مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 04:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2012, 07:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة

    يجد القارىء السودانى بعد ثورة التواصل عبر النت نفسه امام كم هائل من المقالات التى تملا وقته الثمين الا ان تميز بعض الكتاب المتخصصين منهم ما يجعل لمقالاتهم اهمية خاصة ..
    ومنذ فترة اختار هنا مقالات لهم خاصة من ذوى الاراء العلمية والمواقف الواضحة التى تعالج قضايا الوطن المختلفة وسوف ابدا هذا البوست بمقال مهم للدكتور امين مكى مدنى عن الدستور الذى سوف نفرد له فى المدى القريب بوستا لوحده ان شاء الله





    ما هكذا تصنع الدساتير! ..

    بقلم: د. أمين مكي مدني
    الإثنين, 08 تشرين1/أكتوير 2012 22:14



    يحتدم الصراع هذه الأيام، ويختلف الناس حول حماسة حكومة الإنقاذ المفاجئة لإشراك القوى السياسية، وربما بعض منظمات المجتمع المدني، في صناعة الدستور، بعد أن قضى الدستور الانتقالي بانتهاء الفترة الانتقالية، وقرر الجنوبيون الانفصال ممارسة لحقهم في تقرير المصير. البعض أشاد بدعوة رئيس الجمهورية لعقد لقاء بين حكومة المؤتمر الوطني وقوى المعارضة السياسية للمشاركة في وضع دستور للبلاد، بل وجه بعضهم اللوم إلى هذه القوى لرفضها حضور اللقاء، بينما برّر آخرون موقفها، كل من منطلق قناعاته، أو ربما جهله بآليات صناعة الدستور، بينما ذهب بعض المسؤولين إلى التصريح عبر وسائل الإعلام بأن الحكومة ستشرع في إعداد الدستور، حضرت المعارضة أم لم تحضر! وقد ناشد أحد كبار المسؤولين المعارضة للحضور بقوله"باركوها"، كأن "الدستور" المعني هو ذلك الذي ينادى به في حفلات الزار: "دستور يا سيادي"!


    تاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، لم يأخذ قضية الدستور مأخذ الجد، كوثيقة "عقد اجتماعي" لا يضعها الحزب الحاكم وحده، ولكن تشارك فيها، أيضاً، جميع أحزاب المعارضة، وكل منظمات المجتمع المدني، والمواطنون كافة، عن طريق ممثلي تكويناتهم الإثنية، والعرقية، والدينية، والثقافية، والرياضية، في مختلف أصقاع البلاد. فالدستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الحكم، رئاسياً أم برلمانياً، وأوضاع السلطة التشريعية، وكيفية انتخابها بحرية ونزاهة، ويفصل، إلى ذلك، بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وينص على استقلال القضاء، ويرسي القواعد العامة التي ينشأ بموجبها ادعاء عام مستقل يمارس سلطاته إزاء المتهمين، بمعاونة أجهزة ضبط تلتزم بقاعدة مساواة الجميع، حكاماً ومحكومين، أمام القانون، كما ينص على ديواند مراجع عام مستقل يرصد إيرادات الدولة ومنصرفات أجهزتها كافة، ويقدم تقارير سنوية تقتضى أن تتبعها إجراءات مدنية أو جنائية أو إدارية، بحسب الحال، لإصلاح الاعوجاج في تسيير أمور الدولة، ومحاسبة المسؤولين عنه؛ كما يحدد مهام أجهزة الأمن والدفاع في الذود عن البلاد ضد أي عدوان خارجي، أو تجسس، أو تهريب، أو فساد، أو نهب للمال العام، وما إلى ذلك من مهددات سياسية أو اقتصادية أو خلافه، وليس الذود عن النظام الحاكم، عن طريق قمع المواطنين بالتفتيش، والاعتقال، والتعذيب، وملاحقة النشطاء، ومصادرة الرأي الآخر، وإيقاف الصحف غير المطيعة!ّ ويُفترض، كذلك، أن يشمل الدستور أسس إدارة الاقتصاد الوطني، وعدالة توزيع الثروة والسلطة، والعناية بتحسين ظروف حياة الناس في الهامش، كمواطنين من الدرجة الأولى، وتطوير سبل كسبهم للعيش، من زراعة، وصناعة، وتعدين، ووضع البنيات التحتية، من ماء، وكهرباء، وطرق، وجسور، ومدارس، ومشافي، وبيئة، وتنظيم السلطات المحلية التي تسعى، مع السلطة المركزية، في تحقيق تلك الغايات.
    إذن، لئن كانت هذه بعض السمات العامة للدستور، فلا يصح اختزال الكيفية ال

    تي تنعقد بها الإرادات السياسية اللازمة لصناعته، على جبهتي الحكم والمعارضة، كضرورة لا غنى عنها، والمنهج الذي يتحقق، عن طريقه، التقاء كل القوى الحية في مفاصل المجتمع على كلمة سواء بشأنه، في محض "عزومة مراكبية" توجهها نفس القوى الحاكمة، من طرف اللسان، إلى المعارضين كي يهرعوا لـ "مشاركتها" في صناعة هذا الدستور، معلنة، في نفس الوقت، أنه ليس مهماً إن استجابوا أو لم يستجيبوا، مثلما هو الحال الآن، والذي بلغ حد تصريح بعض المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم بأنهم ماضون في صناعة الدستور الجديد، ولن ينتظروا حضور المعارضة للمشاركة!
    هذا السلوك السياسي يفضح النوايا الحقيقية للنظام، ويتكشف، حالياً، بوضوح، من خلال استعجاله في إجازة دستور جديد غالباً ما يكون قد تم وضعه سلفاً، حسب ما يرد عن جهود المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التابع لوزارة العدل، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للإنماء UNDP، واللذين ظلا يعقدان، لعدة أشهر، اجتماعات، في هذا الشأن، لم تدع لها المعارضة، ولا معظم منظمات المجتمع المدني، وبالتالي لم تشرك هذه الأطراف في مناقشة حتى المعالم العامة لهذا الدستور الجديد، دع تفاصيله، لكن ها هي، بعد كل ذلك، تجد نفسها مدعوة الآن، فجأة، لمباركة صناعة هذا الدستور بهذا الأسلوب، والبصم، عموماً، عليه، تأسيساً على سوابق العمل في الماضي!


    إننا لا نهدف، حين ننتقد منهج النظام وأسلوبه في صناعة الدستور، إلى الدعوة، بالضرورة، لمقاطعة مثل هذه (العزومة الحكومية) من منطلق خلاف فكري أو سياسي ضيق معها، أو بدافع عصبية انحياز ما إلى المعارضة، فثمة جهات عدة ظلت تتخذ نفس موقفنا هذا دون أن تكون لها مثل هذه المنطلقات أو الدوافع، ومنها جامعة الأحفاد، وصحيفة الأيام، وكلية شرق النيل، واتحاد الكتاب السودانيين، وغيرها من منظمات المجتمع المدني المستقلة التي ظلت ناشطة في نفس هذا الاتجاه، منذ أكثر من عام، عبر الندوات، والمحاضرات، وحلقات النقاش، وورش العمل، بمشاركة مختلف العلماء والأكاديميين السودانيين، والخبراء الأجانب من دول ذات تجارب مشابهه للسودان، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، دون أن تكبد الحكومة نفسها مشقة الاستماع إلى شئ من ذلك، رغم أن تلك الأنشطة لم تقتصر على الخرطوم، وإنما تعدتها إلى معظم أصقاع السودان، بهدف توعية المواطنين العاديين بأسس صناعة الدستور، وذلك من خلال كل المؤسسات والآليات المتاحة، كمنظمات المجتمع المدني وزعماء العشائر مثلاً، وقد خلصت، حتى الآن، إلى ذات المعنى الذي نحاول التعبير عنه هنا، وهو أن صناعة الدستور مسألة قومية تفترض مشاركة قطاعات المواطنين كافة، انطلاقاً من مبادئ الديمقراطية، والتنمية، والتصالح الوطني، وسيادة الشعب، وحكم القانون، وتعزيز حقوق الإنسان، مما يقتضى إعمال مبدأ شمول المشاركة، على قدم المساواة، ودون إقصاء لأي طرف، فضلاً عن إصلاح قانوني ضروري يزيل القوانين التعسفية، ويطلق الحريات العامة والحقوق الأساسية كافة، وعن التقاء كل الأطراف في منبر جامع يتم فيه الاتفاق على مهام وخطوات ديموقراطية عملية، كتكوين لجنة قومية من خبراء ومستقلين لوضع مسودة هذا الدستور بما يعكس التوافق الذي يتم في المنبر الجامع، وانتخاب جمعية تأسيسية، انتخاباً حراً مباشراً، لإجازة هذه المسودة، وأخيراً، إخضاع المشروع المجاز لاستفتاء شعبي واسع للتصديق عليه. ومن نافلة القول أنه ينبغي أن تسبق جميع تلك الخطوات عملية توعوية واستنهاضية شاملة من خلال التلفاز، والمذياع، والصحف، والمحاضرات، واللقاءات الشعبية المباشرة، في مختلف أنحاء البلاد، حتى يكون المواطن على مستوى مناسب من الوعى يؤهله للإدلاء برأيه في الاستفتاء المقترح. تلك خلاصة مختصرة لبعض ما بلغته جهود المؤسسات سالفة الذكر من أفكار، وما نحاول نحن، بجهد المقل، أن نساهم فيه.


    في هذا الاتجاه يتعين علينا الإقرار بافتقارنا لتراث أو ثقافة دستورية مستقرة رغم تجاوزنا نصف القرن منذ حصولنا على استقلالنا السياسي. فدستور ستانلى بيكر حكمنا منذ 1953م، وعدّلناه ليكون دستور استقلالنا فى 1956م ، قبل أن يلغيه الحكم العسكرى الأول في 1958م، ليحكمنا بالأوامر العسكرية، ثم في ثورة أكتوبر 1964م عدّلنا دستور 1956م ليكون أساساً لدستور 1964م، وظللنا نتجادل حول دستور جديد، إسلامي أم مدني، حتى انقلب علينا العسكر مجدداً في مايو 1969م، حيث ألغوا الدستور، وأصدروا، بدلاً منه، مراسيم عسكرية، ثم أصدروا دستور 1973م الذي تم تعديله، بأثر رجعي، لمصادرة الحريات العامة، حتى هبت انتفاضة 1985م، وأعقبها دستور 1985م الذي شده، أيضاً، بعض الحنين إلى دستور ستانلي بيكر، لكن ما لبثت أن وقعت الطامة الكبرى بانقلاب 1989م الذي لم ولا يحتمل أن يجاريه نظام في مصادرة سيادة القانون، وانتهاك الحقوق والحريات، بموجب إعلان الطوارئ، وتصعيد وتيرة الحرب في جنوب البلاد، حتى إذا بلغ السيل الزبى اضطر الطرفان لإبرام اتفاقية السلام الشامل التي أتبعت بالدستور الانتقالي لسنة 2005م. غير أن عدم الالتزام بتطبيق تلك النصوص التطبيق الذي يحقق السلام، والتحول الديموقراطي، ويجعل الوحدة جاذبة، أفضى إلى انفصال الجنوب، ثم ها هي (الإنقاذ) تعود، كرة أخرى، لتجرب المجرب: عقد لقاء مغلق، بعيداً عن المشاركة الشعبية، لنخب سياسية مدعوة لـ (التوافق) على، و(مباركة) دستور آخر من صنع (الإنقاذ) نفسها، بأسلوب شاء من شاء .. وأبى من أبى!
    مصيبة هذه الدعوة أنها تتجاهل مجمل التاريخ والإرث الدستوري في خبرات جميع البلدان الديمقراطية، والذي يقوم درسه الأساسي على أن الشعب هو صانع الدستور، لا الحكومة، مهما انتحلت وضعية المعلم، ووضعت الشعب في مقعد التلميذ!
    في هذا السياق، نوجه نفس الخطاب إلى المعارضة السياسية بأن أولوياتها المفترضة تقتضى منها الانخراط في ما تقوم به قوى المجتمع المدني من جهود سبقت الإشارة إليها بهدف توعية المواطن بماهية الدستور، وكيفية صناعته، وأن تصر على أنه لا دستور في غياب الديمقراطية، وإطلاق الحريات، وإلغاء القوانين التعسفية، وأسوأها قانون الأمن والمخابرات، إضافة إلى قانون النقابات، وقانون الصحافة والمطبوعات، والقانون الجنائي وإجراءاته، وقانون منظمات العمل الطوعي، وخلافها، وأن تتمسك، في السياق، بوضع الأطر الصحيحة لإصلاح القضاء، والخدمة العامة، ومؤسسات الدولة كافة، وكشف فضائح تحقيقات الفساد في الأموال العامة، وبيع الأجانب عقارات الدولة في لندن وغيرها، وشركات الطيران الجوية وخطوطها، ومئات الألوف من الأفدنة، وتعريض مستقبلنا الاقتصادي، بهذا، للضياع، وهز أسس علاقاتنا الخارجية، وتعريضها للتخريب، بالأخص مع دولة الجنوب، وتوتير الحياة السياسية الداخلية بعدم إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة، خصوصاً مع القوى الثورية، وبالأخص مع قطاع الشمال، وإلى ذلك مفاقمة أزمات دارفور، وأبيي، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، مما خلف ويخلف ملايين النازحين واللاجئين الذين يتعرضون، يومياً، للجوع والأوبئة والموت، والقائمة تطول!


    هذه القضايا وغيرها ينبغي الاهتمام بالكشف عن مخاطرها، والعمل على علاجها، وإشراك الرأي العام في ذلك، أكثر من الاهتمام بتوزيع السلطة والوزارات في دستور آخر يطل علينا للمرة التاسعة منذ الاستقلال. لا بد من لفت نظر الحكومة، ومن قبلها القوى السياسية المعارضة، كي يسعى كلاهما لسبر غور تلك الملفات الشائكة بجدية، وعلى رأسها توعية الجماهير وتعريفها بما يعني الدستور، والهموم التي ينبغي أن يشملها، وإلا تكون دعوة الرئيس بلا معنى، كما يكون رفض المعارضة لهذه الدعوة أيضاً بلا معنى، حيث ستدور الدوائر لتعيد إنتاج الحلقة الدستورية المفرغة التي تعودنا عليها، فإما أن يكون الشعب هو صانع الدستور بحق وحقيق، وأن تكون السلطة السياسية هي خادم الشعب المكلف بتحقيق أمانيه، أو لا يكون ثمة معنى للانشغال، أصلاً، بصناعة دستور جديد.


    هنالك نقطة أخيرة حول المزايدات والمكابرات التي يمارسها النظام ووالقوى الاجتماعية الداعمة له حول إسلامية الدستور. فالجدال الدائر بين الحكومة والمعارضة حول أسلمة الدستور ومدنيته أو علمانيته، كما تحب الحكومة أن تنسب إلى المعارضة، هو، في رأينا، جدل بيزنطي لا طائل من ورائه، وزج بالدين في السياسة والتنافس على السلطة. لقد رأينا وعانيننا من دولة الإسلام المفترى عليه عندما أعلنها النميري في 1983م، وشهدنا الإعدامات الجزافية، والقطع والقطع من خلاف، والرجم، والصلب، والجلد، والتشهير، إعلامياً، بمخالفي "القانون"، مثلما عاصرنا البنوك الاسلاموية إلتي حرم عليها الربا فابتدعت لها تفاسير فقهاء السلطة أشكالاً من المرابحات والمضاربات والمشاركات التي عادت على مؤسسيها من قادة وتجار النظام بأرباح فاقت، بما لا يقاس، الفوائد الربوية التقليدية، لدرجة أن عشرات البنوك الغربية دخلت في هذه الصيغة، ليس في الدول الإسلامية فحسب، بل حتى في دول الغرب (الكافرة) نفسها، جرياً وراء أرباح لم تتوفر لها في سعر الفائدة الربوية الذي يرفضه الإسلام!


    ثم جاءتنا ما لبثت أن جاءتنا دولة الإنقاذ (الإسلامية) لتقطع الطريق أمام مبادرة الميرغنى – قرنق (الإستسلامية!)، حسب وصف الانقلابيين لها، وتقيم دولة الإسلام! فشهدنا الإعدامات، والتعذيب، والقهر، والقمع، والجلد، والسجن، والهجرة القسرية، والاعتقالات المتطاولة، والتعذيب في بيوت الأشباح، والفصل التعسفي لعشرات الآلاف، وإبدالهم، عبر سياسة (التمكين)، بشباب ناقصي التأهيل والخبرة، ليتبوأوا المناصب الوزارية، وقيادة الخدمة العامة، ومؤسسات الدولة كافة، وإدارة الجامعات، والشؤون الاقتصادية والمالية، واتباع سياسة التمييز، والتفوق الديني والعنصرى .. وبقية (حدوتة) دولة الإسلام! وباسم الدين، زج بالبلاد في نزاعات مسلحة ضارية في الجنوب، ودارفور، وأييي، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، والشرق، وحتى الشمال الأقصى، بسبب التهميش، والآمال الضائعة في التنمية، وذهاب أحلام (سلة غذاء العالم) أدراج الرياح! فالدولة مفلسة تماماً، ومرهقة بديون متراكمة بلغت بلايين الدولارات مع ( فوائدها) التي أجازها فقه الضرورة! وهنالك، إلى ذلك، المقاطعة الاقتصادية من جهات التمويل، وتفاقم الفقر، وانهيار خدمات الصحة، والتعليم، وتخريب البيئة، وشح فرص العمل، وانتشار البطالة وسط الشباب، وازدياد الشكوى من افتقار القضاء إلى أبسط أشراط العدالة والنزاهة، تزايد إحكام قبضة أجهزة الأمن على مصائر الناس ، في المجال السياسي، والوظيفي، والاجتماعي، والشخصي، حتى على صعيد ما يلبس الناس، وحتى على صعيد احتفالهم بمناسباتهم الأسرية، فضلاً عن منع المسيرات، والتجمعات السلمية، والليالي السياسية، وحصر الندوات وحلقات النقاش على الدور المغلقة للأحزاب والنقابات، لضمان النأي بها عن الجمهور الذي يفترض أنه صاحب الشأن والمصلحة في كل ما يثار.


    مع كل هذا وغيره، تقول الحكومة إنها، بعد (الخلاص) من الجنوب، وبعد أن وصل عدد المسلمين في الشمال إلى ما يفوق الـ 90%، سوف تعمل، هذه المرة، على إصدار دستور (إسلامى). هكذا، بعد ربع قرن من (الحكم الإسلامي) للإنقاذ، ها نحن موعودون بـ (دستور إسلامي)! وبالفعل سمحت الحكومة للاتجاه السلفي الذي تسانده، ربما ببعض مواربة، أن ينشر في الناس أول صيغة لدستور إسلاموي غارق في الأصولية والتطرف، على حساب الحرية والعدل وحقوق المواطنة، حتى إذا ظهرت هي في ما بعد بدستورها الإسلاموي (المعتدل) قالت للناس: أنظروا .. كم نحن في الإنقاذ وسطيون ومعتدلون، بدلاً عن مقترحات العلمانيين (أعداء الإسلام) الذين ينادون بالدولة المدنية!
    غير أن الناس ليسوا بهذه السذاجة كي ينطلي عليهم هذا السيناريو البدائي الأعرج! وسيتساءلون عما حققت لهم "دولة الإسلام" التي ظلت تحكمهم منذ ما يقارب ربع القرن من قيم وتعاليم الإسلام في العدل والمساواة وتكريم بني آدم، وعن (إنجازاتها) فى توزيع السلطة على (بني المؤتمر الوطني وأتباعهم من مدمني المنصب والمال)، في مجال الفساد، وسرقة المال العام، وظلم المساكين والعطالى، والحرمان من المأكل، والمشرب، ناهيك عن خدمات التعليم، والعلاج، والسكن، وكل ما لا ينفصل عن قيم الإسلام الحقة؟! ماذا في جعبتها من خطط وبرامج إسلامية لإنتشالنا مما نحن فيه من وهدة؟!


    الناس لا يحتاجون لمن يعلمهم أن الإسلام ليس شعارات زائفة يرددها الحكام في الخطب الرنانة بأصوات جهورية عن السلف الصالح وإنجازاته، والفتوحات الإسلامية ..الخ، يتبضعون بها في المساجد، والميادين العامة، والمناسبات الدينية، كما وأن الإسلام ليس برامج تلفزيونية عقيمة يُستأجر لها الملتحون لترديد الآيات والأحاديث، أو أبعض ئمة المساجد الذين لا يمس حديثهم حياة المواطن، وحريته، وأمنه، وقوته، ورعاية مستقبل أبنائه، بينما واقعنا يضج بكل ما من شأنه البعد عن الإسلام بعد خمسة عشرة قرناً من عهد ذلك السلف الصالح رضي الله عنهم. أين نحن من هكذا إسلام مع إسلام "لحس الكوع"، و" بلها وأشرب مويتها"، و" الفورة ألف"، و"الحشرة الشعبية"، و"نحن اخذناها بقوة السلاح ومن يريدها فليحمل سلاحه"!
    ترى أى دستور إسلامى تنوى حكومة الإنقاذ صنعه ليتضمن مفاهيم القيم الإسلامية الحقيقية؟ وربما ينطرح، أيضاً، سؤال جانبي عن الأسباب إلتى حدت بحكومة المؤتمر الوطني كي تجمد، دون إعلان، عقوبات الصلب، والرجم، والقطع، والقطع من خلاف، رغم وجود نصوصها الواضحة في القانون الجنائي؟ أهو اجتهاد أم خروج عن الثوابت؟! وأين السادة القضاة المستقلون من كل هذا؟!
    اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا!

    (سبتمبر2012م)


    -------------



    المخرج الممكن والمستحيل من الازمة السودانية ..

    بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي
    الإثنين, 08 تشرين1/أكتوير 2012 22:25

    أصدر " اللقاء التفاكري " الذي استضافه المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات في الدوحه خلال 22- 24 سبتمبر الماضي " نداء الي اهل السودان "دعا فيه الي تشكيل لجنة تسيير تجري اتصالاتها بجميع الأطراف داخل السلطة وخارجها لعقد مائدة مستديرة تهدف للوصول الي حل شامل للصراعات الوطنية القائمة. حظيت بالمشاركة في الدورة الاولي ل "اللقاء التفاكري " الذي عقد في مايو الماضي وهذه بعض الافكار علي سبيل تنشيط الحوار حول مخرجات هذا اللقاء الذي يستمد اهميته من نوعية حاضريه .... ولكن ايضا من انعقاده فيإحدي الدول التي تشهد تجربة هامة في تطوير المجتمعاتلانها، حسب متابعاتي، تركز علي تحرير عقل الانسان من خلال تحديث النظام التعليمي. هذا موضوعاخر ولكنه مع ذلك فيصميم كيفية تذليل المعضلة السودانية،وفق تقدير هذاالمقال.
    تحرير العقل، تمليك الفرد القدرة علي الاختيار الحر بحيث ينتمي الي الجماعة طوعاوليس كرقم في قطيع ويعرف حقوقه وواجباته،هو المنجز الاكبر لعصر التنوير الاوروبي الذي قامت علي اساسه، ونجحت، التجربة الديموقراطية. وبقدر ماأتيح لي من معرفة محدودة إزاء هذا الموضوع المعقد والمستجد سودانيا، شرحت في اللقاء الاول كيف ان انعدام الظروف الاوروبية عندنا هو الذي يكشف عن الحلقة المفرغة الحقيقية التي تحكمت في تاريخ بلادنا منذ الاستقلال. دائرة الحكم العسكري- المدنيالتي يكثر الحديث عنها هي، وفق هذه الرؤية، مظهر أو تفرع عن الدائرة الاكبر الام او الاصلالتي أوصلت تدهور اوضاع البلاد الي حضيض خلخلة كيانها الاصلي المجرد نفسه.


    تفاصيل هذه الرؤية يجدها من يثير الامر اهتمامهفي كتاب صدر مؤخرا عن دار عزه / الخرطوم بعنوان " الديموقراطية المستحيلة، نحو عصر تنوير سوداني " مجملها أن الامكانية الوحيدة لتوليد العقل الحر المستنير عندنا كان ولايزال استدامة النظام الديموقراطي نفسه بينما يستحيل ذلك دون قطع شوط في عملية التوليد التى تحققت في اوروبا بالثورة الصناعية والصراع بين الاقطاع- الكنيسة والبورجوازيه وازدهار تيار التنوير الفلسفي والفكري.هذه هي الدائرة الشيطانية المفرغة التي أطلقت تسلسل الشموليات من 58-64 الي 69 -85 الي 89 - .... مع تزايد نسبة الشمولية وطول العمر فيها حتي وصلت قمتها في النظام الراهن. وبسبب تراكم إفرازات هذه الشموليات،خاصة في حقلي التعليم والاقتصاد، الي جانب الضعف الموروث عن الاختلاف بين التاريخين السوداني والاوروبي، شهد الوزن النوعي لقوي التحديث والديموقراطيه إضمحلالا متصاعدا تظهر آثاره جلية في عجزنا عن قطع الطريق علي سلسلة الشموليات بأقامة ديموقراطية مستدامة. هذا واقع موضوعي مؤداه ان قصورات قيادات الاحزاب ليست المرد الرئيسي لضعف المعارضه وإلا لأثمرت جهود أستبدالها علي يد حركات الاصلاح والتمرد التي طالتها جميعا أو جهود تكوين أحزاب جديده بينما يبقي الاستنتاج الثالث اللامعقول هو العجز الابدي للمجتمع السوداني عن استيلاد قيادات سياسية فعالة، إذا استبعدنا التفسير المطروح هنا.


    بما ان السياسة هي حاصل فعل توازنات القوي والضغوط المتبادلة فأن من البديهي ان يترجح الميزان لمصلحة المؤتمر الوطني الحاكمنتيجة ذلك الاضمحلال بحيث يغدو من المستحيل تصور إمكانية قبوله بالتنازلات الضرورية لتحقيق الخطة المضمنة في النداء. المسألة هنا ليست أحكاما أخلاقية تنفع معها المناشدات لاننا إذا وضعنا أنفسنا في مكان قيادات السلطة سنجد ان الحسابات الباردة من منظور حماية مصالحهم سواء كأفراد أو وتوجه ايديولوجي أو مواقع طبقية لاتقتضي التنازل وهو أمر تأكد في القناعات بعد النجاح في عبور أزمة زيادات الاسعار مؤخرا . هذا وضع لن يتغير الا إذا تغير ميزان القوي السياسي بحيث يصبح الخيار أمام القيادات الحاكمة هو بين السقوطوخسارة كل شئ أو القبول بخسارة تنازلية جزئية.
    فاذا أعترفنا بأن المصادر الذاتية المحلية لزيادة وزن القوي المعارضة غير متوفرة حاليا بسبب الضعف الشديد لتيار الدفع الديموقراطي نتيجة أنتفاء شروطه الاوروبية لدينا، يصبح الخيار الوحيد أمامها هو الاستعانة المؤقتة بالتدخل الخارجي. بغير ذلك، أي الاستمرار بالمهمة المستحيلة لتشكيل كيان معارض يقوم علي افتراض وجود هذا التيار كما هو الحال الان،فأن المعارضة تصبح شريكة للمؤتمر الوطني في التسبب بأنهيار مقومات الوجود الوطني بحكم منطقها نفسه الذي يعزو هذا الانهيار الي هيمنة المؤتمر الاحتكارية علي السلطة. علي هذا الاساس فأن هذا النوع من التفكير خارج الصندوق، حسب التعبير الشائع الان، يغدو ضروريا من الناحيتين الاخلاقية والعملية ولاينبغي لاي اعتبارات، وعلي رأسها الابتزاز بأتهامات العمالة للامبريالية أو الاستكبار، ان تمنع تبنيه. شهادات الوطنية لاتصدر عن أولئك الذين أوصلونا الي درك الاختيار بين بقاء الوطن أو اللجوء الي العون الاجنبي.
    يفكر صاحب هذا المقال هنا بصوت عال ، صوته الخاص وليس صوت أي حزب أوجهة. التدخل الخارجي لم يعد يعتبر أنتهاكا لحرمة دينية أو تابو وطني كما يشهد مجال ماسمي الربيع العربي الزاخر بكافة أنواع استعانة المعارضاتبالتدخل الخارجي ضد أنظمة الاستبداد، تارةالعسكري المباشر منه كما هو الحال في النموذج الليبي،والمطلوب الان من قبل السوريين جميعا بألحاح، واخري بالتدخل غير المباشر متراوحا بين النموذجين اليمني والمصري والتونسي. علي الصعيد السوداني نماذج القبول الرسمي بالتدخل الخارجي، حتي العسكري منه امميا وافريقيا، موجودة بكثرة في دار فور وابيي وإن كان فيما لايمس القبضة علي المركز. اما القبول غير الرسمي فموجود في استعانة الجبهة الثورية، لاسيما قطاع الشمال، بالامم المتحدة عبر القرار 2046 وأيضا بنفس التوصيف.
    الصيغة التي تخطر في البال بالنسبة للنموذج السوداني مركزيا هي توسيع صلاحيات الالية الافريقية الرفيعة المستوي، مسنودة بدعم عربي- غربي اقتصادي وسياسي، لتشمل، في الحد الادني، التوصل الي اتفاق مضمون التنفيذبين الحكومة والمعارضة لاجراء أنتخابات نزيهة أو مشاركة حقيقية في السلطه الي حين موعد الانتخابات القادمه.مع العلم بأن تابو امبيكي سبق له أن قاد عملية مماثلة في زيمبابوي عام 2009أدت الي اشتراك المعارضة في التركيبة الحكومية وترتب عليها أنقاذ زيمبابوي من الانهيار الاقتصادي الكامل بنمو يتجاوز الان 7 % سنويا مع انخفاض مستوي حوادث انتهاك حقوق الانسان بينما تتركز الجهود علي تنفيذ الفقرة المتعلقة بكتابة دستور ديموقراطي في الاتفاق. في مثل هذا السياق تبقي قضية سقوط نظام المؤتمر الوطني في يد قياداته بمعني ان هذا التدخل سيرجح ميزان القوي لغير مصلحته لاول مرة منذ قيامه بما يغير نتائج انحيازه لخيار المواجهة بدلا من التنازل، وليست مطلبا للمعارضة التي ستعمل لهزيمته من خلال صندوق الانتخابات.


    إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو تعتمد بطبيعة الحال ايضا علي وحدة المعارضة استراتيجية وتكتيكا بحيث توفي بألتزاماتها في الصفقة التي ستنتج عن تفاوضها مع المؤتمر الوطني تحت أشراف الاليهالافريقية والمضي بعد ذلك نحو تحقيق انتقال سلس الي مرحلة تحول ديموقراطي باستلام السلطة انتخابيا. التجارب العملية لاتدل علي امكان تحقق شرط وحدة المعارضةولكن يبقي لمن لديه مايقوله " خارج الصندوق"، أن يقول كلمته ويمشي علي قول السيد المسيح،لعل وعسي.


                  

10-10-2012, 11:21 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    الترابي في الثمانين : سؤال الإرث الباقي
    October 9, 2012


    عبد الوهاب الافندى


    في مطلع الأسبوع الجاري، التقيت الشيخ الترابي في الدوحة بعد انقطاع لقرابة عامين، في إطار مؤتمر نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول الحركات الإسلامية ونظام الحكم الديمقراطي. وكانت التجربة الإسلامية في الحكم في السودان من أهم محاور النقاش في هذا المؤتمر، وقد دعي الشيخ الترابي لتقديم محاضرة يقيم فيها هذه التجربة ويطرح عصارة رؤيته فيها. وكانت هناك إضافة إلى ذلك جلسة شاركت فيها لتقييم التجربة، إضافة إلى حوارات أخرى دارت حول ذات الموضوع.

    أهمية التجربة السودانية تأتي من جانبين: فكرياً، حيث كان للحركة الإسلامية السودانية أفكار متطورة في دعم والتمسك بالديمقراطية من منظور إسلامي، وعملياً حيث أن الحركة الإسلامية شاركت في الحكم في نظام النميري بمبررات مختلفة، ثم انقلبت على الديمقراطية في عام 1989 وانتهجت ممارسات قمعية غير مسبوقة في تاريخ السودان. وكل هذه التجارب ذات أهمية كبيرة في السجال الدائر حالياً حول الديمقراطية في العالم العربي ودور الإسلاميين فيها. ذلك أن أحد أهم الأسئلة المطروحة في هذا الصدد تتعلق بالتزام الإسلاميين بالديمقراطية إذا وصلوا إلى السلطة، حيث عبر الخصوم عن تخوفهم من أن لا يتخلى الإسلاميون عن السلطة إذا وصلوا إليها، ويستشهدون في ذلك بإيران. وقد كان الإسلاميون يردون على ذلك بالإحالة إلى أفكارهم وإعلاناتهم بالالتزام بالديمقراطية. ولكن ما حدث في السودان، حيث كانت الحركة الأكثر تقدماً بين رصيفاتها في التأصيل للديمقراطية، ثم تم الانقلاب على كل ذلك، وضع كل هذه الحجج موضع تساؤل.

    لكل هذا كان من الأهمية بمكان تفسير هذا التناقض الكبير بين الأقوال والأفعال في الحالة السودانية، من أجل إعادة الثقة بين القوى السياسية المتنافسة على الساحات السياسية العربية، وهي ثقة ضرورية لأي عملية ديمقراطية. وهناك بالطبع إشكالات إضافية بالنسبة للشيخ الترابي والحركة الإسلامية السودانية، تتمثل في إعادة كسب ثقة بقية القوى السياسية في المجتمع السوداني، وهي مهمة أكثر صعوبة.

    وكنت قد قمت بدراسة متأنية لكتابات الشيخ الترابي في هذا المجال في إطار بحث الدكتوراه السالف ذكره، ثم تناولت آراءه بالنقاش في المقابلات التي جرت في إسلام أباد عام 1987. وفي نهاية ذلك العام، وصلت إلى الخرطوم حيث حضرت مؤتمر الجبهة القومية الإسلامية في يناير عام 1988، ثم أجريت مقابلات أخرى مع الشيخ الترابي، إحداها في السيارة في الطريق إلى مدينة ود مدني حاضرة محافظة الجزيرة. وفي تلك الرحلة راقبت أداء الشيخ الترابي وهو يخاطب الجماهير، ويطرح برامج الحزب ورؤيته لحل مشاكل البلاد، ويوجه انتقادات حادة للأحزاب المنافسة.

    كان من أهم ما يميز آراء الشيخ الترابي ليس فقط تقبله للديمقراطية كوسيلة للحكم، بل إصراره على الديمقراطية كأداة للتشريع الإسلامي. فقد كان الشيخ يرفض هيمنة من يسمون أنفسهم العلماء على شؤون الفتوى وتفسير النصوص الدينية، بل يرى أن الأمة بكاملها هي المناط بها الاجتهاد أو على الأقل قبوله. ويستشهد على ذلك بأن أيا من المذاهب الإسلامية الكبرى لم تفرض من قبل الدولة، وإنما كان الناس يتبنونها اختياراً في إطار تعددية مذهبية طبعت كل بقاع العالم الإسلامي.

    من هذا المنطلق، كان السؤال الأول الذي طرح نفسه بعد وقوع انقلاب يونيو عام 1989، خاصة بعد أن اتضح أن الحركة كانت تقف وراءه، يتعلق بآليات استعادة الديمقراطية ومنهجيتها والمدى الزمني لذلك. وقد دار نقاش متشعب في داخل أروقة الحركة حول مستقبل البلاد السياسي، وطرحت عدة آراء حول هذا الأمر. وكانت أول مطالب التيار المؤيد للديمقراطية هو استعادة مؤسسات الحركة التي كانت قد حلت بعد الانقلاب، وإدارة الحوار عبرها، إلا أن القيادة التي فرضت نفسها بعد الانقلاب، وعلى رأسها الشيخ الترابي، رفضت بعناد هذا الطلب، متعللة بضرروة إعادة بناء الحركة على نهج جديد وتوسيع عضويتها. فيما يتعلق بعودة الحياة السياسية، طرحت عدة آراء حول مدة الفترة الانتقالية، وحدود الحريات المتاحة خلالها ثم طبيعة النظام السياسي الذي يتلوها. مرة أخرى كان الرأي الغالب (وهو رأي الشيخ الترابي) هو حظر كل الأحزاب والصحف ومنظمات المجتمع المدني المستقلة خلال الفترة الانتقالية، ثم إقامة نظام جديد ‘لا حزبي’، يقوم على أساس تنظيم سياسي يسمى المؤتمر الوطني، يعتبر كل السودانيين أعضاء فيه، ويتخبون من خلالهم ممثلين محليين وإقليميين وقوميين، وبرلمان قومي.

    أضيف إلى هذه الصيغة في عام 1991 تبني النظام الفدرالي وفي عام 1994 إعادة تقسيم ولايات السودان التسع لتصبح 25 ولاية. وفي عام 1996، نظمت انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس هذا النظام السياسي، وبعد توقيع اتفاقية الخرطوم مع بعض فصائل الحركة الشعبية عام 1997، تم التوافق على دستور عام 1998 الذي سمح بنشاط حزبي مقيد، وبعض الحريات، وعليه تم تحويل المؤتمر الوطني إلى حزب سياسي.
    خلال هذه الفترة، تعرضت ممارسات النظام لانتقادات حادة، من منطلق عام، كون الممارسات التي شملت القمع والتعذيب والتضييق على الحريات كانت تخالف كل ما كان معهوداً في السودان، فضلاً عن قيم الدين والمواثيق الدولية، ومن منطلق خاص، كون هذه التوجهات القمعية كانت تخالف كل أطروحات الحركة في السابق. لكل هذا، كان من واجب الحركة أن تفسر هذا التناقض بين الأقوال والأفعال، لأنه كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما تفعلون، إضافة إلى مواجهة المسؤولية عن الممارسات التي وقعت.

    من هنا كان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يتوقع، حين استضاف الشيخ الترابي خلال فعاليات المؤتمر الذي انعقد ابتداءً من يوم السبت 6 أكتوبر، في محاضرة بعنوان ‘تجربتي الإسلامية بين الفكر والسياسة: مصارحة’، أن يجيب على كل هذه الأسئلة بوضوح وصراحة. إلا أن الشيخ تحدث لقرابة ساعتين، وهوم في كل ميدان، بدءاً من الحديث عن أيام طفولته، ودراسته في أوروبا، ورحلاته المتعددة، وآرائه الفلسفية والفقهية، وتناول تاريخ السودان، وأحوال أوروبا والغرب، ووضع اللغة عند المسلمين والعرب، وصحة المسلمين الروحية. كل هذا والحشد يتململ وينتظر أن يدلف الشيخ إلى الموضوع، فلم يظفروا إلا بجمل تبرر الانقلاب بالإشارة إلى مذكرة الجيش التي طالبت كما رأى بابعاد الإسلاميين من الحكومة، وبالانقلاب على الديمقراطية في الجزائر (رغم أن انقلاب الجزائر وقع بعد انقلاب السودان بعامين). ثم أشار عابراً إلى بعض أخطاء وقعت، نسبها كلها إلى العسكر.

    كان قد طلب مني مسبقاً أن أكون أول المعقبين على محاضرة الشيخ، وهو أمر ترددت في قبوله كثيراً، خاصة وأنني قد كنت قدمت مسبقاً ورقة ضافية فيها تحليل للتجربة السودانية، ولأنني كنت أخشى أن يحدث شيء من نوع ما حدث مما يضعني في حرج كبير. ولكن كان لا بد من مساهمة تعيد الأمور إلى نصابها، خاصة وأن طول المحاضرة قد قضى على كل الوقت الذي كان متاحاُ للأسئلة والنقاش. وعليه ركزت تعليقي على محور واحد، وهو سؤال: ما هي التركة والإرث اللذان يريد الشيخ تركهما في ختام حياته السياسية الحافلة؟ ذلك أن الميزان في كل الأمور هي أنها بخواتيمها، وفي مجال السياسة خاصة فإن السيئات يذهبن الحسنات. وقد يقضي المرء حياة حافلة بجلائل أعمال الخير، ثم تقع حادثة تبطل كل ما عمل وتجعله هباءً منثوراً.

    بالنسبة للشيخ الترابي، فإنه لو اعتزل العمل السياسي عام 1965، لتذكره الناس باعتباره أحد أبرز مفجري ثورة أكتوبر 1964؛ ولو أنه اعتزل عام 1969، لتذكره الناس بإنجازات جزئية، منها المساهمة السياسية والفنية في لجنة صياغة الدستور ومؤتمر المائدة المستديرة، إضافة إلى الإشراف على تجربة جديدة في العمل السياسي الإسلامي تمثلت في جبهة الميثاق الإسلامي التي وحدت القطاعات التقليدية والحداثية، وبين السلفيين والصوفيين، وبين الريف والحضر. ويمكن أيضاً تذكره بإشارة سلبية، تتمثل في المساهمة في حل الحزب الشيوعي. و لو اعتزل الشيخ عام 1977، فكانت الأجيال اللاحقة ستذكره وحركته على خلفية نضال الحركة الشرس من أجل الديمقراطية، والشراكات التي أقامتها مع الأحزاب الأخرى في هذا المجال، والمساهمات الفكرية في مجال التأصيل للديمقراطية وقضية تحرير المرأة. أما لو جاء الاعتزال عام 1985، لانقلب الأمر، فكانت التركة هي المشاركة في حكم تسلطي كبت الحريات وتبنى تطبيقاً مشوهاً للشريعة الإسلامية، وأعاد تفجير الحرب في الجنوب، وبذر بذور الفتنة في دارفور بعد أن تجاهل المجاعة هناك مرتين (عام 1973 ثم 1984/1985) وجعل الإقليم ساحة حرب بالوكالة مع ليبيا عبر تشاد. أما لو اعتزل عام 1989، فإن تركته كانت ستكون إنشاء واحد من أقوى الأحزاب الإسلامية الديمقراطية في العالم العربي، والمشاركة في نظام ديمقراطي متطور، والمشاركة في الحكم عبره. وربما كان سيذكر أيضاً بالمساهمة في الاستقطاب بين الشمال والجنوب بعد أن أصبحت أطروحاته الخلافية في موضوع الشريعة الإسلامية عامل تأجيج للحرب الأهلية.

    أما اليوم، فإن التركة التي سيخلفها الشيخ تتمحور حول تجربته في الحكم، وهي تجربة تميزت بقمع واسع للحريات، وتسلط كبير، وممارسات بيوت الأشباح، وتأجيج حرب الجنوب. وقد كان خطاب الشيخ الذي استمعنا إليه فرصة جديدة لبناء إرث آخر، وهو أمر لا يمكن إنجازه ما لم يتم مواجهة ما وقع من تضارب بين ومأساوي بين الفكر والممارسة، بدءاً من الإقرار بما وقع، والاعتراف بالمسؤولية عنه، واستقاء العبر منه. ولكن شيئاً من هذا لم يقع، حيث لم يتخفف الشيخ من شيء من التركة الثقيلة، بل زاد إليها بما وقع من تهرب من تبعاتها.

    ستبقى هذه التجربة وتبعاتها هي ‘الفيل القابع في الغرفة’ كما يقول المثل الإنجليزي، ما لم يتم إخراجها عبر مواجهة فكرية وأخلاقية حاسمة، تعترف بما وقع، وتتحمل المسؤولية عنه، وتتقدم بطرح جديد يشير إلى تجاوز تلك الحقبة وضمان ألا تتكرر تجاوزاتها، وتحقق المصارحة ثم المصالحة بين الأطراف السياسية على أساس عقد سياسي جديد.


    -----------------

    مأســاة أستاذي الشوش .. بقلم: عبدالله علقم
    الثلاثاء, 09 تشرين1/أكتوير 2012 21:09

    (كلام عابر)

    عندما اختار أستاذي محمد ابراهيم الشوش مستشارا أو ملحقا إعلاميا في سفارة السودان في دولة قطر، حزنت حونا شديدا وكبر عليّ النبأ، وكنت أود أن أنشر وجهة نظري في الحدث على صفحات صحيفة ورقية أو الكترونية ولكني عدلت عن الفكرة للإحترام اللامحدود الذي أحمله لأستاذي فرأيت أن أوجه له الرسالة التالية الشخصية على بريده الالكتروني ثم قمت بتوزيعها على اضيق نطاق ممكن من قائمتي البريدية. كان ذلك عند ذهابه للدوحة قبل بضع سنوات ولكني لما أطلعت على اللقاء الصحفي الذي أجري معه مؤخرا وعلى المبررات الغريبة التي ساقها لقبول منصبه في الدوحة، وجدت أنه من المناسب هذه المرة نشر الرسالة.
    **********
    أستاذي الجليل
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ولك مني موفور الاحترام والود والأمنيات الطيبة، وبعد،
    فقد سعدت في أيام جميلة مضت بالتتلمذ على يديك في المدرج 102 في عام 1964م وكنت وقتها قادما جديدا لجامعة الخرطوم ولعموم الخرطوم من حنتوب والقضارف، أحس برهبة شديدة من المكان والمجتمع الجديد.. كنت أنت أستاذي واحدا من ثلاثة كان لحضورهم الجميل وتواصلهم وبساطتهم في التعامل وطريقتهم في توصيل المعلومة أكبر الأثر في كسر الحاجز النفسي القائم داخلي وإزالة الرهبة والتوجس.. أستاذي موسي المبارك الحسن وأستاذي عون الشريف قاسم طيب الله ثراهما وعطر ذكراهما وأستاذي محمد ابراهيم الشوش متعه الله بالصحة والعافية وأمد في أيامه.. ولكن ما هي إلا شهور قليلة حتى غادر ثلاثتكم الجامعة.. أنت وعون لخارج الوطن وموسى لمقاعد البرلمان.. بعد ذلك لم يسعدني الزمن بأن أكون تلميذا لك وإن كنت أتابع أخبارك على البعد في كلية الآداب وفي دار النشر وفي مجلة الدوحة وفي كندا وتجربتك في النشر وفي لندن وفي الخرطوم من جديد حتى استقر بك المقام ملحقا إعلاميا أو صحفيا في السفارة السودانية في الدوحة وهي وظيفة لا تتسع لمن هو بمثل قامتك بكل المقاييس، وظللت، وما زلت أحرص على اقتناء وقراءة كل ما تكتب، وغني عن القول أني ما زلت أحمل لك نفس الحب والإعجاب القديم الذي لازمني منذ عام 1964م فأنا يا أستاذي أحس بضعف ،جميل ما في ذلك شك، أمام من علموني خصوصا من أحب منهم.
    لكن يا أستاذي الجليل ،وأنا أخاطبك خطاب التلميذ المحب، كيف بحق الله انتهى بك المطاف لتصبح ملحقا إعلاميا، وليس سفيرا على الأقل، في ذات الدوحة التي شهدت معك انطلاقة "الدوحة" قبل عقود خلت، وما هو القاسم المشترك الذي يجمعك بهؤلاء الناس الذين تكشفت للدنيا كلها سوءاتهم وسوءات مشروعهم الحضاري وبؤس خطابهم وفعلهم،وأنت سيد العارفين وما الذي يجعلك توظف قلمك واسمك وفكرك وقامتك المديدة لخدمتهم (من فضلك يا أستاذي لا تقل إنك تخدم الوطن وليس النظام) وهل من هو مثلك ،وأنا أعلم أنك لا تخشى سيف المعز ولا تطمع في ذهبه، في حاجة لمنصب أو أضواء أو اعتراف أو إضافة من أحد ؟
    أنا حزين لما اخترته لنفسك ، ويزيد من حزني عجزي عن إيجاد تبرير عقلاني لهذا الخيار، فأنت ،شيخي وتاج رأسي، لست ملكا لنفسك فقط مثل الآخرين لأنك قامة وقيمة كبيرة ورمز من رموز الوطن ومشعل من مشاعل التنوير .
    ترى هل يتسع وقتك وصدرك لتزيل بعضا من حيرتي وتمسح شيئا من حزني رغم أنك ربما لا تذكر اسمي؟
    دمت أستاذي ولك دائما ودي واحترامي.
    ********
    ويبدو أن مشاغل أستاذي منعته من الاطلاع على رسالتي أو الرد عليها أو أنه فضّل عدم الرد.
    ********
    ودارت عجلة الأيام، وأمضى الرجل سنوات في الدوحة مدافعا ومروجا ومبررا حتى استنفذ أغراضه أو نالوا بغيتهم منه فلفظوه ، مثلما يفعلون عادة في مثل حالته، بلا كلمة شكر كما قال في لقاء صحفي (عند نهاية خدمتي لم ترسل لي وزارة الإعلام خطاب إخطار بنهاية المهمة، ولا حتى جواب شكر، وجاءني خطاب بواسطة موظف من الخارجية موجه الى السفير وليس لي.. ومن عباراته التي لا أنساها.. أن المذكور أعلاه... انتهت فترة عمله يرجي منه العودة لوزارة الخارجية بالخرطوم.. بعد كل هذا التاريخ والعمل والسنوات الطويلة تُوصف بالمذكور أعلاه في بلدك).. ماذا كان أستاذي يتوقع غير ذلك فمن تهن عليه نفسه لا بد أن يهون عند الناس؟
    وقال مبررا قبوله بالمنصب الصغير رغم تاريخ الكبير (هذه طبعاً من أغرب قصص حياتي، ولكن في الحقيقة سوف اختصرها لك لأنها طويلة.. وأنا حقيقة نادم على قبولي لمنصب الملحق الثقافي بقطر... فالقصة بدأت باتصال من الوزير الأستاذ الزهاوي ابراهيم مالك وزير الإعلام والثقافة، حينها وحدثني عن الوظيفة وهي مستشار إعلامي في قطر، وأنا وقعت لي الفكرة، واعتقدت أن قطر هي أجمل فترات حياتي، والإنسان لديه خيال وذكريات، لذلك اعتقدت أنني سوف أعيد أمجادي، وذاك الماضي الجميل وقبلت الوظيفة) وقال(لم أكن أعلم بأنني سوف أكون موظفاً بالدرجة الخامسة.. والوزير تحدث لي بأنني ستتم معاملتي بطريقة خاصة، وهو حقيقة لم يكن يدري أن الوظيفة تتبع لوزارة الخارجية.. وأن وزارة الخارجية لم تكن مرحبة بفكرة المستشارين الإعلاميين، ولهذا اسمتهم بالملحقين، وجعلت من فوقهم كادر الدبلوماسيين.. ولذلك أنا بعدم معرفتي بالخارجية وعدم معرفتي بالمستوى وطريقة عملها قبلت الوظيفة، وافتكرت أن الشوش بتاع هذا العهد والسنوات، هو نفسه الشوش بتاع السبعينيات.. فاكتشفت أنني مجرد كاتب تقارير، وراصد صحفي وأصبت بالإحباط)، وهو كلام يناقض الحقيقة لأن الدكتور الشوش عمل مستشارا ثقافيا من قبل في لندن وشغل منصب مدير دار الكتب ثم منصب عميد كلية الآداب في جامعة الخرطوم مما ينفي عنه صفة الغفلة أو عدم المعرفة بالوظائف والتدرج الوظيفي وطبيعة العمل في السفارات. (عارف كل حاجة).
    أما لماذا لم يستقيل من هذه الوظيفة (المهببة) فقد برر ذلك بقوله (لأنني كنت اعتقد أن العمل سيكون لفترة معينة.. وهذه واحدة من الأخطاء التي سآخذها على نفسي دائماً، وهي قبولي لهذا المنصب، ولن انسى ذلك أبداً.. وعوقبت على هذا الخطأ).والعقاب الذي يعنيه الدكتور الشوش هو ذلك الخطاب المذل الذي أنهيت به خدماته والذي تطرقنا إليه في الأسطر السابقة ، وقد يكون الاعتذار عن الخطأ مقبولا رغم سذاجة التبرير ، فالرجل قد أخطأ في حق نفسه وفي حق الشعب السوداني وفي حق طلابه الذين ما يزال بعضهم،وأنا واحد منهم، يكنون له الاحترام، لكن كان يجب أن يجب أن يعتذر كذلك عن تطبيله للنظام بصورة لا تليق بمثله. (أنا لم أكتب كلمة واحدة تزلفا لحاكم أو نظام ولم أمدح الإنقاذ ).. مقالات الدكتور الشوش على صفحات "الرأي العام" وغيرها لا تشهد باستماتته في التطبيل المعيب فحسب، ولكنها كانت تطفح أحيانا بالعنصرية والعروبوية المفلسة. لماذ لا يعتذر أستاذي الشوش عن أخطائه بدلا من محاولة التنصل منها لدرجة الكذب العاطل من الذكاء؟
    ****
    الدكتور محمد ابراهيم الشوش حالة محزنة تجمعت فيها جميع مكونات أو عناصر المأساة الحقيقية وهو في هذه السن. أحزنني أكثر قوله (ليس مطلوبا من المثقف اعلان انتماء سياسي، ولكن المشكلة في البلاد المتخلفة أن الفرص كلها لدى السلطة.. وهذ البلاد تفتقر إلى المؤسسية ، وصعب جدا للمثقف أن يكسب عيشه، فإما أن يتوه في الشارع أو يهاجر أو عندما يتحدث عليه أن يؤطر كلامه.. ولهذا نجد أن الأغلبية هاجرت وبعضهم تأطّر.) هل هي دعوة أو تبرير للارتزاق من السلطة؟ لقد كان له كامل الحرية ليختار فأساء الاختيار وأساء التقدير وتأطّر أو سعى لأن يتأطّر ولكن لم يتسع له المكان، ثم انتهى به الأمر مهمشا لا أحد يستمع إليه بعدما أعادوه من الدوحة( عندما اتصل عليهم لا أحد يرد .. ولا أحد يريد أن يستمع إلينا، وعدم القدرة على الاتصال تجعلك غير موجود) .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. حالة تدعو للرثاء ، ولكن الرجل ما زال يتصل ويلهث وراء التواصل، بعد أن أوهمه بعضهم، أو أوهم هو نفسه باستنساخ تجربة مجلة "الدوحة"، ولا أحد يستمع إليه والأبواب مغلقة في وجهه ، والمحزن أنه لا يعلم ، رغم كل ما حباه الله به من ذكاء، أنهم ما عادوا في حاجة له وأن دوره مرحلي وكان لا بد له أن ينتهي. محزن أكثر ألا يحس صاحب المأساة نفسه بمأساته.
    ولكن ، عفوا أحبتي.. أنا ضعيف أمام من علّموني، ولا أستطيع مد قدميّ في وجوههم.

    قبل الختام:
    دخل على الإمام أبي حنيفة رجل جميل الهيئة يبدو عليه الوقار والهيبة، فلملم ابو حنيفة رجليه احتراما لهيئة القادم وكان معتادا ان يمدهما فى حضرة تلامذته .. فلما قعد الرجل وسأل ابو حنيفة قائلا: متى نصلى المغرب؟ فرد أبوحنيفة: عند غروب الشمس. قال الرجل: واذا اتى المغرب ولم تغرب الشمس حينها؟ قال ابو حنيفة :آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه (وفي رواية قدميه).
    هناك رواية أخرى تقول أن هذا الرجل سأل أبا حنيفة : متى الصيام ؟ فقال: في رمضان , ثم ساله : متى الحج ؟ فأجابه: في ذي الحجة , قال الرجل: لو صادف الحج رمضان من نقدم على الآخر ؟ فقال أبو حنيفة : آن الاوان لابي حنيفة ان يمد قدميه !
    (عبدالله علقم)
    [email protected]
                  

10-11-2012, 05:23 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    تجربة الحركة الإسلامية السودانية في مجال حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق.


    بقلم د. الطيب زين العابدين
    الأربعاء, 10 تشرين1/أكتوير 2012 20:00
    بسم الله الرحمن الرحيم

    al-Tayib al-Abdin [[email protected]]
    مقدمة
    نشأت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة في أوساط طلاب الثانويات والجامعات في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي (بدءً باسم حركة التحرير الإسلامي (1949-1954) ثم تحت إسم الأخوان المسلمون (1954-1964)، كما اتخذت عدة أسماء لأحزاب سياسية مسجلة في فترات مختلفة: جبهة الميثاق الإسلامي (1965-1969)، الجبهة الإسلامية القومية (1985-1989)، المؤتمر الوطني (1993-2012)، المؤتمر الشعبي (2001-2012). وكان لنشأة الحركة في أوساط الطلاب بجامعة الخرطوم والمدارس الثانوية والجامعات المصرية أثره الكبير في تكوين الحركة النفسي والفكري والسياسي، خاصة وأن التنظيم المنافس لها في أوساط الطلاب هو الحركة الشيوعية التي تأسست قبلها في منتصف الأربعينيات وكسبت غالبية القاعدة الطلابية إلى نهاية الخمسينيات. كان وجود الحركة الشيوعية المهيمن بين الطلاب يمثل تحدياً كبيراً للحركة الإسلامية دخلت بسببه مباشرة إلى العمل السياسي الطلابي بقصد السيطرة على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحادات الجامعات الجديدة (جامعة القاهرة الفرع وجامعة أمدرمان الإسلامية) ومعهد المعلمين العالي والمدارس الثانوية.
    وكما جاء في أحد كتب الدكتور الترابي، ما كان للحركة في بداية عهدها إلا أن تؤسس على محور فكري بضرورة كونها تذكراً لتعاليم الإسلام وتعاهداً وتعاوناً على تحقيق معانيه في الحياة، ويربط الجماعة أنها التقت على محور فكري يميزها بالمفارقة من الكيانات التقليدية التي جمدت على تراث شيخ نابه كان له دور في الدعوة الإسلامية، أو عصبية لقبيلة أو فئة اجتماعية التقت على عرف قديم أو مصلحة فئوية. لذا كان الفكر الإسلامي هو العامل الأساسي في التداعي إلى صف الجماعة لأنها في عهدها الأول لم تكن لها مواقف بائنة أو تطورت لها سيرة تشد إليها الناس. وقد نزعت الحركة نحو الفعل والتجريب أكثر منها نحو التنظير والتحرير لأن قادتها أهل ثقافة وحركة وسياسة وتنظيم أكثر منهم أهل علم وفكر وتأمل. وكان المنهل الأول لفكر الجماعة كتابات الشيخ حسن البنا وعبد القادر عودة ومحمد الغزالي وسيد قطب والعقاد ومالك بن نبي وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وسائر المنشورات الإسلامية الحديثة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كما راحت تتغذى بكتب التراث القديم متجاوزة المراجع المذهبية الشائعة، وانفعلت بالفكر الأوربي الذي استقاه روادها من مؤسسات التعليم الغربي في بلدهم وخارجها.



    وبحكم عناصرها الشبابية المتعلمة والتحدي الفكري الذي واجهته ضد اليساريين والعلمانيين، نظرت الحركة إلى نفسها منذ البداية على أنها حركة تجديدية مقارنة بالطرق الصوفية المنتشرة في السودان، وأنها تعمل في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والدعوية على نمط حركة الاخوان المسلمون المصرية. يقول دستور جماعة الأخوان المسلمون (أجيز في 1981): إنها أولاً حركة إسلامية، وثانياً حركة أصولية تعتصم بالقرآن والسنة وأنها من بعد "حركة تجديدية تقدر الفجوة الهائلة التي وقعت نتيجة الخمول المتطاول الذي اعترى حياة المسلمين وفكرهم فتخلفت عن التطور الهائل في ظروف الواقع المادي والبشري، ومن ثم فالحركة تدعو إلى إجتهاد كثيف من أجل استبانة مقتضى الدين في حاضر الحياة". وهي أيضا حركة إصلاح ديني تقوية للواهي من عرى الإسلام وإحياء للدارس من شعائره وفضائله، وحركة تغيير اجتماعي لا تقنع بإصلاح أمر الفرد بل تجمع إلى ذلك استصلاح المؤسسات والأجهزة لذلك تأخذ بأسباب التعبئة العامة والتنظيم المحكم. واتسمت الحركة الإسلامية منذ بداية عملها السياسي العام في 1964 باختلاف كبير مع الأحزاب التقليديةالكبيرة (حزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الديمقراطي) التي تستند على طوائف دينية عريقة في التاريخ السوداني ولكنها ذات طبيعة محافظة تمشياً مع مزاج عامة أهل السودان وتقاليدهم الصوفية العريقة.
    بدايات العمل السياسي وتطوره
    تعنى هذه الورقة بتسجيل وتحليل مواقف الحركة الإسلامية السودانية في بعض مجالات حقوق الإنسان الهامة (الديمقراطية، الحريات الأساسية، الأقليات الدينية،العدالة، حقوق المرأة،الحقوق الاقتصادية)، وتطور هذه المواقف أثناء فترة الديمقراطية الثانية عقب ثورة أكتوبر(1965-1969) عندما دخلت الحركة الساحة السياسية كحزب سياسي يخوض الانتخابات العامة لأول مرة، وأثناء الديمقراطية الثالثة (1985-1989). وقد نجحت الأطروحات النظرية للحركة الإسلامية في جذب أعداد كبيرة من المثقفين مما أدى إلى اكتساحها لكل دوائر الخريجين في شمال السودان في انتخابات عام 1986، وقفز تمثيلها البرلماني من خمسة نواب إلى أكثر من خمسين نائباً مما جعلها بجدارة الحزب الثالث في البرلمان من حيث العدد ولكنه الأول من حيث التنظيم وتأهيل الكوادر. واضطرت الحركة الإسلامية أثناء نشاطها السياسي وخوضها الانتخابات العامة في 1965 و 1968 و 1986 لبلورة وتحديد أفكارها حول القضايا السياسية التي تشغل الساحة السودانية مثلنظام الحكم بين الجمهورية الرئاسية والحكومة البرلمانية، ماذا يعني الدستور الإسلامي؟ حقوق المرأة السياسية، حل مشكلة الجنوب ووضع الأقليات غير المسلمة، النظام الاقتصادي بين الرأسمالية والاشتراكية، الإصلاح القانوني والعدلي وإلى غير ذلك من القضايا. وقد حاولت الحركة جهدها في استنباط حلول اجتهادية تنفتح على تجارب العالم المتقدم وفي ذات الوقت تتسق مع تعاليم وأحكام الإسلام، وتستجيب لطموحات وتطلعات القطاعات الحديثة في المجتمع. وأحسب أن تلك الأطروحات كانت متقدمة في زمانها على معظم أطروحات الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وقد بذلت الحركة جهداً فكرياً مقدراً في تأصيل تلك الأطروحات وفقاً لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.ووجدت تلك الأطروحات نقداً من التيارات الإسلامية السلفية والمحافظة لأنها جديدة على التراث الفقهي التقليدي ولأنها تأثرت إلى حدٍ ما بالأفكار السائدة في الدول الغربية، ولكن الحركة ثبتت على تلك الأطروحات ولم تستجب للنظرة السلفية المحافظة ووجدت قدراً من القبول في أوساط الأحزاب السياسية الكبيرة التي تحالفت معها في بعض الأوقات ضد الحركات اليسارية، وبدأت بعض الحركات الإسلامية في عدد من دول العالم الإسلامي تتأثر بالنموذج السوداني وتقتدي به.


    المواقف النظرية من قضايا حقوق الإنسان


    اهتمت الحركة بقضية الاجتهاد الديني في مشكلات العصر، وكان زعيمها ومفكرها حسن الترابي ينتقد فكر الإسلاميين المعاصر لأنه بغالبه قاصر عما ينبغي له من الإستواء النظري وعما بلغته الحركة العلمية الحديثة، وقاصر فى مقولاته النظرية خاصة في مجال الاجتماعيات وقاصر في فنونه الجدلية.وكان يدعو بشجاعة لتجديد الفكر الديني حتى في أصوله الفقهية كي يكون قادرا على مجابهة مشكلات العصر المعقدة الكثيفة التي تحيط بالدول النامية، ويرتقي إلى التحدي الكبير الذي يطرحه الفكر الغربي في أوجه الحياة المختلفة.ونتعرض في هذا الجزء لمواقف الحركة الإسلامية السودانية في بعض مجالات حقوق الإنسان الأساسية التي تبنتها أثناء عملها السياسي منذ عام 1964 إلى عام 1989 حين وقع الإنقلاب العسكري الذي دبرته ونظمته الحركة الإسلامية. ولعل أهم الوثائق التي تتضمن مواقف الحركة النظرية من حقوق الإنسان نجدها في دستور جماعة الأخوان المسلمين لعام 1981 والذي قصد به أن يكون مقدمة لدستور الدولة الإسلامية التي تسعى الحركة لإقامتها بعد زوال نظام الرئيس جعفر نميري وقد انتقل جزء كبير منه خاصة في مجال الأهداف لدستور الجبهة الإسلامية القومية التي أسست حزباً سياسياً في 1985 بعد سقوط نظام الرئيس نميري؛ وفي بعض المحاضرات والكتيبات التي ألفها زعيم الحركة الدكتور حسن الترابي، ثم في وثيقة السودان لحقوق الإنسان التي أجازها المجلس الوطني الانتقالي في عام 1994 ولكنها غير معروفة.


    1. دستور جماعة الأخوان المسلمين


    جاء في الباب الثاني من الدستور تحت بند (الأهداف) أربعة فصول تتحدث عن: الأهداف السياسية والدستورية؛ الأهداف الاقتصادية؛ الأهداف الاجتماعية؛ الأهداف الثقافية. ونورد فيما يلي بعض ما ورد في هذه الفصول وله صلة بحقوق الإنسان.
    الأهداف السياسية والدستورية
    • تقول المادة (5): إقامة الحكم الإسلامي القائم على الشورى والمساواة وحرية المواطنين في اختيار الحاكم وممثلي الأمة وحقهم في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تسلط أو إرهاب.
    • المادة (6): كفالة حرية المواطن في الاعتقاد وعدم اكراهه في الدين وضمان حرية المواطن في التعبير عن رأيه وحريته في الحركة والاجتماع والتنظيم وحماية دمه وماله وعرضه وحرمة منزله ومراسلاته.
    • المادة (8): تسعى الجماعة لتأكيد مسئولية الحاكم الذي تختاره الأمة عن تصرفاته الشخصية وأعماله الرسمية مسئولية دينية وسياسية وقضائية.
    • المادة (9): حماية المواطنين من الاستبداد والفساد السياسي والاستغلال الاقتصادي وأي شكل من أشكال القهر والظلم. وإقامة الحكم على المؤسسات منعاً لتسلط الفرد ونشداناً للاستقرار.
    • المادة (10): اشاعة العدل وتوفير المساواة للمواطنين أمام القانون وضمان استقلال القضاة ونزاهتهم وتوفير الخدمات القانونية للمواطنين.
    • المادة (14): حقوق الأقليات مصونة في الدولة الإسلامية وتضمن لهم المساواة في الحقوق السياسية والمدنية والعدالة الاقتصادية وحرية الاعتقاد والعبادة واستقلال قوانين الأحوال الشخصية والتعليم الديني.
    الأهداف الاقتصادية
    • المادة (20): تأمين الحاجات الضرورية لكل مواطن من العيش الكريم والصحة والتعليم والأمن ورفع الظلم والفقر والمعاناة.
    • المادة (21): تتولى الدولة توجيه الاقتصاد تخطيطاً ومراقبة ضماناً لعدالة توزيع الثروة ولحسن التصرف فيها، وأخذاً للزكاة وفرضاً للضرائب بحيث يتحملها القادرون بما يفي بحاجات الأمة. وإبطالاً للربا والاحتكار وإقامة المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامية، ومنعاً للظلم والاستغلال وترشيداً للاستهلاك في غير سفه ولا تبذير.
    • المادة (26): الزكاة تأمين اجتماعي وعلى الدولة أخذها من مجموع ثروات الأمة وتوزيعها في مصارفها الشرعية.
    الأهداف الاجتماعية
    • المادة (29): الأسرة قوام المجتمع المعافى لذا تسعى الجماعة لتقوية آصرتها وذلك بتسهيل الزواج وتشجيعه ورعاية الأمومة والطفولة واصلاح قوانين الأسرة حتى تقوم على المعروف والإحسان وفقاً لهدي الدين.
    • المادة (30): الاهتمام بأوضاع المرأة والنهوض بها ورفع الظلم الاجتماعي عنها وتمكينها من ممارسة حقوقها العامة في بناء المجتمع وتحريرها من الجهل والخرافة والتقليد صوناً لشخصيتها المستقلة.
    • المادة (33): إقامة مؤسسات التكافل الاجتماعي للعناية بالمعوقين وكبار السن ورعاية المشردين والأيتام، وتشجيع قيام جمعيات البر والإحسان والتعاون.

    الأهداف الثقافية
    • المادة (36): تسعى الجماعة لإصلاح مناهج التعليم وسبل التربية حتى تقوم على قاعدة التوحيد بالله ووحدة المعرفة فلا تناقض بين العلم والإيمان ولا بين العلم الشرعي والوضعي، وتعمل على توجيه النشء لحب المعرفة والتدبر ومنهجية الفكر واستقلاله وتربيته على مناصرة الحق والعدل وعلى الإيمان بكرامة الإنسان وبالمساواة والإخاء بين الناس.
    • المادة (37): جعل التعليم الأساسي إلزامياً للنشء وتعميم التعليم الوظيفي وتعليم الكبار للرجال والنساء وتشجيع التعليم الطوعي.
    • المادة (40): الاهتمام بحركة التأليف والترجمة والنشر والبحوث ودعمها من قبل الدولة وترشيدها من شوائب الفكر المنحرف والأدب الرخيص وتيسير الاطلاع والمعرفة بكل السبل.
    • المادة (43): تشجيع الآداب والفنون وتفجير الطاقات والمواهب في مجالات الابتكار والابداع، وإحياء تراث الأمة، وتوجيه الأدب والفن ليؤدي دوره التربوي والاجتماعي والإنساني في حياة المجتمع.
    يتضح من هذه الأهداف العامة في المجالات الدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أجيزت منذ مطلع الثمانينيات أن الحركة الإسلامية السودانية كانت واعية بأهمية حقوق الإنسان بصورة عامة في هذه المجالات، ويتضح اقتباس كثير من هذه المفاهيم من أصول غربية ولكنها ربطت بتعاليم الدين وضوابطه حتى لا تتعارض معه.
    2. مؤلفات الدكتور حسن الترابي
    وسعى الدكتور حسن الترابي بحكم مسئوليته القيادية ومقدرته الفكرية لتفصيل وتأصيل المعاني العامة التي وردت في دستور جماعة الأخوان في محاضرات جماهيرية طبعت في شكل كتيبات مثل: المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع(الدار السعودية: 1984) وهو المرجع الأساس للحركة الإسلامية في تأصيل مشاركة المرأة في العمل العام؛ قضايا الحرية والوحدة، الشورى والديمقراطية، حوار الدين والفن (الدار السعودية: 1987)؛ تجديد الفكر الإسلامي (1982)؛ تجديد أصول الفقه (1981)؛ قضايا التجديد: نحو منهج أصولي (1990)؛ كما ألف بعض الكتب المنهجية تعرض فيها لبعض حقوق الإنسان مثل: الإيمان وأثره في الحياة (1984)؛ كتاب السياسة والحكم والنظم السلطانية (2006)؛ التفسير التوحيدي (2009). والذي يقرأ هذه المؤلفات يجد أن الدكتور الترابي يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا ويبحث لها عن نصوص دينية من القرآن الكريم والسنة النبوية ليقنع الجماهير المسلمة أن هذه الحقوق لا تتعارض مع تعاليم الإسلام بل سبق بها الإسلام التجربة الغربية. وقد تقدم في ذلك على معظم معاصريه من قادة الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي.


    3. وثيقة السودان لحقوق الإنسان


    تأتي أهمية هذه الوثيقة بأنها كتبت بعد أن استولت الحركة الإسلامية على السلطة في السودان عبر إنقلاب عسكري في يونيو 1989، وقد أجازها المجلس الوطني الإنتقالي (معين) بالإجماع في يناير 1994. وربما جاءت رداً على الهجمة الضارية التي تعرضت لها حكومة الإنقاذ في وسائل الإعلام الغربية ومن داخل أجهزة الأمم المتحدة، خاصة اللجنة الثالثة المعنية بحقوق الإنسان والتي أصدرت عدة قرارات تدين فيها حكومة السودان بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان. أعدت الوثيقة لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الوطني الإنتقالي (1993-96).

    اشتملت الوثيقة على سبعة فصول: الأول مقدمة عامة عن حقوق الإنسان ومؤهلات السودان في رعاية تلك الحقوق بحكم عراقته الحضارية وتوجهات أهله الثقافية وقيمهم الدينية؛ الفصل الثاني عن الإطار التاريخي والحضاري لحقوق الإنسان في السودان، فشعب السودان متعدد الأعراق والأديان والثقافات وقد اختلط هؤلاء وتداخلت أعراقهم وأنسابهم عبر القرون حتى أصبح التعايش والتمازج والتسامح بينهم سمة مشهودة لسكانه.والسودان من أوائل البلاد العربية والإفريقية التي تأسست فيه لجنة شعبية طوعية لحقوق الإنسان في عام 1967، وكان من أهدافها نشر وشرح وتعميق مبادئ ومثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الفصل الثالث تحدث عن ضمانات حقوق الإنسان في القوانين السودانية مثل قانون السلطة القضائية (1406ه) الذي أرسى دعائم استقلال القضاء وحق التقاضي لكل متظلم، وقد حظرت القوانين التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة، وأكدت الحرية الشخصية وحرمة السكن والخصوصية، وقررت مبدأ الأجر المتساوي للرجال والنساء. الفصل الرابع جاء عن التزام السودان بالمواثيق الدولية ومنها: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1967)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1976)، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري (1977)، والاتفاقيات المتعلقة بالرق وبحقوق الطفل (1991)، وقانون تنظيم اللجوء (1974). الفصل الخامس تحدث عن ظاهرة الاستغلال السياسي لحقوق الإنسان من قبل الدول الغربية التي اتسمت بازدواجية المعايير والتدخل في شؤون الآخرين، وقد عانى السودان من هذه الظاهرة سياسياً واقتصادياً.الفصل السادس خصص لدور التمرد في جنوب السودان في انتهاكات حقوق الإنسان، وقد أورد الفصل الكثير من نماذج القتل والتعذيب وتجنيد الأطفال واضطرار المواطنين للنزوح واللجؤ. أورد الفصل السابع عدداً من الحقوق المكفولة دستوراً وقانوناً في السودان مثل: حق الحياة، حق الحرية، حق المساواة، حق العدالة، حق المشاركة في الحياة العامة، حق الحماية من عسف السلطة، الحقوق الاجتماعية، حقوق الملكية، الحقوق الاقتصادية، حقوق حماية الخصوصية، حق اللجوء.


    وكما يظهر من هذه الوثيقة فإن السودان ملتزم قانوناً بكثير من الحقوق الواردة في المواثيق والاتفاقيات الدولية، كما أن تشريعاته القضائية منذ الاستقلال تلزمه برعاية الكثير من الحقوق والحريات الأساسية المتعارفة. ورغم هذا الالتزام النظري والقانوني إلا أن الشكوى من القوى السياسية الداخلية ومن المنظمات الحقوقية والدول الغربية كانت تنصب علىأن حكومة الإنقاذ التي جاءت بها الحركة الإسلامية والتي سيطرت على مقاليد الحكم زهاء ربع قرن من الزمان لم تلتزم بإنفاذ تلك الحقوق كما يجب. الغريب في الأمر أن وثيقة حقوق الإنسان المشار إليها والتي أجازها المجلس الوطني الانتقالي منذ يناير 1994 لم تنشر على الملأ ولم يسمع بها الكثيرون من المنظمات والأفراد الذين يهتمون بقضايا حقوق الإنسان، وبالطبع لم يجر تطبيقها على أرض الواقع!
    تجربة التطبيق في مجال حقوق الإنسان
    ولنستعرض سجل الحركة الإسلامية في تطبيق أهم المبادئ في مجال حقوق الإنسان منذ بداية مسيرتها السياسية في أكتوبر 1964 حين برزت كتنظيم سياسي يخوض الانتخابات البرلمانية وحتى اليوم. ونجمل الحديث في هذه الحقوق حول القضايا الآتية: الديمقراطية، الحريات الأساسية، العدالة، المساواة، الحقوق الاقتصادية.


    1. الديمقراطية:لا تدل سيرة الحركة الإسلامية في الفترة المذكورة على إيمان عميق بالمبادئ الديمقراطية، رغم أنها استفادت كثيرا من الفترات الديمقراطية الثلاث في السودان على قصرهاحتى أصبحت منافساً قوياً في انتخابات 1986 للأحزاب العريقة الكبيرة مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي. فمقارنة بما جرى للحركات الإسلامية في الوطن العربي فإن السودان كان هو الأفضل مناخاً لنشاط الحركة الإسلامية حتى في العهد العسكري الاشتراكي لنظام نميري. جاء الاختبار الأول في عام 1965 حين قادت الحركة الإسلامية مظاهرات جماهيرية في أنحاء العاصمة تطالب بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان (أحد عشر نائباً مقارنة بخمسة لجبهة الميثاق الإسلامي) بسبب تهجم أحد الطلاب اليساريين في ندوة بمعهد المعلمين العالي على السيدة عائشة زوجة الرسول (ص). وكان الترابي هو العرّاب القانوني والسياسي لذلك الحراك الذي نجح بالفعل في إصدار قانون من البرلمان بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وقفل دوره ومصادرة مطبوعاته. وتطلب ذلك تعديلاً في الدستور ورفضاًلتنفيذ قرار المحكمة العليا الذي قضى ببطلان القانون وما ترتب عليه من إجراءات. كشفت الحركة بذلك الموقف أن مصلحتها السياسية ومبادئها الأيدولوجية تأتي في المقام الأول قبل التمسك بمبادئ وأسس النظام الديمقراطي، وأصبح ذلك ديدنها إلى اليوم. وبعد مجاهدات وتضحيات ضد حكم الرئيس نميري (1969-1985) تحت شعار استعادة الديمقراطية متحالفة في ذلك مع الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي) بلغت حد المقاومة المسلحة (الجزيرة آبا 1970 )، وتنظيم إنقلاب عسكري (1975)،

    وترتيب غزوٍ من خارج الحدود (ليبيا في 1976). وبعد كل تلك المجاهدات والتحالفات انخرطت الحركة في مصالحة مع نظام نميري العسكري في يوليو 1977 مشاركة في السلطة بقدر ضعيف وفي مواقع قيادية بالحزب الحاكم (الاتحاد الاشتراكي السوداني) لتحقيق مصلحة حزبية بحتة، وبقيت الحركة في تحالفها الجديد حتى سقوط النظام في أبريل 1985. وكان الدافع واضحاً هو الاستفادة من المصالحة مع النظام العسكري لبناء تنظيم الحركة بعد أن أجهدتها الملاحقات الأمنية وأن تتواصل معالجماهيربحرية أكثر وتعمل لتأسيس بنية اقتصادية بالتعاون مع البنوك الإسلامية المتعاطفة مع الحركة. وقد استفادت الحركة بالفعل من المصالحة مع نظام نميري وظهر ذلك إبان الديمقراطية الثالثة (1986-89) التي فازت فيها الحركة الإسلامية بأكثر من خمسين مقعدا، من بينهم كل مقاعد الخريجين في شمال السودان، فشكلت بذلك أقوى معارضة سياسية لحكومة الصادق المهدي عن طريق نوابها المتميزين وصحفها ونشاط قواعدها وأصبحت دون شك الحزبالمنافس جماهيرياً للحزبين الكبيرين ومتفوقة عليهما في النشاط والتنظيم والإمكانات المادية.

    وعملت الحركة في هذا المناخ المواتي في سرية ودقة للإنقضاض على النظام الديمقراطي بإنقلاب عسكري في يونيو 1989 الذي استلمت عن طريقه السلطة كاملة دون منافسة أو مشاركة.وبالرغم من أن معظم الأحزاب السودانيةعملت في أوساط الجيش في فترة من الفترات لتجنيد خلايا لها وأيدت حكومات عسكرية أو تعاونت معها، إلا أن انقلاب الحركة الإسلامية كان مختلفاً لأن قيادة التنظيم هي التي خططت للإنقلاب حتى أدق تفاصيله، وهي التي حددت القيادات العسكرية التي تتولى السلطة ظاهرياً ودعمت الإنقلاببمئات المدنيين المدربين عسكرياً؛وموّهت علاقتها بالانقلاب بذهاب البشير إلى القصر رئيساًوالترابي إلى كوبر حبيساً! وكانت قيادة الحركة المدنية هي السلطة الحقيقية في حكومة الإنقاذ إلى أن وقعت المفاصلة حول السلطة في ديسمبر 1999 حين تمرد الرئيس العسكري على تهميشهفي اتخاذ القرارات لسنوات عديدة. ولم يكن سلوك سلطة الإنقاذ طيلة سنوات حكمها يدل على تقديرللمبادئ والأسس الديمقراطية أو النية لاسترجاع النظام الديمقراطي. فقد بدأت نظامها السياسي بتأسيس حزب واحد حاكم في 1992، ولم تضع دستوراً للبلاد إلا بعد مرور تسع سنوات كاملة على قيامها (مارس 1998)، وعندما أذنت بوجود أحزاب أخرى في الدستور المذكور اشترطت أن تكون متوالية مع السلطة الإسلامية وقابلة لدستورها الذي فصلته على مقاسها. وجاءت كل انتخابات الانقاذ في 1996، 2000، 2010 مطعون في نزاهتها وحيدتها مما اضطر الأحزاب السياسية الأخرى لمقاطعتها وعدم القبول بنتائجها. وعندما أجبرتها التسوية السياسية لوقف الحرب وتحقيق السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان على وضع دستور ديمقراطي في 2005 يحتوي على وثيقة متميزة للحقوق لم تقم بتنفيذها كما يجب؛ وبعد انفصال الجنوب اختارت الحرب مع الحركة الشعبية قطاع الشمال على الحل الديمقراطي لمشكلتي ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق لأن الحركة الشعبية الشمالية كانت المنافس الأول للمؤتمر الوطني في انتخابات 2010 خاصة في الولايتين المذكورتين. ولم تتفاوض سلطة الإنقاذ بجدية مع التنظيمات الأخرى إلا مع حملة السلاح في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان، وتنازلت لهؤلاء عن قدر من السلطة في مناطقهم. كما أن الإنقاذ لم تعمل بالتداول السلمي للسلطة حتى داخل حزبها الحاكم، فما زالت القلة المتنفذة في صنع القرار منذ بداية الإنقاذ هي نفسها المسيطرة إلى اليوم، غاب عنها فقط الشيخ الترابي وقلة من أعوانه.


    2. الحريات الأساسية
    لقد تنكرت الحركة الإسلامية عند استلامها السلطة في 1989 لكل أطروحاتها عن الحريات الأساسية بصورة غير مسبوقة لدى القوى السياسية الأخرى، خاصة بعد أن بقيت في الحكم ثلاث وعشرين سنة هي الأطول لأي نظام في السودان. عمدت حكومة الإنقاذ من أول يوم لها، مثل كل الإنقلابات العسكرية، إلى تعطيل الدستور وحل البرلمان ومجلس السيادة الحاكم، وحظر أنشطة الأحزاب السياسية ومصادرة ممتلكاتها وإلغاء تراخيص الصحف ومصادرة ممتلكاتها، وحل النقابات العمالية والاتحادات المهنية، وحجرت تماماً على حرية التعبير والتنظيم. ولكن المدهش حقاً أن السلطة العسكرية حظرت أيضاً نشاط الأجهزة القيادية المنتخبة في الحركة الإسلامية نفسها ليس في العلن فقط ولكن حتى في السر، واستبدلت تلك الأجهزة بأخرى معينة جلهم من القيادات الدستورية والتنفيذية في الدولة. والغريب في الأمر أن هذا الحظر لم يستمر لبضع سنوات كما كانوا يقولون بل استمر إلى يومنا هذا. فالساحة السياسية التي يعمل فيها اليوم أكثر من ثمانين حزباً سياسياً، الغائب الوحيد منها هو الحركة الإسلامية التي ليس لها وجود قانوني أو نشاط فعلي في أي مجال من المجالات السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الفكرية أو الدعوية التي كانت تعمل فيها. ولم يحل عدم قانونيتها من اجتماعات دورية معلنة ومقفولة كل أربع سنوات لانتخاب بعض كبار المسئولين في الدولة قيادة سرية لهياكلها الشورية والتنفيذية الفارغة المضمون. والسبب وراء هذا الحظر العجيب هو أن قيادة الحركة تريد ممارسة سلطة مطلقة لا معقب لها، وقد كان تراث الحركة التنظيمي في الماضي شوريا وديمقراطيا إلى حدٍ كبير. والحجة التي ساقتها قيادة الحركة لهذا الوضع أن هناك عناصر جديدة غير منتخبة دخلت أجهزة الدولة العليا ولا بد أن تستوعب في عملية التشاور حول إدارة الدولة، وأن مهام إدارة الدولة الجديدة وأعبائها كثيرة ومعقدة تستغرق كل وقت القيادة، وأن المخاطر الداخلية والخارجية التي تتعرض لها الدولة جمة وخطيرة وينبغي حصر الحديث عنها في أضيق نطاق على مستوى الأجهزة الحكومية المتخصصة. ولو قبلت هذه الحجة في السنوات الأولي من عمر الإنقاذفلا يمكن أن تقبل بعد سنوات طويلة في الحكم.


    ولجأت حكومة الإنقاذ إلى اعتقال قيادات الأحزاب السياسية ورؤساء النقابات والاتحادات المهنية الذين ينتمون لأحزاب معارضة، وفصلت من العمل بشبهة معارضة النظام أعداداً ضخمة من عناصر القوات النظامية ومن قيادات الخدمة المدنية ومن مؤسسات التعليم العام والعالي، ولم تبد أسفاً لقطع أرزاق أسرهم، واستحدثت مواقع سرية للإعتقال والتعذيب أطلق عليها المواطنون مصطلح "بيوت الأشباح"، واقتطعت جزءً من سجن كوبر ليكون تحت إدارة الأمن تفعل فيه مع المعتقلين ما تشاء من عقوبة وتأديب. وأسست جهازاً حزبياً للأمن من عناصر غير مهنية وغير مدربة مارست مهمتها في التعامل مع المعارضين بقسوة وعشوائية بحجة أنهم يتآمرون مع قوى خارجيةلإسقاط دولة الإسلام الوليدة في السودان!ولم ينجو الشيخ الترابي وبعض أعوانه بعد المفاصلة من الاعتقالات العشوائية التي يتهم فيها ابتداءً بجرائم خطيرة ثم تمر الشهور الطويلة دون أن يقدم إلى محاكمة ويطلق سراحه دون تبرير. وتولى جهاز الأمن الوطني مهمة الرقابة على ما يكتب في الصحف وتعطيلها ومصادرتها، وعلى الاعتقال والتحقيق ومصادرة الممتلكات مع أن دستور 2005 لا يعطيه سوى حق جمع المعلومات وتحليلها ورفع التوصيات التي يراها إلى الجهة المختصة. ومع ذلك أجاز البرلمان قانون الأمن الذي يعطيه كافة هذه الصلاحيات وأفتت المحكمة الدستورية،التي تخيّر النظام أعضاءها بعناية، بصحة ذلك القانون. وكما يحدث في معظم الدول الشمولية تمدد جهاز الأمن في صلاحيات المؤسسات الأخرى مثل وزارات الداخلية والمالية والنفط والعلاقات الخارجية والإعلام وأجهزة شؤون النقابات والاتحادات والجمعيات الطوعية وغيرها، وأصبحت السلطة الحاكمة تستحق اسم "الدولة الأمنية". ومن الملفت للنظر أن حكومة الإنقاذ لم تسمح مرة واحدة طيلة عمرها الطويل بمظاهرة سلمية تحتج على بعض سياساتها، وإذا خرجت دون إذن تعامل بقسوة مفرطة تصل أحياناً حد القتل مثل ما حصل في كاجبار وبورتسودان والخرطوم والجنينة وغيرها.


