|
عادل إبراهيم محمد خير : سؤال الإبداع: سؤال الوجود
|
يعتبر الشاعر والمسرحي : عادل إبراهيم محمد خير ، خريج كلية الفلسفة بجامعة القاهرة ، من أبرز الرموز الإبداعية في تطور خطاب المسرح الحديث بالسودان وذلك لما تناوله في مسرحياته العديدة من أسئلة وجودية شائكة ، وما يطرحه خطابه المسرحي من اختلاف معياري عن سائد هذا الخطاب ، فقضية المرأة مثلا ، لم يتم تناولها في تاريخ المسرح السوداني بهذا التحليل البنيوي العميق الذي نراه في مسرحياته العديدة التي خص بها المرأة في أشجانها الوجودية ..وبعدها الكوني الخاص الذي يبتعد عن مجرد كونها بلاغا مفتوحا ضد سطوة الذكر وهيمنته في صياغة حياتها وتحديد مساراتها في مجتمع ذكوري متسلط يسلب كينونتها بل لا يعترف بوجودها أصلا إلا كظل طيع لرغباته الفجة ، يتناول عادل المرأة من زوايا تأملية خالصة تتماس مع أسرارها الكونية المستغلقة في عدد من أعماله مثل: عنبر المجنونات» و«موعودة بيك» و«نسوان بره الشبكة» و«الكنداكة» «وكلام الطير» و«ضرة واحدة لا تكفي" وغيرها ، ولا يخفى مافي مقاربته للمرأة من شغف وتوق يؤسطران قيمة المرأة الى مراق عرفانية بالغة الشفافية والعذوبة والغرائبية تكاد لا تتقاطع إلا مع تجربته الوجودية الخاصة مع هذا " السر الكوني الجميل" الذي يعاني تململا انفصاميا حادا في إطار ما ينبغي أن يلعبه في حياته اليومية من أدوار تجسد خنوعه الكلي وبين ما يمور في أقاصي أعماق روحه وأزقتها الخفية من أشواق صيرورة منفلتة لا يسمح لها المجتمع بالتعبير إلا ضمن سياق استثنائي كالزار مثلا –الذي يمثل مسرحا اجتماعي لفض المكبوت يستمد شرعيته من كونه " استشفاء جماعيا من علل روحية ما" يعترف المجتمع بسطوتها . يهتم عادل إبراهيم في مسرحه بقضايا "اللامنتمين" من مشردين وغيرهم –ليس باسترخاص قلقهم العريق باستجداء الرثاء والشفقة عليهم بل بجوهرته لهذا القلق في النسغ الكلي للثقافة الجمعية فهو حين يحاور قضاياهم كما نرى في مسلسل" الإقدام الحافية) فانه لا يستعرض ما يعانونه من شظف العيش إلا بحسبانه تفرعا من اعواص وجودهم الكلي وناتجا فرعيا لجوهر أزمتهم الوجودية ولعلنا نرصد تماسا حميما مع استبصارات " كولن ويلسون " في تشخيصه لسايكلوجا اللانتماء في كتبه العديدة: "اللامنتمي" ما بعد اللامنتمي" وغيرها التي أرجع الكاتبان نشؤها كظاهرة الى سقوط الروح المعاصر في قيعان الاستهلاك الميكانيكي لقيمة الوجود الذي يغيب فردانية التوق الى معانقة أسرار هذا الوجود في فوضى انغماسه في الاستجابة لإلحاح نداءاته البيولوجية المحضة التي لا تنفتح على أشواق الروح ونداءات " المطلق –في الإنسان " . عادل يكتب الشعر كرؤيا للكون والإنسان ، فأس الشعرية عنده وملاك أمرها هو حوار اللغة مع الوجود –ليس من أجل أنستنه وتجميله بل لقذف فوضى غموضه وإلغازه الى أبعد امدائها الممكنة ، الشعر عنده ليس إجابة عن قلق المعرفة بل مزيد من الإقلاق، في شعره يفتح –بمحبة عميقة –للكائنات بهوا خلفيا تمارس فيه انسلاخها من جلد هوياتها النهارية المعتادة وتتمشى في غسق تحولاتها الى صيرورات مشتهاة ، يلتقي عنده الشعر بالدين بحسبان إن الاثنين يمثلان استكناها " للمعنى – بالمفهوم الفلسفي للكلمة " معنى الوجود العميق المتخفي طي راقاته الآركيولوجية الأعمق والذي لا يسبر أغواره وكهوفه العميقة إلا من عانى " قلق المعنى" ولم تشبع روحه النزاعة للتمرد " إجابات الذهن الجمعي الشائخة " والمطمئنة الى يقينياتها الكلية القاطعة : المعرفة عنده غسق كلي وليست نهارا مضاء بإجابات " فقه النحن " الشعر عنده لقاء مع مجهول ما وما اللغة الشفيفة سوى ساحا لتسكع هذه " المجهول " في أمدائها الفسيحة يدعو اللغة الى الخروج من نسق تاريخانيتها العتيدة الى (.........)اجة الحضور الفوري في سرنمة هائمة لالتقاط الروح الساري في باطن الأحياء والأشياء والذي يتجاوز شؤون وشجون معاشها اليومي ولا يرى باسا في ما يراه الآخرون من غموض شعره النابع عنده من غموض ما يعالجه النص الشعري من أسئلة وليس من رغبة فجة في التغميض بحسبانه بضاعة من لا شعرية حقيقية لديه من ما يسم كتابات الكثيرين من " الشعراء" الشعر عنده تطهير للغة نفسها من أدران تاريخها كوسيط جمعي للإمتاع والمؤانسة .
|
|
|
|
|
|