|
|
 («تسونامي سافل» يضرب «بي بي سي»)#
|
منذ الثالث من تشرين الاول الحالي، واسم جيمي سافل (1926 ــ 2011)، يتردّد في الإعلام البريطاني. حتى أنّ بعض الصحافيين نبّهوا في مقالاتهم إلى أنّ هوساً بات يسيطر على الساحة الإعلامية البريطانية اسمه «فضيحة جيمي سافل»، وأنّ هناك قضايا أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية، تفوق هذه الفضيحة أهمية، يتم تهميشها. الهوس الإعلامي ذلك، مرده عاملان. الأوّل أنّ جيمي سافل Jimmy Savile، نجمٌ صنعته الـ «بي بي سي»، وعمل لديها قرابة العقود الخمسة، وهو متهم بممارسة التحرش الجنسي بمراهقين دون السادسة عشرة، الجرم الذي يعاقب عليه القانون البريطاني، وينبذه المجتمع بوصفة قذارة أخلاقية. والعامل الثاني أنّ أحد البرامج الإخبارية الرئيسية الرائدة في «بي بي سي نيوز نايت»، أعدّ تحقيقاً يدين بمجموع مصادره ومقابلاته سافل، ويكشف طبيعة ابتزازه وتحرشه الجنسي بمراهقات ومراهقين داخل مبنى «بي بي سي». وتمّ وقف بثّ التقرير، الأمر الذي التقطته المحطة المنافسة «أي تي في» بعد قرابة السنة. الاتهام في هذه القضية إذاً، موجه إلى اثنين، هما: سافل و«بي بي سي»، المحطة التي قد تكون قد أخفت حقيقة جرائم سافل، لأسباب قد تتعلّق ببرمجة فترة الميلاد من العام الماضي، والتي كانت معدّة لتكريم سافل ومساهماته الإعلامية طوال خمسة عقود. وتتعرّض «بي بي سي» لضغط سياسي وإعلامي من خارج المؤسسة وداخلها لمعرفة ماذا حصل، والأهم لماذا تراجع المسؤول، رئيس تحرير «نيوز نايت» عن بث البرنامج؟
مؤسسات عدة متورطة في هذه الفضيحة من ضمنها مستشفى في ليدز شمال انكلترا، كان سافل يمدّه بالمال الخيري ففتح له أبوابه ما سمح له بحسب نزلاء سابقين، من التحرش بالمريضات القاصرات. الشرطة متورّطة أيضاً لعدم تعمّقها في التحقيق، ومعها وزارة الشوؤن الاجتماعية ــ والعديد من الجمعيات الخيرية التي كان سافل يمدها بالمال، فسمحت له بالدخول والخروج إلى دور رعاية الأولاد، من دون رقيب. لكن النقد الأكبر ينهال على «بي بي سي»، لكونها مؤسسة عامة ومموّلة من المواطنين، وكان يمكن أن يكون لها دور في وقف تلك الجرائم التي استمرت عقوداً.
عقّبت «بي بي سي» بلسان مديرها العام جورج انتوسل على كشف «اي تي في»، بالقول إنّها مفجوعة بحجم الاتهامات الموجّهة لسافل. قدّمت اعتذارها للضحايا، وقالت إنها على استعداد لمساعدة الشرطة في تحقيقاتها، وأعلنت أنها ستنتظر نتائج التحقيق، قبل أن تبدأ تحقيقاتها الذاتية. لكن هذا الموقف لم يصمد طويلاً تحت وطأة المساءلة التي وجهتها «بي بي سي ترست» ــ الجهة المنظمة والمشرفة على مراقبة أداء «بي بي سي» وعملها والمرتبطة مباشرة بالجمهور وشكاويه. وبعد أقلّ من عشرة أيام على ذلك، أعلنت «بي بي سي» عن إنشاء لجنتي تحقيق واحدة للنظر في ثقافة وممارسات العمل السائدة أيام سافل، والثاني للنظر في ما إذا كان هناك ضغوط مارستها الإدارة على فريق عمل «نيوز نايت» لوقف البرنامج الذي كان بإمكانه فضح ممارسات سافل، ويجنب المؤسسة بالتالي تهمة التواطؤ. ويقول جون سمبسون رئيس تحرير الأخبار الدولية في «بي بي سي» إن ّالمؤسسة تعيش حالياً أزمة ثقة مع مشاهديها، لم ير لها مثيلاً طوال العقود الخمسة التي عمل فيها مع الهيئة. فالأداء الاداري لـ «بي بي سي» لا يرضي كثيرين. وقد تلقى المدير العام الجديد للمحطة الحصّة الأكبر من النقد، لأنّ شهادته امام اللجنة النيابية للثقافة في مجلس العموم البريطاني، لم تكن مترابطة. كما أنّ أيّ إجراءات إدارية لم تتخذ بحقّ من يمكن أن يكون لهم دور بوضع المؤسسة في هذا الموقف الحرج وعلى رأسهم بيتر ريبن، رئيس تحرير «نيوز نايت». هذا الأخير أعلن أنّه لن يترك عمله في الهيئة، لكنه سيتخلّى عن مهامه في «نيوز نايت»، حتى انتهاء التحقيق بالأسباب الحقيقيّة خلف وقفه بثّ الحلقة المتعلّقة بسافل.
تخطّت فضيحة جيمي سافل، حدود بريطانيا، ووصلت إلى «نيويورك تايمز» التي سينتقل إليها المدير العام السابق «بي بي سي» «مارك طومسون»، الشهر المقبل. فقد أعلنت الصحيفة الأميركية أنّها بصدد مساءلة طومسون عن تصريحاته المتناقضة بشأن معرفته بمضمون حلقة «نيوز نايت» التي تمّ تحضيرها أثناء إدارته للهيئة. وستحدد بناءً على ذلك ما إذا كان هو الرجل المناسب لتسلم مهام رئاسة «نيويورك تايمز».
قد تكون «بي بي سي» وقعت في فخ تفضيل الجانب التجاري وحفظ السمعة، على المصلحة العامة، مناقضةً بذلك أحد أسس عملها. لكنّ ذلك لم يمنعها من استدراك الأمر، نظراً لأهمية دورها في الحيز العام، وأهمية أن تكون هي في مقدمة المنتقدين أداء العاملين فيها. وأحد أبرز أوجه ممارساتها للنقد الذاتي، برنامجها الاستقصائي الشهير «بانوراما»، الذي بث الاسبوع الماضي حلقةً تحت عنوان: «جيمي سافل، ماذا كانت تعرف «بي بي سي»؟
السهام الآن موجهة لـ «بي بي سي».. لكنّ مؤسسة قادرة على التحقيق في أخطاء العاملين فيها من دون محاباة، قادرة على تخطي أزمتها. هل يكون ذلك من دون خسائر؟ العديد من المعلقين يعتقدون أن الخسائر ستقع وقد تطال المدير العام لـ«هيئة الإذاعة البريطانيّة»، وآخرين على مستوى الإدارة العليا. وبالطبع قد لا تمرّ «تسونامي سافل» ــ كما قال معدّ حلقة «بانوراما» ــ من دون أن تحصد في طريقها رئيس تحرير «نيوز نايت» بيتر ريبن.
*زاهرة حرب
كاتبة هذه المادة
[ أستاذة الصحافة الدولية في جامعة سيتي لندن
|
|
  
|
|
|
|
زهير عثمان حمد
مهدي صلاح
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست