|
كتابة ما لن يذكره التاريخ ...!
|
(1)
أن تكتب ليقرؤك الآخرون عمل مضنيٍ للغاية والأشد ضنكاً من ذلك أن تكتب لتقرأ ما كتبت لحبيبتك التي تجلس القرفصاء أمامك متوشحةً روح ناقدٍ عظيم قضي نحبه علي منصات التتويج .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
تنــــويه :
هذه الكتابة شبيهة الي حدٍ ما بأحداث وقعت منذ سنوات ـ ظروف كثيرة تجبرني لأن أخفي بعضاً من معالم هذه السيرة ـ أهمها علي الاطلاق رغبة بطل هذه القصة ـ أشهد أنه كان ولا يزال واحداً ممن أحبوا هذا الوطن بعمق .
ـــــــــــ إذن لنبدأ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
أنا أنتمي للجموع التى رفعت قهرها هرما
ــــــــــــــــــــ شي جيفارا
أبريل 1998
لا أذكر كم من الوقت مضي وأنا أحاول إقناع ( أحمد ) بعدم جدوي ما يفعله ـ أن تتساقط دموعك هناك يعني أنك تتقدم بثبات نحو حتفك ـ هناك من الأفضل أن تحتفظ برباطة جأشك ـ بل يجب ذلك ـ ضف الي ذلك أن تستخرج ما مدك الرب من صبر ـ فلا معني علي الإطلاق أن تحتفظ ببقايا صبرك ـ هناك أيها الإنسان يستنفذون إنسانيتك يمرغونها في وحل لزوجتهم النتنة . يفعلون ذلك ببرود عجيب . شرعنا في إجراءات خروج (أحمد) عدة أوراق أحملها بيمناي ـ كان نهاراً قائظاً من نهارات أبريل ـ للمفارقة كان اليوم هو الثالث من أبريل ، الساعة تقترب من الثانية عشر ظهراً بالتقريب كنت برفقة (سلمي) ـ جاءت الأخري لتشهد خروج (أحمد) سوانا لم يكن هناك من يهمه أمر (أحمد) ـ تساقط الناس من حوله كأوراق الخريف ـ تغير الزمان كثيراً حتي أقرب أقربائه تناسوه في دوامة حياتهم دائرية الشكل ـ قلت لأحمد وأنا أربت علي كتفه :
حمدالله علي السلامة ياخ .....!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
بكت
(سلمي) بكاءاً صادقاً لا كبكاء (اليومين) ديل ـ بل بكت بكاءاً طازجاً فجري الدمع سخياً ـ كل ذلك و(أحمد) يراقبنا بحذر محق هو في حذره فما ناله جرء الوثوق بالآخرين كان أكبر بكثير ـ ففيما مضي من سنوات كان واثقاً من .... حزبه ... أحلامه و وطنه ـ كان واثقاً من غدٍ لطالما عمل لأجله بكدٍ وإخلاص كان عفيفاً لا يساوم علي الحلم أبداً .
رجل في متوسط العمر ساقوه بعيداً ظل ينادي (أحمد) أن لا ينسي وصيته ـ تتخيل أنت الواقف أن الرجل لا شك ذاهب الي حتفه ـ هكذا هم الأنبياء كتبة التاريخ حريصون للغاية لتوصيل وصاياهم الي من يهمهم الأمر . تذكرت ورقة صغيرة وصلتني بطريقة أو بأخري قبل سنوات طوال ، قصاصةٌ في حقيقة الأمر كانت عبارة عن وصية (أحمد) الأخيرة جاء فيها :
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
قدمت ( للضابط ) ما أحمل من أوراق ـ أوراق كثيرة من بينها أمر بالإفراج عن (أحمد) ـ نظر لي بتهكم ما بعده ثانٍ ـ قال ببرود لا أدري كم إستهلك من العمر في صنعه : تعال بكرة ثم رمي بأوراق (أحمد) في درج المكتب .
تعال بكرة لا أكثر ولا أقل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
تناول
الضابط أوراق (أحمد) مرةً أخري بعد أن رآني أقف كلوح ثلج أمامه كان الغضب قد ملأ أوردتي كنت أتنفس غضباً أري غضباً ـ أقف غضباً قال لي : وهو يتناول الأورق مرةً أخري .