    وفي مجال الحرية الدينية التي أكدت عليها وثائق الحركة الإسلامية (دستور الأخوان المسلمين، ميثاق السودان، يناير 1987) والتي تقولبحقوق المواطنة المتساوية بين أتباع الملل الدينية لم تلتزم بها حكومة الإنقاذ فقد اشتكى كثير من قيادات الكنائس لمجلس التعايش الديني السوداني أن الحكومة لا تمنحهم قطع أراضي ليشيدوا عليها أماكن للعبادة وتزيل ما يبنونه عشوائياً في أطراف العاصمة، ولا تخصص لهم مقابر لدفن الموتى، ولا تعيّن لهم وزارة التعليم العام معلمين للتربية المسيحية كما تفعل للمسلمين، وأن مناهج التعليم العام غير مادة التربية الإسلامية موجهة توجيهاً إسلامياً صارخاً تفرض على التلاميذ المسيحيين. ومن الأحداث التي جرّت على الحكومة نقداً شديداً في الدول الغربية ومن منظمات حقوق الإنسان مصادرة "النادي الكاثوليكي" (8000 متر مربع) بحجة أن مدة إيجارته قد انتهت وحولته إلى دار لرئاسة حزب المؤتمر الوطني. وقد كتب عدد من قيادات الحركة الإسلامية القدامى ينتقد التضييق على الحرياتوالممارسات الأمنيةالمفرطة التي لا تشرف أي نظام يدعي التمسك بقيم الإسلام مثل: عبد الوهاب الأفندي (الثورة والإصلاح السياسي في السودان، 1995)،

    الطيب زين العابدين (مقالات في السياسة السودانية، 2004؛ مقالات عن الحركة الإسلامية في السودان، 2003)، التجاني عبد القادر (نزاع الإسلاميين في السودان: مقالات في النقد والإصلاح، 2009؟)، لبابة الفضل (الحركة الإسلامية في السودان بين النهوض بالدولة والإنكفاء الذاتي، 2003)، عبد الرحيم عمر محي الدين (الترابي والإنقاذ: صراع الهوية والهوى، 2006)، عبد الغني أحمد إدريس ( الإسلاميون: أزمة الرؤيا والقيادة، 2012). وزادت الململة والنقد لأداء الحكومة في أوساط الإسلاميين بعد انفصال الجنوب، ظهر ذلك في شكل مذكرات من عدة جهات تحتج على كبت الرأي المخالف وانعدام الشورى واحتكار قرار الحزب والدولة على فئة قليلة متنفذة منذ أكثر من عشرين عاماً، وتتطالب ببسط الحريات وبالتوافق مع القوى الوطنية والحل السياسي لمشكلات الأقاليم.

    3. العدالة
    العدالة قيمة إسلامية كبرى يستحقها العدو والصديق "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة:8)، وهي في ذات الوقت مبدأ ديمقراطي أساسي تنص عليه كل مواثيق حقوق الإنسان. ورغم مقولات النظام الكثيرة عن العدالة والمساواة إلا أنها في واقع الحال خضعت لمعادلات النظام في تأمين نفسه من كل خطر يظن أنه يهدده، وما أكثر مخاوف النظام من كل نقد يوجه إليه أو احتجاج يصدر ضده!فقد تعرض النظام القضائي في أول عهد الإنقاذ لهزة كبيرة بفصل كل من يظن النظام أنه لا يسير في ركابه من القضاة، وأصبحت المناصب العليا في القضاء وفي وزارة العدل خالصة لأولياء النظام. وأصدر النظام حزمة من القوانين يحمي بها سياساته وقراراته وسلوك المسئولين فيه وصلت حد الاستثناء من أحكام الشريعة الإسلامية. فقد شكل مجلس قيادة الثورة مجلساً للإفتاء الشرعي بقانون في أغسطس 1991 (تعديل ديسمبر 1992) ينص على أن فتاوى المجلس ملزمة لكل أجهزة الدولة ولكنه منع النظر في الدعاوى المقامة أمام القضاء أو التي صدر فيها حكم نهائي من محكمة مختصة تفادياً للتضارب بين الاختصاصات وهذا استثناء منطقي ومفهوم، ولكن زاد عليه القانون"وأي مسألة صدر فيها قرار سيادي من رئيس الدولة"، وكأنما رئيس الدولة أصبح فوق أحكام الشريعة الإسلامية! وفي الحقيقة أن كل قرارات الدولة الشمولية الأمنيةهي فوق القانون بما فيه أحكام الشريعة الإسلامية. ومن البدع التي جاءت بها حكومة الإنقاذ هي التوسع في منح الحصانة القانونية لأفراد القوات النظامية (الأمن والجيش والشرطة) ولنواب المجالس التشريعية والوزراء وكثير من المسئولين في الدولة، وعلق على ذلك وزير العدل بأن حوالي 25% من العاملين في الدولة يتمتعون بحصانات قانونية! وتسببت هذه البدعة في إفلات كثير من المتهمين حتى بجرائم القتل من العقاب لأن النيابة عادة لا تحصل من الجهة المسئولة عن المتهم الإذن المطلوب للتحري والتحقيق معه، ونتج عن ذلك شرخ كبير لمبدأ العدالة خاصة في مناطق النزاعات مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان. وقد اتفقت كل لجان تقصي الحقائق حول أزمة دارفور، بدءً من لجنة دفع الله الحاج يوسف في 2004 ولجنة الأمم المتحدة ولجنة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، على أن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تستحق التحقيق القضائي ومحاسبة المسئولين. وتجاهلت الحكومة توصيات تلك اللجان بالتحقيق مع هؤلاء المتهمين وتقديمهم للمحاكمة العادلة مما أدى إلى قرار محكمة الجنايات الدولية بتوقيف عدد من المسئولين الحكوميين على رأسهم الرئيس البشير ووزير الدفاع الفريق عبد الرحيم حسين ووزير الشؤون الإنسانية أحمد هارون بصفتهم ضالعين في جرائم ضد الإنسانية. ونتج عن ذلك أن المبعوثين الدبلوماسيين للدول الغربية لا يلتقون عند زيارتهم للخرطوم الرئيس البشير بصفته متهماً لدى المحكمة الجنائية الدولية، ولا يستطيع هو أن يزور تلك البلاد. ووقعت معظم الانتهاكات في دارفور من ضباط في الجيش والأمن ومن بعض القبائل الرعوية التي جندتها الحكومة (الجنجويد) مستعينة بها في محاولة القضاء على حركات التمرد، وكانت لتلك القبائل أجندتهاالخاصة التي تتمثل في طرد المزارعين الذين يقطنون جنوباً لهم حتى يحتلون أرضهم الخصيبة مرعى لبهائمهم، وقد فعلوا في سبيل ذلك أفاعيلقبيحة دون أدنى محاسبة من الدولة.
    وأخلت الحكومة بمبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين حين تبنت بصورة رسمية سياسة "التمكين"، أي تعيين منسوبيها في وظائف الدولة القيادية لذلك قل ما تجد وكيلاً لوزارة أو مديراً لجامعة أو مديراً لمؤسسة اقتصادية أو خدمية لا يكون عضواً في الحزب الحاكم. الطريف أن بعض منسوبي الحكومة أصدروا مجلة لعدة سنوات باسم "التمكين" تروج لذلك المبدأ غير العادل.


    4. الأوضاع المعيشية


    لقد تدهورت أوضاع الناس المعيشية كثيراً تحت حكم الإنقاذ حتى وصلت نسبة الفقر أكثر من 80% في تقدير بعض الخبراء والأكاديميين ولكن الجهاز المركزي للإحصاء يضعهبنسبة 46,5%. بعض هذا التدهور سببه الحصار الاقتصادي على السودان من بعض الدول الغربية، والعقوبات الدولية على السودان بسبب سياساته القمعية في دارفور وبعض أعمال الحكومة الطائشة (محاولة اغتيال حسني مبارك في 1995). ولكن أكثر التدهور سببه الاختلال في أولويات الصرف الحكومي فجل ميزانية الدولة يذهب للقوات النظامية (حوالي 70%) في حين لا يتجاوز الصرف على الصحة والتعليم بين 3 إلى 5 في المئة، ولا تجد القطاعات الإنتاجية دعماً يذكر من الحكومة للزراعة وتربية الحيوان والصناعة مما أدى إلى تدهور الإنتاج وارتفاع تكلفته بسبب الضرائب والجباية المتشددة التي اتبعتها الحكومة، وتوقفت أكثر من نصف المصانع في العاصمة عن العمل. وزاد الاختلال في الصرف الحكومي بعد أن بدأت الدولة في تصدير البترول عام 1999، ولم يلمس المواطن أي أثر يذكر لتلك العائدات الضخمة في حياته العادية عدا تشييد بعض الطرق والجسور والتي اعتمدت على القروض أكثر منها على التمويل الحكومي. وظهرت الفوارق الكبيرة بين أوضاع رجال الأعمال المقربين للدولة وغيرهم وبين مخصصات العاملين في الدولة في القوات النظامية وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، واستشرى الفساد بصورة غير مسبوقة خاصة في مجال العطاءات والمشتروات الحكومية التي أظهرت بعضها تقارير المراجع العام السنويةوترفع للحكومة دون أن تجد عناية أو محاسبة جادة؛ ولا غرابة أن تدهور مركز السودان في قائمة الشفافية العالمية إلى مؤخرة الدول. وبعد انفصال الجنوب ضعفت عائدات العملة الأجنبية بنسبة كبيرة فلجأت الحكومة لفرض المزيد من الضرائب والاستدانة من النظام المصرفي لسد العجز في الموازنة مما أضعف قوة العملة المحلية وضاعف من أسعار المواد الضرورية على المواطن؛والغريب أن الصرف الحكومي لم ينقص بأكثر من 5% عما كان عليه أيام البذخ البترولي حسب إحصاءات البنك المركزي. ولا حديث يروج في العاصمة والمدن أكثر من ارتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية بصورة شبه يومية. ولم ينجو مال الزكاة الذي يجبى من كل مصادر الدخل المعروفة من الاستغلال السياسي والاختلال في التوزيع، فقد كانت نسبة مقدرة منه تصرف على المؤلفة قلوبهم من السياسيين في الشمال والجنوب وعلى دعم المجهود الحربي والجمعية الخيرية لدعم القوات المسلحة وبعض المؤسسات الحكومية والإسلامية وكل ذلك على حساب الفقراء والمساكين التي فرضت الزكاة أصلاً من أجلهم وتخفيف الفاقة عليهم.


    خاتمة

    لم يشهد تاريخ السودان منذ الاستقلال انتهاكات لحقوق الإنسان أكثر مما شهدها تحت حكم سلطة الإنقاذ، ولا عجب أن صدرت عشرات الإدانات لحكومة السودان من المنظمات الحقوقية والدولية في مجال حقوق الإنسان حتى أصبح السودان بنداً ثابتاً في كل التقارير الدولية التي تتحدث عن حقوق الإنسان. وكلفت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ومن بعدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدةمبعوثاً خاصاً يتابع دورياً وضع حقوق الإنسان في السودان ويرفع تقارير بذلك، ورغم الاعتراف ببعض التقدم في هذا المجال إلا أن السودان ما زال في مؤخرة الدول التي تحمي حقوق الإنسان.


    والسؤال الذي يفرض نفسه على الشخص المراقب هو: كيف تنكرت الحركة الإسلامية السودانية على أطروحاتها المتقدمة في مجال حقوق الإنسان؟ وقد كانت مؤهلة بحكم التزامها الديني بالقيم الإسلامية السمحة، وبتوفر كوادرها عالية التعليم،وتنظيمها القوي الممتد في أنحاء البلاد وتراثها الشوري الفاعل، وتمكنها من السلطة لفترة طويلة أن يكون أداؤها في مجال حقوق الإنسان هو الأحسن من أي نظام آخر مرّ على السودان. ولكن ما حدث هو العكس فلماذا؟ إجابتي هي باختصار أن الحركة جاءت بطريق إنقلاب عسكري همه الأول هو تأمين نفسه في السلطة بأي ثمنكان خاصة بعد أن وجد نفسه محاصراً بمعارضة داخلية وخارجية متزايدة؛ وأتيحت له سلطة مطلقة دون محاسبة من أية جهة كانت سياسية أو قضائية أو تنظيمية؛ وقيض الله له أتباعاً كثر مطيعين بسبب ولائهم الديني والتنظيمي ينصرونه ظالماً أو مظلوماً ولا يسألونه لماذا فعل أو لم يفعل؛ واستغل مناصب الدولة ومواردها المالية في تأليف قلوب المعارضين والبعيدين وتقوية آصرة الأعضاء المنتسبين؛ واستفاد من شعاراته الدينية الجاذبة في مجتمع السودان لكسب قواعد جماهيرية ساذجة وطيبة وجاهلة؛ وسهّل عليه الأمر أن المعارضة السياسية التي تواجهه ضعيفة التنظيم والإمكانات والتواصل الجماهيري ولم تقطع الأمل في الالتحاق بمنظومة الحكم القائمة حتى تكون أكثر جدية في المعارضة.
    ولكن السيل قد بلغ الزبى أو كاد ولا بد أن يحدث قريباً أو في المدى المتوسط إصلاح من داخل النظام وحركته الإسلامية أو يقع تغيير مفاجئ من خارج المنظومة السياسية على نسق ليبيا أو مصر أو اليمن.



    المصادر
    1. التجاني عبد القادر: نزاع الإسلاميين في السودان: مقالات في النقد والإصلاح (نشرت في جريدة الصحافة ثم طبعت في شكل كتاب، 2009؟).
    2. حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان: التطور والكسب والمنهج (الخرطوم،1988).
    3. " " : قضايا الحرية والوحدة؛ الشورى والديمقراطية؛ الدين والفن (الدار السعودية، جدة، 1987).
    4. " " : المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع (الدار السعودية، جدة، 1984).
    5. حسن مكي محمد أحمد: الحركة الإسلامية في السودان: 1969-85 (معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، الخرطوم، 1990).
    6. الطيب زين العابدين: مقالات في السياسة السودانية (دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم، 2004).
    7. " " : مقالات عن الحركة الإسلامية في السودان (الدار السودانية للكتب، الخرطوم، 2003).
    8. عبد الرحيم عمر محي الدين: الترابي والإنقاذ: صراع الهوية والهوى (دار عكرمة، دمشق، 2006).
    9. عبد الغني أحمد إدريس: الإسلاميون: أزمة الرؤيا والقيادة (مؤسسة سنار الثقافية، لندن، 2012).
    10. عبد الوهاب الأفندي: الثورة والإصلاح السياسي في السودان (منتدى ابن رشد، لندن، 1995).
    11. المجلس الوطني الانتقالي: وثيقة السودان لحقوق الإنسان (إسلام آباد، 1996).
    12. وزارة العدل: دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 (مطبعة جامعة الخرطوم، ب ت).




    ---------------------

    الحركة الإسلامية ضد التشيع.. صيحة متأخرة

    محمد وداعة:


    الحركة الإسلامية تحذر من المد الشيعى والحركات السلفية الجهادية، كان هذا خبر الصفحة الاولى بصيحفة «آخر لحظة» عدد الجمعة رقم «2197» بتاريخ 5 اكتوبر 2012م، وعنوان الخبر وحده يشكل ازمة ومحنة للحركة الاسلامية، والتحذير جاء على لسان الشيخ عثمان الهادي امين الحركة الاسلامية بولاية الخرطوم، يقول التحذير «هناك خطورة من تنامى المد الشيعى فى السودان والحركات السلفية التى اشار الى انها تدعى الجهادية،

    وقال هناك مد شيعى يستغل المال لادخال الشيعة للبلاد، واضاف هناك من يتشيعون ولكننا لن نرضى بالشيعة على الاطلاق، مطالباً بضرورة مواجهة هذا المد بالتمسك بقيم الدين الاسلامى والفكر والاطلاع»، على وجاهة التحذير الا ان الربط فى الحديث بين التمدد الشيعى والسلفى لا يمكن ان يكون زلة لسان او عفواً، الا اذا كان الشيخ يربط فى حديثه بين مصادر الخطر على حركته الاسلامية، اما من الناحية الدينية والفكرية، او الاهداف والوسائل او حتى الدوافع ودرجة الخطورة على المجتمع السودانى السنى الصوفى المسالم، فهو اختلاف لا يخفى على فضيلة الشيخ، الاختلاف ليس بين مذهب وآخر ولا منبع وآخر، وانما كل على حدة، ولا التشابه فى التمويل الخارجى او استخدام المال فى الحالتين على السواء، الاختلاف الاخطر سيدى الشيخ هو ما بين الفئتين، وانهما لا محالة سيصطدمان ويصطرعان ويتقاتلان ويهدمان ما تبقى لشعبنا الطيب المسالم من قيم متسامحة وتدين متوازن غير متعصب لمذهب بعينه يسخر له المال وامكانات الدول، وتستغل فيه العلاقات الدبلوماسية وتسهيلاتها،

    والمحزن أن الشيخ رغم انه حدد المخاطر اجمالاً بوضوح الا انه عدد من الوسائل للمواجهة ما لا يتناسب مع الخطر الذى حدده، ولم يقل كيف اصبح المال سبباً فى التشيع؟ من الذى يدفع هذا المال؟ وكيف يدخل الى البلاد؟ الشيخ يعلم وطلابه الذين خاطبهم يعلمون ان التشيع والشيعة كونوا احزابهم حتى داخل الجامعات التى يحكم اتحاداتها طلابه الاسلاميون، وهو يعلم والحكومة وحزبها وأمنها ووزارة خارجيتها وداخليتها يعلمون من يتولون امر التشيع بالداخل، وان هؤلاء النشطاء يتجولون بحرية يجوبون المدن والقرى ينشؤون الحوزات والحسينيات والمراكز التعليمية التى تدرس المذهب الشيعى، يوزعون الكتب سراً على مكتبات بعينها وعلى الارصفة و «بعض فراشة الكتب»، ويقدمون الدعوات للبعض لزيارة ايران والتعرف على الحضارة «الفارسية»، ويدخلون على مجتمعنا عادات غريبة عليه تبدأ بالزواج خارج الاطر الشرعية ولا تنتهى بتبرير الميول المثلية، يخترقون الاحزاب القائمة ببعض النافذين فيها او المحسوبين عليها، ولا يسلم من ذلك حتى حركتكم الاسلامية وحزبها الحاكم، لقد بدأت هذه الظاهرة تحت سمع وبصر الحكومة واجهزتها الامنية والدبلوماسية، وتساهلت هذه الحكومة طمعاً فى دعم من النظام الايرانى لن يأتى ابداً، فإيران التى استثمرت الاموال الطائلة فى الدول الافريقية المجاورة تنشئ السدود وتقيم المصانع وتنقب عن اليورانيوم، استثمرت لدينا فى غاز الطبخ والآيسكريم، وتتحدث عن وقوفها مع الحكومة فى ملفات دولية هى نفسها محاصرة فيها وتنتزع فى مقابل ذلك المواقف الداعمة لسياساتها إقليمياً ودولياً ومن غير مقابل، وتتحدث مجازاً عن دعم خفى موعود، وبلادنا لا تتوقع احداثاً تحتمله،

    ولا اظن ان حكومتنا فى حاجة له، ولا يخفى على احد ان ايران ما دخلت بلداً الا واحدثت فيه المشكلات وأصبح ساحة لحرب المخابرات الدولية ومسرحاً للصراعات الانية والمستقبلية، فايران تتدخل فى دول الخليج وتحتل الجزر الاماراتية، وتسعى للاطاحة بنظام البحرين وتشعل النيران فى المنطقة الشرقية من السعودية، إيران تحتل العراق وتقوم مقام الحكومة السورية وتتدخل فيالقها التى انشأتها بزعم تحرير القدس لتحرير سوريا من شعبها، اما فى اليمن فلديها من المليشيات المدججة بالاسلحة الثقيلة ما تواجه به الجيش اليمنى، اما فى لبنان فقد اقامت دولة حزب الله تحت ستار مقاومة العدو الصهيونى الذى قدم لها كل انواع الدعم فى حربها ضد العراق، ان التاريخ لن يرحم حكومتنا هذه فى مواضيع كثيرة شكلت وتشكل الآن مستقبل البلاد، وحددت وتحدد الآن مصير الاجيال المقبلة، وعلى الاخص سيسجل التاريخ ان عهد هذه الحكومة قد شهد التمدد السلفى والشيعى، وسيكتب التاريخ أنها تغافلت وأغمضت عينيها مقابل دعم ايرانى فى خيالها فقط ولن يحث ابداً

    الصحافة
    10/10/2012

                  

10-11-2012, 07:34 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)




    شهادة الرئيس ..

    وشهادة المتملقين !! .. بقلم: د. عمر القراي


    شهادة الرئيس .. وشهادة المتملقين !!
    .. بقلم: د. عمر القراي

    [email protected]



    ( ستكتب شهادتهم ويسألون) صدق الله العظيم

    لو ان الرئيس عمر البشير، قد حصل على درجة الماجستير، في أي علم من العلوم، لما أقمنا وزناً لهذا الخبر، ولما علقنا عليه .. ففي عهد الانقاذ، ومع استشراء الفساد العام، وتدهور التعليم، اخذت شهادات الدكتوراة، توزع بلا حساب على عناصر المؤتمر الوطني، ممن هم دون الرئيس ببعيد .. فكل من اصبح، لولائه الحزبي، مسؤولاً كبيراً، وهو عاطل من أي كفاءة، وجاهل بكل شئ، وخال من جميع المناقب، منح الدرجة العلمية، بواسطة زملائه الذين عينوا سياسياً في قمة الجامعات، ليقوموا بهذا الغرض، من ضمن اغراض اخرى، في طليعتها منع الطلاب من الثورة على النظام، ولو عن طريق تجهيلهم، وابعادهم، والتحيز لطلاب المؤتمر الوطني ضدهم، والاستعانة بالأمن للاعتداء عليهم، داخل الحرم الجامعي، وحرمانهم من ممارسة نشاطهم المعارض للسلطة. واعضاء المؤتمر الوطني، حين يمنحون بعضهم الشهادات العلمية، ويوثقونها في مكاتب الدولة، يعتبرون ذلك من ضمن التمكين، الذي طردوا به آلاف الموظفين، واحتلوا اماكنهم، دون كفاءة، واعتبروا قطع أرزاقهم، من الصالح العام.


    على أن الخبر استحق الوقوف عنده، لأن الماجستير الذي ناله السيد الرئيس، كان عن اطروحة بعنوان (تحديات تطبيق الشريعة في المجتمعات الاسلامية )!! ولأن الجامعة التي منحته تلك الدرجة العلمية، ليست الجامعة الإسلامية، أو جامعة القرآن الكريم، أو كلية الاتصال بقرية فداسي بالجزيرة، والتي سجل لها الطلاب على انها كلية اتصالات حديثة، فوجدوا انها معهد ديني، وان الاسم يعني الاتصال بالله، عن طريق دراسة الفقه !! وإنما منحته الدرجة العلمية، جامعة الجزيرة العريقة، التي كان على قيادتها،
    اساتذة أكفاء، ومواطنون شرفاء، مثل بروفسير عبد الرحمن العبيد، وبروفسير عصام عبد الرحمن البوشي، فإذا انحدرت مؤسسة عريقة بهذا المستوى، الى هذا القاع، فكم من التردي حاق بهذا الوطن السليب ؟! ولما كان الموضوع سياسياً بالأساس، فقد أعلن الخبر السيد مدير جامعة الجزيرة، واشادة بالرسالة، رغم ان هذا ليس مجال تخصصه !! ولما كان في ذهنه تساؤلات الناس،

    واستنكارهم، فقد سارع بالتأكيد على ان الرئيس قد استوفى المستلزمات الاكاديمية المطلوبة !! وهذا يعني فيما يعني، حضور المحاضرات، لو كانت الدرجة قد منحت عن طريق الكورسات.. أو التفرغ للبحث، لو كانت عن طريق البحث، وكل هذا لا يمكن تصديقه، لأن مهام الرئيس، وواجباته، لا تسمح بالفراغ، الذي يمكنه من الدراسة والبحث، وهذا هو السبب، في ان الناس لا يحصلون على الدرجات العلمية، بعد ان يصبحوا رؤساء دول !! ولو صدقنا كلام مدير الجامعة، لكان فيه إساءة بالغة للرئيس .. لأنه ترك مشاكل الوطن المشتعل بالحروب، والملئ بالقوات الاجنبية، وترك هموم الشعب الثائر، الذي ملأ الشوارع بالمظاهرات، والتردي الاقتصادي المريع، والارتفاع الجنوني في الاسعار، واستشراء الفساد، الذي اصبح يتحدث عنه حتى اعضاء المؤتمر الوطني، الدبابين، أمثال اسحق فضل الله، ترك كل ذلك ليتفرغ للكتابة عن تطبيق الشريعة، الذي عجز عنه عملياً، وأدت محاولاته الفاشلة، الى تقسيم الوطن، واشعال اطرافه بالحروب، وتفاغم كل هذه المشاكل، التي عجزت الدولة، وهو على قمتها، من حلها.. ومن عجب ان مدير الجامعة اضاف بان الرسالة متميزة، لأنها جاءت من واقع تجربة عملية !! ( راجع الراكوبة -1/9/2012).


    لو ان مواطناً، سودانياً، واحداً، لا يحق له ان يمنح درجة علمية، بخصوص تطبيق الشريعة الإسلامية، لكان ذلك المواطن، هو السيد عمر حسن البشير !! وذلك لأنه المواطن الوحيد، الذي حكم لأكثر من عشرين عاماً، ثم لم يستطع تطبيق الشريعة !! ولو كان يفهم الشريعة ومقاصدها، ويفهم اشكالات تطبيقها في المجتمع المسلم المعاصر، لتجاوز تلك الاشكالات، واستطاع ان يطبقها.. أو لعلم من معرفته النظرية، التي منح بسببها الدرجة العلمية، وتجربته العملية المكللة بالفشل، ان الشريعة لا يمكن تطبيقها اليوم، ولذكر ذلك في الواقع، وخلص اليه في بحثه !! ولكن الرئيس البشير جاء بانقلاب عسكري، ولم يبين لنا حكم الانقلاب في الشريعة، أهو موافق لها أم مخالف لمبدأ الشورى؟! ثم صعّد الحرب في الجنوب، وادعى انها جهاد، لأن حكومته تطبق الشريعة، التي يكون الجهاد ضد الكفار من تبعاتها، وبعد ان قتل آلاف الشباب المضلل باسم الشريعة، في احراش الجنوب، قام البشير بمصالحة الحركة الشعبية، وعيّن زعيمها المسيحي المرحوم الدكتور جون قرنق النائب الأول لدولة الشريعة، ورفعه فوق نائبة الاسلامي العريق، السيد علي عثمان محمد طه !! ولم يخبرنا البشير عن حكم الشريعة في ذلك، خاصة وان تجربة تطبيق الشريعة، معلومة، وموثقة، فقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة، فهل كان من الممكن، ان يعين حيي بن احطب اليهودي نائباً له، فوق ابوبكر الصديق رضي الله عنه؟!


    لو لم تكن مهزلة منح الرئيس الماجستير، مسرحية سيئة الاخراج، لسأله احد الممتحنين : لقد ذكرت بعد تجربة عشرين سنة من الحكم، وبعد انفصال الجنوب، انك سوف تطبق الشريعة الآن، وإنما كان مطبقاً من قبل، شريعة ( مدغمسة).. فمن الذي (دغمس) شريعة الله ؟ وهل كان وجود الجنوبيين مبرراً شرعياً يجوز تلك (الدغمسة) ؟! وإذا كنت بحسب اعترافك لم تطبق إلا الشريعة (المدغمسة)، فهذا هو مجال خبرتك، فكيف تحضر الآن، رسالة ماجستير من واقع التجربة، عن الشريعة الصحيحة ؟! لو كان في الممتحنين، عالم حقيقي، يشرف لقبه، لسأل الرئيس : ما هي النتائج العملية الماثلة لتطبيق المشروع الحضاري، الذي قام على الشريعة الإسلامية ؟! هل تحسنت أخلاق الناس؟! هل عم الخير والرخاء ؟! هل زادت الدولة قوة، ومنعة، وانتصرت على اعدائها واسترجعت حلايب والفشقة ؟! أم ان اجزاء من دولة الشريعة، تقع الآن، رغماً عنه، تحت سيطرة القوات الدولية ؟! ثم ألم يحلف الرئيس بالطلاق، انه لن تدخل قوات دولية السودان، وإنها لو دخلت للبس الزي العسكري، وحاربها بنفسه ؟! هل كان كل هذا الكذب من ضمن تطبيق الشريعة ؟!


    وفي حادث جلد فتاة الفيديو الشهير، تحدث السيد الرئيس في أحد لقاءاته، معلقاً على تصريح مدير الشرطة، بأنه سيتم تحقيق فيما حدث، فقال (تحقيق في شنو ؟ دا تطبيق حد من حدود الله)، وكرر هذا الكلام، في لقاء تلفزيوني مع احد الفضائيات !! ولقد جلدت فتاة الفيديو خمسين سوطاً، ومعلوم بانه ليس هناك حد يتم فيه الجلد خمسين جلدة، فلا يمكن ان يكون جلدها قد تم حداً !! فإذا كان السيد الرئيس لا يعرف هذه الابجديات، فهل يمكن ان يكون قد عرف اشكالات تطبيق الشريعة ؟! ثم هل كانت الشريعة قائمة حين جلدت فتاة الفيديو ؟! هل كان السارق يقطع، والزاني المحصن يرجم ؟! أم كان نائب رئيس الجمهورية القائد سلفا كير ميارديت المسيحي ؟! وإذا عجز الحاكم عن تطبيق جميع الأحكام، على جميع المواطنين، فهل يصح ان يطبق بعضها، ويترك بعضها، فيؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض ؟! ثم يكافأ على كل هذه التحريف والتشويه للشريعة، بأن يمنح درجة الماجستير في تطبيقها ؟!
    وكأن تملق اساتذة جامعة الجزيرة، وتدليسهم، لا يكفي، فكتب د. حسن التجاني احمد (اشهد اني كنت أحد الذين تشرفوا بحضور مناقشة رسالة الماجستير التي قدمها الباحث السوداني عمر حسن احمد البشير ...

    هذه رسالة قوية محكمة تم اعدادها بصورة متأنية دلالة على إلمام الباحث بمشكلة بحثه الحقيقية وهذا مربط الفرس. الباحث هو رئيس الجمهورية السوداني الذي شقت سمعته الطيبة كل ارجاء المعمورة لم يشعر احد في لجنة المناقشة بهذه الصفة وقد ظهر في هذه اللجنة بصفة الطالب فقط يتلقى التوجيهات العلمية ...)(الأهرام اليوم 28/8/2012م). ولأن الله اراد فضح هذا المتملق، فقد قال( من طرائف المناقشة كان الباحث قد اسهب في شرح فكرة بحثه واخذ زمناً مقدراً هذا لا نمنحه نحن الباحثين عند المناقشة فهمس لي احد الحضور في اذني : الراجل من اللجنة يوقف الرئيس حسب ضوابط اللجنة فقلت ضاحكاً لا يستطيع أحد فقط لان إلمام الباحث بفكرته مقنع لأن نسمع وتسمع اللجنة دون مقاطعة ) !! (المصدر السابق). ولو كان هذا الدكتور نفسه مؤهلاً بالقدر الكافي، ولو كان على علم بأسس مناقشة الاطروحات العلمية، لعرف ان إلمام الباحث بموضوعه، وتعبيرة الجيد عنه، ليس سبباً، يمنع اللجنة من ايقافه إذا اسهب .. بل ان من يملك موضوعه حقاً، لا يحتاج الى الإسهاب، لأنه يستطيع ان يعبر عن فكرته بقوة، في الوقت المحدد الذي نصت عليه اللوائح. ولكن السبب الحقيقي، في ان اللجنة لم توقف الرئيس، هو ما عبر عنه الشخص الآخر، وهو خوف اللجنة من الرئيس، والطمع في رضاه .. وهو ما من اجله أعطته الدرجة التي لا يستحقها، على حساب الحق، والأمانة العلمية، ومكانة الجامعة العريقة.


    ولم يكتف هذا الدكتور العجيب، بما كشف لنا من تلك المهزلة، بل أظهر المزيد حين قال (حين انتهى السيد الباحث من طرح فكرته اشار الاعلامي البروفسير عوض ابراهيم عوض شكراً للباحث المتميز عمر حسن فابتسم الرئيس ابتسامة عريضة واشار للحضور باصبعه على البروف في كناية منه مازحاً بصورة ضحك لها الحضور جميعاً " خلاص بدينا كسيير تلج" ) (المصدر السابق). فالرئيس وان بدا مازحاً، إلا انه اعتبر ثناء د. عوض ابراهيم عوض عليه، نوع من التملق، وسماه " تكسيير تلج" وهو فعلاً كذلك، والتملق، والإنتهازية ليست جديدة على عوض ابراهيم عوض، منذ ان كان مذيع نميري، الذي يعلن باسمه تقتيل، وتكفير معارضيه !! فهاهو قد أصبح في ركاب الانقاذ، بروفسيراً واساتذته لم يحصلوا على هذه الدرجة .. ماذا قال د. عوض ابراهيم عوض، بعد ان وصفه الرئيس بالتملق؟! يواصل الدكتور حسن فيقول (البروف عوض طالب اللجنة ان يضيف السيد الباحث فصلاً آخر للبحث وان تمنحه اللجنة درجة الدكتواره الا ان اللجنة رأت ذلك غير ممكن)!! وعوض حين اقترحه، يعلم انه غير ممكن، ولكن ذلك لا يهمه، المهم هو رضا الرئيس عنه، وهو يفكر في منصب اعلى مما هو فيه الآن !!


    اللهم ان هؤلاء رجال لا يرعون لله عهداً ولا ذمة، ولايشرفون الشعب السوداني، بل لا يشرفون أهلهم وذويهم، الذين يقتلون الآن في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، ويتضورون جوعاً في الخرطوم، ويشردون من قراهم في الشمالية، وتباع مشاريعهم في الجزيرة، وتفتك بهم الفيضانات والامراض في الشرق، ثم تأتي الجامعة، التي أنشأها هذا الشعب المنكوب، فتتغاضى عما جرى له، وتشيد بجلاديه، وتمنحهم الدرجات العلمية، جزاء على الموبقات التي ارتكبوها. وتغطى هذه المهزلة، بشهادة دكاترة متملقون، لا هم لهم غير إرضاء الحاكم، وتجنب غضبه، والطمع فيما يعطي من حطام الدنيا، ولو تم ذلك بشهادة زور، سيسئلون عنها، في يوم تجف من هول سؤاله اسلات الألسن.


    د. عمر القراي





    للتواصل مع البوست السابق انقر هنا

    اراء وكتابات مهمة عن القضية السودانية ...مقالات مختارة ..ادخل
                  

10-14-2012, 07:08 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    المفكر اللبنانى الدكتور رضوان السيد مسلم سنى له مؤلفات متعددة فى سيرة الاسلام والمسلمين وتلمس قضاياهاهم السياسية والفكرية ويعد اليوم احد اهم من يتناول الشان الاسلامى للمسلمين وتعتبر مؤلفاته المرجع الاول للمسلمين السنة فى القرن الواحد وعشرين ..
    كتب هذا المقال الذى تجدونه بالاسفل عن فرية الاقتصاد الاسلامى التى تبناها تنظيم الاخوان المسلمين وادعى انها اسلمة للاقتصاد ليجنى من ورائها المال والجاه ويدعنم مواقفه السياسية هدفا للسلطة ..
    اقرا المقال






    د. رضوان السيد

    الدين والدولة... التباسات وشعبويات
    تاريخ النشر: الأحد 14 أكتوبر 2012


    فرض وصول جماعات الإسلام السياسي للسلطة بعد الثورات تحدياتٍ كبرى على الدولة وإدارة الشأن العام. وفرض تحديات أكبر على الدين في عقائده وعباداته، وعلائقه بالسلطان السياسي، والتسلط باسم الدين. وقد كانت وجهة نظري في عدة مقالات ومحاضرات في مؤتمرات، أن إدارة الشأن العام هي شأن الناس جميعاً، ويملك الجمهور اليوم وعياً حاداً بحقوقه، ولذا لا خوف على مدنية الدولة والنظام في المدى المتوسط، لأنه أياً تكن الإشكاليات مع الشعبويات اليوم، فإن الناس لا ينخدعون في النهاية عن حقوقهم ومصالحهم، وما يضرهم وما ينفعُهُم وهم يشاركون بقوة في إقامة المجتمع السياسي الجديد.

    بيد أن الحال غير الحال فيما يتعلق بالدين نفسِه، والذي سيطرت باسمه جماعات باتت تُعرف بجماعات الإسلامي السياسي. وكما سيطرت من خلال تاريخها الطويل في معارضة الأنظمة السابقة، فإنها مصممة على البقاء في السلطة بالأفكار والأساليب ذاتها: الطلب إلى الجماهير أن تبقى معها من أجل إحقاق الحق وتطبيق الشريعة، والتصارع مع القوى الإسلامية الأخرى الموجودة على أي إسلام أفضل، واستخدام الدين في مواجهة القوى المدنية واليسارية باسم الإيمان والكفر، وصون الهوية الإسلامية للمجتمع والدولة. وهذه مجالات ثلاثة للصراع شديدة الخطورة على مفاهيم الدين ووظائفه القيمية والاجتماعية والثقافية والشعائرية.

    فاستناداً إلى فكرة النظام الكامل الذي يقدمه الإسلام، ليس في الاعتقاد والعبادة والقيم فقط؛ بل وفي الشؤون الاقتصادية والسياسية والثقافية، ظهرت لدى الإسلاميين الحزبيين في العقود الخمسة الماضية مسألة الحاكمية، والتي تعني حكم الله في الأرض عن طريق تطبيق الشريعة بواسطة الدولة التي يقوم فيها نظامُ حكم إسلامي. وبالطبع فإن المرجعية الإسلامية في الدستور والقانون هي التي تعطي النظام مشروعيتَهُ، والتي يعبر عنها عملياً تطبيق الشريعة. وبذلك لا يكون الشعب أو الأمة مصدراً للسلطات، بل مصدر الشرعية هو الشريعة. والواقع أن في ذلك خَطَلاً كبيراً من عدة وجوه. ففي الإسلام الأول تقوم الإمامة (السلطة) على الاختيار (من الأمة)، وهي، أي السلطة المنتخَبة، هي التي تتولى إدارة الشأن العام. وما كان النظام السياسي (الخلافة) هو الذي يتولى التشريع، بل كان الفقهاء هم الذين يفعلون ذلك. وبالتالي فقد كانت الشريعة في جوانبها العملية بيد القضاة وليس بيد الإمام الذي كان عليه أن ينفّذ أحكام القضاء. وقد صرَّح الفقهاء بذلك عندما قالوا إن "الإمامة" تقوم على المصالح والتدبيرات السياسية، ولا علاقة لها بالعقائد والتعبديات! فليست للدولة مهمة دينية، وإنما ينصبُّ اهتمامُها على الإدارة الصالحة القائمة على العدالة والكفاية وصون الحقوق، ومن ضمنها "صون الدين على أصوله المستقرة"، أي صون حريات العقيدة والعبادة باعتبارها من الحقوق الأساسية للمواطنين. وهكذا فليست هناك دولة دينية في الإسلام أصلاً، والتطورات المتشددة في العقود الستة الأخيرة حدثت لظروف استثنائية، وينبغي الخروج منها مع سقوط أنظمة الاستبداد.

    وما دام الإسلام (الدين) لا يملك مذهباً في السياسة وإدارة الشأن العام، فمن باب أَََولى أن لا يمتلك مذهباً في الاقتصاد والإدارة المالية. وإنما -كما في الشأن السياسي- تأكيداتٌ على الحرية والعدالة والكرامة من الناحية القيمية، كذلك هناك نهي عن الاحتكار والاستغلال والاستئثار. لكن "الإخوان" ومشايعيهم اصطنعوا خلال العقود الخمسة الماضية ما سمَّوه بالاقتصاد الإسلامي. وذهبوا إلى أنّ مؤسساته اللاربوية، كفيلة بالخلاص من مشكلة الفقر. إنما بمجرد وصول رئيس منهم بمصر للسلطة، ذهبوا إلى صندوق النقد الدولي وطلبوا منه قرضاً ضخماً. وكذلك فعل التونسيون. فالإصرار على المشروع السياسي الإسلامي، وعلى الاقتصاد الإسلامي هو تكليفٌ للدين بما لا يُطاق، وإلا فأين هو الاقتصاد الإسلامي؟!

    ثم إنّ في الحاكمية والمرجعية وتطبيق الشريعة، مُصيبة أُخرى. ففرض الشريعة على المجتمع بواسطة الدولة، يعني أن الشريعة خارج المجتمع في الأصل، ويراد إعادتُها إليه أو فرضها عليه. بينما في عقيدة المسلمين أنهم هم الذين يحتضنون القرآن والشريعة ولا ينفصلان عنهم. وإذا انفصلت الشريعة، صارت في مواجهة المجتمع؛ وبخاصة إذا كانت ستُنفَّذ من جانب الدولة. وفي ذلك أيضاً إعطاء الدولة مهمة دينية تزيدها تشدداً واستقواءً، وهذا فضلاً عن التقسيم الذي يحدث في المجتمع الآن.

    ثم من ذا الذي قال إن الشريعة غير مطبّقة وتحتاج إلى تطبيق؟! فالشريعة هي الدين بحذافيره. وكله مطبَّق منذ قوله تعالى: "اليوم أكملْتُ لكم دينكم وأتممتم عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلام دينا". وقد كان المسلمون يتنازعون على أمورٍ كثيرةٍ في الماضي، ويصل النزاع بين فئةٍ وأُخرى إلى حدود التكفير المُشين، لكن جماعة المسلمين كان اعتقادها أنه لا يُكفَّر أحدٌ بذنب. أما في الأزمنة الحديثة والمعاصرة، فإن الحزبيين الإسلاميين، التكفيريين وغير التكفيريين، يقولون مباشرةً أو بشكلٍ غير مباشر إن الناس غافلون أو جهلة أو مستضعَفون أو كفار، ووحدهم الإسلاميون الذين يمتلكون ناصية الهدى، ويريدون فرضه على الناس بالسلطة التي يسيطرون فيها. وبالطبع لا يقبل المسلم أن يكون دينه ناقصاً، أو مهملاً، أو عُرضةً للتشكيك. وإذا كان الإخواني يريد الوصول للسلطة من أجل تصحيح مسارها بالشريعة، فإن بعض السلفيين يريد تصحيح اعتقاد الناس أو عباداتهم حتى لا يخالطها الشِرْك، وهكذا فهم يعطون أنفسهم بالسلطة وبدونها حقّ فرض الدين الصحيح على اعتقادهم. وهذه مصيبةٌ كبرى على الدين أولاً، وعلى الناس ثانياً.

    ولندع هذا وذاك وذلك، ولننصرف لمراقبة طرائق الإسلاميين العملية في التصرف في المجال العام. هناك أولاً السلوك الانتخابي، بحيث يقول هذا الفريق انتخبني يا فلان لأن برنامجي أحسن للإسلام. بينما يقول الفريق الآخر الشيءَ نفسَه عن برنامجه! ومع الوقت يتشرذم الجمهور، وتتشرذم اعتقاداته. والمعروف أن هذا الاستعمال الكثيف للدين يصير أكثف وأفظع في اللحظات والمناسبات الحساسة مثل الاستفتاءات على الدساتير الجديدة، والانتخابات. إذ عندها يقول الإسلاميون إن هوية الدولة (الإسلامية) في خطر إن لم يتبع الجمهور خياراً معيناً، فيسيئون بذلك لغير المسلمين، وللمسلمين من ذوي وجهات النظر الأُخرى. وقد سمعتُ زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بتونس يقول للسلفيين في اجتماع ٍ معهم كلاماً معناه: لماذا تسارعون للصدام معنا، وعندكم الآن المساجد تستطيعون أن تدعوا فيها إلى الله كما تشاءون بدلاً من الصراخ في الشارع؟ ولماذا تصارعوننا بدلاً من مصارعة العلمانيين المسيطرين في الاقتصاد والثقافة ومؤسسات الدولة؟! وهكذا فهو يريد من السلفيين الانصراف لمصارعة خصومه رغم أن الطرفين مواطنون يتساوون في الحقوق والواجبات!

    إنّ هناك خلطاً كبيراً في المفاهيم، وشذوذات كثيرة في السلوك الديني والسياسي، ولابد من صَون الدين منها وبخاصة في أزمنة الاضطراب والتغيير.




    جريدة الاتحاد
    الأحد 28 ذي القعدة 1433هـ - 14 أكتوبر 2012م

    ----------------------

    بمناسبة إنعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية : الحركة الإسلامية :

    هل تستطيع ان تنقذ نفسها من الإنقاذ؟! (2-3)
    October 12, 2012

    عمر القراى



    ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا …) صدق الله العظيم

    إن من المسائل المهمة، التي يجب ان يثيرها أعضاء الحركة الإسلامية في مؤتمرهم، الوضع الإقتصادي.. فما من شئ جعل الشعب يكرههم، مثل الفقر والجوع، الذي شاع تحت ظل حكومة الإنقاذ. فلقد رفعت الإنقاذ، في بداية عهدها، شعار (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) فماذا حدث للزراعة، وللصناعة، وصناعة النسيج بصورة خاصة، بعد ان استمرت الإنقاذ عشرين عاما ؟! ولماذا اعتبرت مصانع الجلود، والمدابغ، مشاريع فاشلة، وبيعت بأثمان بخسة ؟! ومن الذي اشتراها ؟؟ أليسوا هم قادة حزب الحكومة، وشركائهم من الاجانب ؟! ماذا حدث للسكة حديد من دمار وتخريب، حتى بيعت القضبان ؟؟ وأين النقل النهري، ولمن بيعت منطقته ومحركاته ؟؟ أين الخطوط البحرية السودانية، والسفن التي كانت تملأ ميناء بورتسودان ؟؟ وماذا حدث لسودانير، ولماذا اصبحت طائراتنا تقع كل يوم، فتقتل المواطنين، دون تحقيق ومساءلة ؟؟ ولئن حاولت الحكومة ان تخفي ما لحق بالزراعة، والصناعة، ووسائل النقل والمواصلات، من تدمير عن الشعب، فإنها لن تستطيع إخفاءه عن الحركة الإسلامية، التي لديها عضويتها في مشروع الجزيرة،

    وفي السكة حديد، وفي الخطوط البحرية، وفي كل هذه المصانع التي أغلقت. يجب ان يطرح موضوع بيع مشروع الجزيرة لشركات خاصة، وبيع المشروعات، والمعدات، وبيع خط هيثرو، الذي قيل أن له ملف في النائب العام لم يستطع احد تحريكه !! ويجب أن تتم المساءلة حولها جميعاً .. لقد تدهورت الزراعة، والصناعة، والمواصلات في السودان، لأن الحكومة قد أهملتها، وركزت على البترول، الذي فقدته بانفصال الجنوب .. وحين فشلت المشاريع كنتيجة طبيعية للإهمال، والفساد، وعدم توفير مدخلات الإنتاج، وتحطيم شبكة الري في المشاريع المروية، فرح نافذو الانقاذ لهذا الفشل، وبرروا به بيع هذه المشاريع لأنفسهم !! وما كان من الممكن للزراعة والصناعة ان تنجح، في بلد نام، تحول اقتصاده الى اقتصاد حرب .. لأن الإنقاذ منذ مجيئها، لم تتوقف من الحرب مع مواطنيها !! فقد صعدت الحرب في الجنوب، وحين أوقفت باتفاقية نيفاشا، كانت قد اشعلت الحرب في دارفور، ثم لحقت بها كردفان والنيل الأزرق، ولا تزال. والحرب زيادة على إهدار الارواح، تدمر اقتصاد الدول الغنية، دع عنك الفقيرة، ويكفي ان نعلم ان سعر (الكلاشنكوف) الواحد يساوي سعر 100 جوال ذرة في السودان !! فإذا كانت الحركة الإسلامية حريصة على الوطن، فلترفض توظيف الميزانية للحرب، وخلوها من التنمية، إذ ان نسبة ما يصرف على التعليم من جملة الدخل القومي لا يصل الى 1% !! ومثل ذلك يصرف على الصحة، بينما تصل ميزانية الأمن والدفاع الى حوالي 80% من الدخل القومي !! نعم إن كثير من قادة الحركة الإسلامية، وبعض أعضائها، الذين فضلوا الإنحياز الى الوطني دون الشعبي، قد اثروا، واصبحوا اصحاب مصالح شخصية، في بقاء النظام،


    واوضاعه كما هي .. ولكن هنالك قاعدة من الحركة الإسلامية، لا تزال فقيرة، وتعاني مع باقي المواطنين، من الغلاء الفاحش، وسوء الخدمات، وهذه القاعدة هي التي تستغل في المظاهرات، وتحمس بالخطب لتحرق سفارة ألمانيا بسبب خطأ مواطن أمريكي، وتحشد للقاءات الرئيس!! وهي المرجوة ان تنجح المؤتمر الحالي باثارتها للأسئلة الصعبة، واصرارها على التغيير. إن الفقر المتزايد، والغلاء الفاحش، وارتفاع الاسعار اليومي، دون تدخل من الحكومة، هو الذي شرد الأسر، ودفع الحرائر الى الرذيلة، واشاع كافة صور الفساد، تحت ظل دولة المشروع الحضاري الإسلامي. ألم يعترف مسؤولو الحكومة، بأن السودان اصبح يتصدر الدول الافريقية، من حيث انتشار الأيدز ؟! ونقرأ أيضاً (اعترفت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالوضع المأساوى الذى يعيشه الشباب السودانى إذ ارتفعت نسبة المتعاطين الى 344% معظمهم من الطلاب والطالبات والأحداث. وصرحت الإدارة بأن الخرطوم تستهلك وحدها 65% من إنتاج السودان من البنقو حيث إرتفعت انتاجية البنقو أيضا اذ كانت كمية المخدرات التى تم ضبطها العام الماضى 6 أطنان لترتفع فى هذ العام الى 36 طناً أى مايعادل حمولة 16 دفاراً.

    وبدلاً عن ان تواجه الدولة الكارثة بإزالة مسبباتها من ضغوط نفسية بسبب العطالة وإنعدام الحريات والغلاء المعيشى والتى تسهم فى خلق مناخ محبط يقود الشباب الى المخدرات وجه البشير بانشاء مستشفى ذو سعة أكبر لمقابلة تزايد عدد طالبى التعافى من المخدرات. ومن الواضح ان هذا التوجيه هو مجرد حديث فى ظل الأزمة الخانقة التى جعلت الدولة تتراجع عن مجانية العلاج حتى للأطفال دون الخامسة. الجدير بالذكر أن هناك منحى آخر في التعامل مع المسألة تمثل في تصريح وزير الداخلية في أبريل 2011م بأن البنقو ليس مصنفا عالميا ضمن المخدرات، والذي عده كثيرون كدعوة لتعاطي البنقو والتطبيع معه كأمر مشروع، في مخالفة للقوانين السودانية والمعلوم من آثار البنقو السيئة((حريات 13/9/2012).

    لقد تم تصدير البترول لعشر سنوات قبل إنفصال الجنوب، ولم يستلم الجنوب حصته، التي كانت تعادل نصف عائدات البترول، إلا في آخر الفترة الإنتقالية.. والحكومة في الشمال لم تدفع من عائدات البترول، لأي من مشاريع الطرق، أو الكباري، أو السدود التي اقامتها، إذ كلها تمت بقروض معروفة، من دول محددة، وبفوائد معلومة .. كما انها لم تسدد من تلك العائدات ديون السودان الخارجية، حتى تراكمت، ووصلت الى أكثر من 40 مليار دولار!! فأين ذهبت عائدات البترول ؟؟ ولماذا لم تنعكس تحسيناً للوضع المعيشي للمواطنين ؟؟ وإذا كانت الحكومة لم تدخل عائدات البترول في حياة الشعب، طوال هذه الفترة، فهل ستدخل ما ستحصل عليه كأجرة على ترحيل البترول عبر أراضيها، فتغير به حياة المواطنين، أوتخفف من حدة الغلاء الطاحن ؟! الجواب : لا !! وانما هلل قادة المؤتمر الوطني لاتفاقية أديس ابابا الاخيرة، لأن الملايين التي ستحصل عليها الحكومة من ترحيل البترول، ستعود لمصلحتهم الخاصة، وليس للمواطنين الفقراء. بل ان الحكومة ستستغل هذه الأموال، للمزيد من الدعم لأجهزة الأمن، وشراء وسائل القهر والبطش بالشعب الاعزل، استعداد للموجة القادمة من المظاهرات، التي سيحركها الغلاء الطاحن، الذي لم تفعل الحكومة شئ للتقليل منه.


    إن سوء الإدارة، وسوء التخطيط، وقلة الخبرة، الناتجة عن طرد الكفاءات، وتعيين الايفاع من كوادر المؤتمر الوطني غير المؤهلة، والتضييق على القدرات المتميزة، حتى اضطرت الى العمل بالخارج، ليس وحده السبب في الفشل الاقتصادي الذريع، والتدهور المريع في الخدمة المدنية، والفقر، والجوع، والبطالة، والارتفاع اليومي الجنوني في الاسعار، والانهيار الأخلاقي المدوي للمشروع الحضاري الإسلامي، الذي ظلت الإنقاذ تزعم أنها حققته، حتى قال قائلها بعد عشرين سنة، أنهم كانوا يطبقون علينا شريعة (مدغمسة) !!

    إن السبب الأساسي هو الفساد .. فحكومة الإنقاذ، قد خاضت في الفساد خوضاً، فليس فيها اليوم من هو غير مبتل !! وواجب الحركة الإسلامية، هو مواجهة الفساد، ورفضه، وفصل من تورطوا فيه من صفوفها، ثم تبرئة نفسها، من تهمة ان الاموال المنهوبة، من قوت الفقراء، ومن لقمة النازحين، والمشردين، واليتامى بسبب الحروب، قد دفعت للحركة الإسلامية، والحزب المعبر عنها، ليخوض بها الإنتخابات، المزورة، التي فاز بها المؤتمر الوطني !! وموضوع الفساد ورموزه، لا يحتاج لدليل، بالنسبة للحركة الإسلامية، لأنها تعرف اعضاءها الذين يحتلون الآن المناصب الرفيعة في الدولة،


    كيف كانت أوضاعهم قبل إنقلاب يونيو 1989م .. تعرف من كان ضابطاً بالجيش، ماذا كانت رتبته، وكم مرتب تلك الرتبة، وأين كان يسكن، وماذا عنده اليوم من العمارات، والمزارع، بل والاحياء التابعة له، ولاهله، و الاموال داخل وخارج البلاد ؟! ومن كان موظفاً في الحكومة، كم كان مرتبه، وهل كان سيعيش كما يعيش الآن، لو ضوعف ذلك المرتب أضعافاً مضاعفة ؟! ومن كان محامياً مغموراً، يدفع بصعوبة إيجار مكتبه، كيف اصبح الآن يملك العمارات، داخل وخارج السودان؟! ثم لابد من ان من اعضاء الحركة الإسلامية، من يعرفون ان أهل، واقارب النافذين في الحكومة، يمتلكون الشركات، ويشترون الاراضي والعمارات، هم وزوجاتهم، وابناءهم الشباب!! بل ان الممتلكات كلها في السودان اليوم موزعة على شركاتهم ومكاتبهم، فليس هنالك صاحب ثروة، إلا وهو شريك لهم أو غطاء لنشاطهم !! إن ما فعله قادة المؤتمر الوطني النافذين في الحكومة، هو أكل أموال الناس بالباطل، وهو عمل منكر أشد النكر!! فهل سينهى أعضاء الحركة الإسلامية، الشرفاء، أخوانهم مما تورطوا فيه، أم سيصح فيهم قوله تعالى ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) ؟! إن الحركة الإسلامية منذ قيامها في السودان، كان هدفها المعلن، هو تطبيق حكم الإسلام على الشعب.. فمن حق الشعب إذاً أن يطالب أعضاء الحركة الإسلامية، بأن يحذو حذو الاصحاب، رضوان الله عليهم .


    ولاشك أن كل اعضاء الحركة الإسلامية، يعرفون القصة المشهورة، التي تروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانوا يتدارسونها في (الأسر)، وفي لقاءات (تجنيد) الشباب .. الرواية تقول أن عمر بن الخطاب، قام في الناس خطيباً، وهو الحاكم، وقال ( أيها الناس أسمعوا واطيعوا ) فوقف رجل من عامة المسلمين وقال ( لا سمع ولا طاعة !!) قال عمر (لماذا ؟) قال الرجل ( قسمت علينا من بيت المال لكل رجل رداء. وها أنت الآن عليك ردائين لأن واحداً لن يسترك لطول قامتك) قال عمر:( قف يا عبد الله بن عمر!! ) فوقف عبد الله وليس عليه رداء. فقال الرجل : ( الآن نسمع ونطيع !!) إذ علم الناس ان عمر أخذ رداءه، ورداء ابنه، وجمعهما في رداء واحد، حتى يستره. هذا هو طريق تطبيق الإسلام، أن يسأل اعضاء الحركة الإسلامية الحاكم، كم اخذ ؟ وكم اعطى الناس؟! ان يسألوه عن أخوانه، وعن زوجاته، وعن كل اقاربه، الذين ما كانوا ليثروا، لو لا أنه اصبح حاكماً !! فإن لم يستطيعوا في مؤتمرهم هذا، أن يقوموا بمثل هذا العمل، فلا يخدعوا أنفسهم، ولا يخدعوا هذا الشعب المنكوب، بأنهم يمكن ان يطبقوا الإسلام، لأن فاقد الشئ لا يعطيه.

    د. عمر القراي



                  

10-14-2012, 07:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    الإخوان المسلمون يتآمرون فى الخليج
    زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً فابشر بطول سلامة يامربع!


    الفاضل عباس محمد علي


    11/أكتوبر 2012


    ضاق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة الخليج العربي بعد أن انكشف أمرهم....وتفشّي خبرهم... وتم نزع الغطاء عن مخططاتهم الرامية للاستيلاء على السلطة فى واحدة أو أكثر من دول المنطقة الغنية بالنفط....على أن يمتد حبل سرّتها من بعد ذلك ليلتئم بالدول العربية التى قفز الإخوان للسلطة فيها، سواء عن طريق انقلاب عسكري كما هو الحال فى السودان وشمال مالي (تمبكتو)،... أو عن طريق الإنتخابات المضروبة والمشكوك فى توقيتها ومصداقيتها ...تحت ظروف شديدة العتمة والضبابية....خضعت فيها الشعوب المعنية لكافة أنواع غسيل الدماغ والحملات الإعلامية المكثفة... المصروف عليها بالبترودولار، كما هو الحال فى المغرب وتونس ومصر،..... بالإضافة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والبلدان المثقلة بالوجود الأصولي كالصومال واليمن وأفغانستان.
    وتطالعنا إفتتاحيات وأعمدة الصحف الخليجية هذه الأيام بهجوم يستحق الثناء على هذا التنظيم الأخطبوطي العابر للحدود... والذى ينتهك سيادة الدول ويدوس على حقها فى إختيار ما تشاء من أنظمة سياسية...فى محاولات لا تتوقف لقلب نظم الحكم، باي هوك أور كروك، وفرض الإمارة الإسلامية التى بشّر بها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب... نواةً للخلافة الإسلامية بشكلها الجديد الذى يتصوره الإخوان المسلمون...إمتداداً للخلافة العثمانية... وريثة الدولة العباسية.


    وليت هذه الحملة التوعوية التى يخوضها الإعلام الخليجي هذه الأيام......ليتها بدأت منذ ثلاثة عقود....أي، قبل أن يسطو الإخوان على السلطة فى السودان، وقبل أن يقوى عود "الأممية الإخوانجية" من خلال الجهود التى بذلها النظام السوداني والحركة الإخوانية العالمية....المتمثلة فى "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" وأمينه العام الشيخ حسن الترابي...وغيره من الكوادر الإخوانجية المتناثرة فى أركان المعمورة لتنسيق الأنشطة "الأممية".......وقبل الدعم الذى قدمه ذات النظام الترابي للمتطرفين الصوماليين بزعامة محمد فرح عيديد...(ومن ذلك الباب دخل عدم الإستقرار الذى لم يخرج منه الصومال حتى اليوم)...وقبل أن يغادر بن لادن السودان ويستقر بأفغانستان عام 1996...ويعمل على توطيد دعائم النظام الطالباني المتطرف...وترسيخ ركائز عصابة "القاعدة" التى عاثت فى الأرض فسادًا وخراباً ودماراً... ونشرت الفوضى وثقافة الإرهاب فى كل أرجاء العالم....من باكستان إلى العراق...ومن القرن الإفريقي إلى شمال نيجيريا...إلى كينيا وتنزانيا...ومن الشيشان إلى أمريكا وغرب أوروبا......فكانت أسوأ سفير للإسلام... وأبعد ما تكون عن الدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة...بعد أن تبيّن الرشد من الغي....حيث أنها فضّلت الإكراه والفظاظة والرعب والأذى والعدوان والتضييق على غير المسلمين وسفك دماء الأبرياء...والمتاجرة بالدين وأكل أموال السحت والتمرغ فى الفساد...إلخ.


    ورغم أن هذه الحملة التوعوية والتثقيفية قد جاءت متأخرة بعض الشيء...إلا أنها خيرٌ من ألا تكون.......فلا بد من التصدي لفكر الإخوان وفضح مخططاتهم....عبر الكلمة المقروءة والمسموعة التى يساهم فيها كل المثقفين الوطنيين والقوميين والليبراليين والعلمانيين العرب...فلقد ظلت الساحة العربية والإسلامية حكراً على الكتاب والدعاة الإسلامويين....تسندهم الماكينة الدعائية لتنظيم الإخوان العالمي وجيوبها الراكزة بعشرات القنوات الفضائية...والكوادر المتقدمة التى ما زالت تتبوأ أرفع المناصب بالشركات والمؤسسات الخليجية ذات الوزن الثقيل.....ومعروف أن الإخوان المسلمين كانوا قد تغلغلوا فى هيئات تدريس عشرات المدارس والجامعات بدول الجزيرة العربية منذ هروبهم من مصر أيام عبد الناصر...عام 1945 وعام 1967...كما ظلوا يتسللون إلى دول الخليج طوال سنين حسنى مبارك....وجاءت مجموعات مماثلة من السودان ( سعاد الفاتح ورهطها) وشمال إفريقيا ومنطقة الهلال الخصيب...ليستقروا بهذه الدول العربية النفطية....بالإضافة للسيل المستمر من الإسلاميين الفلسطينيين الذين ما انفكوا يثابرون فى نشر الدعوة الإخوانية وبث خلايا التنظيم الأصولي الدولي..أكثر من إهتمامهم بالقضية الأم...وهي القضية الفلسطينية........ولو ركزوا على قضيتهم طوال الست عقود المنصرمة...لوجدت تلك القضية المزمنة حلاً....ولحمل الإستعمار الإستيطاني اليهودي عصاه على كتفه ورحل.


    وحيث أن الإخوان المسلمين موجودون فى كل منتدى ومجلس ومسجد وبرنامج تواصلي تلفزيوني...وبالمدارس والجامعات والمعاهد العليا...وبما أنهم دائماً يحدثون ضجيجاً وزخماً وأصواتاً عالية....فإنهم كثيراً ما يفرضون غلالة من الإرهاب الفكري تساعد على تغبيش وعي الجماهير...وتصرف الأنظار عن القضابا الحقيقية المرتبطة بحياة الناس....ويركنون للديماغوغية والمنطق الدائري السفسطائي الذى لا يصل بك لنتيجة ذات بال... إنما يضيع الزمن وينهك الخصم.
    رغم ذلك، فى حقيقة الأمر، فإن التصدى لهم ليس بالأمر المستعصى أو المستحيل...إذ أنهم يستندون على منطق معوج...فوق أرضية من اللجاج والفجاجة والركاكة وتحوير الحقائق...وإرهاب الآخرين....وحيثما تخطّت الجماهير حاجز الخوف...وأخذت المبادرة بيدها... فإن فكر الإخوان المسلمين سيتراجع... وتذروه الرياح... كخفافيش سطعت عليها أشعة الشمس....وستذهب ريحهم كما ذهبت ريح الشيوعية والفاشية والنازية والبعثية.


    لقد حان الوقت لأن تنطلق الإتجاهات الفكرية المناوئة للإخوان المسلمين...وأن يفسح لها المجال كاملاً فى الأروقة الثقافية والإعلامية والتعليمية، خاصة بالجامعات......حتى تنضج وتتبلور تلك الإتجاهات... وتأخذ طريقها نحو تشكيل المنابر التي ستتحول فى يوم غير بعيد إلى مجموعات وأحزاب سياسية تؤسّس عليها الديمقراطيات القادمة.... وخير معترك تصقل فيه الإتجاهات الوطنية المختلفة...وتنمو وتزدهر...هو معترك التصدّى للإخوان المسلمين وتفنيد حججهم ودحض فكرهم المهترئ المبني على الإرهاب والإغتيالات وسرقة الثورات والقفز للسلطة بالإنقلابات العسكرية......هو معترك حماية الدول الآمنة المطمئنة بمنطقة الخليج التى حققت الرفاهية والرخاء والسلام الإجتماعي لشعوبها....معترك حمايتها من تآمرهم الذى لا ولن يتوقف.... طالما أن لهم نصراء...خاصة بالدول التى أصبحوا يحكمونها....وبالدول المتحالفة مع جهاز الإخوان العالمي بغرض فرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط وسد الفراغ الذى تركته القومية العربية (بعد نكسة الناصرية فى حزيران 1967)... والإشتراكية (بعد وفاتها فى اليمن الجنوبي)... والبعثية بعد ذهاب صدام حسين وقرب ذهاب الأسد........إنه حلف شيعي إخواني ماكر واضح المعالم ومعروف للجميع بمنطقة الخليج...ولن يأتى من بردته إلا كل شر مستطير.


    ولو شئنا أو أبينا، فإن الحوار الشعبي الذى يتحدى فكر الإخوان ويطرح الرؤى البديلة قد بدأ بالفعل....ومن الصعب إسدال الستار عليه فى عالم أصبح متداخلاً ومتواصلاً بفضل الثورة المعلوماتية ومعطيات القرية الكونية...فعلى سبيل المثال، تناولت البى بى سي العربية هذا الموضوع مساء الأربعاء 11 أكتوبر وأعادت بثه فجر الخميس...وذلك فى برنامج (نقطة حوار)...فى محاولة للإجابة على السؤال الذى طرحه مقدم البرنامج: (هل تستطيع الإمارات إقامة حلف ضد الإخوان المسلمين بالمنطقة؟)...وبغض النظر عن المداخلات المختلفة والآراء المتباينة للمشاركين الأساسيين بالحلقة، وبغض النظر عن إساءة فهم مقدمى البرنامج لحقيقة الصراع مع الإخوان المسلمين....ولحقيقة أن المطروح ليس حلفاً خليجياً ضد الإخوان...بقدر ما هو وحدة فكرية ضدهم...فإن المهم هو ما لمسناه من سهولة دخول أجهزة الإعلام الدولية على الخط......وحيث أن جحا أولى بلحم ثوره، فإنه يتعيّن على الإعلام المحلي أن يلتقط القفاز ويدير الحوار بنفسه حول هذه القضايا....... بما يسلط الضوء بصورة أكثر وضوحاً على مؤامرات الإخوان منذ تأسيس الحركة قبل ثمانين عاماً...لا أن نترك هذه المسألة لكل من أراد أن يمارس أبوية جديدة على الدول العربية...فالبي بي سي ، مهما تسربلت بالموضوعية، قد لا تخلو هي نفسها من ثمة نفوذ للإخوان المسلمين، ولقد كانت متحاملة ضد الإمارات فى هذا البرنامج...وأعطت مساحة أكبر مما يجب لممثل الإخوان المسلمين الكويتيين، (شخص يدعي مبارك خالد الدويلي)، فأرغى وأزبد فى ذكر مناقب الإخوان المسلمين وتصويرهم كالحمل الوديع الذى لا يطمع فى السلطة بأي بلد عربي...فالإخوان، كما زعم، يأتون للسلطة فقط عن طريق الإنتخابات الديمقراطية ...كما هو الحال فى مصر التى أكثر من الاستدلال بها ...... مع جرعات هائلة من تزوير الحقائق التاريخية...بل قلبها رأساً على عقب....وكميات مهولة من الكذب الصراح...أو لعله الجهل المزري بأبجديات العلوم السياسية وتاريخ المنطقة ومسائل الدولة الدينية، بل وفكر الإخوان المسلمين نفسه.


    قال الكويتي مبارك خالد، فيما قال، لبرنامج "نقطة حوار": (إن الإخوان المسلمين لا يأتون للسلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية...و لا يضطرون لهذا الأسلوب إلا إذا رأوا أن الحاكم ظالم وجائر...)...إذاً، فإن الإخوان هم الجهة السياسية الوحيدة بالمجتمع التى تقرر أن الحاكم فاسد..فتقوم بتغييره.........أما الشعب، فهو جالس على الرصيف...يتفرج...والإخوان يتصرفون بالإنابة عنه.


    لعل هذا "الأخ" لم يسمع بالسودان:...... ألم يسطو الإخوان المسلمون هناك على السلطة فى 30 يونيو 1989 ، عندما ذهب العقيد البشير بدبابته للقصر الجمهوري...وذهب حسن الترابي مرشد الجماعة لمعتقل كوبر لزوم التمويه وخداع الرأي العام المحلي والعربي والعالمي؟... هذا ما حدث بالفعل كما شهد به العالم كله...ولم يصدر أي رفض أو نقد لتلك التجربة من أي فرع للإخوان المسلمين فى أي مكان بالعالم...بل على العكس من ذلك، احتفى التنظيم العالمي بالإخوان السودانيين وقرّظهم وخفّ لنصرتهم ودعمهم مالياً وإعلامياً و"نفطياً"...وعندما تمت الدعوة لتأسيس "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" بالخرطوم...لبّت كل الأحزاب والفصائل الإسلامية العربية الدعوة...بما فيها الإخوان المسلمون الكويتيون...وتمِ إنشاء ذلك الكيان كواجهة شبه شرعية لتنظيم الإخوان العالمي...... وأصبح الترابي أمينه العام بمباركة كل رموز الحركة الذين جاءوا على كل ضامرة نفاثة..ومن كل فج عميق....وكانت الخرطوم فى أول أيام الإنقلاب موئلاً للعديد من الإسلاميين البارزين كالغنوشي وأسامة بن لادن والعديد من منسوبي "حماس"...وفى تلك الأثناء، مارس النظام الجديد كل أنواع القمع والبطش والتنكيل بخصومه السياسيين...دون أن تتقدم الأحزاب الإسلامية العربية بأي إحتجاج أو مجرد إلتماس لمراعاة حقوق الإنسان..

    .
    ومن أبرز معالم ذلك البطش ما يلي:
    • تم فصل آلاف العاملين بالحكومة والقوات النظامية (للصالح العام)، ليس لأنهم ينتمون لاتجاهات فكرية معادية للإخوان، إنما لمجرد الشك فى ذلك...ولإفساح المجال لكوادر الجبهة القومية الإسلامية (الإسم الذى كان يستخدمه الإخوان لتنظيمهم)...لتتسنّم السلطة بكامل دسمها...وبذلك تم هدم جهاز الدولة الذى كان قائماً عشية الإنقلاب...عملاً بنصيحة فلاديمير لينين الواردة فى كتيبه (الدولة والثورة) الذى وضّح فيه أن ذلك شرط أساسي لبناء الدولة البروليتارية الوليدة على أنقاض النظام البرجوازي البائد...ولقد اعترف الشيخ الترابي فى محاضرة بجامعة جوبا بعد الإنقلاب ببضع سنين (أن الإخوان المسلمين قد تعلموا أساليب الشيوعيين.. وبزوهم فيها)....وتشرد المهنيون والفنيون والعمال المهرة السودانيون فى أركان الدنيا الأربعة...خاصة الدول العربية الخليجية...وضربت جذورهم هناك...وتركوا السودان للترابي وجماعته ليبيضوا ويفرخوا به كيفما شاءوا.
    • تم حبس جميع الكوادر الحزبية والنقابية بالعاصمة وكل أقاليم السودان..حتى ضاقت بهم السجون والمعتقلات...وعندئذ تفتقت عبقرية الإخوان عن آلية وحشية من طراز آوزفتش إسمها "بيوت الأشباح" ...وهي منازل حكومية تم تحويلها لمعتقلات خاصة عرفت بتعذيب المتهمين بصورة لم تحدث من قبل فى تاريخ السودان... وقد اشترك فى عمليات التعذيب الكوادر الإخوانية القيادية التى تحتل اليوم أرفع المناصب بالدولة...ورغم أن كثيراً من المعتقلين قد أطلق سراحهم فيما بعد نتيجة للصيحات المدوية من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية..إلا أن ظاهرة اعتقال الخصوم السياسيين ما زالت مستمرة إلى اليوم...مدعومة بقانون الطوارئ والقوانين الإستثنائية القمعية الأخرى التى ظلت سارية طوال حكم الجبهة الإسلامية منذ 1989...بحجة أن البلاد فى حالة حرب..وهي فعلاً كذلك طوال ربع القرن المنصرم...مع من؟...مع بنى الوطن فى الجنوب والغرب والجنوب الشرقي والغرب الأوسط.
    • تم إعدام ثمانية وعشرين ضابطاً من القوات المسلحة فى العام الأول لحكم الترابي/البشير بدعوى أنهم كانوا يخططون لإنقلاب عسكري،.... (أي، حلال على بلابله الدوح...حرام على الطير من كل جنس!)....كما تم إعدام ثلاثة سودانيين بتهمة الحيازة على بضع دولارات وجدت بخزائنهم.


    • شرعت حكومة الإخوان على الفور فى تأجيج الفتنة بجنوب السودان وبخوض حرب جهادية ضد تلك الشعوب المسكينة...حرب إشتركت فيها الكوادر الفنية العراقية والإيرانية...وكانت المحصلة النهائية هي فصل الجنوب الذى باركته حركة الإخوان المسلمين الدولية باعتباره قفلاً لباب العولمة...حيث أن ما تبقي من شمال السودان يتألف من المسلمين الذين يصبح تطبيق الشريعة عليهم مسألة مفروغ منها...ثم، لما اكتشفوا أن هناك مازالت بعض الجيوب غير المسلمة...كما هو الحال فى جنوب كردفان...ما كان أمامهم غير استدعاء الجهاد مرة أخرى...فتجدد القتال بتلك الديار... وتم تشريد الشعب النوبي.. ومنعت عنه الإغاثات...وكذا الحال بالنسبة للشعوب الإفريقية السودانية الأخرى بجنوب النيل الأزرق ودارفور.


    • دخلت حكومة الترابي/البشير فى حرب مع شعوب دارفور منذ 2003 بدون أي مبرر يذكر. ولقد بدأت المسالة كنزاع تقليدي بين القبائل السودانية الإفريقية المستقرة ب "حواكيرها" الزراعية بجنوب دارفور منذ آلاف السنين، وهي ما تسمى بقبائل الزرقة: الفور والمساليت والزغاوة والبرتا والداجو والميدوب،.... وبين القبائل شبه العربية البدوية القادمة من شمال دارفور...بنى موسي والقرعان...إلخ...المتوغلة جنوباً بمقدار الزحف الصحراوي الذى اشتد على مناطقها منذ السبعينات....ولسبب لم يزل غامضاً حتى اليوم...وقفت حكومة الترابي/البشير مع العرب، مع أن الفريقين مسلمان بنسبة مائة بالمائة....ومدّتهم بالسلاح والعتاد والدواب والآليات...وألبستهم الزي العسكري...وأطلقت يدهم فى قرى جنوب دارفور...حرقاً وقتلاً للرجال والأطفال..واغتصاباً مبرمجاً ومكثفاً للنساء...فهاجر فى عامي 2003 و 2004 أكثر من أربعمائة ألف لاجئ باتجاه مخيمات النازحين بالأطراف النائية لدارفور...وللمعسكرات التى نصبت بالدول المجاورة: تشاد وإفريقيا الوسطي...و لا زالوا على هذا الحال حتى اليوم..وما زالت الحرب سجالاً بين مليشيا العرب (الجنجويد) والمنظمات الدارفورية التى حملت السلاح فيما بعد 2003: حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان...وهكذا..... وكانت حصيلة القتلى أكثر من مئتي ألف من أهل جنوب دارفور - (وحتى رئيس الدولة نفسه كان قد اعترف على رؤوس الأشهاد بأن الضحايا من قبائل الزرقة بلغ عددهم عشرة آلاف)،.... ومن تداعيات تلك المشكلة أن المجتمع الدولي صنف ما حدث بأنه إبادة جماعية (genocide)، وأصبح الرئيس البشير مطارداً من قبل محكمة الجنايات الدولية...متهماً بجرائم ضد الإنسانية وبجرائم حرب... وبالإبادة الجماعية.


    • حكم الإخوان المسلمون السودان لما يقرب من ربع قرن.. ولم يقدموا سوى نموذج الدولة الفاشلة المعروفة لدى كل الدنيا بالفساد المالي والإداري...وكانت المحصلة النهائية تفشّى الأوبئة وتدنّي صحة البيئة وتهميش أهل الريف السوداني وحرمانهم من أبسط خدمات التعليم والصحة...وسرقة موارد البلاد لمصلحة نفر قليل من الأقارب والمحاسيب الذين يمتلكون عقارات فاخرة بماليزيا وببعض الدول الخليجية... والكثير من الحسابات المكتنزة بالعملة الصعبة فى سويسرا وجزر البهاما.

    وهناك عدة نماذج لفشل الأنظمة الإخوانية التي وثبت للسلطة فى العديد من الدول – مثل أفغانستان أيام طالبان، والصومال تحت نير المحاكم الشرعية وحركة الشباب....وأخيراً فرع تنظيم القاعدة الذى تولى السلطة مؤخراً بتمبكتو. وهذه تجارب لم تذهب عن الذاكرة بعد، و لا داعي للخوض فى تفاصيلها...ويكفى أنها لم تدم طويلاً فى أفغانستان والصومال...حيث أنها لم تجد السند الشعبي اللازم...كما استقطبت عداء المجتمع الدولي...أما الإنقلاب الأخير فى تمبكتو...فهو كذلك لن يدوم طويلاً...وهنالك تحرك عسكري من التخوم الموريتانية يستهدف تخليص الشعب المالي المستغيث من هذه المصيبة التى ألمت به منذ بضع شهور.
    عموماً، ليس هناك فى جعبة الإخوان المسلمين ما يستطيعون تقديمه من نماذج يضرب بها المثل...أو نماذج هادية لدولة إسلامية عصرية تحقق السعادة والعدالة لشعوبها بمثلما فعلت دول الخليج...دولة تستوعب المسلمين وغير المسلمين دون أن تحيل الأخيرين إلى أهل ذمة يدفعون الجزية وهم صاغرون....ولقد إهتدت البشرية منذ وقت مبكر لفصل الدين عن الدولة دون أن تقلب ظهر المجن للدين وللمعتقدات والتقاليد الشعبية الراسخة...فعلى سبيل المثال، تخلصت أوروبا منذ عهد هنرى الثامن من سيطرة الكنيسة على الدولة، وحصرت الكنيسة داخل جدران مؤسسات العبادة..فخطت الدولة خطوات عملاقة متتالية نحو عصر التنوير ثم الثورة الصناعية ثم ثورة المعلوماتية الحديثة...مع ما صاحبها من إزدهار صناعي وثقافي واجتماعي وفني ...وفى نفس الوقت، ما زالت الكنيسة موجودة بزخم هائل فى أمريكا وأوروبا والعالم الثالث كله....أما الدولة الدينية التى يبشر بها الإخوان المسلمون..فهي دولة الفتن والإحن التى حذر منها المصطفي عليه الصلاة والسلام حين قال: (الخلافة بعدى ثلاثون عاماً...تصبح بعده ملكاً عضوداً). وليس أدل على ذلك مما حدث فى السودان. حتى الترابى نفسه الذى علمهم السحر وقادهم لعتبة السلطة فى 30يونيو 1989 إنقلبوا عليه وسجنوه وعذبوه وتركوه كالرجل الذى فقد ظله.
    ألا هل بلغت...اللهم فاشهد.
    والسلام.





                  

10-17-2012, 08:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    السودان: الربا وأفيون الشعوب
    July 26, 2012
    حيدر ابراهييم علي
    [email protected]
    اخشي ما اخشاه علي امتي من عالم يضلها بعلمه”"
    حديث شريف

    يتداول الكثيرون،بالذات في نقد الشيوعية،مقولة تنسب لماركس،
    وهي الدين أفيون الشعوب.وبغض النظر عن صحة نسبة المقولة،فقد اكتسبت انتشارا، وتداولا ،وتأويلات عديدة.وللمفارقة العجيبة،أن يقوم نظام إسلامي-حسب تصنيفه الذاتي-يتبني مشروعا حضاريا إسلاميا للعالم وليس فقط استغلاله كوسيلة للتضليل والهيمنة.وفي نفس الوقت،يمكن أن يكون فيتامينا للشعوب حين تبعث في الدين قيم الحرية والعدالة الإجتماعية والعقلانية.ففي خلال فترة الرسالة النبوية والحكم الراشد، كان الإسلام فيتامين العرب النائمين،الخامدين،التائهين،وجعل منهم خير أمة اخرجت للناس.ولكن ما أن تحولت الخلافة الي ملك عضوض حتي بدأ الطغاة في توظيف الدين لتخويف وتضليل واستغلال شعوبهم المسلمة بوسائل متنوعة كان الفقهاء ورجال الدين هم رأس الرمح في هذه الحرب العقلية والروحية.

    التخويف بالشريعة

    اكتشفت العسكريتاريا السودانية الي جانب الدبابة والكلاشنكوف شيئا يسمي الشريعة الإسلامية! فقد فرض المشير جعفر النميري الذي احتفل بعيد ميلاد (لينين) المئوي في ابريل1970،قوانين الشريعة في سبتمبر1985.وكان يهدف من قوانين سبتمبر الإسلامية سحب البساط من تحت أقدام الإخوان المسلمين والأحزاب الطائفية،ثم دغدغة عواطف العامة الدينية.وكان(النميري)
    يفخر بأنه قطع من الأيدي في شهور مالم تفعله (السعودية)في سنين!وعرفت بشريعة”نط الحيطة” حسب قول المشير في حق الشرطة في ملاحقة الناس الآمنين في قلب منازلهم.

    أما الجنرال –الإمام الحالي:عمر البشير،فقد جاء نظامه أصلا لفرض الشريعة التي تقاعست الأحزاب في تطبيقها.والآن تجئ الشريعة من فوهة البندقية وليس من صندوق الاقتراع:إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرأن.وشهدنا خلال عقدين أو يزيد،تلاعبا واستغلالا فريدا لشعار تطبيق الشريعة.فقد اختزل شرع الله في عدد امتار فساتين البنات،وفي فض السهرات والحفلات،ومطاردة ستات الشاي.ولم نسمع قط عن إقامة الحد علي مسؤول حوّل أموال إجلاس التلاميذ لإكمال الدور الثالث من منزله الخاص.وصار الفساد أليفا وعاديا في عهد الشريعة لدرجة أن بعض أولياء تجرأوا “وأكلوا مال النبي”حرفيا أعني اختلاسات وزارة الاوقاف والحج.وصارت الشريعة سلاحا لتخويف الناس وتضليلهم،وليسست وسيلة للمجتمع الفاضل ولإتمام مكارم الأخلاق.


    من أسوأ اشكال التخدير والتضليل،هو التلويح بالدستور في حالة الأزمات.وهذا ما يحدث هذه الأيام،ما إن تنامي السخط الشعبي وخرجت طلائع الشباب الي الشارع؛حتي نفض المشائخ قفاطينهم وتداعوا لاجتماعات أهم ما فيها تناول الطيبات والمظاريف المنتفخة.وكان لتجويد التخدير،يخرجون لنا ببيانات عن ضرورة التطبيق الفوري للشريعة خاصة وان الجنوب الذي كان يمثل العقبة الكؤود،قد ذهب.ويتكرر هذا التلويح مع كل أزمة والوعد بأن التطلبق الشامل والصحيح.واتذكر لازمة كان يكررها الممثل المصري الكبير(يوسف وهبى)يقول فيها:شرف البنت زي عود الكبريت يولع مرة واحدةّ! وقد مخطئا حين ظننت أن تطبيق الشريعة مثل عود الكبريت يولع مرة واحدة.

    يعوّل الإسلامويون علي ذاكرة الشعب أو قياداته ونخبه ،الضعيفة
    .
    فالنسيان في السياسة السودانية والواقع – آفة،كما سماها الأخ عجوبة.وإن كان عدم الصدق ونقض العهود من خلائق الإسلامويين الثابتة.ففي وقت مبكر،في احتفال عيد الاستقلال1991،خاطب (البشير)الجماهير ووعدها قائلا:-”الايام القادمة ستشهد برامج التطبيق الكامل للشريعة(….)الثورة عقدت العزم علي ألا ولاء إلا لله ورسوله.وتطبيق الشريعة ال‘سلامية سيكون عادلا وميسرا غير منفّر يظهر سماحة الإسلام ويكون قدوة لمن أراد السير في الطريق القويم”.وأكد أن استقلال السودان اكتمل بإعلان تحكيم الشريعة الإسلامية مبينا أن السودان لن يسأل أو يعتمد أو يلجأ او يخضع لغير الله.وكان يتصور أن مشروعه عالمي ولكل المسلمين،فقد دعا جميع الشرفاء في العالم الإسلامي لوحدة شاملة تجمع صفوف الأمة وتزيل الحدود الوهمية التي رسمها الاستعمار مبينا أن التوأمة بين دارفور وبلدية الخليج بليبيا،محت الحدود. وقد رأي الجميع ثمار الوحدة الإسلامية التي ابتدرها(البشير)في دارفور الآن.(صحيفة السودان الحديث 5/1/1991).

    وبعد 13 عاما من هذا الخطاب،اعترف الرئيس عمر البشير أمام مؤتمر الشريعة والاجتهاد(19/4/2004)بأن تطبيق الشريعة الإسلامية رافقه بعض الاخطاء،ولكنه اعتبر أن ذلك لا يعني فشلها.وأن الشريعة خيار لابديل منه وان حكومته تسعي لمعالجة الاخطاء التي صاحبت تطبيقها.ورأي أن مسيرة تطبيق الشريعة افضت الي مائدة المحادثات مع الحركة الشعبية لانهاء أكبر حرب في افريقيا!(الصحف20/4/2004)وقد أدت مسيرة الشريعة الواقع الحادث في الجنوب.فقد وصل الإسلامويون السودانيون الي معادلة: الشريعة أو الوحدة.فضحوا بالجنوب ولم نر تطبيقا للشريعة.إنه حشف وسوء كيل،وخسر السودانيون دينهم ودنياهم.ويعود الضجيج مع تصاعد المقاومة للنظام الي الدعوة للدستور الإسلامي،دون أن يوضح لنا ما هو الدستور الذي كانوا يحكمون به؟ ويفلسف النائب الاول لرئيس الجمهورية،على عثمان محمد طه، الوضع في خطاب أمام المجمع الفقهي .إذ يقول :-”أن الدولة تجاوزت مرحلة الدستور الاسلامي الي مرحلة التطبيق ، مؤكداً انه لا خلاف حول مرجعية الاسلام واحكامه.” ويشير الي ان الحكومة ستنزل على الفتاوى والاحكام التي يصدرها مجمع الفقه الاسلامي في المسائل القطعية وستتدارس معه في المسائل التي فيها خيارات ومتسع.(18/7/2012).

