عن حياته التي يعيشها يوم بيوم ولا يعيشها له أي حد آخر .. فلا شيئ خارج البني آدم يصنع حياته لكن هنالك ما يأثر فيها ويشكلها بدرجة إستجابة الفرد للعوامل الخارجية وإستسلامها له لتصنع منه الإنسان الذي تريد..هايدجر ولأنه لا يؤمن بالأديان يري أننا قد قذف بنا قذفاً إلي هذه الحياة بدون يد ولا كراع ، ليس أنا فقط بل كلنا مقذوفون في فراغ عريض من اللا شيئ.. هذا الفراغ العريض من اللاشيئ الذي لم نحدد بدايتنا فيه و لا معني لنهايتنا غير أنها تفتح أمامنا الفرص لإنجاز أقصي ما يمكن قبل النهاية حيث تنتهي فرصة كل الممكنات ، هذا الفراغ العريض والسؤال عن كوننا لا شيئ في عالم غريب هو مصدر القلق ، والقلق مصدر الأصالة والنبوغ...أواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قضية القلق وحالة التذبذب بين النقائض عند المبدعين (Re: Sinnary)
|
في الحقيقة تعمدت في مناقشة مسألة التذبذب في الخيارات كلازمة من لوازم الإبداع الإبتدار بدفوعات الثلاثي الشهير في الفكر الوجودي في المسألة ... أولاً لأن أفكارهم نتجت من واقع تصدع إجتماعي عام وتصدع نفسي شخصي لا سيما بما يختص بكريكجارد ، ثانياً لأنهم الجماعة الفكرية التي إنتخبت الذاتي(الإنسان) كمركز لنظرها بعد أن كان الموضوعي هو محور ما سبقها من بحوث فلسفية ، وثالثاً لأنهم إنطلقوا في معالجة الذاتي من خلفيات متناقضة منها الديني ومنها الإلحادي مما يمكننا الحصول علي شبكة أوسع من المقاربات نظراً للتناقضات في المواقع التي تنتج الفكر الوجودي ذاته ... سأتوقف عن هايدجر إلي كريكجارد وهو دكتور في علوم الأديان وسليل عائلة متدينة عاشت مآسي عدة حتي كان كل فرد فيها علي قناعة بأن اللعنة قد نزلت علي العائلة وأعقب ذلك نبوءة بأن جميع أفرادها سيموتون في سن شبابهم وكان هذا للأسف ما قد حدث بصورة أو أخري...كريكجارد عاش حياته قلقاً وقد كانت حياته تطبيقاً عملياً لما ظل يدعو له حتي إنه عزف عن الزواج من خطيبته الفاتنة ريجين تأسياً بفكرة الفداء التي ظل مشدوهاً بها رغم ما سببه ذلك لهما من آلام مستمرة لا سيما بعد زواج خطيبته ريجين ومهاترات والدها معه...تكلم كريكجارد عن ضرورة ومشكلة الحرية ، تلك التي تضع كل فرد أمام قسوة الخيارات وأمام تشعب الطرق المتاحة أمام الإنسان المختار لا سيما في حالة الخيارات المفصلية للفرد.. مع مشكلة الحرية أشار كريكجارد إلي الشجاعة الضرورية حتي يتثني لأي فرد تجاوز زيف الخطابات السائدة بما فيها خطابات الفقه الديني الزائفة دوماً والسفر عنها بعيداً في دروب تحقيق الذات ولو بالتدين الذاتي المختلف عن التدين الإجتماعي (الكريسندوم)...يري كريكجارد أن أمامنا في كل لحظة من لحظات حياتنا خيارات لا تحصي ولكننا نتأرجح دوماً ما بين المتاح والممكن ...وأننا المسئولون عن قهر الممنوع حتي يتحول لممكن ثم متاح فمنجز...عند كريكجارد مشكلة الحرية في إتخاذ قرارات مفصلية في حياتنا هي أكبر مصادر القلق لا سيما عند تعدد الخيارات أمام الإنسان وتناقض المتاحات وهو المحدود أمام المطلق ...الشخص القلق أكثر ما يشغل باله هو صعوبة الإختيار الحر أمام يسر الإنصياع للجبر...يتردد الشخص القلق كثيراً أمام الخيارات غير الجلية أو المربكة قبل إقتحامها والتورط فيها ولكن عندما يختارها يغرق فيها ..القلق عند كريكجارد يحتاج لروحانيات يستريح عليها ولا معني للقلق خارج الروح( لاحظ أن كريكجارد ينطّر في سياق ديني) وعندما يري كريكجارد أن القلق حالة روحية فهو يقول ذلك لأنه يربطه بعاملان هما الخطايا التي نقترفها وتظل تتأجج ظلالها في وعينا الباطن وفي روحنا مما يسبب لنا قلقاً دائماً ولا إستقرار نفسي..والعامل الثاني الذي يفسر به كريكجارد القلق هو قصورنا عند إدراك كل الغايات بمعني أننا مهما أنجزنا في حياتنا نحس بأن هنالك شيئ لم يكتمل بعد وأننا عاجزون عن إدراك كل ما نريد وأن منظرنا يتحول لمنظر كوميدي ونحن نكرر نفس الأشياء يوماً بعد يوم حتي نفقد الشقف بما نفعل..وعند القلق يتجه الإنسان ويبحث عن الإيمان عن إيمان عميق يستريح فيها من عنت التناقضات التي يعايش...وكلما كانت التناقضات مربكة كلما كان الإيمان عميقاً ..وكلما كانت الألهة غير يقينية كل إشتد الإيمان وعظم لأن العمق الإيماني يحتاج للايقين ، فاليقيني باهت وغير جذاب ..يربط تلك الفكرة هنا بمسألة كون المسيح رجلاً وإلهاً في نفس الوقت شارحاً أن هل من الممكن أن نواجه لا يقينية أكبر من هذه أن نتعبد لما هو رجل كامل الرجولة وفي نفس الوقت إلهاً كامل الإلوهية..ما أجمل المفارقة ...وما أجمل الإيمان بالمفارقات...لا تشرحوا لنا أيها الهيجيليون المتبلدون كيف نوفق التناقضات الدينية...لا تصالحوا بين الوثنية والمسيحية فذلك ضار بكليهما... أبقوا علي المفارقة في الدين فذلك هو مبعث القلق والقلق بداية الطريق للإيمان .
| |
|
|
|
|
|
|
|