يازول ما قلنا ليك تعال بكرة !
صمتُ ولم أرد .... مددت بما معي من أوراقٍ مرةً أخري
قال وهو يقلب الأوراق بين يديه :
طيب ما تقول لينا جايب معاك إفراج !
لم أرد فلا معني لإضافة شيئٍ في هذا المقام
وين المتهم ؟ هكذا صاح (الضابط) ثم أضاف :
ياعسكري جيب المتهم من برة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
وأتي أحمد
كان المشهد حاراً بين (أحمد وسلمي) كليهما يبكيان بحرقة لاتدري أهي دموع اللقاء بعد فراق طويل أم دموع المظالم التي تعرض لها (أحمد) جراء وثوقه بهمه الوطني النبيل ـ كانت تراجيديا مفعمة بالحنين .
أتي ...!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
بخطوِ
متثاقل قدم أحمد شأنه شأن أي متهم ـ يداه مقيدتان بالسلاسل ولا أدري ما الحكمة في ذلك ـ كان نصفه الأعلي شبه عاري تقريباً ـ تقوس الظهر منه وبدا لي ولكأنه رجل في خريف العمر لا في أواخر العشرينات والتي قضي سبع سمان منها في غياهب السجون متنقلاً من سجن لآخر قبل حصوله مؤخراً لأمر إخلاء سبيله لعدم كفاية الأدلة .سبع سنوات هي حصيلة جمع الأدلة سبع سنوات من التعذيب والقهر والمرض سبع سنوات من إنتظار المجهول سبع سنوات قابل فيهم (أحمد) ما لا عين رأت . غير أن العزاء كله أنه مواطن من مواطني بلاد الإستواء ـ البلاد التي تموت ناساتها وهم في إنتظار جمع الأدلة التي تدينهم في جرائر لم يرتكبوها ـ البلاد التي لا نهايات لأحلامها ـ البلاد التي تبيعك الرماد ثم تجلس لتتقبل الفاتحة علي ومضة روحك في صوالين العزاء ـ البلاد التي كلما مضيتها ما أوصلتك الخطي ـ البلاد التي تتسارع علك تلتقيها لكنها تدمن الهروب تماماً كالصبايا العاشقات .
البلاد التي ...........!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
ساعتان
بتمام الكمال قضيناها في غرفة (الضابط المناوب) وللأمانة كان متعجرفاً للغاية حتي لتحس أنك أمام فرعون ذات نفسه لا أمام موظف دوله قادته الدروب ليجلس في مكتب وثير عاتقاً ومستقبلاً لرقاب الخلق من البسطاء والكادحين والمجرمين ـ كان حريصاً للغاية ليرينا في ساعاتنا تلك أسوأ ما بالنفس الأمارة ـ حتي فرعون أظنني لو تبوأ مقعد الرجل ما كان له أن يكون ما كانه علي الإطلاق .
كدت إنهار وأنا أتابع أسئلة الرجل لأحمد ـ سيل أسئلة لزجة يضحك بهستيريا غير آبهٍ بأحمد الذي قضي أجمل سني العمر إنتصاراً لقضيته التي لم يكن علي الاطلاق من ضمنها النظر للآخر بهذه الروح القميئة ـ غمس أصابع أحمد في محبرة تعسة ذكرتني بمحابر مدرستنا وأنا قابع في الكنبة الثالثة من جهة اليسار ـ اليسار الذي ظللت رهنه منذ تلك الفترة تقريباً ـ يسار الحالمين والمضطهدين والفقراء وأبناء السبيل ـ يسار القضايا الكبيرة والأحلام المؤجلة يسار القابضين علي جمر القضايا بحقٍ وحقيقة .
قدم لنا محاضرة طويلة حدثنا عن الخونة والمرتزقة بلغةٍ وجلة فيها ما فيها من الرعب والخوف ، فالقتلة لا ينامون علي الاطلاق ـ لا يغمض لهم جفن ـ يحاولون في عريهم أن يرموننا بجروحهم لينسلوا منها ـ غير أنهم في حقيقة الأمر يرون جرحنا في منامهم نقلقهم بإحتجاجاتنا بأصواتنا / بدمائنا / نزعجهم بأغانياتنا الوطنية المشاكسة ـ وحين نخرج من أكفاننا يرتعدون ـ يطلبون السماح ـ غفراننا ـ نسياننا للآلام فكيف ننسي !؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
.