    نحو كنيسة فقهية؟

    احتاجت عملية تحويل الدين الي أفيون في الماضي الي كنيسة رجعية وقفت ضد العقل والعلم،كما يخبرنا تاريخ العصور الوسطي أو المظلمة.
    ويجادل من يرفضون وجود دولة دينية في الإسلام بعدم وجود كنيسة .وهذا تسطيح للفكرة،لكن المقصود بالكنيسة ليس وجود مؤسسة لها وجود مادي مثل(الفاتيكان) لتؤدي وظائف.ولكن في أي دين المقصود هو وجود جهة ذات سلطة روحية باعتبارها مرجعية جماعية لديها الرأي الفصل في القضايا والامور الدينية.ويسمي لدي بعض المهتمين بدراسة الإسلام مأسسة الفقه.والنماذج عديدة في العالم الإسلامي والتي أخذت اشكالا مثل مجالس أو هيئات العلماء،أو دور الفتوى.وهذه المؤسسسات لم تعرف في فجر الإسلام فقد كان الناس قريبي عهد بالوحي والنبي؛والأهم من ذلك أن المستجدات الدنيوية لم تكن كثيرة ولم يكن الناس في حاجة للفتوى والرأي الفقهي.ومع تعقد الواقع،ولكن الأهم من ذلك بسبب حاجة الحكام المستبدين لفقهاء يبررون أفعالهم ويعطون لحكمهم طابعا مقدسا يحد من المعارضة ويقهرها.ومن هنا كانت بداية ظاهرة هذا النوع من الفقهاء.
    يكتب(أحمد إبراهيم الطاهر)قبل أن يصبح رئيسا للمحلس الوطني،وأن تستعين حكومته بأمثال عصام أحمد البشير ومحمد عثمان محمد صالح،مايلي:-”وآثر أهل الدين والورع والعلم الإبتعاد عن السلاطين ضنا بدينهم عن ملامسة دنيا الحكام،وكثر استشهادهم بالآيات والأحاديث التي ترهب عن ملازمة السلاطين وموافقتهم علي هواهم والابتعاد عن أبوابهم”.
    ويضيف الي ذلك،أن السلاطين في عهد الدولة الأموية والعباسية حين احتاجوا الي الفقهاء ورجال الدين لم يجدوا إلا القليل:” فلجأوا الي محاولات الإكراه والتعذيب لأهل الورع لإجبارهم علي تولي القضاء والحسبة وصار الخلفاء يستعينون بمن يجدون من الأئمة أو من طالبي السلطان.وقد كان للإمام المهدي رأي قاطع في هؤلاء،وهو الذي صك مصطلح:علماء السوء،في وصفهم.وأورد(الشوش) هذه العبارة منسوبة للمهدي:” اربعة لا يرضون بامرنا العالم والظالم والترك وتربيتهم واهل الشأن واهل البرهان”(الشوش: الشعر الحديث،1971، ص30)

    كانت تجربة الثورة المهدية ماثلة دائما أمام الإدارة البريطانية وهي تخطط لحكم السودان.كيف تتعامل مع الدين ورجال الدين دون أن تستفز المشاعر وفي نفس الوقت لا يوظف الدين مرة أخري ضد المستعمر؟فقد وجد البريطانيون الفرصة مناسبة للتجريب،ويقول أول تقرير للحاكم العام(كتشنر) في عام1899:-” إن ما قام به الدراويش من استئصال كلي لنظام الحكم القديم
    قد هيأ الفرصة لبدء إدارة جديدة أكثر انسجاما مع حاجات السودان.” وقد أذاع كتشنر منشورا-شبيه بقول نابليون في مصر-أنه اتي ليخفف أوجاع المسلمين وليشيد دولة إسلامية تقوم علي العدل والحق ولكي يشيد الجوامع ويساعد علي نشر الاعتقاد الصحيح(جعفر بخيت1972:32).
    وفي عام 1901 كوّن الحاكم العام ونجت لجنة العلماء برئاسة الشيخ محمد البدوي.وكان هدف اللجنة دعم الإسلام السني في مواجهة الطرق الصوفية من خلال تدريس”العلم الشريف في جامع أم درمان”وأن تقوم بدور الاستشارة للحاكم العام والحكومة البريطانية في الشؤون الدينية.وفي عام1902 صدرت لائحة المحاكم الشرعية التي دمجت هذه الفئة في سلك الخدمة المدنية وجعلت من العلماء موظفي حكومة،وأصبح تعيين ائمة المساجد من مهام الحكومة.وأظهر العلماء ولاءا محيرا،وأعيد نشر هذه الرسالة الهامة،فإن الذكري تنفع الجميع:

    ” صاحب السعادة مدير المخابرات
    المحترم,

    رأينا في العدد من جريدة الاهرام الصادرة في28سبتمبر1921تحت عنوان حياة مصر السودان وحياة السودان مصر بامضاء السيد محمد خير سوداني وطني برفاعة”فان هذا الشخص لم يكن له وجود برفاعة كلية،وهو اسم شخص مكذوب،وجميع ما ذكر في المقالة فهو محض كذب،لم يصدر من سوداني وطني،فان جميع الامة السودانية قد ارتبطت بالحكومة الحاضرة(الانجليزية)الرشيدة ارتباطا حقيقيا بالقلب والقالب،بصداقة واخلاص،ونقدرها قدرها بحيث لا نبغي بها بدلا،لما هو شاهد بعين اليقين،من جلب المنافع ودفع المضار،وتعمير البلاد،وتامين الطرق وعمارة المساجد،وبث العلوم الدينية،ونشر المعارف بترتيب العلاماء ومساعدتهم بالمرتبات التي اراحتهم،وتشييد الجوامع والمدارس في عموم البلاد حتي أن ابناء الوطن صاروا في تقدم باهر،ونجاح ظاهر،مع اعطاء الحرية التامة لرجال المحاكم الشرعية في المحاكم والاحكام بالشرع المحمدي.وبالجملة فانها حكومة رشيدة ساهرة بالسعي في كل ما يفيد الوطن وابناءه.فبلسان العموم نقدم الشكر الجزيل لحكومتنا،ونكذب هذه المقالة بجميع اجزائها تكذيبا تاما وفي الختام نرفع لسعادتكم لائق التحية والاحترام.
    الطيب هاشم مفتي السودان
    اسماعيل الازهري مفتش المحاكم
    ابوالقاسم احمد هاشم شيخ علماء السودان”

    في النية توثيق علاقة رجال الدين بالسلطة،لو طال العمر قليلا. ولكن
    في هذا الحيز المحدود والمقام،يقتضي الأمر القفز الي الحاضر القريب , فقد تشكلت أخطر لبنة في صرح الكنيسة الفقهية،وتصاعد دورها مع استيلاء الاسلامويين علي السلطة.وكانت البداية تشكيل هيئة علماء السودان في أواخر يونيو1985 من العلماء الذين كانوا داخل السودان،منهم:أحمد علي الإمام،وأحمد علي عبدالله،وأحمد عبدالسلام.وكانت الهدف المعلن الدفاع عن قوانين سبتمبر 1983 والتي كانت تتعرض لكثير من النقد بعد الانتفاضة.

    اكتسبت هيئة علماء السودان موقعا سياسيا مؤثرا في بنية النظام السياسي للإنقاذ.ولكنها اسقطت عن نفسها الاحترام والتبجيل والتقديس الذي يمكن أن يقترن بمؤسسة تحمل مثل هذا الإسم الموحي بدلالات دينية محترمة. ولكن الهيئة اكتفت بدور مكمل لاتحاد عمال السودان وغيره من تنظيمات السلطة الكارتونية،وتتنافس في عمليات الحشد والتعبئة،ومواكب التأييد والمساندة. وتتميز الهيئة عن بقية التنظيمات بدور في التضليل المقدس الذي يقوم بوظيفة التخدير والأفينة من خلال استخدام التوابل الدينية.فهي ترصع البيانات السياسية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتراث السلف؛بقصد التلاعب بالعواطف الدينية والإثارة وتعطيل العقل.وتقوم هيئة علماء السودان- بوعي أو لا وعي-بغرس ورعاية ثقافة التعصب والعنصرية والكراهية من خلال أدبياتها الداعية للجهاد ودحر العدو، والقضاء علي مؤامرات الصليبين والصهاينة التي ينفذها الطابور الخامس المحلي.وهذه هي اللغة المكونة لإيديولوجية الإنفصاليين والعنصريين ممثلين في منبر السلام العادل والانتباهة.ولا أدري هل الهيئة مدركة تماما لهذا الدور وتقوم به عن قصد أم أن تلك العناصر تستفيد من مبرراتها الدينية في تحصين مواقفهم الفاشية؟

    تقوم هيئة علماء السودان بأخطر عملية تدليس وتزوير ديني في تاريخ الإسلام.فهي تقوم بمنح صفة “عالم” دون الخصوع لمعايير من هو العالم أو الفقيه؟وهي تخلط -عمدا- بين الناشط سياسيا قي المؤتمر الوطني أو حتي المتعاطف،وبين العالم الديني.وأظن- وليس كل الظن إثم- أن المعيار هو تأييد النظام الإسلامي الحالي،فكل من لايعارض السلطة القائمة هو بالضرورة عالم.وفي دعوة من الهيئة لإجتماع مجلس العلماء،نقرأ أسماء لأشخاص يجبرك العقل علي التساؤل عن كيف ومتي حصلوا علي هذه الصفة؟وماهي الجهة السادنة التي تملك حق إدخال الناس في زمرة العلماء؟تضم القائمة اشخاصا عرفوا بنشاطهم السياسي العظيم أو بإجادتهم لتخصصاتهم الإكاديمية؛ ولكن هذا لا يعطي جهة الحق في حشرهم ضمن علماء السودان بالمعني الذي تقصده الهيئة ونفهمه من الدعوة.وقد نجد لها العذر لو قصدت العلم مطلقا من فيزياء وطب وفلك واجتماع ولغة.وفي هذه الدعوة للعلماء،نجد علي سبيل المثال فقط فالقائمة تضم107 شخصا،وسيجد القارئ-بالتأكيد- أسماء اخري كثيرة لمثل هذه الشخصيات التي اقحمت لحاجة في نفس يعقوب أو نفس السلطة.وقد اخترت من قائمة علماء السودان المدعوين ما يلي:فتحي خليل،كمال محمد عبيد،جعفر ميرغني،يوسف الخليفة أبوبكر،خديجة كرار،زكريا بشير إمام،علي عبدالله يعقوب،عمر حاج الزاكي،حديد السراج،حسن علي الساعوري،حيدر التوم خليفة،مالك علي دنقلا وغيرهم(الصحافة1/2/2012).أما المؤتمر العام والذي يتكون من467شخصا،فإن قائمة الشخصيات ستصيب القارئ بنوبة من الضحك الهستيري حين يري من رفعوا لمرتبة من يحمي ويسهر علي ديننا.ولكن لحسن الحظ سيجد إجابة علي سؤال شكيب ارسلان قي عنوان كتابه:لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم.(كمثال لقائمة عشوائيا ،أرجع لصحيفة السوداني،ص8،بتاريخ14 مارس2007).

    تتم عملية الأفننة أو تخدير الشعب بالاستغلال السئ للدين من خلال مؤستسين:هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي؛ولاهما من مستحدثات السلط الاستبدادية وليس أصلا في الإسلام.فالهيئة-كما أسلفت- تمثل الدين الجماهيري الذي يعتمد علي الشعارات االدينية التي تحرك الجماهير بلا تساؤل.أما المجمع فهو معمل للتفكير أو ذو مهمة أكثر تعقيدا ومنهجية تتمثل في استنباط الأحكام الشرعية ثم تجييرها لصالح تبرير وتقعيد القرارات والسلوك السياسي في إطار فقهي أو ديني مسنود أصوليا.ويبرز دور المجمع الفقهي في زمن الأزمة،وهذا ما يفسر الصوت العالي للمجمع هذه الأيام والأضواء التي تسلط علي فتاوي عصام أحمد البشير.وقد عبر علي عثمان صراحة عن الدور المرتقب للمجمع،وقد جاء في الأخبار عن مخاطبته الدورة الرابعة للمجمع:-

    “ أكد الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية اهتمام الدولة الكامل بمجمع الفقه الإسلامي وحرصها علي ان يمضي في دوره في استخلاص الأحكام الشرعية دون محاباة”.وأضاف:” .
    بان السودان امام تحدي حضاري واسع وممتد فلا بد من تحرير الناس من عبادة الأهواء والعودة الي جادة الإيمان”. واكد ان الدولة سوف تدعم مجمع وترعاه وتقدم له أدوات تعينه علي البحث العلمي ودعا ان يكون المجمع قريباً من خطط الدولة ومحاور الخطة ألخمسيه المقبلة مبيناً ان الدولة ستكون معيناً له في إصدار الفتاوى”.
    ومن جانبه اكد الدكتور عصام احمد البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي ان هذه الدورة تمثل ثمار جهد تراكمي وقال ان الارتباط بالأصل لا يقطعها عن العصر وان المجمع يقدم خيارات فقهيه متعددة لأهل الحكم. مشيراً الي دور وسائط الإعلام المختلفة في نشر فتاوي المجمع ودعا رئاسة الجمهورية الي تلبية احتياجات المجمع والذي يحتاج الي بناء مؤسسي مالي فاعل يسير به مناشطه وبرامجه”.(الصحافة 18/7/2012)

    كانت نتائج هذا الزواج الكاثوليكي سريعة.فقد كان النظام وسط أزمته الاقتصادية الخانقة يبحث عن مخرج ديني يحلل له قبول قروض ربوية وقد تكون أحيانا من نصاري.ورغم أن هذه قمة الكفر:”أن يحلل حراما “فقد فعلها أهل المجمع.ونقرأ في الإخبار:” اعتمد مجلس الوزراء فى جلسته أمس برئاسة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير فتوى وتوصيات ندوة تمويل مشروعات الدولة بالقروض قدمها محافظ بنك السودان الدكتور محمد خير الزبير بمشاركة رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عصام أحمد البشير.”وصرح الأخير عقب اجتماع المجلس إن الندوة شارك فيها علماء من داخل السودان وخارجه واستعرضوا من خلالها 19 بحثا حوت فقه الشرائع وفقه الوقائع مبينا أن الفتوى أكدت أن الاقتراض بالربا من الكبائر والموبقات غير أن الدولة إذا وقعت في ضرورة أو حاجة عامة فإنه يجوز لها الاقتراض بالفائدة شريطة استنفاد كل الوسائل في الحصول على مصادر تمويل مقبولة شرعا مشيرا إلى أن الضرورة تقدر بقدرها زمانا ومكانا دون تعد أو زيادة وألا يترتب على القرض ضرر مساو للضرر الأصلي أو أكبر منه، وقد أجاز المجلس مقترحات الندوة بتكوين آلية لدراسة اتفاقيات القروض كل على حدة والتوجيه بشأنها لمجلس الوزراء.(الصحف 20/7/2012)
    أبي الشيخ الكاروري إلا أن ينصر أخاه( عصام)ظالما أو مظلوما.فجاءت الأنباء بهذا الخبر:-”… وحول الإتهامات الموجهة للحكومة بالتعامل بالربا أوضح الشيخ الكاروري أن الإنقاذ نجحت في الأسلمة الداخلية ولكنها لم تنجح في الأسلمة الخارجية والمتمثلة في إقناع الجهات الممولة الخارجية بالصيغ الأسلامية وبأنها عادلة كنظام المرابحة والسلم والاستصناع وغيرها من الصيغ الإسلامية، وكذلك رؤى منح الحكومة فرصة للإقتراض بنظام الربا باعتبارها مضطرة وفقاً لفقه الضرورة كواحدة من المعالجات الاقتصادية”.(22/7/2012)

    ووسط أجواء الأفننة التي تتصدي لتزييف الوعي تحسبا للإنتفاضة، لحق عبدالرحمن الخضر ،والي الخرطوم،بركب التدين المضلل.
    ففي تجمع توزيع كرتونة الصائم،القي عبد الرحمن الخضر، والي الخرطوم،امانة توزيعها بعدالة علي عاتق معتمدي المحليات ومعاونيهم.وزاد”لن نسألهم عنها في مجلس وزراء ولا مجلس تشريعي سنسألهم عنها حين نكون بين يدي الله”.(السوداني18/7/2012)ولماذا هذه الازدواجية وصداع انتخابات واختيار وتشكيل المجالس ، ظالما لدي السيد الوالي هذه الآلية الفعّالة في محاسبة المسؤولين؟إنه مجرد إمعان في التضليل والتزييف.

    فيما يشبه الخاتمة

    يطول الحديث عن مآسي وكوارث السودان،ويملأ تلال الصحائف.والعجيب أننا كل يوم نبتلي بنوع جديد من المحن(كما يقول الأخ شوقي بدري)وكأنه لم تهلكنا مصائب الحكام الفاسدين،والمرتشين،بضمائرهم الخربة،ليتكأكأ علينا الأنبياء الكذبة والمضللين الذين خاف علينا نبينا الكريم منهم.ونحن أمام اقتسام للعمل المؤدي في النهاية الي التمكين وتجديد الاستبداد. ولا يختلف دور هيئة العلماء عن الأمنوقراطية،فالعلماء عليهم مهمة اعتقال وتعذيب الروح والعقل من خلال التجهيل ،ورجال الأمن يعذبون الجسد ويحطون نوعية الحياة.وجريمة المضللين أعظم،لأنهم يستخدمون النصوص المقدسة وليس العصى والكرابيج والكهرباء.فالإنحراف الأكبر هو أنهم يجعلون من القرآن والحديث مصدرا لتبرير الأحكام ومن المفروض أن تكون مصدرا لاستنباط الأحكام.
    تتكرر الاحاديث التي تحذر من أمثال علمائنا الذين يصلون الشعب المسكين بفتاوى التمكين والاستبداد.روي عن النبي(ص):”اخشي ما اخشاه علي أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن”.(عن اسامة بن زيد).وفي حديث آخر عن عمر:_”أخوف ما أخاف علي أمتي الائمة المضلين”.وفي تفسيره:-”… الأئمة المضلين المائلين عن الحق،المميلين عنه،(…)ائمة العلم والسلطان،فالسلطان إذا ضل عن العدل،وباين الحق تبعه كافة العوام خوفا من سلطانه،وطمعا في جاهه؛والإمام في العلم قد يقع في شبهة ويعتريه زله فيضل بهوى أو بدعة فيتبعه عوام المسلمين تقليدا،ويتسامح بمتابعة هوى أو يتهافت علي حطام الدنيا من أموال السلطان أو يغترُ به العوام”.وفي روايات أخري،قال عمر:” عهد إلينا رسول الله(ص) أن أخوف ما اخشي عليكم منافق عليم اللسان”.رواية اخري:” أخوف ما اخاف علي هذه الأمة المنافق العليم”.قالوا:” كيف يكون منافقا عليما؟” قال:” عالم اللسان جاهل القلب والعقل”.أو:”..كل منافق عليم اللسان أي عالم للعلم منطلق اللسان به،لكنه جاهل القلب،فاسد العقيدة، يغر الناس بشقشقة لسانه،فيقع بسبب اتباعه خلق كثير في الزلل”.وفي هذا يقول حديث عن (أبوهريرة) :- “لا تقوم الساعة حتي يخرج ثلاثون كذّابا دجالا،كلهم يكذب علي الله ورسوله”.وعن(أبي ذر) :- “غير الدّجال،أخوف علي أمتي من الدّجال،الأئمة المضلون”.
    يقوم هؤلاء الأئمة بتدريب الحكام علي ازدواجية السلوك،بأن يساكن الفساد والتقوى معا في داخله. قيل عن(هارون الرشيد) : ” إذا جاء وقت الموعظة بكي،وإذا جاء وقت السياسة طغي”.ويقول عنه (أبو الفرج الاصفهاني) صاحب(الأغاني) :- “كان الرشيد من أغزر الناس دموعا في وقت الموعظة واشدّهم عسفا في وقت الغضب والغلظة”.وكتب(أحمد أمين) في ضحى الإسلام:-” كان يصلي في اليوم مائة ركعة ويسفك الدم لشئ لا يستحق سفك الدم”.والأحطر من كل هذا،أن نجد من يحلل الكذب لو كان للصالح.ويبد أن هذه الرخصة التي اكتشفها حكامنا فأكثروا منها فجعلوها قاعدة تعامل. وطبقا لرواية مسلم –في الصحيح-أجيز الكذب في ثلاث حالات: الحرب والإصلاح بين الناس وكذب الرجل علي زوجته.
    يقوم امثال هؤلاء العلماء الدجالين بمهام أبعد من تبرير الاستبداد والظلم.فهم ييسرون الدين بين العوام لدرجة نصرة الثقافات السابقة للإسلام علي الدين الصحيح. إذ تعرف مناطق في غرب السودان ما يسمي (فكي أم بتاري) أو ما يشبه الفقيه المزوّر. فهو يفتي بأن المريسة حلال والويسكي والعرقي حرام. والسبب في الحكم “الشرعي” لأنه شخصيا يشرب المريسة بالاضافة لانتشارها كضرورة للعيش، كذلك وجوده في قرية كلها تصنع المريسة التي تقدم في الافراح والمآتم, ويصعب عليه معارضة عرف أقوي من النصوص.
    اخيرا،العلم الديني يتطلب الورع أي خشية من وجود حرام أو شبهة.
    ويحتاج الورع للضمير اليقظ والزهد والاستغناء عن الدنيا والسلاطين. واعجبتني قصة في طبقات ود ضيف الله :- “يروي أن الشيخ عبدالرحمن بن جابر منع تلاميذه من الوضؤ في جداول سواقي الشايقية لأنهم يغتصبون الابقار(التي تدير السواقي)من الدناقلة من غير بيع وشراء. لذلك فان السواقي تلك تمنع عنهم الفيض والمدد.” .

    ****

    هل يقرأ عصام البشير وعبدالجليل الكاروري مثل هذه العبر؟ أقول قولي
    هذا واستغفر الله لي ولكم ،وأن ترحموا هذا الشعب يرحمكم الله


    ----------------

    الديمقراطية التوافقية... قراءة نقدية
    قضايا ساخنة


    ياسين حسن بشير:


    اطلعت على نص الورقة التي أعدها أ.د الطيب زين العابدين بعنوان "الديمقراطية التوافقية طريقنا للاستقرار السياسي" وقبل أن أسترسل في الحديث أود أن أتقدم بالشكر والتقدير للأستاذ الدكتور على جهده في البحث عن مخرج للأزمة الوطنية العامة التي يعيشها الوطن وهذا هو ما ينبغي لكل مواطن مستنير أن يفعله... إعمال الفكر وبذل الجهد وبلورة الرأي بطريقة منطقية مكتوبة يمكن الإمساك بها والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً... فقد شبعنا من ثقافة العموميات الشفهية لزوم "الونسة" في الشأن الوطني العام.

    تتكون الورقة من الأجزاء التالية:-
    * مقدمة مختصرة عن التاريخ السياسي الحديث للسودان منذ الاستقلال وحتى الآن.
    * مشكلات النظام الديمقراطي في السودان.
    * ما هي الديمقراطية التوافقية.
    * لماذا الديمقراطية التوافقية في السودان.
    * التدابير القانونية لتطبيق الديمقراطية التوافقية.
    * المراجع باللغة العربية والانجليزية التي استعان بها كاتب الورقة.


    يقول أ.د الطيب إن مفهوم الديمقراطية التوافقية قد ظهر في عقد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عقب الحرب العالمية الثانية لتجيب على سؤال محوري: كيف نجعل النظام السياسي ديمقراطياً ومستقراً خاصةً في المجتمعات التي تحفل بالصراعات على أسس عرقية وثقافية ودينية؟ وهي مفهوم جديد يطرح بديلاً للديمقراطية التقليدية التنافسية التي راجت في الدول الغربية حيث المجتمعات متجانسة سكانياً ومتطورة اقتصادياً.ويضيف أ.د الطيب أن أكثر من كتب وروج لهذا المفهوم هو البروفيسور آرند لايبهارت أستاذ العلوم السياسية الممتاز بجامعة كلفورنيا واستخدم بروفيسور آرند مصطلح "الديمقراطية الإجماعية" كمرادف للديمقراطية التوافقية.

    وكما جاء في الورقة فإن الديمقراطية التوافقية تستند على أربع ركائز رئيسية هي:-


    * تحالف حكومي عريض تتمثل فيه كل المجموعات السياسية ذات الوزن المقدر في البرلمان.
    * تمثيل نسبي واسع يستوعب مختلف المجموعات السياسية والاجتماعية عند توزيع مقاعد البرلمان ومناصب الخدمة المدنية.
    * الاستقلال المناطقي عبر نظام فيدرالي أو نحوه.
    * حق النقض للأقليات في القرارات الإدارية والسياسية الكبيرة التي تهمها.
    وبالتالي يصبح غير وارد أن تؤدي الديمقراطية التوافقية بهذا المفهوم إلى أغلبية حزب واحد أو حزبين كما هو الحال في الديمقراطية التنافسية.



    ويتساءل أ.د/ الطيب قائلاً "إذا كان النظام الديمقراطي التعددي هو الأفضل لأهل السودان وأن الحكم العسكري أو الشمولي غير مقبول لديهم بدليل ثورتهم الشعبية عليه مرتين في 1964 و1985 فلماذا إذاً لم تدمِ الديمقراطية أكثر من أحد عشرة سنةً في حين تطاول الحكم العسكري لأربعين عاماً؟...الخ"
    ويضيف أ.د/ الطيب مجيباً على السؤال الذي طرحه بأنه لا بد من أسباب موضوعية تسببت في ضعف النظام الديمقراطي وسقوطه مرة بعد أخرى... ولخص تلك الأسباب فيما يلي:-

    * طبيعة تكوين السودان باتساعه الجغرافي مع ضعف وسائل الاتصال والمواصلات ووعورة الطرق بين أقاليمه والتنوع العرقي والثقافي وتخلف مناطقه وعدم التوزيع العادل للسلطة والثروة مما أدى إلى صعوبة حكمه مركزياً بواسطة حزب واحد أو حزبين مؤتلفين.

    * عدم توفر الشروط والظروف الاجتماعية والثقافية التي يتطلبها نجاح النظام الديمقراطي في السودان بالدرجة الكافية، الوضع الاقتصادي المناسب الذي يمكن السلطة من تحقيق قدر معقول من المشروعات التنموية.
    * طبيعة تكوين الأحزاب السودانية وثقافتها السياسية جعلتها ضعيفة الالتزام بالنهج الديمقراطي داخل أجهزتها الحزبية وفي قناعتها بحرية النشاط السياسي للأحزاب المنافسة لها وبقبولها التداول السلمي للسلطة حسب الفترات الانتخابية التي يحددها الدستور.

    * العامل الخارجي الإقليمي والدولي الذي شجع ودعم الانقلابات العسكرية والنزاعات المسلحة.
    ويطرح أ.د/ الطيب السؤال التالي في مواجهة هذه المشكلات التي واجهت النظام الديمقراطي في السودان قائلاً "ما هي إذن الوسيلة الناجعة للممارسة الديمقراطية التعددية الانتخابية التي يمكن أن تتعايش وتتعاطى مع مشكلات المجتمع السوداني المذكورة سالفاً؟"

    يدعو أ.د/ الطيب إلى تبني نظام الديمقراطية التوافقية وفق المفهوم الذي حدده في الورقة على المدى المتوسط في السودان (ما بين عشرين إلى ثلاثين سنة) حتى نضمن استمرار الديمقراطية واستقرارها لمدة مناسبة يعتاد فيها الناس على قبول التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة وعلى المنافسة السياسية المقننة دون تطرف، وعلى ترسيخ السلوك الديمقراطي ونشر الثقافة الديمقراطية بين قطاعات المجتمع المختلفة خاصةً الطبقة الوسطى التي تمسك بالديمقراطية أكثر من غيرها."
    أرجو أن أكون قد نجحت في عرض الملامح الرئيسية لورقة أ.د/ الطيب زين العابدين لكي يستطيع القارئ المحترم الذي لم تُتَحْ له فرصة الاطلاع على نص الورقة المساهمة معنا في هذا الحوار
    .
    ألخص في النقاط التالية وجهة نظري الشخصية حول الورقة مع احترامي للأستاذ الدكتور/ الطيب ولكل قارئ محترم يتفق معه في تبني الديمقراطية التوافقية:-

    أولاً: في تقديري أن أ.د/ الطيب لم يورد سبباً رئيسياً من أسباب ضعف النظام الديمقراطي في السودان وهو تغلغل الفكر الشمولي في العقل السياسي للطبقة الوسطى في السودان الذي تبلور في مظهرين سياسيين... المظهر الأول هو صناعة الانقلابات العسكرية... والمظهر الثاني هو دعم الأنظمة العسكرية ومنحها الإطار السياسي النظري الذي يجعلها مقبولة لدى عامة الجماهير... فالطبقة الوسطى التي تتقدم صفوتها وتؤثر سياسياً على التطور السياسي للبلاد هي التي صنعت جميع الانقلابات العسكرية في السودان...

    فالانقلابات العسكرية الثلاثة لم تتم بمبادرة عسكرية خالصة من أي بعد سياسي للصفوة السودانية الحزبية وغير الحزبية... وأقول للأستاذ الدكتور/ الطيب... صحيح أن الجماهير ثارت على نظامين عسكريين ولكنه ليس صحيحاً أنها قد ضاقت بالديمقراطية التعددية وإنما الذي ضاق بها هي الصفوة التي كانت تتصيد أخطاء الحكومات الديمقراطية وتبرزها بشكل حاد وتعمل على تكريه الجماهير في الديمقراطية وكل هذا كان يتم بهدف تهيئة الجماهير لقبول انقلاب قادم تخطط له نفس تلك الصفوة التي تدعو للديمقراطية بل قد تقود الجماهير ضد الأنظمة العسكرية إذا ثارت ضدها...

    عندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989م وتم اعتقال جميع قيادات الأحزاب صمت القادة داخل المعتقل خلال الأيام الأولى ولم يتخذوا موقفاً معارضاً للانقلاب لأنهم كانوا يبحثون عن هوية الضباط الذين نفذوا الانقلاب... كل منهم يتوقع أن الانقلاب قد يأتي في صالح حزبه بالرغم من أن جميع الأحزاب ما عدا الجبهة القومية الإسلامية كانت قد وقعت على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية. مثال آخر من تاريخنا السياسي الحديث يدل على تمركز الفكر الانقلابي في العقل السياسي السوداني هو انقلاب 1971... وأسجل هنا للتاريخ أن الحزب الشيوعي السوداني لم يخطط لانقلاب 1971م ولو خطط له لنجح كما نجح انقلاب مايو 1969م...

    ولكن فعل الحزب الشيوعي ما هو أبشع من ذلك... فالحزب الشيوعي كان قد خرج من انقسام حزبي عنيف أثر عليه سلباً بسبب الفكر الانقلابي فعندما عرض عليه أمر الانقلاب رفض التخطيط له والمشاركة في تنفيذه كحزب ولكن إذا نجح الانقلاب وطرح شعارات سياسية تتفق مع توجه الحزب فسيدعمه... وهذه كانت رسالة كافية للانقلابيين بأن يتقدموا وينفذوا انقلابهم... تبنى الحزب الشيوعي الانقلاب بعد وقوعه فكان ذلك خطأً سياسياً قاتلاً بمعنى الكلمة... فلو كانت الرسالة للانقلابيين أن الحزب الشيوعي سيقف ضد الانقلاب إذا نفذ وسيقاومه متحالفاً مع القوى السياسية الأخرى وجماهير الشعب السوداني لما تجرأ الانقلابيون على تنفيذه وحتى إذا نفذوه فكان الحزب الشيوعي سيضع حجر الأساس لمقاومة الفكر الانقلابي وكسر الحلقة الخبيثة.


    إن الفكر الشمولي ليس أمراً عابراً في المجتمع السوداني وإنما جزء من العقلية السودانية القبلية التي تجعل داخل كل منا "شيخ قبيلة" وينمو حجم شيخ القبيلة داخلنا كلما أتيحت لنا فرصة لممارسة السلطة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإدارية أو الثقافية أو التربوية على جميع المستويات بدءاً من السلطة الأبوية داخل الأسرة ومروراً بالنادي والجمعية والمنظمة وانتهاءً بالحزب والدولة... وهذه مسألة لا علاقة لها بالتعليم بالمعنى التقليدي فحتى لو نال الشخص أرفع الدرجات العلمية فسيظل شمولياً عقلاً وسلوكاً حتى ولو ادعى الديمقراطية ودافع عنها... إنها مسألة تطور طويل المدى يرتبط بتغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية جذرية عميقة... وهذه التغيرات تحدث عبر صراع مستمر له أبعاد متعددة منها الشخصي الخاص ومنها العام.


    إذا انتقلنا إلى المظهر الآخر للفكر الشمولي المتمثل في دعم الصفوة لأنظمة الحكم العسكرية... أعتقد أنني لست في حاجة إلى التفصيل... فبدءاً من مشاركة السيد/ أحمد خير في حكومة نوفمبر 1958م وهو الرجل الديمقراطي الليبرالي أحد قادة مؤتمر الخريجين ومروراً بجيوش أهل اليسار واليمين والوسط الذين أبدعوا في إطالة عمر النظام المايوي... وانتهاءً بأهل الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني الذي ضم خليطاً من الاتجاهات الحزبية وغير ذلك من البدع السياسية لكل مَنْ يرى أن الشمولية هي الأفضل والديمقراطية هي الفوضى بعينها... في كل ذلك نجد أن محور المسألة هو استعجال النتائج وعدم الصبر على بطء التطور الديمقراطي الذي قد تأتي نتائجه الإيجابية بعد عقود أو حتى بعد قرن... هذه سمة من سمات العقلية الشمولية... لذلك هذه الصفوة هي التي أطالت عمر الانقلابات العسكرية وأضعفت أنظمة الحكم الديمقراطية وأشاعت بين الناس أن الديمقراطية لن تحقق لهم شيئاً وأصلح لهم هذه الأنظمة الشمولية حتى ولو قيدت حرياتهم وأطعمتهم وكأنهم قطيع من الماشية... بالرغم من أن الواقع السوداني يثبت أن الشمولية قد قيدت الحريات وفي نفس الوقت عجزت عن إشباع الناس.


    ثانياً: تحدث أ.د/ الطيب عن التعددية العرقية والثقافية كأحد الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ضعف النظام الديمقراطي وأقول إن التعددية العرقية والثقافية في حد ذاتها ليست سبباً موضوعياً لضعف النظام الديمقراطي فها هي الهند تمارس الديمقراطية منذ منتصف القرن الماضي ولم تعرف الانقلابات العسكرية... وأعتقد الإشكالية تكمن في عدم قدرتنا على إدارة التعددية العرقية والثقافية بالشكل الصحيح والسليم الذي يجعلها عاملاً إيجابياً وليس سلبياً.
    هذا بالإضافة إلى أن النزاعات والصراعات التي عرفها السودان خلال تاريخه الحديث كانت لأسباب سياسية واقتصادية وليس لأسباب عرقية وثقافية ولكنها استغلت لإضفاء هذا الطابع لأغراض سياسية تتعلق بالسلطة الحاكمة... فحرب الجنوب لم تأخذ هذا البعد العرقي الثقافي إلا بعد أن زجت الإنقاذ بالبعد العربي الإسلامي... ونزاع دارفور لم يأخذ طابعه العرقي الثقافي إلا بعد أن حاولت الإنقاذ استقطاب بعض القبائل بهدف إدارة النزاعات لصالحها... وها هو السيناريو يتكرر في جنوب كردفان والنيل الأزرق بأشكال مختلفة.


    ثالثاً: إن الربط التعسفي بين العروبة والإسلام في السودان قد أدى إلى تشوهات واضحة في المجتمع السوداني كان لها تأثيراتها السياسية المباشرة وغير المباشرة... ففي جميع الدول الإسلامية الإفريقية والآسيوية التي بها أغلبية مسلمة لم يتم الربط بين العروبة والإسلام كما حدث في السودان وأدى ذلك إلى هيمنة الثقافة العربية وأدى هذا بدوره إلى احتقار الثقافات الأخرى للمجموعات البشرية بل كان وما زال هناك إنكار لأن هناك أصلاً ثقافة في السودان غير الثقافة العربية... بل تطور الأمر إلى بلورة نظرة اجتماعية عنصرية سرية غير معلنة تمارسها بعض المجموعات التي تدعي العروبة بالرغم من أن انتماء السودان للعروبة هو انتماء ثقافي وليس عرقياً بالمعنى الحرفي ولكن البعض يتوهم النقاء العرقي العربي.
    كل هذه الممارسات الاجتماعية الخفية كان لها تأثيرات سياسية سالبة أججت الصراعات والنزاعات وولدت أحقاداً وسط مجموعات عديدة... وأرجو أن لا يعتقد البعض أن هذا كان ينطبق على جنوب السودان قبل انفصاله... فهذه الممارسات القبيحة ما زالت مستمرة في السودان الحالي... فما زال هناك مَنْ يتقمصون شخصية العرب "الأشراف" وينظرون بشيء من الدونية لكل من هو زنجي الأصل حتى ولو كان مسلماً من أهل دارفور او الأنقسنا أو جبال النوبة أو غيرهم.


    رابعاً: إن الدعوة للديمقراطية التوافقية استناداً على حجة إشراك الجميع

    في السلطة مهما صغرت كياناتهم حجة غير مقبولة لأن جميع الأحزاب التي نفذت أو دعمت انقلابات عسكرية كانت إما داخل السلطة أو قريبة منها أو يمكنها الوصول إليها عبر صناديق الاقتراع... وبالتالي إشراك جميع الأحزاب في السلطة بأوزانهم المختلفة لا يمنع الانقلاب على النظام الديمقراطي لأن الإشكالية الرئيسية كما ذكرت لا تكمن في عدم المشاركة في السلطة وإنما في التوجه الشمولي الغالب الذي لا يقتنع بالنظام الديمقراطي حتى ولو تظاهر بقبوله.


    خامساً: قال أ.د/ الطيب ما يلي نصه في الصفحة رقم (10) من الورقة:-

    "وأحسب أن الديمقراطية التوافقية تنسجم مع تعاليم الإسلام الذي يجعل الإجماع المصدر الثالث للتشريع بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويدعو للشورى الملزمة في الشأن العام، ويؤسس شرعية الحكم على البيعة التعاقدية بين الحاكم والمحكومين، ويعرض الحكام للمحاسبة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويساوي بين الناس أمام القاضي المستقل، ويأمر بإنصاف وإحسان معاملة المستضعفين من الناس مثل الرقيق والموالي والخدم والمرأة والأقليات الدينية...الخ"

    لا أدري هل قصد أ.د/ الطيب بهذه الفقرة تعزيز أم إضعاف رؤيته التي طرحها حول الديمقراطية التوافقية... فإذا كانت الديمقراطية التوافقية تنسجم مع ما ذكره أ.د/ الطيب في الفقرة أعلاه فإذن لا علاقة لها بالديمقراطية إلا بالاسم فقط... فما علاقة الإجماع بالديمقراطية التعددية بالمعنى الليبرالي الحقيقي سواءً أكانت تنافسية أو توافقية... وما معنى الشورى الملزمة... وملزمة لِمَنْ؟ وما هو المعنى السياسي للبيعة التعاقدية... فكيف نطلب من غير المسلم البيعة وكيف يقبل الحاكم غير المسلم البيعة... وما هي العلاقة بين النصيحة والمحاسبة... فهل الحاكم الذي ينصح يمكن مساءلته ومحاسبته... وما معنى النصيحة؟ بعض شيوخ الإسلام في السعودية يقولون بأن النصيحة للحاكم يجب أن تكون "سرية" وليست علنية بمعنى أنك إذا أردت أن تنتقد وزيراً أو رئيساً فعليك أن توسوس له في أذنه ولا تنشر نقدك إعلامياً... ثم ما هو التعريف السياسي للمعروف والمنكر؟... وكيف يكون القاضي مستقلاً وهو مقيد بالحكم بموجب قانون ديني واحد فقط؟ وما هو التعريف السياسي للمستضعفين الذين شملوا الرقيق والموالي والخدم والمرأة والأقليات الدينية؟ إنه إقحام لمفاهيم دينية لا علاقة لها بالسياسة ولا بالديمقراطية من قريب أو بعيد إلا إذا أردنا أن نتحدث عن ديمقراطية دينية في دولة "الخلافة الإسلامية".


    سادساً: إن الأسباب الموضوعية لضعف النظام الديمقراطي في السودان التي ذكرها أ.د/ الطيب هي أسباب عميقة ترتبط بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع السوداني وستظل قائمة على المدى الطويل كما أشار إلى ذلك أ.د/ الطيب في الورقة نفسها... وفي تقديري أن الديمقراطية التوافقية لن تعالج هذه الأسباب لأنها ستواجه ما واجهته الديمقراطية التنافسية... فإذا منحنا الديمقراطية التنافسية تلك السنوات التي اقترحها "عشرين أو ثلاثين عاماً" فسنرى نتائج إيجابية واضحة تتعلق بثبات ورسوخ النظام الديمقراطي فكيف نحكم على أن الديمقراطية التنافسية قد فشلت في السودان وهي كما ورد في الورقة قد مورست لفترة أحد عشر عاماً خلال أكثر من خمسين عاماً وحتى تلك الفترة القصيرة لم تكن مستمرة وإنما مقسمة على ثلاث فترات أطولها وصلت تقريباً إلى أقل من خمس سنوات وهي فترة الديمقراطية الثانية. إن المنطق السياسي يقول بأننا في البدء يجب أن نعمل على توفير مقومات النظام الديمقراطي التعددي الحر ثم بعد ذلك وفي ظل النظام الديمقراطي الحر وعبر الممارسة الفعلية قد نصل إلى المفاضلة بين أنواع الديمقراطيات التعددية المختلفة... فالدول التي أوردها أ.د/ الطيب كمثال لتطبيق الديمقراطية التوافقية هي في الأصل تتوفر بها مقومات الديمقراطية التعددية الحرة... فالقاعدة التي ينطلق منها النظام الديمقراطي التعددي الحر أياً كان نوعه هي واحدة... فكيف لنا أن نحدد نوع الديمقراطية التعددية الحرة ونحن أصلاً لم نصلْ إلى تلك القاعدة الأساسية؟


    سابعاً: ذكر أ.د/ الطيب في الصفحة رقم 21 من الورقة ما يلي نصه:

    "وينبغي الاستفادة من فرصة وضع دستور جديد للبلاد لتبني مفهوم الديمقراطية التوافقية وأن تتسع المشاركة في صناعة الدستور لكل القوى السياسية والاجتماعية والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة وأن تكون صناعة الدستور الجديد آلية للمصالحة والتعافي وتحقيق السلام في أنحاء البلاد"


    في تقديري أن هذه الفقرة هي خلاصة الورقة فالأستاذ الدكتور/ الطيب يعتقد أن هذا النظام الشمولي الحاكم حالياً يمكن أن يتطور إلى نظام ديمقراطي حيث ربط بين العملية السياسية المفتعلة حالياً لصياغة دستور وإمكانية تبني مفهوم الديمقراطية التوافقية... فإذا كان مفهوم الديمقراطية التوافقية كما طرحه أ.د/ الطيب في الورقة وكما فهمته هو نوع من أنواع الديمقراطية التعددية الحرة فلا مجال لما يدعو له في هذه الفقرة المذكورة أعلاه لأن الديمقراطية التعددية بجميع أنواعها لا تولد إلا في رحم الديمقراطية التعددية نفسها... وأقول للأستاذ الدكتور/ الطيب إن الدستور الديمقراطي الحقيقي ليس رص كلمات جميلة بل وديمقراطية المدلول وإنما هو أحد أدوات النظام الديمقراطي التعددي الحر التي تصنع في ظل النظام الديمقراطي التعددي الحر نفسه وليس في ظل نظام شمولي... وأخشى أن يستغل طرح أ.د/ الطيب ويتحول إلى "ديمقراطية شمولية منضبطة" كما يدعي بعض الشموليين... فكل ما ذكره أ.د/ الطيب في الورقة من ترتيبات يمكن تطبيقه الآن فوراً... دستور... حكم اتحادي... فصل بين السلطات...الخ ولكن بمحتوى فارغ ليست له قيمة سياسية... فهل هذا هو المقصود؟


    سابعاً: يحاول البعض تخويفنا بأن الوطن في خطر وأنه سيتفتت وأنه يجب سريعاً البحث عن صيغة للتوافق والمصالحة والإجماع الوطني... وأقول إنها صيغة "اللملمة والغطغطة" التي مارسناها طوال تاريخ السودان الحديث وجمدنا خلالها التطور السياسي والفكري في السودان ووصلنا إلى ما نحن عليه الآن... فنحن الآن نواجه قضايا كان من المفترض أن تطرح بوضوح وتعالج عبر الصراع الواضح والمكشوف منذ مطلع الاستقلال... الآن أقول علينا أن لا نتخوف من الصراع الدائر في المجتمع السوداني بمختلف جوانبه واشكاله لأنه إيجابي على المدى البعيد ويجعلنا نواجه قضايانا ونعالجها مهما كانت المعالجة قاسية ومؤلمة... الأحزاب التي نتحدث ليل نهار عن ضعفها يدور داخلها صراع وحراك سياسي وفكري إيجابي للغاية بما في ذلك الحزب الحاكم نفسه فلماذا نحاول تجميد هذا الصراع... وحتى النزاعات والخلافات بين المناطق المهمشة والمركز فيه جوانب إيجابية عديدة مهما كانت قسوته... العواصف الاجتماعية التي تضرب المجتمع السوداني أيضاً نبهتنا إلى جوانب عديدة كان مسكوتاً عنها لعقود مضت... كل هذه المظاهر وغيرها من مظاهر الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع السوداني تصب في اتجاه التطور إلى الأفضل إذا نظرنا إلى الجزئيات الصغيرة وابتعدنا عن عقلية استعجال النتائج الكلية النهائية... فهل نريد تطوراً جذرياً للواقع السوداني بدون أية تكلفة حقيقية... إنه أمر مستحيل.


    إن الشرط الرئيسي لما ذكرته من ترك الصراع يأخذ جميع أبعاده لضمان حدوث التطور الحقيقي للمجتمع هو ان توجد سلطة حاكمة وطنية قادرة على إدارة هذا الصراع بوعي وبرؤية محددة تدرك كيف تدفعه إيجابياً وليس تغطيته تحت شعارات هلامية مثل "الوفاق الوطني" و"الإجماع الوطني" و"المصالحة الوطنية" وللأسف السلطة الحاكمة حالياً في السودان ليست مؤهلة لذلك وأقصى ما يمكن أن يقال في هذا المجال إنه من المقبول - حسب وجهة نظري الشخصية- حدوث مساومة تاريخية شرطها الرئيسي أن يقبل الأخوة في حزب المؤتمر الوطني التنحي عن السلطة والجلوس مع القوى السياسية الأخرى خارج السلطة واختيار حكومة انتقالية لا تقل فترتها عن أربع سنوات تكلف بمهام محددة تتعلق بتهيئة المناخ الديمقراطي التعددي الحر والإعداد لانتخابات حرة لانتخابات جمعية تأسيسية تضع دستوراً ديمقراطياً تعددياً حراً... في ذلك الوقت يمكن أن يطرح أ.د/ الطيب رؤيته حول نوعية الديمقراطية التعددية ويقدم مفهوم الديمقراطية التوافقية... أما طرحها الآن ودعوته لربطها بالدستور الذي تتم صياغته الآن سيحولها إلى مسحوق سياسي تجميلي جديديضاف إلى مسحوق الدستور التجميلي فتصبح السلطة الشمولية أكثر جمالاً ورونقاً على خشبة المسرح السياسي المحلي والإقليمي والدولي دون أن تعالج القضايا الأساسية والرئيسية للمجتمع السوداني.


    مع احترامي وتقديري وشكري للأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين الذي أتاح لنا فرصة هذا الحوار والدعوة المفتوحة للمزيد من الحوار لمصلحة الوطن.

    (
                  

10-18-2012, 06:50 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    بمناسبة إنعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية : الحركة الإسلامية : هل تستطيع ان تنقذ نفسها من الإنقاذ؟! (3-3)
    October 17, 2012


    عمر القراى


    ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا …) صدق الله العظيم

    إن خطيئة الحركة الاسلامية الكبرى، هي أنها جاءت الى السلطة عن طريق الإنقلاب العسكري. ولما كان الانقلاب لا يتفق مع دستورها، واهدافها المعلنة، كما لا يتفق مع الاسلام، فقد اضطروا الى الكذب، والتضليل، في بداية امرهم، فنفوا علاقة الحكومة الجديدة بالحركة الاسلامية .. ولم يكتفوا بذلك، بل اعتقلوا زعيم الحركة د. الترابي، إمعانا في التضليل، وكما روى هو نفسه فيما بعد، انه قال للرئيس (اذهب انت الى القصر رئيساً واذهب انا للسجن حبيساً) !! ولقد كان جل إهتمامهم أن يخدعوا الشعب، حتى يؤخروا المعارضة، التي قد تهدد كراسيهم.. ولو كانوا يخشون الله، ويشعرون بأنه مطلع على أكاذيبهم التي يشيعونها بأسمه، لما فعلوا ذلك !! وخطيئة الحركة الإسلامية هذه، لم ينج منها أحد منهم، بما في ذلك الذين أخذوا ينقدون الإنقاذ مؤخراً، مثل د. الطيب زين العابدين، و د. عبد الوهاب الأفندي، و د. التيجاني عبد القادر، لأن هؤلاء لم يعترضوا على وصول الحركة الاسلامية للسلطة عن طريق الإنقلاب، وإنما اعترضوا على ما حدث بعد ذلك، مما كانت نتائج طبيعية لنهج اغتصاب السلطة الدكتاتوري، الذي يبطش بالخصوم والمعارضين، خوفاً من فقدان السلطة، التي كان قد انتزعها بغير حق، فهو يخشى إذا فقدها ان يؤاخذ بجريرته.

    لقد قامت الحركة الإسلامية في السودان باغتصاب السلطة بالقوة في 1989م، بعد ان عجزت عن الوصول اليها عن طريق الإنتخابات في1986م. ولعل المفارقة في هذا العمل، ليست فقط مفارقة حقوق الإنسان والنهج الديمقراطي، ولا مفارقة الشورى، وحق الجماعة في حكم نفسها، من الناحية الشرعية، وإنما قبل ذلك مفارقة المواثيق التي اعتمدتها الحركة الاسلامية نفسها، وعلى اساسها قامت بتجنيد عضويتها.. فقد جاء ( ولعل أهم الوثائق التي تتضمن مواقف الحركة النظرية من حقوق الإنسان نجدها في دستور جماعة الأخوان المسلمين لعام 1981 والذي قصد به أن يكون مقدمة لدستور الدولة الإسلامية التي تسعى الحركة لإقامتها بعد زوال نظام الرئيس جعفر نميري وقد انتقل جزء كبير منه خاصة في مجال الأهداف لدستور الجبهة الإسلامية القومية التي أسست حزباً سياسياً في 1985 بعد سقوط نظام الرئيس نميري؛ وفي بعض المحاضرات والكتيبات التي ألفها زعيم الحركة الدكتور حسن الترابي، ثم في وثيقة السودان لحقوق الإنسان التي أجازها المجلس الوطني الانتقالي في عام 1994 ولكنها غير معروفة.

    1- دستور جماعة الأخوان المسلمين:

    جاء في الباب الثاني من الدستور تحت بند (الأهداف) أربعة فصول تتحدث عن: الأهداف السياسية والدستورية؛ الأهداف الاقتصادية؛ الأهداف الاجتماعية؛ الأهداف الثقافية. ونورد فيما يلي بعض ما ورد في هذه الفصول وله صلة بحقوق الإنسان.

    الأهداف السياسية والدستورية

    تقول المادة (5): إقامة الحكم الإسلامي القائم على الشورى والمساواة وحرية المواطنين في اختيار الحاكم وممثلي الأمة وحقهم في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تسلط أو إرهاب.

    المادة (6): كفالة حرية المواطن في الاعتقاد وعدم اكراهه في الدين وضمان حرية المواطن في التعبير عن رأيه وحريته في الحركة والاجتماع والتنظيم وحماية دمه وماله وعرضه وحرمة منزله ومراسلاته.

    المادة (8): تسعى الجماعة لتأكيد مسئولية الحاكم الذي تختاره الأمة عن تصرفاته الشخصية وأعماله الرسمية مسئولية دينية وسياسية وقضائية.

    المادة (9): حماية المواطنين من الاستبداد والفساد السياسي والاستغلال الاقتصادي وأي شكل من أشكال القهر والظلم. وإقامة الحكم على المؤسسات منعاً لتسلط الفرد ونشداناً للاستقرار.

    المادة (10): اشاعة العدل وتوفير المساواة للمواطنين أمام القانون وضمان استقلال القضاة ونزاهتهم وتوفير الخدمات القانونية للمواطنين.

    المادة (14): حقوق الأقليات مصونة في الدولة الإسلامية وتضمن لهم المساواة في الحقوق السياسية والمدنية والعدالة الاقتصادية وحرية الاعتقاد والعبادة واستقلال قوانين الأحوال الشخصية والتعليم الديني.

    الأهداف الاقتصادية

    المادة (20): تأمين الحاجات الضرورية لكل مواطن من العيش الكريم والصحة والتعليم والأمن ورفع الظلم والفقر والمعاناة)(د. الطيب زين العابدين 10-11-2012 حريات).

    كيف يمكن لجماعة تتكون من مئات الآلاف من الأعضاء، أن تضع دستوراً ينضم إليها الناس بسبب ما جاء فيه، ثم تقوم- دون أي إعتراض من أي من أعضائها- في الواقع بعكس ما ذكروا في دستورهم ؟! ألا يدل ذلك على أنهم حين كتبوا هذه الوثائق، كتبوها بنيّة مفارقتها في التطبيق، ولم يكتبوها إلا بغرض تضليل الناس؟؟ هل يمكن لجماعة ان تكذب في مستوى طرحها المكتوب، ودستورها، ثم تكون بعد ذلك معبرة عن الإسلام ؟! هل الإسلام نفسه، هين على الله، حتى يظهره على أيدي من يدعونه بالشعارات المكتوبة، ويفارقونه بالعمل ؟؟

    لقد بدأت حكومة الإنقاذ عهدها، بتصعيد الحرب في الجنوب، وإدعاء أنها جهاد في سبيل الله !! واستغلت هذه التعبئة، للبطش بخصومها السياسيين في الشمال، بدعوى مفارقتهم للإسلام، بدليل إعتراضهم على تقتيل اخوانهم في جنوب السودان، وفي جبال النوبة. إنما شهده السودان من بطش، وارهاب، وتعذيب، وقهر، واذلال في سنوات الإنقاذ الاولى، لم يشهده في عهد دكتاتورية نميري أو دكتاتورية عبود. وكان أول من استهدف طلاب جامعة الخرطوم، والجامعات الاخرى. فقد طردت الكفاءات من الاساتذة والاداريين، وعين مكانهم آخرين مهمتهم الاساسية هي القضاء على أي معارضة تظهر في الجامعة. وبلغت الانقاذ مستوى، جعلها تعين مديراً لجامعة الخرطوم معروف بالعنف والهوس منذ ان كان طالباً .. وحين نشب خلاف بين طلاب المؤتمر الوطني والطلاب الآخرين، جاء ذلك المدير العجيب، الى ميدان الآداب، يلبس زياً عسكرياً، ويحمل مسدساً اطلق منها عيارات في الهواء، وقال لمجموعة المؤتمر الوطني ( اهجموا على الكفار) !! وهو يقصد زملاءهم من عضوية التنظيمات الأخرى، التي كونت تحالفاً ضدهم. وحتى تقضي الانقاذ على أي مظاهرة قامت بتحطيم التعليم الجامعي نفسه !! فألغت الداخليات، وشردت الطلبة والطالبات، مما أثرعلى تحصيلهم، كما ألغت معايير الكفاءة والامتحانات، فأعطت الدرجات العالية لمنسوبي المؤتمر الوطني، بناء على مشاركتهم في حرب الجنوب، وانتسابهم للدفاع الشعبي لا كفاءتهم الاكاديمية !! ثم كونت الحكومة الاتحاد العام للطلاب السودانيين، بالتعيين، من بعض رجال الأمن، وأعطته ميزانية مفتوحة، لأن أي معاملة لأي مواطن، من بيع أرض أو شراء أو غيره، يخصم فيها رسوم معلومة للاتحاد العام للطلاب السودانيين!! ولقد قام ذلك الاتحاد المزعوم، بالسطو جهاراً نهاراً على دار اتحاد الكتاب السودانيين بالمقرن، واحتلاها بوضع اليد !! ولم يكن له أي عمل في مساعدة أي طالب لا ينتمي للمؤتمر الوطني، بل كان دوره الاساسي، هو ملأ عربات بالسيخ، والعصي، والسكاكين، والهجوم على أي مجموعة تقيم نقاشاً يعري المؤتمر الوطني، ثم تصوير ذلك على انه اشتباك بين الطلاب، ليس للحكومة شأن فيه !! وقد قاموا أكثر من مرة، بضرب الطلاب والطالبات، في كل الجامعات السودانية بالعاصمة وبالاقاليم، وخاصة الجامعة الأهلية، التي اعتدوا على طلابها واساتذتها، بل وأحرقوها، حتى تتعطل الدراسة، حين فشلوا في الانتخابات وفقدوا الاتحاد !! ولقد قتل عدد من الطلاب، على أيديهم في هذه الاعتداءات، وحين وصلت بعض القضايا للمحاكم، كقضية طالب الحصاحيصا، أفلت الجناة مما يستحقوا من عقاب !!

    لقد جاءت الإنقاذ ببدعة (بيوت الاشباح)، وهي أماكن مخصصة لتعذيب المعتقلين، بصور وحشية لا علاقة لها بالإنسانية، أو الاخلاق، أو القانون، أو الاسلام. ولقد تدرب رجال الأمن في ايران على أنواع من التعذيب، ينأى عنها الحس السليم، وقيم المروءة .. فلقد ضرب المعتقلون بالسياط، وبالخراطيش، وصعقوا بالكهرباء، وبالماء المثلج، وخلعت اظافرهم، وكووا بالنار، وربطوا وعلقوا، وضربوا في اماكن حساسة، حتى استشهد بعضهم، وتعوق بعضهم إعاقات دائمة، كفقدان السمع، والبصر، والحركة. كما تم إغتصاب الحرائر من النساء السودانيات، بصورة وحشية، في مكاتب الجهاز.. وتم إغتصاب الرجال الشجعان، الذي قاوموا الاعتقال والتعذيب، مما لا علاقة له بالإسلام أو بالاخلاق من قريب أو بعيد. ولقد نسى أعضاء الحركة الإسلام في نشوة الفرح بالسلطة، وفزعة الخوف من فقدانها، أخلاق الإسلام، وأخلاق الشعب السوداني !! إذ يقوم الأربعة أو الخمسة منهم، بضرب شيخ نحيل، مثل د. فاروق محمد ابراهيم، وهو معصوب العينين، ومكتوف الأيدي، ويسمعونه من الشتائم النابية، والألفاظ المقذعة، ما كان أشد إيلاماً له من الضرب .. ويكون من ضمن معذيبه هؤلاء، طالبه في كلية العلوم بجامعة الخرطوم، وزميله أستاذ كلية الزراعة بعد ذلك، د. نافع علي نافع، كما ذكر د. فاروق في شكواه، التي رفعها للسيد رئيس الجمهورية، ولم يحقق فيها.

    إن هذا الظلم الفادح، خلف مرارات في النفوس، لن تزول بزوال الإنقاذ .. وهذه الأفعال البشعة، المنكرة، قد إرتبطت في وعي الشعب السوداني بالحركة الاسلامية، ولا سبيل الى نسيانها، أو القفز فوقها .. فلابد للحركة الاسلامية بشقيها الوطني والشعبي، ان تعتذر للشعب السوداني، وأن تفتح في مؤتمرها العام، الذي يقوم به المؤتمر الوطني في الشهر القادم، ملف (بيوت الأشباح)، وتطالب بمحاكمة من مارسوا التعذيب فيها، سواء أن قبلت الحكومة ذلك أو لم تقبله، ثم تعلن إبعادهم عن الحركة الاسلامية .. هذا إذا كانت الحركة الإسلامية صادقة في أمر الدين، وحريصة على استمرارها ككيان دعوي وسياسي في السودان في المستقبل.

    ولقد قامت الإنقاذ، بحل جميع النقابات المنتخبة، وعينت نقابات تابعة لها، واعتقلت النقابيين وعذبتهم في (بيوت الاشباح).. كما شردت آلاف العمال والموظفين، وطردتهم بحجة ان ذلك هو الصالح العام للبلد، مع انه لم يكن إلا خراب البلد، ومصلحتهم هم الذاتية. كما قامت بمصادرة أملاك الاحزاب الطائفية الكبيرة، واعتقلت بعض الناشطين من اعضائها. ومنعت بعض ندواتها ولقاءاتها الجماهيرية.

    ولم يحث أن أهينت الصحافة، وصودرت حريتها، كما حدث على عهد الانقاذ. فقد تمت مصادرة صحف بعد ان ضيق عليها بمنع الاعلانات، ثم اعتمدت الرقابة القبلية على الصحف، حيث يقرأ رجال الامن الصحيفة، قبل الطباعة، ويصادروا كلما لا يعجبهم فيها .. ثم اخذوا يصادرون الصحف بعد الطباعة، حتى يكبدوها خسائر مالية، أكثر من ذلك، منعوا بعض كتاب الأعمدة من الكتابة !! ولم يكتفوا بذلك، بل فتحوا بلاغات جنائية، على عدد من الصحفيين والصحفيات، وكتاب الرأي.. وكان الغرض النهائي من كل ذلك، ألا تكون هنالك الا صحفاً موالية للسلطة أو اخرى خائفة منها، حتى عزف المواطن السوداني من شراء الصحف، كما عزف عن مشاهدة القنوات السودانية التلفزيونية.

    ثم صنعت الحكومة مجموعة من جهلة الفقهاء والأئمة، وسمتهم (علماء) السودان!! وكلفتهم بتزيين الباطل، واخرصتهم عن قول الحق.. فبدلاً من يعترضوا على فساد الحكام، الذي تسبب في الغلاء الطاحن، وافقر الشعب، واعجز سائره عن (الاضحية)، أفتوا بجواز اقتراض ثمن (الأضحية) !! وبدلاً من ان يعترضوا على زواج قيادات المؤتمر الوطني، بمثنى، وثلاث، ورباع، والشعب لا يجد قوت أسرة واحدة، افتوا لهم بجواز القاصر !! وذلك اتباعاً لهوى النفوس، المريضة، الملتوية، التي تريد ان تمارس فاحشة الاستغلال الجنسي للاطفال، تحت مظلة الدين !! فتعساً لسوأة (علماء) السوء !!

    إن ما تورط فيه اعضاء الحركة الإسلامية، من قادة حزب المؤتمر الوطني، وقادة حكومة الإنقاذ، من سوء إدارة، وجرائم حرب، ومصادرة للديمقراطية، وتدمير للاقتصاد الوطني، وتشريد للعاملين الشرفاء، وتعذيب للمعتقلين في بيوت الاشباح، وفساد وثراء فاحش على حساب جوع الشعب، ليس فقط مجرد إنحراف مجموعة عن السراط المستقيم .. ولا هو مجرد وارتكابها لافعال متناقضة مع ما تعرف وتدعي من الإلتزام الديني، كما يحاول بيان الاتجاه الإسلامي المشار إليه في الحلقة الأولى ان يقنع الشعب.

    إن للقضية وجهان : الوجه الأول والأساسي، هو الفهم الخاطئ للإسلام، الذي ظلت الحركة الإسلامية، ترزح تحته منذ نشأتها في عشرينات القرن الماضي. فأفكار الشيخ حسن البنا، والاستاذ سيد قطب، وابو الأعلى المودودي، جاءت بعد دعاة النهضة والاصلاح من امثال الأفغاني، ومحمد عبده، والطاهر الحداد .. ولم ترض عن دعوتهم للبعث الاسلامي عن طريق الاجتهاد السلمي، وبعث قيم الدين. واتهمتهم بالعجز والتواكل، وطرحت فكرة التغيير السياسي بالقوة، واعتبرته الجهاد المطلوب شرعاً، وشرعت في التسلح والعمل السري.. وهكذا ظهر الاسلام السياسي، الذي ركز على السلطة، واهمل التربية، ولم يكن مفكرو الحركة الاسلامية من العمق بحيث ينظروا ف يأمر الاجتهاد بل كانوا نقلة تابعين للسلف دون تفكير. بل اصروا على الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية على بشرية القرن العشرين بنفس التفاصيل التي طبقت بها على بشرية القرن السابع الميلادي !! واتخذ الاسلام السياسي وهو في المعارضة، من عجز وفشل الحكومات في الدول الاسلامية، ذريعة لتجنيد الشباب، وتحريضهم ضد الحكومات، التي عزى فشلها لعدم تطبيق شرع الله .. وحين تصل الحركات أو الجماعات الاسلامية السلطة، تدرك ان تطبيق الشريعة غير ممكن، فتبدأ بالتحايل عليها، والخروج على صريح نصوصها، بشتى الإلتواءات، وهو ما اسماه الرئيس البشير في احدى خطبه (شريعة مدغمسة) !! ولما كانوا يرفعون شعارات الشريعة، ويطبقون غيرها، فقد وقعوا في المقت الإلهي، الذي قال تعالى عنه ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟! * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، ومعلوم في السلوك الديني، أن كل خطيئة لم يتب صاحبها، تسوق الى أخرى، وذلك لأنها تدخل في القلب ظلاماً يحجب ما به من نور، يعين صاحبه على التمييز، واختيار الحق..

    أما الوجه الثاني فهو ضعف الافراد، وعجزهم عن محاسبة أنفسهم، واتباعهم لشهواتهم في السلطة والنفوذ، وتكديس الاموال، وهو نتيجة للخطأ المفاهيمي الأول لأنه يرجع الى تقديم العمل السياسي على المنهج التربوي، كما أوضحنا أعلاه. فالاتجاه الإسلامي حين يدين حكومة الإنقاذ، والمؤتمر الشعبي حين يدينها، هل لديهم بديل عن تطبيق الشريعة ؟! فإن لم يكن، فإن نية الاصلاح وحدها لا تكفي.. وهي قد كانت متوفرة لبعض قادة الإنقاذ في بداية عهدهم، ولكنها لم تجد شيئاً، وذلك لسبب بديهي، وبسيط، هو ان الشريعة الإسلامية، لا يمكن ان تطبق في أمر المعاملات في المجتمع اليوم.. وذلك لاختلاف حاجة وطاقة المجتمع المعاصر، عن مجتمع القرن السابع الميلادي بصورة لا تقبل المقارنة.. وإن أي محاولة لتطبيقها، تسوق الى مفارقتها، وتضطر المحاول للنفاق.

    إن المأزق الذي وقعت فيه الحركة الإسلامية السودانية، مأزق تاريخي، تقع فيه كل الحركات الاسلامية التي تعتمد على الفكر السلفي التقليدي.. وفحواه محاولة تطبيق شريعة القرن السابع الميلادي، على بشرية القرن الواحد وعشرين، مما يؤدي بالضرورة الى الفشل الذريع.. وعندها ينفر الأذكياء من الدين، ويلتوي قادة الحركة الاسلامية لتبرير مفارقتهم، لما ادعوا صلاحه من الشرع الحنيف. ولو كان للحركة الإسلامية السودانية فضيلة، على غيرها من الحركات الاسلامية، فإنها إنكشاف امرها، بوصولها للسلطة، لأن الشعارات التي كانت تجعل للحركة بريقاً، وزخماً، امتحنت في التجربة العملية وسقطت. والآن وضعت حركة الاخوان المسلمين في مصر، في المحك، بوصولها للسلطة، وهي أيضاً ستتخبط، وتفشل، وتسئ الى الشعب، حتى تنكشف له، ويتبرأ منها .. إن الأمر الذي فات على كل الحركات الاسلامية، هو ان كمال الشريعة الإسلامية ليس في ثباتها على صورة واحدة، هي التي طبقت في القرن السابع الميلادي.. وإنما مقدرتها على التطور، ومواكبة العصر، وكونها من الله تعالى، لا يعني ان لا تتطور، لأن الله لم يشرعها لكماله هو، وإنما لنقص مجتمعاتنا، التي هي في حركة دائبة من التطور. إن الشريعة الإسلامية التي كانت حكيمة كل الحكمة، وصالحة تماماً، لمجتمع القرن السابع الميلادي، لم تعد كذلك اليوم، وان المسلمين يحتاجون الى إجتهاد حقيقي يتجاوز الشريعة الى جوهر الإسلام الخالد . فإذا منع الكبر مفكرو الحركة الإسلامية، من قبول فكرة تطوير التشريع الإسلامي، بالانتقال من فروع القرآن التي حوت الشريعة، الى أصوله التي حوت جوهر الدين، التي دعا إليها الاستاذ محمود محمد طه منذ فجر الخمسينات، فليقدموا اجتهاداً معتدلاً، ينأى بهم عن الفهم السلفي المنغلق.. ولينصرفوا عن الحديث عن الدستور الإسلامي، حتى يدركوا المستوى من الاسلام، الذي يمكن لهم تطبيقه اليوم.

    أما القول بأن الاسلام هو الحل، والدستور الاسلامي هو الغاية، والشريعة هي الخلاص، فإنها شعارات، تورد اصحابها المهالك.. ما لم يكن لديهم الفهم، الذي يفصل برنامجاً اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، يكون الاسلام بموجبه الخلاص للبشرية جمعاء. وإذا ظلت الحركة الاسلامية على حالها، وعجزت عن نقد نفسها، ولم تتوفر على إجتهاد جديد، فإن اعضاءها غير معفيين عن المسؤولية، فعلى كل منهم، واجب البحث والإلتزام، لأن المسؤولية في النهاية فردية، قال تعالى ( ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ) صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم.

    د. عمر القراي




                  

10-21-2012, 05:33 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    ورقة موقف حول الحقوق السياسية فى سياق صعود الإسلاميين
    October 18, 2012
    الحاج وراق

    …………………….


    أولا – مقدمة :

    ………………………..

    هذه ورقة تُعرف فى مصطلح الأكاديميين بورقة موقف، وبهذه الصفة لا تتأسس على الإحالات والهوامش، وإنما على تقديري الشخصي لدلالات الأفكار ومترتباتها المنطقية.

    ولأغراض الورقة فإن المقصود بالحقوق السياسية تلك الحقوق التى حددها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمقصود بالإسلاميين المسلمين الذين ينخرطون فى إطار حركات سياسية تهدف للوصول إلى السلطة وإنشاء نظام (إسلامي) ودولة (إسلامية).

    ثانيا -الحقوق السياسية :

    اعتمدت الأمم المتحدة العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى 12 ديسمبر 1966، وبدأ نفاذه فى 23 مارس 1976 وفقا لأحكام المادة 49, وبلغ عدد الدول الموقعة عليه 74 دولة والدول الاطراف 167 دولة .

    ويمكن القول إن العهد الدولي يعبر عن أكثر التعريفات اتفاقا عليها للحقوق المدنية والسياسية، بحسب ما ترى غالبية الإنسانية المعاصرة، أو بمعنى آخر يعبر عن (الحكمة) التى توصلت إليها التجربة الإنسانية.

    ويتكون العهد الدولي من 53 مادة تتضمن طائفة واسعة من الحقوق السياسية والمدنية، ويمكن تلخيص أهم الحقوق فى الآتى :

    - الحق فى الحياة : حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا (المادة 6).

    - لكل فرد الحق فى الحرية وفى الأمان على شخصه، و لايجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته (المادة 9) .

    - حرية الاعتقاد : لكل إنسان حق فى حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته فى أن يدين بدين ما، وحريته فى اعتناق أى دين أو معتقد يختاره (المادة 18).

    - حرية التعبير : لكل إنسان حق فى حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها (المادة 19).

    - حرية تكوين الجمعيات، بما فى ذلك حق إنشاء النقابات (المادة 22).

    - حرية التجمع السلمى (المادة 21).

    - الحق فى الانتخاب (المادة 25).

    - لا يجوز فى الدول التى توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتسبين إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم (المادة 27).

    - تتعهد الدول الأطراف فى هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء فى حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فى هذا العهد (المادة 3).

    - المساواة أمام القانون : الناس جميعا سواء أمام القانون، ويتمتعون دون أى تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته، وفى هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز، وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأى سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب (المادة 26).

    - لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة (المادة 7) .

    - لا يجوز استرقاق أحد ويحظر الرق والاتجار بالرقيق (المادة 8).

    - الحق فى المحاكمة العادلة والمساواة أمام القضاء (المادة 14).

    - الحق فى الخصوصية : لا يجوز تعريض أى شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، أو التدخل فى خصوصياته أو شؤون أسرته أو دينه أو مراسلاته، ومن حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل (المادة 17).

    - تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف (المادة 20).

    ثالثا – المنطلقات الرئيسية للإسلاميين وأثرها على الحقوق السياسية والمدنية :

    (1) الإسلامي شمولي :

    ينطلق الإسلاميون من مقولة مركزية بأن (الإسلام دين ودولة) و(مصحف وسيف)، وتشمل (الأحكام الإسلامية) كل مجالات الحياة القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية …إلخ. ويترتب على هذه المقولة عدة نتائج أهمها :

    - أن النظام (الإسلامى) الذى يسعى إليه الإسلاميون لا يكتفى بمجرد السيطرة على السلطة السياسية، وإنما يستخدم هذه السلطة لإعادة صياغة كل مجالات الحياة الإنسانية، وبهذا فإن النظام (الإسلامى) يسعى إلى السيطرة حتى على (خويصة النفس)، أي على الضمير الشخصى! كما قال أحد أهم مفكري الإسلاميين، مما يعنى أن النظام الإسلامي نظام شمولي يحدد لمواطنيه، ليس فقط حكامهم، وإنما أفضلياتهم الأخلاقية والثقافية والفنية، وبذلك فإنه يرد البشر إلى ما يشبه العجماوات!، فيخالف جوهر الطبيعة الإنسانية وينتهك حرية الاختيار المبدئية، والحق فى الخصوصية.

    ويتناقض مبدأ شمولية الإسلام مع العقل والمنطق ونصوص الإسلام نفسها :

    - يتناقض مع العقل والمنطق لأن (الإسلام) إذا فهم منه نصوص القرآن والسنة، فإن النصوص متناهية، بينما وقائع الحياة غير متناهية، ولذا فلا يمكن أن تشمل النصوص كل مجالات الحياة.

    - هناك نصوص دينية عديدة تتحدث عن (أنتم أعلم بشئون دنياكم)، وعن (الاجتهاد) فيما ليس فيه نص، وعن منطقة (العفو) فى التشريع، أى المجالات التى تركت خلوا من التشريع رحمة بالعباد، فضلا عن أن تلاميذ المدارس يعرفون الشائع من السيرة النبوية عن موقعة بدر، مما يفهم منه بأن هناك مجالات تركت (للرأي) وليس الوحي.

    - ولا يمكن المحاججة لأجل شمولية الإسلام بزعم أن (الاجتهاد) بناء على المبادىء الكلية يمد التشريعات لتشمل كل شىء، ذلك لأن إضافة البشري (الاجتهاد) إلى المقدس (النصوص) لا ينتج إسلاما مقدسا، وإنما رأي بشري لا يصح ترسيمه بوصفه (الإسلام) بألف ولام التعريف !

    - ويؤدي القول بشمولية الإسلام إلى انكفاء حضاري يغلق عالم المسلمين على خصوصية مدعاة، تنأى عن أخذ الحكمة من أي المصادر جاءت، ومع التقدم النسبى لغير المسلمين فى العالم المعاصر، فإن مثل هذا الانكفاء يعنى الإزورار عن أهم المنجزات الإنسانية، بما فيها الحقوق المدنية والسياسية، وقاعدتها الرئيسية الديمقراطية، بما يعنى أن يقوم النظام السياسى على (بيعة) غير محددة الإجراءات وغير محددة الفترة الزمنية، وأن يقوم النظام الاجتماعى على التمييز ضد النساء وضد معتنقي وأصحاب الأديان الأخرى، وتقوم العلاقات الدولية على مفاهيم الولاء والبراء ودار السلم ودار الحرب، وغيرها من المفاهيم التى لم تعد تلائم حقائق الحياة المعاصرة.

    - ويترتب على القول بشمولية الإسلام أن تتم (أسلمة) كل مجالات الحياة، وعلى ما فى ذلك من انتهاك للحريات والخصوصيات فالأخطر أنه يؤدي إلى تقديس الاختيارات البشرية، فيتم تقديس المشاريع السياسية بما يجعلها غير قابلة للفحص والنقد والمساءلة، فيكون الحاكم ظل الله فى الأرض، وتتحول معارضته إلى معصية لله وخروج على مافى الدين بالضرورة !

    وتؤدى (أسلمة) العلوم إلى تقديس مستوى معين من المعارف، باعتبارها معرفة مطلقة ونهائية، مما يغلق عمليا إمكانية التقدم العلمي اللاحق.

    كما تؤدي (أسلمة) الفنون إلى فرض مقاييس شكلانية وبرانية على الفنون تقمع حرية الإبداع.

    وكذلك تؤدي (أسلمة) الحياة الاجتماعية إلى فرض أفضليات جهة ما باعتبارها مقاييس إلهية ونهائية، وهذا خلاف تناقضه مع المشيئة الإلهية، التى أرادت للبشر حرية الاختيار، فإنه كذلك يلوث المجتمعات بالمنافقة والكذب، ويفقر الحياة الإنسانية، ويضرب على المجتمعات نقابا بغيضا من الكآبة.

    ويمكن تعريف الإسلامي بأنه: مسلم وزيادة، بمعنى أنه يتأول الإسلام تأويلا مسرفا متزيدا، تأويلا يجعل الإسلام شموليا منغلقا وانكفائيا، وبذلك ينطبق على الإسلامي القانون العام بأن (الشىء إذا زاد عن حده انقلب ضده)، وينقلب التأويل الإسلامي للإسلام إلى إسلام ضد الإسلام!، لأن الإسلام دين الرحمة ترك مجالا للعقل وللحكمة الإنسانية البشرية،بينما الإسلامي يريد إسلاما (شاملا) يقمع الحريات ويلجم تطور الفكر والعلوم والفنون وينتهك الخصوصية !

    والمسلم حتى حين يتعبد يتوجه إلى الله تعالى خائفا وراجيا القبول، بينما الحزب (الإسلامي) إذ يطرح أراءه الظنية يخوض بها مجالات بطبيعتها ظنية، يلقيها وهو على يقين وثوقي بأنه حامل (الإسلام) بالألف واللام، فكأنه لا يرجو حسابا وقد حل محل الديان!

    وقال ديستوفسكى “إذا كان الله غير موجود فكل شىء مباح”، قاصدا بذلك أن الملحد المتسق مع مبدئه يبيح لنفسه كل شىء، بما فى ذلك القتل! والحزب (الإسلامي) الذى يرى فى نفسه مرجعا للخير وللصواب ويتصرف وكأنه حل محل الله تعالى، فإنه يتصرف عمليا وكأن الله غير موجود! فيجيز فى النهاية كل الوسائل لتحقيق غاياته ( السامية المقدسة )، فيجوّز ما لا يجوز، ويمعن فى استرخاص الحقوق والحرمات .

    (2) الإسلامي “نصوصي” و”حركي” :

    يدعي الإسلامي أنه يريد تطبيق (الإسلام)، أى تطبيق النصوص، ولكن النصوص حمالة أوجه، واختلف المسلمون سابقا وحاليا فى تأويلها باختلاف معارفهم ومصالحهم وأمزجتهم، ولكن الإسلامي يرى فى تأويله التأويل الوحيد الصحيح، وفى حال تسلمه السلطة الكاملة فإنه يشيع فى المجتمع مناخا عاما من الإرهاب الفكري، مناخا يقمع التساؤل والنقد والمساءلة، وبذلك يهدد الصحة العقلية للمجتمع، ويقمع منافسة المشاريع والاختيارات، ويكبح تطور الفكر والعلوم، فضلا عن أنه يجعل معارضته معارضة لله تعالى !

    ولكن الإسلامي ليس “نصوصيا” وحسب، وإنما كذلك (حركي) يستهدف الوصول إلى السلطة، وكثيرا ما يتناقض تأويله لنصوصه مع مقتضيات حركيته، ولكنه فى الغالب الأعم لا يستند إلى ذلك لتطوير منهج متسق ونظامي لمعالجة النصوص، فيكتفي بانتهازية سياسية، تتغافل عن النصوص غير المرغوب بها فى الفترة المحددة، واستخدام ذات النصوص فى فترات أخرى بحسب المصلحة السياسية، وهذا ما يجعل استنارة أى إسلامي استنارة غير مأمونة وقابلة دوما للارتداد.

    وفى ذلك يمكن إيراد أمثلة كحرية الاعتقاد، وحقوق النساء، وحقوق غير المسلمين، والموقف من العنف، فإذا كان الإسلامي أمينا لتأويله السلفى القاضى بالالتزام بالنصوص، بغض النظر عن مقاصدها وسياقها، فليس له سوى (الردة) لحرية الاعتقاد، و(الجزية) أو السيف لغير المسلمين، والتمييز ضد النساء، ولكن إعلان مثل هذه المواقف مكلف سياسيا، ولذلك إما يتم التحايل بإعلان خلاف ما يبطن، أو التغاضي عن النصوص غير المرغوبة فيها سياسيا وكأنها غير موجودة – بلا مناقشة معلنة وبلا منهج محدد، مما يجعل مثل هذا التغاضي غير مبذول لقواعد الإسلامييين أنفسهم، وقابل للتراجع فى أي لحظة !

    (3) الإسلامي مفارق للأزمنة المعاصرة :

    النظام الإسلامي بحسب تصور الإسلاميين نظام قائم على (تقوى) الأفراد، على .. صديقية أبو بكر، وعدل عمر بن الخطاب ، وحلم عثمان بن عفان، وعلم على بن أبى طالب ، رضوان الله عليهم أجمعين، وعلى هذا الأساس فإن مخطط الإسلاميين يرتكز على تربية أشخاص أتقياء يصونون حقوق الخلق بمراعاتهم حقوق الخالق عليهم.

    ولكن (تقوى) الأفراد غير كافية لتأسيس نظام سياسي ملائم وحامل للقيم الإسلامية الأساسية، بدليل التاريخ الإسلامي نفسه ، حيث اقتتل الصحابة رضوان الله عليهم حول الإمامة، رغم تقواهم الشخصية التي لا يتطرق إليها الشك، مما يؤكد الحاجة إلى المؤسسات الكفيلة بفض الخلافات على أساس سلمي ، خصوصا فى العالم المعاصر القائم على المؤسسات بأكثر مما يقوم على الأفراد.

    وفى مثل هذا العالم فإن استلهام عدل عمر رضوان الله عليه ، مثلا، يعنى البحث عن نظام عادل فى المقام الأول، ومؤسسات تؤدى فى دينامياتها وتوازنها وتضابطها إلى تطوير قيمة العدالة، وذلك الكفيل بضمان عدل الأفراد، فإذا لم يكونوا عادلين يتناقضون مع النظام والمؤسسات العادلة، مما يؤدى عاجلا أو آجلا لإزاحتهم لعدم المطابقة. وهكذا فإن بحثا جديا عن نظام ملائم فى الأزمنة المعاصرة لا بد أن يتجاوز الحديث التبسيطى والاختزالى عن شروط (إمامة) الأشخاص، ليبحث فى خصائص النظم السياسية والمؤسسات، وفى ذلك لا يسعف أى كتاب أحكام سلطانية سابق.

    (4) الإسلامي عقابي وليس حقوقيا :

    أهم مايميز النظام (الإسلامي) لدى الإسلاميين (الشريعة الإسلامية)، وهى مفهومة لدى أوسع قطاعاتهم باعتبارها العقوبات الحدية !

    والعقوبات فى حد ذاتها لا تميز إيجابا أى نظام، وإلى ذلك أشار الحديث النبوى: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه…، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.

    وتطبق حاليا عديد من الأنظمة المسماة إسلامية العقوبات الحدية، ولكن ذلك لم يجعلها نظما تضمن كرامة الإنسان وحريته وسعادته وتقدمه، وفى المقابل فإن نظما ديمقراطية علمانية لا تطبق العقوبات الحدية أكثر احتراما للإنسان وأكثر جاذبية للمسلمين أنفسهم، وعلى ذلك يصوت المسلمون بأرجلهم، فيلجأون من الاضطهاد تحت أنظمة بلدانهم الإسلامية إلى بلدان الغرب ذات الأنظمة الديمقراطية العلمانية، وما من عاقل الآن يمكن أن يختار السودان أو إيران أو السعودية بديلا عن سويسرا !

    وإذا كان النظام السياسى نظاما تعاقديا، فإن اختزال واجب الحكام فى تطبيق (العقوبات) قسمة ضيزى تعفي الحكام من مسئولياتهم الأكثر أهمية (سد الجوعة وتوفير الحرفة) . وتشكل العقوبات المعزولة عن إطارها الاقتصادي الاجتماعي الصيغة الأكثر ملاءمة للطغيان وغمط الحقوق، هذا بينما يجعل النظام المرتكز على الحقوق العقوبات استثنائية وعارضة، وفى حال تطبيقها تطبق على أساس المساواة والعدالة والرحمة، وليس مصادفة أن كثيرا من المترفين الآن يرون فى النظام المرتكز على العقوبات والمسمى إسلاميا الصيغة الأكثر نجاعة لحراسة مصالحهم بأغطية المقدس، وعلى كل فإن نظاما يستمد مشروعيته من العقوبات لا يمكن أن يكون جاذبا أو ملهما فى عصر حقوق الإنسان !

    رابعا : الإسلاميون والحقوق – الممارسة كمعيار :

    يمكن اعتبار الحركة الإسلامية السودانية الحركة الأكثر تميزا فى العالم الإسلامي. تطورت فى بيئة متسامحة فلم تتعرض للملاحقة والاضطهاد كمثيلاتها. وكان قادتها الأكثر انفتاحا قياسا بالإسلاميين الآخرين، حيث جمعوا بين الثقافة الإسلامية وبين التخرج فى أفضل الجامعات الغربية. وشاركت الحركة الإسلامية السودانية فى الحكم على فترات، ثم استولت على السلطة بصورة كاملة فى 30 يونيو 1989 لفترة امتدت لأكثر من عشرين عاما، وكانت تجربتها الأسوأ فى تاريخ السودان الحديث.

    انتهت تجربة الإسلاميين السودانيين إلى الفشل، وانتهى نظامها السياسى باعتقال مؤسسها ومفكرها الأساسي الدكتور حسن الترابى !

    وفشلت فى الميدان الذى اختارته (ميدان الأخلاق) – حولت السودان إلي واحدة من أكثر 5 دول فسادا فى العالم، بحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية، والأكثر فسادا فى تاريخ السودان الحديث، كما يشهد كثير من قادة الإسلاميين فى شهادات موثقة.