كان
الزمان عسكرياً لا يرحم ـ تلوث الفضاء فجأة برائحة البوت ـ تحولت الشوارع لثكنات عسكرية قل أن تجد للحياة منفذاً فيها ـ تسلل الكثيرون استقروا في منافيهم البعيده حاملين مساغب وأحزان عمرهم ـ ثم وبعيون دامعات شاركونا الأحزان كلما جال بخاطرهم حياتهم التي عاشوها هنا . تحول الوطن فجأةً لقاتل ـ مصاص دماء كانت الشوارع ـ إمتلأت الأزقة بالرصاص ورائحة الجثث الملقاة علي الطرقات ـ إبتسمت الكلاب وأقامت مهرجانات الإكتفاء ـ إختفت هوهواتها وتحولت لابتسامات تسيل منها الدماء .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: salah ismail)
|
قضينا
حوالي الساعة والنصف في المكتب الخشبي ذو الأثاث الوثير ثم خرجنا ثلاثتنا ـ علي كتفي إستند (أحمد) و(سلمي) مستندةً علي الأمل والأمنيات ـ ثلاثتنا كنا نستند علي الوطن ـ الوطن الذي كان وسيظل رغم الأفاعيل . كان (أحمد) يتمتم بكلمات غير مفهومة كان فاقداً لوعيه علي ما أظن . شرعنا مباشرةً في حمله الي عربة أجرة كانت تقف في الاتجاه الآخر ـ لم يفاصلنا السائق في الأجرة علي غرار سائقي المركبات ـ تعاونا في حمل (أحمد) مددناه في الكنبة الخلفية ـ إقتسمت و(سلمي) المقعد الأمامي ـ وإنطلقنا مباشرةً نحو المستشفي .
من يكتب التاريخ ؟؟ ـ ليته كان يدون نفسه بنفسه ليته فعل ذلك ـ فالرواة (آفة التاريخ) . وكل سيد يجد من يزيف له الحقائق وفق إرادته ، تسيل الدماء لتروي محابر الزيف ، وحين يموت البسطاء تنتصب الأقلام وتمتلئ المنابر بالخطب الرنانة ـ أموت سيدي وأعرف كم يلزمنا من الوقت لنقرأ تاريخنا الوطني علي حقيقته ؟؟؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
هذا
الصباح بدا لي وجه (أحمد) مشرقاً ـ إختفت الأخاديد التي في ظهره ـ ثلاثة أسابيع كانت كفيلة بإعادته لمربع الحياة ـ فقط إختفت منه الابتسامة . طوال الايام السابقة كنت أحاول إخراجه من حالة التوهان التي دخلها ، مواضيع كثيرة كنت أفتحها أمامه أملاً في مشاركته لي غير أنه ظل صامتاً وحذراً ومتأملاً في أغلب الأحايين ، لا أذكر أن تحدث طوال أسابيعنا الثلاث التي قضيتها وسلمي الي جواره الإشارة ظلت لغته الوحيده .
كما لم يكن بمقدور كائن من كان أن يحكي (لأحمد) ما حدث في سنوات غيابه تغيرت الحياة كثيراً إختفت الشعارات وحلت الشعائر ـ حتي هؤلاء الناس الذين يمضون في الدروب بخواطر مكسورة ورؤوس مطأطأة ليسوا علي الاطلاق من راهن عليهم أحمد ورفاقه في عنفوان ثورتهم التي ما حصدوا منها غير الوبال ، و صار من المألوف أن تري الظلم في الطرقات وكل ما يفعله الناس أن يضربوا الكف بالكف ثم يمضون ولكأن لم يكن ، روضتهم السلطات فتحولوا من شعب معلم لشعب مهموم معركته الوحيدة في الحياة الحصول علي قطعة خبز .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
Quote: أعلم إني ذاهب الي الموت ، لا أملك الآن سوي التحديق في شريط حياتي ، جسارات الكثيرين تتقافز أمامي وأنا سأواصل حتي النهاية ، ليبق ما بيننا وبين الوطن ... تحياتي للرفاق ولـ(سلمي) ما تبقي من أحلام .