    ولأن الفساد تحول إلى ظاهرة شاملة، وإلى نظام مؤسسي، فإنه يؤكد بأن الخطأ ليس فى انحراف أشخاص أو فتنة أفراد، وإنما فى الأفكار الفاسدة التي أسست نظاما فاسدا، إزور عن الحكمة الإنسانية، وما طورته من أفكار ومؤسسات ونظم كفيلة بمكافحة الفساد، مثل مراقبة الحكام عبر برلمان منتخب انتخابا حرا ونزيها، واستقلال القضاء، وحرية الإعلام، والنظم الإدارية والمحاسبية الحديثة … إلخ.

    والأخطر أن النظام انتهى إلى الإبادة الجماعية، إلى إنكار حق الحياة لمجموعات سكانية سودانية، إلى القتل بالهوية، وحرق القرى، وإلقاء الأطفال فى النيران المشتعلة، واغتصاب النساء، وغيرها من الانتهاكات الواسعة والجسيمة لحقوق الإنسان، والتي وثقتها تقارير ذات مصداقية، ويوثقها (المعرض الإنساني) المأساوي فى معسكرات النزوح واللجوء التي دفع إليها أكثر من مليوني سوداني، فما الذى دفع كل هؤلاء إلى مغادرة مناطق سكناهم وجذورهم الاجتماعية؟! تزعم دعاية الإنكار أنهم ذهبوا بلا سبب وكأنهم مجانين ! ولكن حين يصاب ملايين الناس بمثل هكذا جنون مدعى، ألا يستدعي مساءلة كامل الثقافة السياسية والمؤسسات والممارسات التى دفعت إليه ؟! إنكار متهافت، والحقيقة أنهم ليسوا مجانين، وإنما واجهوا عنفا مجنونا منفلتا من أى عقال إنساني أو أخلاقي أو ديني.

    وقد قادت إلى الإبادة عدة أسباب، منها الآيدولوجية التى تنكر الحقوق، بما فى ذلك حق الحياة، على معارضي الدولة (الإسلامية)، والآيدولوجية التى تقدس العنف، وترى فيه أداة كونية شاملة لممارسة السياسة، والتى تجوز الوسائل كل الوسائل، فى سبيل الغاية المقدسة السامية، وكذلك التى تشرعن سلطتها على أساس السماء، وليس على مطلوبات الأرض وإنسانها من حقوق وحريات وعدالة وتنمية وخدمات. وإذا كانت السلطة الكاملة للإسلاميين الأكثر انفتاحا (التي تحققت فى السودان) قد أدت إلى الإبادة الجماعية ، فإن أي سلطة كاملة لأي إسلاميين آخرين ستؤدي فى الحد الأدنى إلى إنكار جسيم وفادح للحقوق السياسية والمدنية.

    وإذا أراد الإسلاميون نتيجة مغايرة عن النتيجة المترتبة منطقيا عن طرائق تفكيرهم ومنطلقاتهم الرئيسية ، فالحل أن يتواضعوا كمسلمين ديمقراطيين، يستلهمون القيم الدينية – والاستلهام يختلف عن ادعاء امتلاك حقيقة الإسلام بصورة كاملة ونهائية – ، وأن يأسسوا استلهامهم على قاعدتي (لا إكراه فى الدين) و(أنتم أعلم بشئون دنياكم) ، وعلى الحكمة الإنسانية التى تشكل الديمقراطية تتويجها ، كأفضل النظم السياسية للإنسانية المعاصرة.

    ………………………..

    هل تنجح الدبلوماسية في نزع فتيل أزمة مياه النيل؟
    October 20, 2012
    محجوب محمد صالح

    تتفاعل على الساحة الإفريقية الصراعات بين دول حوض النيل حول اقتسام مياه النهر بصورة تنذر بتوترات جديدة بين الدول المتشاطئة على هذا النهر وفروعه، وهي توترات قد لا تصل إلى مرحلة (حرب المياه) ولكنها قد تخلق صراعات وتكتلات تشكل تحدياً حقيقياً للدبلوماسية الإفريقية.

    لقد ظلت دول الحوض تتعاون منذ عام 1999 في إطار مبادرة حوض النيل المدعومة دولياً إلى أن وصلت مرحلة إعداد (اتفاق إطاري) يؤسس لتلك العلاقة وهنا ظهرت الخلافات وتركزت حول بند واحد من بنود الاتفاقية المقترحة وهو البند (14-ب) الذي ينص على الاقتسام العادل المنصف لموارد النهر بين دول الحوض، وهو نص لم يرضِ طموح وتطلعات كل من مصر والسودان اللتين تعتقدان أن أي اقتسام عادل ومنصف لمياه النهر يجب أن يعترف أولاً بالحقوق والاستخدامات المكتسبة لهما بنص اتفاقية 1929م ومن بعدها اتفاقية 1959 التي تمنح كل مياه النهر التي تدخل السودان (84 مليار متر مكعب) حصرياً لهذين البلدين ولا تسمح لأي دولة أخرى من دول الحوض بحق استغلال مياه النهر في أي مشروع دون الحصول على موافقة مصر والسودان.

    دول الحوض الأخرى ترفض الاعتراف بتلك الاتفاقية الثنائية التي لم تكن هي طرفاً فيها ولكنها تعترف بضرورة أن تأخذ في الاعتبار عند اقتسام مياه النهر حق الاستخدام المكتسب بالنسبة لهاتين الدولتين، غير أن ذلك لا يقنع مصر والسودان وهما تصران على الاعتراف الكامل بتلك الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها بأي حال من الأحوال؛ لأن مشروعات كثيرة قد تأسست على هذا الحق وأي انتقاص من نصيب أي منهما سيلحق بهما ضرراً كبيراً، ولذلك امتنع كل من السودان ومصر عن التوقيع على الاتفاق الإطاري بينما وقعت عليه 6 من دول الحوض وقبلت به الكنغو ولكنها لم توقع بعد، وترى تلك الدول أن تبدأ تنفيذ الاتفاق حال التصديق عليه من برلماناتها خلال الشهور القليلة القادمة، بينما يتمسك كل من مصر والسودان بأن أي قرار في هذا الصدد يجب أن يكون (جماعياً) وليس (بالأغلبية) وأن أي اتفاق لا يحظى بإجماع دول الحوض يفتقد قي نظر مصر والسودان الشرعية ولا يعتبر ملزماً.

    مهما يكن الأمر فأن إثيوبيا لم تنتظر حتى تصديق البرلمانات على الاتفاق الإطاري وشرعت في بناء خزانات على النيل الأزرق دون التشاور مع مصر والسودان اللتين تعتمدان أساساً على مياه النيل الأزرق التي تشكل (%86) من المياه التي تصل السودان ومصر – وعلى الرغم أن النظام المصري السابق كان يتخذ موقفاً متشدداً تجاه هذا الأمر إلا أن مصر ما بعد الثورة تسعى لحل المشكلة في إطار التفاوض الدبلوماسي مع دول الحوض ولهذا السبب التقى هذا الأسبوع في العاصمة الإثيوبية خبراء في شؤون الري من مصر والسودان وإثيوبيا إضافة إلى خبراء دوليين من دول مختلفة لتقييم الآثار المترتبة على إنشاء السدود على النيل الأزرق، وفي مقدمتها سد (النهضة) أو سد الألفية الذي يقام على النيل الأزرق داخل الأراضي الإثيوبية وعلى مقربة من الحدود السودانية وهو سد ضخم يحجز كميات هائلة من المياه لتوليد أكثر من خمسة آلاف ميغاواط من الكهرباء وهو من أكبر مشاريع الطاقة في العالم، ولكن إثيوبيا تجادل أن مشروعها لتوليد الكهرباء لن يهدر أي مياه من النيل لأنه يحجز المياه ثم يستغل مسقطها في التوليد الكهربائي ويطلق المياه لتجري للسودان ومصر دون فاقد، غير أن الخبراء يقدرون أن تلك العملية ستفقد مصر ما يقدر بعشرة مليار متر مكعب من المياه وهي نسبة عالية وهذا هو ما يشغل بال الخبراء المجتمعين الآن في العاصمة الإثيوبية ويثير هواجس وقلق مصر والسودان.

    على أن أمر المياه بالنسبة لمصر أكثر تعقيداً فنصيب مصر الحالي من مياه النيل هو 55 مليار ونصف المليار لكنها حقيقة تستخدم أكثر من نصيبها إذ إن السودان فشل على مدى نصف قرن من استغلال كامل حصته من مياه النيل وظلت أكثر من 6 مليارات منها –ما يساوي ثلث حصة السودان- تجد طريقها إلى مصر وظلت مصر تستغلها طوال هذه الفترة، والآن اقترب السودان من إكمال تعلية خزان الروصيرص مما يمكنه من استغلال حصته بالكامل وهذا يعني أن مصر ستفقد هذا النصيب، إضافة إلى أن مصر كانت تأمل زيادة حصتها من تنفيذ مشروع قناة جونقلي في جنوب السودان الذي نصت اتفاقية 1959 على تنفيذه واقتسام فائض نصيبه بين مصر والسودان، والآن انتقل مشروع جونقلي إلى دولة ثالثة هي دولة جنوب السودان التي لا تعتبر المشروع ضمن أولوياتها بل هي لم تفتح حتى الآن ملف مياه النيل ضمن الملفات العالقة بينها وبين الشمال مما يضعف فرص مصر من الاستفادة من هذا الفائض، وإذا أضفنا لذلك التهديد الذي تشكله المشاريع الإثيوبية على النيل واحتمال تخفيض حصة مصر نتيجة لتنفيذ المشاريع الإثيوبية أدركنا مدى القلق الذي يساور مصر في موضوع مياه النيل وهو الموضوع الأكثر حيوية بالنسبة لها.

    وقد نشرت صحيفة الأهرام في الخامس عشر من هذا الشهر ملخصاً لتقرير نشره مركز دراسات أميركي عن المهددات الأمنية التي يمكن أن تترتب على الصراع حول مياه النيل بين مصر وإثيوبيا وقد تم نشر ملخص التقرير في وقت كانت فيه لجنة الخبراء مجتمعة في العاصمة الإثيوبية بعد أن تفقدت موقع مشروع سد النهضة لتناقش الآثار التي يمكن أن تترتب عليه بالنسبة لمصر والسودان، ويقول التقرير الذي نشرته مجموعة سترتفور للدراسات -ومركزها في مدينة أوستن في ولاية تكساس- إن سد النهضة الإثيوبي سيكتمل بناؤه عام 2017 وهو واحد من أكبر عشرة سدود في العالم ومن المرجح أن يحد من تدفق مياه النيل نحو مصر والسودان، ورغم أن هناك تساؤلات حول قدرة إثيوبيا على توفير التمويل له إلا أن مصر تتخوف من الآثار المترتبة على بناء السد وهي تمارس الآن ضغوطاً على إثيوبيا لتغيير موقفها، ويرى التقرير أن مصر قد تلجأ لخيارات أخرى إذا فشلت مساعيها الدبلوماسية في درء هذا الخطر، ويشير إلى أنه من تلك الخيارات أن تدعم مصر الجماعات المتمردة على الحكومة الإثيوبية بينما تحرص إثيوبيا على بناء السد في إطار استراتيجيتها التي تهدف إلى إنهاء ما تسميه إثيوبيا (الهيمنة المصرية على مياه النيل)، ولا يستبعد التقرير الأميركي (قيام مصر بعمل عسكري إذا اقتضى الأمر) ولكنه يعتبر أن خيار الحرب هو الأقل احتمالاً، وهذا يعني أن السعي سيتواصل إلى حل مشكلات النهر عبر الحوار وعبر النشاط الدبلوماسي المكثف ويبقى السؤال هو هل الدبلوماسية الحوارية قادرة على تجاوز التوترات الحالية؟ في ظننا أن ذلك ممكن في إطار اتفاق أشمل حول التعاون وتقدير ظروف كل بلد وتنوع طرق الاستفادة من مياه النيل ليس في الري وحده بل في الطاقة وفي الثروة السمكية وتقدير حاجات كل بلد من بلدان الحوض تقديراً علمياً منصفاً، فهل يتحقق ذلك؟


    ------------------

    رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية "السابق" علي عثمان طه





    10-21-2012 12:41 AM
    سيف الدولة حمدنالله

    لم يسبق أن طرق سمعي إنعقاد مؤتمر(دولي) لقضاة، يفدون إليه من دول العالم كما يفعل الرؤساء والوزراء، وقد دفعتني هذه الحقيقة للتوقف عند الخبر الذي ورد قبل أيام عن إنعقاد مؤتمر "رؤساء المحاكم العليا العرب" وهو مؤتمر عُقِد بالخرطوم وشاركت فيه "18" دولة بناء على دعوة تقدم بها "فضيلة" / جلال الدين محمد عثمان رئيس القضاء ورئيس المحكمة العليا.
    خاطب الأستاذ/ علي عثمان طه الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر، ومن بين ما جاء في أقواله، ما يكشف عن السبب الحقيقي لتنظيم السودان لمثل هذا المؤتمر وقبوله بتحمل أعبائه في الوقت الذيي تعجز فيه الدولة عن تحمل نفقات عملية ولادة قيصرية لإمرأة فقيرة. قال علي عثمان في مخاطبة المؤتمرين: "ندعوا الأشقاء أن يخرجوا من هذا المؤتمر بشهادة عدل تدحض الاتهامات التي تحاك ضد قضاء السودان المستقل".

    مثل هذا الحديث يحمل إساءة للذين وُجٌه إليهم بأكثر مما يسيئ لقضاء السودان، فمن المهين أن يُطلب من قضاة أجانب القيام "بتقييم" قضاء دولة خارج سلطان عملهم من واقع ما تتبادله الوفود من كلمات وحضورها لولائم الطيبات، دون الوقوف على ما يجري في أرض الواقع من قدرة المحاكم على تطبيق العدالة وإنصاف المظلومين بعيداً عن سيطرة ونفوذ الجهاز التنفيذي، فما "يشهد" بإستقلال القضاء هو قدرته على تطبيق القانون على الكبار قبل العوام، وأن يمتلك المقدرة والشجاعة لإبطال المراسيم والقرارات التي تصدر من رئيس الجمهورية والوزراء والولاة متى كانت مخالفة للقانون أو الدستور، وأن تهابه أجهزة الأمن بحيث لا تستطيع أن تقبض على مواطن واحد دون أمر قضائي وبموجب تهمة جدية.

    هناك قاعدة في القانون تقول "أن الشيئ يتحدث عن نفسه"، فمن يحمل جراباً مليئ بالسمك لا يحتاج أن يُفصِح عمٌا بداخله، فالقضاء المستقِل والمقتدر لا يطلب لنفسه شهادة من أحد مهما علا مقامه، فقد صفٌق كل العالم لقضاء مصر ما بعد الثورة وشهد بإستقلاله من واقع الأحكام التي أصدرها ببطلان القرارات الرئاسية وما قضى به بعدم دستورية قانون الإنتخابات، وحكى القضاء عن إستقلاله بنفسه يوم أجبر مجلس القضاء العالي المصري الرئيس مرسي على التراجع من قراره بعزل النائب العام (النائب العام في مصر وظيفة قضائية وليس وزيراً ضمن طاقم الحكومة كشأن السودان) الذي كان قد قصد منه – العزل -إرضاء المتجمهرين بميدان التحرير.

    إن مثل هذا الطلب يصدق عليه ما يترجمه المعنى في القول الماثور "كاد المريب أن يقول خذوني" ، ذلك أن الذي يحكي عن غياب العدل هو وتفشي الظلم، ونحن دولة كلها مظاليم الذين فقدوا كل شيئ، بينهم قلٌة من "المحاظيظ" إستأثروا بكل شيئ، فأين وسوف يشهد الشعب بإستقلال القضاء ويتولى الدفاع عنه بنفسه، يوم يستطيع أن يرد إلى الشعب حقوقه من أيدي الذين إغتصبوها وسرقوا أمواله وعبثوا بكيانه، يوم يتمكن القضاء من القصاص للأنفس البشرية التي هلكت بايدي القتلة، والأجساد التي أُغتصبت والأرزاق التي قُطعت والوطن الذي تمزٌق، فأي عدل الذي يمكن أن "يشهد" به الأغراب في وطن تغرٌب أهله بين جدرانه !!

    الواقع أن حكاية رئيس القضاء مع المؤتمرات القضائية ليس لها تاريخ طويل، فقد بدأت – 2005 - بسفر رئيس القضاء الحالي للعاصمة السويسرية "جنيف" لحضور مؤتمر حول "الملكية الفكرية"، وذلك بدعوة تقدمت بها إليه شخصية مرموقة كانت تعمل في وظيفة مدير مكتب الملكية الفكرية التابع للأمم المتحدة، وقد جاءت تلك الدعوة على خلفية التعارف الذي جرى بين الفريقين بمناسبة نزاع دخل فيه المسئول الأممي مع رجل أعمال حول عقد بيع مزرعة بمنطقة الجريف غرب، قد يأتي اليوم الذي نكشف فيه عن تفاصيلها.

    ومثل هذه الزيارة التي يقوم بها قاضي للأحوال الشخصية "شرعي" إلى سويسرا وهو يرتدي "الجبٌة" و "القفطان"، لحضور مؤتمر حول "الملكية الفكرية" وليس في جعبته من حصيلة علوم القانون سوى ما يعرفه في مسائل النكاح والطلاق ..الخ ، يُقال لمثل هذه الزيارة - في لغة السينما - :"الفانتازيا"، وهي نوع من الهزل الفكاهي الممزوج بالخيال، أنتجت من نوعه السينما المصرية أفلام مثل "عماشة في الأدغال" و "رجب في ألمانيا".

    ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المؤتمرات القضائية التي كان آخرها المؤتمر الذي إنعقد بالخرطوم خلال الأيام الفائتة، ولا يكاد يمضي شهر دون أن يتوجه وفد قضائي إلى بلد من البلدان "للوقوف" على تجربته القضائية، وفود تتوجه إلى تركيا وأخرى إلى المغرب والهند وباكستان وإيران ومصر والأردن ...الخ، والحقيقة أن وراء هذه البدع القضائية قصة لا بد أن تروى لتقف أجيالنا القادمة على مقدار ما أصاب الوطن من وراء هذه العصبة التالفة من دمار.

    وعوداً على بدء، فقد يفهم المرء حدوث كل ذلك (إنصراف القضاء لعقد المؤتمرات الدولية وتبادل الزيارات) فتلك أيدي لا تُقيم وزناً لإستقلال القضاء، والحري لا تعرف له معنى، بيد أنه كان ينبغي على شخص مثل الأستاذ/ علي عثمان عمل بالقضاء في عهده الذهبي، يوم أن كان للقضاء هيبة وكلمة، مثل هيبة القاضي عبدالمجيد إمام الذي إستجابت له كل شرطة السودان يوم أن أصدر أمره الشفهي لهم – في ظل حكم عسكري - بالإنصراف وعدم التعرض للمتظاهرين – ثورة أكتوبر- ليتم تنفيذ الأمر دون تردد، لا يمكن لمن شهد مثل هذا القضاء أن يقف اليوم ليبحث عن "شهادة حسن أداء" من بلدان تشكو معظم شعوبها من عجز قضائها بمثلما نفعل، بل لربما، أكثر مما نفعل.

    سيف الدولة حمدناالله
    [email protected]



    - -
                  

10-22-2012, 11:01 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    الترابي في الثمانين: من إكتوبر إلى يونيو:

    إفلاس الرؤية وبؤس السيرة ..

    بقلم: محمد محمود
    السبت, 20 تشرين1/أكتوير 2012 16:55


    [1]
    أكمل الدكتور حسن الترابي ، الزعيم الإسلامي ، عامه الثمانين هذا العام . وإن قلنا إن شخصا ما في أي مكان في عالمنا اليوم قد أكمل عامه الكذا فإن مثل هذه الجملة لا تثير في الغالب مشكلة ، إلا أنها ربما تثير مشكلة في حالة الترابي . فالترابي عندما سئل مرة عن تاريخ ميلاده وهو ماثل أمام محكمة فإنه أعطى تاريخ ميلاده بالهجري . ولاشك أن الترابي ، وهو رجل القانون من ناحية ورجل الحركة الإسلامية من ناحية ، قد فكّر في الأمر قبل إعطاء إجابته . لا شك أنه رأى أن صياغة إجابته بتلك الصيغة ينسجم أكثر مع مشروعه الإسلامي الذي يهدف في نهاية الأمر لإخضاع حياة الناس بكل تفاصيلها لأحكام الإسلام وتعاليمه وتقاليده ورموزه وصبغ كل مظاهر سلوكهم به . وهكذا وعندما نقول في حالة الترابي إنه أكمل عامه الثمانين فلابد أن ننتبه أن ذلك بحساب التاريخ الميلادي ، أما إن استخدمنا الحساب الذي تبناه الترابي يوما من الأيام عندما وقف أمام تلك المحكمة فإنه يكون في واقع الأمر قد أكمل هذا العام عامه الثالث والثمانين . وأعياد الميلاد عندما تصادف العقود عادةً ما تكتسب وزنا خاصا وعادة ما تكون فرصة للتوقف ومراجعة النفس . لا أعلم إن توقّف الترابي هذا العام أو قبل ثلاثة أعوام ليراجع نفسه ويراجع ما أنجز في حياته الطويلة وربما ليفكّر في يوم فراقه للعالم وفي إرثه وصورته في كتب التاريخ السوداني في المستقبل (والانشغال بالإرث أمر طبيعي في حالة السياسيين القادة) . ربما فعل ذلك وربما لم يفعل ، ولكن دعنا نقوم بتلك المراجعة لإنجاز الرجل ونلخّص إرثه .

    إن المفارقة الكبرى في سيرة الترابي أن النقطة العليا في رسمها البياني هو بدايتها ، إذ أن خطه البياني يبدأ عند نقطة عالية هي لحظة مشاركته الشجاعة والبارزة مع باقي القوى السياسية والنقابية في إلهاب ثورة إكتوبر 1964 من موقعه في كلية القانون بجامعة الخرطوم . وبعد ذلك يبدأ الخط البياني في الانحدار انحدارا متواصلا فيصل في فترة الديمقراطية الثانية (1964-1969) دركه الأسفل عبر دوره (ودور حركته جبهة الميثاق الإسلامي) في توجيه أكبر طعنة للديمقراطية عندما اتخذت الجمعية التأسيسية قرارها بحلّ الحزب الشيوعي في ديسمبر 1965 . وعقب انقلاب جعفر نميري اليساري في بداياته في مايو 1969 واعتقال الترابي فإن انحدار خطه البياني يتوقف ليمتد امتدادا أفقيا إلى يوليو 1977 عندما وجّه نميري سفينة نظامه لليمين ودخل في مصالحة مع أحزاب اليمين ، وأصبح الترابي (وحركته) عنصرا فاعلا في نظامه إلى أن انقلب نميري على الإسلاميين قبيل سقوطه عندما اتضح له تآمرهم لإزاحته عن السلطة بانقلاب عسكري . ويتواصل انحدار الخط البياني للترابي (وحركته الجبهة الإسلامية القومية) في فترة الديمقراطية الثالثة (1985-1989) التي لعب الإسلاميون فيها دورا أساسيا في تأجيج نار الحرب الأهلية وإلهاب هوس الشريعة . وانتهت هذه الفترة بتنفيذ الترابي (وحركته) لانقلابه المؤجل منذ أخريات فترة نميري ووأده للنظام الديمقراطي الذي أتاح لحركته فرصة المشاركة في الحكومة وأتاح للإسلاميين كامل الفرص والحريات الدستورية التي لم تستمتع بها أية حركة إسلامية في أغلب بلاد باقي الشرق الأوسط حينها . ومنذ انقلاب يونيو 1989 فإن انحدار الخط البياني للترابي (وحركته) تواصل تواصلا متسارعا ليبلغ بالسودان وضعه المأساوي الحالي .

    [2]
    وحتى نفهم سر انحدار الترابي المتواصل وسر سقوطه فلابد أن نضع في اعتبارنا أن الترابي إسلامي بالدرجة الأولي ورجل قانون بالدرجة الثانية . وهذا شيء طبيعي في حالة كل إسلامي إذ أن الإيديلوجية تؤكد كل الوقت أن "الإسلام يقود الحياة" ، وبذا يكون الاعتبار الإسلامي هو الاعتبار الحاكم الذي يعلو على كل الاعتبارات . صحيح أن دواعي التكتيك ربما تستدعي تنازلات وتراجعات هنا وهناك (لحظات "حديبية" ربما يصفها من هم بمزاج عمر بن الخطاب بأنها لحظات إعطاء "الدنية" في "الدين") ولكن لابد للهدف الاستراتيجي أن يكون منتصبا باستمرار وألا يغيب عن النظر . إن اللحظة العليا في خط بيان الترابي ، لحظة إكتوبر 1964 ، لم تكن لحظة إسلامية وإنما كانت لحظة رجل القانون الذي انحاز لمبدأ الدستور ومثاله الأعلى وهو مبدأ الحرية . أما باقي خطه البياني فهو خط إسلامي فارق فيه الترابي ذاته القانونية وأصبح غارقا في التآمر على القيم الدستورية حتى وأدها بانقلابه في يوليو 1989 .

    ولقد مثّل انقلاب يوليو 1989 على المستوى الشخصي للترابي ما يمكن أن نصفه باللحظة العليا لانقلابه على ذاته القانونية إذ أنها كانت اللحظة التي تنكّر فيها للمثال الأعلى للفكرة الدستورية وهو مبدأ الحرية . تنكّر الترابي لمبدأ الحرية السياسية ووأده بانقلابه عندما حَجَر حريات كل السودانيين السياسية ، وتنكّر لمبدأ الحرية الفكرية والدينية عندما أحيا قمع الشريعة للآخر وبعث الردّة وعقوبتها من سباتها التاريخي ليصبح الحق الإنساني والطبيعي في تغيير الإنسان لدينه أو رفضه للدين جريمة تسلبه حياته . وكان من الطبيعي في ظل النظام السياسي والإيديلوجي للترابي وحركته ، أو ما أطلق عليه اسم "المشروع الحضاري" ، أن تتمدّد أشكال القهر لكل مناحي حياة السودانيين ، وأن يذيق الترابي وحركته السودانيين ألوانا من الإذلال والعذاب لم تنقضِ حتى الآن ، تفرّغوا لتأسيسها وتجويد وسائلها ولسان حالهم يقول "يعذبهم الله بأيديكم" .

    وإن كان انقلاب الترابي على الديمقراطية هو جريمته وجريمة حركته الإسلامية الكبرى فإن هذه الجريمة ما لبثث أن أضحت الجريمة الأم التي وَلَدَت جرائم أخرى لا تقل عنها خطرا . حوّل الترابي بمنطقه الإسلامي طبيعة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب لحرب جهاد إسلامي ، ودفع نظامُه ولأول مرة في تاريخ الحرب الأهلية بعشرات الآلاف من المواطنين المدنيين لساحات سفك الدماء والإبادة التي أطلق عليها النظام اسم "ساحات الفداء" . ووصل بؤس الحركة الإسلامية وتغييبها للوعي درجة حديث أجهزة إعلامها عن اشتراك الملائكة في حربها الإبادية ضد الجنوبيين ودرجة عقد الحفلات احتفالا بأعراس موتى النظام وزفافهم للحور العين . وفقد الجنوبي كمواطن غير مسلم حقه في الحياة الكريمة والمعاملة المتساوية في وطنه وأصبح موضوعا لبطش يد الجهاد التي لا تنفك عن القتل والتشريد . نجح الترابي نجاحا محزنا في أن يملأ عقول الكثيرين وقلوبهم بما امتلأ به عقله وقلبه من رغبة في الإقصاء والتحكّم والبطش بالخصوم وإذلالهم وتصفيتهم إن لزم الأمر .

    وإن أصبح المواطن الجنوبي في ظل نظام الترابي موضوعا لشريعة الجهاد وسيفه فإن سائر المواطنين أصبحوا موضوعا لسوط الشريعة ، إذ أن رؤية الترابي التي تداخلت فيها إسلاميته وتدريبه القانوني أثمرت القانون الجنائي لسنة 1991 . وفي واقع الأمر فإن هذا القانون هو أهم وثيقة للترابي وحركته إذ أنه يجسّد الطموحات العليا للحركة عندما تتحدث عن "تحكيم شرع الله" . وهكذا يشمل القانون بالإضافة للعقوبات الموروثة من القوانين غير الدينية السابقة عقوبات الشريعة المألوفة من رجم وإعدام وصلب وقطع للأيدي والأرجل وجلد . وهي عقوبات ، كما نرى ، تبعث عقوبات القرن السابع في الجزيرة العربية وتتصادم مع الفطرة السليمة وحس الإنصاف والتوازن بين الجريمة والعقوبة (وهو تصادم أحس به الناس حتى في القرن السابع والقرون التي تلته) وتنتهك إجماع الحكمة التشريعية لعصرنا التي لخصتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 المتعلقة بمناهضة التعذيب والعقوبات القاسية أو اللإنسانية أو المهينة . إن ما احتواه القانون الجنائي للترابي ، رجل القانون المشبع بهويته الإسلامية ، يعكس عمق الهوة التي تفصل بينه وبين القيم والمثل التشريعية العليا التي يكافح القانونيون ذوو الضمائر من أجل إرسائها في عالمنا اليوم .

    رغم أن حركة الإخوان المسلمين كان لها تيارها اليساري الذي انفتح على قيم الفكر الاشتراكي وظهر ذلك في كتابات عديدة مثل كتاب (اشتراكية الإسلام) لمصطفي السباعي مؤسس الحركة في سوريا وكتابات سيد قطب مثل (العدالة الاجتماعية في الإسلام) و (معركة الإسلام والرأسمالية) ، إلا أن الموقف اليميني المنحاز للملكية الخاصة وعلاقات الانتاج الرأسمالية ظلّ هو الموقف السائد وسط الإخوان المسلمين . ورغم أن التيار الكبير للحركة الإسلامية في السودان برزت فيه اتجاهات يسارية ربطت الإسلام بالاشتراكية كما هو في حالة الحزب الاشتراكي الإسلامي وحالة حركة محمود محمد طه ، إلا أن حركة الإخوان المسلمين السودانية ظلّت في الغالب حركة يمينية معادية لفكرة الإشتراكية أو مطمح العدل الاجتماعي . ولقد لعب الترابي دورا أساسيا في تكريس هذا الاتجاه إذ كان حريصا كل الوقت على وضع حركته في المسار المعاكس لليسار وخاصة الشيوعيين . وبعد مصالحته لنميري ودخوله أروقة الحكم دفع الترابي بحركته دفعا حثيثا في اتجاه التحالف مع رأس المال الإسلامي الذي أصبحت حركته حركة عالمية مرتبطة برأس المال العالمي . ولقد كان نمو هذه النزعة وتسارعها عاملا أساسيا من عوامل حرص الترابي على الانقلاب على الديمقراطية والاستئثار بالسلطة بأسرع فرصة ممكنة إذ أن ذلك سيضع كل إمكانيات السودان وثرواته في يده ويد حركته . وهكذا وفي ظل نظام الإسلاميين شهد السودان تحولا تاما في طبيعة الدولة السودانية إذ أصبحت خادمة لمصالحهم الاستثمارية وحارسة لها بالتشريع والسلاح . وممارسة الترابي وحركته انحازت في نهاية المطاف لما يمكن وصفه بالرأسمالية المنفلتة (rampant capitalism) التي تتميّزفي حالة السودان بتفكيك القطاع العام وإطلاق يد الخصخصة وإخضاع مجموع العمليات الاقتصادية لاعتبارات توليد الربح السريع والآني من غير اعتبار للنتائج والعواقب الاجتماعية والاقتصادية بعيدة المدى . ولأن الحس الاجتماعي للترابي وحركته ضعيف ولان قيم العدل الاجتماعي غائبة عن أفقهم فقد كان من الطبيعي لسياساتهم أن تفقر الغالبية الساحقة من السودانيين وأن توصل اقتصاد البلاد لطريق مسدود .

    [3]
    ورغم أن الغالبية الساحقة من السودانيين خسرت في ظل "المشروع الحضاري" للترابي وحركته ، إلا أن أكثر من خسروا وتضرروا هن النساء . خسرت المرأة خسارة كبيرة وفادحة لأن برنامج الإسلاميين يعاملها كمواطن من الدرجة الثانية . صحيح أن المرأة السودانية لم تخسر حقها في الانتخاب والترشيح (كما هو حادث في بلد مثل السعودية) ولم تخسر حقها في نيل التعليم (كما حدث في أفغانستان تحت حكم طالبان) وذلك لأن هذه الحقوق أضحت متجذّرة في السودان وما كان من الممكن للإسلاميين أن يجرأوا على مسّها ، إلا أن الإسلاميين وضعوا الأساس القانوني الذي يعرقل المسيرة المستقبلية للمرأة ويسدّ الطريق في وجه استكمال انعتاقها من ربقة التمييز . إن أبرز سمتين تسمان برنامج الإسلاميين أو "مشروعهم الحضاري" هما تطبيق الحدود من ناحية وتطبيق أحكام النساء من الناحية الأخرى . وأحكام النساء كما هو معلوم تنطلق من قاعدة أن المرأة "ناقصة عقل ودين" . وهكذا يقع التمييز ضدها على مستويات عديدة من أبرزها مستوى أهليتها لتولي منصب ما أطلق عليه العلماء "الإمامة الكبرى" ، وبذا فإن المرأة لا تستطيع أن تصبح رئيسة للدولة ، ومستوى قوانين الأحوال الشخصية، ومستوى الشهادة أمام المحاكم ، ومستوى الميراث . صحيح أن النظام عيّن وزيرات من باب التكتيك والمسايرة لتقاليد العصر ، ولكن ذلك لا يغيّر وضع الدونية النوعية في ظل أحكام الشريعة المفروضة إذ أن جنس الوزيرة كامرأة هو الذي يحدّد وضعيتها القانونية ويجعلها مواطنة من الدرجة الثانية رغم منصبها الوزاري . لقد ناضلت النساء السودانيات طويلا ضد كل أشكال التمييز ، ورغم التشوهات التي أفرزتها هيمنة الإسلاميين فإن نضال النساء في السودان لم يتوقف ومن المؤكد أنه سيتواصل إلى أن ينلن كامل حقوقهن . ومن الامثلة التي تبعث على التفاؤل وتستحقّ الإشادة ذلك الموقف الشجاع والجريء للصحفية لبنى حسين عندما واجهت تسلّط النظام في يوليو 2009 في قضية البنطلون الشهيرة وأجبرت الإسلاميين على التراجع مُعَرِّيَةً تهافت مشروعهم وعجز أدوات قمعهم .

    [4]
    ورغم أن الترابي يقف اليوم في المعارضة بعد أن أثبت حواريوه حسن تفقههم بفقههه فانقلبوا عليه وانفردوا بالسلطة ، إلا أن ذلك يجب ألا يذهلنا عن حقيقة ما فعل الرجل وعن مسئوليته مهما علا صوته بالمعارضة . يجب أن نرفض ونقاوم كل محاولات الترابي لـ "تطبيع" نفسه وإعادة صناعة دوره السياسي وكأنه جزء من نضال السودانيين من أجل استعادة الحرية والديمقراطية التي سلبهم إياها . إن الترابي هو المسئول الأول عن انقلاب يوليو 1989 وهو بهذه الصفة لا يستطيع أن يتحلّل من المسئولية القانونية والأخلاقية لجرائم النظام . صحيح أن العميد عمر البشير هو الوجه العسكري والتنفيذي للنظام وأنه مجرم حرب، إلا أن الترابي مشارك من الدرجة الأولى في جرم البشير ويجب أن يقف معه في نفس قفص الاتهام ، إذ أن انقلابه على الديمقراطية هو الذي مكّن العميد البشير وجعل كل جرائم النظام منذ لحظة الانقلاب إلى أن يسقط ممكنة .

    وإرث الترابي يراه السودانيون اليوم في كل ما يحيط بهم ، من انكماش في مساحة وطنهم لأن الجنوبيين قرروا بالإجماع الانفصال عنهم والاستقلال بوطنهم ، ومن حرب مستمرة في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لا تزال تذهب بحياة السودانيين وتشردهم ، ومن فقر مدقع يهصرهم هصرا ، ومن تردٍ في تعليمهم وخدماتهم الصحية ، ومن قوانين وأجهزة أمنية مدججة بالسلاح تدوس يوميا على كرامتهم وتنحطّ بإنسانيتهم .

    لقد رفض الترابي أن يعتذر للشعب السوداني عن مسئوليته في الانقلاب على الديمقراطية وعما ترتّب عن انقلابه . وهو كقانوني يعلم أنه حتى لو اعتذر فإن ذلك لن يغيّر واقع الحال ولن يبرّئَه من جرائمه . وكما هو الحال في حالة العميد البشير فإن السودانيين لا يستطيعون الآن إلقاء القبض على الترابي ومحاكمته . إن قصارى ما يستطيعون أن يفعلوه هو أن يعقدوا للترابي وللبشير ولأركان نظامهما محكمة غيابية شبيهة بمحكمة الفيلسوف البريطاني برتراند رسل عام 1966 التي عقدها لمحاكمة أمريكا على جرائم حربها في فيتنام . هذا هو قصارى ما يستطيعون فعله الآن إلى أن تتغير الموازين وتتاح لهم الفرصة لمحاكمتهما ومحاكمة أعوانهما محاكمة حقيقية . ولكن وحتى إن لم يتحقق ذلك فمن الضروري أن يعمل السودانيون على أن يملك التاريخ كل الحقائق لإدانتهما وإدانة نظامهما . إن مثل هذه الإدانة على ما ظل الإسلاميون يقترفونه من انتهاكات وجرائم أمر في غاية الأهمية والحيوية إن أردنا لأبنائنا وبناتنا في المستقبل أن ينشأوا في واقع معافى تسوده قيم الحرية والعدالة واحترام كرامة الإنسان وحقوقه .

    محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدرسة الآداب والعلوم بجامعة تفتز (Tufts) ببوستون .

                  

10-23-2012, 05:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    29d14a37-ed1a-aa1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    b
    سم الله الرحمن الرحيم
    مدونة على شاهد قبر محمد إبراهيم نقد
    بقلم: الإمام الصادق المهدي
    21 اكتوبر 2012م

    قال نبي الرحمة (ص): "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ" وظيفة هذه المقولة أن نجعل من محاسنهم بوصلة تربوية للأحياء، وأن نترك الحساب الكلي للعالم بالسرائر، القائل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
    الإسلام دين الإنسانية، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) تكريم لكل البشرية.
    وقف النبي (ص) لجَنَازَةٌ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟، إذا رأيتم الجنازة فقفوا.
    وديننا يثمن مكارم الأخلاق من حيث هي، لذلك ألزم النبي (ص) نفسه بحلف الفضول المبرم قبل الإسلام وقال: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ".
    وثمن مكارم الأخلاق حتى المعروفة قبل الرسالة، وقال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".
    وديننا يعلي شأن العدل من حيث هو، لذلك قال ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة على الظالمة وإن كانت مؤمنة.
    وبعد ذكر لأهل الكتاب جاء في القرآن: (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).
    بعد هذه المقدمة وعلى ضوء ما أعرف من سيرة الأستاذ الراحل أسدد دينا له:
    فإن وفاء الحر للحر ذمة وإن ذهبت في المجد شتى مذاهبه
    أقول بأنه:
    المناضل في سبيل الوطنية والعدالة الاجتماعية الذي لا كل ولا مل ولا تزحزح ناشطاً من الركاب للتراب.
    الاشتراكي الذي لم يمنعه التزامه بالانفتاح على الآخر بلا تعصب.
    الحداثي الذي لم يمنعه التمسك بالتحديث من إدراك محمولات التراث الروحي والثقافي والوطني لمجتمعه.
    الحزبي المدرك لحدود الحزبية وأهمية التوجه القومي لبناء الوطن.
    المثقف المبرأ من استعلاء كثير من المثقفين، حتى كأن رتبهم العلمية صيرتهم اكليروسا تجب له السمع والطاعة.
    المتواضع، الذي لا تدل بساطة سلوكه ومظهره على نفاسة مخبره.
    المحاور الذي مهما اختلفت معه وجادلته لن تخسر وده.
    المتفرغ للعمل العام بفدائية ولكن لم يجففه تيبس بعض المتفرغين.
    لي مع الراحل مواقف كثيرة أذكر مهما:
    قبل حل حزبهم بواسطة الجمعية التأسيسية اجتمعنا بهم: الأمير نقد الله بصفته وزير الداخلية وأنا، في دارهم وقلنا لهم إنها موجة استقطبت أغلبية النواب من كل الأحزاب ولم يبق لمعارضيها كلمة ويستحسن الانحناء للعاصفة تجنبا للصدام، وكان هو من القائلين بالتجاوب.
    وفي سجن كوبر صلى معنا الأعياد، وصام رمضان، وشارك في كل الأنشطة بلا انتقاء.
    وبعد سقوط حائط برلين طلبت اجتماعا معه ومع زملائه وناشدتهم مراجعة الموقف من الدين والديمقراطية كمنهج للتقدمية السودانية يتجاوز التجربة السوفيتية، وفي وقتها لم يقبلوا مقولتي، وقلت لهم لأهمية الأمر أسلمكم رأيي مكتوبا وردوا علي كذلك، وقد كان. وبعد عامين التقينا بعد ما حدث من تطورات وبكل شجاعة أدبية اعتذر عن سلبية الموقف من مناشدتي.
    عندما زار المرحوم دارفور التقاني وقدم تنويرا عن رؤيته عن الوضع في دارفور واتفقت معه أن يقدم تنوير زيارته لقيادات وكوادر حزب الأمة في داره وقدم تنويرا وفيه ملاحظته: أن كثير مما يدور في دارفور هو فوران على السطح ولكن القواعد ما زالت تدين بالولاء لحزب الأمة وكيان الأنصار. وهذا من الخصال الحميدة التي زينت شخصية نقد أن يكون رئيس حزب ويقوم بتنوير كوادر حزب آخر في داره ويقدم شهادة لصالح حزب الأمة وهو رئيس حزب سياسي آخر.
    أقول ونحن في هذه الساحة: إن بلادنا بعد ربع قرن من التخبط والصدام تواجه الآن استقطابات حادة: بين فقه الإفراط وعلمانية التفريط، وإثنية عربية أفريقانية، واجتماعية بين جزيرة من الأغنياء ومحيط من الفقراء، هذه الاستقطابات الحادة تؤججها عوامل داخلية وروافع خارجية إذا لم نحقق تغييرا يتجاوزها لبناء الوطن وفق هندسة قومية جديدة سوف تدمر الوطن.
    هندسة كان فقيدنا مؤهلا فكرا ومزاجا للمشاركة فيها بعقله وقلبه، ولكن المعاني التي جسدها سوف تكون حاضرة رغم غيابه على حد تعبير شكسبير: إن البعد يمنح المشهد سحرا.


    أرجو لحزبه وقيادته أن يمضوا في ذات الطريق الذي انتهجه في حياته.
    العالم كله يتجه لنبذ الفكر الإقصائي، ويتحلق حول آفاق توافقية، فالفكر الصحوي الإسلامي يصالح الأصل بالعصر، ولاهوت التحرير يصالح الاعتقاد المسيحي بحركة العدل الاجتماعي، ومنظومة حقوق الإنسان صارت ثوبا يغطي الإنسانية كلها بمواثيقه ومعاهداته، وأدوات المساءلة الدولية: محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، عوامل توحيد للقيم والمبادئ الإنسانية.


    كان الفقيد أيقونة في محراب سودان الحرية، والعدل، والتنمية، والسلام، ونشهد له في هذا المجال خيرا، ونسأل له الرحمة، ولأهله وزملائه حسن العزاء: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). لقد كان خيرا حسن الأخلاق، وما خالف به الإحسان فأمره للرحيم الرحمن القائل في الحديث القدسي: "إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"، ما جيره البصيري مادح نبي الرحمة:
    لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ


    -------------------

    الترابي: عندما تنكسر عصا المايسترو .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
    الإثنين, 22 تشرين1/أكتوير 2012 08:04
    غرباً باتجاه الشرق[email protected]




    (1)
    من أرقى وأعظم الفضائل التي تجتمع عليهما الثقافتان الإفريقية والعربية توقير - بل وتقديس - كبار السن، واحترام تجاربهم الخصيبة الممتدة في الحياة وإحلالهم محل القيادة والزعامة الحسيّة والمعنوية. تجد هؤلاء دوماً بين قبائلهم وعشائرهم ومجتمعاتهم مكان القلب والرئتين، فهم أولو الأحلام والنُهى وعند مضاربهم فصل الخطاب. السن المتقدمة في الثقافات الأصيلة صنوٌ للحكمة، ومستودع للعقل الراجح والفؤاد الذكي والقيَم المثمرة. وقد روى الطبراني عن أبي أمامة عن رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم: (ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة، وذو العلم، وإمامٌ مقسط). وفي الحكمة الشعبية على امتداد وادي النيل (اللي ما عندوش كبير، يشتريلو كبير)!
    (2)
    وكنت قد استُغضبت – قبل عامين أو نحو ذلك – فأخذتُ بناصية بعض السفهاء من أدعياء النضال، حين أخذوا يشغُبون في مساطب الشبكة الدولية على الإمام الصادق المهدي، وقد اتَّخذوا من بلوغه السبعين وتجاوزها مادةً للسخرية، ودعوا الإمام للتقاعد السياسي تحت طائلة كبر السن. فكتبتُ في شأن أصحاب التفكير الرغائبي هؤلاء ممن انتهى بهم العجز وقلة الحيلة الى تمني زوال اللاعبين السياسيين ذوي الفكر المغاير وانحسار ظلهم عن الساحة بيد عامل السن حتى تخلو لهم فيَبيضُون ويصفرون (خلا لكِ الجو فبيضي واصفري / ونقّري ما شئت أن تنقري). وفي الأثر عن إمام المتقين علي بن أبي طالب: "إياكم والأماني فإنها مركب الحمقى".
    كتبت يومئذٍ: (من صور تعسف الأسباب واصطناعها للافتئات على المهدي الحديث المكرور عن سنِّه المتقدمة وطول بقائه على رأس حزبه العتيد، وهو ادّعاء لا صلة له في واقع الأمر بطول العمر وتقدمه، وإن اتَّخذ منه بعض قِصار الفعال مطيةً وذريعة لزحزحة الرجل عن موقعه بغرض تسريع أجندةٍ سياسية بديلة تقاصرت عنها قدراتهم. ومن عجب أن الثقافة الاجتماعية السودانية في صميمها تجعل من المجاهرة بمثل هذا الادِّعاء العبثي سلوكاً معيباً، إذ إنها تعظِّم ارتفاع السن وتجعله مناطاً للتبجيل والاحترام والمفاخرة، لا التبخيس والازدراء والمعايرة).
    وعندي أن التوسل الى إزاحة الخصوم قسراً، وإجلائهم عن مسارح العمل الوطني جبراً، بتوظيف سلاح السن، مظهرٌ مستقبح من مظاهر ضعف الفحولة السياسية والافتقار الى الشرف الفكري، يعكس في جوهره عواراً بنيوياً وخواراً أخلاقياً يستغرق هذا الصنف من أدعياء النضال استغراقاً كاملاً، ويفضح إفلاس هؤلاء واستخذائهم أمام مشقّات المدافعة السياسية الحقيقية، التي تستلزم الهمم العالية والمثابرة ذات الكلفة، وهي استحقاقات لا مناص من الوفاء بها لمن أراد تغيير الواقع وتبديل ركائزه ودينامياته.
    والذين عاشوا بين ظهراني الفرنجة ردحاً طويلاً من الزمان، مثل كاتب هذه الكلمات، يعرفون لزوماً أن ارتفاع السن في البيئات المتقدمة لا يعني شيئاً في حد ذاته، فالعبرة عند الغربيين بنمط الحياة اليومية وممارساتها المعتادة، فالذين يتبعون نمطاً معيناً من الحياة ويستهلكون الأغذية الصحيحة وينتظمون في أنشطةٍ حيويةٍ محددة ثبت علمياً أنها تعزّزُ وتستديم الصحة الجسدية والعقلية، هم أكثر الناس أهليةً للعطاء المستطرد، بصرف النظر عن عدد سنوات العمر. بينما تجد منهم من لم يبلغ الخمسين وما عاد يصلح لشيء بسبب من سوء اختياراته الحياتية، ولكن على من تُلقي مزاميرك يا داؤد؟!
    (3)
    لذلك كله تجدني – أعزك الله - أكثر الناس حرصاً على التزام الخطوط الحمراء في تقاليدنا العربية والإفريقية إجمالاً، والسودانية على وجه التخصيص، وأنا أتناول تصريحات الشيخ الدكتور حسن الترابي، رئيس حزب المؤتمر الشعبي، التي أدلى بها الأسبوع الماضي لكل من صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية وشبكة "الجزيرة نت" القطرية، في أعقاب انفضاض المؤتمر التداولي الذي عقد في الدوحة تحت عنوان: "الاسلاميون ونظم الحكم الديمقراطية: تجارب واتجاهات". وهأنذا أرد من فوري وأشجب بدوري كل ما وقعت عليه عيناي من تعليقات شاطحة مفارقة للخلق القويم والذوق السليم لحقت بتصريحات الشيخ، وزعمت عن الرجل أن نوره قد خبا، وأن عقله قد "خفَّ" بعد أن بلغ الثمانين، فلم يعد يميّز، ولم يعد يتذكر. كما أردُّ وأشجب الادعاءات التي عادت بنا القهقهرى عقدين من الزمان لتفتح ملفات كندا، وما أدراكم ما كندا، بعد أن كنا قد عبرناها وتركنا طحينها وعجينها من ورائنا ظهريا.
    الترابي في ذاته، كان وما يزال، محل تقديرنا وتوقيرنا. ونحن نتطلع – بكل الحب - الى سماحة خلقه وسعة صدره إذ نلتمس منه أن يسمح لنا بمناقشة بعض ما أدلى به لصحيفة "الشرق الأوسط" وشبكة "الجزيرة نت".
    (4)
    لا ندَّخر وقتاً بعد ذلك فنسجد للحميد المجيد عرفاناً بفضله، كون أن شيخنا وجد في نفسه الشجاعة أخيراً فجاهر على الملأ، للمرة الأولى، باعترافه بالمشاركة والمسؤولية عن العشرية الأولى للإنقاذ. وهو أمرٌ ظل ينكره، ويثابر على إنكاره عبر الأيام والسنوات والحقب، منذ يونيو 1989م وحتى الأسبوع الماضي حين سجل اعترافه صوتاً وصورة في تصريحاته على هامش مؤتمر الدوحة، وكان قبلها يلقي باللائمة كلها على غيره من رجال سلطة الإنقاذ التنفيذية، ويستنكف أن يتحمل حبة خردل من مسؤولية، فيُنحيها ويردها عن نفسه رداً عنيفاً. تماماً كما ثابر تلاميذه وحواريوه على الإنكار واستعصموا به، ونظّروا له تنظيرا، بل وكادوا أن يصنعوا منه أيقونات يحملونها على صدورهم. والاعتراف والإقرار بالمشاركة، ثم عبء المسؤولية بالتالي، يتهادى في حنايا كثيرٍ من كلمات الشيخ المنثورة في الدوحة، ومنها قوله: (هما – أي الدكتور عبد الوهاب الأفندي والدكتور الطيب زين العابدين - لا يستطيعان انتقاد سنين الحكم الحالية ويكتفيان بنقد الفترة التي كنت مشاركاً فيها). والمشاركة تستدعي المسؤولية تلازماً وتراتبا. ومما قال الشيخ في شأن الإقرار بالمشاركة والمسؤولية: (فشلنا في أننا لم نطلق الحريات من اليوم الأول، ولم نعمل على توحيد الشعب، بالإضافة الى احتكار السلطة حتى على مستوى القرى والمدن الصغيرة). كما اعترف الشيخ – للمرة الأولى أيضاً - بممارسة القمع خلال سني العشرية الأولى: (سنتجنب خطايانا من القمع واحتكار السلطة... وسنعطي الحق للناس أن يتكلموا ويتحاوروا وينتقدوا ولو كانوا خصوماً لنا، حتى يعلم الناس الحق من الباطل والصواب من الخطأ، كما قال الله تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض). ويخطر على بالي – هنا - سؤالٌ لا أكاد معه أن اقاوم إلحاح الرغبة في ان اتوجه به - ولو على استحياء - للشيخ الجليل: يا شيخنا، ألست حافظاً للقرآن؟ ألم يذكر لنا حواريوك أنك تحفظ القرآن على سبعة أحرف؟ فهل لم تكن الآية، رقم (251) من سورة البقرة (ولولا دفع الله الناس..)التي تكرس حق الإنسان الأزلي في الحرية والكرامة، والتي استظللت بها يوم حديث الدوحة، مصفوفةً في المصحف الشريف منذ أربعة عشر قرناً؟ هل غابت عنك فلم تقع عليها عيناك قبل الانقلاب، وبعده، وعلى مدى سنواتٍ عشر تلته، كنت فيها السيّد المطاع والحاكم بأمره، حتى اذا وقعت واقعة المفاصلة ذكرتها؟! أم أنك تتمثّل آيات القرآن على الهوى، تبعاً للحال والمآل، وبالتقسيط المريح؟!
    (5)
    الطامة الكبرى، أو المحنة التي احترنا معها وحار دليلنا، من تصريحات الشيخ، شكلتها حملته الجاسرة الكاسرة على اثنين من أتباعه وتلاميذه المنشقين عن قيادته والخالعين لبيعته، هما الدكتور عبد الوهاب الأفندي، والدكتور الطيب زين العابدين. وقد جاء هجوم الشيخ الترابي على خلفية مشاركات الشخصيتين الإسلامويتين والتي تضمنت نقداً لتجربة الشيخ ومحتويات الورقة التي شارك بها في المؤتمر، وهو ما ضاق به صدره فيما يبدو فأطلق لنفسه العنان بغير عقال، متنكباً جادة الحق ومجافياً حقائق ظلت شاخصة أمام الكافة ردحاً من الزمان، ووقائع مرصودة تكاد تنطق بلسان. من بين أقوال الشيخ الترابي التي تطير في وجه الحقائق والوقائع وصفه المتقدم للأستاذين عبد الوهاب والطيب بأنهما اكتفيا بتوجيه سهامهما الى العشرية الأولى من الإنقاذ، إبان وجوده في السلطة، ولكن أحدهما لم يجرؤ على انتقاد نظام الإنقاذ القائم حالياً. ثم تحديه لهما على رؤوس الأشهاد: (هما لا يستطيعان انتقاد سنين الحكم الحالية)!
    ولا بد أن الدهشة قد أخذت بلبك وعقدت لسانك – أعزك الله – وأنت تطالع هذا التخليط المروِّع. ذلك أن كل من يقرأ ويسمع ويشاهد، لا بد أن يكون قد قرأ وسمع وشاهد هاتين الشخصيتين وهما تصبّان حِمماً من لهب وشواظاً من نار على رأس نظام الإنقاذ، بل وعلى رأس قائد دولتها، اسماً وذاتاً وعيناً، دون أن يطرف لهما جفن. وذلك من خلال كل وسيط مُشرَع من وسائط الإعلام، وكل منبر مبذول من منابر الفكر، محلياً وإقليمياً ودولياً. بل أنهما معاً ظلا يشكلان المدفعية الثقيلة، الأكثر فتكاً وهتكاً وفاعلية، التي ألحقت وظلت تلحق بمعسكر العصبة المنقذة الحاكمة أفدح الأضرار المعنوية والنفسية على مدى السنوات المنصرمة، كونهما من نسيج البيت الإسلاموي ونتاجه (بضاعتكم رُدَّتْ إليكم). والحال كذلك، وتصريحات الشيخ عن افتقار الرجلين للجرأة على نقد النظام ما تزال أوراقها مترعة بأحبار الورق، فقد تزاحمت التساؤلات في رؤوس الأحباب والأغراب عما اذا كانت ملكات الشيخ وقدراته على الرؤية المباشرة والرصد والمتابعة والإلمام بما حوله قد تضاءلت وأصابها الضمور. ولا غرو أن تعمّقت الشكوك وتكاثفت الشبهات أن الرجل ربما غابت عنه أحلامه وفقد بوصلته فأخذ يحتطب في براري السياسة السودانية فيخبط خبط عشواء، ويمشي في مناكبها بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير.
    (6)
    من منا، في أكثر خيالاته شطحاً، كان يتصور شيخ الحركة الإسلاموية بجلال قدره وسمو شأنه وقد انحدرت به المآلات والمقادير الى درك يشمّر فيه عن ساعديه، مثل صبيّ تميّز غيظاً من لداته فأنشأ يمزق أثوابهم ويحصبهم بالحصى والطين وروث البهائم، علّه ينال منهم فتيلا، ويشفِ غليلا. وهؤلاء ليسوا لداته، وليسوا نظرائه وأكفائه، بل هم تلاميذه وحواريوه، منهم من لزمه دهراً، فمحضه الولاء وعقد له البيعة وعاهده في المنشط والمكره. انظر اليه يعاير حوارييه ويهاترهم: (إن الدكتور عبد الوهاب الأفندي كان مستشاراً إعلامياً في السفارة السودانية بلندن، وكان الدكتور الطيب زين العابدين رئيساً لمجلس الشورى في تلك الفترة التي يهاجمونني فيها)! سبحان الله. ماذا دهاك يا شيخنا؟! هل كون الرجلين تكلفا مهاماً سياسية وتنفيذية في حقبة العشرية الأولى يعفيك، وأنت المرشد والقائد وقبطان السفينة، عن الأخطاء والخطايا والخطوب الفوادح التي ناء بها جسد الوطن المنهك؟ وأنت سيد العارفين أن حكومة السودان لم تكن تدار خلال العشرية الأولى من المكتب الإعلامي في لندن. بل لم تكن تدار حتى من القصر الجمهوري أو رئاسة مجلس الوزراء، وإنما من صالون قصرك المنيف في ضاحية المنشية، حيث تحلَّق تحت راية الشيخ رجال الدولة وقادة الحكم وأهل الحل والعقد، ففيم المراء؟ محل التقويم ومناط المحاسبة في مبتدأ الأمر ومنتهاه – كان وسيظل - هو التجربة السودانية ومرشدها الأعلى الذي نقل حلم الدولة الإسلاموية بليل من علياء النظرية الى مدارك التطبيق، لا موظفوها وعمالها ومحتسبوها وأصحاب التكاليف الدنيا في دواوينها. وليس من الشرف ولا الرجولة ولا الكرامة أن يتحامى القائد وراء الشاهد، وأن يجفل الرئيس فيتهم المرؤوس.
    ومهما يكن من أمر فإن من طالع وتابع المشاركات الكتابية والشفاهية المقدمة أمام مؤتمر الإسلاميين والديمقراطية، يلحظ – أول ما يلحظ – أن الدكتورين الأفندي وزين العابدين قد كتبا وتحدثا فى طروحاتهما عن التجربة الإسلاموية السودانية، التي أثارت حفيظة الشيخ وأخرجته عن وقاره، كتبا وتحدثا بلغة الجمع، لا المفرد، عن مسؤولية كل الإسلاميين بغير استثناء تجاه الفشل والنتائج الكارثية التي انتهت اليها التجربة. وأنت هنا تقرأ عبارات واضحة المباني جلية المعاني من شاكلة: (أنه يجب علينا جميعاً مواجهة مسئولياتنا تجاه ما حدث). فلا غموض في التعابير ولا تلاعب بالألفاظ ولا هروب من المسؤولية.
    (7)
    وأحسب أننا نحتاج الى وقفة فاحصة ومتأملة أمام حديث الشيخ الذي عيّر فيه الدكتور الطيب زين العابدين بأنه كان رئيساً لمجلس شورى الحركة الإسلامية عند بزوغ فجر "الثورة المنقذة". ولو كنت في حذاء الدكتور الترابي وفي مكانه لما جرؤت على الإدلاء بتصريح كهذا، ولجعلت على أذنيّ أقفالها وتصنعت الانشغال بأمور أخرى في حال جاءت المعايرة من آخرين، أو جاء ذكر مجلس شورى الحركة ورئاسة الطيب لها بأي وجهٍ كان. وتلك تهمة ظلت تطال الدكتور زين العابدين عبر السنوات من تلقاء قيادات العصبة المنقذة، إذ يأخذ هؤلاء عليه أنه كان رئيساً لمجلس شورى الجبهة الإسلامية القومية الذي وافق على تفويض الشيخ الترابي لتنفيذ الإنقلاب العسكري في العام 1989م. لكأنهم يقولون للرجل من طرف خفي: أنت الذي هيأ المسرح وفتح الطريق أمام الانقلاب، فما بالك اليوم تشغُب علينا وتصدّع رؤوسنا تصديعا؟
    والحقيقة التي هي في علم الكافة غداة يومنا هذا تنبُئنا بأن الدكتور الطيب زين العابدين كان في طليعة المعارضين للانقلاب، الرافضين لمسعى الاستيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة المسلحة. عارضها قولاً واحداً، فكرةً، ونهجاً وخطة. وهو رأيٌ أسرَّ به الرجل عندما طُرح الأمر في الخفاء، ثم عالن به وجاهر، عندما أزف وقت المعالنة والمجاهرة في مجلس شورى الجبهة الإسلامية القومية. بيد أن الرجل التزم رأي الأغلبية كما هي أعراف الشورى والديمقراطية، فما الذي كان يرجوه الشيخ الترابي من الرجل حتي ينجو بنفسه من عار الإذعان لقرار الأغلبية المقهورة المسحورة، التي سحرها هو نفسه ومنّاها الأماني واستثار أشواقها لدولة الإسلام القادمة على أسنة الرماح؟ يذهب يا ترى الى السلطات ويبلغها بأن القوم قد ائتمروا على الانقلاب؟! ومن الحق أيضاً أن الدكتور الطيب زين العابدين كان عضواً بارزاً في مجلس شورى الحركة الإسلامية خلال السبعينات وبدايات الثمانينات، قبل أن تؤول اليه رئاستها بأخره، وكان واحداً من ثلاثة أعضاء عارضوا بثبات مضطرد خطة المصالحة الوطنية مع الرئيس السابق جعفر نميري ونظامه المايوي الغابر حين بسط أمرها للشورى، غير أنه انصاع أيضاً لحكمها فأذعن لرأي الأغلبية.وهو موقف لا يمكن أن يحسده عليه أحد.
    أصحاب الذكاء المتوسط - بل والمتدني - لن يعييهم أن يتوصلوا الى حقائق بدهية مثل أن التلفع بثوب مجلس الشورى والاحتجاج بموافقته وتصويته لصالح الانقلاب لا يعني بالضرورة ولا يستتبع منطقاً أن هذ المجلس يوافق على الممارسات التي تلته ويتبناها. الموافقة على البرنامج النظري وتصوراته شيء، والمسؤولية عن التطبيق العملي وتجاوزاته شيء آخر. وحين يقول بمثل هذا التخليط خبير في الأنظمة السياسية والقوانين الدستورية فلا بد للعجب أن يبلغ بنا كل مبلغ!
    قلنا إننا لو كنا في مكان الدكتور حسن الترابي لكان ديدننا، حين تُطرق القضايا العامة، تحاشي كل حديث عن مجلس شورى الحركة الإسلامية، تصريحاً أو تلميحاً. ذلك أن أية إشارة الى ذلك المجلس ودوره يستتبع ويستولد على الفور سلسلة من التساؤلات والاستنتاجات غير السارة: لماذا قام الترابي بحل المجلس أصلاً؟ ولماذا عمد الى تصفية الحركة الإسلامية بكاملها بعد ذلك؟ ولماذا سعى الى تهميش أصحاب الرأي المستقل من شاكلة الدكتور الطيب زين العابدين؟! ثم نصّب من نفسه مرشداً للنظام يمسك بخيوطه ويحركها بيدٍ مفردة من قصر المنشية، يشكل حكوماته فيعزل ويكلّف، ويعز ويذل، حتى إذا دارت الدوائر وانتهت به الى غير ما يُحب انتحب واضطرب، ووزع الاتهامات من حوله بالمجان كما يوزع بابا نويل قطع الحلوى!
    (8)
    مما يثير حفيظة كثيرين – وفي صحبتهم كاتب هذه الكلمات – كثرة حديث الشيخ الترابي عن أزمة السودان في دارفور. وهو حديث استعاده وكرره، ثم ضمّنه سلسلة تصريحاته، المار ذكرها، و التي أدلى بها لشبكة الجزيرة نت وصحيفة الشرق الأوسط. من مثل ذلك قوله في ذم الطيب وعبد الوهاب وتقريعهما: (هؤلاء كانوا "إخواناً"، ولكنهم لم يقدروا على تناول قضايا حاضرة مثل انفصال الجنوب وما يحدث في دارفور التي تحولت الى حرب وفضائح دولية). وبصرف النظر عن بطلان الاتهام، فقد زدنا وأعدنا في أن الرجلين قاربا بالفعل كل تلك القضايا عبر السنوات الممتدة وقتلاها بحثاً، إلا أن غيرة الدكتور الترابي على دارفور وحماسته في إدانة النظام القائم وتحميله مسؤولية انفراط عقد النظام في ذلك الإقليم العزيز، الذي استحال أمره – بحسب كلماته – الى (حرب وفضائح دولية) يدعو بدوره الى وقفة ندعو فيها الشيخ الترابي لينتصب ولو لمرة واحدة أمام المرآة فيرى صورته ويواجه ضميره.
    الدكتور الترابي يعلم تمام العلم – كما يعلم خاصته وحواريوه – أن دوره في خلق وإزكاء الأزمة الدارفورية لا يقل إشكالاً في حقيقة الأمر عن دور النظام القائم. فكلاهما الترابي وحزبه من ناحية، وحكومة الإنقاذ الراهنة من ناحية أخرى خلقا وتبنيا وغذّيا المليشيات المسلحة لتقاتل بالوكالة عن الفريقين، وهي مليشيات ارتكبت ما هو في علم الكافة من انتهاكات وفظائع يعجز عنها الوصف في حق أهل ذلك الإقليم، وفي حق شعب السودان بأسره.
    الترابي وحزبه هما من جمع فلول الإسلامويين الدارفوريين، بقيادة "الدبّاب" الراحل الدكتور خليل إبراهيم، صاحب العصابة الحمراء الشهيرة التي يعرفها مجاهدو الدفاع الشعبي في التسعينات، وفارس المذابح الجهادية الدموية إبان سنوات "نشر الإسلام" في جنوبي السودان، عهد كان الشيخ الترابي يمسك دفة الحكم بيد، ويرفع راية الحرب المقدسة بالأخرى، فأنشأوا بعد المفاصلة "حركة العدل والمساواة" وحملوها على رقاب أهل السودان حملا. وهم من دبر لها الهيكل التنظيمي والدعم المادي والمعنوي والإمداد اللوجيستي والاتصالات الخارجية، حتى اشتد عودها واستقوى عمودها فأخذت تهاجم المدن والقرى والقوافل والبنوك والمقار الحكومية ومعسكرات الجيش والشرطة على نظام حرب العصابات. ولم يكن غرض الترابي وصحبه – علم الله – من وراء ذلك التدبير الآثم سوى تنفيس الغيظ وفش الغبينة، وتصفية حسابات البيت الإسلاموي، وقهر خصومهم في حكومة الإنقاذ، وخلق واقع جديد على الأرض يجبر البشير وعصبته على استدراك موقفهم المتحدي والعودة الي حظيرة الشيخ راغمين، ودفع استحقاقات الأمر الواقع عن يدٍ وهم صاغرون. وبقية السيناريو الذي دمّر دارفور تدميراً وحول السواد الأغلب من أبنائها الى شعب من اللاجئين كتابُ مفتوح، إذ لم يعدم الفريق الآخر الأفكار "الإسلاموية" الألمعية فأنشأ عصابات الجنجويد ونظمها وسلحها وأطلقها من وراء الجماعات المتمردة بغية تأديبها وكسر شوكتها. وهكذا اتسع الخرق على الراتق وانداحت المأساة التي شلّت العقول وأدمت القلوب.
    وإذا أراد الترابي أن يتحدث اليوم عن الحرب في دارفور وعن (الفضائح الدولية)، وفق وصفه، فالأجدر به أن يعلم أن مأساة دارفور، التي أشعل هو جذوتها، أبعد مدىً وأكثر خطراً وأعظم هولاً من أن تصبح مادةً لمعايرة عبد الوهاب الأفندي وتقريع الطيب زين العابدين، بما كتبا ولم يكتبا، وما قالا ولم يقولا. ومؤتمر الإسلاميين والديمقراطية في الدوحة، لم يكن موضوعه ومناط اهتمامه – في الأساس - وهو يعرض الى حصاد الحكم الإسلاموي في السودان، ويناقش أمره في منبرٍ مفتوح، الشيء الذي أخرج كل هذا الهواء الساخن من صدر الشيخ، لم يكن هو دور الأفراد ومواقعهم ومواقفهم، ولا الانقلاب وخلفياته وملابساته، وإنما "التجربة"، تجربة الحكم الإسلاموي، في شمولها وتمام أمرها. وهي تجربة نزعم أنها شوهت صورة الإسلام ونفّرت عنه، وأساءت الى الإسلامويين وعرّتهم وكشفت سوءاتهم. وإنما كان ذلك - في المبتدأ والمنتهى - هو العامل الأساس الذي دعا الى عقد مؤتمراتٍ ومنتدياتٍ سياسية وفكرية متعددة للبحث في عواقب وصول الإسلامويين الى سُدد الحكم والسلطة.
    (9)
    الشيخ الدكتور حسن الترابي سيظل عندنا دائماً هو الشيخ الدكتور حسن الترابي. هو الذي أنبأتنا عنه الكتب: فارسٌ من فرسان أكتوبر 1964م وقادتها الأماجد. هو نفسه الذي كنا في زمنٍ مضى نسرع الخطى لنلحق بندواته ولياليه السياسية وأمسياته الفكرية فنراه وقد خلب الألباب وأسر القلوب، فهي بين يديه يقلبها تقليبا. هو ذاته الفقيه العالم والمفكر ذو العقل الباهر والسياسي الحصيف الذي انسحب ظله على سوح العمل السياسي الوطني عقوداً متطاولة. وهو عينه الذي أنشأ بإرادته الباترة وعزيمته الآسرة تنظيمات الحركة الإسلاموية المتعددة الأسماء، خلال نصف قرنٍ من عمر السودان، وأفرغ فيها وسعه، فكراً وتخطيطاً وقيادة، حتى دانت له مشارق السودان ومغاربه في يومٍ مقداره ثلاث وعشرون سنةً، نصب في صُبحه سُرادق المشروع الحضاري، وما لبث أن أحرقه في ضحاه، ثم جلس يتدفأ بناره حين جنَّ الليل.
    الفارق بين حبيبنا الإمام الصادق المهدي وشيخنا الدكتور حسن الترابي، أن المهدي روَّض نفسه وأنشأها على حب الرياضة وركوب الخيل. وظل يعافر الخيل ويمارس الرياضة بشتى ضروبها منذ الصغر وحتى زمان الناس هذا. بينما أغفل الشيخ الترابي هذا المضمار تماماً واستخف به، وتفرغ للقراءة والكتابة، والتفكير الكثيف الذي يصيب خلايا المخ بالتعب والنصَب.
    النتيجة هي ما نراه أمامنا من توهج الإمام وتوهان الشيخ!

    نقلاً عن صحيفة "القرار


    ------------------

    أخونة الدولة وتكلفة الخلافة
    October 22, 2012
    مأمون فندي

    تحدي الإخوان اليوم هو إيجاد صيغة توازن بين أخونة الدولة في السياق المحلي، وبناء الخلافة وتكاليفها المالية في السياق الإقليمي العربي، وما يتبع الحالتين من ارتباك محلي وإقليمي. استمرارية مشروع الإخوان يحتاج إما إلى قوة إنتاجية بحجم الاقتصاد التركي – ومصر وتونس ليستا تركيا لا من حيث حجم الاقتصاد أو حتى من ناحية العمالة المنتجة. أما الحل الثاني فهو يتمثل كما ذكرت في مقال سابق في الاستحواذ على دولة نفطية تنفق على مشروع الخلافة الطموح. أخونة الدولة مشروع ليس بهين ويواجه تحديات كبيرة في الدول الفقيرة مثل تونس ومصر، كما تسرب من فيديو الشيخ الغنوشي أو من ممارسات الإخوان في مصر، كما رأينا في المواجهات الدامية في ميدان التحرير. ما يواجهه مشروع الأخونة من تحديات مع خصوم محليين، جماعة الرئيس المنصف المرزوقي والقوى المدنية في تونس، أو السلفيين والقوى المدنية في مصر، ليس بالأمر البسيط. الخطر في خياري أخونة الداخل كحل أو الاستحواذ على دولة نفطية كحل بديل هو أن فشل الواحدة منهما يدفع بالإسراع في الأخرى، أي أن فشل مشروع الأخونة في داخل الدول الفقيرة قد يكون محركا باتجاه الاستحواذ على النفط. ويخرج الإخوان من مواجهاتهم المحلية إلى مواجهات إقليمية أكثر تعقيدا. تصريح وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد يرسم خطا في الرمل يقول للإخوان إن الإقليم قد يتعامل معهم داخل الدولة الوطنية، ولكنه لا يستطيع أن يتعامل معهم على أنهم حركة عابرة للحدود. هذه هي أول طلقة إعلامية في المواجهة ما بين الدول النفطية المستهدفة وبين مشروع الإخوان العابر للحدود.

    دعني أبدأ بتبعات برنامج الأخونة في الداخل، الذي فشل في نماذج أخرى مثل فلسطين والسودان وأدى في الحالتين إلى تقسيم الدولة في حالة السودان وتمزيق الحركة في حالة فلسطين. طبعا أخونة تركيا نموذج احتوائي لتنوع الدولة والمجتمع غير النموذج الحمساوي الإقصائي أو نموذج الترابي – البشير المتطرف في إقصائيته في الحالة السودانية والذي أدى إلى فقدان الجزء الأكثر ثراء من الوطن. تبعات أخونة الدولة لن تطال الدولة المحلية التي ينفذ فيها برنامج الأخونة ولكن ستطال التنظيم العالمي الذي يمثل وحدة التخطيط الاستراتيجي للإخوان. مما يضع التنظيم في مواجهة مباشرة مع الدول الغنية في الإقليم ويؤدي إلى اختلال ميزان العلاقات الدولة في المنطقة وأبعد منها.

    بداية وفي مصر لم يكن يخطر ببال أحد أن كلمة الحل في شعار الإخوان «الإسلام هو الحل» تعني التفكيك وليس حل المشكلة، فمشروع أخونة الدولة الذي نراه في كل من مصر وتونس بعد الثورة هو مشروع تفكيك للدولة وليس حلولا لمشاكل المواطنين، كما أنه مشروع إقصائي يفرق، وليس مشروعا احتوائيا يجمع القوى الوطنية حسب الحد الأدنى للتوافق الوطني، وهذا بالضبط ما أدى إلى فشل نموذج الحركة في كل من السودان وغزة.

    الدم الساخن الذي سال في ميادين مصر يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012 في مواجهات بين الإخوان المسلمين والقوى الرافضة لأخونة الدولة وتفكيك مفاصلها، والرافضة أيضا لدستور الإخوان، هو دم أخونة الدولة. لعنة الدم عند المصريين منذ الفراعنة هي نذير نهايات وزوال سلطة، فعندما يتخطى الحاكم عتبة الدم، لا يجد في المجتمع من يؤيده، ويترك ليسقط بجراء فعلته، ومن ينظر إلى الأحداث الأخيرة يرى بوضوح لا لبس فيه، أن الذي أزاح مبارك عن الحكم في النهاية هو الدم الذي سال يوم ما عرف بموقعة الجمل، فقبلها بيومين وقبل الدم كان المجتمع المصري منقسما بين مؤيد ومعارض حول خطاب مبارك الثاني، وما إن سال الدم حتى انفض القوم من حول مبارك وتركوه يسقط. الذي أزاح المشير طنطاوي وشلته عن الحكم، هو الدم الذي سال في شارع محمد محمود والتحرير ومجلس الوزراء، لذا وعندما نفخ فيهم مرسي وطاروا لم يجدوا من يقف معهم، فعتبة الدم عند المصريين هي الفيصل ويبدو أن الإخوان اقتربوا من تخطي هذه العتبة التي تنقلب عندها الموازين.

    هاجس الدولة العميقة المنقول من النموذج التركي، الذي يسكن في رؤوس الإخوان كما العنكبوت، ربما يكون فيه بذرة تحويل مشروع الأخونة إلى مشروع فوضى محلية. إقالة المشير طنطاوي وشلته كانت هي الاختبار الأول لنجاح برنامج أخونة الدولة أمام أعتى السلطات، ولما اكتشف الإخوان أن المجلس العسكري، وما كانوا يتخيلونه قوة ضاربة وسدا منيعا ضد الأخونة انهار أمام أعينهم في لحظة. بلغة سيدة الغناء العربي أم كلثوم «كان صرحا من خيال فهوى» مما شجع الإخوان على الاستقواء على السلطات الأخرى بضم الهمزة. قرر الإخوان بالأمس أن يجربوا الشيء نفسه مع مؤسسة القضاء، لذا أعلن الرئيس مرسي بالأمس عزل النائب العام عبد المجيد محمود من منصبه وعينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان. والنائب العام حسب القانون المصري هو سلطة مستقلة لا يحق لأحد أن يعزله من منصبة بما في ذلك رئيس الدولة. ورفض النائب العام قرار الرئيس وتضامن معه قضاة مصر، وهنا دخل الإخوان في مواجهة مع مؤسسة القضاء التي بدت في أول مواجهة لها مع الإخوان أنها أكثر صلابة من العسكر. الرئيس مرسي الآن لديه سلطات الرئيس وسلطات مجلس الشعب، وبقي أن يستحوذ على سلطات القضاء في يده حتى يصبح مستحوذا على جميع السلطات.

    قبل الأمس كانت الاحتجاجات ضد النائب العام عبد المجيد محمود بعد إعلان براءة المتهمين في موقعة الجمل ولكن اليوم الأمر اختلف، إذ تتعاطف القوى الوطنية مع موقف النائب العام وترفض قرار مرسي للنائب العام، الذي يعتبر خرقا لقوانين الدولة، إذن ما نراه في مصر هو أن الإخوان يفتحون جبهات مع كل القوى تقريبا، وهم يقومون بعملية الأخونة التي هي في الأساس عملية زراعة الأعضاء الإخوانية في كل مفاصل الدولة، والدول العجوزة كمصر قد تلفظ زراعة الأعضاء. كما أن قطاعات عريضة من المصريين تتهم الإخوان اليوم كما قال الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي بأنهم «الحزب الوطني لكن بدقن»، فقضايا التوريث وعلاقات الدم بدت سمة من سمات نظام الإخوان وأبرزها أن نائب الرئيس محمود مكي هو شقيق وزير العدل أحمد مكي. علاقات الدم كانت نقطة الضعف التي أسقطت مبارك، ومعظم شبكة أخونة الدولة هي تعتمد على علاقات الدم في المقام الأول، مما يحول النزاع في مصر من صراع آيديولوجي إلى صراع بدائي وقبلي تحكمه علاقات الدم. ولعنة الدم كما ذكرت آنفا هي نذير سقوط الدول وزوالها.

    نتيجة لعدم خبرة الإخوان بما يعرف بإدارة القوة، من الوارد أن ينفلت عقال الأخونة وتتحول إلى حالة من الفوضى. مهم أن نعرف أن العسكر منذ جمال عبد الناصر وحتى مبارك ركبوا على جهاز الدولة القديم وأقاموا شراكات مع بقايا نظام الملك وحتى مع الإخوان أنفسهم، ولم يمسوا مفاصل جهاز الدولة وعصبها، لأنهم كانوا يعرفون مدى هشاشتها، فالدولة في مصر ليست كما في تركيا دولة عميقة، بل هي دولة هشة، ومتى ما تم العبث بها فقد تتطاير شظاياها في وجه جماعة الأخونة. انهيار نظام قوامه أكثر من ثمانين مليون نسمة له تبعات كبرى على مصر وعلى الإقليم. وليجهز الجميع نفسه إلى حالة من العبث لإنقاذ برنامج الأخونة، إما من خلال استخدام التنظيم الدولي في العبث بمقدرات دول غنية يتصور الإخوان أن فيها إنقاذا لنظامهم، أو من خلال مزيد من الدماء داخل كل دولة على حدة. والإشارات واضحة في نماذج سابقة في غزة والسودان، فهذا خالد مشعل يقول إن مشروع حماس قد فشل، ومن قبله أعلن الترابي فشل مشروعه، بعد ما دفعت فلسطين والسودان ثمن المراهقة السياسية للإخوان. فهل ينجح إخوان مصر في الانتقال من مراهقة الحركة إلى رشد الدولة كما طالبهم الوزير الإماراتي؟ المؤشرات غير مبشرة

    * عن الشرق الأوسط

    (عدل بواسطة الكيك on 10-23-2012, 05:39 AM)

                  

11-19-2012, 10:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)





    لعل


    القارىء يلاحظ ان كلا الكاتبين ختم مقالة بجملة واحدة ...الطيب والافندى لعله توارد الخواطر
    مهرجان الحركة الإسلامية الزائف ..

    اقرا



    بقلم: أ. د. الطيب زين العابدين
    الثلاثاء, 13 تشرين2/نوفمبر 2012 11:14
    ينعقد بقاعة الصداقة في يومي الخميس و

    الجمعة القادمين (15 و 16 نوفمبر) المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية (الإسم المتداول لجماعة الأخوان المسلمين التي اختطفتها الحكومة من بين يدي الشيخ حسن الترابي). ويأتي هذا المؤتمر على غير العادة وسط زخم إعلامي مكثف ابتدره الدكتور إبراهيم أحمد عمر، رئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية ورئيس اللجنة العليا للإعداد للمؤتمر، بمؤتمر صحفي في 29 أغسطس الماضي تميز بقلة مادته المعروضة على الصحفيين (فقط موعد المؤتمر وعدد المدعوين له من خارج السودان وبعض الإجراءات الإدارية) كما تميز بصعوبة الأسئلة الصحفية التي وجهت للمنصة وتصدى لها الشيخ إبراهيم وحده مع وجود نائب الأمين العام الذي يعرف دقائق الإعداد للمؤتمر بصفته رئيس اللجنة الفنية (الأستاذ حسن رزق) ورئيسة اللجنة الإعلامية (الأستاذة سناء حمد)، وقد اتسمت اجاباته على الأسئلة الصعبة (مثل من يمول المؤتمر؟ هل تمت دعوة حسن الترابي له؟ لماذا الحركة الاسلامية غير مسجلة؟ كيف تعاملتم مع مذكرة الألف التي رفعت للقيادة؟) بالزوغان ومغالطة الحقائق والتعميم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع! أجاب على تمويل المؤتمر بأنه من أموال الحركة الإسلامية ولم يصدقه أحد لأن الحركة عاجزة حتى عن فتح حساب باسمها لأنها لا تتمتع بشخصية اعتبارية ولا بوجود قانوني؛ وعلى سؤال لماذا هي غير مسجلة؟ أجاب بأنها تعمل في كل مجالات الفكر والحياة وليس في الدولة جهة تسجل مثل هذه الهيئة! وما كنت أظن أن الشيخ العالم يجرؤ على كذبة بلقاء مثل هذه، ولكنها بعض أدواء السلطة المطلقة التي تعدي حتى الأطهار من الناس! وأهم من الزخم الإعلامي كانت المعلومة التي قال بها رئيس اللجنة الفنية وهي أن 10 ألف مؤتمر عقدت في أنحاء السودان المختلفة على مستوى الأحياء والمناطق والمحليات والولايات استعداداً لهذا المؤتمر العام؛وما قاله رئيس لجنة الدعوات (د مصطفى عثمان) أنهم وجهوا الدعوة لأكثر من 150 حركة ومؤسسة وشخصية إسلامية من خارج السودان؛ وسيبلغ تعداد المؤتمرين غير الضيوف 4000 مشارك حوالي 50% منهم يأتون من الولايات المختلفة.


    والسؤال المهم الذي يبحث عن إجابة ليس هو تكلفة المؤتمر العام ومؤتمراته الإعدادية التي تقدر بمليارات الجنيهات، ولا من أين تأتي؟ فالكل يعلم أن شقي الحال (محمد أحمد)الذي أوقعه سوء حظه العاثر وعجز نخبته السياسية في قبضة الإنقاذ لربع قرن من الزمان هو الذي سيصرف على هذا البذخ الفاجر رغم عوزه وفقره، كما يصرف على أنشطة الحزب الحاكم ومؤساساته العديدة ورواتب موظفيه الضخمة. ولكن السؤال الذي يستحق الإجابة هو: لماذا كل هذا الجهد والإنفاق المالي والحراك الواسع من أجل اجتماع كيان غير شرعي ولا يقوم بأي نشاط من أي نوع؟ السبب ببساطة أن السلطة القابضة على مقاليد الأمور قد أحست بالململة الواسعة والاحتجاجات المتصاعدة في أوساط عضويتها الإسلامية ضد سياساتها الفاشلة (انفصال الجنوب، استمرار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، الإنفلات الأمني في دارفور، الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، انتشار الفساد بدرجة غير مسبوقة في تاريخ السودان، عجز الحكومة من التصدي للجيش الشعبي في هجليج وفي جنوب كردفان وعن حماية مصانعها العسكرية من العدوان الخارجي، إنهيار مؤسسات الدولة مثل السكة حديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية، تردي الخدمات الصحية والتعليمية التي لا تنال من موازنة الدولة إلا النذر اليسير الذي لا يقيم أودها ...)، وضد منهج الحكومة في غياب الشورى وضعف المؤسسية وانعدام التنسيق بين أجهزة الدولة وكبت الحريات وسيطرة قلة من السياسيينالعجزةالمحترفين على مقاليد الأمور لسنوات طويلة جداً. ولا إجابة حقيقية لدى الحكومة لتساؤلات الشباب المحتج ضد كل تلك الأمور؛ فلا بأس إذن من إلهائهم بمهرجان زائف للحركة الإسلامية تدعى له حركات إسلامية وشخصيات قيادية من أنحاء العالم حتى يظن البعض أن الحركة الإسلامية السودانية ما زالت حية وفاعلة ونموذجاً يحتذى. وأحسب أن القائمين على المؤتمر سيكتشفون تغيب معظم قيادات الصف الأول من الحركات الإسلامية عن الحضور، خاصة تلك التي صعدت للسلطة في أعقاب الربيع العربي، لأنه ما عاد يشرفهم أمام مواطنيهم الذين يعيشون ربيعاً ديمقراطياً أن تكون لهم صلة بالحركة الإسلامية السودانية التي قدمت نموذجاً بائساً وسلطوياً في إدارة الدولة ليس له صلة بقيم ومبادئ الإسلام السمحة النبيلة.


    وسادت في مؤتمرات الحركة الإسلامية التي قيل أنها بلغت عشرة آلاف روح من الشقاق والملاسنة والاتهام بالمحاباة والتزوير، وما كنا نظن أن شيئاً من هذا يمكن أن يحدث في صفوف الحركة الإسلامية التي عرفت بالأخوة والمحبة والتضحية والزهد في المناصب.ولكن سبحان مغير الأحوال! والسبب وراء هذه الاحتكاكات والاتهامات أن المتنفذين في الحكومة والحزب الحاكم ظلوا يتولون السيطرة على كل أجهزة الحركة الإسلامية منذ فجر دولة الإنقاذ لتبقى مجمدة لا حراك لها؛ ولماذا تتحرك فالدولة دولتها والحزب الحاكم هو حزبها الذي ارتضته واجهة لها؟ وقبلت كثير من القواعد الإسلامية بهذا الوضع الشاذ بحجة أن إقامة الدولة هي الإنجاز الأكبر للحركة الإسلامية فلا ينبغي أن تفرط فيه لأي سبب من الأسباب، ورضيت في سبيل ذلك التضحية بشيخها المؤسس ومفكرها الأول حسن الترابي؛فالثورة الإسلامية السودانية لا كمثيلاتها تكتفي بأكل أبنائها بل هي مستعدة أن تأكل أباءها وشيوخها ومفكريها إذا دعا الحال! ولكن الململة والاحتجاجات الواسعة التي ارتفع صوتها حتى من المجاهدين وأساتذة الجامعات والبرلمانيين والشيوخ وبعض المسئولين في الدولة تحتاج إلى أسلوب جديد في المعالجة يصرف النظر عن الواقع البائس ولو إلى حين من الزمن، على أن تظل الحركة تحت السيطرة تماماً فالخوف الآن أكبر أن تأتي بعض العناصر "المتمردة" لتتولى المسئولية في أجهزة الحركة الإسلامية فتحدث انتفاضة لا يؤمن عقباها على أهل النظام. وتفتقت عبقرية العرابين عن مشروع دستور جديد للحركة الإسلامية يسمح لها بالعمل في كافة مجالات الفكر والحياة ويبقيها في ذات الوقت مهمشة مجمدة وتحت نطاق التحكم المرسوم لها.


    يقول مشروع الدستور الجديد إن الحركة الإسلامية تعمل في المجال الدعوي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكل مجال للنشاط الإنساني. ليس في الإمكان أبدع مما كان! ولكن الحركة ستعمل في جميع هذه المجالات بمؤسسات تناسب كل مجال وأن هذه المؤسسات التي تنشؤها لها استقلاليتها وكينونتها في إطار المهام الموصوفة بالنظم واللوائح الخاصة بتلك المؤسسات؛ هذا يعني أن مؤسسات الحركة ستكون مسجلة مع الأجهزة المناسبة في الدولة وهي مستقلة عن الحركة وقياداتها لأنها ستدار حسب لوائحها وأجهزتها ولا تستطيع قيادة الحركة أن تتدخل فيها، ولكن الدولة تستطيع أن تفعل ذلك لأنها الجهة التي ستعتمد عليها هذه المؤسسات في تمويل أنشطتها وتستطيع أن تفرض عليها قيادات بعينها كما تفعل في قيادات الطلاب والشباب والمرأة، وإذا فشل الفرض الطوعي ففي التزوير على يد عناصر الأمن الشعبي مخرج آمن. ولا داعي إذن أن تكون الحركة كياناً شرعياً مسجلاً طالما أن مؤسساتها مسجلة ومعترف بها، وكيف يتدخل الكيان غير الشرعي في أعمال المنظمات الشرعية؟ ويقول الدستور إن قيادات الحركة العليا في الصعيد التنفيذي (الحكومة) والسياسي (المؤتمر الوطني) والخاص (الحركة الإسلامية) المنتخبون وفقاً لمرجعيات ونظم مؤسساتهم هي القيادة العليا للحركة الإسلامية.

    وتقول اللائحة المرفقة مع الدستور إن القيادة العليا تتكون على النحو التالي: رئيس الصعيد التنفيذي ونوابه (3)، الأمين العام ونوابه (3)، رئيس الصعيد السياسي ونوابه (3)، رئيس مجلس شورى الحركة (1)، رئيس مجلس شورى الصعيد السياسي (1)، رئيس الهيئة التشريعية القومية (1)؛ ويجوز لأعضاء القيادة العليا أن يضيفوا من يرونه مناسباً بما لا يتجاوز عدده خمسة أعضاء، ويرأس القيادة العليا رئيس الصعيد التنفيذي (رئيس الجمهورية). يلاحظ أن كيان الحركة الإسلامية ممثل ب (4) أعضاء هم الأمين العام ونوابه ورئيس مجلس شورى الحركة، في حين أن الأجهزة الأخرى خارج كيان الحركة ممثلة ب (8) أعضاء هذا غير الشخصيات المضافة من داخل القيادة العليا والتي غالبا ما ستكون أيضا من خارج كيان الحركة، وأن المؤسسات المستقلة للحركة ليس لها أدنى تمثيل في القيادة العليا. وزيادة في تهميش الأمين العام للحركة اقترح مشروع الدستور أن يتم انتخابه من مجلس شورى الحركة وليس من المؤتمر العام كما كان الحال سابقا لأن السيطرة على مجلس الشورى من متنفذي السلطة أسهل من السيطرة على عضوية المؤتمر العام الكبيرة (4000). ولذلك فإن المعركة الأساسية في كل المؤتمرات التي عقدت هي انتخاب الأمين العام في كل ولاية، وانتخاب مجلس شورى الولاية، ثم تصعيد العناصر (المأمونة) التي ستجيز مشروع الدستور الجديد دون مشاكل، وانتخاب مجلس الشورى المركزي المقترح عليهم من القوى المتنفذة وكذلك انتخاب الأمين العام المركزي خلفاً للأستاذ علي عثمان الذي أكمل بسلامته دورتين من 2008 إلى 2012 بالتمام والكمال دون أن يتقدم وضع الحركة من تهميشها وجمودها شبراً واحداً. ومن الغريب أن الولايات طبقت انتخاب الأمين العام من مجلس الشورى قبل أن يعتمد الدستور الجديد من المؤتمر العام، ولا أدري ماذا سيفعلون إذا رفض المؤتمر العام انتخاب الأمين العام عن طريق مجلس الشورى؟


    قد تنجح السلطة المتنفذة كما هو متوقع في فرض إرادتها على عضوية الحركة الإسلامية المتململة بإجازة الدستور كما هو وباختيار من يريدونه للمواقع المختلفة؛ ولكنهم سيقضون بذلك على ما تبقى في الحركة الإسلامية من حيوية وطهارة ظهرت في هذا التململ الواسع، وحينها لن يجدوا عناصر الحركة الإسلامية الصلبة عندما يحتاجون إليها في المواقف الصعبة وعندها سيندمون ولات ساعة مندم!
    al-Tayib al-Abdin [[email protected]

    ----------------

    في السودان: مرض الرئيس ومرض النظام ومرض البلاد .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي
    الخميس, 15 تشرين2/نوفمبر 2012 16:28




    في فهم كل المؤمنين، فإن المرض والعافية، والموت والحياة، كلها بيد الله تعالى وحده، وليس للبشر من الأمر فيها شيء. ومن هذا المنطلق، فإن التناول لقضايا صحة ومرض أي فرد لا يجب أن يتجاوز التعاطف مع المريض والدعاء له بعاجل الشفاء، أياً كان. ولا ينبغي عليه "تسييس" مرض أي شخص على نحو ما وقع من تسييس لمرض الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، الذي يتعافي حالياً من عملية جراحية أجريت له في السعودية. ولكن التسييس وقع بالفعل، بداية بتقارير بثتها مصادر عدة عن خطورة مرضه واحتمال عدم عودته للسودان، وانتهاءً بتهليل الإعلام الرسمي والجهات الموالية بما وصف بأنه "شفاء" الرئيس البشير. ومثل هذه الدعاوي تقلق أكثر مما تطمئن، لأن أي شخص لا يمكن أن يتعافي من عملية جراحية بعد يوم واحد من إجرائها.

    مثل هذه التقارير المتضارية تكشف في حقيقتها عن "مرض سياسي" نكبت به الساحة السياسية السودانية، حكومة ومعارضة. وذلك، ابتداءً، لأن شخصنة الصراع السياسي هي في حدا ذاتها دليل على خلل سياسي كبير، وأزمة عميقة. وهذه المسألة هي الجانب الآخر لظهور الحكم الفردي الاستبدادي، حيث يصور شخص واحد بأنه المنقذ والقائد الملهم وما إليه. وقد شهدنا هذا في الحالة السورية، حيث يكرر أنصار الأسد أن وجوده ضروري وإلا فإن سوريا ستنهار وتتمزق. وإذا كان هذا صحيحاً (علماً بأن سوريا تتمزق الآن وهو حاضر) فإن سوريا تستحق ما هو أسوأ من التمزق، إن كان لا يصلحها إلا الحكم الاستبدادي الدموي.

    مهما يكن فإن القرآن قد حسم هذه المسألة حين تناول قضية دور الرسول صلى الله عليه وسلم في قيادة الأمة في قوله تعالى: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟" فإذا كان حال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو من هو في مكانته عند الله تعالى وعند المؤمنين، وأن أمر الأمة لا ينبغي أن يتوقف على وجوده، فما بالك بزعيط ومعيط من دهماء الناس أوالمتألهين؟ فكل البشر إلى فناء، وكلهم خطاءون. ومن يزكي نفسه من الناس (أو يقبل تزكية المتزلفين له) فهو من هذا الباب نفسه غير مستحق للتزكية، أيضاً كما قال الله تعالى: "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلاً. أنظر كيف يفترون على الله الكذب، وكفي به إثماً مبيناً." فمزكي نفسه أكذب الكاذبين، وكفي به إثماً.

    لكل هذا نعجب لما نشهده من تهليل ل "تماثل الرئيس البشير للصحة"، خاصة وأن الرجل قد أعلن منذ مدة نيته التخلي عن الرئاسة بنهاية فترة رئاسته الحالية، وأنه لا ينوي الترشح مجدداً. فإذا كان الرئيس كما يقول المهللون، هو محور الإجماع الوطني، وعليه تعتمد وحدة البلاد (ما بقي منها)، فكيف يجوز له التخلي التخلي عن دوره "الخالد"؟ وبنفس القدر، لماذا تصبح صحة فرد موضع كل هذه التكهنات والمساجلات والقيل والقال؟

    ما كل هذا إلا عرض لخلل بين في حال النظام والبلاد. فتعلق آمال المعارضة بمرض الرئيس، مثل تعلق آمال الموالين بمعافاته، هي من علامات العجز، وأحد مظاهر تعمق الأزمة. إذ ليس من الهم في حقيقة الأمر أن يكون هذا الفرد أو ذاك في وضع المسؤولية، وإنما ما يهم هو الإدارة الحكيمة لشؤون البلاد، وبرضا ومشاركة مواطنيها، وبتوافق قواها السياسية ومكونات مجتمعها. ومن الواضح أن هذه المطالب غائبة الآن. فالشعب غير راضٍ عن طريقة الحكم، والإجماع غائب، والمشاركة معدومة أو هي في أضيق الحدود، والبلاد في ضنك وشقاء واحتراب. وعليه فإن أي دور محوري يدعى لرأس للنظام، إن قبلنا بصحته، فإنه سلبي في أفضل التحليلات.

    وهذا يقودنا إلى نقطة ذات صلة، وهي أنه إذا كان دور الأفراد ليس العامل الحاسم، حتى لو كانوا أنبياء مرسلين عندهم من الله سلطان، فهذا لا ينفي مبدأ المسؤولية الفردية. فكل فرد مسؤول عن نتائج أعماله، وتزداد المسؤولية ثقلاً كلما علا المنصب. فإذا وجد بلد تمزقه الحروب، وينهك مواطنيه الفقر، وتتناوشه الأعداء من كل مكان، وينتشر فيه الظلم والفساد، فإن من يتولى قيادة مثل هذا البلد يتحمل نصيبه من الإثم والمسؤولية، خاصة إذا كان فرض نفسه قائداً لهذا البلد دون مشورة من أهله. وحتى إن كان الزعيم المعني قد انتدب لمسؤوليته برضا الشعب، بل وبإلحاح منه، فإن هذا لا يبرر التقصير عن حماية البلاد والعباد من الشرور والمصائب، خاصة وإن كان مصدر أكثر الشرور هما الحاكم وبطانته. ومرة أخرى فإن سلف الأمة الصالح قد سنوا سنة المسؤولية، حين ذكرنا عمر بأنه مسؤول عن البغلة التي تعثر في أقاصي البلاد. هذا مع العلم بأن عمراً لا يمكن أن يكون تسبب عمداً في تعثر البغلة. فما بالك بمن تسبب عمداً في هلاك الناس وضنك معيشتهم؟

    من جهة أخرى فإن المسؤول الذي يؤدي مهمته وواجبه على أحسن وجه، ينال ثناء العباد في الدنيا ورضا المولى في الآخرة. وبنفس القدر، فإن من يتخلى عن المسؤولية طوعاً بسبب اختلاف الناس عليه، أو بسبب إشفاقه من تقصير محتمل، أو حتى يكفي الناس شره، أو لمجرد إتاحة الفرصة لغيره، ينال من الثناء أكثره. وقد ينسى الناس سالف شره، وتنقلب سيئاته عندهم حسنات. وعندما من الأمثلة كثير، بدءاً من نموذج المشير عبدالرحمن سوار الدهب في السودان، وحتى سلفه الفريق ابراهيم عبود، الذي يذكره غالب السودانيين بكل خير، لأنه تخلى عن السلطة، مفضلاً ذلك على سفك الدماء. وفي خارج السودان هناك نماذج مضيئة كثيرة، خاصة في افريقيا، بدءاً من نيلسون مانديلا، مروراً بأوليشون أوباسانجو وعبدالسلام أبوبكر (وكلاهما حاكم عسكري جاءته السلطة بغير طلب منه، وتنازل عنها طوعاً، وأولهما أعيد انتخابه ديمقراطياً بعد عقدين من تنازله)، وبيير بويويا في بوروندي. (ولعلها مفارقة أن بويويا وأبوبكر يشكلان مع رئيس جنوب افريقيا السابق تابو أمبيكي "لجنة الحكماء" الافريقية التي تشرف نيابة عن الاتحاد الافريقي على معالجة أزمات السودان!)

    في يوم أمس الأول، قدم المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية استقالته من منصبه الذي تولاه قبل شهرين فقط، ولم يكن ذلك لجريمة ارتكبها أو فضيحة لوثت اسمه، وإنما لوقوع تقصير من قبل محرري أحد البرامج الإخبارية. وقد رأى الرجل أن إنقاذ سمعة الهيئة الإعلامية العريقة يستحق التضحية بمنصبه، ولم يشأ أن يحمل المسؤلية لمن هم دونه، رغم أن أسلوب عمل الهيئة يترك حرية واسعة للصحفيين ومعدي البرامج، ويقوم على عدم تدخل كبار المسؤولين في عملهم. ولكن الشرف المهني يحتم كذلك أن يتحمل من هو على رأس المسؤولية نصيبه منها كاملاً. والمفارقة هي أن معظم التعليقات، حتى من منتقدي الهيئة، أثنت على موقف المدير العام، واعتبرته مشرفاً.

    ما نريد أن نخلص إليه هو أن أحوال السودان ما تزال في تدهور مستمر، رغم ما تحقق من إنجازات لا تنكر في مجال البنية التحتية وتطوير الاقتصاد. بل إن هذه الإنجازات أصبحت مهددة، ولم يجن أصحابها حمداً، تحديداً لأن ما ارتكب من تجاوزات في جوانب أخرى أحبط أعمالهم. وقد أتيحت للمسؤولين فرص لا حصر لها لإصلاح الأمور، ولكن هذه الفرص ضاعت ########ت. ولم يعد البلد يحتمل المزيد من ضياع الفرص. وإذا كان مدير هيئة الإذاعة البريطانية استقال لأن أحد مرؤوسيه ارتكب خطأً واحداً، فإن هناك أخطاء لا حصر لها شهدها ويشهدها السودان. ولنفترض للحظة أن هذه الكوارث، ولم تكن أولها كارثة دارفور وليست آخرها كارثة تدمير مصنع اليرموك، هي من نوع مشكلة البي بي سي، أي أنها لم تكن من اجتراح القادة ولا من تعمد المرءوسين، أليس حرياً بمن في يدهم الأمر أن يمتلكوا مقدار ما كان لمدير البي بي سي من شرف ومروءة، فيتحملوا المسؤولية عن مرؤوسيهم؟

    هذا مع العلم بأن الأمر في السودان أكبر من ذلك بكثير، بل هو أفدح مما شهدته البلاد التي ثارت شعوبها مؤخراً. فليتنا إذن نشهد التوجه إلى معالجة مرض النظام الذي استعصى داؤه على النطاسين، ومن ثم معالجة أدواء الوطن المنكوب بنظامه، فذلك أولى من الانشغال بمرض فلان ووعكة علان. فمن لم يشف أدواء البلد وهو صحيح، فلن يكون أقدر على ذلك وهو عليل. ولكن ما يصيب الناس علل، فوق أنه مما كسبت أيديهم (ويعفو الله عن كثير!) فإنه فرصة للتأمل في مآلات الأمور، والتدبر في الفرص الضائعة، والسعي لاقتناص فرص جديدة. وقد يفتح البصائر التي كلت وعميت، وينبه من يعتبر إلى أن الحياة قصيرة، ومكاسب الدنيا من مال وجاه إلى زوال، وإنما يبقى في الدنيا الذكر الحسن، وفي الآخرة الباقيات الصالحات. ومن لم يتعظ بحال مدير البي بي سي، فقد تعجله الدوائر التي تدور، ولات ساعة مندم.

                  

11-21-2012, 07:35 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    مؤتمر ود أب زهانة


    «حيدر إبراهيم علي»




    11-21-2012 08:34 AM
    حيدر إبراهيم علي

    (1)


    جعل إسلامويو الإنقاذ من الوطن بعد احتلاله الداخلي، شيئا يطابق لوحة سريالية بامتياز. إذ يختلط الخيال بالواقع، والوعي بالوهم، والحقيقة بالكذب. وتأتي خطبهم واحاديثهم لتصف مكانا غير السودان، وكأنه قد اوحي لهم به جند سليمان. وحين يخطبون في المحافل، تحسبهم سكاري، وماهم سكاري ببنت الكرم، ولكن بخمر السلطة والتي وجدت قبل أن يخلق العقل. ويقدمون هلوسات بجرأة ووقاحة لا نظير لها بين الناس الطبيعيين. تصور أنهم يتحدثون عن صعود الإسلام في السودان، والحرية والديمقراطية، والمساواة في فرص العمل!فالمشكلة أننا نظن أنهم يفكرون مثلنا أو مثل الناس الطبيعيين. هذه جماعة تتميز بالشذوذ العقلي لأنهم لا يدركون أو يتعمدون الهرب من رؤية واقع منهار ومهترئ يري بالعين المجردة ويوميا.

    هذه الحالة الراهنة تشبه كوميديا سوداء، أومسرحية كتبها (بيكيت) أو (يونسكو) ، وقد تكون رواية يسردها (كافكا) مثل: المحاكمة أو المسخ. كل هذا ممكن ومحتمل، ولكن أن تكون حياة لشعب عظيم مثل الشعب السوداني، يستحق الكرامة والإعزاز؛ فهذا هو الجنون والجحيم والظلم عينه. لذلك من الخطأ والعبث التعامل مع هذه الجماعة بلغة المنطق والحوار والفكر والحديث الراقي. فهذه جماعة أقرب إلي العصابة أو المافيا منها إلي الحركة السياسية. وذلك، لأنها تعشق الكذب، ويخلو صدرها من تأنيب الضمير والوازع الأخلاقي. فعلي سبيل المثال، تزامن مؤتمرهم مع حادثة الصحافية سمية هندوسة، وهو حادث يهز أي ضمير حي. ولكنهم قسّموا العمل: مجموعة تتحدث عن الشوري وسماحة الإسلام في قاعات المؤتمرات المكيّفة، بينما مجموعة أخري من نفس التنظيم والجسم الحاكم، تقوم بالتعذيب وإذلال المواطنين في مباني الأمن بموقف شندي. وهذا يكفي لتكون مجرد عصابة مثل التي تسطو علي المنازل ليلا. فقد "نطّوا" علي وطن نامت نواطيره عن ثعالبها، وقد بشمن ومازالت النواطير نائمة أو تطالب بنصيبها من العناقيد.

    أعادنا الإسلامويون إلي فترة ما قبل دولة الفونج تماما أو قبل عام1504، ألي أجواء حروب القبائل ، وقطع الطرق والنهب والمجاعات. يضاف إلي ذلك سيادة الشعوذة والدروشة والخزعبلات. ومن العجيب إصرار بعض الكتاب الحواة والبهلوانيون علي إعتبار (سنار) أو السلطنة الزرقاء أول دولة إسلامية سودانية. يكتب (حسن مكي) : ". . . عاش المسلمون ثلاثة قرون لا يكادون يسمعون خبرا سعيدا، حتي جاء ذلك الخبر السعيد والبشرى الطيبة بكسب الإسلام لأرض بكر تعادل أضعاف الأندلس في قلب قارة إفريقيا". (الثقافة السنارية، عن جامعة أفريقيا، ص35) . ويضيف: "كسب الإسلام في إفريقيا ببزوغ نجم مملكة سنار الإسلامية وخسرت المسيحية بافول نجم ممالك النوبة وعلوة المسيحية". أو: "ولا عجب أن أدت حركة البعث الإسلامي إلي ازدياد حركة المد الإسلامي في إفريقيا". (نفس الصفحة) .
    لم تكن الدولة الإسلامية تملك أي"مشروع حضاري"، وليس لها طموح لهذا الدور الذي لا يوجد إلا في العقل السحري الغرائبي للكاتب. ويكتب المؤرخون الموضوعيون: "وحتي عند قيام مملكة الفونج كان انتشار الدعوة الإسلامية لا يعدو أن يكون اسميا وفي مرحلته الأولي. فقد اهتّم المبشرون وجلهم من البدو والتجار، وهم من تنقصهم الثقافة الدينية العميقة بالإسلام". (يوسف فضل، الطبقات. . . ، الطبعة الرابعة، 1992، ص3) وفي موضع آخر: "اعلم أن الفونج ملكت أرض النوبة وتغلبت عليها في أول القرن العاشر (الهجري) . . . ولم يشتهر في تلك البلاد مدرسة علم ولا قرآن. ويقال أن الرجل كان يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة". هل هذه الدولة الإسلامية الجديدة بديلة الإندلس؟ يصطنع الزهانيون تاريخا مزيفا يبعدون به من جدهم الاصلي: ود أب زهانة.

    أجد نفسي للمرة الثانية أزعج المرحوم (ود أب زهانة) في قبره، حين بحثت عن مقارنة للنفخة الكاذبة، والمظهرية، والادعاء، والطفيلية. ووجدت أنهم الأحفاد الطبيعيون للمرحوم وهم خير خلف. ويدعم قولي الباحث (الطيب محمد الطيب) الذي يكتب عن مرحلة سوء الأوضاع في سنار: ". . . وتفرق أبناء ود أب زهانة بهذه الطريقة واختلطوا بجميع أهل السودان فتم التزاوج والإنصهار وظني أن له في كل بيت من البيوتات السودانية التقليدية صلة رحم ، وبالتالي ميراث طبع من (جد الجميع) السيد ود أب زهانة والجينات تنتقل عبر الاجيال؛ لأني أري كثيرا من تصرفاته وسلوكه ومأثوراته يتحلي بها حفدته الميامين وغير الميامين علي السواء". (عن : كتاب الشيخ فرح ود تكتوك حلاّل المشبوك. طبعة هيئة الخرطوم، 2010: 58) ومن سخرية القدر أن صار أحفاد ود أب زهانة حكاما لوطن مساحته مليون ولكن فرطوا فيه أسوة بجدهم الذي فرط في أملاك وماشية وأراضي والده بعد كان من الأثرياء القلائل. وضربه الفقر لأنه خامل يردد: ( البجري جري الوحوش غير رزقه ما بحوش) أو يكرر القول: ( الحي رزقه حي، وربنا عايش الدودة بين حجرين، وربنا ما شق حنكا ضيعوا) . وبسبب تواكل احفاد ود أب زهانة الحكام ، ضاع ثلث البلد والباقي مرشح، كما ضرب الفقر والعوز، والحمى الصفراء، والسل العائد والكلازار، كل أرجائه. ورغم ذلك يواصل الزهانيون الجدد غيّهم وسفههم، وضلالهم. ويواصل القدر سخريته في السودان، فقد كوّن الزهانيون الجدد"حركة فكرية" وأصروا علي تسميتها: إسلامية. وبالمناسبة، فقد خدع الزهانيون الشعب السوداني لمدة 23 عاما، بقولهم أنهم يحكمونه بقوانين الشريعة الإسلامية. ولكن العام بشروا بقرب تطبيق شريعة بدون "دغمسة". ونكتشف أن الزهانيين الجدد، كانوا طوال هذه الفترة، يحكموننا بقوانين (سكسونيا) سرا، ولم يخبروننا بتلك الحقيقة المرة. وصبرنا عليهم طمعا في الحسنات ودخول الجنة، واخيرا ضاعت مننا الدنيا هدرا وقهرا، ومصيرنا جهنم وبئس المصير لأننا احنينا ظهورنا لسياط احفاد ود اب زهانة. (جملة اعتراضية: للشاعر صلاح أحمد إبراهيم دوبيت هجائي ضد النميري، يقول في مقطع: ربنا ابتلانا عشان نخش الجنّة سلّط لينا دجال إيدو ماكنة مكنّا! ما شاف الدجالين الحقيقيين الذين انخدع ببدايتهم) .


    (2)

    من الأقوال المأثورة ل (ود أب زهانة):
    1. اديّن واتبين
    2. الدين فوق الكتوف والأصل معروف
    3. اكل عجبك والبس عجب الناس
    4. كان كترت الهموم أرقد ونوم
    5. الصبر ضل النبي

    وكثرت أمثاله و"حكمه" (بعد أن تضعضع ماله نحو الاستدانة، فكان يقترض الماشية والنقود ويدفعها لمن يمدحونه أو يعدونه بالزواج". (الطيب. . . ص، 60) وهذا بالضبط ما يفعله الآن الزهانيون الجدد ،حكومتهم تتدين من كل العالم وهم يتبينون بدعوة العشرات من الإسلاميين وكبار الضيوف، ويصرفون عليهم الملايين: تذاكر، فنادق، ضيافة، ترحيل، هدايا... الخ. ومن المعلوم أن النظام الذي يسند الحركة وتسنده الحركة، يعيش أزمة إقتصادية خانقة لا تسمح بهذا الترف والسفه، لو كانوا عقلاء. ولكنه خمج ود أب زهانة عينه، إذ تصور نظاما لا يستطيع إجلاس تلاميذ المدارس الابتدائية حتي في ضواحي العاصمة ولا توفير الكتب لهم. ويعجز النظام الزهاني عن توفير الادوية الحيوية، ولا مدخلات الإنتاج الزراعي ولا التقاوى غير المسرطنة، ولا معدات الدفاع الجوي لرد الصاع صاعين لإسرائيل. ويصل الدولار لاكثر من6جنيهات وثلاثين، وتعلن الحكومة تقشفا قاسيا. ومع ذلك، تنفق الحركة الإسلامية بمثل هذا الترف.

    احتاطت إحدي المسؤولات الحزبيات- أظنها ذات النطاقين- لمثل هذه التساؤلات. فبادرت بالقول: أن تكليف المؤتمر بلغت مليار جنيه، وكلها من جيوبنا أو محفضاتنا! ونحن أعلم بإمور جيوبكم!فانتم لستم وارثين ولا أبناء البورجوازية السودانية: أبوالعلا أو عبدالمنعم أو عثمان صالح أو النفيدي أو شيخ مصطفي الإمين. كلكم أبناء فقراء مثلنا رفعكم التعليم من القاع الإجتماعي ثم سطوتم علي السلطة. وعوضا عن اجتثاث الفقر وتحقيق العدالة والمساواة، قررتم – بحقد – الإنتقام من الفقر والحرمان وتعويض كل ذلك التاريخ بنهب مقدرات البلاد ومحو الخط الفاصل بين المال العام والخاص، بفساد يثير الاشمئزاز. ومما أثار غضبي : لماذا لم ينصحهم رفقاؤهم الإسلامويون القادمون من الخارج بأن هذه الأموال أولي بها أطفال السودان الذي تأتيهم من النصارى ودول الاستكبار؟ ولكنهم ليسوا بأفضل منهم في حسهم الاجتماعي للعدل وضد الظلم. لذلك، قبل الإسلاميون العالميون بأكل أموال اليتامي السودانيين. ألم تخنقهم اللقمة المعجونة بدموع أطفال البجا ودارفور وجبال النوبة؟

    (3)

    عاد الإسلامويون بالسودان إلي مطلع التسعينيات، حين عوّل علي مساندة الخارج لفك عزلته الداخلية والتي تجددت هذه الأيام مع تفاقم الأزمات الإقتصادية والأمنية. فقد اشتاقوا لأيام : المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وهوس: أمريكا وروسيا قد دنا عذابها. وجاء في الأخبار: " وحضرت إلى الخرطوم 120 شخصية إسلامية بينها محمد بديع المرشد العام “مصر”، وراشد الغنوشي، وعبد المجيد النجار “حركة النهضة بتونس” ومحمد الهلالي “حركة الدعوة والإصلاح الجزائرية”، وسعد سلامة وبشير الكبتي “حركة الإخوان المسلمين بليبيا". وكنت اتوقع أن يكون سؤالهم الأول لمستقبليهم: هل صحيح سلم (قوش) قوائم كاملة بأسماء من حضروا مؤتمرات الترابي؟ وماهي الضمانات بعدم تسليم معلومات عنّا لو اقتضي أمر رفع العقوبات ذلك؟ ما علينا هم يعرفون بعضهم جيدا.

    ومن أسباب حضور المرشد المصري - كما جاء في الأخبار:

    "وتوجه «بديع» للسودان للقاء قيادات الإخوان بالخارج، أثناء حضورهم مؤتمر الحركة الإسلامية، الذى يستمر 3 أيام، بعد تراجع الجماعة عن استقبال «إخوان الخارج» بالقاهرة، لحضور اجتماع مجلس الشورى العالمى للجماعة المقرر فى أوائل ديسمبر المقبل، تفادياً - كما قالت مصادر إخوانية - لـ«إحراج» الرئيس مرسى، بحضور قيادات الخارج الاجتماع ومن المقرر أن يلتقى المرشد بجميع مراقبى الجماعة العرب لحثهم على دعم حكم الرئيس مرسى، وأبرزهم إبراهيم المصرى، أمين الجماعة الإسلامية اللبنانية، ونائب المرشد العام للجماعة، وهمام سعيد، مراقب إخوان الأردن، عضو مكتب الإرشاد العالمى. وأوضح الدكتور على عزالدين، عضو مجلس شورى الجماعة، أن المرشد سيلتقى رجال أعمال سودانيين، ضمن سلسلة لقاءات تبحث دعم غزة مادياً، عبر حملة لفتح حسابات مصرفية لمساندتها، فى جميع الأقطار العربية". (المصري اليوم 16/11/2012)

    يستغل الإسلامويون في البلدان المختلفة، عنتريات أحفاد (ود أب زهانة) فالذي يحرج الرئيس المصري ،لا يحرج الرئيس السوداني ،لأنه لا يضع حسابات دقيقة لمواقفه وقرارته التي كانت تزداد سخانتها مع سخانة دقات الدلوكة. ثم لماذا يدعم رجال الأعمال السودانيون غزّة ماديا، ولكنهم يتقاعسون بدعوى الأزمة الاقتصادية حين يتعلق الأمر بوطنهم؟ كما أن (الإخوان المسلمين) كانوا -قبل الإنتخابات- ينأون بأنفسهم عن أي مقارنة أو علاقة بالإسلامويين السودانيين. وكان (راشد الغنوشي) من أكثرهم نقدا وتجريحا للتجربة السودانية، علما بأنه كان يعتبر نفسه من تلاميذ (الترابي) وألف معه كتاب(الحركة الإسلامية والتحديث) الصادر عن دار الجيل عام1984 . وهو في تناقض واضح في التعامل مع السودان بسبب الإنشقاق الإسلاموي. ويعمل علي تبرير مواقفه السابقة، وفي مواجهة معه اكتوبر2011 في الحمامات (تونس) قصدت استفزازه. واتهمته بالعنصرية لأنه وقف ضد دكتاتورية (بن علي) بينما أيد دكتاتورية الترابي/البشير وكأن الشعب السوداني غير جدير بالديمقراطية. واحرج كثيرا واعتذر عما حدث. وأكد لي خارج الجلسة، أنه أسقط في طبعة (دار الشروق) المصرية ما كتبه في كتابه: الحريات العامة في الدولة الإسلامية (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1993) عن التجربة السودانية (ص266 و282-286) ولكنه عاد في المؤتمر الحالي ليقول:

    " إن السودان كان الأول في دعمهم وقت الشدة ولا يزال يدعم قضايا الأمة الإسلامية وإنه يعتز بأنه كان يحمل جواز سفر دبلوماسيا سودانيا. وأضاف أن تمكين الإسلام في المنطقة انطلق من السودان رغم تآمر الغرب عليه وتسببه في انفصال الجنوب. ورأى أن أرض الإسلام الآن في تمدد وليس نقصان وأن على السودانيين أن يعلموا أن زمن الانتقاص من أرضهم قد انتهى".

    (4)

    يصف (الطيب محمد الطيب) أهم نقائص (ود أب زهانة) أنه كان سمّيعا، يسمع ويصدق كل ما يقال له، صدقا كان أم كذب. فهوإن قيل له: أنت أكبر من ملك سنّار صدّق، وإن قيل له: إن قارون لا يساوي غناه وبر إبلك، آمن وصدق. (ص57) ومن آفاته حب الفخر والنفخة. ينتقد الإسلامويون العرب في الخارج، وعندما يحضرون للخرطوم يقولون لأحفاد (ود أب زهانة): أنتم أهم ثغور الدفاع عن الأمة الإسلامية، وأنتم أول دولة إسلامية عربية في العصر الحديث.

    كل هذا النفاق والتذبدب في مواقف الإسلامويين العرب، ما هو إلا خطة لتوريط الزهانيين المحبين للنفخة الكاذبة، في مواقف لا يريدون هم دفع ثمنها الباهظ دوليا. وبالفعل ما أن سمع أحفاد (ود أب زهانة) هتافات من طراز:
    " الله أكبر لتحرير القدس الله أكبر لنصرة الصومال . . الله أكبر لكسر شوكة المعتدين. . لا للأمم المتحدة ولا لمجلس الظلم الدولي . . كفانا هوانا وإستضعافا".

    حتي إنفعل أعقلهم: علي عثمان محمد طه، الأمين العام السابق، وجاء في الأخبار: أنه دعا إلى نظام عالمي إسلامي جديد على أنقاض منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وقال إن حركته بصدد طرح مشروع نهضوي للأمة الإسلامية. وإن على الشعوب الإسلامية النهوض وإستنفار الهمم بعيدا عن الخطابات العاطفية. وقلل من تأثير المجتمع الدولي على الإسلاميين في السودان وطالب دول المنطقة بالتعاون وقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية. وتوعد إسرائيل بالرد على قصفها لمجمع اليرموك الحربي قائلا: إن كانت قدراتنا على الرد الآن لا تمكننا فإن عزمنا على الرد قائم وإن طال المدى. وذكرت الحركة في البيان الختامي أنها "حركة جهادية لكنها لا توظف الجهاد في العدوان أو الإستعلاء إنما صولة على المعتدين".

    ظن (الزهانيون الجدد) أن هذه المواقف والتصريحات تنتهي بالهتافات والتكبيرات داخل القاعة المكيّفة، ولا يسمع بها أحد. ولكن (العميد ضاحي خلفان) مدير شرطة دبي، أو (ميسي) مواجهة الإسلامويين، سجل فيهم هدفا سريعا بفضح خطتهم الجديدة. وأكملت صحيفة (العرب) اللندنية في عدد الجمعة16/11/2012 كشف الاستراتيجية كاملا. كتبت: " أن مؤتمر الحزب الحاكم بالسودان ليس سوى واجهة للقاء هام يعقده التنظيم الدولي “إثر نهاية فعاليات المؤتمر العلني” لاستكمال ما قرره الاجتماع الذي عقد بمكة المكرمة على هامش أداء مناسك الحج، وحضره الرجل الإخواني البارز يوسف القرضاوي". (غاب بسبب المرض) . وتضيف: " ومن المنتظر أن تناقش الاجتماعات التي تتواصل ثلاثة أيام مقترحا قطريا بتأسيس واجهة سياسية علنية مقرها القاهرة تجمع فعاليات إخوانية عربية وإسلامية، ورشحت لها الدوحة خالد مشعل الذي أعلن أكثر من مرة عزمه الاستقالة من مهمة رئاسة المكتب السياسي لحماس". ونقلت الصحيفة اللندنية عن مصادر من قلب المؤتمر قولها “إن الواجهة الجديدة للإخوان ستكون في شكل منظمة سياسية (شبيهة بالمؤتمر الإسلامي، أو الجامعة العربية) تتولى التكلم باسم الإخوان الذين يحكمون الآن في تونس ومصر، ويحضّرون للانقضاض على السلطة في أكثر من بلد. وفي هذا الصدد قال قيادي سوداني: " إن المؤتمر سيدرس تقديم مختلف أشكال الدعم لما أسماه “انتفاضة” الكويت والأردن، وسيكون على رأس هذا، الدعم التحرك الإعلامي القوي الذي يركز على مهاجمة القيادة السياسية، وعلى الفشل الاجتماعي والاقتصادي لسياساتها". وأشار إلى أنه ستتم في الاجتماع مراجعة الخطوات المتخذة في سبيل إنشاء قناة الإخوان الفضائية الدولية وسيكون مقرها القاهرة. .

    (5)

    ولأن أحفاد (ود أب زهانة) ليسوا رجال حارة وظنوا المسألة مجرد أضواء، فقد روعوا من ردود الفعل، خاصة من الدول ذات اليد العليا(صاحبة القروض والمنح). فسرعان ما ظهرت بياناتهم من قبيل: " لقد تداولت بعض وسائل الاعلام والمواقع معلومات لاتخلو من الغرض عن المؤتمر وهى تتنافى مع طبيعة المؤتمر وجدول اعماله ولقد اكدت رئاسة المؤتمر وضيوفه على اهمية الوحدة والتماسك فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الامة وتجنب الدخول فى محاور او برامج استقطاب يمكن ان تؤثر فى استقرار المنطقة او دولها. ان الحركة الاسلامية فى السودان فى علاقاتها الخارجية مع الحركات الاسلامية تحترم سيادة الدول ورغبات الشعوب ولاتقوم على محور موجه ضد اى احد وان لها رسالة لا تتقاطع مع الحكومات والدول بل تبحث عن نقاط الالتقاء والتعاون والمشاركة لاجل التعامل مع التحديات التى تواجه المنطقة وشعوبها. "

    تراجع الزهانيون الجدد سريعا، لأن الأمر ليس فيه إسلام ولا حركة(ممكن حركات الجيش!). ألم تقم نفس قيادات هذا المؤتمر عام 1999 بعد المفاصلة بحل الحركة الإسلامية واستبدلوها بالمؤتمر الوطني؟ إن اللقاء الحالي هو تعاون علي الإثم والعدوان علي الشعب السوداني وتقوية لنظام فاشي علي شعبه. فقد أراد نظام الخرطوم من هذا اللقاء ترحيل أزماته الداخلية المتصاعدة للخارج، وتقديم نفسه كدولة ممانعة ومقاومة أسوة ببشار الأسد. وبالفعل، تردد الحديث عن العدوان علي غزّة والسودان!وبعد مرور يوم واحد فقط، نقرأ في الأخبار: " اجتمعت في الخرطوم أكثر من سبعين منظمة غير حكومية محلية ودولية، في جلسات مؤتمر للتضامن مع السودان ضد العدوان الإسرائيلي المتكرر على أراضيه، وطالب المجتمعون بتشكيل تحالف دولي للدفاع عن حقوق الإنسان وملاحقة إسرائيل قضائيا". وأكد ممثل المجلس السوداني للجمعيات التطوعية، إبراهيم محمد إبراهيم، أن المؤتمر يبحث خلق تضامن عالمي ضد الاعتداءات الإسرائيلية على السودان، والخروج برؤية مشتركة لكيفية وقف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مع ضمان عدم إفلات إسرائيل من العقاب. (الصحف19/11/2012) .

    الحقيقة هذا النظام علي أبواب الانهيار بعامل التآكل الداخلي مقضيا علينا وعلي نفسه. ولذلك، يدعي النظام أن السودان الآن في حالة مقاومة ودفاع عن الأمة العربية والإسلامية، وسوف يرفع النظام شعار: لا صوت يعلو فوق المعركة! وبالتالي يبرر كل أشكال القمع والاضطهاد، ويعتبر أي معارضة للنظام خيانة وطنية تصب في صالح العدو!فالمعارضة موعودة بتصاعد القمع وتنوع أدواته. وهذا يفرض علي المعارضة فكرا وفعلا جديدين في حجم المستجدات القادمة. فالشعب غير مطالب الآن بالنزول إلي الشوارع واحتلال السفارات. هذه دعوة عبثية بدون تعبئة وتوعية الجماهير وضمان حمايتها من شراسة الأجهزة الأمنية.من ناحية اخري، فالانتفاضة القادمة سلمية ومدنية ولكنها يجب أن تكون محمية بسلاح معارضين آخرين، عند الضرورة، لهم نفس الهدف: إسقاط النظام وتصفية آثاره. والمعارضة الآن يجب ألّا تضيّع الوقت في جدل ترتيبات المرحلة الإنتقالية والدستور بينما النظام حي وجاثم علي صدورنا. هذا عبث ودون كيشوتية مارسها المرحوم (التجمع الوطني الديمقراطي) في أسمرة والقاهرة بلا جدوي؛ بل إنتهت بهم إلي داخل برلمان النظام الحالي. وشاركوا في وضع دستوره بالصمت وعدم الفعالية. وساعدوه في شرعية بانتخابات مزيفة. كما أن المعارضة لن تستفيد من الرحلات المكوكية في الدوائر الغربية ومقابلات المسؤولين في الكونقرس ومجلس اللوردات ووزارات الخارجية. فالغرب لا يغير ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم: ألم تقرأوا تجربة العراق والآن سوريا؟ كذلك،المعارضة لا تريد هذا العدد من الجبهات والائتلافات والمنابر، بل تريد معارضة واحدة وموحدة. ولتتوقف هذه التوقيعات علي البيانات المتعددة فهي تكريس وشرعنة لهذه الكيانات الأميبية، وليست دليلا علي الاتفاق والوفاق. فالمطلوب أن تحل نفسها جميعا وتعمل في جبهة واحدة ليست قائمة علي تحالفات. لسنا في حاجة إلي قادة وزعامات اضافية، ولا إلي طاوويس ونرجسين جدد. بل في حاجة لمبادرين يضحون بوقتهم ومالهم وراحتهم بلا أضواء أو مقابل مادي أو معنوي.
    علي المعارضة نقد ذاتها والتخلي عن سلبيات الماضي وتكرار الأخطاء. وهذا يعني أن تتحول إلي مقاومة وليس معارضة تسلية واستعراض اضاعت23 عاما في هجاء النظام وكشف عوراته، دون أن تغيّر ميزان القوى لصالحها.
    ينقدني البعض بأنني لا أقدم البديل واكتفي بالنقد. البديل:

    1. البدء من قبل الشباب والنقابات البديلة، والأحزاب، والمجموعات الإثنية؛ في تشكيل وبناء لجان الإنتقاضة الشعبية في الأحياء ثم المدن ثم المديريات. وهي ليست تحالفا يأتيها الناس فرادي كل حسب عطائه الفردي مع الاحتفاظ بحزبيته في النشاطات الاخري.
    2. أن يشكل السودانيون في الخارج لجان دعم الإنتفاضة في الداخل من خلال التبرعات، وفرض اشتراكات شهرية ثابتة حسب الدخول، بالإضافة للإعلام، وطرح قضايا انتهاكات حقوق الإنسان.
    هذا اقتراح مبدئي وخام مطروح كبديل، للنقاش.


    --------------------

    دخول بيت الضبع ..

    بقلم: صديق محيسي
    الأحد, 18 تشرين2/نوفمبر 2012 12:01



    رغم الجرعات الإعلامية اليومية في فضائيات النيل الازرق , وامدرمان ولخرطوم , والتلفزيون الرسمي ,وكافة اذاعاته الكبيرة والصغيرة,فأن نظام الأ نقاذ لم ينجح في تجميل صورته بالنسبة للناس ابدا, فلا يكاد المواطن يغادر شاشة التلفزيون حتي تدهمة المشكلات اليومية, ارتفاع الآسعار الجنوني ,وازمة المواصلات وخواء المستشفيات من اي شيءوهكذا يكشف المواطن عدم صدقية الشعارات والتصريحات دون ان يكون متعلما , او مثقفا يسعي الي تحليل الظاهرة وردها الي اسبابها , فهو عليه فقط ان يقارن بين دخله الشهري او اليومي وواقع ا لسوق المتغير .

    وتجميل الصورة لدي الانقاذيين هي عادة مستمرة يلجأوون اليها مستغليين في كل مرة مناسبة ما يحولونها الي حركة انصرافية تصرف الناس عن واقعهم البائس ,وتلك سانحة لاتفوتها السلطة واجهزة اعلامها, ورأينا ذلك عندما أحتل جيش الجنوب الشعبي هجليج 11-04-2012 وكيف نهضت اجهزة اعلامها تدق طبول الحرب وتستثير النزعة العنصرية في الناس من ان "العبيد" احتلوا جزءا من ارض السودان, فأخرجوا المواكب والمسيرات ورفعوا عصيهم في الهواء مرددين شعارات ممجوجة تصور الحادث كأنه معركة بين كفار ومسلمين, وبعد ان انسحب الجيش الشعبي بمحض اردته من هجليج حتي دخلوا في المرحلة الثانية من التجييش الإعلامي فأعلنوا دخول قواتهم الي هجليج فاتحة منتصرة , بينما لم تعرض كاميرات اعلامهم اي قتلي ,او جرحي ,او أسري من جيش العدوالمهزوم ورافق "الانتصار"اخراج الناس مرة اخري تشيد بقواتهم المسلحة وتشد من ازرها ,وتلقي الخطب النارية في قدرة الأنقاذ علي هزيمة "كل من تسول نفسه المساس بشرع الله" ولكن ما ان ينحسر موج الدعاية عن ساحل الواقع حتي تعالج اشعة ما تبقي من اكاذيب, فيعود الجوع قضية تتصدر الحياة اليومية ,وتعود اخبار الفساد تحتل صفحات الصحف,ثم تعود الأنقاذ الي هذه السيرة وتنتقل كلاعب ديمنو ماهر الي حالة اخري من العمليات الإنصرافية,فيوقع رئيسها إتفاق مصالحة مع نظيره الجنوبي فتجري الأحتفالات في كل مكان وتخصص فضائياتها اياما من الأناشيد والغناء , فيعمل هذا المورفين عمله في عروق الناس ويزول سريعا بعد انتهاء فاعلية التخدير. وتتواصل المناسبات لتقدم الطائرات الإسرائيلية التي دمرت مصنع اليرموك ا كبر خدمة لنظام الأنقاذ حيث انتشلته من عزلته الداخلية , ولتعطية فرصة ثمينة ليهيب بالمواطنين الجوعي ان يهبوا للدفاع عن الوطن في وجه العدوان الإسرائيلي الماكر , فنظمت المظاهرات ,وسارعت المنظمات والهيئات والجمعيات الدينية لتدين العمل الوحشي الإجرامي للعدو الصهيوني ,واستمر الشريط الإخباري في فضائياته ينشر ادانات من الشرق والغرب "للعمل الإنسان رخيص" وهنا اخذ النظام انفاسه لأنه شغل الناس عن قضية الجوع بقضية اخري .
    وتتري المناسبات فيقدم النظام علي حيلة إنصرافية كبري هي ما أطلق مؤتمر الحركة الإسلامية الذي دعا له زعماء الأسلام السياسي في العالم , وفيهم من اتت بهم الثورات الشعبية العربية حكاما لبلدانهم, وصادف موعد اجتماع الحركة الذي صرف فيه المليارات هجوم اسرائيل علي مصنع اليرموك ليربط الإنقاذيون الحادثة بأنخراطهم في الجهاد ضد اسرائيل ,وإعتبار السودان في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية, وفي فقه التكتيكات السياسية كان كل ما تفكر فيه سلطة الإنقاذيين هو إقناع ضيوفها بأن نظام العصبة لايزال قويا , وان راية الشريعة لاتزال تخفق في سماء السودان.
    والآن وبعد ان اطفأت الأنوار وازيلت زينة الإحتفال ,وعاد كل فرع الي شجرته ,دعونا نشهد مناظر المرضي الفقراء بأجسادهم النيحلة وهم يفترشون الأرض امام المستشفيات, والمئات في موافق المواصلات يتراكضون تحت الشمس الحارقة وراء الحافلات للوصول الي بيوتهم .
    sedig meheasi [[email protected]]


    ---------------

    مشروع الجزيرة : الاستهداف مع سبق الإصرار والترصد ..

    بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان
    الخميس, 15 تشرين2/نوفمبر 2012 08:28
    بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى


    -1-
    لم يكن ليتبادر على الذهن أو يخطر على البال أن يؤول مشروع الجزيرة الى ما آل اليه الآن فى ظل حكومة الأنقاذ. كيف تسنى لمشروع الجزيرة كأكبر مشروع زراعى فى الشرق الأوسط وأفريقيا يروى رياً أنسيابياً فى نفس اللحظة التى تموت فيه كل محاصيله نتيجة للعطش؟ كيف لمشروع زراعى فى بلد زراعى فى المقام الأول أن يتدهور ويصل القاع والحضيض وهو الذى كان يعاضد كل السودان فى أقتصاده عليه؟ ما كان لهذا المشروع أن يصل الى ما وصل اليه الآن الا بفعل فاعل مع سبق الأصرار والترصد ولكن يبقى السؤال من هو هذا الفاعل؟
    الأجابة على هذا السؤال واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار أذ من فعل هذا فى هذا المشروع العملاق ؛ أعظم أنجازات حقبة الأستعمار الأنجليزى المصرى ؛ ما هو الا حاقد على أهل هذا المشروع أو مصاب بحالة نفسية تجاه أهل هذا المشروع الذين آووا ونصروا واعانوا وأعاشوا أهل السودان من الشمال والجنوب والغرب والشرق؛ أذ أن المشروع كان يمثل دورة حياة كاملة ولا يمكن ان ينظر اليه بحساب الربح والخسارة أذ عليه تعتمد حياة أقتصادية واجتماعية كاملة لكل اهل السودان والذين تقع مسئولية توفير الحياة الكريمة لهم على عاتق الدولة قام مشروع الجزيرة بجهد اهله بتوفير هذه الحياة الكريمة للغالبية العظمى من اهل السودان. أن أقتصاد السودان الكلى وتوفير العملة الصعبة للأستيراد كانت جلها تأتى من بيع محصول القطن - الذى يطلق عليه الذهب الأبيض - الذى ينتج بمشروع الجزيرة. أن معظم مشاريع التنمية التى قامت فى مجال التعليم من مدارس وجامعات ومشاريع الصحة من مستشفيات ومراكز صحية كلها قامت فى مختلف أنحاء السودان اعتماداً على منتوج مشروع الجزيرة وما يرفد به الخزينة العامة للدولة ولكنه الآن صار يموت موتاً سريرياً والكل يتفرج عليه والبعض شامتاً وحاقداً ولا بواكى عليه كما الشهيد حمزة بن عبد المطلب.
    أن عقلية وذهنية النخبة الحاكمة فى نظام الأنقاذ والتى جلها من أبناء الشمال والذين الغالبية الغالبة منهم قد عاشوا وعاش آباؤهم تحت كنف هذا المشروع العملاق بل حتى التعليم الذى نالوه ليصلوا هذه المراتب هو من ريع مشروع الجزيرة وبدلاً من مقابلة هذا الأحسان بالأحسان قابلوا مشروع الجزيرة وأهله بالجحود والنكران والتنكر وكشفوا عن الحقد الدفين ولذلك رفعوا معاولهم هدماً وتهديماً للمشروع. وكانت هنالك مقولة للدكتور عبد الوهاب عثمان وحمدى بدر الدين أشهر وزراء مالية حكومة الأنقاذ أنهم غير مستعدين للصرف المالى على الزراعة وخاصة مشروع الجزيرة لأن الزراعة ذات مخاطر كثيرة والأضمن للدولة الصرف على الصناعة والتصنيع ونتج عن هذا التفكير أن تم تدمير القطاع الزراعى بالكامل وايضاً تدمرت الصناعة رغم الصرف عليها وبذلك لا ######اً بلغوا ولا كليب ولو كان لهم مجرد علم فى الأقتصاد لعلموا أن السودان بلداً زراعياً ورعوياً ولا يمكن أن ينهض الا بتنمية القطاع الزراعى بشقيه النباتى والحيوانى مع الصناعات التحويلية المرتبطة بأنتاجه النباتى والحيوانى.
    أن مشروع الجزيرة مشروع قومى يتبع لوزارة المالية الأتحادية وهى التى تتحكم فى مصيره تمولياً ويتبع أدارياً لوزارة الزراعة الأتحادية ولذلك لا يمكن تمويله من أى جهة عالمية أو بنكية الا برهن أصوله والتى تتبع لوزارة المالية ولذلك صار محافظ مشروع الجزيرة ومجلس أدارته بدون أرادة فى عملية تمويل المشروع بمدخلات الأنتاج والتشغيل مما أدى الى تدهور تربته للأنتاج لعدم وجود آاليات الحرث العميق ومكافحة الحشائش وأمتلأت القنوات بالطمى والأعشاب مما أدى الى ضيق سعتها الأستيعابية والتخزينية للمياه مع تكثيف شديد للدورة الزراعية بصورة أكبر من السعة التصميمية للمشروع بالقرارات السياسية الغير مدروسة علمياً وكل هذا أدى الى تدهور الأنتاجية الى درجة جنونية مع غياب كامل للبحوث الزراعية لأستنباط عينات أكثر أنتاجية وأكثر مقاومة للآفات والأمراض التى تصيب المحاصيل وصار بذلك دائماً تحت رحمة وزارة المالية الأتحادية والكل يعلم أنها منذ أن جاءت الأنقاذ من أى جهة من جهات السودان كان وزراؤها. كيف نفهم ما يجعل سوريا تنتج قطناً من الفدان الواحد مساوياً لأربعة أو خمسة أضعاف ما ننتجه نحن مع العلم أن مزارعنا أكثر خبرة فى زراعة القطن من المزارع السورى؛ هذا اذا اضفنا الى ذلك ارتفاع اسعار المدخلات الزراعية والجبايات والضرائب والزكاة وغيرها من أرتفاع تكلفة الترحيل والتسويق.
    أن الدولة الراشدة ودولة الرعاية الأجتماعية لشعبها لا يمكن أن تركب حصان الخصخصة والسوق الحر ووصفات صندوق النقد الدولى ركب عشواء ليتضرر شعبها من هذه الوصفات والتى لم تطبق بحذافيرها فى الدول المتقدمة الكبرى والتى هى دولاً رأسمالية بطبيعتها ليس كتركيبة مجتمعاتنا الفقيرة والأكثر تخلفاً وأنما قمة تخلفنا هو المحاكاة وتنفيذ أوامر ووصفات الآخرين دونما أن نخضعها لظروف مجتمعنا. أن المشاريع الرائدة من مشاريع القطاع العام من زراعة وصناعة ومواصلات والتى يملكها أو يعمل بها عدداً كبيراً من الأفراد وبها حركة دولاب معيشى أقتصادى وأجتماعى تعتمد عليها شرائح كثيرة غير المزارعين الملاك للحواشات لا يمكن ان تخصخص ومن أراد الخصخصة ودخول القطاع الخاص فأرض السودان الزراعية واسعة والذى أستثمر منها حتى الآن لا يساوى خمس الموجود. فالخصخصة غير حكيمة وغير راشدة وغير مجدية فى المشاريع الزراعية الكبيرة التى يمكلكها افراد كثر فى شكل حيازات وحواشات صغيرة لا تتعدى العشرين فداناً للمزارع الواحد ولذلك لا ينفع فيها أسلوب الخصخصة وما على دولة الرعاية الأجتماعية التى ترعى شعبها من المسغبة والتى تعمل وتوجه كل مدخراتها للنهوض بهذه المشاريع وربط انتاجها بالتصنيع الزراعى فى كل مراحله. وهذا ما قامت عليه الهند ونهضت به عندما أعلن غاندى الثورة الخضراء. فالهند ذات المليار ومأئتين وخمسين مليون نسمة ومساحتها ضعف مساحة السودان قد أكتفت ذاتياً من الغذاء وهى الآن من الدول المصدرة للغذاء الطازج والمصنع لكل دول العالم من أنتاجها الزراعى بشقيه النباتى والحيوانى ونحن نتلقى الأغاثة لطعامنا ما لكم كيف تحكمون؟. كيف تسنى للهند أن تحقق ذلك وعجزنا نحن عنه؟ لولا أن النخبة التى حكمت السودان منذ الأستقلال وحتى الآن أعمى الله بصيرتها وأزدادت عماً فى زمن الأنقاذ التى أتاها دخلاً كبيراً من البترول بدلاً من استثمار فوائضه لنهضة زراعية حقيقية قامت بصرفه وتبديده على الحروب والأمن والفساد مما جعلنا فى كثير من الأحيان نسترجع مقولة كاتبنا الكبير الطيب صالح من اين أتى هؤلاء؟ ونعتبره سؤالاً منطقياً والأجابة عليه ما زالت ملحة ولا يقدر على هذه الأجابة لهذا السؤال الا أهل الأنقاذ أنفسهم؛ رغم أننا من قبل قلنا أنهم أبناء عمومتنا وجلدتنا ولكنهم جاءوا من رحم الأنغلاق الأيدولوجى.
    حضرت الأسبوع الماضى لقاءاً بجامعة الزعيم الأزهرى للأخ عبد الجبار حسين أمين النهضة الزراعية ومن قبلها النفرة الزراعية وقال أنهم قد صرفوا أموالاً طائلة لأنشاء الطرق والبنيات التحتية للقطاع الزراعى وهو يعلم أن حكومة الأنقاذ قد قامت ببيع خطوط سكك حديد الجزيرة بورد بعد قلعها من الأرض وباعت القطارات والعربات لدولة أفريقية وهل هنالك بنية أساسية اكثر من السكك الحديدية للكمية التى تقوم بترحيلها ولرخص سعر هذا الترحيل؟ كيف نفهم أن هنالك نهضة زراعية ذات أموال طائلة وهى عاجزة عن استنهاض مشروع الجزيرة ذا البنيات الأساسية والتحتية الثابتة؟ هذا يصير ضحكاً على الذقون ولا يمكن لأمين النهضة الزراعية أو راعيها السيد على عثمان محمد طه أن يضحكا على عقول مجموع البشر المرتبط بالقطاع الزراعى وخاصة المشاريع المروية وبالأخص مشروع الجزيرة. ما هو الأجدى أن تصرف المليارات من الدولارات على سد مروى من أجل الكهرباء ونحن مع ذلك ما زلنا نعيش فى قطوعات وظلام دامس ويمكن توليد الكهرباء من مصادر أخرى دائمة وبأقل تكلفة دون أن يكون توليدها على حساب أولويات أخرى ؛ أما كان الأجدى أن تصرف لأستنهاض مشروع الجزيرة من كبوته؟ ألم أقل لكم أن هنالك من هم فى قمة الأنقاذ من يكيد الحقد الدفين لمشروع الجزيرة وأهله ويعمل على تحطيمه مع سبق الأصرار والترصد ؟ وما دافع هؤلاء الا عقد نفسية نسأل الله أن يشفيهم منها ويزيل الغشاوة عن أبصارهم حتى يروا الحقيقة المجردة ويردوا الدين لأيد سلفت من مشروع الجزيرة وأهله. ومع ذلك نقول أن أهل مشروع الجزيرة من مزارعين وأبنائهم المتعلمين وعمالهم الزراعيين لقادرون على النهوض بمشروعهم مهما تكالب عليه الأعداء لو قامت حكومة الأنقاذ بتسليمهم مشروعهم ليديروه بأنفسهم دونما تدخل من سلطة أو غيرها. ونواصل

    -------------

    مشروع الجزيرة : الأستهداف مع سبق الأصرار والترصد -2-


    تطرقنا فى المقال السابق الى أن هنالك نافذين فى نظام الأنقاذ يعملون بكل جهدهم لتدمير مشروع الجزيرة وتشريد أهله وسلبهم أرضهم لتباع للمستثمرين الأجانب تبعاً لخطط الخصخصة ووصفات صندوق النقد الدولى ليصبح كل المزارعين بالمشروع ومعهم العمال الزراعيين وسكان الكنابى عطالة لا عمل لهم بعد خصخصة المشروع وبيعه للشركات الأجنبية العالمية الكبرى ليصبح مشروعاً تقوم كل مراحل عملياته الزراعية على الآلة والميكنة الزراعية فى أرض كثيفة السكان يعتمدون على العمل الزراعى اليدوى وتعتبر تكلفة الأنتاج بالأيدى العاملة أقل تكلفة من تكلفة الأنتاج بالآلة الزراعية وأكثر جودة منها. ولقد تم تجريب الميكنة الزراعية بمشروع الرهد الزراعى فى عملية حصاد القطن فكانت التكلفة عملياً بالآلة أعلى من تكلفة حصاد القطن بالأيدى العاملة والحصاد بالأيدى العاملة أكثر جودة من الحصاد بالآلة وكان قطناً من الدرجة الأولى ليصبح قطننا أكثر منافسة فى السوق العالمى. وأجراء العمليات الزراعية بالآلة لا يكون مجدياً الا فى حالة شح العمالة اليدوية. وكما قلنا من قبل أن وجود العمالة اليدوية فى كل مراحل الأنتاج حتى التصدير يعتبر حركة حياة كاملة لا يمكن تدميرها بواسطة أى دولة رشيدة ترعى شعبها وتكفله.
    وأننا لنتساءل لماذا حرم ابناء المزارعين الزراعيين بمشروع الجزيرة من تولى أدارة مشروع الجزيرة, مشروع آبائهم على مدى سنين الأنقاذ مع العلم أن هنالك من ابناء المزارعين الزراعيين أصحاب الكفاءات العلمية العالية فى المجال الزراعى ومع ذلك يتم تعيين محافظ المشروع دائماً من ابناء الشمال. أن المحافظ الوحيد للمشروع الذى تولى هذا المنصب من أبناء الجزيرة ووصل لهذا المنصب بالتدرج الوظيفى فى حقبة الديمقراطية الثالثة هو الأخ عبد الله الزبير من ود البر بمشروع الجزيرة ومن بعده كان كل مديرى مشروع الجزيرة قد تم تعيينهم من غير ابناء الجزيرة ومعظمهم من ابناء الشمال وأقرباء متنفذين فى نظام الأنقاذ لماذا؟ وهذا تساؤل مشروع لأنه عندما أعلن من قبل لأختيار مدير عام لمشروع الجزيرة وفتحت الوظيفة تقدم لها أكثر من 37 عالماً فى العلوم الزراعية ومن أصحاب الخبرات بالمشاريع الزراعية وقد كانت لجنة الأختيار صادقة وأمينة والمكونة من البروفيسور أسماعيل حسين مدير جامعة الجزيرة والدكتور أزهرى عبد العظيم حمادة مدير هيئة البحوث الزراعية وأحد موظفى أدارة شئون العاملين بالمشروع. ولكن عندما أختارت اللجنة ثلاثة من المتقدمين الذين دخلوا المعاينات ليتم أختيار مدير منهم كان كاتب هذا المقال من أبناء الجزيرة وابن مزارع أولهم والآخران هما الأخ الدكتور الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية الحالى والذى كان ينتمى للمؤتمر الشعبى وثالثنا الأخ الطيب محمد على. وعندما عرض الثلاثة على قمة النظام الحاكم ولم يجدوا فيهم احداً من ابناء الشمال او ينتمى للمؤتمر الوطنى قاموا بالغاء أختيار مدير مشروع الجزيرة من المتقدمين وقاموا بتعيين احد ابناء الشمال مديراً للمشروع بدلاً عنهم وما زال تعيين مدير مشروع الجزيرة من ابناء الشمال واقرباء المتنفذين فى نظام الأنقاذ الحاكم مستمراً. أين ما نص عليه دستور 2005م من اقتسام السلطة والثروة؟ أم أن هذا التقسيم لا يشمل ولاية الجزيرة ومزارعى مشروع الجزيرة وأبناءهم وهو حلال لبقية اقاليم السودان وخاصة الشمال وحرام على أهل ولاية الجزيرة والتى ما زالت تحكم بغير اهلها وثروتها تقسم على غير أهلها؟
    برغم أن هنالك من يعتبرون أن مثل طرحنا هذا تفوح منه روح العنصرية ولكننا نقول حاشا لله أذ أن الجزيرة قد أحتضنت وما زالت كل أهل السودان وآثرتهم عاى نفسها وأبنائها وسكانها الآن مزيج من أهل السودان فهى السودان مصغراً وتمثل كل مكونات الشعب السودانى ولكننا نحاول أن نعرف الحاكمين واهل الأقاليم الأخرى بالواقع المعاش فى الجزيرة وهو أن الجزيرة وأبناء المزارعين قد جردوا من ابسط حقوقهم فى أن يديروا شئون أهلهم وهم الأكثر كفاءة وعلماً وخبرة من الذين تم تعيينهم لأدارة ولايتهم ومشروعهم الزراعى والا بماذا تفسرون هذا الأقصاء للمتعلمين من أبناء الجزيرة من أدارة ولايتهم ومشروعهم الزراعى؟ أن الجمرة تخرق الواطيها كما يقول مثلنا العامى ولن تنهض ولاية الجزيرة ولن يتم أستنهاض مشروع الجزيرة الا بأبنائه من العلماء والزراعيين فكفى أقصاءاً وكفى هضماً لحقوق أهلنا فى الجزيرة وبالتأكيد أن الظلم أذا أستمر سيولد العنف وأسالوا عن أهلنا فى حقبة الدولة المهدية.
    نقول أن على أهلنا المزارعين ان ينهضوا ويقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا الظلم والأستهداف لأنهم الآن فى محك حقيقى بأن يكونوا او لا يكونوا. بين أن يعيشوا بكرامة أو يعيشوا متسولين فى مشروعهم. ولن يتأتى ذلك الا بالأرادة الجمعية والوقوف بقوة وصلابة ضد هذا الأستهداف ويجب عليهم أن يسترجعوا تاريخهم عندما وقفوا تلكم الوقفة الشماء أمام الحاكم العام الأنجليزى وأمام نظام الفريق ابراهيم عبود عندما كانوا تحت قيادة المناضل الثائر العم المرحوم الأمين محمد الأمين وصحبه فى أتحاد المزارعين عندما حضر كل المزارعين لمركز السلطة فى الخرطوم وأعتصموا الى أن استجيب لكل مطالبهم عندما أفترشوا الأرض أمام القصر الجمهورى وما اشبه الليلة بالبارحة فلماذا لا يفعلونها مرة أخرى؟ ويمكن ان يفعلوها ثانية بالأرادة الجمعية اذا تركوا الصراعات السياسية فيما بينهم وخاصة المغشوشين الذين ينتمون للمؤتمر الوطنى عليهم أن يقفوا مع مشروعهم لأن فيه حياتهم أذا أستمرت الأنقاذ أو ذهبت غير مأسوفاً عليها ويجب عليهم أن يتخلوا عن الأنحياز الأعمى لها على حساب مشروعهم الذى يحتضر الآن بفعل الأنقاذ والمشروع يمثل لهم أما الحياة وأما الموت ما بالكم أيها المزارعون تتقاصعون؟ أذهبت منكم الهمة أدراج الرياح؟
    ولأستنهاض مشروع الجزيرة من كبوته هذه وأعادته الى سالف مجده يجب أن يتم عمل الآتى:-
    1- أن يتم تحويل ملكية المشروع الى ولاية الجزيرة ووزارة ماليتها وأن يكون لمجلس ادارته حق التصرف فى الملكية لأيجاد التمويل برهن الأصول.
    2- الغاء قانون مشروع الجزيرة 2005م واستبداله بقانون جديد يزاوج فى علاقات الأنتاج بين الحساب المشترك والحساب الفردى.
    3- أن يكون على قمة جهاز أدارة المشروع زراعى من اصحاب الكفاءة والخبرة من أبناء مشروع الجزيرة.
    4-أن تدفع الحكومة المركزية قيمة كل الأصول التى قامت ببيعها وأعادة أنشاء سكك حديد الجزيرة بورد.
    5- أن تتعهد الحكومة المركزية بجلب الألات الزراعية الثقيلة أذ أن تربة المشروع طينية ثقيلة ولا ينفع معها الحرث الخفيف لوجود الحشائش المعمرة من سعدة ونجيل. كما يجب أن تنشئ الحكومة المركزية وحدة حفريات متكاملة وبورش متكاملة تابعة للمشروع وتحت أدارته لتقوم بحفر وتطهير كل قنوات الرى.
    6- الدعم الكامل لهيئة البحوث الزواعية لأستنباط العينات المحسنة والمقاومة للأفات والأمراض.
    7- أحياء وحدة أكثار البذور بالمشروع ومدها بالأمكانيات الكاملة لتعمل على اكثار التقاوى الجيدة لكل المحاصيل لأن البذرة الجيدة هى الأساس الأول للأنتاج العالى والجيد.
    8- أعادة أدارة الخدمات الأجتماعية ورصد نسبة من الأنتاج لها لتقوم بالدور الكامل للخدمات الأجتماعية الذى كانت تقوم به فى الماضى.
    9- أنشاء أدارة ووحدة تسويق تحدد أنواع المحاصيل التى يجب أن تزرع وتقوم بتسويقها بطريقة علمية كوحدة خدمات وليست كوحدة ربحية.
    10- الرجوع الى زراعة القطن طويل التيلة أذ هو الآن أغلى سلعة زراعية فى السوق العالمى.
    11- قيام أتحاد مزارعين حر ديمقراطى يأتى بالأنتخاب الحر المباشر من قبل المزارعين.
    12- تطوير وتدريب وأغراء أبناء المزارعين المتعلمين للدخول فى الأنتاج الزراعى فى حواشاتهم وحواشات آبائهم الذين اصابهم الكبر وذلك بأيجاد التمويل المجزئ لهم حتى يحققوا عائداً اكثر من عائد الأغتراب والأعمال الهامشية.
    13-أدخال الأنتاج الحيوانى فى الدورة الزراعية كجزء من خطة الأنتاج الزراعى وذلك برفد المزارعين بالعينات عالية الأنتاج من اللحوم والألبان.
    14- أنشاء مصلنع للتصنيع الزراعى للأستفادة من المواد الخام التى تزيد فى فترات الأنتاج العالية على أحتياجات المستهلك الوطنى وايضاّ وحدة تصدير للمنتجات الأستهلاكية الطازجة.
    15- تعبيد الطرق بين كل تفاتيش المشروع وربطها بالشبكة القومية للطرق حتى يسهل ترحيل الأنتاج باسرع فرصة خاصة المنتجات التى لا تتحمل التخزين.
    16- أنشلء وحدات تبريد وتخزين عالية الكفاءة فى كل التفاتيش لحفظ فائض الأنتاج حتى يتم تسويقه وتصديره.
    17- جلب الأستثمار الخارجى للدخول فى شراكات هادفة مع المزارعين وذلك بالشراكة الجماعية لكل تفتيش او قسم مع مستثمر خارجى حسب ما يتفقوا عليه من علاقات انتاج.
    18- أن يستخرج البترول الذى تم أكتشافه بالجزيرة ويصرف فوائض دخولة على تطوير الانتاج الزراعى والتصنيع الزراعى بالولاية.
    نختم ونقول انه لو تم صرف 25% مما صرف على قيام سد مروى على انتشال مشروع الجزيرة لكانت حال السودان ككل والجزيرة خاصة غير الحال التى هما عليهما الآن. هذا اذا علمنا أن مشروع كهرباء مروى ليس بذا جدوى اقتصادية أو أولوية كمشروع الجزيرة للسودان وكان يمكن أن تنتج الكهرباء وباقل تكلفة من اعالى النيل الآزرق بالأشتراك مع الجارة أثيوبيا ولكن النظرة الجهوية والقبلية هى التى غلبت على التفكير السليم والمتوازن والتى اعمت بصائر اهل الأنقاذ
                  

11-22-2012, 06:18 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    مؤتمر النفاق !! ..

    د. عمر القراي

    الأربعاء, 21 تشرين2/نوفمبر 2012 18:31
    ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
    صدق الله العظيم

    [email protected]


    لا أعتقد أن أحداً- ولا أكثر الناس سوء ظن بالإخوان المسلمين- كان يخطر بباله أنهم بعد كل ما فعلوا بالشعب السوداني، وما ولغوا فيه من دماء الأبرياء، وما لوثوا من شرف الحرائر، وما نهبوا من أموال اليتامى المساكين، وما فاح من فسادهم حتى أزكم الانوف، وتحدث عنه القاصي والداني، أنهم بعد كل ذلك، سيجتمعوا، وينفضوا، وينهوا مؤتمرهم، الذي شغلوا به الناس، دون أن ينقدوا أنفسهم، أو يدينوا أي فرد منهم، على كل الكوارث الماحقة، التي احدثوها خلال ثلاثة وعشرين عاماً من حكمهم المشؤوم !!
    لم يدينوا أنفسهم على فصل الجنوب !!
    ولا على آلاف الذين قتلوا، واحرقت قراهم، واغتصبت نساءهم، ومئات الآلاف الذين شردوا في دارفور!!
    ولا الذين ضربوا بالطائرات، واحصروا في قمم الجبال، ومنعت عنهم الإغاثة ليموتوا جوعاً، في جبال النوبة والنيل الأزرق!!
    ولا على مجازر العيلفون، وكجبار، وبورتسودان!!
    ولا على تعذيب المعتقلين السياسيين في بيوت الأشباح !!
    ولا على ضرب النساء، واغتصابهن في مكاتب الأمن !!
    ولا على ضياع تراب الوطن، بسبب الاحتلال المصري لحلايب، والاثيوبي للفشقة !!
    ولا على انتقاص سيادة الوطن، بسيطرة القوات الدولية في دارفور، وفي أبيي، وضربات اسرائيل المتكررة !!
    ولا على الفقر والجوع، تدهور الإقتصاد، وغلاء المعيشة، وارتفاع الاسعار اليومي، وتفشي البطالة !!


    ولا على إنتشار الأيدز، والسرطان، والفشل الكلوي، وقفل مراكز غسيل الكلى، وعدم وجود الدواء وتدهور المستشفيات !!
    لم يذكروا أخطاءهم، ولم يعدوا بالمراجعة، والمحاسبة، ولم يتحدثوا عن واجب حركتهم الإسلامية في رفع المعاناة عن الشعب، أو يعدوا الشعب بتحسن الوضع في المستقبل، بل كان همهم هو خداع أنفسهم،وخداع الشخصيات التي دعوها لمؤتمرهم، من الاخوان المسلمين الآخرين .. إن حال الوطن قد عبرت عنه أحدى أعضاء جماعتهم فقد جاء ( البرلمان: ميادة صلاح
    طالبت عضو البرلمان د. عائشة الغبشاوي بمحاسبة المفسدين وإعادة أموال الشعب لمحاصرة ومكافحة الفقر الذي أشارت إلى أنه يهدد البلاد بمجاعة وأشارت الغبشاوي في جلسة البرلمان أمس حول مناقشة الخطة الخمسية إلى أن بعض الأسر تأكل الطين لتسد الجوع، وأضافت أنها دفعت بالأمر لرئيس الجمهورية وفيما أقر برلمانيون بتدهور مريع بالجامعات كشفت الغبشاوي عن هجرة 345 أستاذاً جامعياً من جامعة أم درمان الإسلامية، وقالت بأن الأستاذ الجامعي مهدد بالتسول بعد نهاية خدمته)(الراكوبة 19/11/2012م ).


    ولقد خاطب أمينهم العام، الأستاذ علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، المؤتمر قائلاً :(نُحب أن نؤكد موقف الحركة الإسلامية الثابت، المؤسس على مبادئها المُحكمة، إنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، ونُذكِر بقول الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" وبلادنا مليئة بالأعراق والقبائل ولن يجمعنا ويرد عنا خطر التمزق العرقي والقبلي إلا الإسلام بما فيه من وحدة للعقيدة ووحدة للشريعة والهدف، وما فيه من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأدب السنة الذي تربينا عليه جميعاً، فيكون ذلك ترقية لنا من وهاد الخصومات القبلية والجهوية إلى رحاب الأخوة الإسلامية الحقة)(سونا 16/11/2012م).

    وقبل هذا الحديث بأيام، كانت الصحفية الأستاذة سمية إسماعيل ابراهيم هندوسة، التي اختطفها رجال الأمن من قرب منزلها، وغطوا وجهها، ووضعوا أقدامهم على رأسها، تئن تحت ركلات أحذيتهم، قبل أن يكووا جسدها، بالمكواة الكهربائية !! ثم ضربت وشتمت بألفاظ نابية، وبذيئة، وقالوا لها "إنتي خادم وبنت حرام وأهلنا هجنوا امك ودا ما شعرك نحن دايرين شعرنا"، ثم حلقوا لها شعرها، ######روا من ألمها وكرروا سبّها بعبارات يندى لها جبين الرجل الكريم .. لقد كانت ألفاظهم تنضح بالعنصرية، والبذاءة التي لا تليق حتى بالصعاليك، دع عنك رجال حفظ الأمن، في حكومة تقودها جماعة، تزعم أنها إسلامية، وتبلغ في نفاقها، أن يحدثنا أمينها، عن بعدها عن العنصرية والقبلية، بمثل ما خاطب به مؤتمرهم البائس.(راجع فيديو حديث هندوسة بالراكوبة 16/11/2012م).


    وبينما كان الرئيس عمر البشير، يخاطب المؤتمر، ويقول عن تجربة حكمه، أنها (تستلهم مبادئ الإسلام ومقاصد شريعته السمحاء، بناءاً لنظام حكم اساسه كرامة الإِنسان وبسط الحريات واقامة العدل وتحقيق الشورى)(الراكوبة 16/11/2012م)، كانت مجموعة من طلاب المدارس الثانوية قد أعتقلت، بسبب خروجهات في مظاهرة سلمية في الفاشر، وتم ضربهم، وإساءتهم بإقذع الالفاظ، ثم قاموا بتشويه أجسادهم، بحرقها ب(موية نار) حتى تسلخت جلودهم، وتساقط لحمهم !! وهؤلاء الطلاب هم: أبو القاسم محمد إسماعيل، ومحمد الفاتح محمد آدم، وعايد عبدالله، ونزار الفريع، ومحمد بلة محمد، وأحمد عوض، وعمار عبد الله تيراب. وحين حاولت أسرهم فتح بلاغات جنائية ضد جهاز الأمن، رفضت السلطات ذلك، وهددتهم، بل أن احد ضباط جهاز الأمن، قال لأسر هؤلاء الطلاب، لا أحد يحق له محاسبة الاجهزة الأمنية، وتحديد طبيعة عملها، وان لا رقيب على الأجهزة الأمنية، غير الله سبحانه وتعالى !!(أقرأ إفادة الطلاب وأنظر صورهم والحريق على أجسادهم في الراكوبة 17/11/2012م) ثم تأمل كيف زج الرئيس بالشريعة السمحاء، والحريات، وكرامة الإنسان، في مستنقع تجربتهم الآسن.. وكيف زج رجل الأمن القمئ، وهو يرفض محاسبة جهاز الأمن، ويحرق أجساد الطلاب ب (موية النار)، بالله سبحانه وتعالى، وسط عباراته الاستبدادية الكريهة !!


    لقد كشف مؤتمر الاخوان المسلمين، الذي عقد في الخرطوم في 14-17 نوفمبر الجاري، نفاق تنظيمهم على المستوى الدولي. فقد جاءوا من مشارق الارض ومغابها، من الدول العربية، والإسلامية، والأوربية، ليشيدوا بحركة الاخوان المسلمين السودانية، لا لشئ إلا انها قد وصلت الى السلطة !! ولأن الدين النصيحة، وان الاخوان المسلمين لا دين لهم، لم ينصح أحدهم حركة الاخوان السودانية، بأن وصولها للسلطة عن طريق الإنقلاب العسكري، أمر مفارق للاسلام.


    ولا يمكن ان يكون كل قادة الاخوان المسلمين، الذين حضروا المؤتمر، لم يسمعوا بما حدث من مجازر في دارفور، وفي جبال النوبة، والنيل الأزرق، فلماذا لم يلوموا اخوانهم على تقتيل المسلمين، من ابناء وطنهم، لينفردوا بالسلطة والثروة، دون شعبهم ؟! وهؤلاء الاخوان المسلمون يعلمون ان السودان بلد غني بأراضيه، ومياهه، وموارده الطبيعية، ولكنه أصبح، الآن، وتحت حكم اخوانهم، من افقر بلاد العالم، واصبح شعبه الذي سبق سائر الشعوب العربية، في التقدم والحضارة، ضعيفاً، ومستضغفاً، يعيش سائر اهله تحت خط العوز، والملايين من ابنائه، يعانون بين معسكرات اللجوء، والنزوح، ومنافي الاغتراب.. فلماذا لم ينكر أحدهم هذا الوضع، ويقول لاخوانه كيف حولتم حكم الله، إلى شقاء العباد، بدلاً من رخائهم وراحتهم ؟!
    هل تريدون الحق ؟؟ إن الاخوان المسلمين، أينما وجدوا، فهم ضد الحرية، وضد الديمقراطية، ومع القهر والتسلط والدكتاتورية، ولكنهم يخفون هذا الوجه القبيح، تحت دعاوى عريضة، من مناصرة المظلومين، والتمسك بالديمقراطية .. ولكنهم في غمرة حماسهم، فرحهم، ومهرجاناتهم، التي يتعاطون فيها النفاق، تسقط جميع اقنعتهم !!


    لقد حيّا د. محمد بديع، مرشد جماعة الأخوان المسلمين بمصر، الحاضرين بتحية مصر الثورة ومصر الحرية !! ثم تحدث طويلاً، دون ان يشير الى عدم رضا حركة الأخوان المصرية، عن طريقة وصول حركة الاخوان السودانية للحكم. وهاجم أسرائيل، لأنها قتلت بعض الفلسطينيين في قطاع غزة، وهاجم بشار الأسد لقتله السوريين، وترحم على الذين قتلوا من المسلمين في بورما، وبنغلاديش، ولم يذكر السودانيين، الذين كانوا اثناء حديثه، يقتلون بواسطة الحكومة السودانية، التي اشاد بها، في جبال النوبة، والنيل الأزرق !! فأي نفاق هذا ؟! ولماذا طالب الحاضرين، بأن يتوحدوا ضد اسرائيل، ولم يطالب د. محمد مرسي، رئيس جمهورية مصر، وزميله في تنظيم الاخوان المسلمين، بقطع العلاقات مع اسرائيل أولاً قبل محاربتها ؟! (راجع اليوتيوب بالانترنت).


    وحين تحدث الشيخ علي البيانوني، ممثل الاخوان المسلمين السوريين، كان بادئ التأثر، وتحدث بغضب، عن دكتاتورية نظام بشار الأسد، وكيف أنه قتل حوالي ثلاثين ألف سوري حتى الآن، وابدى أسفه عن صمت العالم، عن المجازر التي فعلها نظام الأسد الدكتاتوري (تلفزيون السودان مساء 17/11/2012م). ولعل الشيخ قد دهش، لأن قادة الاخوان المسلمين السودانيين، والذين كانوا يتصدرون المقاعد الأمامية، لم يظهر عليهم التأثر لحديثه !! فهل تراه يعلم أن اخوانه هؤلاء قتلوا حوالي 250 ألف مواطن في دارفور وحدها، وأن الاسد حتى الآن لم يفعل عُشر ما فعلوا !! أكثر من ذلك!! أنهم كانوا مؤيدين للأسد، وارسلوا أحدهم ممثلاً لوساطة فاشلة، من خلال جامعة الدول العربية.. وأن العرب الذين يلومهم على صمتهم عن مجازر الأسد، قد قاموا على الأقل بنقل جرائمه في فضائياتهم.. ولكنهم لم ينقلوا مجازر دارفور، ولا المجازر التي تجري الآن في جبال النوبة والنيل الازرق، ولم يتحدثوا عنها، بل أن الاخوان المسلمين، قد جاءوا من كل الدول، يهنئون النظام الدكتاتوري، الذي ارتكب كل هذه الجرائم، بما فيهم الشيخ السوري نفسه !!


    أما السيد خالد مشعل، أمين حركة حماس، فقد طالب (الدول العربية أن تتخلص من أي دكتاتور يحكمها لتمضي في طريق الحرية والديمقراطية واستقلال القرار على غرار ما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا)(حريات 16/11/2012م). لماذا صمت مشعل عن دكتاتورية عمر البشير، ولم يقم دكتاتور في كل الدول التي ذكرها، بتقسيم بلاده وتقتيل أهلها مثله ؟! ثم ألم يكن مشعل مؤيداً لبشار الأسد، ومتعاوناً معه، حتى وقت قريب ؟! أليس هو من ضمن محور ايران والأسد، والذي لحق به السودان مؤخراً تحت حكم البشير؟! هل يظن مشعل، أنه بمثل هذا النفاق، الذي يجعله يثني على جماعة مجرمة، باسم الإسلام، يمكن ان ينتصر على اسرائيل ؟!

    لقد كان من الممكن للاخوان المسلمين السودانيين، ان يعقدوا مؤتمرهم بعضويتهم السودانية، ويركزوا على قضاياهم الداخلية، دون دعوة تنظيمات الاخوان من جميع انحاء العالم .. ولكنهم ظنوا أن تورطهم، وتصعيد المواجهة ضدهم، وخلافاتهم الداخلية، وهزيمة تيار الإصلاح الذي يرفض الدخول في محور إيران على حساب العلاقة مع دول الخليج، يقتضي التصعيد بتحالفات إقليمية، ودولية، والانضمام لمحاور خطيرة، ذات مطامع، ومشروعات، تهدد الأمن القومي لدول مجاورة.

    ولما كان المشروع الاسلامي الدولي هذا، يتآمر على دول المنطقة، فإنه يتوقع إدانة من المؤسسات الدولية، ولهذا بادر الامين العام للحركة الإسلامية السودانية، بإعلان رفضهم للشرعية الدولية.. فقد جاء (وقال طه لدى مخاطبته الجلسة الختامية للمؤتمر العام الثامن بحضور الرئيس عمر البشير بقاعة الصداقة أمس: "لابد من رفع الراية الآن، ورفع الصوت كما الأذان لا عن حماسة ولا عن شعارات"، وهتف: "كفانا ذلاً.. وكفانا هواناً.. الله أكبر"...

    وتعهّد طه بتحريك طاقة الشعوب الإسلامية لخدمة الإنسانية وتكوين نظام إسلامي عالمي جديد، وقال: "لا للأمم المتحدة.. لا لمجلس الأمن.. لا لمجلس الإذلال"، وأضاف: "الإسلام قَادمٌ من السودان ويتقدم من ليبيا وقادم من سيريلانكا.. قادم من كل الأمة وتحت راية الإسلام فنحن الشهداء ونحن القضية"(صحيفة الرأي العام 18/11/2012م). هذا حديث السيد نائب رئيس الجمهورية، فهو يرفض الأمم المتحدة، ويرفض مجلس الأمن، مع أن دولته عضوة بهما، ولم تنسحب منهما !! ثم هو يزعم ان صراخه هذا، ليس مجرد حماس وشعارات، فما هو إذن ؟!