|
سلامات يا نبي الوطن خضر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
قالت سلمي :
حمدالله علي السلامة يا أحمد
عينا أحمد تجولتا في الغرفة رمقنا بنظرات حائرة ثم إمتلأت عيناه بالدموع ، إحتنضته إنتحبنا سوياً كل علي طريقته ، حاولت أن أقول شيئاً ـ أي شئ ـ غير أن التراجيديا التي أمامي لم تكن لتستحمل حرفاً غير الصمت ، صمتي الآن إعتقد أنه خير وليمة أقدمه في هذا الجو المربك ـ وليمتي التي لا أملك غيرها ـ صعب للغاية أن تتحدث أمام من شخص زوادته الدموع ، دعه يبكي هو لا يحتاج الآن للشعارات المقززة ، لا حوجة له علي الاطلاق في الإستماع لجل الأشكال الهلامية التي لطالما تستخدموها كمخدر للألم ، هو يحتاج الآن لبكاء غير مشروط ـ، بكاء يعري تاريخنا السياسي ماضيه وحاضره بكاء يجد موطئ قدم في مستقبل دمعنا الوطني لا غير .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
شرعت (سلمي) في ترتيب الغرفة . قالت وهي تخرج لفافة صغيرة من حقيبتها : شوف جبت ليك معاي شنو ؟ كانت اللفافة عبارة عن ورود طبيعية حمراء وبيضاء تحس ولكأنها تفتحت لتشهد ميلاد أحمد ، أعجبتني سلمي للغاية أعجبني إختيارها ، تفتحت الأزاهير كلها ، حتي وجه أحمد خلته زهرة في بستان الحياة كانت المرة الأولي التي أري فيها إبتسامة أحمد ، منذ سنوات طوال لم تتحرك هذه الشفاه رغبة في الحياة ، فيا للأزاهير وياللنساء ودهائهن العظيم .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: قيقراوي)
|
الأعزاء صلاح اسماعيل هيثم طه (حموري) فتح الرحمن (قيقراوي)
ازيكم ياناس والله شاكر لكم حضوركم وسط هذه القصاصات . غايتو أعفوا لينا الشحتفة دي أخوكم بخش بي بروكسي وأبورسلي عديل وبالتالي عشان أعمل لي مداخلة بحتاج لي مليون إجراء غايتو شكيناهم لي الله هؤلاء الناس . مودتي وخليكم قريبين
مودتي يا صحاب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
سألني أحمد : حنمشي علي وين بالضبط ؟ في الحقيقة لم أكن ساعتها أعرف لأي وجهةٍ سنمضي كل ما كان يشغلني أن نخرج من هذا المكان لا أكثر .
أجبت:
حنمشي شارع النيل
أجابني قائلاً : هو بالله لسع قاعد ؟ ضحكت ها أحمد يعود بسخريته المحببة ، أضفت وأنا أواصل في ضحكي والله يا أحمد بيني وبينك كده هو زاتو بمشي وبجي . تخيلت أن (سلمي ) ستنتهرني علي عدم مبالاتي وسوء تقديري لما نحن فيه من موقف فاجأتني بضحكتها الميمونة ثم واصلت : والله أصلكم ما حتعقلوا هو بالله شنو العاقل في البلد المجنونة دي لامين نعقل نحنا ؟
واصلت سلمي : أحمد مفروض من هنا يمشي البيت مباشرةً والأسبوع ده كلو حيكون عبارة عن نقاهة وحنتبع نفس الاجراءات بتاعت المستشفي يعني مافي سجائر مافي تمباك مافي أي برامج أخري فهمتني ولا أوضح أكتر يا (خالد) . فهمتك طبعاً لكن البني آدم ده مشتاق يشم هواء ياخ سلمي : مافي أي هواء حيتشم في الأسبوع ده وده قرار عديل أمرك يا ستي وهو كذلك أي خلوكم أولاد ناس وأسمعوا الكلام جداً يا سلمي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
بما تبقي من صبر قالت سلمي :
يا حاج لو سمحت بعد ده ممكن نمشي ؟
يابتي مافي مشكلة الدنيا ملحوقة
بس انحنا معانا مريض ويادوب طالعين من المستشفي هكذا أجبته
حمدالله علي السلامة قالا بصوت واحد تقريباً
مالك انشاء الله عافية بس ؟
عافية والحمد لله
سأل الآخر سلمي : يا بت الشيخ إنتي من بنات وين ؟ باقيلي بتشبهي لي بت (حاج اسماعين)
أجابت سلمي بغيظ : أنا من بنات النيل الأبيض من الدويم ياحاج
سبحان الله صحي والله يخلق من الشبه أربعين
أربعين ولا أربعة وأربعين ياخال والله أنحنا فترنا لو ما عايز تتحرك خلينا نشوف زول تاني
العفو ياخوانا أها يا (عثمان) ودعتك الله وبالمناسبة أنا بكون (قانص) هنا طوالي أها بعد ده عرفت دربي لازم تجيني
أجاب (عثمان) والله يا (حاج التوم ) أنا زاتي ما بعيد منك أنا بكون واقف بإستمرار جمب العمارة (اللبنية) الفي طرف الشارع الورانا ده أجاب (حاج حاج التوم) ياتو عمارة دي ماعرفتها
عثمان : ياخ شفت الاشارة بتاعت مريديان أها تمشي طوالي لي قدام شمال كلزيوم طوالي
التوم : ياخ بالله شوف انت معناتها شغال جمب ناس (حاج أمين)
عثمان : ينور عليك بس أنا جمبو طوالي . إنتهينا تقريباً من وضع أغراضنا في السيارة ، تعاونت وسلمي في نقل الأغراض ، جلست سلمي في المقعد الأمامي ، تقاسمت وأحمد المقعد الخلفي في سيارة الأجرة . ظللنا نراقب ثلاثتنا إطلالة السائق والذي ما إن جلس علي المقود حتي سأل عن الوجهة التي نقصد ، للأمانة لم تكن هناك وجهة بالمعني المطلوب ، غير أنني أجبته بثبات
(القراش) يا عمنا .
ــــــــــ أتوقف هنا علي أن أعود متي سهل الرب في تساهيل الكتابة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: باسط المكي)
|
القراش :
درج الناس ومنذ سنوات طوال علي إقتسام أجزاء من منازلهم وعرضها بأجور رمزية تساعدهم في تصاريف حيواتهم البائسة ـ فظهرت في الأحياء الطرفية مدن صغيرة ، حتي إنك تجد داخل المنزل الواحد عديد مدن لم تزرها من قبل ، مدن تألفها وأخري تبغضها وأخري تنتمي إليها .
وجدتني إجتر الذكريات إجتراراً إذ لم يبق في محيط الواقع ما يشبع الروح ـ رحل الأصدقاء تباعاً بحثاً عن دفءٍ لطالما بحثوه في الطرقات ـ حتي الخمر لم يعد ذاك الخمر ـ أمسيات الأصدقاء تبدلت بما يشبه النواح ـ همسات المحبين تحولت لعويل وصراخ في أغلب الأحول ، كل شئ كل شئ تبدل .
كان (القراش) بمثابة دول داخل (دولة) ، مزيج جنسيات متعددة ، إرتريون وجماعات من شرق آسيا ، مصريون ، عاهرات ، محتالون ، مخمورون ، بالإضافة لدجال ورجل شرطة ، كان سكناً شعبياً خالصاً ، في الحقيقة كان وكراً شعبياً لا أكثر ولا أقل ، فقط جوال خيش ترفعه إيذاناً بدخول ذلك المستنقع الآسن لا أكثر .
كان وكراً للثعالب وذوي العاهات والسكرجية والعاهرات والمجانين والدجالين كان مستنقعاً يعج بالطحالب البشرية ، كل ذلك لم يكن ليمنع هذا الدرك الأسفل الذي نقطنه من أن يكون أكثر مكان يضج إنسانيةً وطرباً . رائحة الحب البشري معطوناً برائحة الخمور البلدية وهي تسيل من أفواه المغنين في الأمسيات يزيد من شبق المسكن ليتحول بدوره لأكبر (مغني) عرفته الإنسانية في تاريخها المجيد ، كثيرون كانو يأتوننا في الأمسيات رجال في غاية الإحترام من هندامهم نعرفهم ، أبلغ الظن أنهم كانو يبحثون عن حب ضائع سقط منهم في دوامة الحياة . نساء متعطرات تسبق خطاويهن الروائح البلدية لتمد المكان بكهارب لم تحلم بها . كان القاسم المشترك الذي جمع الساكنين في المكان الفقر ، الفقر والتشرد ، حصيلة النقاشات التي كانت تجري تؤكد ذلك ، وجوه الناس يؤكد ذلك ، ترفعهم عن صغائر الأمور يؤكد ذلك .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
كان
(القراش) بمثابة دول داخل (دولة) ـ جنسيات متعددة ـ إرتريون وجماعات من شرق آسيا ـ مصريون ـ عاهرات - محتالون ـ مخمورون ، وطنيون ، كان سكناً شعبياً خالصاً ـ في الحقيقة كان وكراً شعبياً لا أكثر ولا أقل ـ حتي أنك لتلاحظ ذلك بمجرد دخولك ، جوال خيش ترفعه إيذاناً بدخول ذلك المستنقع لا أكثر .