    وكأول رد فعل على مؤتمر الاخوان المسلمين بالسودان، جاء (هاجم الفريق ضاحى خلفان، قائد شرطة دبى، المرشد العام للإخوان، قائلا إن الدكتور محمد بديع من السودان يعلن العداء لدول الخليج التى يأمل أن يجرف نهر ثورته أنظمتها... وأوضح خلفان أن أخطر ما فى المؤتمر كلمة مرشد الإخوان التى أعلن فيها بوضوح عن استراتيجية التنظيم دون اكتراث من أحد، مضيفا: “خطاب مرشد الإخوان المفلسين فى السودان سيجعل الأجواء العربية مكفهرة”)(حريات-وكالات 16/11/2012م). وعن رد الأخوان المسلمين السودانيين جاء (انتقد د. نافع حديث مدير شرطة دبي بدولة الإمارات المتحدة بأن مؤتمر الحركة الإسلامية في السودان يعتبر مهدداً لأمن دول الخليج، وقال: نحن نعتبره رأياً، وإن الذي يخشى الإسلام ليس له من وسيلة ليصحح بها أخطاءه لأنه مصحوب بأفكار مزعجة له شخصياً، وقال: لا أرى في المؤتمر مفسدة لعلاقاتنا مع دول الخليج ولا العالم العربي)( صحيفة الرأي العام 18/11/2012م). أنظر الى مثل عنجهية السيد مساعد رئيس الجمهورية الفارغة، حين يصف الفريق ضاحي خلفان، بأنه يخشى الإسلام !! ولو كان صادقاً، لقال أنه إنما يخشى تآمر حركة الاخوان المسلمين، على استقرار بلاده، وزعزعة امنها، والإستعانة عليها بعدوات اقليمية، لا تتورع حتى من الإغتيالات السياسية . إن رأي د. نافع هذا، يمثل بحق حكومته، ويؤكد مدى قدرة نظامه، على إفساد العلاقات مع كل دول الجوار.. ولكنه، لحسن التوفيق، لا يمثل رأي الشعب السوداني، فقد نشر السودانيون المقيمون بدول الخليج، بياناً، في كافة المواقع الإلكترونية، جاء فيه (الى / حكومات دول مجلس التعاون الخليجى
    نحن مجموعة من الناشطين المدنيين السودانيين المقيمين بدول الخليج العربى نعلن عن أسفنا على ما قامت به الحكومة السودانية الممثلة فى جماعة الاخوان المسلمين (المؤتمر الوطنى ) من تبنيها لعلاقات مشبوهة مع جمهورية ايران الاسلامية التى جعلت من السودان بؤرة من بؤر الارهاب الدولى و ساحة من ساحات تصفية الخصومات السياسية بين دول المنطقة والتى ليس للشعب السودانى مصلحة فيها، ونعلن باسم المواطنين السودانيين المقيمين بهذه الدول من عمال وموظفين و رجال اعمال ومستثمرين ان كل ما تقوم به الحكومة السودانية بقيادة هذه الجماعة الاخوانية لا يمثلنا فى شئ ولا يعبر عن رأينا باى حال من الاحوال. وكل نهج تنتهجه هذه الحكومة الاخوانية يعتبر تصرف و سلوك معزول عن توجه المواطن السودانى الفرد الذى يوجد فى داخل وخارج السودان)(حريات 17/11/2012م).

    إن مؤتمر الأخوان المسلمين السودانيين، قد جاء مخيباً لآمال كثير من قاعدتهم، واصدقائهم، الذين كانوا يظنون انهم سيحاسبون أنفسهم، ويعتذرون لشعبهم، ويصلحون من أمر حركتهم، وينشغلوا باخطائهم، عن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، والتصعيد للاستقطاب الاقليمي والدولي. ولكن الله تعالى، أراد لهم المزيد من الإفتضاح والخزي، كما قدر عليهم الخلاف والتنازع، وزاد بنفاقهم هذا أوزارهم، وباعد بينهم، وبين ما يدعون من الإسلام، إقرأ إن شئت قوله تعالى ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) صدق الله العظيم.

    د. عمر القراي

    وأصدر رئيس المؤتمر الطيب ابراهيم (سيخة) بياناً مساء الجمعة يطمئن الدول الخليجية بأن ( الحركة الإسلامية تحترم سيادة الدول ورغبات الشعوب) وانها تتجنب (الدخول في أي محاور أو برامج إستقطاب يمكن ان تؤثر في إستقرار المنطقة )(حريات 19/11/2012م)
                  

11-22-2012, 07:02 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    القصف الإسرائيلي لمصنع اليرموك في سياق الصراع الدولي والإقليمي

    محمد جلال أحمد هاشم

    الحدث

    في منتصف ليلة 23 أكتوبر من عام 2012م قامت أربعة طائرات إسرائيلية، على أقل تقدير، بقصف مصنع اليرموك للأسلحة بجنوب الخرطوم. يتبع هذا المصنع الذي تعارف الناس على تسميته بالتصنيع الحربي لوزارة الدفاع السودانية. وقد حامت حوله العديد من الشبهات شأنه في ذلك شأن جميع المواقع العسكرية التي تحيط بها السرية والكتمان. من ذلك أن الإيرانيين هم الذين يقومون بتمويله مقابل تخصيص جزء صغير فيه لهم ليقوموا بتصنيع قطع لسلاح يتم تجميعه في إيران، بينما لا تعلم عنه الخرطوم شيئاً ولا يحق لها أن تعلم. وقد راجت في شوارع الخرطوم صبيحة القصف أن المصنع قد أمته مجموعات كبيرة من الإيرانيين، منهم من كان باللباس المدني ومنهم، وهم الغالبية، من كان باللباس القومي الإيراني المميز. فيما يتعلق بالإصابات، قامت الخرطوم على لسان مسئوليها بالتقليل من عددهم، مشيرين إلى أنهم لا يتجاوزون الإثنين. في المقابل تحدث الناس في منطقة الكلاكلات التي تقع جنوب الموقع مباشرةً عن أن ما لا يقل عن ثماني جثث لمصابين في القصف قد دفنوا في إحدى مقابرها، جميعهم من الذين وقعت عليهم شظايا أو دانات (قنابل المدفعية والدبابات). كما راجت بعد ذلك شائعات تفيد بأن ما لا يقل عن 50 جثة متفحمة قد أُخرجت من موقع الحادث.

    رد الفعل

    جاءت إفادات المسئولين السودانيين متضاربة كعادتها، بالضبط بمثلما حدث في واقعة قصف مصنع الشفاء للأدوية بشمال الخرطوم في عام 1998م من قبل الولايات المتحدة لاشتباههم في إنتاجه للأسلحة الكيماوية. ففي تلك الضربة صرح وزير الدفاع بأن الضربة قامت بها طائرات. وعندما سُئل عن كيفية معرفتهم بهذه الحيثية، أشار إلى أن الناس بأعينهم المجردة قد شاهدوا هذه الطائرات، وأنهم (أي الناس ــــ كذا) قد رصدوها من مناطق بعيدة مثل مدينة شندي بشمال السودان. هذا بينما تكشف لاحقاً أن الضربة قامت بها صواريخ كروز تم إطلاقها من غواصة تقبع في أعماق البحر الأحمر. في حادثة مصنع اليرموك التي أضاءت سماء الخرطوم بمجموعة من الألوان النيرانية تحسدها عليها أكبر حفلة ألعاب نارية، تضاربت أقوال المسئولين. فقد راجت شائعات مفادها أن أحد أعلى المسئولين العسكريين في نظام الإنقاذ، في محادثة شخصية، أشار أول ما أشار إلى أن الحادثة نجمت عن اعتداء قامت به مجموعات بمدافع محمولة على الكتف، متهما (كالعادة) مجموعات دارفور. ولولا العلاقة التي تحسنت مع الجنوب مؤخراً لربما سارع إلى اتهام الدولة الوليدة. بعد ذلك بأقل من نصف ساعة، ذهبت الشائعات إلى أن وزير نفسه قد غير من رأيه مفيداً أن الانفجار يعود إلى سبب داخلي، كخطأ فني أو ماشابهه. وعند سؤاله عما إذا كانت بالمصنع أي أسلحة كيماوية يمكن أن تحملها الرياح إلى أماكن بعيدة فتؤذي الأعداد الكبيرة من المواطنين، خاصةً وأن المنطقة تقع في وسط مجمعات سكنية من جميع الجهات، أفادت الشائعات بأن رده جاء بالنفي وأنه لا توجد أي أسلحة كيماوية. هذا مع رواج شائعات أخرى بين النوبيين في منطقة الكلاكلة ود عمارة وأبو آدم والكلاكلة صنقعت تحدثت عن اتصالات هاتفية قام بها مسئولون كبار فضلوا التحدث باللغة النوبية طلبوا فيها من ذوي قرابتهم الساكنين بالمناطق إياها مغادرة المنطقة فوراً خشية أن تكون هناك أسلحة كيماوية قد تفجرت. على هذا أصابت المنطقة موجة هلع هُرع الناس على أثرها إلى منطقة الكلاكلة القبة التي تقع على شاطئ النيل الأبيض، وهو سلوك غريزي أن يتجه المرء (وكذلك الحيوانات) إلى الأنهار في حال اندلاع الحريق. هناك وصلت الجموع الغفيرة، فمنهم من هرول حافياً، ومنهم من انطلقت كالنعامة دون “توب” يستر جسدها. وقد أشبهت تلك الليلة يوم القيامة عندما يفر المر من صاحبته وبنيه إلخ الآية.

    في نفس سياق تناقض إفادات المسئولين الحكوميين، وفي نفس ذلك الوقت، كان والي الخرطوم يطالع المواطنين من خلال التلفزيون والراديو ليطمئنهم بأنه في موقع الحادث وأن الحريق نجم عن انفجار داخلي نتج بدوره عن تماس سلك كهربائي أو ما شابه، وأن الموضوع برمته تحت السيطرة (وهو بالضبط ما ذهب إليه أيضاً الناطق باسم القوات المسلحة). كان يقوم بهذا بينما ضجت المدينة بالشائعة التي تذهب إلى أن غرفة العمليات الخاصة بمكتبه كانت تدرس حينها إمكانية إخلاء المنطقة الواقعة جنوبي مصنع اليرموك (أي مناطق الكلاكلة ود عمارة، وأبو آدم، والكلاكلة صنقعت ومايو وما يقع خلفها من أحياء عشوائية) من سكانها خشية انتشار الحريق من جانب وخشية أن تكون هناك أسلحة كيماوية. وقد تعجب الناس هل كان والي الخرطوم يكذب وهو يعلم أنه يكذب، وكذبة المنبر بلقاء؟ كيفما كان الأمر، لماذا عازت الشجاعة هؤلاء المسئولين عن أن يعتذروا لشعبهم عما قالوه بأمسِ عندما تكشفت الحقيقة صبيحة اليوم التالي وعلم الجميع أن إسرائيل هي التي قامت بقصف مصنع اليرموك؟ من الأكاذيب الأخرى إصرار الحكومة ممثلة في قوات الدفاع المدني نجاحهم في إطفاء الحريق، بينما ظلت ألسن اللهب والدخان المتصاعد تتواصل طيلة الأيام اللاحقة إلى انتهاء شهر أكتوبر.

    في اليوم التالي للقصف (24/10/2012م) أجرى وزير الإعلام (كذا) مؤتمراً صحفياً بوصفه الناطق الرسمي باسم الحكومة، أكد فيه أن إسرائيل هي التي قامت بقصف المصنع بأربع طائرات، دون أن يورد الكيفية التي علموا بها بهذه المعلومة التي يُزعم بأن السلطات المصرية والإيرانية، كلاًّ على حدة، قد قامت بكشفها للسلطات السودانية. في نفس اليوم قام الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بعقد مؤتمر صحفي أكد فيه ما ذهب إليه وزير الإعلام. وقد اتفقا على أن السودان سوف يشتكي لمجلس الأمن مع احتفاظه بحق الرد الذي لم يفصحوا عنه ولو أنهم أكدوا أنه سوف يكون موجعاً. كما ذهبا إلى أن جميع المصالح الإسرائيلية سوف تكون على هذا هدفاً للسودان. اتصفت إفادات المسئولين بكم كبير من عدم الحصافة الشخصية والحكومية. فأولاً، لماذا يتكلم هؤلاء بينما يسكت وزير الدفاع؟ فما هي تلك الحادثة التي تفوق استهداف دولة أخرى لمصنع حربي يتبع لوزارة الدفاع فتنسفه، التي ستجعل وزير الدفاع يخاطب شعبه بوصفه الرجل الأول المناط به حماية البلاد؟ هذا خاصةً وأن نفس هذا الوزير (وزير الدفاع) كان قد شارك في عمل مدني ديبلوماسي من الدرجة الأولى، ألا وهي مفاوضات السلام بين الشمال والجنوب. فكيف تأتى لوزير الدفاع أن يشارك في مفاوضات سلام حيث تواترت تصريحاته هناك وتتالت، بينما يلوذ نفس الوزير الآن بالصمت تاركاً الأمر، ليس لمن هم دونه فحسب، بل للمدنيين ليخوضوا في الشأن العسكري؟ ثانياً كيف يمكن أن تبلغ قلة الحصافة، بل انعدامها، لدى كلا (أو أحدهما) وزير الإعلام والناطق الرسمي للقوات المسلحة حد أن يصرح بأنه ليس هناك ما يدعو لضرب مصنع اليرموك من قبل دولة أخرى كونه لا ينتج أي أسلحة يمكن أن تستخدم في الحروب بين الدول، إذ إن جميع ما يصنعه للاستخدام المحلي! فهل يعني هذا أن وزارة الدفاع قد أقامت هذا المصنع لا لتحمي البلاد من أي هجوم خارجي، بل لشن الحرب ضد الشعب السوداني!

    في صبيحة يوم 29 أكتوبر 2012م استيقظ العالم على مفاجأة من إعداد الخرطوم وطهران، فقد رست بارجتان حربيتان إيرانيتان على ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، ذلك كما لو كانت الخرطوم تسعى لتأكيد التورط الإيراني في موضوع ضرب مصنع اليرموك. بالنسبة لإسرائيل كان ذلك بمثابة تهديد لها بأن طائراتها سوف تكون تحت نيران الأسلحة الإيرانية في حال التقاط راداراتهم لأي اختراقات جوية للفضاء السودان. هنا أيضاً جاءت تصريحات المسئولين مليئة بالتناقض وعدم الحصافة الشخصية والرسمية. فقد ذهب أحدهم لدى محاورته من قبل إحدى القنوات الفضائية العربية إلى أن المسألة كلها تعود إلى الصراع بين إسرائيل من جانب وبين إيران من جانب آخر. ورد آخر بأن موضوع هاتين البارجتين شأن إيراني بحت تُسأل عنه إيران؛ عندما جوبه بأن هذه البوارج قد رست على ميناء بورتسودان، ركبته العنجهية وأصرّ أن إيران، مع كل هذا، هي التي تُسأل عن أمر البارجتين. ومع هذا سارعت البارجتان إلى مغادرة المياه السودانية بعد يومين عندما قامت إسرائيل بإرسال قواتها البحرية نحو السودان.

    تتالت بعد ذلك مفاجآت المسئولين السودانيين في تصريحاتهم غير الحصيفة لتكشف حجم الخلل والدمار في مؤسسة الدولة بعد 23 عاماً من الحكم. فقد أيّد المجلس الوطني زيادة ميزانية الدفاع والأمن على ما هي عليه من زيادة (أكثر من 75% من الميزانية). فبدلاً من أن يقوم المجلس الموقر بمساءلة أجهزة الدفاع والأمن عما فعلته بتلك الأموال وهي التي عجزت عن أن تعرف ما الذي ضربها (وكيف لها أن تكشف رادارتها تلك الطائرات المعتدية وقد كانت أضواؤها مطفأة ــــ على حد الإفادات المنسوبة لشخصية رفيعة المستوى عسكرياً ووزارياً)، دع عنك حماية الوطن المحتلة أراضيه ـــ بدلاً من أن يفعل المجلس الوطني هذا، ها هو يقوم بزيادة الميزانية للدفاع والأمن. ليس هذا، بل سارعت الحكومة إلى فرض ضريبة جديدة تحت مسمى “دمغة الدفاع عن الوطن” لدى أي تعامل مصرفي. ثم فاجأ الجميع وزير الخارجية (في مقابلة مع تلفزيون النيل الأزرق في الأسبوع الأول من أكتوبر 2012م) عندما كشف حالة الموت السريري للدولة والحكومة، وكيف أنه لا يوجد أدنى قدر من التنسيق بين أجهزتها. بل صرح بأنه لا يعرف بأمر القرارات الخطيرة التي تتعلق بالسياسة الخارجية (أي بوزارته) إلا من وسائل الإعلام. وذهب إلى حد تدبيج النقد الكاوي لأجهزة كان ينبغي أن يُساءل هو عنها.


    خلفية

    خلال الثلاثة أعوام الماضية، قامت إسرائيل بتوجيه أكثر من ثماني ضربات جوية بشرق السودان (ولاية البحر الأحمر) استهدفت قوافل يقال بتبعيتها لقبيلة الرشايدة العربية المتصالحة مع النظام عبر تنظيم النمور الحرة، وهي قبيلة مشهورة يُشار إلى اعتمادها على التهريب في اقتصادها بينما تنفي هي ذلك. اتهمت إسرائيل هذه القوافل بأنها تقوم بتهريب السلاح لحركة حماس بقطاع غزة. وقد شملت أكثر من ضربة سيارات أشخاص بعينهم اتهمتهم إسرائيل بتنسيق عمليات التهريب، فأحرقتهم وقضت عليهم، باستخدام طائرات بلا طيار. كالعادة، عمدت الحكومة إلى تجاهل هذه الضربات، فلم تعلق عليها إلا بعد أن أصبحت حديث الشارع السوداني (الذي يبدو كما لو أنه لا تخفى عليه خافية ولا غرو في بلد “يتونّس” فيه المسئولون مع ذوي قرابتهم وأصدقائهم بأسرارهم الرسمية)، وبعد أن تحدثت عنها العديد من الوكالات العالمية والإقليمية ــــ ثم بعد أن تحدث عنها الإعلام الإسرائيلي نفسه. كان اتهام إسرائيل موجهاً في المقام الأول إلى إيران التي تقف خلف شحنات الأسلحة هذه، مستخدمةً السودان كوسيط. وقد توسعت دائرة الاتهامات لتشمل تزويد حزب الله بلبنان بشحنات الأسلحة على قدم السواء مع حركة حماس بقطاع غزة بفلسطين.

    السودان بين المطرقة والسندان

    هنا ينهض السؤال التالي: ألا يجوز النظر إلى قصف مصنع اليرموك في إطار الصراع الإسرائيلي الإيراني، أكان هذا المصنع يقوم بتصنيع الصواريخ لحماس وحزب الله أم كانت به وحدة تصنيع إيرانية سرية تقوم بتصنيع أجزاء من أسلحة غاية في التطور لمصلحة إيران، أم لا؟ فضرب المصنع لا يهم فيه ما كان يقوم به حقاً بقدر ما يتصل بما يعتقده الإسرائيليون. فإذا كان رجل الشارع العادي يتحدث عن مصانع حربية هنا وهناك، وعن آخر موجود بأرض البطانة إزاء منطقتي الجيلي وقرّي شمالي الخرطوم يعمل لصالح إيران، فكيف نندهش ونستغرب عندما تورد الإذاعات والفضائيات الإسرائيلية معلومات بهذا المستوى من التصنيف السري وبهذا القدر من الخطورة. لا تهمنا في هذه المزاعم صحتها من عدمها، بقدر ما تهمنا مترتباتها وتداعياتها. فالحقيقة هي أن السودان قد حشر نفسه، بعلم أو بغير علم، داخل حيز الصراع الإيراني الإسرائيلي، وهو صراع في طريقه إلى المواجهة الشاملة. وتبقى العديد من الأسئلة الذي يتوجب على الحكومة السودانية أن تجيب عليها، من قبيل: ما هي مصلحة الشعب السوداني ليصبح طرفاً في هذا الصراع؟ ما هي قدرة السودان في الدفاع عن نفسه لدى أي مواجهة إسرائيلية وهو الذي عجز عن أن يعرف ما أصابه؟ هل سيكل السودان أمر الدفاع عن أراضيه وسيادته لإيران، وهل ستبقى له سيادة بعد هذا؟ وليت الحكومة جعلتنا ننتظر طويلاً في سبيل الحصول على الإجابات على هذه الأسئلة؛ فقد جاء رد أكثر من مسئول رفيع المستوى من زرائها بأنهم سوف يبقون على المبدأ من حيث دعمهم لإيران وحلفائها حتى لو كان في ذلك دمار السودان. وقد بلغت بهم الجهالة الوطنية حدها عندما نظروا إلى موقفهم هذا على أنه من باب الثبات على المبدأ.

    التحالف الغربي ضد إيران ومشروع الشرق الأوسط الجديد

    ظاهر الأحداث يشير إلى أن إسرائيل قد نجحت في تعبئة مجموعة من الدول العظمى، أو فلنقل بعضاً من الدول المتقدمة، على رأسها الولايات المتحدة (يضم الحلف بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا)، ذلك لتوجيه ضربة قاصمة لإيران. وقد بدأ الإعلام في هذه الدول قبل حوالي العام ونصف بالفعل في قرع طبول الحرب، وهي طريقة معروفة للمراقبين تبدأ بإيراد مستمر لخبر تنامي خطورة إيران فيما يتعلق بترسانتها النووية والتقليدية، وكيف أنها لم تعد تنصاع للشرعية الدولية إلخ مما يعرفه أي مراقب. تستمر هذه النغمة في التصاعد بإيقاع منتظم حتى يتهيّأ الرأي العام في الدول المعنية بخصوص وباقي المعمورة بعموم لما سيعقب من إجراءات تشير دوالُّها جميعاً إلى أنها سوف تكون الحرب لا محالة. حدث هذا قبيل اندلاع الثورة الشعبية في سوريا بحوالي ثلاثة أشهر، أي قبل حوالي العام ونصف.

    يجيئ استهداف إيران في إطار خطة أمريكا (وتأتي معها بالطبع منظومة تحالفاتها بما فيها إسرائيل) المتعلقة بالشرق الأوسط، أو ما يقال عنه نظام الشرق الأوسط الجديد New Middle East Order. يقوم هذا النظام على ثلاث فرضيات، أولاها أن أي دولة كبيرة المساحة سوف تكون غنية بالموارد ضربة لازم، والثانية أن هذه الدول سوف تنهض في عصر العولمة هذا بفضل العديد من الشركات الغربية “مقطوعة الطاري” التي لا يكون لها هم غير جمع المال، فتقوم بتنمية هذه الموارد بما يجعل الدولة المعنية قادرة مالياً لبناء ترسانة عسكرية ضاربة (ليس بالضرورة لتنمية بلادها). الفرضية الثالثة تقوم على أن هذه الدولة الناهضة، بفضل خروج المعرفة التقنية عن القيود الدولية التي كانت مفروضة عليها، سوف توظف هذه القدرات ضد إسرائيل، إذ ليس من المحتمل أن تظهر دولة حليفة لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط من منطلق التسامح والقبول غير المشروط أو غير المضغوط. جاء نظام الشرق الأوسط الجديد لإيجاد مخرج لهذه المعضلة تلخص في أنه لا مناص من تقسيم الدول ذات المساحة الكبيرة بما يقلل من مواردها المستفادة بحيث لا يمكن لأيٍّ منها أن تصبح دولة ذات خطر مهما فحُشت في الثراء. النموذج الأمثل لهذه الدول هو ما يعرف بالدولة المشيخية التي ازدهرت في الخليج، حيث نجد دولاً فاحشة الثراء لكنها لا تستطيع أن تقوم بأود نفسها من حيث الحماية. وقد بدأت هذه الخطة بضرب العراق الذي تقسّم الآن بحكم الواقع إلى ثلاثة تكتلات هي المنطقة الشيعية تقابلها المنطقة السنية، تقابلهما المنطقة الكردية. وبالطبع لا تخفى هنا التناقضات الكامنة في صلب هذه التقسيم الاستقطابي؛ فالمنطقة الكردية نفسها تضم شيعيين وسنة. الخطوة الثانية كانت السودان وقد نجحوا في مسعاهم بفضل سياسات الإنقاذ المتواطئة من جانب مع الخط الأمريكي والمفتّتة للوحدة الوطنية بطبعها من جانب آخر. بعد هذا جاء دور ليبيا التي تقف الآن على شفا الانقسام إلى مرحلة ما قبل التشكل القومي (أي إلى منطقة بنغازي ومنطقة طرابلس ثم منطقة فزان)، ثم بعدها جاء الدور لإيران لولا اندلاع الثورة السورية حسبما سنشرح أدناه.

    بالعودة إلى مشروع التقسيم، نشير إلى أنه يشمل سوريا ولهذا يأتي الإنهاك للقوى الوطنية ـــ بما فيها النظام الحاكم ـــ بحيث تبرز الدولة بعد سقوط نظام الأسد وهي عارية من أي مسوح لبنية الدولة، بالضبط مثلما حدث في العراق وليبيا ويحدث الآن في السودان. كما يشمل برنامج التقسيم بعد سوريا المملكة العربية السعودية بدعاوى تحرير الأراضي المقدسة من قبضة نظام ذي توجه أيديولوجي بعينه، أي اتجاه أصولي (وهو ما بدأت المملكة في العمل جاهدة لتلافيه، فهل ستنجح!). ثم تأتي مصر بعد ذلك بخاصة عندما تأكل الطعم وتبتلع شمال السودان (وهو ما يتم بمباركة نظام الإنقاذ، إما لخطه غير الوطني بحكم أنه صادر عن حركة لم تكن تعترف بالأوطان ولا تعرف لها أي حرمة، أو بحكم تواطؤ نظام الإنقاذ مع الخط الأمريكي، أو لكليهما). عندها سوف تظهر، ربما بعد عشرين إلى ثلاثين سنة، حركة عالمية تدعو لحقوق النوبيين بمثلما برزت دعاوى حقوق الأكراد وما شابه (عندها قد يكون المعني بالنوبيين هم السود الأمريكان في محاولة لإيجاد وطن قومي لهم في المنطقة النوبية التاريخية). على أيٍّ، من الممكن لحركة كهذي أن تنجح في فصل الجزء الجنوبي من مصر بحجة نوبيته بما فيه الجزء الشمالي السوداني المبتلع. ولن تقوم لمصر قائمة إذا حدث لها هذا.

    قرع طبول الحرب ضد إيران وثورة الشعب السوري

    قبل حوالي العام ونصف شرع تحالف الدول الغربية المشار إليه أعلاه في قرع طبول الحرب لشنها ضد إيران. وهي في خضم تحشيدها الإعلامي واللوجستي، اندلعت الثورة في سوريا، فتوقف برنامج الحرب ضد إيران، ولكن إلى حين. فكيف حدث هذا؟ نجح التحالف الغربي في وضع إيران داخل قوسين شرقي وغربي، الأول الشرقي يبدأ بأفغانستان حيث ينتهي طرفاه في باكستان من جهة وفي تركيا من جهة أخرى. أما القوس الثاني الغربي فيبدأ في وسطه من قطر بينما ينتهي أحد طرفيه في الإمارات على خليج هرمز وينتهي الثاني في العراق. في وضع كهذا يصبح من المؤكد ان إيران مقضي عليها. لكن بمجرد اندلاع الثورة في سوريا، انقلب الوضع، ذلك بمحاولة بشار الأسد الاستفادة من حالة الحرب في حال اندلاعها للقضاء نهائياً على المعارضة. فقد كان تخطيطه المعلن عبر سلسلة من التصريحات الموالية إلى إيران أنه بمجرد قيام الحرب سوف يعلن وقوفه إلى صالحها. بمجرد إعلانه بدوره لحالة الحرب، لن يكون من مجال للتظاهر المدني في الشارع، وهو ما كان سيواجهه النظام بقمع عبر آلة الحرب في كامل مدى استخدامها. من جانبها قامت إيران بالاستفادة من هذا الانحياز السوري فنقلت عدداً كبيراً من أسلحتها الإستراتيجية بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل أو الأقرب إلى الشامل (البالستية مثلاً) إلى سوريا. كما قامت سوريا من جانبها (أو أنها تخطط) بنقل عدد معتبر من هذه الأسلحة إلى حزب الله بلبنان وإلى حماس بقطاع غزة بفلسطين ـــ وبهذا نجحت إيران في بناء تحالفها الشرقي مقابل تحالف أمريكا وإسرائيل الغربي. ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن الحرب إذا اندلعت، فلن تكون إيران هي مركزها بل ستكون إسرائيل، ذلك لأن قوس الحصار المضروب حول إسرائيل أكبر بأضعاف مضاعفة من ذلك الذي سوف تضربه قوات التحالف الغرب حتى لو كان حصارها ازدواجي الأقواس. فضلاً عن هذا، سوف تكون إسرائيل في مرمى نيران التحالف الشرقي، بل ستصل نيران هذا التحالف على تقليديته إلى عمق إسرائيل ناسفة بذلك الاستقرار المدني بها. بهذا فشلت خطط التحالف الغربي كون أن مركز المعركة سيكون هو إسرائيل بدلاً عن إيران. وبالطبع لن يكون في مقدور التحالف الغربي حسم معركة بهذا الحجم من حيث امتداد الجبهة عبر خمس دول إلا بعد شهور وربما سنوات. كما لن يكون في مقدور إسرائيل أن تصمد في وجه هجوم موجه إليها من هذا العدد من الجبهات التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم. عليه، سوف يضغط المجتمع الدولي في سبيل التوصل إلى هدنة بعد حوالي شهر أو شهرين من بدء المعركة، وهو ما سترحب به جميع الأطرف بما في ذلك أمريكا وإسرائيل. بالطبع سوف تخرج إيران من هذه المعركة في شكل المنتصر كونها لم تنهزم، بل قد تخرج أقوى مما كانت نسبةً للدعم العربي والإسلامي الذي سوف تناله. كما سيخرج نظام الأسد وهو أقوى مما كان عليه، وكذلك الحال بالنسبة لحزب الله وحماس. في المقابل سوف تخرج دول منظومة الخليج وهي يجللها عار خيانة العرب والمسلمين مما يمكن أن نتخيله أكان ذلك بالحق أم بالباطل. لكل هذا شرع الغرب بكل ما يملك من قوة في العمل لإسقاط نظام الأسد، وهو أمر سيعقبه تفكيك منظومة حزب الله، وبعده منظومة حماس بالضفة الغربية، تحضيراً لشن الحرب ضد إيران.

    الموقف الروسي والصيني من الحرب ضد إيران وتشابك الثورة في سوريا

    ولكن السؤال هو: لماذا وقفت روسيا والصين هذا الموقف من الثورة السورية؟ فهاتان الدولتان تدعمان نظام الأسد بلا تحفظ دون أي اعتبار للشعب المغلوب على أمره الذي يموت بالعشرات بفضل هذا الدعم الذي جعل النظام محمياً من أي عقوبات ناجزة. في الحقيقة تقف هاتان الدولتان هذا الموقف للحفاظ على مصالحهما في الخليج! فقيام الحرب ضد إيران سوف ينسف الاستقرار بالخليج، الأمر الذي سوف ينعكس سلباً على الاقتصاد ربما لمدة لا تقل عن عشر سنوات. فالغرب ليست له مصالح اقتصادية بالخليج بحجم ما لدى روسيا والصين؛ فغالب مصالحه سياسية وعسكرية؛ كما إنّ غالب البضائع التي تطرحها أسواق الخليج تأتي من الصين بصورة أساسية؛ أما صناعة السياحة من فنادق وكباريهات، فجميعها مملوكة للشركات الروسية التي نجحت في عقد اتفاق حماية مع دولتها. إذ لا يمكن لأي مُصنّعة في أيٍّ من الدول الغربية أن تنافس رصيفتها المصنوعة في الشرق الأقصى. هذا بجانب موقف روسيا الرامي إلى الحد من انتشار النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية بخصوص والشرق الأوسط بعموم. بالنسبة لهاتين الدولتين (روسيا والصين) الضمانة الوحيدة لعدم قيام الحرب ضد إيران هو بقاء النظام السوري الذي يقوم عليه التحالف الشرقي. لهذا قال لافروف إنهم لن يتوقفوا عن دعم الأسد مهما بلغ عدد الضحايا، ذلك عندما سُئل عن كم من الضحايا يكفي لتغيير الموقف الروسي. وقد قارب الرقم الآن الخمسين ألفاً في بعض الإحصاءات. هذا بينما قيام الحرب ضد إيران سوف يعطينا ما يقرب من نصف مليون قتيل في الشهر الأول فقط بمثلما حدث في العراق. لهذا صرح لافروف بأنهم بموقفهم هذا إنما يعملون لحقن الدماء. في هذا ضحك منه المراقبون إما تعميةً مع علمهم لمراميه أو جهلاً بمراميه ـــ كما ضحك منه العرب بدورهم أيضاً. وقد جرت ملاسنة بينه وبين وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري انتهر فيها الأول الثاني، بل سأله بما يعني “إنت شايت في أيّ الاتجاهات”؟ وفي الحقيقة صرح أكثر من مراقب بأنه يحتاج الموقف القطري للمزيد من البينات غير المتاحة لفهمه حالياً على أقل تقدير؛ فقطر، بحسب رأيهم، هي أكثر المتأثرين بهذه الحرب في حال اندلاعها، ذلك ببينة انتعاشها الاقتصادي الملحوظ. كذلك سوف تذهب أحلامها في تنظيم كأس العالم لسنة 2022م أدراج الرياح وبالتالي قد تفوز به أمريكا بطريقة بضاعتنا رُدّت إلينا. فلماذا تبدو قطر كما لو كانت تقف مع التحالف الغربي في سعيها المحموم لإسقاط نظام الأسد؟ إذ ما الذي ستجنيه غير الخراب والدمار. فجارتها، دولة الإمارات، قامت بتحسباتها لهذه الحرب القادمة عندما نقلت منصات تحميل الوقود من الخليج العربي ـــ الفارسي إلى بحر العرب بالفجيرة عبر أنابيب استمر بناؤها فترة دون الإعلان عنها إلا قبيل الفراغ منها. فماذا أعدت دولة قطر للتحسب من تأثير وتداعيات هذه الحرب في حال وقوعها؟ هذا ما يأمل المراقبون أن تكشف عنه الأيام القادمات.

    لماذا ضربة اليرموك الآن؟

    إذن فهذا هو السياق الإقليمي والدولي الذي ينبغي أن ننظر من خلاله إلى تفجير مصنع اليرموك. فإسرائيل سوف تعمل على قص أجنحة إيران في المنطقة بدءاً من الدول التي يمكن أن تقدم لها ملاذات تصنيعية آمنة وبعيدة عن الأعين والاستهداف. ليس من المهمّ إذا كان السودان يفعل هذا أم لا، ذلك أن المهمّ هو ماذا تعتقد إسرائيل. لقد أوردت صحيفة يديعوت أحرنوت أن إسرائيل قامت بقصف مصنع اليرموك لأنه كان يقوم بإمداد حزب الله بالصواريخ، وفي رأينا هذا إما خطأ أو تعمية مقصودة لمسألة إيران. ولكن السؤال هو: لماذا اختارت إسرائيل هذه اللحظة للشروع في قص أجنحة إيران التي تطير بها في المنطقة؟ السبب يعود مرة أخرى إلى الوضع في سوريا. فقد تمكن الغرب عبر مده للمعارضة بالسلاح (بطريقة لا يجود لهم إلا بمقدار) في تحويل الصراع في سوريا إلى حرب أهلية. كما نجحت روسيا في دفع الأوضاع لتبلغ نفس الغاية عندما عجزت بأكثر ستالينية لا تزال عالقة بمؤسسة دولتها عن أن تدرك أن نظام الأسد قد أصبح غير قابل للتدارك بسبب غبائه الأيديولوجي المبثوث والمعتلق بمؤسسة دولته. كما فات على روسيا أن العمل من أجل حقن الدماء الكبيرة لا يتم بالتجاهل غير الإنساني للدماء الصغيرة التي تسيل وتملأ شاشات وصفحات وسائل الإعلام. وقد أصبحت المعارضة السورية، بفضل الدعم اللوجستي المحدود للغرب، قادرة ليس فقط على زعزعة النظام، بل وإلهائه عن أن يكون فاعلاً في حال نشوب الحرب ضد إيران. في هذه اللحظة النظام السوري لديه ما يكفيه من المشاغل والمشاكل، خاصةً عندما دخلت العاصمة دمشق داخل خط النار ومعها بالتالي أكبر المدن السورية. هذه هي نفسها اللحظة التي شرعت فيها إسرائيل بتقليم أظافر إيران بتوجيه ضربات ضد مواقع تحالفات إيران الإستراتيجية، فكانت ضربة اليرموك وتبعته الضربات الموجهة إلى حركة حماس بقطاع غزة، ومن المؤكد سوف تتبعها أخريات إلى أن تندلع الحرب ضد إيران.

    خاتمة

    من الواضح أن هذه الدول المتقدمة التي تتكالب علينا كما يتكالب الأكَلَةُ على القصعة إنما يفعلون هذا بتمكيننا لهم جراء سياسات حكامنا غير الرشيدة. فلو أن صدام حسين كان قد اتصف بقليل من الذكاء الوجودي فقام بتكوين حكومة وطنية ومن ثم استجاب لدعوة الشيخ زايد باختيار الإمارات كمنفى له؛ ولو أن زين العابدين بن علي كان قد اتصف بقليل من الذكاء الشخصي، فقام بإحداث التغيير الديموقراطي في فترة مبكرة؛ ولو أن الفرعون الصغير حسني مبارك كان مدركاً لكبر شعبه، فأعمل بصيرته مبكراً؛ ولو أن بسشار الأسد … ولو أن عمر البشير ولو أن علي عثمان …. إلخ القصة. لو أن أي شيء من هذا حدث، لما تمكنت أمريكا من تدمير العراق، ولما تمكنت من تقسيم السودان في مرحلة تقسيمه الأولي (هناك دارفور وجبال النوبة، والأنقسنا ــــ أما حلايب والفشقة والشمال النوبي فقد أكفاها نظام الإنقاذ مئونتها)، ولما تمكنت هذه الدول من إنهاك ما تبقى من مؤسسة دولة ليبيا إلى درجة أن ما تبقى منها غير قادر على توفير الأمن برغم البترول وبرغم المال. لنتأمل في ضعف هذه الشعوب! إذ ما الجناية التي ارتكبها الشعب السوري البطل بخلاف أنه قد قام بثورته في الزمن الخطأ بالنسبة للقوى العظمى التي لا تنظر إليه بأكثر مما ينظر قطيع الذئاب إلى قطعان المها الوادعة؟ قلبي على هذه الشعوب التي كما لو كان يحكمها أراذله .

                  

11-22-2012, 08:30 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    السودان و24 عاماً من فقْد المقدّرات
    15نوفمبر.2012 الخميس 22:30 GMT | المصدر : albayan.ae


    أكدت السنوات الأربع والعشرين الماضية التي تلت الانقلاب الذي جاء بالرئيس عمر حسن البشير إلى سدة الحكم في السودان بدعم ومشاركة مباشرة من الجبهة القومية الإسلامية بقيادة حسن الترابي، مدى استغلال الإسلاميين الشعارات التي تتسبب في إحداث دمار شامل للنظامين السياسي والاقتصادي، ما يقود إلى إفقار الشعوب وإهدار مواردها والتلاعب بمقدراتها وموجوداتها.
    تتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السودان بشكل مريع ومترابط. وبلغ التدهور حداً أصبح فيه ظهر السودان مكشوفاً سواء من ناحية العلاقات الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي أو من الجانبين السياسي والاقتصادي. اقتصادياً وصلت قيمة الجنيه إلى حد التلاشي ففي يوم انقلاب الإسلاميين كان الدولار الأميركي يساوي 12 جنيهاً سودانياً، فيما وصل اليوم إلى 6.03 آلاف جنيه وقفزت الديون الخارجية من 13 مليار دولار إلى 43 ملياراً وتزايدت البطالة من 9.8% إلى 36% والتضخم من 10.3% إلى 66%.
    أما من الناحية الأمنية فيكفي فقدان السودان إلى الجنوب الذي يشكل ثلث مساحته السابقة تقريباً، فيما تدور صراعات كبيرة في أجزاء كبيرة من أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ومن أجل الوصول إلى تحليل سليم للأسباب التي أدت إلى هذا المأزق الخطير لا بد لنا من قراءة متأنية لـثلاثة مبررات تضمنها البيان الأول لانقلاب الإسلاميين على الحكم في السودان في 30 يونيو 1989 والذي أذاعه عمر البشير.
    والذي جاء فيه: (لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور، ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل.. وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج.. وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود.
    مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام.. لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام، مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية، ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الإداري وضاعت بين أيديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام..
    إن إهمال الحكومات المتعاقبة على الأقاليم أدى إلى عزلها عن العاصمة القومية وعن بعضها في ظل انهيار المواصلات وغياب السياسات القومية وانفراط عقد الأمن..
    أيها المواطنون، لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب والدول الصديقة، كما أنه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالاً للصراع الحزبي، وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها على الساحة الإفريقية ولقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الإفريقي حتى تضررت العلاقات مع أغلبها.. وهكذا أنهت علاقة السودان مع عزلة مع الغرب وتوتر في إفريقيا والدول الأخرى.
    واليوم يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة وهم الذين أدوا قسم الجندية ألا يفرطوا في شبر من أرض الوطن وأن يصونوا عزتهم وكرامتهم وأن يحافظوا على سكان البلاد واستقلالها، وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين، لا طمعاً في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر، ولصون الوحدة الوطنية وتأمين الوطن ووقف انهيار كيانه وتمزق أرضه).
    المبرر الأول
    استند الإسلاميون في تبريرهم للسطو على الحكم في السودان على التدهور الاقتصادي، لكن قراءة سريعة لواقع الاقتصاد السوداني اليوم تثبت حجم الدمار الهائل الذي ألم به. وللمقارنة فقط وبحسب الإحصاءات الرسمية المتوافرة، بلغ إنتاج السودان من الحبوب في آخر موسم زراعي قبل حلول حكم الإنقاذ 4.2 ملايين طن، فيما وصل إلى 2.7 مليون طناً في موسم 2011-2012.
    وكان متوسط صادرات القطن من السودان خلال الفترة من 1985 إلى 1988 في حدود 900 ألف باله سنوياً، ولكن بعد الإنقاذ انحدرت كمية الصادرات إلى 402 ألف باله، وسارت كمية صادر القطن على هذا المنوال بزيادة ونقصان من عام لآخر.
    وبلغت حصيلة السودان من النفط قبل انفصال الجنوب نحو 28 مليار دولار، لكن في المقابل ارتفعت الديون الخارجية بنسبة فاقت الـ 330%. واستندت الحكومة إلى القروض الخارجية في تمويل الجزء الأكبر من المشروعات التي نفذتها خلال السنوات الماضية، ما أضاف عبئاً كبيراً على عاتق الشعب السوداني الذي سيظل مكبلاً بالقيود والفوائد التي تستوجبها هذه الديون الخارجية.
    وهنالك عدة أسباب أدت إلى هذا التراكم الهائل في الديون الخارجية أبرزها التدهور المريع في العلاقات الخارجية، والذي دفع بالحكومة السودانية إلى اللجوء إلى قروض مكلفة للغاية من حيث الفوائد والشروط، هذا إضافة إلى الصرف الحكومي غير المسؤول وعدم التقيد بالأسس السليمة لتقييم شروط الاقتراض. وهنالك مشكلة أخرى جوهرية ستطال تبعاتها الشعب السوداني خلال السنوات المقبلة.
    وهي ضعف الدراسات الفنية والاقتصادية وضعف المقدرة التنفيذية للمشروعات الممولة بالدين الخارجي. وبات واضحاً حجم المخاطر المتأتية من استغلال القروض في مشاريع ضعيفة الهيكلة الفنية والاقتصادية وغير ذات عائدات لتمويل خدمة الديون.
    وساهم هذا بشكل مباشر في الضغط على الموارد المحلية واللجوء إلى التمويل بالعجز في الموازنة العامة للدولة. كما تسبب تراكم الديون في تراجع تدفق العملات الأجنبية مقارنة بالطلب، ما دفع إلى تخفيض قيمة الجنيه بشكل مريع.
    وبين التقرير السنوي الأول للتنمية البشرية في السودان 2011 أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر أي الذين يقل دخلهم عن دولارين في اليوم تبلغ 46.5%. وحل السودان ضمن العشر الأواخر في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره الأمم المتحدة، والذي يستعرض حالات 179 بلداً. وكنتيجة طبيعية لانتشار الفساد دخل السودان ضمن قائمة الدول الخمس الأكثر فساداً في العالم بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية.
    المبرر الثاني
    تحدثت الإنقاذ عند مجيئها عن تدهور العلاقات الخارجية، لكنها ربما أخطأت التعبير، وكأنها أرادت أن تقول إن واحداً من أهداف الانقلاب هو تدمير علاقات السودان الخارجية الراسخة، والتي ظلت لعقود طويلة مثالاً يحتذى به، حيث عرف السودان ومنذ استقلاله كيفية احترام جيرانه ونجحت دبلوماسيته الفذة في بناء علاقات قوية مع الدول العربية وبلدان الخليج وحتى على المستوى الأوروبي.
    لكن الإنقاذ ومنذ مجيئها بدأت في مجابهة العالم أجمع عدا إيران، وقليل من الدول، فكان إعلامها يبث الرسائل المسمومة ضد دول الخليج عبر برنامج (حديث الصباح) الذي أعاد السودان إلى الوراء مئات السنين وأحدث دماراً في علاقاته الخارجية ربما يصعب جداً ترميمه حتى بعد عشرات السنين من ذهاب الإنقاذ.
    كما أن إفراغ وزارة الخارجية من كوادرها المؤهلة وإحلالها بكوادر الحزب الحاكم التي بدت وكأنها تدير الشأن الخارجي للسودان بعقليات اتحاد الطلاب، كان من العوامل المهمة التي أسهمت في الوضعية الحالية المترهلة لعلاقات السودان مع المحيطين الإقليمي والدولي.
    المبرر الثالث
    أقسم البشير ومنذ بيانه الأول على ألا يفرط في شبر من أراضي السودان، لكن السودان الذي حافظ بالكامل على وحدة أراضيه عرف التمزق والانكماش والسطو الخارجي على مناطقه منذ مجيء حكومة الإنقاذ. وبعد التهاون في احتلال مصر لحلايب وترك منطقة الفشقة في الشرق لإثيوبيا جاءت الطامة الكبرى في 9 يوليو 2011 .
    والتي تمثلت في انفصال الجنوب وفقدان السودان لثلث مساحته ولعمق استراتيجي وحدودي مهم، إضافة إلى نحو 80% من الموارد النفطية والعديد من المقومات الاقتصادية والطبيعية التي يتميز بها الجنوب.
    والواقع أن الانفصال جاء بناء على اتفاقية نيفاشا للسلام الموقعة في كينيا عام 2005، والتي دخلت الحكومة السودانية طرفاً فيها وهي في أضعف حالاتها وكانت حينها رهينة أية إشارات من الولايات المتحدة الأميركية والغرب لتخرج من المآزق الكثيرة التي وضعت فيها السودان بتصرفاتها غير المسؤولة.
    ومن أهمها الضلوع في توترات إقليمية وإيوائها لجماعة أسامة بن لادن وغيرها من الملفات التي شكلت ملفات ضغط جعلت الحكومة توقع على الاتفاق مرغمة، وهي تدري تماماً التبعات التي ستترتب على ذلك. إذاً، حدث ما لم يكن يخطر ببال أحد عند مجيء الإنقاذ وتفتت الأراضي السودانية شرقاً وغرباً وجنوباً وهذا يعني حنثاً واضحاً بالقسم الذي تحدث عنه البيان الأول.
    وفشلت حكومة البشير في الحفاظ على السودان الذي تسلمته موحداً متماسكاً. بات من الواضح أن الإنقاذ لم ولن تكون قادرة على رسم طريق لبناء سياسي واقتصادي سليم للسودان الذي يمتلك من القدرات والمقومات الاقتصادية والبشرية التي يمكن أن تصنع وطناً مستقراً وآمناً ومتماسكاً ومتسامحاً. لكن كل هذا غير ممكن في ظل نظام الإنقاذ الذي قام أساساً على معاداة الآخر وإهلاك البنيات الأساسية وإرساء ثقافة الفساد والمحسوبية.
    السودان ظل متمسكاً بوحدة أراضيه حتى 1989
    تعاقبت على السودان حكومات مختلفة لكنها وعلى الرغم من اختلافها في العديد من الجوانب الايدلوجية والفكرية اشتركت جميعها في التمسك بوحدة أراضي السودان.
    وكان السودان يشكل البلد الأكبر في افريقيا من حيث المساحة التي كانت تبلغ نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع.
    ورغم التغيرات الكثيرة التي تمثلت في اتباع النظام المركزي لسنوات عديدة أحياناً والتحول إلى نظام الحكم الإقليمي أحياناً أخرى إلا أن الوحدة الوطنية كانت تشكل خطاً أحمر على مر العقود والسنوات.
    بانفصال الجنوب فقد السودان قرابة ثلث أراضيه وتراجعت مساحته إلى 1.881 مليون كيلو متر مربع. وتراجع عدد الدول التي تتشارك مع السودان في الحدود من 9 إلى 6 دول. وخرجت أوغندا وكينيا والكونغو الديموقراطية من قائمة الدول الحدودية مع السودان.
    والدول الحدودية معه الآن هي أريتريا، وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر. كما أن حدود السودان مع إثيوبيا تقلصت من 1605 كيلومترات إلى 727 كيلومترا، أما حدوده مع إفريقيا الوسطى فتراجعت من 1080 كيلومترا إلى 448 كيلومترا.
    اهمال الزراعة يطيح بآمال سلة غذاء العالم
    أدى الإهمال الكبير للقطاع الزراعي إلى تلاشي الآمال بأن يتحول السودان إلى سلة غذاء للعالم. وجاء انخفاض الانتاج الزراعي لأسباب عديدة أهمها تراجع الصرف على القطاع والخطط الغير مدروسة التي أدت إلى تخريب الأراضي الزراعية.
    ونتيجة للتدهور في القطاع الزراعي ارتفعت فاتورة استيراد الغذاء بشكل كبير فبعد أن كان متوسطها يبلغ نحو 600 مليون دولار خلال السنوات القليلة التي سبقت حكم الإنقاذ أصبحت الآن تشكل أكثر من 2.8 مليار دولار.
    وأصيبت العديد من المشاريع الزراعية الكبيرة في محافظات الجزيرة والنيل الأبيض ومناطق متاخمة للعاصمة الخرطوم بانتكاسة كبيرة أدت إلى تراجع مريع في الإنتاج.
    وأدى فقدان الثقة في الاقتصاد السوداني من قبل المستثمرين العرب والأجانب إلى تقلص حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي في وقت تسارع فيه الدول الغنية والتي تمتلك فوائض نقدية كبيرة إلى الحصول على فرص استثمارية في القطاع الزراعي في مختلف بلدان العالم من أجل توفير الأمن الغذائي.
    مفاصلة
    أحدثت المفاصلة التي حدثت بين مجموعة قادها الدكتور حسن الترابي ومجموعة إسلامية أخرى قادها النائب الأول الحالي علي عثمان محمد طه في عام 1999 جدلاً كبيراً في الأوساط الإعلامية والسياسية لكن الحقيقة الثابتة هي أن تلك المفاصلة لم تكن لأسباب ايديولوجية أو فكرية أو بسبب خلاف حول طريقة إدارة البلاد إنما كان الأمر صراعاً على مراكز النفوذ.
    وفي حين استمرت السياسات على ذات الوتيرة التي بدأت بها في عام 1989 تحول حسن الترابي بعد المفاصلة إلى معارض، وأسس حزب المؤتمر الشعبي. ومنذ خروجهم من الحكم ظل أنصار الترابي يرددون القول بأن قرار انقلاب 89 كان خطأ كبيراً. لكن في الجانب الآخر وبعد مرور نحو 13 عاماً على المفاصلة تحمل الكثير من فئات الشعب السوداني حزب الترابي مسؤولية ما يحدث الآن.

    -------------


    بين السودان وإيران!..العلاقة ستلقى بظلال قاتمة على علاقات
    السودان المستقبلية مع الدول العربية التي دأبت على دعمه
    - 11-15-2012 02:29 AM جريدة الإتحاد
    د. أحمد عبد الملك
    جاءت زيارة القطع البحرية الإيرانية إلى ميناء بورتسودان بعد أيام مما يعتقد أنه غارة جوية إسرائيلية استهدفت منشأة للتصنيع العسكري في الخرطوم. وقد أعلن السودان رسمياً أن زيارة القطع البحرية الإيرانية تأتي في "إطار العلاقات الودية والنوايا الحسنة للبحريات العسكرية الدولية ومهامها الأمنية والدبلوماسية"! ومن جانبها أعلنت طهران أن حاملة الطائرات "خارك" والمدمرة "الشهيد نقدي" الإيرانيتين تحملان "رسالة سلام وصداقة إلى الدول المجاورة وتضمنان أمن خطوط الملاحة في مواجهة الإرهاب البحري والقرصنة"!
    وربما يكون ذلك الحادث قد مر على الكثيرين مرور الكرام، ودون التمعن في مغزاه وفي توقيته أو محاولة استكناه دوافعه، خصوصاً في ظل حالة "الفوضى" التي يشهدها العالم العربي هذه الأيام تضرب في بعض أجزائه بقوة وعنف، وذلك في إطار التداعيات المباشرة وغير المباشرة لما يسمى "الربيع العربي"، والتي حتى الآن لم توضح معالم الطريق وآفاق المستقبل بالنسبة للدول التي وصلها هذا "الربيع" الذي أصبح على ما يبدو ينذر بـ"خريف أصفر" قد تطول مدته ولا أحد يعلم مآلاته التالية.
    ومع الأخذ في عين الاعتبار التصريحات الإيرانية المعروفة والمكررة ضد إسرائيل وتحركاتها في المنطقة، فإن الزيارة العسكرية المذكورة لا يمكن إلا أن ترسل رسالة إلى إسرائيل، لاسيما من حيث توقيتها وفي ظل "تناقض" المواقف الإيرانية فيما يتصل بعلاقات طهران مع دول المنطقة! ومثل هذه الرسالة اعتادت طهران على إرسالها من حين لآخر.
    ولئن كانت تلك الزيارة الحربية إلى بلد عربي تتم وفق "علاقات حسن النوايا ورسائل السلام"، كما يقولون علناً، فإن المنطق يدعونا إلى الاستفسار عن عدم تطبيق تلك النوايا والرسائل في الخليج العربي الذي يشهد حالات استفزاز وتهديدات لدوله ولحلفائها من قبل إيران؟ وبالطبع ليس في ذلك السلوك أية إشارة إلى حسن النوايا، كما أنه بالقطع لا يتضمن أي رسائل سلام. هذا بالإضافة إلى التدخلات الإيرانية، العلنية وغير العلنية، في العراق، ودعم بعض الأطراف والجهات في اليمن، ودعم النظام السوري ضد إرادة الشعب... وغير ذلك من المواقف والسياسات التي لا تصبُّ في خانة دعم السلام وعلاقات حسن الجوار!
    ومن ناحية أخرى فإن قضايا البحار والممرات الدولية تحكمها قوانين عالمية، ولا يمكن لأي دولة أن تقوم بدور "الشرطي" الذي يُدير الممرات المائية والمياه الدولية، دون تصريح أو تكليف من مجلس الأمن الدولي. وإذا ما قامت كل دولة بتسيير قطعها البحرية نحو مناطق التوتر والاحتكاك، مع افتراض حسن النوايا، فإن العالم سيكون مُقبلاً على "فوضى" عسكرية قد لا تخدم الشعوب، بقدر ما تدفع نحو توتير الأجواء وجرّ الدول إلى المواجهات العسكرية.
    وإذا كان هنالك من تعاون عسكري بين السودان وإيران التي تحتل أراضي عربية وتتلكأ في تطبيق مبادئ حسن الجوار مع جيرانها، فإن ذلك سيكون بمثابة منحى جديد في العلاقات الخارجية لدولة عضو في الجامعة العربية، والمقصود هنا هو السودان! ولا شك أن ذلك سيلقى بظلال قاتمة على علاقات السودان المستقبلية مع الدول العربية التي دأبت على دعم السودان ونصرة قضاياه.
    لقد هددت إيرانُ وتوعدت مراراً بأنها سوف تغلق مضيق هرمز، وهو مضيق يمر عبره ما لا يقل عن 40 في المئة من تجارة النفط إلى أسواق العالم، كما تمر عبره البضائع الضرورية للدول العربية المطلة على الخليج العربي... إذا ما تعرضت لاعتداء من الغرب أو من إسرائيل! وبالقطع فإن ذلك يمثل تعبيراً غير ودي عن شكل المهام "الأمنية والدبلوماسية" التي تسعى إيران إلى الاطلاع بها في منطقة القرن الأفريقي أو باب المندب، حيث كثيراً ما تحدث هناك عملياتُ القرصنة ومضايقة السفن الآمنة، خصوصاً وأنه توجد هناك قطع بحرية مكلفة بوقف تلك العمليات وملاحقة القراصنة وتأمين خطوط الملاحة البحرية التجارية الدولية.
    كما أن إعلان قناة "برس تي في" الإيرانية الناطقة بالإنجليزية "أن العديد من السفن الحربية الإيرانية وصلت يوم الاثنين (قبل الماضي) إلى ميناء سوداني تنفيذاً لاستراتيجية جمهورية إيران الإسلامية بتوسيع انتشارها في المياه الدولية"، يحمل مفاهيم واضحة لإمكانية الشد والجذب أو التصادم مع البحريات العسكرية الأخرى في المياه الدولية، أو مع تلك التي ترتبط باتفاقيات مع تلك البحريات الإقليمية. وإذا ما أضفنا حالات سابقة من المناوشات والتلميحات العسكرية بين القطع والقوارب الإيرانية وتلك الأجنبية في مياه الخليج العربي، فإن احتمالية حدوث تصادم بين الإيرانيين والغربيين في مياه البحر الأحمر قد لا تكون ضعيفة، ما ينفي كل حديث معلن عن "ود العلاقات وحسن النوايا والدبلوماسية"! وهذا في رأيي من شأنه أن يخلق "بؤر" توتر جديدة لا يصب وجودها في مصلحة العالم العربي وأمنه واستقراره، ولا يدعم حسن العلاقات العربية الإيرانية.
    وفي وقت يتجه فيه العالم نحو التفاهم عبر الحوار، والقنوات الدبلوماسية، لتحقيق مزيد من التفاهم والتنمية لصالح شعوبه ودوله، فإنه من المؤسف أن تقوم دولة إقليمية باستعراض "عضلات القوة" عبر الدفع بقطع بحريتها وآلاتها الحربية نحو مناطق ليس لها تماس مباشر بها! هذا بينما نعلم أن السودان بحاجة إلى تنمية ودعم اقتصاده الوطني وليس إلى السفن الحربية وما يحمله وجودها في مياهه من رسائل غير مطمئنة للكثيرين، كما أنه بحاجة إلى علاقات أوثق مع أشقائه العرب، حتى لا يفقد أجزاءً أخرى من أراضيه بعد انفصال جنوب السودان!

    الاتحاد
                  

11-27-2012, 05:20 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    في السودان: الجيش ينحاز إلى الشعب (مقدما)
    د. عبدالوهاب الأفندي
    2012-11-26


    في منتصف الأسبوع الماضي، وبعد يومين من اختتام مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية، خطب مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق محمد عطا في دفعة من خريجي الجهاز، مؤكداً أن هذه الدفعة قد تلقت تدريبات ذات طبيعة قتالية متقدمة، وأنها ستقوم بإنهاء التمرد في جنوب كردفان ودارفور خلال العام القادم، كما أنها ستقوم بالقضاء على من وصفهم بـ 'الطابور الخامس' في داخل العاصمة السودانية.
    وبعد يوم واحد من هذا الخطاب، أعلن جهاز الأمن عن اعتقال قيادات بارزة في القوات المسلحة، معروفة بانتمائها الإسلامي وشعبيتها داخل وخارج الجيش، واتهامها بـ 'محاولة تخريبية' لم توضح تفاصيلها. وقد تم اعتقال أشخاص من خارج الجيش، بينهم مدير المخابرات السابق صلاح عبدالله (قوش)، وعدد من المدنيين وضباط الأمن.


    وقبل أن تنبري قيادات خارج وداخل الحركة الإسلامية للتصدي لهذه الادعاءات، وتصفها بأنها افتراءات في حق المعتقلين وتشويه متعمد لأنصار دعوة الإصلاح، أثار تسلسل هذه الأحداث أسئلة متعددة الأبعاد حول العلاقة بينها. ذلك أن إعلان الفريق عطا عن تلقي الدفعة المعنية من رجال الأمن تدريبات قتالية ذات مستوى عالٍ، وربط ذلك بإنهاء التمرد في دارفور وغيرها يثير بلا شك حفيظة القوات المسلحة، لأنه ليس من شأن مدير المخابرات الحديث عن إنهاء التمرد، أو غير ذلك من مهام القوات المسلحة. وعندما يحدث هذا، خاصة عندما يوحى بأن متدربي جهاز الأمن هم من سينهون التمرد، فإن هذا يمثل طعناً في أداء القوات المسلحة واغتصاباً لدور قادتها في تحديد مهامهم وتقييم إنجازها. في نفس الوقت، فإن المهمة الأخرى التي تحدث عنها الفريق عطا، وهي التصدي لمن وصفهم بالطابور الخامس، لا تحتاج إلى تدريبات قتالية من هذا النوع، لأن 'الطابور الخامس' يتكون عادة من أفراد مدنيين في حالة تخف، ولا يحتاج الأمر سوى إلى تحديد هوية المطلوب ثم إلقاء القبض عليه.



    التفسير المقنع لهذا التضارب هو أن الأهداف الحقيقية لتصريحات عطا وإظهار القدرات العسكرية لأجهزة الأمن هو إرسال رسالة للجيش بأن جهاز الأمن قادر على مواجهته إذا لزم الأمر. ولعل هذه الرسائل، إضافة إلى النتيجة المخيبة للآمال لمؤتمر الحركة الإسلامية، هي التي عجلت بالمواجهة بين الجيش والأمن، وهي مواجهة سوف تتفاقم، خاصة لدى اعتقال ضباط كبار في الخدمة من قبل جهاز الأمن. ذلك أنه حتى لو ثبتت صحة التهم الموجهة إليهم، فإنه كان من الواجب أن يتم اعتقالهم من قبل الاستخبارات العسكرية والتحقيق معهم من قبل القضاء العسكري. ولكن يبدو أن النظام أصبح لا يثق في أي قطاع من الجيش.
    ولعلها كانت مفارقة أن رئيس عطا السابق في قيادة جهاز الأمن، الفريق صلاح قوش، كان هو من استن سياسة 'عسكرة' جهاز الأمن وتزويده بقدرات موازية للجيش، وكان قد سبق خلفه عطا في انتهاج سياسة الخطب الحماسية وتوجيه التهديدات للمعارضين، كما سن سنة توجيه تهم 'العمليات التخريبية' للمعارضين، ومن بين هؤلاء نائب الرئيس الحالي الحاج آدم الذي ظل مطارداً لسنوات. ولهذا كان مستغرباً اعتقال قوش مع مجموعة من ضباط الجيش العاملين واتهامه بالاشتراك معهم في محاولة انقلابية. ذلك أن قوش قد أقيل من منصبه قبل أكثر من عامين، وعين مستشاراً للرئيس، وهو منصب فقده أيضاً العام الماضي. وليس لقوش نفوذ في الجيش، ولا يعتقد أن له نفوذاً في الأجهزة الأمنية. ولم يحضر قوش مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير، كما أنه لم يعرف عنه أي تحرك بين دعاة الإصلاح. ويرجح كثيرون أن اعتقال قوش كان عملية مقصودة لتشويه سمعة الضباط المشهود له بالكفاءة والسمعة الحسنة.
    ويبدو أن الشخصية المحورية في هذه المواجهة هي العميد محمد ابراهيم عبدالجليل الشهير بود ابراهيم، وهو شخصية مهنية، يلتف حوله الضباط الشباب من الإسلاميين ويدينون بولاء شديد له. وتتفوق شعبية ود ابراهيم داخل القوات المسلحة على شعبية الرئيس، في مقابل وزير الدفاع الذي تدنت شعبيته إلى ما دون الصفر. وغير معروف عن ود ابراهيم أي نشاط سياسي، حيث اقتصرت مهامه على العمل العسكري، حيث كان ينتدب دائماً للمهمات الصعبة. وقد كان على رأس سبعمائة من الضباط وجهوا قبل عامين مذكرة احتجاج شديدة اللهجة للرئيس البشير تحتج على أوضاع القوات المسلحة وسوء الإدارة فيها.



    لهذا السبب نأى العميد محمد ابراهيم بنفسه عن الشأن العام، وكان طريح الفراش حين وقعت واقعة هجليج وزاره وزير الدفاع في منزله يرجوه تولي قيادة العمليات، فاستجاب بعد أن كرر انتقاداته للوزير والحكومة. وكان هو من قاد المجموعة التي دخلت هجليج في عملية التفاف مباغتة من الجنوب، وحسمت المعركة. وبالإضافة إلى كفاءته العسكرية وتفانيه في عمله، عرف ود ابراهيم بالنزاهة والبعد عن أي شبهة فساد، حيث ما يزال يقيم في منزل حكومي متواضع ولا يملك منزلاً يخصه، رغم أنه يتحكم في ميزانيات تتجاوز المليارات، ولا تخضع لمحاسبة أو رقابة بسبب طبيعة المهام التي ظل يتولاها. لكل هذا ترى السلطة أن الرجل يشكل تهديداً لها بسبب ما يتمتع به من كاريزما وقدرات، رغم أنه ظل حتى الآن من أهل الولاء، وبعيداً عن الاستقطابات التي ضربت الحزب والحكومة في الآونة الأخيرة. ولكن يبدو أن صبر العسكريين، مثل كثيرين غيرهم من أنصار النظام من غير الفاسدين، قد أخذ ينفد، وهم يرون البلاد تترنح من كارثة إلى أخرى دون أفق منظور.


    وكنا قد علقنا من قبل عندما صدرت مذكرة مجموعة من الإسلاميين تطالب بالإصلاح بأن اضطرار أنشط أنصار الحزب وأكثرهم فاعلية إلى رفع مذكرة بآرائهم ومطالبهم لقيادة حزب يؤكد انهيار مؤسسات الحزب قد انهارت وفقدان فاعليتها.
    وأعجب من ذلك ألا يصل خبر المداولات المتطاولة (ذكر معدو المذكرة أنها استغرقت عاماً كاملاً) التي شارك فيها المئات، إلى سمع قادة الحزب، حتى أن الرئيس الفعلي للحزب قال، حتى بعد صدور المذكرة، أنه لا يعرف شيئاً عمن أصدرها!
    وقد أردفنا بين يدي مؤتمر الحركة الإسلامية القول بأن الحكومة قد دخلت، على مايبدو، في حرب مع أقرب أنصارها. إلا أن الأحداث والمزاعم الأخيرة تكشف أبعاداً أخرى للأزمة لم تخطر حتى على بالنا. فقد كنا على يقين بأن النظام الحالي قد طلق السياسة وأخذ يحكم بثنائي القوة والرشوة. ولكن أن يصل الأمر حتى يضطر النظام إلى اللجوء إلى الأجهزة الأمنية لكي يستكشف آراء ومخططات أعضاء الحلقة الداخلية من جهازه العسكري، فهذا يكشف أن النظام معزول ليس فقط في داخل البلاد والحزب والحركة الإسلامية، بل أيضاً في داخل الجيش. أما إذا صح كذلك أن كوادر أمنية كانت من بين الناقمين، فإن الأمر يكون قد بلغ المدى.
    وبغض النظر عن صحة التهمة في حق الضباط المعتقلين، فإن هذه المواجهة قد أوصلت الأزمة الداخلية في النظام إلى مرحلة اللاعودة. فإذا كانت المجموعة بريئة مما نسب إليها، فإن الحكومة قد افتعلت صراعاً مع الجيش لن تكسبه بالقطع. إما إذا صحت التهمة، وكان الأمر قد بلغ بقيادات الجيش الملتزمة أنها قررت قلب النظام والتخلص من القيادات التي توصل كثير من أنصار النظام إلى أنها فاسدة وفاشلة ومقصرة، فإن الأمر يكون أفدح بكثير. وفي هذه الحالة فإن النظام يكون قد أسدى لهذه المجموعة خدمة كبيرة، لأن الهجمة الإعلامية على هؤلاء القادة العسكريين قدمتهم إلى الشعب، وكشفت هويتهم، بعد أن كانوا يعملون في صمت بعيداً عن الأضواء، ولا يعلم بإنجازاتهم وتفانيهم إلا القلة داخل القوات المسلحة.
    ولا يستبعد أن تكون بعض الأطراف تعمدت تسريب المعلومات عن نوايا هؤلاء حتى يتحقق لهم ما تحقق الآن من تغطية إعلامية واسعة. فلو أن انقلاباً وقع فجأة بدون مقدمات، فإن هذا قد يخلق بلبلة في أوساط القوات المسلحة وأوساط أنصار الحزب، وقد يؤدي إلى صدامات. وبنفس القدر فإن الجماهير قد لا تتجاوب مع التغيير لأنها قد لا تعرف مراميه وأطرافه. ولكن الآن، وبفضل إعلام النظام المحموم، علم القاصي والداني بأن هذه المجموعة معادية للفساد والاستبداد، ومنادية بإشاعة الديمقراطية، بدءاً بتحرير الإعلام، والفصل بين الحزب والدولة، والتوافق بين كل القوى السياسية على دستور ونظام سياسي جديد، وتنظيم انتخابات حرة يشارك فيها الجميع، وإبعاد الجيش كلياً عن السياسة وتحييده بين القوى السياسية. وعليه فإن أي تحرك للجيش على هذه الأسس سيجد المساندة من كل قطاعات الشعب، بما في ذلك أنصار الإصلاح داخل المؤتمر الوطني، وسيمثل أقرب الطرق وأقلها كلفة ل

    الخلاصة هي أن الجيش قد سحب دعمه من النظام، وانحاز إلى الشعب، حتى قبل أن يتحرك الشارع. وهذه إشارة خضراء للجماهير لكي تخرج مطالبة بحريتها، وهي واثقة من أن الجيش لن يتصدى لها، بل بالعكس، قد يخرج للدفاع عنها إذا استهدفتها الأجهزة الأمنية. بل إن هناك مؤشرات إلى أن مكونات مهمة في القطاع الأمني قد سحبت بدورها دعمها للنظام وانحازت إلى معسكر الإصلاح. وهذا يؤكد أن العد التنازلي قد بدأ للتغيير الذي طال انتظاره، سواء أكان بمبادرة من الجيش، أم بتحرك شعبي ينحاز إليه الجيش ويدعمه.

    ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن



    ----------------

    السودان: أيّ مستقبل للحركة الإسلامية؟
    November 26, 2012
    [email protected]

    حيدر ابراهيم


    ظل الإسلاميون السودانيون منذ نشأتهم الأولي،يتجنبون إطلاق تسمية الأخوان المسلمين عليهم صراحة. ويري البعض أن الإسم ألصقه الشيوعيون بهم،قاصدين ربطهم بالصعوبات والملاحقات التي كان يتعرض لها أخوان مصر.لذلك،اخذ أول تنظيم أسلامي حديث(غير طائفي)إسم:حركة التحرير الأسلامي (1949) ثم الجماعة الإسلامية. رغم وجود تيار صغير،كان يصر باستمرار علي إسم (الإخوان المسلمين)، وحتي اليوم يوجد تنظيم صغير بقيادة صادق عبدالله عبدالماجد، والذي درس في مصر نهاية أربعينيات القرن الماضي.ولكن أغلبية الإسلاميين انحازت لتيار الشيخ (حسن الترابي) والذي برز منذ منتصف الستينيات عقب عودته من باريس. وأختار اسم (جبهة الميثاق الإسلامي)عنوانا لكيانه الإسلامي. ولاحقا ،أخذت الحركة الإسلامية إسم (الجبهة القومية الإسلامية) عقب الإنتفاضة الشعبية عام1985،وحتي استيلائهم علي السلطة في 1989. وغادرت بعض القيادات التاريخية التنظيم احتجاجا علي هيمنة (الترابي) الفكرية والتنظيمية التي بدأت مبكرا. فقد إنحاز لصيغة التنظيم الجبهوي الفضفاض باعتباره مرنا ويسمح للكثيرين بالانضمام أو التعاطف والمساندة.


    ظل (الترابي) علي خلاف دائم مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ويعود ذلك لطموحه الشخصي، وأن قدراته تمكنه من قيادة التنظيم. وكان يشجعه علي ذلك بعض الإسلاميين العرب (عبد الله النفيسي مثلا). ومن هنا جاءته فكرة تأسيس (المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي) في أبريل (نيسان)1990 عقب حرب الخليج. فقد كان (الترابي) يتوق دائما لتكوين أممية أسلامية سنية (إسلامنترن )علي غرار الكومنترن في المعسكر الشيوعي الذي كان ينافسه داخليا بسبب منافسة واحد من أقوي الأحزاب الشيوعية في المنطقة: الحزب الشيوعي السوداني.فقد كانت عقدة العالمية مستحكمة داخل الحركة الإسلامية السودانية. ويعود ذلك للشعور بهامشية الجغرافيا والموقع. يضاف الي ذلك الإحساس لدي المثقفين السودانيين،بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، أن بقية العرب لا يعطونهم المكانة التي يستحقونها.ولابد من معرفة هذه الخلفية التاريخية والنفسية لإدراك هذا الزخم العالمي الذي أهتم به الإسلامويون السودانيون في إخراج مؤتمرهم الثامن في 15-17/11/2012،متجاهلين الأزمات الداخلية الخانقة،وصارفين ببذخ-مليار جنيه سوداني- علي 120 ضيفا قادمين من الخارج.فما هي الجدوي السياسية لهذا العمل؟وهل هناك مردود يساعد النظام في فك حصار الفشل والأزمات؟


    حاول النظام السوداني ترحيل أزماته للخارج بتقديم نفسه كنظام وطني،مقاوم وممانع علي الطريقة الأسدية؛وبالتالي فهو يتعرض للضغوط الدولية والمؤامرات الخارجية.وهذا يعني عدم وجود مشاكل وصعوبات داخلية،وبالتالي لم يهتم بالعيوب التي لازمت المؤتمر بالداخل،فقد كانت عينه علي الخارج فقط.وكان يهمه كيف يكسب تأييد ودعم الحركة الإسلامية العالمية.وهذا ما تحقق له،فالشيخ(راشد الغنوشي)والذي كان ناقدا حادا للتجربة الإسلامية قبل الإنتخابات التونسية، تراجع عن كل مواقفه،ليخاطب المؤتمرين،بأن السودان كان الأول في دعمهم ولايزال يدعم قضايا الأمة الإسلامية.وأن تمكين الإسلام في المنطقة إنطلق من السودان رغم تآمر الغرب عليه وتسببه في انفصال الجنوب. ورأى أن أرض الإسلام الآن في تمدد وليس نقصان وأن على السودانيين أن يعلموا أن زمن الانتقاص من أرضهم قد انتهى.وتكرر هذا المدح والدعم من قبل كل الإسلامويين العرب الذين كانوا قبل وصولهم للسلطة،يتبرأون من التجربة ويحتجون علي أي محاولة لنسبهم للنموذج السوداني.فقد كان لهم دافع آخر،فهم يريدون أن تكون الخرطوم منصة لإطلاق أفكار ومواقف لا يريدون الالتزام من داخل بلادهم بعد أن أصبحوا حكاما مسؤولين وليس معارضين متحمسين مثل السابق.


    جاء المؤتمر الثامن صادما للسودانيين،فقد كان أول مؤتمر بعد إنتفاضات الربيع العربي وبعد إنفصال جنوب السودان.فقد توقعوا أن يكون أكثر جدية وإيجابية في مساعدة السودانيين للخروج من مشاكلهم الداخلية أولا ليكونوا بعد ذلك قادرين علي الدفاع عن الأمة الإسلامية،وهم شبعي وأصحاء ومتعلمين.ويعتقد كثير من السودانيين أن الحركة الإسلامية لا وجود لها إلا في خيال بعض الحاكمين.فمن المفارقات،أن نفس الذين نظموا هذا المؤتمر،هم الذين حلّوا الحركة الإسلامية بعد المفاصلة مع(الترابي)عام1999 بقصد سحب تأييد الكيان له. ولكن الغريب أن الجناحين لم ينتسبا في الإسم للحركة الإسلامية.فقد صارا:المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي .ويقول أنصاره أن الحركة الإسلامية تيار عام وإن أصر المؤتمر الوطني علي احتكارها، وذلك لا يصح لأي شخص أو جهة. وان الحركة الاسلامية لايمكن تسجيلها واجراء التدابير القانونية كجسم معترف به لممارسة النشاط السياسي.وهنا يواجه الإسلامويون ليس المعضلة القانونية،ولكن إشكالية تحديد هوية الحركة الإسلامية أصلا؟ومن الذي يحق له هذه الصفة وما الذي يميزه عن الآخرين؟فهناك تداخل معقد بين مكونات الحركة الإسلامية،وحزب المؤتمر الوطني،والحكومة.ويسميها البعض الحاءات الثلاثة،وقد كرس المؤتمر تداخلها بقصد منع استقلالية الحركة الإسلامية وأن تكون رقيبا.ومن الجدير بالذكر أن هناك دعوة كانت تري أن يكون التيار الإسلامي في المؤتمر الوطني،فصيلا مثل هيئة شؤون الأنصار في حزب الأمة أو كيان الختمية في الحزب الاتحادي الديمقراطي.(صحيفة الأنباء10/6/2000).


    غابت العملية الديمقراطية تماما عن تسيير أعمال المؤتمر،رغم أنه حشد حوالي4 آلاف عضوا (علما بأن الحزب الشيوعي الصيني حشد ألف عضوا فقط).ولكنهم حرموا من حق اختيار الأمين العام مباشرة،فقد أحس القائمون علي الأمر أن العناصر المطالبة بالإصلاح قد تكون أغلبية.لذلك،تقرر انتخاب مجلس شورى يقوم بمهمة بإنتخاب الأمين العام.وقد برر أحد القياديين- صراحة- هذا السلوك السياسي،بأن مثل هذه الأمور يجب ألا تترك للعامة لكي يقرروا فيها.وهنا يبرز سؤال حائر:كيف استطاع المحافظون الفوز بأغلبية مجلس الشورى رغم ان هذه العملية قامت أصلا لتجنب أغلبية الإصلاحيين؟

    أي لماذا لم يترجموا أغلبيتهم إلي سيطرة علي مجلي الشورى؟بالتأكيد كان هناك تلاعب فات علي الإصلاحيين. وانتخب مجلس الشورى،الزبير أحمد الحسن،وهو من التكنوقراطيين وتقلد منصب وزير المالية ومناصب تنفيذية أخري.ولم يعرف له أي نشاط فكري أونظري في الكتابة والتأليف.وهذا يعني أن الإهتمام مستقبلا لن يكون بالفكر وتطوير الحركة ثقافيا،بل الاكتفاء بالحركية والعمل التنظيمي والحشد. رغم أن تحديات حقيقية تواجه الحركة الإسلامية الآن، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الاجتهاد وتجويد الأفكار.وهذا ما لايستطيع التكنوقراط والحركيون أمثال الزبير القيام به.


    أكدت الحركة في النهاية أنها غير مهمومة بالشأن الداخلي وتحسين أوضاع المواطنين المعيشية.إذ يصرح رئيس مجلس الشورى فور اختياره:-”للحركة أشواق وهموم تتجاوز السودان الي العالمية والعربية”.ولكن هذا لن يخفي الخلافات العميقة التي أثارتها غلبة التيار السلطوي المحافظ علي الإصلاحيين الذين أبدوا تململا واصدروا المذكرات الاحتجاجية، وطالبوا بمحاربة الفساد والإنحراف.كان الإصلاحيون يعولون علي هذا المؤتمر،وعلي ترشيح غازي صلاح للأمانة.ولكنه شخصية مترددة،كما أن نرجسيته تجعله لا يتصور الفشل مطلقا،لذلك يتجنب المعارك،فانسحب.رغم أن مبرره هو أن الأمين العام سيكون محدود الصلاحيات في هذه الظروف.ويري المراقبون أن المؤتمر انتهي مبقيا علي الخلافات بين تيارين أحدهما يدعو إلى تذويب الحركة في الدولة والآخر ينادي بإصلاح حال الحركة ومؤسساتها .وسوف تشهد الفترة القادمة مفاصلة جديدة أو إنقساما ظاهرا لاستحالة التوفيق بين التيارين.خاصة مع استمرار النظام في الدخول في صدام مع الخارج، هاربا إلي الأمام،متجاهلا أزماته الداخلية.ولن تنقذه شعارات المقاومة والممانعة الزائفة.
    الاهرام المصرية 25 نوفمبر2012
                  

11-29-2012, 08:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    78735.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    الأخبار

    أخبار إقليمية
    البديل الجاهز بعد إسقاط البشير

    البديل الجاهز بعد إسقاط البشير


    «الأستاذ معاوية يسن»


    11-28-2012 09:28 PM
    معاوية يس *

    أنا واحد من غمار السودانيين الذين ما عادوا يصدقون شيئاً مما يقوله محفل عمر البشير الذي يحكم السودان بالأكاذيب والفساد والتدين المظهري منذ ربع قرن. ولذلك لم ولن أصدق أن رجل الأمن السابق صلاح قوش لديه مشروع للإنقلاب على البشير. وعدم التصديق ناجم عن كثرة أكاذيب رجال محفل البشير الذين بدأوا عهدهم المشؤوم في 1989 بكذبة بلقاء زعموا فيها – في معرض تعريفهم بهويتهم بعد نجاح انقلابهم- أنهم مجرد ضباط وطنيين لا انتماء لديهم إلى أية جهة حزبية. وكانت كذبتهم الجاهزة لتغطية تلك الكذبة الفاجرة تنفيذ مسرحية ذهاب البشير إلى القصر الجمهوري رئيساً، وذهاب العقل المدبر السابق للنظام حسن الترابي إلى السجن حبيساً!

    بيد أن حكاية انقلاب قوش المزعوم تكشف عنصراً مهماً: أن مسألة "من يكون البديل؟" التي ظل محفل البشير وأزلام الحركة الإسلامية النافقة يستخدمونه على مدى عقدين لإحباط السودانيين، وترسيخ الوهم بأنهم هم أو الطوفان، موجودة ومستعرة الأوار في بطن بيت النظام وحزبه الصوري الحاكم (المؤتمر الوطني). وقد أذكاها داخل هذه الشرذمة من المفسدين إعلان البشير أنه لن يرشح نفسه للرئاسة حين تنقضي ولايته الحالية بعد عامين. وكان يفترض أن يختار مؤتمر الحركة الإسلامية النافقة الذي عقد منذ أسبوعين مرشحاً بديلاً. لكن مسألة "من يكون البديل؟" عكست اتجاه الريح في بيت العصبة الحاكمة.
    وكشفت أن التشظي داخل البيت الحاكم (أفراد المحفل الخماسي) أشد من التشظي الذي تسببوا فيه لوحدة تراب السودان. كما أظهرت أن انشطاراً أفقياً ورأسياً يمزق قواعد حزبهم الحاكم الذين لا هم لهم سوى الاستئثار ونهب موارد البلاد و"التكويش" على أرزاق العباد. فقد أضحى سافراً إثر إعلان البشير المشار إليه، وإصابته بمرض يهدد حياته، الصراع بين مراكز القوى التي تستند إلى العصبية القبلية في إدارتها لمعركة البقاء (قبيلة الرئيس وقبائل المتحالفين معه ضد قبيلة النائب الأول للرئيس والمحسوبين عليه). وانتهت الجولة الأولى من صراع الديكة المتأسلمين بإقصاء من لا يستندون إلى خلفيات عرقية، كالدكتور غازي صلاح الدين، والنائب الثاني للرئيس الحاج آدم، وغيرهما.

    كلما زاد تململ السودانيين من صنائع النظام وخطل سياساته وتلوث أقطابه الأشرار بدماء الأبرياء، ألقمهم سدنة المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل حجر مسألة "من يكون البديل؟". وتُضرب أمثلة بأسماء من قبيل الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني. على رغم إجماع السودانيين غير المتحزبين- وهم الغالبية العظمى- على أن الصادق والميرغني وحزبيهما اللذين أضحيا شركتين عائليتين مغلقتين لا يصلحون لحكم السودان المقبل، الذي يريد له بنوه- شيباً وشباباً- أن يكون طاهراً من دنس المصلحة الحزبية، وحكم المحسوبية والنسب، ومن لوثات الفساد والقوانين الخاصة والانحلال الخلقي.
    لكن هل عَدِمَ السودان رجالاً يمكن أن يقودوا سفينته إلى بر الأمان بعد إزالة طاغوت البشير وأعوانه المفسدين؟ وهل من الضرورة أن يكون البديل من حكم الطاغية حزبيين وقياديين متفرغين للعمل الحزبي وإتقان تكتيكات البقاء وتجاوز مطبات الأنظمة العسكرية التي تغدر بالبلاد؟

    البديل المنطقي والوحيد هو حكومة من التكنوقراط من أبناء السودان الشرفاء الذين صبروا وتحملوا سياط النظام الغاشم داخل السودان، وأبناء السودان وبناته الأحرار من التكنوقراط ممن حملهم النظام على الفرار إلى بلدان الشتات. آلاف من حملة الألقاب العلمية الذين تزدهي بهم سوح الجامعات الأميركية والأوروبية، ومنظمات الأمم المتحدة. مئات منهم تخصصوا وتخصصن في ما تحتاج إليه بلادهم المهيضة الجناح، من إعمار وإعادة إعمار وبناء وتأهيل. هم وحدهم الضمانة لإرساء نظام بمجتمع عادل ومنصف، وإعلام صادق لا يغسل أدمغة المتلقين، وتعليم قوي يتناغم مع حاجات سوق العمل ومتطلبات التنمية، وقضاء مستقل، وخدمة صحية توفر للسودانيين الفقراء علاجاً شافياً في مقابل الضريبة التي يدفعونها للدولة.
    عشرات الآلاف من أبنائنا ونسائنا العاملين في مهنة القانون الذين ما باعوا ضمائرهم، ولا خانوا عهودهم لوطنهم، واضطروا إلى الهجرة فأضحوا عماداً وركيزة لأكبر مؤسسات الطاقة في العالم، ومستشارين لأضخم الشركات والمؤسسات والحكومات. هؤلاء بما توافر لهم من حنكة وتجربة واطلاع واحتكاك بالتجارب الأممية مستعدون للتضحية بما هم فيه من امتيازات ليعودوا لإعمار سوح المحاكم، وإثراء مهنة القضاء الجالس، ووضع الصياغات السديدة لمشاريع القوانين المطلوبة للعودة بالسودان إلى روح العدالة والإنصاف والضمير السليم.
    آلاف الأطباء السودانيين في شتى بقاع الأرض- خمسة آلاف منهم في مستشفيات بريطانيا والجمهورية الآرلندية- جاهزون لتلبية نداء الوطن لا يريدون سوى بيئة عملية تستوعب طموحاتهم، وتوفر لهم حاجتهم من المعدات والأدوات والتجهيزات والأدوية ليحاكوا الخدمات الصحية في البلدان التي تحتفي بمواهبهم، وتشجع طموحاتهم.