كان وكراً للثعالب وذوي العاهات والسكرجية والعاهرات والمجانين والدجالين كان مستنقعاً يعج بالطحالب البشرية ، غير أن كل ذلك لم يكن ليمنع هذا الدرك الأسفل الذي نقطنه من أن يكون أكثر مكان يضج إنسانيةً وطرباً رائحة الحب البشري معطوناً برائحة الخمور البلدية وهي تسيل من أفواه المغنين في الأمسيات يزيد من شبق المسكن ليتحول بدوره لأكبر (مغني) عرفته الإنسانية في تواريخها المجيده .
كثيرون كانو يأتوننا في الأمسيات رجال في غاية الإحترام ، روائح عطورهم المميزة تسبق خطاويهم الرتيبة ، أبلغ الظن أنهم كانو يبحثون عن حب ضاع حبٍ سقط منهم في دوامة الحياة . و نساء متعطرات تسبقهن الروائح البلدية ، لتمد المكان بكهارب لم تحلم بها .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
عامان
بالتمام ظللت أبحث فيها عن سكن يأويني ، ضاقت الأرض بما رحبت .ضاقت حتي إنني لم أجد أمامي سوي العودة لداخليات الطلاب ، أقضي معظم نهاري جائلاً شأني في ذلك شأن كل البشر الجائلين الذين يضيقون الخرطوم علي ضيقها ، أتسلل ليلاً عبر الجدار الجنوبي ، فور دخولي أتوجه مباشرةً للسطح ، هناك حيث الكثيرون من أمثالي المشردين ، ضف لبعض عمال اليومية والخضرجية وكل الذين يمكن أن تشاهدهم ذات نهار قائظ في السوق العربي ، أحياناً كنا نتقاسم الفراش ، يتسامر البعض فيما يغط البعض في سبات عميق.
كان السطح ممتعاً للغاية ، يتيح لك رؤية الخرطوم علي عريها الحقيقي تشاهدها من علٍ وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة قبل أن تلفظنا للتشرد وحياة المجاهيل ، أحياناً كانت تظهر بعض الاشكالات التي كنا نعالجها بمبالغ ضيئلة يتم جمعها علي عجل . مثلاً حدث ذات مرة أن إستل أحدهم سكينته محاولاً الإنتحار .
كان جاداً للغاية في مشروعه إبتدأ نهايته بطعنة مباشرة تجاه القلب ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أملي وصيته للحضور فهمنا أنه لم يمضي (بأخوي وأخوك) ضائقة مالية لم يستطع بعدها الإيفاء بإلتزامته أمام أسرته الصغيرة التي تركها أملاً في صناعة مستقبل يشبه بريق أعينهم ، ماتت إبنته الصغري جراء مرض عادي لايرقي لمستوي الفقد ، مات إبنه الأكبر جراء حادث سير ، ماتت زوجته جراء (الأحزان) ليموت هو جراء (سكينته) وهذا كل مافي الأمر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كتابة ما لن يذكره التاريخ ...! (Re: خضر حسين خليل)
|
كل
ما سبق عاليه جعلني أختار القراش كمأوي يحتضن (أحمد) بعد هذا الغياب الطويل لم أشأ أول الأمر أن أشرح لأحمد وسلمي طبيعة المكان الذي إقترحته تاركاً الصدفة أن تلعب دورها في تعريفهم بطبيعة المكان
وقد كان .
| |
|
|
|
|
|
|
|