    وداخل السودان مئات الآلاف من المهنيين والموظفين الذين لم يتلوثوا بدنس النظام وأفعاله القبيحة. مستعدون لاستعادة روح النشاط والبذل، وإذكاء التنافس الشريف في ما بينهم لمزيد من العطاء، من دون خوف من فظائع إدناء أهل الثقة والولاء والانتماء. وهؤلاء ورفاقهم في الشتات لا ينتظرون دعوة ليعودوا وزراء أو وكلاء وزارات، بل ناخبون عاديون يأكلون حلالهم من كدحهم ومعاناتهم "المعقولة"، ويتمتعون بالامتيازات التي تؤهلهم لنيلها وظائفهم وخبراتهم وضرائبهم. هؤلاء وأولئك يعرفون جيداً أكثر من غيرهم أن من شاء منهم خوض المعترك السياسي، فهو سيعتزل الوظيفة المدنية، وأنه إذا انتخب لأي مهمة تمثيلية، فهو سيكون خادماً للشعب، وسينفق على حملاته واستقبالاته وهداياه إلى ناخبيه من حر ماله، وليس من بيت المال. هؤلاء لن تتغير منازلهم وسط أحياء أهاليهم. ولن يزيدوا مواردهم من النصب باسم الدين والزكاة والعمل الخيري. ولن يكون بين قادتهم من يصطنع لهم مناصب الاسترزاق، مثل هيئة الذكر والذاكرين ومستشارية الرئيس لشؤون التأصيل.
    البديل جاهز في السودان. ليس على شباب السودان وشاباته أن يدركوا ذلك.
    ـــــــــــــــــ
    * صحافي من أسرة "الحياة



    ----------------------

    الإخوان وشهوة السلطة
    November 28, 2012
    عثمان ميرغني
    [email protected]
    بعد قرارات مرسي الأخيرة التي منح نفسه بموجبها صلاحيات مطلقة، وأعطى لقراراته عصمة وحصانة تمنع المساءلة فيها أو الطعن عليها، أظهر إخوان مصر ذات المرض الذي أظهره إخوانهم في السودان، وهو شهوة السلطة والتسلط، وعدم القدرة على التعايش مع الديمقراطية وتحمل تعدديتها وتوزع سلطاتها. فالإسلاميون في السودان أنشأوا نظاما استبداديا بالانقلاب على الشرعية والديمقراطية منذ ثلاثة وعشرين عاما، وما زالوا يناورون ويستميتون لبقاء النظام تحت سيطرتهم التامة لسنوات أخرى. وها هم إخوان مصر يحاولون الانقلاب على الديمقراطية مبكرا وانتزاع السلطات والصلاحيات لرئيسهم، وفرض رؤيتهم على مشروع الدستور المزمع، لكي تأتي المرحلة المقبلة مفصلة على مقاسهم وهواهم.

    المعركة الدائرة في مصر اليوم تجري على عدة جبهات، وإن كان الهدف فيها واحدا، وهو تمكين الإخوان من الاستحواذ على السلطة والإمساك بكل مفاتيحها. فإخوان مصر على ما يبدو يريدون اختصار المراحل، والاستئثار بالسلطة مبكرا قبل أن تتغير المعادلات في الساحة أو في المنطقة، وتفلت منهم فرصة يرونها سانحة لفرض توجهاتهم وسلطاتهم بأسلوب الصدمات المتتالية. فمنذ أن قفزوا على الثورة التي التحقوا بها ولم يفجروها، وهم يناورون لفرض سيطرتهم على الساحة. تعاملوا مع المجلس العسكري وتحاوروا معه من وراء ظهر القوى السياسية الأخرى أحيانا، وعارضوا الأصوات الداعية إلى إعداد الدستور قبل الانتخابات وألحوا على التعجيل بها لأنهم كانوا الأكثر تنظيما وتمويلا. وعندما تحقق لهم الفوز في انتخاباتها البرلمانية بدأت المحاولات لفرض أجندتهم وإصدار القوانين التي تخدم أهدافهم. وعندما جرت الانتخابات الرئاسية اعتصموا بالميادين وهددوا بالعنف إن لم تعلن النتيجة فوز مرشحهم، وعندما تحقق فوز مرسي بدأت معركة انتزاع الصلاحيات، فكان إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة قيادة المجلس العسكري وبعض كبار قادة الجيش إلى التقاعد، ثم الجولة الأولى من معركة القضاء بمحاولة نقض قرار المحكمة الدستورية وإعادة البرلمان في يوليو (تموز) الماضي، تلتها الجولة الثانية بقرار إقصاء النائب العام من منصبه وتعيينه سفيرا، وهو القرار الذي رفضه القضاة ووصفوه بالعدوان على القضاء، مما اضطر مرسي للتراجع حينها وتأجيل المعركة.

    اليوم يستكمل مرسي والإخوان معركة القضاء بمحاولة ثالثة من خلال الإعلان الدستوري الذي حصنوا به قرارات الرئيس بأثر رجعي، وأقالوا به النائب العام من غير منحه سفارة هذه المرة انتقاما منه على رفضه السابق «للعزل المغلف بالتكريم». وإذا تمكن الإخوان من تمرير الإعلان الدستوري أو قسم منه، فإنهم لا محالة سيوجهون سهامهم نحو المحكمة الدستورية العليا.

    الطريقة التي صدر بها الإعلان الدستوري توضح أن القرارات كانت جاهزة في انتظار الفرصة لإعلانها. فالقرار صدر مباشرة بعد هدنة غزة التي لعب فيها مرسي دور الوسيط مع «الإخوان» في حماس، وحصل فيها على إطراء غربي ومديح أميركي لا سيما من أوباما. ولم يهدر مرسي وقتا قبل أن يسارع للصرف من هذا الرصيد فأصدر إعلانه الدستوري الذي استحوذ به على صلاحيات لم يحلم بها مبارك. وكان لافتا أنه في الوقت الذي كان فيه المتحدث الرئاسي يقرأ حيثيات الإعلان الدستوري، كان النائب العام الجديد يؤدي اليمين أمام مرسي مما يدل على أن الاختيار كان معدا، والرجل كان جاهزا أمام الرئيس لأداء اليمين. كذلك كان لافتا أنه ما إن فرغ المتحدث الرئاسي من تلاوة الإعلان حتى كان أتباع تنظيم الإخوان يسيرون مظاهرات بدا كأنها معدة سلفا لتأييد قرارات الرئيس.

    فإذا كانت القرارات مدروسة ومحبوكة في مطبخ الإخوان، فإن حديثهم الآن عن الحوار، أو عن أنها قرارات مؤقتة إنما هو محاولة لتشتيت المعارضين لها، فيما يعمل الرئيس على محاولة شق صفوف القضاة وكسب الوقت حتى تفرغ الجمعية التأسيسية من مشروع الدستور بعد أن حصنها الإعلان الدستوري مثلما حصن مجلس الشورى الذي يخوضون به أيضا معركة مع الإعلام لترويضه أو السيطرة عليه، وأحسب أن هذه ستكون معركة كبرى مقبلة مثل المعركة الأخرى للسيطرة على النقابات. فمؤيدو الإخوان الذين تظاهروا دعما للإعلان الدستوري حمل بعضهم لافتات تدعو لتطهير الإعلام، وهي ليست المرة الأولى التي يرفعون فيها مثل هذه الشعارات، علما بأن قيادات الإخوان ظلت تنتقد الإعلام وتتهمه بالتحيز ضدها، وتمكنت من خلال مجلس الشورى من تعيين بعض المحسوبين عليها على رأس بعض الصحف ضمن سلسلة التعيينات التي جرت قبل فترة وجيزة. كما بدا لافتا أن الجمعية التأسيسية للدستور رفضت مطلب الصحافيين بالنص صراحة في مشروع الدستور على حظر مصادرة أو تعطيل الصحف وحظر العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر مما جعل نقابة الصحافيين تنضم إلى المنسحبين منها.

    الذين يحاولون الدفاع عن قرارات مرسي بالقول إنها اتخذت لحماية الثورة وتسريع تنفيذ أهدافها، ويدعون المعارضين للحوار بدلا من التظاهر، يبدون كمن يحاول حجب شمس الحقيقة بغربال. فهذه ليست أول مرة يتخذ فيها مرسي قرارات يفاجئ بها الناس ويحاول من خلالها انتزاع صلاحيات، أو تغيير قواعد اللعبة. كما أنها ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها قرارات مثيرة للجدل والخلاف، من دون أن يتشاور مع القوى السياسية والمدنية الأخرى، مما يجعل حديث مساعديه الآن عن أهمية الحوار بلا معنى. فمرسي وجماعته لو كانوا جادين في موضوع الحوار لكانوا فعلوا ذلك قبل صدور القرارات لا بعدها، ولحرصوا على مبدأ المشورة الذي يزعمون أنه من صميم فكرهم ونهج عملهم. كما أن هذه القرارات تعيد مصر إلى حكم الفرد، ولا تعزز الديمقراطية والتعددية، أو تدعم مبدأ توزيع الصلاحيات والسلطات. فالمصريون عندما انتخبوا مرسي كانوا يريدون طي صفحة حكم الاستبداد، لا استبدالها بحكم يحصل فيه الرئيس بقرار فردي منه على صلاحيات مطلقة وحصانة تامة تعطيه الحق في أن يفعل ما يريد من دون مساءلة من أحد.

    إذا كان مرسي وإخوان مصر يتصرفون هكذا الآن، فكيف سيفعلون عندما يتحصنون بالدستور الجديد، وعندما يكملون مشروعهم للإمساك بكل مفاتيح السلطة؟

    هذا هو السؤال الذي يخيف الكثيرين ويرسم معالم المعركة الراهنة


    ------------------



    لماذا لا تحسم (خمج) الفساد يامدير جهاز الأمن؟!
    Updated On Nov 26th, 2012

    سليمان حامد

    صرح مدير جهاز الامن والمخابرات عند مخاطبة حفل تخريج الدفعة (73) للجهاز والبالغ عدد (1200) في كررى في 20 نوفمبر 2012م، قائلاً ( كفاية خمج ولعب لمقدرات الشعب). بالطبع فإن مقدرات الشعب لا تقبل التجزئة او الانتقاء. فالتخريب لمقدرات الشعب السوداني يمس كل ما يضر بمصلحته وكرامته ومصالح الوطن. ومقدرات الشعب تشمل ضمن ما تشمل ايضاً اموال الشعب وحمايتها من النهب المقنن والفساد والتجنيب والخروج على القوانين المالية.

    غير أن جهاز الامن الذي تحول الى قوة ضاربة تمتد ذراعه في كل الاتجاهات لحماية دولة الرأسمالية الطفيلية وسدنتها الحريصين على بقائها في الحكم، لأن بقاءهم في مناصبهم الحالية وانتفاعهم بمخصصاتها وامتيازاتها العديدة رهين ببقاء هذا النظام. ولهذا فلا غرابة في استماتتهم دفاعاً عنه. ولهذا فهم مبرمجون للعمل والسير في اتجاه واحد. هذا الاتجاه لاعلاقة له بمعاناة الشعب او الاهتمام بحياته اليومية والمآسي التي يواجهها في كل خطوة يخطوها ان كان ذاهباً للتسوق او في طريقه للمستشفى للعلاج أو لتوصيل ابنائه لمدرارسهم … الخ.
    بعكس ذلك، الجهاز يمثل حضوراً سريعاً عند سماع اول هتاف لمظاهرة سلمية تطالب بالحقوق العادلة والمشروعة للمشاركة فيها. ويسومهم كل صنوف القهر والبطش والتعذيب والاعتقال، رجالاً كانوا أم نساء، شيباً أو شباباً.

    السؤال الذي يفرض نفسه بالحاح مشروع، وهو موجه ليس لمدير جهاز الامن والمخابرات وحده، بل للنظام كله، لأن مدير الجهاز هو احد قيادي اجهزة القمع. السؤال هو :

    هل يخرج الفساد ونهب وتجنيب اموال الشعب الذي تقتطع في شكل ضرائب وجبايات من قوت ابنائه ومن عرقه وكدحه اليومي، من قائمة (الخمج) الذي يطول سرده والذي اشار اليه رئيس الجهاز ؟؟

    اليس تخريب الاقتصاد القومي ونهب اموال الشعب هو تدمير مباشر للوطن والشعب؟

    وماذا فعل مدير جهاز الامن والمخابرات لحماية اقتصاد البلاد من الهجوم الضاري الوحشي والذي يقود النهب والفساد نحو الهاوية بفضل الرأسمالية الطفيلية الذين اثرى معظمهم وتحولوا الى مليارديرات بين عشية وضحاها؟

    لانلقي الكلام جزافاً ولكن نستند الى وثائق السلطة نفسها رغم قناعتنا الخاصة بأن مايراد في هذه الوثائق رغم فداحته، إلا انه لا يمثل سوى قمة جبل الجليد الغاطس في بحر الفساد.

    جاء في تقرير المراجع العام:

    ان جرائم المال العام والمخالفات المالية في الفترة من سبتمبر 2011م وحتى اغسطس 2012م بلغت اكثر من 175 مليون جنيه. ووصلت التجاوزات في الولايات 381%. وهناك مبلغ 721 مليون جنيه سحبتها وزارة التعاون الدولي من منحة غير معروف حجمها أو الجهة المانحة لها ولا اوجه صرفها. وهناك منحتان من قطر والجزائر لا تظهر اوجه صرفها في الحساب الختامي لوزارة المالية. اكثر من ذلك، افاد تقرير المراجع العام بأن تكلفة التعاقد الخاص للقطاعات المختلفة بلغت مليار جنيه. واوضح التقرير ان هناك 587 منظمة تستفيد من الاعفاءات الجمركية. وهناك تجاوزات كبيرة في الصرف على مشاريع سد مروي والمشروعات المصاحبة له ومشروع تعلية خزان الروصيرص.

    بل اكثر من ذلك فأن رئيس الجمهورية عمر البشير استثنى شركة الامن الغذائي التابعة للقوات المسلحة من القرار الذي اتخذ سابقاً بتصفيتها. وانتقد المراجع العام في خطابه امام الهيئة التشريعية اجراءات تصفيتها مخالفة للقانون لست شركات تتبع للجيش والشرطة وجهاز الامن، بينما تمت خصخصة شركتين وتصفية 14 شركة اخرى ضمن 26 شركة صدر قرار رئاسي سابق بتصفيتها وخصخصتها ولكن تم عرض 4 منها فقط للبيع.

    وحذر المراجع العام من تكرار ظاهرة الشيكات المرتدة والمتآخرات في كل من ديوان الضرائب والجمارك رغم انها اكبر الادارات ذات الايرادات العالية وكشف تقرير المراجع ايضاً عن تجنيب 5 مليون دولار و497 مليون جنيه في وزارات مختلفة. وان جرائم المال العام لذات الفترة المذكورة انفاً زادت بنسبة 381% وبلغت نسبة الاستيراد 5%.

    ويبلغ الفساد ذروته عندما يورد التقرير ان هناك مرتبات تُصرف لاشخاص تم انهاء خدمتهم فضلاً عن 316 موظفاً قدموا استقالاتهم ولم ترفع اسماؤهم عن كشوفات المرتبات بعد. وكشف المراجع ايضاً عن تجاوزات في صندوق رعاية الطلاب تتمثل في تقديمه منحاً لمنظمات مخالفة كما هو منصوص عليه في اغراض الصندوق. اضافة لمخالفات اخرى هى الان امام القضاء.

    اكثر من ذلك، هناك 25 وحدة حكومية لم تقدم حساباتها للمراجعة حتى يوم القاء المراجع لخطابه امام البرلمان.

    ورغم كثافة حجم العطالة من الكادر الوطني المدرب والمجرب، فقد كشف المراجع العام ان هيئة الطيران المدني تعاقدت مع خبيرين فقط بمبلغ قدره 607 الف دولار في العام. بينما ارتفعت مديونية بنك السودان على الحكومة 10.20 مليار جنيهاً.

    ان كل من يقرأ تقرير المراجع العام بمرفقاته الثمانية يصيبه الخوف والهلع على مستقبله واسرته، بل وعلى الوطن كله بقدر اكبر مما حدث عندما ضرب مصنع اليرموك.

    فهو فساد ونهب غير مسبوق. ولكن الاكثر اندهاشاً ان هذا يحدث سنوياً بنماء وتطور مضطرين وزيادة في النهب لا يتصورها عقل بشر. تخيل ان الزيادة في جرائم المال العام زادت مما كانت عليه بنسبة 381%، فكيف سترفع المعاناة عن المواطنين في ولايات السودان المختلفة والموازنة الجديدة تبشرنا بأنها ستعتمد على الضرائب والجبايات بنسبة 100%.

    السيد مدير جهاز الامن والمخابرات، يعلم كل ذلك، بل واكثر منه بحكم موقعه. فهل هناك (خمج) اكثر وابشع من ذلك.

    الا يرقى كل هذا الذي يدمر اقتصاد البلاد ويقود الى الافقار المطلق للشعب،ويخلق جيشاً جراراً من المتسولين ويقود الشباب بل حتى الفتيات الى تكوين عصابات للنهب والسلب في اسوأالغروض. ناهيك عن الانحطاط الخلقي الذي بدأ يطغى ويطفو على سطح المجتمع السوداني. الا يستدعى كل ذلك تحرك جهاز الامن والمخابرات ويستوجب ان يتدخل لحسم هذا الذي تجاوز (الخمج) الذي اشار اليه.

    نحن نعلم انه لن يفعل ذلك لانه كما جاء في تقرير المراجع جزء من ممارسات هذا النظام. حيث قال المراجع بالحرف – نقلاً عن التقرير وصحيفة الصحافة عدد 22نوفمبر 2012 ( انتقد اجراءات نصية مخالفة للقانون لست شركات تتبع للجيش والشرطة وجهاز الامن) . فالجهاز مهمته هى وقف الانتقادات التي توجه للنظام ونكشف ممارساته الفاسدة. وكان هذا عقاب صحيفة الميدان التي منعت طباعتها وتوزيعها وعدد من الصحف الاخرى ومنع الكثير من كتاب الاعمدة من الكتابة. هذا هو (الخمج) الذي يكرس جهاز الامن والمخابرات نفسه لحسمه. اما انهيار الاقتصاد وافقار الشعب فليس من مهامه. ولكن سيحين الوقت الذي سيحسم فيه الشعب كل هذا الخمج.
                  

12-04-2012, 08:43 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    تخريب التخريب
    December 3, 2012

    [email protected]
    (1)

    يمتاز إسلاميو الإنقاذ بالبراعة في ابداع وابتكار الأكاذيب. ونحن هذه الأيام أمام كذبة فريدة،ولا يتعلق الأمر بحقيقة وجود مؤامرة تخريبية أو عدمه.ولكن التساؤل حول هل أبقت دولة الإسلامويين علي أي شئ يمكن اتهام آخرين بمحاولة تخريبه . حاشا وكلا،فقد قامت الانقاذ بعملية تخريب للسودان بطريقة يحسدهم عليها هولاكو ونيرون.وكان التخريب شاملا وعميقا وممنهجا بحيث يعود أي مخرب جديد خائبا،لأن الإسلامويين كانوا أقوياء وامناء في تخريبهم بحيث يمكن أن يحرموا أي قادم جديد بأن يستمتع بلذة التخريب بعدهم.فهل يتطوع إسلاموي ويعطيني مثالا ملموسا من السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق،لكيان لم يلحقه الفساد والعطن والسوس خلال هذا العهد؟وبعيدا عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان،والتي يخضعها الإسلامويون لكثير من المغالطات والحيل،فنحن نسأل ماذا تبقي ليخرب بعد:

    فصل الجنوب- المحكمة الدولية الجنائية وحرب دارفور – غارات ومطاردات جنوب كردفان والنيل الأزرق – مهازل الأمن الوطني بعد القصف الصهيوني وعمارات وزير الدفاع المحصن من المساءلة والمحاسبة- إنهيار العملة الوطنية- تقارير المراجع العام الدورية -القضاء علي مشروع الجزيرة وإعلان العطش!- أموال النفرة ثم الثورة الزرعية وفشل كل المواسم الزراعية –إعسار الزراع وسجن الجوكية والصهينة عن مواسير دارفور وقائمة ال37 في سجن أم درمان- طريق الإنقاذ الغربي(مازالت مستورة حتي اليوم)-التعليم الذي يجدد الجهل ويتاجر في الشهادات في الخارج- بيع المستشفيات- المخدرات بين الطلاب- الزواج العرفي- الأطفال مجهولو الأبوين وملجأ المايقوما- التقاوي المحسّنة- شركة أقطان السودان –النعوش الطائرة(الانتنوف)–خط هيثرو ياجبرا- اختلاسات وزارة الاوقاف والحج(أكل مال النبي الكريم؟)- منظمة غلوبال البريطانية وكشف اختلاس ما نسبته 26% من عائدات بترول الجنوب – تزايد جرائم اغتصاب الاطفال – جرائم القتل العمد لأسباب ########ة- سمعة جواز السوداني- عدم دخول المجلات والكتب- حوادث الطرق بسبب الجودة!- المدينة الرياضية- الجمعيات الخيرية لنساء الحاكمين وجولاتهن في الخليج- بعض رؤوساء الصحف والقنوات الفضائية-نظافة الخرطوم والخريف المفاجئ سنويا- استضافة المؤتمرات العالمية بأموال إجلاس التلاميذ ومحاربة الملاريا وصحة الامهات- تأصيل المرض بعودة الأمراض المنقرضة:الحمي الصفراء والكلازار والسل – الانتصارات الرياضية افريقيا وعربيا…الخ

    القائمة لا تنتهي وأرجو من القارئ الكريم أن يضيف لقائمة انجازات التخريب ما سهوت عنه أو سقط من ثقوب الذاكرة.وأن يؤكد علي التساؤل:هل أبقت الإنقاذ ما يمكن تخريبه؟ اتذكر قصيدة قديمة للشاعر المصري صلاح عبد الصبور،يقول فيها:-

    أنا رجعت من بحار الموت دون موت
    حين أتاني الموت،لم يجد لديّ ما يميته،
    وعدت دون موت

    سيكون هذا مصير أي محاولة تخريبية،أن تعود دون تخريب لأنها لن تجد لدينا ما تخربه أو تميته.لا أظن أن هناك تجربة في كل التاريخ البشري لأناس قاموا بتخريب وطنهم بهذه الطريقة المحكمة والحاقدة.فهم يمكن أن يقصفوا عشرات القري من أجل قتل خمسة من “المتمردين” أو “الخوارج” – حسب لغتهم. ويمكن بيع تراب عزيز من الوطن،قد تكون الوابورات- بحري وكل الشاطئ والبلدية وصوت اسماعيل عبدالمعين؛لشركة قطرية من أجل حفنة من الدولارات عمولة لأحد القطط السمان.وقد يطرد المزارعون من أرضهم في الجزيرة لأن الوالي الحاكم بأمر الله قرر بيع الفدان بأقل من عشرة دولارات لاحمد بهجت ليقيم عليها دريم لاند أو وهم لاند.مع أن الرجل مطارد من البنوك المصرية ولكن الوالي الحدق توسم فيه الخير.وصار الفساد.طبعا لأننا سريعو النسيان،لم نعد نذكر(صقر قريش)،وحكاية برج بنك السودان.

    تصور نظام إسلامي،لمدة 23 عاما، لا يقدم الوزراء والمسؤولون فيه أيّ إقرارات ذمة.ولا أعرف ماهو السبب؟هل هو عدم وجود ورق لكتابة الإقرار عليه أم عدم وجود ذمة أصلا لكي يكتب عنها؟

    (2)

    لم يجد تخريب الإنقاذ من يزجره أو يوقفه،فقد قررنا كمعارضة، استخدام سلاح الإدانات والشجب واللعن والجري للمجتمع الدولي.ولأن الإنقاذيين يتميزون بصهينة الصهاينة وتقل الدم،والأهم من ذلك عدم احترام الآخرين،خاصة لو كانوا ضعفاء.لذلك،لم يحركوا ساكنا.والحقيقة استغرب كثيرا،رغم وجود هذا العدد الهائل من المحامين والقانونيين الديمقراطيين والوطنيين؛لم يدق واحد منهم صدره ويمسك أي تقرير للمراجع العام ويشرع أو يشرعوا في فتح قضايا،حتي ولو كان القضاء غير نزيه.بالتأكيد مثل هذه الملاحقات تزعج النظام وتحرجه إعلاميا رغم بروده والشجب.ولكنها لم تقرب ملف الفساد الفائح،رغم وجود عدد هائل من المحامين.أم هذا ليس شغل معارضة في رأيهم وما عندو صلة بالسياسة المباشرة؟

    نجح تخريب الانقاذ في الإضرار بعقل المعارضة بجره إلي صفه،لكي يصبح شبيها بعقلها،وقد نجحت أيضا في تحقيق هذا الهدف.فقد جعلت منه عقلا جامدا غير نقدي ويميل مثلها للمغالطات وعدم القدرة علي مواجهة.وقد يقول قائل:ما العقل سوداني انقسم جزء منه وصار حكومة والثاني تحول الي معارضة.ورغم أن واحد فاشي والتاني ديمقراطي،ولكن طريقة التحليل والادراك للاشياء ظلت كما هي.مثال عندما أقوم بتجريب طريقة عمل معارض لمدة23 عاما بلا جدوي،ألا يقتضي ذلك البحث عن أشكال وطرق جديدة؟أقوم بعبادة بقرة مقدسة لسنوات لعقود(إسمها التجمع الوطني الديمقراطي) ثم اقفز منها إلي (تجمع قوى الإجماع الوطني)دون أي تقييم موضوعي.بل لا ندري هل مات هذا (البعاتي)أم ما زال حيا؟كل هذا خشية نقد الذات ومواجهة الأخطاء والاعتراف بها.يجئ بعد ذلك،تخريب الأحزاب من خلال الاختراق والتقسيم والرشوة والشراء.وينطبق علي الاحزاب التخريب الذي طال عقول الفتيات في علاقاتهن العاطفية في عصر الإنحطاط.وينقل عنهن في تصنيف المحبين:واحد في الكف،واحد في الصف،واحد في الرف.ونفس الشئ الأحزاب الكبرى:واحد في القصر،واحد في الأمانة العليا،واحد في قوى الإجماع!

    (3)

    من أخطر أشكال التخريب ما حدث بين المثقفين والصحفجية والإعلاميين.فقد ظهر بينهم جنس ثالث لا هو ذكر ولا أنثي أو لامعارضة ولاحكومة.تظل تقرأ له ولا تدري أين يقف؟فهو ليس محايدا ولا مستقلا بل ود موية لا يمكن الإمساك به أو كما قال الشاعر: كما يمسك الماء الغرابيل.المشكلة ليس في أن يكون مواليا للإنقاذ،فإسحاق فضل الله هو إسحاق فضل الله والهندي عزالدين هو الهندي عزالدين؛ولكن كيف تتعامل مع تلك الاشباح؟ ابتكر بعضهم ما يسمي “الكتابة الساخرة”-بالتأكيد هناك ظرفاء يتابعون هذه الكوميديا السوداء مثل الفاتح جبرا- ولكن يوجد كثيرون يهربون من تحديد المواقف بالنكات السمجة والحكايات الممجوجة،وتضيع القضايا الحيوية في الضحك،مع أن الحكاية ما تضحكش-كما تقول الأغنية.هناك صحفيون كانوا مهنيين ومحترمين،ولكن تنازلوا عن كل ذلك من أجل البقاء.لدي اصدقاء منهم،يستعرض أحدهم كتابا لك وينقده،وتمارس حقك في الرد،فيقوم بحجبه نيابة عن الرقيب.أمثال هؤلاء كانوا كبار في السن والمقام،ولكنهم خضعوا لابتزاز صبية الإنقاذ والزعران.

    أما الكارثة الحقيقية،فهي انتشار ظاهرة المثقف-المقاول.يأتي النظام بخبير لطبخ إنتخابات،ويجئ بثان لتوضيب استراتيجية قومية شاملة ربع قرنية،وآخر يسلق نفرة أو ثورة زراعية،وهناك جاهزون لمؤتمر حوار وطني.المثقف-المقاول ابتكر دعارة الفكر فهو يبيع بالمال عقله وفكره لمن يدفع أكثر.والعاهرة المحترفة أفضل منه،لأنها كما قال الشاعر مظفّر النواب:تبيع اللحم الفاني؛وهو يبيع أفضل ما كرّم به الإنسان – العقل ثم المبدأ –إن وجد.

    (4)

    ذكرتني محاولة إنقلاب التخريب علي التخريب الآخر،مسألة طريفة كانت سائدة في مصر الملكية.عندما يجد الشخص أن الجاكت أو البدلة قدمت وبهت لونها وتغير،يذهب للترزي يقلبها ويجعل الداخل(محافظ نسبيا علي جدته)خارجا.وهكذا يستطيع الأفندي أن يتجول بهذا القديم –الجديد،مزهوا لسنوات أخري.ويبدو أن(صلاح قوش)ورفاقه المخربون فكروا أن يلبّسوا الشعب السوداني البدلة المقلوبة كذا سنة أضافية.كما ذكرني الإنقلاب التخريبي،ظاهرة فقر أخري،كان عمال اليومية زمان،الواحد لايرمي بقايا سفة التمباك بسهولة.فهو يقوم بعد انتهاء المزاج الأول بتجفيف السفة ووضعها في أذنه،وبعد مدة يستعملها ثانية.هذا هو تماما شكل ومذاق الانقلاب التخريبي الذي كشفه مخربو الشاطئ الآخر.

    وفي السودان من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء وأقسي


    ----------------
    المؤتمر الثامن للحركة الاسلامية ..تحرير الخلاف

    غازي صلاح الدين العتباني

    انتهى المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية وقد أوسعه المراقبون بالتغطية والشرح والتحليل، بينما توقفت عن أن أقول فيه أي قول، توقياً لما قد تحدثه أية كلمة لا توضع موضعها الصحيح أو تفهم بدلالتها المرجوة من إرباك لرأي عام هو أصلا مرتبك بسبب حوادث متعاقبة ألمت بالساحة العامة، فكما قال أبوبكر رضي الله عنه “البلاء موكل بالمنطق”. لكنني أيضاً خشيت أن تندرس العبر التي تفتقت من انعقاد المؤتمر وتفوتنا حكمتها في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لاستخراج العبر من كسبنا وأعمالنا، فرأيت أن أدنى ما أفعله هو تحرير الخلاف من وجهة نظري، متحرياً في مسعاي العدل للآخرين ولنفسي. وأدعو الله أن يهديني لأحسن القول والعمل وأن يكتب لعملي وقولي حسن العاقبة.


    الدرس الأول الذي تعلمناه في الحركة الإسلامية كان في التوحيد. أن الله واحد لا شريك له، وأنه لا ضار ولا نافع، ولا معطي ولا مانع، ولا واهب ولا ممسك إلا هو. لا رب يرزق ولا إله يُعبد وتخضع له المخلوقات إلا هو – سبحانه. وقد استفدنا من ذلك الدرس ألا نعبد الأغيار الزائلين، وألا نهاب الرجال، وأن نقول آراءنا بضمير حر وبأعين لاتطرف.
    كم أطربتنا كلمات ربعي بن عامر التحريرية أمام رستم قائد الفرس: “لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.”
    وقد أعجبنا أن نجادل أهل الملل بالآية: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر.” ونتحداهم أن يبرزوا لنا نصاً مثيلاً يكرّم الإنسان ويعلي شأنه ويحفظ حرماته.


    كنا نشدد على حرية ضمير الفرد كما ضمنها رب العباد الذي ترك لبني آدم أن يختاروا بين الكفر والإيمان “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” وجعل حسابهم على الله يوم يلقونه. ما كنا نرى أجمع ولا أمنع من هذه الآية في تأسيس مبدأ الحرية على قاعدة متينة.
    وقد باهينا خصومنا بأقوى نصّ في إثبات العدل منهجاً للحكم: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.” أي العدل للناس جميعا، لا للمسلمين وحدهم، فضلاً عن أن يكون عدلا تختص به جماعة أو قبيلة أو بطانة خاصة.
    لقد آمنّا أن أقوى ما في الإسلام هي طاقاته التحريرية؛ دين يحرر الفرد من هواه وشهواته، وعبوديته للمادة ولمتاع الأرض، وغريزة العدوان. ودين يحرر الجماعات والأمم من الذل والظلم والحيف والفساد. وأشد ما جذب الناس إلى دعوة الحركة الإسلامية هو تبنيها لتلك المفاهيم في سياق معاصر، فالناس يرغبون في أن يتدينوا وأن يعيشوا عصرهم دون تناقض.
    كانت تلك –وما تزال- صفوة المفاهيم والمثل التي حركت الشباب والشيوخ إلى أن يضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل دعوتهم إلى الله من خلال مسيرة الحركة الإسلامية في الأعوام الستين الماضية. والتداعي إلى إحياء تلك المثل العظيمة شكل خلفية المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية: إيمان قوي بالمثال، وإحساس مسيطر باستدراك ما أفلت من وعد، وأمل غلاب بأن يكون المؤتمر انطلاقة لصحوة جديدة.


    غلب على المؤتمر جدل قانوني تركز في مادتين من الدستور. كان جدلاً يمثل في حقيقته اختلافاً بين منهجين في النظر إلى دور الحركة الإسلامية. المنهج الأول كان يرى أن المؤتمر الوطني يغني عن الحركة، وأن قيام الحركة سيخلق إزدواجية مربكة، وأن المرجعيتين (الحركة والمؤتمر) ستتشاكسان وسينعكس تشاكسهما على الدولة. واستشهد أصحاب هذا الرأي بحالات موثقة –خاصة في الولايات- استخدم فيها منسوبو الحركة مواقعهم للمنافسة والمناقرة مع أجهزة المؤتمر الوطني وحكومات الولايات. كان بعض أصحاب هذا الرأي يؤصلونه في نظرية “وحدة القيادة” التي التمسوا لها أصلاً شرعياً. وقد عبر ذلك الرأي عن نفسه في وقت من الأوقات عبر مطالبته بتذويب الحركة في الحزب والحكومة تذويباً كاملاً.


    أصحاب المنهج الآخر رأوا أن وجود الحركة حق أصيل ومؤسس في عقد إنشاء الجماعة، وأنه لا يحق لأي فرد أو ثلة أن يخرقوا ذلك العقد بإجراء مفرد من ناحيتهم. كانوا يتفقون مع أصحاب الرأي الأول في ضرورة ألا تتشاكس المرجعيات وألا يتخذ العمل من داخل الحركة وسيلة لمكاسب دنيوية تحصل من خلال التنازع مع السلطة. رأى أصحاب هذا المنهج أن الحركة ليست حزباً سياسيا وإنما هي حاضنة ومثابة يأوي إليها أبناؤها ليجددوا فكرهم وإيمانهم وليجدوا فيها القدوة الحسنة ويجدوا لديها القوة الأخلاقية التي تذكرهم بالمثل والقيم التي اجتمعوا عليها. آمن أصحاب هذا المنهج أن بعض أدواء السياسة والمجتمع، مثل استشراء القبلية والجهوية، لا يداوي منها إلا الانتماء إلى فكر تسنده قوة الوحي. جادل أصحاب هذا الرأي بأن بقاء الحركة هو الضامن من انحراف السلطة التي تواليها عن نموذجها الأخلاقي.


    احتج أصحاب هذا الرأي بأنه لكي تتأهل الحركة لأداء أدوارها ينبغي أن تستقل عن الحكومة وتأثيراتها المختلفة بوسائل السلطة المتعددة وعبر التمويل وما يحمله معه من سلطة أمر وزجر، وقبض وبسط. الاستقلال من السلطة وليس العداء لها، كما فهم بعض الناس. الاستقلال الذي يجعل الحركة تحدد هي وحدها أجندتها وأولوياتها وهمومها ووسائلها في العمل. الاستقلال الذي يحميها من أن تصبح امتدادا للسلطة تنشط في مواسم التنويرات للعضوية عند الملمات وتهمل وظائفها بقية العام. الاستقلال الوظيفي والمالي الذي يحمي الحركة من أن تغريها الأموال العامة فتمد يدها إلى ما لا تستحقه بقانون أو دستور. الاستقلال والقوة اللذان يؤهلان الحركة لأن تحمل مشروعاً، وتفصح عن رؤية، وتقدم إجابات لمشكلات عصرها، وتطلق مبادرات تتصدى للتحديات التي يواجهها مجتمعها. بعبارة أخرى الاستقلال الذي يعينها على أن تؤدي رسالتها بأن تصبح مرجعية أخلاقية نموذجية تعبر عن قيم الإسلام في الحكم والحياة العامة. وبالجهة الأخرى –وهذا مهم للغاية- الاستقلال الذي يحمي الدولة وأجهزتها القومية الخادمة لمصالح المواطنين جميعاً من أن تعدها الحركة محض امتداد تنظيمي لها.


    هذه الرؤية، رؤية الإسلام الباسط للعدل، المحرر للإنسان، وحركته الحرة المستقلة التي لا تتبع للدولة ،لكنها أيضاً لا تشاكسها أو تعاديها ما انضبطت بضوابط الإسلام، هي التي ملكت قلوب المشاركين في المؤتمر وأيقظت وعيهم منذ وقت مبكر ابتداءً من المؤتمرات القاعدية إلى مؤتمرات الولايات. وكل تلك المؤتمرات حسمت الجدل المذكور لمصلحة بقاء الحركة، لكن بمواصفات جديدة تناسب المرحلة التاريخية وتضع في اعتبارها التحولات الكبرى التي جرت في السودان والعالم من حوله. وبقي بعد ذلك إعداد دستور يعبر عن هذه الرؤية ويجسدها واقعا وممارسة.
    كلف بهذه المهمة إخوة كرام تقدموا بمشروع دستور لمؤتمرات الولايات وللمؤتمر العام. وقد برز من خلال الجدل حول الدستور الخلاف الذي أشرنا إليه آنفا الذي انصب بصورة أساسية نحو مادتين نالتا معظم الوقت في النقاش، ومادة ثالثة نالت، على أهميتها، حظاً أقل من النقاش، وذلك على النحو التالي:


    أولاً،

    المادة التي تناولت طريقة انتخاب الأمين العام. نصّ الدستور المقترح على أن انتخاب الأمين العام يجري من مجلس الشورى بدلا من المؤتمر العام، علماً بأن انتخاب الأمين من المؤتمر العام ظل تقليداً سارياً متفقاً عليه طيلة الأعوام الستين الماضية حتى انتخابات 2008. قيل في تبرير هذا المقترح إن مجلس الشورى هو المكان الأنسب “للجرح والتعديل.” لكن الواقع هو أنه عند انعقاد مجلس الشورى أجريت الانتخابات دون أي جرح أو تعديل. أثارت هذه المسألة تساؤلات عميقة حول النية الحقيقية من التعديل، وعدّه بعضهم وسيلة للانتقاص من تفويض الأمين العام، بل ذهب بعضهم إلى أن السبب يكمن في حقيقة أن قرارات مجلس الشورى والانتخابات فيه أكثر قابلية للتحكم فيها مما إذا أجريت في المؤتمر العام. ولم يشرح أحد لماذا أضربت الحركة في الأعوام الستين الماضية عن اتباع حكمة الانتخاب من مجلس الشورى وعدلت عنها إلى الانتخاب من المؤتمر العام. أو لماذا وعدنا بانتخابات أفضل من خلال الجرح والتعديل في مجلس الشورى، ثم ألغي الجرح والتعديل عند التطبيق الفعلي.


    كانت الحجة الأخرى التي سيقت في معرض تفضيل الانتخاب من مجلس الشورى هي أن المؤتمر العام أكثر عرضة “للهرج والمرج”، بما يعني أنه أقل رشداً من مجلس الشورى الذي، كما وعدنا، سيحيي سنة الإسلام في الجرح والتعديل، هذا رغم أن الدستور قد أثبت في نصّه أن المؤتمر العام هو السلطة العليا للحركة، ويفترض أن صاحب السلطة الأعلى هو الأولى باتخاذ القرارات المصيرية في شأن الحركة. المنطق المستخرج من هذه الحجة يستوجب أن يلغى المؤتمر العام من الدستور أو أن يجعل في درجة أدنى من مجلس الشورى في الترتيب.


    المادة الخلافية الثانية تناولت فقرة جديدة وغريبة للغاية. تلك هي المادة التي نصّت على تكوين “قيادة عليا للحركة” من الأمين العام وعدد من القيادات التنفيذية، على اعترافنا بفضلهم كأفراد، إلا أنهم لم ينتخبوا من قواعد الحركة بل انتخبوا من كليات أخرى ليست من جسم الحركة. على سبيل المثال سيكون من بين هؤلاء بالضرورة السيد رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس المجلس الوطني. وكما هو واضح فإنه بهذا الترتيب اندرجت أجهزة الدولة وقياداتها في جسم الحركة وقيادتها دون أن تنتخب من مؤسسات الحركة وعبر نظمها. وبذلك تكون الحركة قد التحمت بالحكومة بأشد مما حدث في أي وقت مضى. وفي ظل هذا الوضع الذي أصبح فيه الأمين محاطاً بثلة من الرجال الذين يفوقونه قوة ونفوذاً، لن يستطيع الأمين أن يتبنى أية مبادرة دون إذن من القيادة العليا التي أصبحت الآن مستوىً تنظيمياً يقيّد الأمين العام يحول بينه ومجلس شوراه. المشكلة الرئيسية في هذا المقترح تكمن في الخلط بين وظائف الحركة المستقلة والدولة والاعتقاد الخاطئ بحتمية الصدام بين الحركة والحكومة إذا لم يحكم دمجهما، وهو اعتقاد ليست له أسباب موضوعية تبرره.


    من ناحية أخرى فإن فكرة القيادة العليا تثير أسئلة قانونية وأخلاقية شائكة، خاصة وأنه قد أعلن رسمياً الآن أن رئيس الجمهورية قد أصبح رئيساً للقيادة العليا للحركة الإسلامية. المشكلة تكمن في أن الحركة الإسلامية غير مسجلة قانونياً حتى الآن. وقد جرى جدل مطول داخل الحركة حول هذه المسألة في وقت سابق وكان الاتجاه الذي يرى ضرورة تسجيلها قانوناً هو الاتجاه الغالب. الآن، بحسب هذه المادة، فإن رئيس الجمهورية، وهو الحارس الأول للدستور وللقانون ورمز وحدة البلاد الذي انتخبه الشعب السوداني وأعطاه بيعته، سيصبح رئيسا لجماعة غير مسجلة قانوناً. وهذا يعني، نظرياً على الأقل، أن الباب مفتوح لجماعات أخرى كي تنشئ حركات فكرية وثقافية، إسلامية وغير إسلامية، غير مسجلة قانوناً وتدعوا السيد رئيس الجمهورية ليكون رئيساً لقيادتها العاليا. وسيكون غير مبرر إطلاقاً أن يرفض الرئيس طلبها إلا إذا أردنا أن نضعف واجبه الأخلاقي الذي يجعله حكماً عدلاً وقائداً محايداً لمواطنيه. ولا يستطيع المرء أن يحيط بالتعقيدات التي تتسبب فيها هذه المادة. على سبيل المثال كيف تكتسب الحركة، غير المسجلة قانوناً، شخصية اعتباريه؟ وهل يمكن لها دون هذه الشخصية الاعتبارية أن تقاضي، وتتعاقد، وتفاوض، وتتفق، وتفتح حسابات عامة في البنوك خاضعة للمساءلة والمراجعة القانونية؟ إني لأعجب، كيف خفيت هذه المسائل على قيادات الحركة ومن بينهم قانونيون كبار! إن هذه المادة لا شك تنشئ وضعاً قانونيا لا نظير له في أي بلد في العالم. وبمقابل هذا المثال نجد المثالين المصري والتركي حيث تخلى الرئيس المصري محمد مرسي، والرئيس التركي عبد الله قل عن انتماءاتهما الحزبية والتنظيمية لأول انتخاب كل منهما لرئاسة الجمهورية.


    ثالثاً، المادة الثالثة تتعلق بالنص على أن من اختصاصات الحركة أن تنشئ حزباً سياسياً وفق القانون. وهذه المادة أيضاً تثير مشكلات قانونية وأخلاقية مشتجرة. أولا لأن قانون الأحزاب ليس فيه نص على أن الأحزاب تنشأ بإرادات أحزاب أو جماعات أو تنظيمات أخرى، حتى ولو كانت تلك الأحزاب والجماعات والتنظيمات مسجلة قانوناً. قانون الأحزاب ينصّ على أن الأحزاب تنشأ بإرادة المؤسسين دون وسيط أو وكيل أو كفيل. أي أن أصحاب الحزب المسئولين عنه قانوناً هم مؤسسوه. والمؤتمر الوطني حزب قد تأسس منذ أكثر من عشر سنوات فما المعنى لأن يدرج في دستور الحركة ما يتضمن الإشارة إليه وإن لم يذكر نصاً. كان يكفي أن يقال إن الحركة ستمنح ولاءها للحزب الذي يخدم أهدافها، وتبقى مسألة تحديد ذلك الحزب، الذي لا يشك أحد في أنه المؤتمر الوطني، مسألة تفاهم أهلي بينهما. وعندئذ، واحتراماً لحقوق الثمانين بالمائة من أعضاء المؤتمر الوطني، الذين هم ليسوا أعضاءً في الحركة الإسلامية وربما لا يرغبون في أن يكونوا أعضاءً فيها، يجب على الحركة الإسلامية أن تتقدم هي بمبادرتها وعرضها للتأييد للمؤتمر الوطني ثم يوافق هو عليها. أما أن يعلم هؤلاء الثمانون بالمائة من أعضاء المؤتمر الوطني أن حزبهم قد أنشئ في الحقيقة بإرادة جماعة لا ينتمون هم إليها، وأن رئيسهم، رئيس المؤتمر الوطني، هو في ذات الوقت رئيس بحكم منصبه لتلك الجماعة التي أنشأتهم، فإن هذا مما يضعف ثقة أعضاء المؤتمر الوطني بحزبهم ويضعف مشروعية المؤتمر الوطني نفسه في الساحة العامّة.


    كل هذه الاعتراضات قائمة في حالة ما إذا كانت الجماعة مسجلة قانوناً، أما أن تكون كل هذه الاعتراضات الشائكة قائمة ومصوبة نحو جماعة لا يراها القانون ولا يعترف بها، فإن المشكلة تصبح أعقد.
    عندما خاطبت الحاضرين من منصة المؤتمر العام لم استفض في نقد تلك المواد لأنني رأيت الأولوية هي لأن أقول كلمات توحد الصف وتلأم الجراح. كنت أحاول أن أدعو الجميع لأن يتطلعوا إلى حركة مستقلة حرة واثقة بنفسها ترفع رأسها عاليا لتفخر مع نظيراتها من الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي. ولقد استشهدت بعبارة السلف: “رأيي صواب يحتمل الخطأ” وأنني مستعد لأن أسلم للرأي الآخر إذا صدر من ضمير يقظ ودون تأثيرات جانبية ترغّب وترهّب.
    برغم ذلك تواترت شهادات قوية، من الجمع الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب، بأن بعض الأجهزة التنظيمية تدخلت للتأثير على نتائج التصويت للقرارات والأشخاص، وأنها مررت توجيهات من قيادتها العليا بالتصويت للدستور جملة دون تعديل، وبالتصويت لأشخاص بعينهم دون آخرين. وقبل انعقاد هذا المؤتمر العام ثبت من أخبار متواترة، أكدتها رسالة مشهورة من رئيس اللجنة التحضيرية، أن لجان تنسيق تجتمع على مستوى الولايات فما دونها لتتبنى باسم القيادة قرارات ومرشحين بعينهم يصوت لهم الأعضاء. وقد عزز تلك المخاوف من تدخل الأجهزة التنظيمية في اختيارات الأعضاء أن حكمين فعليين بتجميد نتائج الانتخابات قد صدرا في شأن ولايتين جرت فيهما تلك الممارسات.


    هذه المخالفات تستوجب الوقوف عندها والتصدي لها لأنها تشير إلى خلل جوهري في المفاهيم المؤسسة والممارسات، وتوضح مدى ما اعترى الحركة من علل وأزمات بسبب غيابها –أو تغييبها- المتطاول. إنها علل وممارسات نزعت الروح من عبارات ربعي بن عامر الرنانة ومن وعود الإسلام التحريرية وجعلتها محض صدىً يأتي من خارج المكان والزمان. إن الوشيجة الأقوى التي تربط أية جماعة تناصرت على دعوة هي الثقة. وشيوع الثقة في الجماعة مرهون بإقامة العدل فيها وتكافؤ الفرص وانتفاء التمييز بين أعضائها. هذه هي القيم التي تجمع، فإذا انتفت انتفى الإجماع وحل التفرق والشتات. لقد قلت في مناسبات سابقة إن الوظيفة الأساسية للحركة الإسلامية هي أنها سلطة ومرجعية أخلاقية، فإذا فقدت هذه الوظيفة فقدت مبررات وجودها، والله –سبحانه- قادر على أن يستخلف لدعوته آخرين.


    لقد استفسرني كثيرون عن سبب إعلاني عدم الرغبة في الترشح لمنصب الأمين العام في اجتماع مجلس الشورى رغم أن معظم أعضاء المؤتمر كانوا يؤيدون ذلك الترشيح، ووعدتهم بأن أجيبهم في الوقت المناسب. وهذه لحظة مناسبة لأوضح أنني عزفت عن الترشح لسببين. الأول هو لأن إثبات صيغة القيادة العليا التي شرحت اعتراضاتي عليها هي في نظري مخالفة واضحة لدستور البلاد وقوانينها، كما أن الأمين العام في ظل تلك الصيغة لن يملك سلطة حقيقية تمكنه من أن يقود مبادرات الإصلاح؛ لأنه لن يتحرك إلا بهموم السلطة وأدواتها. والسبب الثاني هو أن مناخ الشحن والتعبئة داخل اجتماع مجلس الشورى الذي أحدثته الأجهزة التنظيمية المذكورة بقبضتها وتوجيهاتها، لم يطمئن إلى إمكانية إجراء انتخابات عادلة ونزيهة تعبر تعبيراً حقيقياً عن ضمير الحركة وإرادتها.


    إن الحركة الإسلامية الموالية للمؤتمر الوطني تمر الآن بمنعطف حرج في مسيرتها الخاصة يواقت منعطفاً مماثلاً في مسيرة السودان كله. لقد تقسمت الحركة الإسلامية التي نشأت قبل أكثر من ستين عاماً إلى جماعات، من بينها حركة الإخوان المسلمون، والمؤتمر الشعبي، والحركة الإسلامية السودانية، وبعض الجماعات السلفية. وتقع على الحركة الإسلامية السودانية بصورة خاصة، بسبب امتلاكها مقاليد السلطة، قيادة جهود التوفيق بين هذه المجموعات في سياق سعيها لتوحيد الساحة السودانية الوطنية العامة. لكنها كي ما تؤدي هذه المهمة بنجاح عليها أن تسترد مشروعيتها وعافيتها بأن تشيع الثقة والعدالة داخل صفها أولاً، وأن ترمم مصداقيتها التي اهتزت بشدة بسبب ما جرى في المؤتمر. وإن نصيحتي للقائمين عليها، بل مطالبتي لهم هي:
    أولا: التحقيق في الاتهامات التي وجهت لأجهزتها بخرق عهود الحيدة والعدل بين أعضائها مما أوردنا طرفاً منه أعلاه. ويجب أن تتولى ذلك التحقيق لجنة يقوم على اختيارها إجماع. إن إثبات أن تلك الخروقات قد حدثت أو أنها لم تحدث سيكون له وقع مصيري على مستقبل الحركة وكفايتها ونظرة أعضائها إليها.
    ثانياً: إجراء دراسة قانونية مدققة عاجلة تتناول ما أوردته من مخالفات قانونية ودستورية في شأن المادتين الثانية والثالثة المذكورتين أعلاه في الدستور الذي أجازه المؤتمر العام بإجراءات إيجازية، وذلك حتى لا نضع السيد رئيس الجمهورية في موضع مخالفات دستورية وقانونية


    برغم أنني خصصت هذا البيان للحديث عما جرى في المؤتمر العام للحركة الإسلامية، إلا أنني أؤكد أن القضية التي ينبغي أن توحد السودانيين الآن هي الأزمات والفتن التي تحيط بالبلاد، وهو ما يدعوا المؤتمر الوطني والحكومة أكثر من أي وقت مضى لقيادة الإصلاح وتوحيد الصفوف، الشئ الذي لن يتاح لهما بغير تأكيد مصداقيتهما السياسية والأخلاقية. إنني أؤكد إلتزامي الشخصي بالعمل إيجابا لما فيه مصلحة البلاد. وسواء أوضحت آرائي من منصة حزبية، أو منطلقاً من علاقاتي في الساحة العامة، فإنني سأكون أجهر تعبيراً وأوضح بياناً عن رؤاي في الإصلاح السياسي، والوحدة الوطنية، والحكم الراشد.





    ----------------------







    علي عثمان طه : ضابط علاقات عامة في حملة نافع للرئاسة
    December 3, 2012
    صديق محمد عثمان

    02/12/2012
    مرة أخرى انبرى السيد علي عثمان محمد طه خطيبا خارج سياق التسلسل الطبيعي والمنطقي للأحداث، قبل أقل من أسبوعين وقف السيد علي عثمان هتيفا أمام مؤتمر الكيان الخاص بالخرطوم، متوعدا بنظام عالمي جديد وبنهاية هيمنة مجلس الامن والدول العظمي، يومها تذكرت نكتة السيد الصادق المهدي في مؤتمر الإسلام وعلوم المنهجية الذي إنعقد في ثمامنينات القرن الماضي بالخرطوم، ففي الجلسة التي قدم فيها السيد الصادق المهدي ورقة وكان يرأسها الدكتور محمد عابد الجابري، ظل أحد منسوبي التيار الإسلامي يقاطع خطاب السيد الصادق المهدي بالهتاف : ( شريعة .. شريعة .. ولا نموت، الإسلام قبل القوت)، فلم يجد السيد الصادق بدا من الإلتفات إلى رئيس الجلسة مخاطبا: (هذا بعض ما نعاني سيدي الرئيس).



    الأسبوع الماضي أعلنت الأجهزة الامنية في الخرطوم الكشف عن محاولة تخريبية كان يعد لها مجموعة من الضباط الإسلاميين بالتنسيق مع مدير المخابرات السابق الفريق صلاح عبدالله (قوش)، وسرعان ما تداولت الخرطوم شائعات عن تفاصيل المؤامرة التخريبية، وتسريبات عن قوائم الأسماء التي سيطالها الإعتقال. مجالس الخرطوم التي لا تعرف الأسرار تناقلت أن الأجهزة الامنية قدمت للمتهم صلاح قوش أوراقا لصفقات تجارية بمبالغ تبلغ مئات الملايين من الدولارات تمت بينه وبين وزير مقرب جدا من السيد علي عثمان، وقالت أخبار المجالس أن السيناريو الذي تتبعه الاجهزة الامنية، يقول بأن الوزير المعني هو صلة الوصل بين قوش ومجموعة الضابط الإسلاميين الذين كانت تربطهم به صلات حزبية قديمة، وأن فوائد الصفقات المذكورة كانت ستذهب لتمويل التحرك العسكري، المجالس أيضا تناقلت أن الوزير المعني أوحى إلى أحد أفراد أسرته بضرورة ترتيب أمور أسرية وأخرى مكتبية تحسبا لأي طارئ.



    أما أقوى الشائعات التي انطلقت فكانت تستهدف السيد على عثمان طه نفسه تارة بالإعتقال وتارة بالإستدعاء للتحقيق، وقد سألني أحد الاخوان بشأن مغزى شائعة إعتقال السيد علي عثمان طه، والجهة التي أطلقتها؟ فأشرت إلى أن المغزى يعتمد على الجهة التي أطلقت الشائعة نفسها، فالإحتمال الأول والطبيعي أن الامن هو من أطلق الشائعة بغرض التمهيد وإستقراء رد الفعل داخل أروقة النظام ولدى الرأي العام، ولكن ثمة إحتمال أنه ومع تسرب المعلومات الأولية بشأن سيناريو جماعة الامن، أحس السيد علي عثمان بان خير وسيلة لحماية نفسه هي بإطلاق الشائعة التي ستخدم هدف إحداث إرتباك لدى عناصر الامن التي ستفاجأ بإنكشاف تفاصيل السيناريو الذي رسمته للأحداث، وما يعتضد هذا الإحتمال هو إنخراط علي عثمان المفاجئ في تأييد خطة العناصر الامنية التي أطلقت الرصاص على قدمي النظام فاردته جاثيا على ركبتيه ثم شرعت تعبئ سلاحها تمهيدا لإطلاق رصاصة الرحمة بين عينيه.
    فظهور علي عثمان المفاجئ بمظهر أقوى المؤيدين وحماسته وهو القانون في إدانة المتهمين من خلال حديثه عن الخيانة للعهد وللشهداء، إنما هو إمعان من السيد علي عثمان في محاولة تغييب الأثر على جماعة الامن وقطع الطريق عليهم من المضي قدما في خطتهم التي تستهدف الوصول إليه شخصيا.



    ولكن ما هي خطة الامن من سيناريو الإنقلاب المزعوم والتي جعلت المحامي علي عثمان يخرج عن سياق خلفيته القانونية ويرتدي قميص ذي “كولا” بيضاء وربطة عنق مطبوع عليها صورة مرشح الامن للرئاسة وتحتها شعار الحملة الإنتخابية، ( الفايت الحد بنساويهو)، والذي هو ترجمة سودانية بتصرف لخطبة الحجاج بن يوسف الثقفي المشهورة ( إني أرى روؤسا قد اينعت وحان قطافها وإني لصاحبها)، وبذلك يعلن عن نفسه ضابطا للعلاقات العامة في حملة الدكتور نافع علي نافع لخلافة البشير؟.
    لم يخفي الدكتور نافع علي نافع منذ أول يوم تولى فيه قيادة جهاز الامن والمخابرات قناعته بان الامن هو الجهة التي ينبغي أن يناط بها حكم السودان، وكان يستدل بأن وكالة الإستخبارات المركزية الامريكية هي التي تحكم أمريكا، وأن أي شخص لا ترضى عنه تلك الوكالة لن يدخل البيض الأبيض مهما صوت له المصوتون، وقد عمل نافع بجد ومثابرة من أجل إنفاذ قناعته هذه، فكان أول ما فعله هو الهجمة الشرسة على أجهزة الامن والمعلومات الخاصة بالحركة الإسلامية من خلال إفارغها من الكوادر المؤهلة، ثم من خلال ضربها ضربات قاضية تطور بعضها لمواجهة بالسلاح في ليالي الخرطوم والإنقاذ يومها لم تتعد السنة الثالثة من عمرها.
    أفكار الدكتور نافع وجدت طريقها إلى عقول عدد من كبار ضباط الامن الذين طالهم سيف التطهير خلال التعديلات الطارئة التي جرت على جهاز الامن بعد محاولة إغتيال الرئيس المصري السابق في أديس ابا في العام 1995وخروج الدكتور نافع وعدد من هولاء الضباط بما فيهم صلاح قوش نفسه من قيادة الجهاز إلى مواقع أخرى، فنافع يدعي أن محاولة الإغتيال برمتها لم تتم بمبادرة من الجهاز، وإنما تمت بتكليف من السيد علي عثمان، ولكن هذا الأخير لم ينبري للدفاع عنهم حين إنكشاف ظهرهم، بل صعد نجمه الشخصي وافلت نجومهم، لذلك فقد جعل نافع شغله الشاغل التقليل من شأن علي عثمان والعمل الدوؤب على السيطرة على مفاصل الحزب والسلطة وهو مطمئن إلى سيطرته على جهاز الامن حتى بعد خروجه من هناك.



    نافع لم ينتبه إلى أن عودة قوش إلى جهاز الامن وتوحيده للامن الداخلي والخارجي تحت امرته لم تكن ضمن خطته، وانما جاءت نتيجة لمثابرة حثيثة لصلاح قوش الذي إكتشف هو الآخر أن عليه تأمين موقعه في قيادة الامن وألا يكتفي بأن يكون رجل العمليات والمهام القذرة، غير أن نافع ومجموعته داخل الامن إستطاعوا توجيه ضربة خاطفة لقوش الذي أعماه الغرور المهني عن رؤية مواطن الخلل في عرش إمبراطوريته التي تضخمت كما تضخمت ذاته وتورمت حتى حجبت عنه الرؤية.
    بخروج قوش من الامن دانت السيطرة للموالين للدكتور نافع الذين ظل يستخدمهم في ضبط وتسيير ايقاع الحزب الذي امسك بتلابيبه، ومن هناك صعد عدد من منسوبي الامن إلى الوزارة قفزا بالزانة فوق روؤس الكوادر المدنية للحزب، وهكذا بينما ظل الرئيس البشير يقطع الوعود لشباب الحزب المتململ والمنتظر لفرصته في تسنم قيادة السلطة، خاصة بعد خروج جماعة المؤتمر الشعبي وتوفر الفرص لإحلال عناصر جديدة وتصعيد قيادات طلابية وشبابية من داخل الحزب، ولكن نافع كان شديد المراس وواضح في إصراره على إمضاء إرادته هو، فحتى التعديل الوزاري المحدود الذي صعد عدد من شباب وشابات الحزب إلى دست الوزارات كان لنافع نصيب الأسد فيه من خلال تصعيد وافدين تجاوزا لمجموعات الشباب والطلاب، وما أن دانت السيطرة التامة لنافع على مقاليد الامور ذهب هولاء الوافدين من مناصبهم، وتم أبدالهم بعناصر مباشرة من حوش الامن، فذهب حاج ماجد سوار، وعفاف احمد عبدالرحمن وسناء حمد، وصعد محمد مختار حسن حسين وتدرج كمال عبداللطيف درجات، وقفز فيصل حماد متجاوزا رقاب العديدين من الذين كانوا يشرئبون إلى المنصب الوزاري.



    ظل نافع مطمئن إلى أن خطته تسير وفقا لأجالها المضروبة وفي ظل وجود الرئيس البشير الذي لا يجتهد في قراءة التفاصيل ولا مراجعة أهداف الخطط ومراحلها، بإختصار رئيس صوري، خاصة في ظل وضعه المنعزل تماما خارجيا ومحاذرة علي عثمان من غضب الرئيس وإحجامه عن التحرك في هذه المساحة الواسعة من الفراغ المريع الذي أحدثه قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة البشير.
    غير أنه ومنذ يوليو العام 2011 حدث تطورين مهمين كان لهما أثر كبير في إرباك خطط الدكتور نافع، الأول هو تحالف الأضطداد داخل المؤتمر الوطني ضده، ففي إطار ترتيبات تمهيد الطريق لإكتمال دولة الامن الموعودة، تفتقت عقلية الجماعة الامنية بقيادة الدكتور نافع عن ضرورة التعجيل بمعالجة الأوضاع الملتهبة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهكذا أقدم نافع على خطوة مفاجئة بتوقيعه اتفاقا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في أديس أبابا، وتقول المصادر أن نافع قبيل ذهابه إلى أديس أبابا أطلع الرئيس البشير على خطوته واقنعه بجدواها، ولكن الذي لم يحسب نافع حسابه هو أن ينضم عبدالرحيم محمد حسين إلى مجموعة علي عثمان في إجتماع المكتب القيادي الذي ناقش الإتفاق ورفضه بالأغلبية، حينها أدرك الدكتور نافع هشاشة موقفه وأن جيوب المقاومة لخطته لا تزال تمتلك أسنانا يمكنها أن تسبب له الأذى.



    أما التطور الثاني فهو مرض الرئيس البشير وإستغلال جماعة علي عثمان الحدث لإفشاء الحديث عن خلافة الرئيس، فحسب ترتيب الأوضاع الحالي ووفقا للدستور فانه في حال ذهاب البشير فينبغي أن يتولى رئيس المجلس الوطني إدارة البلاد إلى حين إنتخاب رئيس جديد في غضون ستين يوما، ومعلوم أن فرص السيد علي عثمان في نيل ثقة المؤتمر الوطني للترشح لا تزال أقوى من حظوظ الدكتور نافع.
    لكل ما تقدم فقد كان لزاما على الدكتور نافع وجماعته دفع عجلة خطتهم إلى مرحلة متقدمة، وإرباك تكتيكات الخصم المتمثل في جماعة السيد علي عثمان، ووفقا لقراءة نافع فان علي عثمان سيعتمد على زخم تأثيره في أوساط بقايا الحركة الإسلامية داخل النظام، وهذا يفسر الهدف من خطبته العصماء في مؤتمر الكيان الخاص الأخير، فالرجل انتهت فرصته لتولي منصب الامين العام الرمزي، وكان من الطبيعي ألا يعلو صوته فوق صوت الامين العام الجديد المنتخب، ولكن علي عثمان قصد بخطبته الهتافية تلك الإشارة إلى أنه ربما يكون قد تنازل عن المنصب الرمزي، ولكنه لم يتنازل عن أدواته في التأثير والقيادة وإستثارة العاطفة، بإختصار أراد القول بانه هو الزعيم وأن منصب الامين العام لم يكن يضيف اليه شيئا وأن ذهابه عنه لن ينقصه من حقه الطبيعي شئ.


    من جهة ثانية فان تقارير مجموعة نافع تشير إلى أنه ومنذ عودة الدكتور عوض الجاز إلى وزارة الطاقة، وعلى الرغم من الخروج المهين لصلاح قوش من مستشارية الامن، إلا أن الدكتور عوض الجاز سهل حصول صلاح قوش لتعاقدات ضخمة لمد وزارة الطاقة بالمواد البترولية، وأن صلاح قوش إستخدم أموالا خارجية لتمويل الصفقات، ولضخامة المبالغ فقد رجحت مصادر الامن أن الاموال ليست لصلاح قوش وحده بل تعتقد جماعة الامن أن الدكتور عوض الجاز والسيد علي عثمان سمحا للسيد صلاح قوش باستخدام أموالهما المودعة خارج البلاد مع أمواله هو لتمويل الصفقات والحصول على أرباح بغرض تقوية موقفه المالي وتمكينه من التحرك المضاد ضد جماعة الامن التي تآمرت عليه وأخرجته من مناصبه الرسمية.


    بقى لجماعة الدكتور نافع جبهة تكاد تكون مغلقة ومبهمة عليهم ليس لهم فيها أي تأثير ولا يملكون لها مفاتيح تمكنهم من النفاذ إليها، ألا وهي جبهة الجيش، فعلى الرغم مما أصاب الجيش من خراب كبير من خلال الحروب المتطاولة وإنفصال الجنوب وفقدان الجيش لأعداد كبيره من جنوده وضباطه، وتطورات حرب دارفور التي أودت هي الأخرى باعداد كبيرة من الجنود والضباط الذين تمت إحالتهم للمعاش بسبب الشك في ولائهم لعقيدة الحرب المعلنة على أهاليهم، وعلى الرغم من فقدان الجيش لمؤسساته الإقتصادية وإعتاماده بالكامل على ميزانية الدولة، فعلي الرغم من ذلك يبقى الجيش قوة بشرية منظمة يسهل تحريكها وتعبيئتها إذا تقدمتها القيادات المؤثرة.



    لكل ما تقدم فقد بات واضحا لجماعة الامن أنها بحاجة إلى دفع خططها مراحل متقدمة بحيث تقفل الطريق على خيارات جماعة السيد علي عثمان في ظروف ذهاب الرئيس البشير الوشيك، وهكذا جمعت هذه الجماعة أوراقا كثيرة مبعثرة تجمعت لديها وأدلة تحصلت عليها خلال عملها الدؤوب ضد المعسكر الآخر، أما ضباط الجيش فلم يكن عسيرا الإيقاع بهم من خلال وثائق فطيرة لا ترقى إلى درجة الشك دع عنك الإدانة، فبعض الأوراق المقدمة كأدلة ضد بعض هولاء الضباط تذاكر سفر للعلاج دفعت من خارج ميزانية القوات المسلحة، ومكالمات هاتفية بين بعضهم وبين شخصيات معروفة بانتقادها للأوضاع، وشباب من المجاهدين السابقين.
    وقد كاد سيناريو جماعة الدكتور نافع أن يتهاوى خاصة في غياب ناطق رسمي باسم السيناريو ملم بتفاصيله ومتحمس للدفاع عنه امام وسائل الإعلام، فمنذ اليوم الأول ظهر التضارب جليا في تصريحات المسؤلين الرسمين الذي إختارت المجموعة الإعلان عن السيناريو من خلالهم، فوزير الإعلام الذي أعلن نبأ المحاولة الإنقلابية في مؤتمر صحفي، لم يستطع تحديد أكثر من ثلاثة أسماء من المتهمين، أما مستشار الوزير نفسه فقد قطع باعتقال اللواء كمال عبدالمعروف ضمن المعتقلين، هذا بينما تحدث الدكتور قطبي المهدي عن أن الأمر لا يعدو أن يكون أحاديث ومكالمات بين الأشخاص ولم يتطور إلى أفعال.


    لقد حرص السيد علي عثمان على إحاطة نفسه بهالة من الغموض والسرية، وقد كان يسره أن يعرف عنه انه شديد المراس في طلب الثأر ممن يسئ إليه مهما تطاول الزمان، هذه المواصفات المستحقة والتي نالها السيد علي عثمان بالسعي الدوؤب إليها، ستجعل من الصعب على جماعة الامن الركون لمسحة الحماس التي رسمها على وجهه وهو يتقدم صفوف المدافعين عن سيناريو المحاولة الإنقلابية المزعومة، خاصة وأن السيد علي عثمان مضى شوطا أبعد مما هو متوقع أو مطلوب ( ملكي أكثر من الملك) أو زود العيار، لذلك فالراجح أن طلبه لملء وظيفة ضابط علاقات عامة لحملة الرئيس نافع علي نافع سيتم رفضه، على كلٍ مرحبا بالسيد علي عثمان في صفوف معارضة سلطة الامن وبيوت الأشباح، هذا طبعا بعد أن يقضي -ولأول مرة في تاريخه السياسي المتطاول- بضعة أشهر بجوار الأخ المصابر يوسف محمد صالح لبس الذي لبث في سجن كوبر بضع سنين.


    ----------------

    بين (التخريب) الإصلاحي و (الإصلاح) التخريبي في الخرطوم
    December 2, 2012

    [email protected]
    (1)

    عقب الإعلان الأسبوع الماضي في الخرطوم عما سمي بالعملية “التخريبية”، قامت الأجهزة الأمنية بنصب كمين في منزل المتهم الرئيسي العميد محمد ابراهيم عبدالجليل (ود ابراهيم) في الخرطوم بحري، حيث تم اعتقال كل زواره من العسكريين وإحالتهم للتحقيق. وفوق كون هذه العملية القبيحة عدوان غير مسبوق على مقومات الخلق السوداني الأصيل في التضامن الاجتماعي، فإنها تمثل غباءً لا نستغربه من أجهزة الأمن. ذلك أنه لو كان هناك عسكريون ضالعون في محاولة ود ابراهيم الانقلابية، فإنهم لن يكونوا من الغباء بحيث يعرضون أنفسهم للكشف بزيارة منزله بعد ساعات من اعتقاله.

    (2)

    في رد فعل عفوي على هذا الحضيض الأخلاقي الجديد الذي انحدر إليه قادة النظام، قام ثلاثة من الضباط الشباب بالتوجه إلى منزل ود ابراهيم وهم بكامل زيهم العسكري، ووقفوا أمام المنزل حيث أدوا التحية العسكرية قبل الدخول إلى المنزل للسلام على أسرة زميلهم المعتقل. وكما كان متوقعاً، ومنتظراً من قبلهم، سرعان ما وصلت سيارات عسكرية لاعتقال الضباط الثلاثة واقتيادهم إلى التحقيق.

    (3)

    هذه العملية الاحتجاجية الرمزية كانت تذكيراً لأصحاب الذاكرة الضعيفة بأن أعظم الانتفاضات في تاريخ السودان الحديث لم تكن انتفاضة أكتوبر عام 1964 التي أطاحت بالحكم العسكري خلال أسبوع واحد، ولا انتفاضة مارس-أبريل 1985، التي أدت المهمة نفسها خلال أسبوعين، بل كانت كانت ثورة 1924 ضد الاستعمار البريطاني وتأييداً للوحدة مع مصر، والتي قاد شقيها المدني والعسكري ضباط عاملون وسابقون. وقد استوحى الشباب حركتهم الرمزية من تلك الانتفاضة العظيمة، التي نفذ فيها ضباط شباب عملية احتجاجية بأداء التحية أمام منزل قائد الثورة المعتقل، والتعرض للاعتقال.

    (4)

    التطابق الرمزي المتعمد تذكير أيضاً بعدم صحة الوهم المتداول الذي يتهم الجيش السوداني بأنه أصبح الذراع العسكري لحزب المؤتمر الوطني (وهو على كل حال حزب وهمي بدوره). فإذا كانت القوات التي أنشأها الاستعمار ودربها تحولت إلى مستودع الشعور الوطني وقادت الثورة ضد الاستعمار، فإنه ليس مستغرباً أن تظل القوات المسلحة السودانية مستودع الشرف والكرامة حتى في ظل نظام دكتاتوري بذل جهده لتدجينها. فغالبية الضباط الشرفاء يرون أن واجبهم هو حراسة كرامة الوطن والمواطن، وليس حراسة الفساد والفاسدين والمفسدين.

    (5)

    الضباط الثلاثة لم يكونوا بالقطع على صلة سابقة بود ابراهيم ومجموعته، وحركتهم الاحتجاجية مؤشر على أن هناك انتفاضة كبرى تتشكل في كل قطاعات القوات المسلحة، وأن اعتقال عشر ضباط، حتى مائة ضابط، لن يحل هذه المشكلة، كما لم تحسم إجراءات مبارك انتفاضة التحرير، بل سيفجر الأزمة.

    (6)

    بمجرد إعلان الحكومة عن المحاولة “التخريبية”، تسابقت قيادات النظام للإعلان عن سلسلة من المبادرات والوعود “الإصلاحية”، بنيما جدد نائب الرئيس علي عثمان الدعوة لأحزاب المعارضة للانضمام إلى لجنة إعداد الدستور، وقام الرئيس بإجراء اتصال هاتفي برئيس حكومة الجنوب يعرض فيه التعاون لتنفيذ اتفاق أديس أبابا. وقد ثني وزير الدفاع باتصال مماثل بوزير دفاع الجنوب يعرض التعاون، بينما انخرط مساعد رئيس الجمهورية في لقاءات مكثفة مع المبعوث الأمريكي أبدى فيها “مرونة” غير معهودة. وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فلن نستغرب إذا سمعنا بإجراء الرئيس اتصالاً هاتفياً مع مورينو-أوكامبو يعرض فيه تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية كما فعل صديقه سيف القذافي، ولعلها تكون خطوة استباقية موفقة.

    (7)

    لعله من المستغرب أن يكون الرد على محاولة “تخريبية” كل هذا التمسح بالإصلاح وإظهار الاعتدال والمرونة. ولعل هذا يؤكد اقتناع أركان النظام بأن المحاولة هي في الواقع جهد إصلاحي مقدر، بينما يؤكد لنا أن ما يعلنه هؤلاء من مبادرات “إصلاحية” ما هو في الواقع إلا محاولات تخريبية حقيقية، تسعى إلى سرقة جلباب الإصلاح لتجنب المصير الأسوأ. وكان يمكن أن نشبه هذا الميل المفاجيء للإصلاح ومرونة المواقف بإيمان فرعون ساعة الغرق، سوى أن فرعون كان صادفاً في إيمانه بعد فوات الأوان، بينما مبادرات هؤلاء “الإصلاحية” ينقصها الصدق للأسف.

    (8)

    مهما يكن فإننا نعتقد أن الفئة الحاكمة قد استنفدت كل فرصها لتدارك أخطائها، وكان أخرها مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير الذي كان يمكن لها فيه أن تعقد صفقة مع الإصلاحيين تطيل عمرها قليلاً، ولكنها اختارت المكر والغدر، وعاملت الحركة الإسلامية بأسوأ من معاملة مبارك وبن علي، لأنها قمعتها بالسطو والسرقة، وحولتها إلى غطاء للكذب والفساد، وهو مصير أسوأ الحظر. ولعل سؤالاً يطرح نفسه حول دعاوى الإصلاح من قبل النظام عن هوية المسؤول عن الفساد والخلل الذي يحتاج إلى الإصلاح، وهل يمكن أن يكون المفسد هو نفسه المصلح، علماً بأن الله لا يصلح عمل المفسدين؟

    (9)

    الخيار الوحيد المتاح للرئيس الآن قبل أن تقع الواقعة وتتفجر الأمور هو اتخاذ خطوات حاسمة وحقيقية لضمان النقل السلمي للسلطة، بداية من تعيين قائد جديد للجيش يحوز رضا المؤسسة العسكرية، وتحييد الجيش سياسياً، وتعيين قائد جديد لجهاز الأمن وإلزام الجهاز بواجباته الدستورية، أي ألا تكون له أي سلطة اعتقال، مع تطهير الجهاز من المتهمين بالتجاوزات ومحاكمتهم، وتحييده سياسياً وإطلاق الحريات السياسية والمدنية بغير قيد أو شرط. وعليه كذلك إقالة نوابه والحكومة الحالية والبرلمانات الولائية والمركزية، وتكليف شخصية قومية برئاسة حكومة كاملة الصلاحيات من أهل الكفاءة والنزاهة تقوم بالإشراف على صياغة دستور جديد بالتشاور مع كل القوى السياسية والمدنية في البلاد، ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة تمهد لوضع مستقر في البلاد. بخلاف ذلك، فإن مفاوضاته ودفوعاته القادمة ستكون في لاهاي، هذا إذا كان محظوظاً.



                  

12-12-2012, 06:07 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    a-sudan-a3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    تقتيل الطلاب وتجويع الشعب .. إلى متى ؟!
    December 11, 2012
    د. عمر القراي
    [email protected]
    (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
    صدق الله العظيم

    مثل أكياس من القمامة، رمى رجال الأمن جثامين الطلاب الجامعيين، الذين يمثلون قمة هذا الشعب الكريم، وخيرة ابنائه الشرفاء !! عذبوهم حتى الموت، واستكثروا عليهم تسليم اجسادهم، التي شوهها التعذيب، الى أهلهم وذويهم، حتى تجهز الأجساد الطاهرة، ويصلى عليها، قبل ان تحمل الى مثواها الأخير.. وهؤلاء الشبان الشهداء من طلاب جامعة الجزيرة، لم يرفعوا ضد الحكومة سلاحاً، ولم يضربوا احداً، أو يهاجموا مرفقاً عاماً، ولا هم من المتهمين بالمحاولة (التخريبية) المزعومة، وكان جل جرمهم، أنهم إعترضوا على عدم إعفائهم من المصروفات الدراسية- مثلما اعفي ابناء دارفور في بعض الجامعات السودانية ومنها جامعة الخرطوم- حسب ما جاء في بنود اتفاقية أبوجا 2006م. ولقد دعتهم ادارة الجامعة للحوار، فانتدبوا مجموعة منهم، فإذا هو كمين، هاجمهم فيه طلاب المؤتمر الوطني من الأخوان المسلمين، المسلحين بالسيخ والعصي، والسكاكين، فأوسعوهم ضرباً .. ثم لم تكتمل المؤامرة الدنيئة بذلك، بل هاجمهم رجال الأمن، وضربوهم، واعتقلوا مجموعة منها هؤلاء الشهداء !! لقد هزم طلاب المؤتمر الوطني في الحوار السياسي و الفكري، في جميع الجامعات، فتحولوا الى عصابة موالية للأمن، ضد زملائهم، وهم إنما ينطلقون من حقد، وحنق، لأنهم وجدوا أنفسهم في وضع مشين، يضطرهم للدفاع الضعيف المهزوز، عن حكومة تجوع أهلهم، ويتصارع افرادها على الغنائم، التي نهبوها من شعبهم دون حياء !!



    إن المسؤولية الدينية، والاخلاقية، والوطنية، والقانونية، تطال بروفسير محمد وراق محمد عمر، مدير جامعة الجزيرة .. فإن لم يكن ضالعاً في هذه المأسآة، كما اشارت بيانات الطلاب، فكان يجب عليه ان يشجب تدخل رجال الأمن في جامعته، ويدين قتل طلابه، ويصر مع أسر الشهداء على التحقيق، والفحص، قبل استلام ودفن الجثامين. ولا يعفيه من هذه المسؤولية، كونه من الاخوان المسلمين، ويدين بالولاء لجماعته، وللحكومة التي منحته هذا المنصب، ووضعته فوق من هم أكفأ منه، من اساتذته، وزملائه .. وبالإضافة للمدير، فإن بيانات الطلاب، تشير الى تورط عميد الطلاب د. رضوان أحمد قسم السيد، ومسؤول الأمن الطلابي، السيد عبد الله حاج حمد، ونقيب أمن أبوبكر البطحاني، الذي ذكر بأنه من رجال الأمن، الذين قاموا بتعذيب الصحفية المناضلة سمية ابراهيم هندوسة. إن كل هؤلاء، يجب ان يقدموا للمحاكمة، ليحاكموا ان كانوا مدانيين، أو يطلق سراحهم إن كانوا أبرياء.

    والطلاب الشهداء هم :

    ١ـ الصادق يعقوب عبد الله ـ المستوى الثاني، كلية العلوم الزراعية الدفعة ٣٤.
    ٢ـ أحمد يونس نيل ـ المستوى الأول، الدفعة ٣٥.
    ٣ـ مبارك سعيد تبن ـ المستوى الثاني، الدفعة ٣٤.
    ٤ـ عادل أحمد حماد ـ المستوى الثاني، الدفعة ٣٤.

    لقد سبق لهذا النظام المجرم، ان قتل الطلاب، وافلت من العقاب، حتى استمرأ هذا الجرم البشع .. فقد قتل من قبل طلاب من جامعة الخرطوم، منهم الشهيدة التاية، والشهيد بشير، والشهيد محمد عبد السلام، والشهيد محمد موسي بحر الدين، كما قتل طلاب من جامعة الفاشر، ونيالا، وبورتسودان، والدلنج وغيرها.. ولكن هذه الجريمة بالذات، ترفع جرائم النظام الى مستوى جديد يجب ألا يقبل أو يحتمل، لأنها تنطوي على عنصرية منتنة، وعلى تسلط أعمى، لا يلقي بالاً، ولا إعتباراً للشعب.. وهي في نفس الوقت، أختبار جديد، من نظام منقسم، متهالك، لشعب مجرب، صارع الدكتاتوريات من قبل، وصرعها.
    وبدلاً من ان تعلن الحكومة أنها ستحقق في هذه الجريمة المنكرة، ذهب إعلامها المأجور، يشيع الكذب، بأن الشهداء قد غرقوا في بركة النشيشيبة !! فهم من كثرة ما مردوا على الكذب، أصبحوا لا يميزون ما يمكن ان يجوز على الناس !! فمن الذي يصدق أن أربعة طلاب جامعيين، يمكن ان يغرقوا في بركة كهذه ؟! وهل إعتاد الطلاب من قبل على السباحة في هذه البركة ؟! ولماذا لم تسجل حوادث غرق أخرى قبل هذه ؟! ولماذا ذهبوا للسباحة في البركة مباشرة بعد مصادمة طلاب المؤتمر الوطني ورجال الأمن ؟!

    إن حادث حرمان طلاب دارفور بالجامعات، تعسفياً، مما هيأته اتفاقية أبوجا، تكرر في أكثر من جامعة، وأدى الى أحتجاجات أبناء دارفور، التي ساقتهم لمواجهة السلطة، والطلاب التابعين للمؤتمر الوطني. حدث هذا في جامعة النيلين، حيث حجبت الجامعة (400) من طلاب دارفور، المقبولين هذا العام، من التسجيل، بحجة عدم دفع الرسوم.. وفي جامعة بخت الرضا، وجامعة القرآن الكريم، وجامعة الزعيم الأزهري، وجامعة بحري، وجامعة السلام ببابنوسة، وجامعة الإمام المهدي بكوستي، وكل هذه الجامعات شهدت اعتصامات طلابية احتجاجاً على عدم إعفاء الرسوم لطلاب دارفور، كما هو مقرر ومعمول به في السنوات الماضية.

    لماذا هذه الهجمة المنظمة من الاخوان المسلمين، وحكومتهم، واجهزة أمنهم، على طلاب دارفور؟! ألأن كثير منهم قد خرج من تنظيم الاخوان المسلمين، ولحق بالمعارضة، بسبب المآسي التي تعرض لها أهلهم وذويهم ؟! وهم الآن إنما يريدون أن يبعدوهم من الجامعات، لأنهم اصبحوا يشكلون جبهة معارضة شرسة، تملك الحقائق لوقائع فظائعهم، التي ارتكبوها في دارفور، ويريدون ان يخفوها عن السودانيين وعن العالم ؟! ألهذا اتخذوا موضوع الرسوم الدراسية، ذريعة لارتكاب جريمة جديدة، في حق أهالي دارفور، هي حرمان ابنائهم من التعليم ؟! ألا يكفي أهالي دارفور ما حرقتم من قراهم، واغتصبتم من نسائهم، وشردتم من مواطنيهم، بين معسكرات النزوح واللجوء ؟!

    لقد احترفت هذه الحكومة تقتيل طلاب الجامعات، وهم أمل الأمة، ومستقبلها، فهي إذاً، لم تكتفي بتدمير واقع حياتنا، بل تعتدي الآن على مستقبلنا .. فإن لم ناخذ بيدها، ونمنعها، لن تترك لنا شيئاً الآن أو غداً.. كما أنها أيضاً تقوم عن قصد، بتجويع الشعب، حتى يعجز عن المعارضة السياسية، ويطمئن الاخوان المسلمون أنهم خالدون في الحكم !!
    ومن ضمن مخطط تجويع الشعب، استدامة الغلاء، وتصعيده .. فقد جاء عن الميزانية الجديدة لعام 2013م قدمت وزارة المالية ميزانيتها للعام الجديد اول امس للمجلس الوطنى، وخصصت للأمن والدفاع والداخلية (8,593) مليار جنيه، والقطاع السيادي 1.552 مليار جنيه، في مقابل (555) مليون جنيه للصحة، و (554) مليون جنيه للتعليم. وبحسب الارقام المعلنة فان ميزانية الدفاع والأمن تساوى (15) مرة ميزانية الصحة، و(15) مرة ميزانية التعليم ، واذا اضفنا ميزانية الدفاع والامن للقطاع السيادى فجملة ميزانيتهما (11,145) مليارجنيه، بينما جملة الصحة والتعليم (1) مليار جنيه، بما يعنى ان الأمن والسيادى يساويان ميزانية التعليم والصحة11 مرة ، ويفوقان الصحة والتعليم بنسبة (1100) %، هذا مع ملاحظة ان اموال الطوارئ، وهى مبالغ ضخمة، تخصص ايضاً للامن والصرف السياسى، فضلاً عن ان تقديرات ميزانيتى الصحة والتعليم غالباً ما لا يتم تنفيذهما فى الواقع على عكس ميزانيتى الامن والصرف السياسى . واعلنت الوزارة عن مراجعة فئات رسوم الخدمات في كل الوحدات الخدمية لتتناسب مع تكلفة الخدمة المقدمة “بما يعنى زيادة الرسوم الحكومية على الخدمات” )(حريات 9/12/2012م). هذه ميزانية حكومة لا تعبأ بشعبها، ولا تهتم بصحة وتعليم مواطنيها، وهمها الأكبر هو استغلال مواردهم، لحماية أعضائها، وحراستهم بالأمن والدفاع !! وإغتصاب أموال الشعب، بهذه الصورة البشعة، وتوظيفها بتلك الطريقة الجائرة، يتم في حكومة الأخوان المسلمين باسم الإسلام، واسم الشريعة، فهل هنالك إساءة للإسلام وللشريعة، أبلغ من هذه التي يلحقه بها أدعياؤه ؟!

    ومع كل ذلك، يحاول الاخوان المسلمون، تمرير خيانتهم للشعب بالكذب والتضليل، فالوضع حسب الميزانية الجديدة، سيكون أسوأ من العام الماضي، ولكنهم يدلسون، ويضللون، ويطرحون الميزانية وكأنهم سيحسنون الوضع، حتى تفضح الأرقام العبارات المنمقة الكاذبة.. فقد جاء ( مشروع موازنة 2013 يعلن عن خفض التضخم إلى 20% بينما قدرت موازنة هذا العام 2012 نسبة التضخم بـ(17%) موازنة 2013 تستهدف الحد من عجز الموازنة ليبلغ 10 مليار جنيها وعجز موازنة2012 كان 9.6 مليار جنيها !! موازنة 2013 تريد تخفيض الواردات إلى 7.2 مليار دولار، بينما حجم الواردات لهذا العام 7 مليار دولار. الموازنة تستهدف ترشيد الإنفاق العام ليبلغ 35 مليار جنيها بدلاً عن 28.7 مليار جنيها، إنها الأهداف المعكوسة في مباراة موازنة2013 والتي لم يشاهدها مجلس وزراء النظام، ولن يشاهدها مجلسه الوطني عندما تعبر فوقه بعد أيام قلائل.)(صحيفة الميدان 9/12/2012م). إن العام المقبل سيكون أكثر غلاء، ويستمر تجوييع الشعب، وضغطة تحت مطحنة الغلاء، وسوف تستغل الاموال التي نهبت منه، لدعم أجهزة الأمن في المزيد من قمعه، وقتله، إذا استنكر ما هو مقبل عليه من تجوييع منظم، وافقار متعمد، تظن حكومة الاخوان المسلمين الخرقاء، انها ستحافظ بها على الكراسي، التي بدأت تهتز، تحت وطأة لعبة التسابق حولها، بمجرد انتهاء خديعة مؤتمر الحركة الإسلامية الفاشل.

    إن هذه الحكومة تقتل الطلاب، وتجوع الشعب، وهذان سببان كافيان للثورة عليها.. فيجب ألا تكتفي القوى السياسية، والاحزاب، والحركات، والتجمعات، والروابط، بمجرد بيانات الشجب والإدانة .. وإنما ينبغي ان تحدد مطالب معينة، تعتصم من أجلها، في ميدان عام، حتى تتحقق .. ويمكن ان يكون من ضمن المطالب: عزل مدير جامعة الجزيرة، وعزل رئيس جهاز الأمن، وعزل والي الجزيرة .. ولمحاربة التجويع، تكون المطالب: تخفيض سعر السكر، والبنزين، واللحم، والدواء، ورفع المرتبات. فإذا لم تحقق الحكومة هذه المطالب، وواجهت الحكومة المعتصمين بالعنف، يرتفع سقف المطالب إلى اسقاط النظام.
    ويجب ألا نترك الطلاب وحدهم في الشارع، بل ينزل معهم كل الشعب، خاصة القيادات الكبيرة، في الاحزاب، والتجمع، ومنظمات المجتمع المدني، وكبار المسؤولين في الخدمة المدنية، ولنستفيد من تجربة الثورة المصرية في التدرج، والإلتفاف حول المطالب، ومخاطبة القضاة والمحامين والاطباء وكافة المهنيين تمهيداً للإضراب السياسي العام حتى نزيل هذا الكابوس.



    --------------------


    القفز علي التاريخ
    December 11, 2012
    حيدر ابراهيم على


    [email protected]
    روي لي الكاتب السوري(محمد جمال باروت) المتخصص في الجماعات الإسلامية،أن (الترابي) قال في تبرير لاسباب نجاحهم في السودان،بأن السودانيين:خوّافين ونسّايين أي سريعي النسيان.وتهمني في هذا المقام،تهمة النسيان،وهي صحيحة.فقد نسي السودانيون كل فظائع انتهاكات حقوق الإنسان التي مارسها الإسلامويون في أيامهم الأولي.وهم بدورهم –أي الإسلامويين – قفزوا علي تاريخهم المخزي.شاهدت في عدد من المدن الاوربية كثيرا من المتاحف التي تسجل فظائع الفاشية والنازية.نحن في السودان لا نهتم بالذاكرة ونهمل الذاكرة تماما.
    شهد السودان حملات عالمية واسعة في مطلع التسعينيات من أجل احترام حقوق الإنسان في السودان.ورغم الاحتجاجات والاستنكار الواسعين،تجاهل الإسلامويون بالذات ما يحسبون ضمن المعتدلين والذين أدانوا – لاحقا- تلك الممارسات،تلك الحملات في حينها.ففي الأيام الاولي،سكتوا عن إدانة التعذيب لأن فيه حماية للنظام الجديد وردع مطلوب لإسكات صوت المعارضة وتخويفها.ومن هنا تتضح انتهازية الإسلامويين حتي المعتدلين منهم والمنفتحين.وفي هذا تطبيق حرفي لقاعدة:الغاية تبررالوسيلة.فالإسلامويون- بلا استثناء- كان يهمهم تثبيت أركان النظام بأي وسيلة ممكنة أو غير ممكنة. وقد تعاملوا مع ذلك التعذيب وكأنه حادث حركة عابر وليس كمؤشر لموقف فكري واخلاقي ساقط.ومازالوا يقفزون علي ذلك العار ويتحدثون بلا خجل عن الديموقراطية وحقوق الإنسان.نحن مازلنا نطالب بالاجابة علي السؤال :ما هي أسباب سكوتكم آنذاك علي هذه الممارسات؟ماهي المرجعية الفكرية والدينية والأخلاقية لذلك الصمت؟وبعد الاجابة المقنعة يمكن أن تقفزوا كما تشاؤون.


    لذلك،حين قام بعضهم بنقد التجربة الإسلامية،خاصة العشرية الأولي أي حقبة ما قبل المفاصلة مع(الترابي)،لم يكن بإمكانهم تبرير ذلك الصمت المخزي.وقد رددوا نفس مبررات رجال الأمن وليس آراء المفكرين.وقد فضلت الإتكاء علي تقييم أحد الإسلامويين،والذي أصبح الآن من أشد الناقدين لتلك الفترة بعد صمت وتواطوء نادرين.كان المبرر المنتشر هو أن النظام استشعر خطر تآمر المعارضة من خلال إحياء(ميثاق الدفاع عن الديمقراطية)والذي يدعو للعصيان المدني في حالة وقوع انقلاب.وقد وقعت عليه كل أحزاب الموجودة خلال فترة الديمقراطية،عدا الجبهة القومية الإسلامية.وشرع الإنقلابيون سريعا في إحلال عضوية الحركة الإسلامية في الأجهزة الخاصة،ليكونوا ضبّاط جهاز الأمن الرسمي وعساكره.ولابد من التوقف عند هذا التطور،فالإسلامويون المشاركون في البرلمان،ولهم صحفهم ومنابرهم المفتوحة،ويتمتعون بكل امتيازات الديمقراطية؛كانت لديهم في نفس الوقت عناصر أمنية مدربة سرعان ما انخرطت في أجهزة أمن الإنقلاب.فقد كوّن الإسلامويون،منذ فترة تمتد إلي عهد الجبهة الوطنية أي ماقبل1977، ضمن أماناتهم الحزبية ،مكاتب المعلومات المركزية وفروعها في الجامعات وبعض المدن.وقد تلقي أفراد هذه المكاتب تدريبا عسكريا،ودورات في علوم الاستخبارات وعلومها.وعقب الإنقلاب مباشرة بدأت لجنة الأمن والعمليات العليا عاجزة عن استيعاب المعلومات الصاعدة إليها من أجهزة الحركة.


    يكتب(المحبوب عبدالسلام)أحد القياديين المنشقين ،عن السلوك الإسلاموي للجنة عقب الإستيلاء علي السلطة:- ” قامت بتأسيس مراكز اعتقال خاصّة فيما عرف لاحقا ب(بيوت الاشباح)، تمددت فيها الاعتقالات عشوائية واسعة تأخذ الناس بأدني شبهة بلا تحقيق أومحاكمة،ولكن بتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان لا يقرها مطلقا الإسلام،رغم أن عناصر الأجهزة لم يَعدَموا من يُفتي لهم بجواز التعذيب في الإسلام في مأساة الأخلاقية،فقد تناهت الأنباء المفزعة للصفوف الوسيطة في الحركة من الأقرباء والأصدقاء وبلغت أعضاء في مجلس الثورة،لا سيما في لقاءاتهم مع السودانيين وغيرهم في رحلاتهم الخارجية”.(2010:120).ويذكر صراحة أن هناك من أفتي بأن الإسلام يجيز التعذيب في مثل هذه الحالات.لذلك،لم يجد الإسلامويون حرجا في المشاركة في عملية التعذيب.ويواصل الكاتب:-” زاول التعذيب في بيوت الأشباح عناصر من الاستخبارات العسكرية،شاركتهم عناصر من أبناء الحركة الإسلامية وعضويتها “.


    أما (د. عبدا لوهاب الأفندي)فيري أن نظام الإنقاذ أعطي أولوية كبيرة لبناء أجهزة فاعلة لأسباب يعددها كما يلي:- ” أن البلاد كانت ومازالت تعيش حالة حرب أهلية، لذلك أمر طبيعي لأي نظام انقلابي ثوري- حسب رأيه – يريد أجراء تغييرات سياسية وإجتماعية أساسية في البلاد. فالظروف تحتم الاعتماد علي أجهزة أمنية تلعب الدور الأكبر، ليس فقط علي صعيد تأمين الحكم ، بل أيضاً علي صعيد التنسيق السياسي. وكانت النتيجة أن ألأجهزة الأمنية الجديدة استوعبت أعداداً كبيرة من الإسلاميين – وفق قوله – في صفوفها وهي لم تختلف كثيراً في هذا من باقي الأجهزة والمؤسسات الحكومية ولكن الاختلاف كان في النوعية التي تم اختيارها وطبيعة المهام التي اوكلت لها. فقد كان لدي جهاز الأمن موارد أكبر نسبياً من باقي المؤسسات ، كما أن روح المغامرة فيه والنفوذ المتزايد استهوي كثيراً من الشباب المتحمس (الثورة والاصلاح السياسي في السودان : 46-47) .(جملة اعتراضية،بالمناسبة نحن نذكر اسماءهم حين ننافشهم ولكنهم دأبوا علي عدم ذكر أسماء خصومهم أو معارضيهم،وكأنهم اشباح.هذا نوع من التعالي الإسلاموي:ولا تهنوا وانتم الأعلون!)

    وفي مواجهة صحفية ساخنة مع الشيخ إبراهيم السنوسي وهو من القيادات النافذة والمتشددة داخل الحركة الاسلاموية. كان السنوسي صريحاً بعد أن تغيرت الأمور ووجد نفسه خارج السلطة . لذلك جاءت إجاباته عن التعذيب وبيوت الأشباح والممارسات غير الإنسانية ، لتعترف وتبرر أفعال الحكام الإسلامويين بعد أحد عشر عاماً من الحكم. ورغم انه كان يحاول التهرب من الإجابة عن الأسئلة الخاصة بالتعذيب ولكن الصحفية التي أجرت الحوار كانت حاذقة واستنطقته جيداً وأدخلته في مآزق أخلاقية كان يحاول تجنبها، ففي سؤال يقول: يري البعض أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمت في عهدكم كانت سبباً في انهيار العلاقات مع دول الجوار والعالم الأوربي ما رأيكم في ذلك ؟ أجاب : ” عجيب أن تكون انتهاكات حقوق الإنسان كانت سبباً لسوء العلاقات بين السودان والدول الغربية وأمريكا وهل كان السودان وحده محلاً لانتهاكات حقوق الإنسان والعالم العربي ليس محلاً لانتهاكات حقوق الإنسان ؟ ” بهذه الطريقة حاول الإسلامويون تبرير الخطأ بخطأ آخر فهل تبرر انتهاكات الآخرين أن يقوم أصحاب المشروع الحضاري بمجاراتهم وهم الآتون بمشروع رباني وأخلاقي ، ويؤكدون دائماً تمايزهم واختلافهم ولكن في هذه الحالات الحرجة يساوون أنفسهم مع الآخرين العاديين. ويري السنوسي أن انتهاكاتهم مختلفة في أسبابها وأشكالها، يقول: أما ما حدث في الإنقاذ فان (الإنقاذ) جاءت عبر بوابة العسكرية وفي ظروف استثنائية قلتها من قبل ذلك حيث كان السودان مهدداً في وحدته وفي معتقداته وكان لابد من تلك الإجراءات الاستثنائية من اعتقالات التي انتهكت فيها الإنقاذ حقوق الإنسان وهذا أمر لا نوافق عليه ولا نقره. وهذا ليس خوفاً الآن من أي جهة تحاسبنا ولكن خوفاً من الله سبحانه وتعالي ولو حدثت تلك الممارسات ندينها ولا ندافع عنها. مسألة الأوضاع الاستثنائية والمهددات لا تبرر بأي حال تعذيب المعارضين لأن التهديد في هذه الحالة يكون للنظام الحاكم وليس للدولة والوطن . وفي سؤال آخر يجيب بضيق واضح: ” وأنا لست من المنكرين بأنني واحد من قيادات الإنقاذ وكل إلذي حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان كان باجتهادات وكنا نري فيه مصلحة للإسلام وللسودان حين أقدمنا علي استلام الحكم وإن كان فيه خطأ فليغفر لنا الله سبحانه وتعالي وإن كان فيه صواب فأن الله يجزينا عليه ثواباً وهذا شئ طبيعي!”. (حاورته عفاف أبو كشوة، الصحافة 9 سبتمبر 2000) لا أدري هل يتوقع الثواب علي بيوت الأشباح والتعذيب حتى وإن كانت من أجل الإسلام والسودان؟


    كرر الشيخ حسن الترابي نفس المنطق المعوج والمتهرب عند تطرقه لانتهاكات الاسلامويين لحقوق الإنسان ، بالذات أثناء رحلته إلي بريطانيا والولايات المتحدة في إبريل/ مايو 1993. فقد تمت مواجهة الترابي في لندن وواشنطن بحالات محددة . ففي مطلع رحلته ، وأثناء محاضرة عامة فاجأه محام شاب بترت ساقه بعد تعذيب في بيوت الأشباح ، فقد وقف المحامي عبد الباقي عبد الحفيظ الريح في قلب القاعة ملوحاً بساقه الاصطناعية وقال بأن الأطباء في بريطانيا صنعوها له بعد أن اضطروا إلي بتر ساقه نتيجة التعذيب الذي تعرض له في مقر تابع لجهاز الأمن. وفي ذلك الوقت كان يرافقه (د.عبدالوهاب الافندي)الملحق الصحفي بلندن،وهو الذي نظم كل هذه اللقاءات. ولم يحاول الترابي أن يعد بفتح تحقيق فورا في الحادثة، وهو القانوني الشهير ، وتجاهل الموقف ولكن في إجابة لاحقه علي سؤال صحفي، يقول : أثناء محاضرة لك في لندن في 27 أبريل الماضي أثبت محام سوداني أن ساقه بترت بعد التعذيب في مراكز الأمن السوداني؟ رد الترابي : ” لم يثبت المحامي شيئاً . ولأنه فقد ساقه لم أشأ أن أجادله في حقيقة قطع ساقه. فأنا أعلم أنه قد بترت ساقه لأسباب صحية لأنه أصيب بالسرطان ، وبعد ذلك حاولت المعارضة أن تستغل هذه المأساة الإنسانية الصحية لأغراض سياسية. فلم يثبت المحامي شيئاً ” ( صحيفة الحياة14 مايو 1992).
    يقتضي الموقف الأخلاقي والديني والقانوني أنه طالما لم يثبت المحامي شيئاً، أن يثبت الترابي شيئاً آخر مخالفاً من خلال فتح التحقيق ثم إصدار بيان بنتائج هذا التحقيق. ولكن الترابي ورفاقه من الاسلامويين دأبوا علي الاستخفاف بالشعب السوداني. إذ خلال هذه الرحلة نفي باستمرار أن ممارسات الاسلامويين هي انتهاك لحقوق الإنسان في السودان وفي مايو 1992 ألقي محاضرة مع نقاش مائدة مستديرة ( 10 مايو في منظمة دراسات الإسلام والغرب WISE) وفي سؤال عن التعذيب والذي وصلت أصداؤه كل العالم ونشطت منظمات حقوق الإنسان في كشفه. ولكن الترابي تعامل باستخفاف، ولم يكلف نفسه كقانوني بالرد،بالقول أنه – مثلاً- سيطالب بالتحقيق حين يعود ، بل قال الإنجليزية:
    The Sudanese are sensitive to their dignity and they would call harsh words, a strong light, or an interview in the middle of the night, ” torture” (Middle East Policy, vol. 1, no.3, 1992, p. 59).
    (السودانيون حساسون لكرامتهم فقد يسمون الكلمات الخشنة أو الإضاءة الشديدة أو التحقيق في منتصف الليل تعذيباً) وطالما الترابي يعرف حساسية السودانيين فلماذا يعرضهم نظامه لهذه التجارب المهينة ؟ ولماذا الاعتقل أصلاً؟ وهل تم الاعتقال بطريقة قانونية؟

    وفي سؤال للقانوني عبد الرحمن شرفي،قاضي المحكمة العليا، عن رأيه في التقرير الخاص بحقوق الإنسان، يرد:
    ” ولا نستبعد أن تقول تقارير حقوق الإنسان أن الصوم ينتهك تلك الحقوق بالعطش والجوع. أن الشريعة هي قضاء الله ورسوله ولا خيار لنا إلا نقبلها. أما أن نكون في مزاج اليهودي زوج اليهودية( بطرس غالي) ونقبل نحن هوي اليهود وأصهار اليهود ، فأنه الهوان وضعف العزيمة في قلوب المسلمين الذين فتح أجدادهم بقوة الحديد خبير .. أنهم يريدون الانتقام لهزيمتهم في خيبر حينما ظهر دن الإسلام قوياً وعادلاً . إن الأفضل للسودان اليوم أن يحتج علي المنظمة الدولية التي تعمل بتوجيه أقلية وتتدخل حتى في خيارات الشعوب القائمة علي عقيدتها . نعم أخرجوا من منظمة انكشف مستورها وبان تآمرها ضد الإسلام والمسلمين، وإلا فتوقعوا أن تطالبكم المنظمة الدولية بتطليق الزوجة الثانية وإباحة المسلمة ليهودي وعدم تعظيم شعيرة الصلاة لأن فيها ضياع الوقت وعدم صوم رمضان لأن فيه هلاك النفس بالجوع والعطش والحفاظ علي نفس الإنسان هو أهم حقوق الإنسان” . ( صحيفة السودان الحديث 22 فبراير1994).


    وبعد سنوات، وفي ديسمبر2012 يكتب(غازي صلاح الدين) في تحرير خطاب الحركة الإسلامية بعد المؤتمر الثامن؛ما يلي:-
    “كم أطربتنا كلمات ربعي بن عامر التحريرية أمام رستم قائد الفرس: “لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.” وقد أعجبنا أن نجادل أهل الملل بالآية: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر.” ونتحداهم أن يبرزوا لنا نصاً مثيلاً يكرّم الإنسان ويعلي شأنه ويحفظ حرماته. كنا نشدد على حرية ضمير الفرد كما ضمنها رب العباد الذي ترك لبني آدم أن يختاروا بين الكفر والإيمان “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” وجعل حسابهم على الله يوم يلقونه. ما كنا نرى أجمع ولا أمنع من هذه الآية في تأسيس مبدأ الحرية على قاعدة متينة. وقد باهينا خصومنا بأقوى نصّ في إثبات العدل منهجاً للحكم: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.” أي العدل للناس جميعا، لا للمسلمين وحدهم، فضلاً عن أن يكون عدلا تختص به جماعة أو قبيلة أو بطانة خاصة. لقد آمنّا أن أقوى ما في الإسلام هي طاقاته التحريرية؛ دين يحرر الفرد من هواه وشهواته، وعبوديته”.


    يتلاعب باللغة ويهرب الي التراث،ويواصل العيش في ذلك السودان الافتراضي،غارقا في اللا تاريخية.ولا أدري هل هذا جزء من الاستهبال السياسي الذي يمارسها الإسلامويون علينا بانتظام؟لا أدري لمن يكتب هذا الكلام؟ ألا يرون الواقع وحال البلاد أم يرونه ولكن يفضلون الهروب إلي (ربعي بن عامر)؟ ففي نفس الوقت الذي يثير فيه الضجة بمقاله هذا،كانت هناك مواطنة سودانية وهي صحافية ايضا تدعي سمية هندوسة،تم إذلالها وقص شعرها في عملية تأصيل عرقي إسلاموي.فقد اعتقد رجال الأمن الإسلاموي، أنها اختلست شعرها من الجنس الآري الجديد الذي يقطن في شمال ووسط السودان.لذلك،كانت العقوبة الأولي أن يستردوا شعرهم. واليوم قتل4طلاب في جامعة الجزيرة،ولم يحرك ساكنا وهو الذي يعدنا في خطاب التحرير:-
    “ودين يحرر الجماعات والأمم من الذل والظلم والحيف والفساد. وأشد ما جذب الناس إلى دعوة الحركة الإسلامية هو تبنيها لتلك المفاهيم في سياق معاصر، فالناس يرغبون في أن يتدينوا وأن يعيشوا عصرهم دون تناقض. كانت تلك –وما تزال- صفوة المفاهيم والمثل التي حركت الشباب والشيوخ إلى أن يضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل دعوتهم إلى الله “.

    ********
    هذه مقتطفات للذكري ولكي لا يهرب (غازي)و(الافندي) من التاريخ والواقع معا.ونقول لهم بصوت عال:-” كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.والقصد منها التحصين ضد الاستهبال السياسي الذي يمارس علي الشعب السوداني من الإسلامويين جميعا:الذين داخل السلطة،واؤلئك الذين يحاولون غسل أثوابهم.نحن لم نعقد محاكمات الحقيقة والمصالحة،لذلك نجد نفس الذين باركوا التعذيب يجلسون علي منصة المعارضة ويقودون قوى الاجماع الوطني ويملأون وسائل الإعلام بالتصريحات.والأدهي وأمر،نسمع عن محامين ديموقراطيين في هيئة الدفاع عن(صلاح غوش)تماشيا مع موقفهم من حقوق الانسان وكأنهم في النرويج وليس في السودان الذي يعرف من هو (غوش).حقوق الإنسان لا تمشي في اتجاه واحد كما يظن الإسلامويون الذي لا يحتجون ويتضامنون مع الآخرين بينما يستفيدون من تضامن الآخرين.ورفضت في إحدي المرات التوقيع علي مذكرة تحتج علي إغلاق صحيفة أحد الاسلاميين.وكان ردي علي الاصدقاء أنه لا يدافع عن صحف مخالفيه في الرأي.وإلي أن يؤمن الإسلامويون حقيقة بحقوق الإنسان يكون الدفاع عنهم سذاجة لا تغتفر.


    -----------------



    العد التنازلي لدولة الإخوانجية فى مصر والسودان
    December 11, 2012

    الفاضل عباس محمد علي
    بسم الله الرحمن الرحيم

    أرأيت الإخوان المسلمين المصريين يستعينون على القوى الوطنية الموجودة في ميدان التحرير وأمام قصر الرئاسة بالحشود القروية المجلوبة من الصعيد والغربية والشرقية وكافة مرابع الجهل والتخلف ؟! ألا يذكرك هذا بما كانت الطائفية الرجعية تفعل فى السودان…عندما استجلبت البروليتاريا الرثة من الريف الأقصى ومنحتها توكيلاً بخوض معاركها السياسية فى الخرطوم ضد قوى الحداثة… منذ مأساة أول مارس 1954…ثم حادثة تخويف حكومة سر الختم الخليفة بعد ثورة أكتوبر 1964 …إلي أن أعيد صياغتها بعد طرد مندوبى النقابات (جبهة الهيئات) وممثلى العمال والمزارعين منها…حتى عاصفة حل الحزب الشيوعي وترهيب أعضائه وتحطيم دوره فى شتاء 1965…تلك القوى مغسولة الأدمغة التي اندلقت فى أزقة أم درمان تبحث عن حي (فريق) الشيوعيين…كأنهم قبيلة لها مضاربها المعروفة ب “البقعة”.


    فالصراع فى مصر، كما فى السودان، صراع بين الحداثة والتخلف…بين الريف والحضر…..بين قوى المدن الواعية والمدركة لأبعاد واستحقاقات اللعبة السياسية… القوى المناضلة والمتطلعة نحو الديمقراطية والحرية والشفافية والكرامة والعدالة الإجتماعية……وقوى الفلاحين والمهمشين وأنصاف المتعلمين الذين غبّشت وعيهم وأربكت عقولهم جماعات الإسلام السياسي…مستخدمةً الديماقوقية والطوطمة والتنويم المغناطيسي والترغيب والرشاوى القادمة من بعض الدول المتآمرة والمنساقة وراء التنظيم الإخواني العالمي،…تلك القوى الرجعية الذين تم استدعاؤها بصيحة (وا إسلاماه!)..وظنت أن الدين فى خطر…فأتوا راجلين من كل فج…و”مجاهدين”……ضد من؟ ضد مسلمين مثلهم، وبني جلدتهم، ولكنهم ليسوا فى “التنظيم”…فالإسلاميون يمقتون ويتبرؤون من “الشعوبية”، ولا يعرفون شيئاً إسمه الوطن أو الوطنية…فقط يدينون بالأممية الإسلامية…وهكذا، فإن “الأخ” القادم من الشيشان أو تمبكتو أو بلوشستان..أقرب لهم من ابن العم أو العشيرة أو الجار الجنب أو الجار بالجنب العلماني أو الليبرالي، برغم صلة الدم والتراب المشترك.


    ولقد نجح الإخوان المصريون (إلى حين إعلان آخر) فى تقسيم المجتمع المصري إلي فسطاطين: أهل “اليمين”، وهم الإخوان المسلمون وحلفاؤهم السلفيون من جانب….ومن الجانب الآخر الوطنيون والقوميون والعلمانيون والأقباط والنساء.. وباقي الشعب المصري……ولو سارت الأمور كما يشتهي الإسلاميون، فإن هذا الإنقسام ستتم ترجمته شيئاً فشيئاً إلي توزيع للأرض نفسها لكانتونات وجزر متناحرة تجسد “دار الحرب”… و”دار السلام”،… كأن تخلق دولة صغري للمسيحيين بمنطقة أسيوط أو إسنا…وأخرى للنوبيين بمنطقة أسوان….وللعلمانيين بالسويس…إلخ…كما حدث فى الصومال والسودان…ومهما تبدو الفكرة سريالية وغير واقعية، فإنها قابلة للتطبيق إذا ما أخذنا فى الاعتبار السلوك الحالي للإخوان المصريين وضيقهم بالآخر وعدم استعدادهم لأي نوع من التنازل أو الحلول الوسطي…مما يشي بعدم استيعابهم للحقيقة الأساسية في الديمقراطية… كونها عبارة عن إجراءات لترتيب الحياة فى وطن واحد تشترك فيه مجموعات متباينة عرقياً وطبقياً ودينياً وثقافياً ومهنياً، بناءاً علي التفاوض السلمي والأخذ والرد، وعلي التوازن السليم، والمقدرة على رد الحقوق إذا تم الافتئات عليها، عبر قضاء مستقل ونزيه ومهني ومحايد.. وليس خاضعاً للسلطة التنفيذية أو المرجعية الكبرى أو “المرشد”،… وتحت يقظة وحراسة لا تطرف لها عين من قبل منظمات النفع العام والحركة النقابية…ورقابة يومية 24/7 من جانب إعلام حر غير مكمم.. وجريء وموضوعي وممثل لكل الفعاليات والاتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية والرياضية بالوطن.


    وعلي كل حال، يبدو أن الإخوان المصريين لن يجدوا مرادهم…وسيخرجون من المولد بلا حمص، مذمومين مدحورين…ولن ينفردوا بالشعب المصري كما انفرد رصفاؤهم “كيزان” السودان بذلك الشعب المغلوب علي أمره بجنوب الوادي…فلقد تصدّت القوي الوطنية فى القاهرة والاسكندرية والاسماعيلية والسويس والغربية والصعيد وسائر المدن والدساكر لمخططات الإخوان، وأحبطتها واحداً تلو الآخر…ولم تنطل عليها أحابيل الإخوان ولفهم ودورانهم وتدليسهم وتلبيسهم وكذبهم الصراح…وها نحن على أعتاب مليونية جبهة الإنقاذ بالثلاثاء التى ستلقن نظام المرشد عطية وذيله مرسي درساً لن ينساه…أو ربما تسدد له الضربة القاضية…ومن حسن الطالع أن الجيش المصري كان وسيظل شوكة فى خاصرة الإخوان المسلمين…وقد أصدر بياناً بالتزام جانب الشعب…إذ لم يجد الإخوان وقتاً لغربلته أو تدجينه كما فعل النظام السوداني.


    ونحن فى السودان كذلك، ورغم الإرهاب والبطش والتكميم، على وشك أن نضع حداً لدولة الإخوان…فقد أخذت القوي الوطنية المناؤئة للنظام فى التململ مجدداً باتجاه الانتفاضة الشعبية الوشيكة بإذن الله…وبدأت العاصفة بتحرك طلاب الجامعات يوم الأحد احتجاجاً على مقتل أربعة من الطلاب الدارفوريين بجامعة الجزيرة على يد زبانية الأمن…ووجدوا الأرض ممهدة لمثل هذا الحراك…فلقد انضمت لهم جماهير غفيرة بوسط الخرطوم ومناطق عديدة بالعاصمة المثلثة… ويبدو أنهم أخذوا قوات الأمن علي حين غرة، فطابت لهم الشوارع التى جابوها شرقاً وغرباً.. حداةً للإنتفاضة…وهي تستجمع أطرافها وتجرى فى عروق الأرض رويداً رويدا…وتتقدم مثل كرة الثلج التى حطت من علٍ…لتصبح تسونامي لا يبقي و لا يذر عما قريب.



    بيد أن العديد من المراقبين يرون فى الحراك الطلابي والشبابي إنهاكاً للحركة الجماهيرية فى الوقت الخطأ…وهو أمر درج النظام الراهن علي التعامل معه بكفاءة عالية من القمع المعجون بمكر الثعالب…بطشاً وإغراقاً فى لجج متلاطمة من قوات الأمن ذات الإعداد الخاص والتدريب الآيدلوجي overkill…وطمساً للمعالم بحملات إعلامية مضللة مقصودة…تصرف النظر عما يحدث فى الشارع…وبحركة ترفيهية رياضية وغنائية نشطة كأنهم يستذكرون ما قاله ابن خلدون عن أسلافنا السود القابعين علي طول السواحل الجنوبية للصحراء الكبري: “أهل السودان أهل طرب ولهو.”…وبحركة التفاف أخرى حول المعارضة باستقطاب بعض رموزها وبذل العطايا والرشاوي المادية والعينية لهم…وتخديرهم بأحاديث هلامية عن وحدة الصف.. وعن المخاطر المحدقة بالوطن….إلخ.
    ويرى هؤلاء المراقبون أن فى المظاهرات الطلابية والشبابية تبديد للطاقات وإهدار للزمن…إذا لم يكن هناك تنسيق جيد ودقيق بين كافة القوى المعارضة…الحضرية المدنية… والحاملة للسلاح بالريف…بحيث يكون الخروج مرة واحدة للطرقات…أو إلى ما يشبه “ميدان التحرير”…ثم الاعتصام والإقامة به ما أقام عسير…حتى يزول النظام…ويجب أن تُنجز الإنتفاضة دفعة واحدة… لا أن تُمرحل وتجزّأ وتبعثر وتتخللها فترات من الصمت والموات الشتوي…ولنا فى ثورات الربيع العربي نموذج مفيد…فلو عادت الجماهير لبيوتها فى تونس ومن بعدها مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا…لداهمتها قوات الأمن فى جنح الليل البهيم…واختطفت كل الرموز والناشطين والكوادر المفصلية…وجعلت منهم دروساً وعبرة لباقي الشعب…هذا ما كان يدركه ثوار الربيع العربي علي طول الطريق…وما تفادوه تماماً حتى تكللت انتفاضاتهم بالنجاح الكامل….(على كل حال، ليس كاملاً مائة بالمائة، ولكنهم أزالوا أنظمة قوية ..ظلت راسخة بالقمع والبطش لعشرات السنين.)…هذا، ولا يقلل أحد من الدور الإيجابي الذى تلعبه التحركات الطلابية والشبابية، فهي تمرين ثوري وتعليمي للشارع وللناشئة، وفيها كسر لحاجز الخوف، وتجريف لهيبة النظام، وإرهاق لقوات أمنه، وتمهيد للأرض من أجل الإنتفاضة النهائية الحاسمة.


    ويرغب أهل السودان فى أن تستفيد انتفاضتهم هذه المرة من تجارب الربيع العربي…المشابهة لتجربتي ثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة إبريل 1985…خاصة فيما يتعلق بسرقة الثورة…وبانقسام الصف الوطني الذى يجلبه الإخوان المسلمون… وهو فى حقيقة الأمر شيء لا مفر منه…فوجود الإخوان فى الساحة السياسية عبارة عن صوت نشاز داخل سيمفونية الحركة الوطنية…an anomaly…فهم أصلاً ضد الديمقراطية، والدولة عندهم مؤسسة على نموذج تم تطبيقه فى الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرناً، ولم تداخله أي اجتهادات أو عمليات تحديث أو تأقلم…الحاكم فيها ممثل للذات العلية فى الأرض…ومعارضته حرام…وأوامره امتداد للتشريعات السماوية…ولو كان هناك محاولات تنويرية أو إبداعية من قبل بعض الفلاسفة والعلماء مثل ابن رشد أو محمد عبده أو محمود محمد طه…فهم يجفلون عنها كما يجفل الناس من البعير الأجرب…ويسِمون أولئك المصلحين بالزندقة…فالإخوان المسلمون يأخذون فقط بما قاله المتشددون والمتطرفون من الفقهاء ومفسري الأحاديث…وتجربتهم فى السياسة، منذ تأسيس التنظيم عام 1928 على يد حسن البنا، هي الوقوف ضد الصف الوطني وعقد التحالفات التكتيكية مع القوى الإستعمارية عبر أجهزتها الاستخبارية…ومحاولة اختراق الأنظمة الحاكمة…أياً كانت…وحتى جمال عبد الناصر الذى بطش بهم عام 1964 وعام 1967 كان أصلاً منتمياً لتنظيمهم…وتعاون معهم عن كثب فى أيام الثورة الأولي…بل كان لهم ممثل فى حكومة محمد نجيب ومن بعده عبد الناصر هو أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف…وكان يمكن أن يستمر ذلك التحالف حتى الآن لولا أن الإخوان مجبولون علي التآمر والتعجل والأنانية وحب الاستفراد بالأمر والضيق بالآخر حتى لو كان حليفاً…ومن أهم أسباب الخلاف بينهم وبين مجلس قيادة ثورة يوليو كان إصرار محمد نجيب على عودة الأحزاب تحت ديمقراطية جديدة مرشّدة…إذ كانوا يصرون على استمرار الصيغة الموجودة: مجلس الثورة العسكري وهم فقط…وكانوا فى نفس الوقت يخططون للإنقلاب على المجلس والانفراد بالحكم…ولكن عبد الناصر تغدّى بهم قبل أن يتعشّوا به.



    وظل الإخوان المسلمون المصريون بالمعتقلات on and off منذ 1967 حتى انتفاضة يناير 2011، ثم جاءوا كأهل الكهف …من الأجداث إلي لب الحركة السياسة فى قلب الشارع…غير أنهم لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئا كملوك البوربون…وجوّدوا منهج التقية المستلف من فقه الشيعة…وتمشدقوا بالأحاديث العذبة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان…وروجوا لنوع البضائع السياسية المحبوبة لدى الشارع فى موسم الانتخابات…والشعب المصري مثلهم كان فى حالة تهميش وإبعاد عن التفاعل والمشاركة فى الحياة السياسية بسبب هيمنة الطغمة العسكرية منذ يوليو 1952.. وحلفائها التكنقراط وسماسرة السياسة ولصوص الخدمة المدنية (والمخبرين والعاهرين كما قال صلاح عبد الصبور)…فقارب المصريون العوام الانتخابات الرئاسية والنيابية بكثير من البراءة وعدم الخبرة…وانطلت عليهم أساليب الإخوان الماكرة…وحسبوهم قد تحسنوا بعض الشيء بفعل الفترات الطويلة التى قضوها فى غياهب السجون…فإذا بهم أشد نهماً وتهافتاً واستعجالاً للإنفراد بالأمر…بيد أن الواقع الإقتصادي الذى عجل بكشف أكاذيب الإخوان… وظروف الحريات النسبية التى سادت فيما بعد الانتفاضة …مكنت القوى الوطنية من إلقاء الضوء على حقيقة الإخوان المعادية أصلاً للديمقراطية…ومن شرح أبعاد المؤامرة التى يتعرض لها الوطن المصري…ولقد ساعد فى هذا الأمر كثيراً المقارنة بما يحدث فى السودان الشقيق…إذ هاهو النموذج الإسلامي فى المحك، وقد سجل فشلاً ذريعاً يشهد به القاصي والداني:…فالسودان واحد من أكثر الدول فساداً مالياً وإدارياً فى العالم…ولقد انفصل جنوبه بسبب سياسات نظام الإخوانجية الشوفينية الرعناء…والبقية تأتي…وظل أهل السودان يعانون المسغبة والموت الاقتصادي منذ أن سطا الإخوان علي السلطة قبل اثنين وعشرين سنة…وقد هلك منهم أكثر من سعد…أما سعيد فقد ولّي الأدبار نحو المنافى الدانية والقصية…وخرج معظم الهاربين عن طريق مصر…غير أن أكثر من مليون هارب مكثوا بأرض الكنانة يتقاسمون رغيف الخبز مع الشعب المضيف الذى لا يقل عنهم فقراً …تماماً كالجوعان الذى يعض ميتاً فى محاولة للاستطعام من جثته.


    عموماً، ضرب الله مثلاً للمصريين بإخوان السودان، وتمكنوا من إدراك ما يحدث فى ذلك البلد الجار بسبب الحرية الإعلامية التى جلبتها انتفاضة يناير 2011 ، وبفضل القنوات العالمية الكثيرة التى أخذت تلتفت لما يدور فى المنطقة بعد تفشى الإرهاب الإخوانجي العالمي…خاصة فى أعقاب 11 سبتمبر وما تلاها من زلازل فى العراق وأفغانستان، ثم اليمن…وأخيراً فى شمال مالي بتخوم الصحراء الكبري.
    وهكذا، فلقد ضاقت الدائرة على الإخوان المصريين فى أم الدنيا، وتراهم يواجهون امتحاناً عسيراً…لعله الأخير الذى سيرسبون بعده إلي أسفل سافلين…ولعل الله يخرج هذه الشوكة السامة المسماة الإخوان المسلمين من جسم الحركة الوطنية المصرية body politic …
    وفى نفس الوقت، أوشك الربيع العربي أن يتناهى إلى السودان، فلقد هبت الخرطوم فى جنح الدجى… وستضمد بالعزم هاتيك الجراح بإذن الله…فقط، نسأل الحق عز وجل ألا تنطلي علينا ألاعيب الإخوان مرة أخرى، فلا بد قبل كل شيء أن نتأكد من علمانية الدولة…فالدين للأله والوطن للجميع…ويجب أن نتطهر من أي شنشنة تشير ألي تطبيق شرائع تصب فى صالح اللصوص الذين أذاقوا شعبنا الأمرين طوال العقدين المنصرمين…و لا بد أن نؤسس نظاماً يستوعب التناقضات الإثنية والدينية والثقافية واللغوية والمناطقية والقبلية التى يتألف منها السودان، فى أجواء من الحرية والشفافية والحكم الرشيد.
    والسلام.
                  

12-20-2012, 07:49 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)


    ما قتل طلاب دارفور.. ترعة الجامعة أم أزمة الحكم؟


    «كمال الجزولي»




    12-20-2012 08:06 AM


    كمال الجزولي



    سواء ثبت أن طلاب دارفور -الذين عُثر على جثثهم، نهار الجمعة 7 ديسمبر/كانون الأول 2012م، طافية في ترعة بالقرب من مباني إدارة جامعة الجزيرة بوسط السودان- قد ماتوا تحت تعذيب ما، قبل أن يُلقى بجثثهم هناك، حسب رابطة الطلاب، أو أنهم قد أُغرقوا بأثر مطاردتهم، ضرباً ودفعاً، إلى جوف تلك الترعة، حسب هيومن رايتس ووتش فالنتيجة، في النهاية، واحدة، فحواها أنهم قُتلوا، وذلك مقابل التفسير الرسمي الذي يوعز بأنهم "غَرقوا" من تلقاء أنفسهم، مما يُستشفُّ من تباطؤ السلطات، وجرجرتها لأقدامها، وعدم إبدائها الرغبة في تقصي الحقائق بالجدية والسرعة المطلوبتين، وترويجها الفوري الواسع، مع حجب التفاصيل، من جهة أخرى، لموجز تقرير التشريح الصادر من غير ذوي اختصاص بالطب الشرعي، لانعدامهم في السودان، بأن الموت ناجم عن أسفكسيا الغرق، فقط لا غير.

    (1)

    الحادثة التي نتج عنها، أيضاً، فقدان طالبين آخرين لا يُعرف إن كانا فارقا الحياة، بذات الأسلوب، أم أنهما أُخفيا قسراً، وقعت على خلفية اتهام أولئك الطلاب بتنظيم اعتصام بمباني الجامعة، في سياق نزاعهم مع إدارتها المدعومة من اتحاد الطلاب الحكومي، بسبب رفضها إعفاءهم من رسوم الدراسة، حتف أنف اتفاق أبوجا (مايو 2006م)، وتوجيه رئيس الجمهورية الصادر بموجبه.

    ورغم أن كثيرين استبعدوا "العنصرية" كباعث على الحادثة، مستندين في ذلك إلى وقوع الاعتداء على طلاب دارفور، عادة، ضمن سلسلة اعتداءات قوى الأمن على طلاب عموم أهل السودان دون فرز، الأمر الذي ما انفكت تشهده، طوال العقدين الماضيين، شتى الجامعات، في مختلف المناسبات، إلا أن وقوع أغلب الضحايا، في أغلب المرات، من طلاب هذا الإقليم بالذات، لمِمَّا يمنح هذه التعبيرات منطقها المقبول، لدى آخرين كثر، بنفس القدر، للأسف الشديد.

    الشاهد أن السلطات، كما في المرات السابقة، لم تعر حادثة الجزيرة ما تستحق من اهتمام فوري، فبقيت تتباطأ، وتتثاءب، مكتفية باجتماعات داخلية، تارة لمجلس عمداء الجامعة، وتارة أخرى لمديرها مع الوالي ومسؤولي الأمن، دون أن يرشح من تلك الاجتماعات شيء ذو أثر، عدا ما تمخضت عنه من تعليق للدراسة، كالعادة، في كل المستويات، وفي جميع كليات الجامعة، ومعاهدها، ومراكزها، بينما الغضب يتحشَّد في النفوس، ويتكاثف خلف الأضالع، ويسري، ساعة من بعد ساعة، كما النار في الهشيم، إلى شوارع المدن الأخرى، دون أن تسارع الحكومة لإجراء تحقيق نزيه، أو لإصدار بيان يُشفي الصدور، ويُسَكِّن البلبال، ويُطمْئِن القلوب إلى أن الحقوق محفوظة، وأن ميزان العدل منصوب، وأن سيادة حكم القانون مرعية، بل دون أن يهبَّ مسؤول واحد ولو لإلقاء نظرة على الجثامين بالمشرحة، أو لمجرد أداء واجب العزاء للأسر المكلومة.

    أخيراً، وبعد طول انتظار مضجر، ثقيل على ذوي الضحايا وأصدقائهم، وعلى الآلاف من زملائهم، فضلاً عن الملايين من الجماهير المصدومة بمصرعهم على هذا النحو، قالت الحكومة إن نتيجة التشريح تفيد بأن موتهم الجماعي ذاك، في عقابيل مطاردتهم العنيفة من جانب قوى الأمن، قد وقع بمحض "الغرق".

    هكذا أضحى الأمر غاية في الغرابة، فإما أن طلاب دارفور هؤلاء قد "انتحروا"، أو أنهم تركوا قضيتهم، فجأة، وتوجهوا، لممارسة "هواية السباحة" في ذلك المجرى الذي لا يتجاوز عمقه متراً واحداً، ولا يزيد طوله عن ثلاثة أمتار، فغرقوا، كونهم أبناء جغرافيا لا تعرف رياضة كهذي.

    عند ذاك، وتحت وطأة إحساس ثقيل، ليس بالظلم، فحسب، وإنما بأن العقول قد جرى البصق عليها بمثل هذه التفاسير، ضغثاً على إبالة، لم يعد في قوس الصبر منزع، فانفجرت مظاهرات الطلاب، وانضمت إليها الجماهير في مختلف مدن البلاد، تفرغ شحنات غبنها، وتعبِّر عن غضبتها العارمة، حدَّ المطالبة بإسقاط النظام! في هذا الإطار، ورغم أن الخرطوم، التي تُولد فيها الأنظمة وتموت، كانت قد شهدت، خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين وحدهما، زهاء المئة والثمانين مظاهرة، باعتراف وزير الداخلية نفسه (سودان تريبيون؛ 17 أكتوبر 2012م)، إلا أن المظاهرات التي انفجرت يومي الحادي عشر والثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول فاقتها أجمعها كماً وكيفاً.

    أما إعلان النائب العام عن تكوين لجنة للتحقيق في الحادثة، في اليوم الثالث لوقوعها، فلم يزد نار الغضب إلا لهيباً، إذ لم يحس أحد بأن تكوين هذه اللجنة استثناء من نهج المطل الذي درجت عليه الحكومة في مثل هذه الحالات، أو أن مآلها سيكون أفضل من مآلات سابقاتها اللائي انطمرن تحت رمال التجاهل والنسيان.

    (2)

    تزامن مصرع أولئك الطلاب الدارفوريين مع جملة وقائع غير سعيدة بالنسبة للحكومة، في كلا المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فعلى الصعيد الاقتصادي، جرت الحادثة، مثلاً، بالتزامن مع تلقي البرلمان، من وزارة المالية، ميزانية للعام الجديد أقل ما يمكن أن توصف به أنها كارثية!

    إذ على حين كانت الجامعة، ومن ورائها وزارة التعليم العالي، ومجمل سياسات النظام الاقتصادية والخدمية الاجتماعية، تفرض، بكل غلظة كبد، مبلغ ألف جنيه، بالتمام والكمال، كرسم قبول على طلاب دارفور الجدد، أي، بالعربي الفصيح، على ذويهم الرازحين في معسكرات النزوح واللجوء، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، وينتظرون المنظمات الأجنبية تغيثهم بالطعام، وتصد عنهم وباء الحمى الصفراء الذي يفترسهم، وهم لا يملكون من سبل المعيشة أو العلاج شروى نقير، خصصت الميزانية الجديدة، بكل حمرة عين، مبلغ 8.593 مليار جنيه للأمن والدفاع والداخلية، وحوالي مليار ونصف للقطاع السيادي، بينما لم تخصص سوى نصف مليار تقريباً للصحة، ومثله للتعليم.

    بعبارة أخرى فإن جملة ميزانية الدفاع والأمن والقطاع السيادي تبلغ أكثر من 11 مليار جنيه، بينما لا تتجاوز ميزانية الصحة والتعليم ملياراً واحداً، ما يعنى أن الصرف على أمن الدولة ودفاعها وقطاعها السيادي يفوق الصرف على صحة المواطنين وتعليمهم بنسبة تزيد على 1000% (!) ثم إن وزارة المالية توعدت، فوق ذلك، بزيادة الرسوم في جميع الوحدات الخدمية بحجة تحقيق التناسب بين تلك الرسوم وبين كلفة الخدمات (حريات؛ 9 ديسمبر 2012م).


    فإذا أضفنا ما كشف عنه تقرير المراجع العام من بلوغ حجم الاعتداء على المال العام خلال السنة الجارية 2.19 مليون جنيه، بنسبة زيادة 381% عن السنة الماضية (آخر لحظة؛ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012م)؛ وما أظهرته البيانات الرسمية من ارتفاع معدل التضخم إلى 46.5% في نوفمبر، مقارنة بـ45.3% في أكتوبر/تشرين الأول (سكاي نيوز؛ 9 ديسمبر/كانون الأول 2012م)؛ فضلاً عن شيوع الخوف من تعذر استئناف صادرات نفط الجنوب عبر السودان، حسب اتفاق الطرفين بأديس أبابا أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب الخلاف على طريقة التنفيذ، يضحى مبرراً تماماً مواصلة الجنيه السوداني هبوطه إلى أقل من النصف أمام الدولار في السوق السوداء، بعد انفصال الجنوب، وبلوغه، في الوقت الراهن، أدنى مستوياته على الإطلاق (رويترز؛ 12 ديسمبر/كانون الأول 2012م).

    (3)

    أما على الصعيد السياسي، فقد تزامنت الحادثة، على سبيل المثال أيضاً، مع أقوى ضربة تلقتها وثيقة الدوحة لسلام دارفور، منذ إبرامها، بوساطة أفريقية دولية قطرية، في 14 يوليو/تموز 2011م؛ وهي اتفاق الحكومة مع "حركة العدالة والحرية"، بحيث أضحت هذه الحركة هي حليفة الحكومة الوحيدة في دارفور، وأضحى رئيسها التيجاني السيسي رئيساً للسلطة الانتقالية في الإقليم، خلفاً لمني أركو الذي عاد إلى التمرد عام 2010م، في ملابسات انهيار اتفاق أبوجا الذي سبق أن أبرمه، هو أيضاً، مع الحكومة، في 4 مايو 2006م.

    لقد تمثلت تلك الضربة في اتهام السيسي لـ"حليفته" الحكومة، ليس فقط بمهاجمة، وقتل، وأسر عناصر من قواته على أبواب الفاشر، مطالع ديسمبر/كانون الأول الجاري، بل واتهامها، أيضاً، بالكذب في شأن ذلك الهجوم، بقولها إنها إنما ضربت قوات تتبع للجبهة الثورية المعارضة، ومن جانبه أضاف بحر أبو قردة، الأمين العام لحركة السيسي، مطالبته بالتحقيق في الحادث، وتقديم الجناة للعدالة، متوعداً، في حال عدم الاستجابة، بأن "كل الخيارات مفتوحة!" (آخر لحظة؛ 9 ديسمبر/كانون الأول 2012م).

    بإزاء هذه الأجواء الملغمة، لا بد من تقرير أن السيسي، ومن قبله مني أركو، قد ارتكبا خطأ جسيماً، بالتحاقهما بالنظام تباعاً، مديرين ظهريهما للحركات الأخرى التي ربما فاقت كلاً منهما عدداً، وعدة، وعتاداً، وبالتالي نفوذاً على نطاق الإقليم، مما أتاح لهذه الحركات تمريغ سمعتهما في الرغام، خصوصاً وسط النازحين المحتشدين بالغبن في معسكرات النزوح، وأبنائهم المتوزعين على شتى مؤسسات البلاد التعليمية.

    فالحكومة، مثلاً، كانت قد عبَّرت، علناً، كما لاحظنا ضمن مقالتنا بعنوان "أبْوَجَة الذاكرة" (الحوار المتمدن؛ 31 مايو/أيار 2011م)، عن تفضيلها التفاوض مع "حركة السيسي" بالذات، دون "حركة خليل" (الأحداث؛ 27 مايو/أيار 2010م)، الأمر الذي يسَّر، دون شك، من تشويه صورة "حركة السيسي"، مثلما أساء التقارب، سابقاً، بين الحكومة و"حركة مني أركو" إلى الأخيرة، في ذهنية المجتمعات المحلية في الإقليم، بخصائصها البدوية الغالبة، وامتداداتها الطبيعية والثقافية في أوساط طلاب دارفور.


    وفي مقالتنا "عن أبوجا بمناسبة الدوحة"، المنشورة بموقع (الجزيرة نت؛ أواخر يوليو/تموز 2011م)، عدنا لنلاحظ أن الحكومة التي ترفض تأسيس منبر داخلي لمعالجة الأزمة بمشاركة جميع القوى الوطنيَّة، دون فرز، معوِّلة على لعبتها الأثيرة في مناهضة القوى الدوليَّة في العلن، ومصانعتها في الخفاء، لا تستطيع أن تضمن دعم هذه القوى لمواقفها في كل مرة، حيث إن أميركا، مثلاً، قد انقلبت، بقرون استشعار مشهودة، توارب لنفسها باب مخارجة خلفي، أمام الشعوب، بمطالبتها الحكومة، في نفس يوم توقيع الاتفاق مع حركة السيسي، "بتقبل مفاوضات إضافية ليتسنى التوصل لاتفاق سلام شامل مع جميع الحركات" (وكالات، 14 يوليو/تموز 2011م).

    ثم ها هي تعود، الآن، مجدداً، وبذات قرون الاستشعار، لترمي باللائمة على الحكومة، في ما يتصل بفشل الاتفاق المبرم مع السيسي، كونها "لم تنفذ منه شيئا يذكر!" (رويترز؛ 12 ديسمبر/كانون الأول 2012م)، وهذا، أيضاً، مما يلقي بظلال سالبة على صورتي الحكومة و"حركة السيسي" معاً في ذهنية أهل الإقليم، وطلابه بالأخص.

    (4)

    لئن كان الكثيرون، كما سبق وأشرنا، يستبعدون شبهة "العنصرية"، بمعناها الدقيق، عن حادثة ترعة جامعة الجزيرة، فلن يجرؤ إلا مكابر ذو إحنة وغرض، على إنكار نسبتها، أولاً، إلى الظلامات الاقتصادية السياسية الاجتماعية التي ما تنفك تعصف بدارفور، وأهل دارفور، وطلاب دارفور، تماماً كعصفها بأهل وطلاب جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأضعاف عصفها بغالبية أهل السودان، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، طلاباً وغيرهم، فضلاً عن إنكار نسبتها، ثانياً، إلى الأزمة الشاملة التي ما تنفك تعصف بجبهة الحكم، والتي تتبدى، من جهة، ودونما حاجة إلى فانوس ديوجينس، في انشغال هذه الجبهة التام بصراعاتها الداخلية، وعدم قدرتها على الرؤية أبعد من أرنبة أنفها، إلى حدِّ عجزها، نهائياً، عن اجتراح أي حلول لمشكلات البلاد، من جهة، وفي انصراف جماهير المحكومين، بالكامل، من جهة أخرى، عن توقع أي حل يمكن أن يأتي من قِبَل جبهة الحكم هذه، مهما بذلت النخبة الحاكمة من وعود! فهلا أدركت المعارضة هذا الواقع، ووضعت يدها على آليات التعاطي معه، قبل فوات الأوان؟!
    المصدر:الجزيرة

    -------------------

    السودان: البقاء للأضعف.!..

    المشهد مفتوح ولا يخلو من مفاجآت على الطريقة السودانية.

    12-20-2012 03:07 AM
    حيدر ابراهيم علي *

    استيقظ السودانيون صباح الخميس 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على هدير دبابات ومدرعات في الشوارع الرئيسية للعاصمة الخرطوم. ولأن الأوضاع السياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، بدأت التكهنات تذهب في كل الاتجاهات. وكانت المفاجأة الكبرى حين أعلن الناطق الرسمي عن «إجهاض محاولة تخريبية». وقد تم اعتقال الفريق صلاح عبد الله، المعروف بصلاح قوش، وهو رئيس المخابرات السودانية لسنوات طويلة، ومعه 13 ضابطا، وكلهم من المؤيدين الصلبين للنظام. وخلال يوم، تحولت التسمية ـ بعد تردد ـ إلى «محاولة انقلابية». وبدأ الطرف المؤيد لها يسرب صفة «الحركة التصحيحية»، ويسخر من صفة «تخريبية» بالقول ان النظام لم يترك شيئا يمكن أن يخربه القادمون!

    لم تكن المحاولة الانقلابية ساذجة لهذه الدرجة، خاصة أن القائم بها رجل أمن محنك وقدير. لكنها الثقة المفرطة. فقد كان الانقلاب يمثل الحل الوحيد الممكن وبكلفة قليلة، للأزمة السودانية. وهذا هو مخطط الهبوط الناعم (smooth landing) الذي ظلت الدوائر الغربية تقترحه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، خاصة أن قوش قد أسس لعلاقة تعاون جيدة مع الأجهزة الأمنية الغربية، كانت بواكيرها مع تسليم «كارلوس» لفرنسا، ثم دشن التبادل السري للمعلومات مع المخابرات المركزية الأميركية، بحسب تقارير بعض الصحف الأميركية في أيلول/سبتمبر2001. وكان المبعوث الأميركي للسودان السيد ليمان، قد صرح قبل فترة قصيرة بأن بلاده مع التغيير في السودان ولكنها تخشي عليه من مزيد من التفكك والعنف. وقد حذر صراحة، بأنه «يجب التغيير». وأكد دعم الادارة الاميركية للتغيير والإصلاح الحقيقي الذي يعالج أزمة الحكم، وأن بلاده لا ترغب في أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية أو تفكيك السودان. وشدد على أهمية مشاركة جميع الأطراف في التغيير. وأضاف: «قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية يجب أن يكون لديها منبر قومي للإجابة عن كيفية حكم السودان» (ندوة جامعة كولومبيا 10/12/2012). وهذه إشارة للتخلي عن الهبوط الناعم من خلال انقلاب القصر. فقد كان واضحا أن الانقلابيين يعبرون عن اتجاه إسلامي «إصلاحي»، كان قد هزم قبل أيام قليلة في مؤتمر الحركة الإسلامية.

    كانت المحاولة الانقلابية عملا استباقيا لأي انتفاضه شعبية تجمع بين العمل السلمي والمسلح. فالنظام يعيش أزمات متعددة خانقة مما يجعل الدولة غائبة تماما. وهو ظن أن فصل الجنوب يخلصه من عبء كبير، ومن عقبة تمنعه من إقامة دولة إسلامية صافية. لكن فصل الجنوب فاقم من أزمة النظام الاقتصادية بفقدان موارد النفط. وفي الوقت نفسه، لم يتحقق السلام، وظل خطر الحرب قائما، لأن اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) تركت كثيرا من القضايا الحساسة معلقة. أما العملة فقد فقدت قرابة 90 في المئة من قيمتها، ووصل التضخم إلي أكثر من 45 في المئة، وتزايدت أعداد من يعيشون تحت خط الفقر. فالأزمة الاقتصادية يصعب الخروج منها مع الصرف البذخي بالذات على الأمن، والدفاع، ومع تفشي الفساد، وهي كفيلة بتحريك الجماهير غير المسيسة.
    كما أن الأزمة تصاعدت في دارفور، وعاد النظام إلى الأساليب القديمة أي اللجوء للحل الأمني، ما يعني قصف القرى الآمنة والاعتقالات التعسفية. وعادت المحكمة الجنائية الدولية للتهديد بإضافة تهم جديدة للمسؤولين السودانيين. إذ يبدو ان «اتفاقية الدوحة» قد فشلت بسبب عدم عودة النازحين لقراهم. كما أقر التنفيذيون بنقص التمويل لصندوق إعادة الإعمار والتنمية، إذ لم يُبدِ الممولون حماسة واضحة لعدم إكمال عملية نزع السلاح. بل تزايدت الهجمات على قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي. وقبل فترة قصيرة، اتهمت حركة العدالة والحرية الموالية للنظام، الجيش الحكومي بقصف قواتها. وهذا يعني باختصار، ان الحرب في جبهة دارفور سوف تشتعل في أي لحظة. وستجد القوات المسلحة نفسها في وضع لا تحسد عليه. فهي قد انهكت في حروب في جبهات متعددة، مع وجود مليشيات غير نظامية. وقد كشفت الضربة الصهيونية لمصنع «اليرموك» للتصنيع الحربي، عن حقيقة استعدادات القوات المسلحة السودانية.

    وكان النظام يراهن على تماسك الجبهة الداخلية مع ضعف المعارضة. لكن التماسك الداخلي اصابته انشقاقات خطيرة بدءا من المذكرات الاحتجاجية على أداء الحكومة والتي دفع بها إسلاميون، وحتى المحاولة الانقلابية التي ستكون لها تداعيات بعيدة المدى. أما المعارضة، فرغم أنها تمثل الأغلبية العددية، لكن مشكلتها في خطأ الأولويات والآليات.

    بالنسبة للأولويات، فالمعارضة مشغولة أكثر بترتيبات المرحلة الانتقالية ووضع الدستور الانتقالي قبل أن تقوم بإسقاط النظام! وهي في هذه الحالة تهمل البحث عن الآليات الصحيحة والفاعلة لإسقاط النظام. وهذا ما يجعل بعض فصائل المعارضة تفتعل تناقضات مع الجبهة الثورية التي تحمل السلاح في وجه النظام. مع أنه من الممكن أن يسمح لكل فصيل بتحديد وسيلة المقاومة والمعارضة. لكن المشكلة تكمن في وجود فصيل مثل «حزب الامة» بقيادة الصادق المهدي، يصر على فرض استراتيجية «التغيير السلمي بالضغوط» ويخشى أن يعتبره النظام محبذا للعمل المسلح. ومن هنا، وجدت المعارضة المدنية، ممثلة في «قوى الإجماع الوطني» نفسها في مماحكات شلتها عن اختيار الآلية الصحيحة لإسقاط النظام، مع ترك كل الخيارات مفتوحة تتبع ظروفها.
    وسط هذا الارتباك الذي يعيشه النظام والمعارضة، كان لا بد من أن يظهر بديل. وتقدمت القوى الشبابية والطلابية لتقود احتجاجات الصيف الماضي. لكن الانتفاضة توقفت في مهدها لأن القوى السياسية التقليدية لم تسندها. وظل الغضب الشبابي متقدا لكنه كامن. حتى جاءت أحداث قتل طلاب جامعة الجزيرة الأربعة مطلع هذا الشهر الأخير من السنة، بطريقة وحشية وعنصرية في الوقت نفسه. فهم ينتمون إلي إقليم دارفور. واستغل طلاب الجامعات في العاصمة، وجماعة «قرفنا» الشبابية، مناسبة التشييع، للقيام بتظاهرات أعادت للأذهان انتفاضة الصيف الماضي. وفي هذه المرة ظهرت بوادر مناصرة من القوى الممثلة في الإجماع الوطني. ويظل المشهد السوداني مفتوحا ولا يخلو من مفاجآت على الطريقة السودانية.



    -------------------

    الطلاب بأي ذنب قتلوا؟

    بقلم: تاج السر عثمان


    آه ... ماأقسي الجدار
    عندما ينهض في وجه الشروق
    ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
    ليمر النور للاجيال مرة !
    وربما لو لم يكن هذا الجدار ..
    ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
    أمل دنقل
    احداث ديسمبر 2012م
    منذ قيام انقلاب 30 يونيو 1989م قاومت الحركة الطلابية الانقلاب الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية، ومزّق وحدة الوطن، وصادر حقوق الطلاب في الاعاشة والسكن واستقلال الجامعات وحرية النشاط السياسي والنقابي والاكاديمي والفكري في الجامعات، وشجع المليشيات من طلاب المؤتمر الوطني لاستخدام العنف ضد الطلاب. وقدمت الحركة الطلابية التضحيات الجسام من سجن وتشريد وتعذيب واغتيالات سياسية مثل مقتل: محمد عبد السلام، والتاية، وابوالعاص، ومحمد موسي بحر الدين ...الخ). وجاءت الاحداث الأخيرة لتدق ناقوس الخطر بعد مقتل اربعة طلاب من جامعة الجزيرة نتيجة لاعتصام طلاب دارفور بالجامعة بسبب عدم اعفائهم من رسوم التسجيل حسب ماجاء في اتفاقية ابوجا لمدة خمس سنوات، وكانت مداهمة الأمن والاعتقال والتعذيب الوحشي والذي كان نتيجته اغتيال الطلاب الأربعة: محمد يونس نيل حامد، وعادل محمد أحمد حماد ، والصادق عبد الله يعقوب، والنعمان أحمد.

    وجد الحادث استنكارا واسعا من القوي السياسية المعارضة وتنظيمات وروابط الطلاب وتحالف قوي الاجماع الوطني ، ومنظمات حقوق الانسان في الداخل والخارج. وانطلقت مظاهرات الطلاب في العاصمة أيام الأحد 9/12، الاثنين10/12 ، الثلاثاء 11/12 من جامعة الخرطوم والنيلين والسودان والاهلية ، والجامعة الاسلامية وجامعة بحري( جوبا سابقا)، ومجمع شمبات ببحري
    كما جاء في الانباء أن مظاهرات واحتجاجات الطلاب شملت جامعات الاقاليم مثل : الجزيرة، عطبرة، شندي، كريمة، دنقلا، كسلا، الامام المهدي بالجزيرة ابا بولاية النيل الابيض.

    . وتمت مخاطبة طلابية حاشدة في جامعة الخرطوم مساء الاربعاء 12/12 ، ومخاطبة من الطلاب لندوة قوي الاجماع في دار حزب الأمة الخميس 13/13 ، والتي طالب فيها ممثلوا الطلاب بتكوين "لجنة تقصي حقائق محايدة "، و "اسقاط النظام ".
    واجهت السلطة المظاهرات والاحتجاجات بالعنف الوحشي والمفرط: باستخدام الغاز المسيل للدموع والهرواوت وحملات الاعتقالات واستخدام العنف بواسطة مليشيات طلاب المؤتمر الوطني ( الرباطة)، اضافة لمحاولة يائسة لاثارة النعرات العنصرية ضد طلاب دارفور والتي واجهها الطلاب بوعي في هتافاتهم الداوية " لاجهوية ولا عنصرية سودانية مية المية" ، اضافة لتصدي الطلاب والرأي العام لاكاذيب السلطة وبيانات طلاب المؤتمر الوطني والاتحاد العام للطلاب السودانيين التي اشارت الي غرق الطلاب في الترعة التي وجدت فيها جثث الطلاب !!!.

    وتحت تأثير الضغط تراجعت السلطة واعلنت مباشرة التحقيقات في الحادث الذي اودي بحياة الطلاب، ويواصل الطلاب ضغطهم من أجل تكوين لجنة تقصي حقائق محايدة وتقديم الجناة للمحاكمة.
    استمرار للتراكم النضالي حتي اسقاط النظام.

    في مسار التراكم النضالي للحركة الطلابية الذي بدأ في تاريخ السودان الحديث منذ ثورة 1924م ومقاومة الاستعمار والانظمة العسكرية ( نظام عبود ونظام النميري ونظام البشير) حتي نجحت مع بقية الشعب السوداني في تحقيق الاستقلال عام 1956م، وثورة اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس – ابريل 1985م وتواصل المعركة مع بقية القوي لاسقاط النظام الحالي، لايمكن فصل احتجاجات الطلاب الأخيرة عن احداث يونيو ويوليو 2012م التي حاول اعلام نظام الانقاذ الكاذب التقليل منها والتي بدأت مساء السبت 16/6 /2012م من داخليات الطالبات بجامعة الخرطوم وامتدت لتشمل أحياء العاصمة القومية والأقاليم وبقية الجامعات، وشاركت فيها فئات أخري مثل : المحامون والاطباء..الخ، اضافة لمظاهرات السودانيين في الخارج التي نددت بوحشية نظام البشير وانتهاكه لحقوق الانسان، وتضامنا مع انتفاضة الجماهير في الداخل من اجل اسقاط النظام. استمرت الاحداث التي هزت النظام لمدة شهرين وكشفت عن ضعفه وهلعه من مصيره المحتوم الي مزبلة التاريخ،. وكان الانفجار طبيعيا ومشروعا ومتوقعا نتيجة للزيادات الكبيرة في اسعار البنزين والجازولين والسكر وبقية السلع اضافة للضرائب الجديدة الباهظة التي فرضت علي المواطنين، حتي اصبحت الحياة لاتطاق تحت ظل هذا النظام الذي يقتل الطلاب، ويمارس سياسة القمع والتجويع والنهب لثروات البلاد ويكدسها في ايدي قلة من الرأسماليين الطفيليين الاسلامويين، اضافة الي حروب الابادة التي شنها في دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وتمزيقه لوحدة الوطن بفصل جنوب السودان.

    الاحتجاجات والمظاهرات الحالية هي حلقة في سلسلة التراكم النضالي الذي قام به شعب السودان ضد نظام الانقاذ منذ سطوه علي السلطة بانقلاب 30 يونيو 1989م، وسيره في الطريق الرأسمالي القائم علي التحرير الاقتصادي والخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية وخدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات، والذي بدأ باضراب الاطباء في نهاية العام 1989م وعمال السكة الحديد وبقية العاملين والموظفين والمهنيين، وانتفاضات الطلاب والشباب والنساء ، ومقاومة متضرري السدود، وتحالف المزارعين ضد خصخصة مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية وبيع اراضي السودان للأجانب وتدمير القطاع الزراعي في البلاد، ومقاومة الرأسمالية المنتجه الصناعية لتدمير الصناعة الوطنية ، والمفصولين عن العمل من مدنيين وعسكريين، ومقاومة التجمع الوطني الديمقراطي، وبعده تحالف قوي الاجماع الوطني، والحركات في المناطق المهمشة، واسر الشهداء ( شهداء 28 ومضان، وكجبار، والبجا...)، وحركات حقوق الانسان، وتضامن السودانيين في المهاجر مع شعب السودان الذي حاصر وعزل النظام خارجيا، وغير ذلك من التراكم النضالي الذي قام به شعب السودان، ولاشك أن هذا التراكم الكمي من النضال سوف يؤدي الي تحول نوعي بزوال واسقاط النظام واستعادة الحريات الديمقراطية ووقف الحرب وتحسين الاوضاع المعيشية وحل القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان( البترول، الحريات الأربع، مياه النيل...الخ).

    * لقد اكدت الأحداث بسالة وشجاعة المتظاهرين والشباب والطلاب أمام القمع المفرط للمظاهرات، كما اكدت محافظة المتظاهرين علي الممتلكات العامة ، واتضح للجميع أن المخربين هم "مليشيات المؤتمر الوطني " الرباطة" الذين استخدموا "المدي" و"السواطير" و"السيخ"..الخ في ضرب المتظاهرين العزل واشاعوا الفوضي والتخريب لتبرير القمع الوحشي للمظاهرات، ومارسوا ابشع الانتهاكات لحقوق الانسان.

    *لقد وجدت ممارسات النظام المفضوحة والمنافية لحقوق الانسان من القمع الوحشي للمظاهرات والتعذيب للمعتقلين السياسيين، استنكارا واسعا في كل انحاء العالم.
    وأخيرا ، فان هذا النظام الذي اورث شعب السودان الذل والهوان والمسغبة ومزّق وحدة البلاد بفصل جنوب السودان واشعل حروب الابادة في دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وفرّط في سيادة البلاد الوطنية ونهب ثرواتها لمصلحة فئة رأسمالية اسلاموية ضيّقة، قد آن الأوان لاسقاطه ورحيله ، واستعادة الحرية والديمقراطية والسلام والوحدة والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة واقامة دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق.

    [email protected]
                  

12-20-2012, 07:51 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)


    ما قتل طلاب دارفور.. ترعة الجامعة أم أزمة الحكم؟


    «كمال الجزولي»




    12-20-2012 08:06 AM


    كمال الجزولي



    سواء ثبت أن طلاب دارفور -الذين عُثر على جثثهم، نهار الجمعة 7 ديسمبر/كانون الأول 2012م، طافية في ترعة بالقرب من مباني إدارة جامعة الجزيرة بوسط السودان- قد ماتوا تحت تعذيب ما، قبل أن يُلقى بجثثهم هناك، حسب رابطة الطلاب، أو أنهم قد أُغرقوا بأثر مطاردتهم، ضرباً ودفعاً، إلى جوف تلك الترعة، حسب هيومن رايتس ووتش فالنتيجة، في النهاية، واحدة، فحواها أنهم قُتلوا، وذلك مقابل التفسير الرسمي الذي يوعز بأنهم "غَرقوا" من تلقاء أنفسهم، مما يُستشفُّ من تباطؤ السلطات، وجرجرتها لأقدامها، وعدم إبدائها الرغبة في تقصي الحقائق بالجدية والسرعة المطلوبتين، وترويجها الفوري الواسع، مع حجب التفاصيل، من جهة أخرى، لموجز تقرير التشريح الصادر من غير ذوي اختصاص بالطب الشرعي، لانعدامهم في السودان، بأن الموت ناجم عن أسفكسيا الغرق، فقط لا غير.

    (1)

    الحادثة التي نتج عنها، أيضاً، فقدان طالبين آخرين لا يُعرف إن كانا فارقا الحياة، بذات الأسلوب، أم أنهما أُخفيا قسراً، وقعت على خلفية اتهام أولئك الطلاب بتنظيم اعتصام بمباني الجامعة، في سياق نزاعهم مع إدارتها المدعومة من اتحاد الطلاب الحكومي، بسبب رفضها إعفاءهم من رسوم الدراسة، حتف أنف اتفاق أبوجا (مايو 2006م)، وتوجيه رئيس الجمهورية الصادر بموجبه.

    ورغم أن كثيرين استبعدوا "العنصرية" كباعث على الحادثة، مستندين في ذلك إلى وقوع الاعتداء على طلاب دارفور، عادة، ضمن سلسلة اعتداءات قوى الأمن على طلاب عموم أهل السودان دون فرز، الأمر الذي ما انفكت تشهده، طوال العقدين الماضيين، شتى الجامعات، في مختلف المناسبات، إلا أن وقوع أغلب الضحايا، في أغلب المرات، من طلاب هذا الإقليم بالذات، لمِمَّا يمنح هذه التعبيرات منطقها المقبول، لدى آخرين كثر، بنفس القدر، للأسف الشديد.

    الشاهد أن السلطات، كما في المرات السابقة، لم تعر حادثة الجزيرة ما تستحق من اهتمام فوري، فبقيت تتباطأ، وتتثاءب، مكتفية باجتماعات داخلية، تارة لمجلس عمداء الجامعة، وتارة أخرى لمديرها مع الوالي ومسؤولي الأمن، دون أن يرشح من تلك الاجتماعات شيء ذو أثر، عدا ما تمخضت عنه من تعليق للدراسة، كالعادة، في كل المستويات، وفي جميع كليات الجامعة، ومعاهدها، ومراكزها، بينما الغضب يتحشَّد في النفوس، ويتكاثف خلف الأضالع، ويسري، ساعة من بعد ساعة، كما النار في الهشيم، إلى شوارع المدن الأخرى، دون أن تسارع الحكومة لإجراء تحقيق نزيه، أو لإصدار بيان يُشفي الصدور، ويُسَكِّن البلبال، ويُطمْئِن القلوب إلى أن الحقوق محفوظة، وأن ميزان العدل منصوب، وأن سيادة حكم القانون مرعية، بل دون أن يهبَّ مسؤول واحد ولو لإلقاء نظرة على الجثامين بالمشرحة، أو لمجرد أداء واجب العزاء للأسر المكلومة.

    أخيراً، وبعد طول انتظار مضجر، ثقيل على ذوي الضحايا وأصدقائهم، وعلى الآلاف من زملائهم، فضلاً عن الملايين من الجماهير المصدومة بمصرعهم على هذا النحو، قالت الحكومة إن نتيجة التشريح تفيد بأن موتهم الجماعي ذاك، في عقابيل مطاردتهم العنيفة من جانب قوى الأمن، قد وقع بمحض "الغرق".

    هكذا أضحى الأمر غاية في الغرابة، فإما أن طلاب دارفور هؤلاء قد "انتحروا"، أو أنهم تركوا قضيتهم، فجأة، وتوجهوا، لممارسة "هواية السباحة" في ذلك المجرى الذي لا يتجاوز عمقه متراً واحداً، ولا يزيد طوله عن ثلاثة أمتار، فغرقوا، كونهم أبناء جغرافيا لا تعرف رياضة كهذي.

    عند ذاك، وتحت وطأة إحساس ثقيل، ليس بالظلم، فحسب، وإنما بأن العقول قد جرى البصق عليها بمثل هذه التفاسير، ضغثاً على إبالة، لم يعد في قوس الصبر منزع، فانفجرت مظاهرات الطلاب، وانضمت إليها الجماهير في مختلف مدن البلاد، تفرغ شحنات غبنها، وتعبِّر عن غضبتها العارمة، حدَّ المطالبة بإسقاط النظام! في هذا الإطار، ورغم أن الخرطوم، التي تُولد فيها الأنظمة وتموت، كانت قد شهدت، خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين وحدهما، زهاء المئة والثمانين مظاهرة، باعتراف وزير الداخلية نفسه (سودان تريبيون؛ 17 أكتوبر 2012م)، إلا أن المظاهرات التي انفجرت يومي الحادي عشر والثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول فاقتها أجمعها كماً وكيفاً.

    أما إعلان النائب العام عن تكوين لجنة للتحقيق في الحادثة، في اليوم الثالث لوقوعها، فلم يزد نار الغضب إلا لهيباً، إذ لم يحس أحد بأن تكوين هذه اللجنة استثناء من نهج المطل الذي درجت عليه الحكومة في مثل هذه الحالات، أو أن مآلها سيكون أفضل من مآلات سابقاتها اللائي انطمرن تحت رمال التجاهل والنسيان.

    (2)

    تزامن مصرع أولئك الطلاب الدارفوريين مع جملة وقائع غير سعيدة بالنسبة للحكومة، في كلا المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فعلى الصعيد الاقتصادي، جرت الحادثة، مثلاً، بالتزامن مع تلقي البرلمان، من وزارة المالية، ميزانية للعام الجديد أقل ما يمكن أن توصف به أنها كارثية!

    إذ على حين كانت الجامعة، ومن ورائها وزارة التعليم العالي، ومجمل سياسات النظام الاقتصادية والخدمية الاجتماعية، تفرض، بكل غلظة كبد، مبلغ ألف جنيه، بالتمام والكمال، كرسم قبول على طلاب دارفور الجدد، أي، بالعربي الفصيح، على ذويهم الرازحين في معسكرات النزوح واللجوء، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، وينتظرون المنظمات الأجنبية تغيثهم بالطعام، وتصد عنهم وباء الحمى الصفراء الذي يفترسهم، وهم لا يملكون من سبل المعيشة أو العلاج شروى نقير، خصصت الميزانية الجديدة، بكل حمرة عين، مبلغ 8.593 مليار جنيه للأمن والدفاع والداخلية، وحوالي مليار ونصف للقطاع السيادي، بينما لم تخصص سوى نصف مليار تقريباً للصحة، ومثله للتعليم.

    بعبارة أخرى فإن جملة ميزانية الدفاع والأمن والقطاع السيادي تبلغ أكثر من 11 مليار جنيه، بينما لا تتجاوز ميزانية الصحة والتعليم ملياراً واحداً، ما يعنى أن الصرف على أمن الدولة ودفاعها وقطاعها السيادي يفوق الصرف على صحة المواطنين وتعليمهم بنسبة تزيد على 1000% (!) ثم إن وزارة المالية توعدت، فوق ذلك، بزيادة الرسوم في جميع الوحدات الخدمية بحجة تحقيق التناسب بين تلك الرسوم وبين كلفة الخدمات (حريات؛ 9 ديسمبر 2012م).


    فإذا أضفنا ما كشف عنه تقرير المراجع العام من بلوغ حجم الاعتداء على المال العام خلال السنة الجارية 2.19 مليون جنيه، بنسبة زيادة 381% عن السنة الماضية (آخر لحظة؛ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012م)؛ وما أظهرته البيانات الرسمية من ارتفاع معدل التضخم إلى 46.5% في نوفمبر، مقارنة بـ45.3% في أكتوبر/تشرين الأول (سكاي نيوز؛ 9 ديسمبر/كانون الأول 2012م)؛ فضلاً عن شيوع الخوف من تعذر استئناف صادرات نفط الجنوب عبر السودان، حسب اتفاق الطرفين بأديس أبابا أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب الخلاف على طريقة التنفيذ، يضحى مبرراً تماماً مواصلة الجنيه السوداني هبوطه إلى أقل من النصف أمام الدولار في السوق السوداء، بعد انفصال الجنوب، وبلوغه، في الوقت الراهن، أدنى مستوياته على الإطلاق (رويترز؛ 12 ديسمبر/كانون الأول 2012م).

    (3)

    أما على الصعيد السياسي، فقد تزامنت الحادثة، على سبيل المثال أيضاً، مع أقوى ضربة تلقتها وثيقة الدوحة لسلام دارفور، منذ إبرامها، بوساطة أفريقية دولية قطرية، في 14 يوليو/تموز 2011م؛ وهي اتفاق الحكومة مع "حركة العدالة والحرية"، بحيث أضحت هذه الحركة هي حليفة الحكومة الوحيدة في دارفور، وأضحى رئيسها التيجاني السيسي رئيساً للسلطة الانتقالية في الإقليم، خلفاً لمني أركو الذي عاد إلى التمرد عام 2010م، في ملابسات انهيار اتفاق أبوجا الذي سبق أن أبرمه، هو أيضاً، مع الحكومة، في 4 مايو 2006م.

    لقد تمثلت تلك الضربة في اتهام السيسي لـ"حليفته" الحكومة، ليس فقط بمهاجمة، وقتل، وأسر عناصر من قواته على أبواب الفاشر، مطالع ديسمبر/كانون الأول الجاري، بل واتهامها، أيضاً، بالكذب في شأن ذلك الهجوم، بقولها إنها إنما ضربت قوات تتبع للجبهة الثورية المعارضة، ومن جانبه أضاف بحر أبو قردة، الأمين العام لحركة السيسي، مطالبته بالتحقيق في الحادث، وتقديم الجناة للعدالة، متوعداً، في حال عدم الاستجابة، بأن "كل الخيارات مفتوحة!" (آخر لحظة؛ 9 ديسمبر/كانون الأول 2012م).

    بإزاء هذه الأجواء الملغمة، لا بد من تقرير أن السيسي، ومن قبله مني أركو، قد ارتكبا خطأ جسيماً، بالتحاقهما بالنظام تباعاً، مديرين ظهريهما للحركات الأخرى التي ربما فاقت كلاً منهما عدداً، وعدة، وعتاداً، وبالتالي نفوذاً على نطاق الإقليم، مما أتاح لهذه الحركات تمريغ سمعتهما في الرغام، خصوصاً وسط النازحين المحتشدين بالغبن في معسكرات النزوح، وأبنائهم المتوزعين على شتى مؤسسات البلاد التعليمية.

    فالحكومة، مثلاً، كانت قد عبَّرت، علناً، كما لاحظنا ضمن مقالتنا بعنوان "أبْوَجَة الذاكرة" (الحوار المتمدن؛ 31 مايو/أيار 2011م)، عن تفضيلها التفاوض مع "حركة السيسي" بالذات، دون "حركة خليل" (الأحداث؛ 27 مايو/أيار 2010م)، الأمر الذي يسَّر، دون شك، من تشويه صورة "حركة السيسي"، مثلما أساء التقارب، سابقاً، بين الحكومة و"حركة مني أركو" إلى الأخيرة، في ذهنية المجتمعات المحلية في الإقليم، بخصائصها البدوية الغالبة، وامتداداتها الطبيعية والثقافية في أوساط طلاب دارفور.


    وفي مقالتنا "عن أبوجا بمناسبة الدوحة"، المنشورة بموقع (الجزيرة نت؛ أواخر يوليو/تموز 2011م)، عدنا لنلاحظ أن الحكومة التي ترفض تأسيس منبر داخلي لمعالجة الأزمة بمشاركة جميع القوى الوطنيَّة، دون فرز، معوِّلة على لعبتها الأثيرة في مناهضة القوى الدوليَّة في العلن، ومصانعتها في الخفاء، لا تستطيع أن تضمن دعم هذه القوى لمواقفها في كل مرة، حيث إن أميركا، مثلاً، قد انقلبت، بقرون استشعار مشهودة، توارب لنفسها باب مخارجة خلفي، أمام الشعوب، بمطالبتها الحكومة، في نفس يوم توقيع الاتفاق مع حركة السيسي، "بتقبل مفاوضات إضافية ليتسنى التوصل لاتفاق سلام شامل مع جميع الحركات" (وكالات، 14 يوليو/تموز 2011م).

    ثم ها هي تعود، الآن، مجدداً، وبذات قرون الاستشعار، لترمي باللائمة على الحكومة، في ما يتصل بفشل الاتفاق المبرم مع السيسي، كونها "لم تنفذ منه شيئا يذكر!" (رويترز؛ 12 ديسمبر/كانون الأول 2012م)، وهذا، أيضاً، مما يلقي بظلال سالبة على صورتي الحكومة و"حركة السيسي" معاً في ذهنية أهل الإقليم، وطلابه بالأخص.

    (4)

    لئن كان الكثيرون، كما سبق وأشرنا، يستبعدون شبهة "العنصرية"، بمعناها الدقيق، عن حادثة ترعة جامعة الجزيرة، فلن يجرؤ إلا مكابر ذو إحنة وغرض، على إنكار نسبتها، أولاً، إلى الظلامات الاقتصادية السياسية الاجتماعية التي ما تنفك تعصف بدارفور، وأهل دارفور، وطلاب دارفور، تماماً كعصفها بأهل وطلاب جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأضعاف عصفها بغالبية أهل السودان، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، طلاباً وغيرهم، فضلاً عن إنكار نسبتها، ثانياً، إلى الأزمة الشاملة التي ما تنفك تعصف بجبهة الحكم، والتي تتبدى، من جهة، ودونما حاجة إلى فانوس ديوجينس، في انشغال هذه الجبهة التام بصراعاتها الداخلية، وعدم قدرتها على الرؤية أبعد من أرنبة أنفها، إلى حدِّ عجزها، نهائياً، عن اجتراح أي حلول لمشكلات البلاد، من جهة، وفي انصراف جماهير المحكومين، بالكامل، من جهة أخرى، عن توقع أي حل يمكن أن يأتي من قِبَل جبهة الحكم هذه، مهما بذلت النخبة الحاكمة من وعود! فهلا أدركت المعارضة هذا الواقع، ووضعت يدها على آليات التعاطي معه، قبل فوات الأوان؟!
    المصدر:الجزيرة

    -------------------

    السودان: البقاء للأضعف.!..

    المشهد مفتوح ولا يخلو من مفاجآت على الطريقة السودانية.

    12-20-2012 03:07 AM
    حيدر ابراهيم علي *

    استيقظ السودانيون صباح الخميس 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على هدير دبابات ومدرعات في الشوارع الرئيسية للعاصمة الخرطوم. ولأن الأوضاع السياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، بدأت التكهنات تذهب في كل الاتجاهات. وكانت المفاجأة الكبرى حين أعلن الناطق الرسمي عن «إجهاض محاولة تخريبية». وقد تم اعتقال الفريق صلاح عبد الله، المعروف بصلاح قوش، وهو رئيس المخابرات السودانية لسنوات طويلة، ومعه 13 ضابطا، وكلهم من المؤيدين الصلبين للنظام. وخلال يوم، تحولت التسمية ـ بعد تردد ـ إلى «محاولة انقلابية». وبدأ الطرف المؤيد لها يسرب صفة «الحركة التصحيحية»، ويسخر من صفة «تخريبية» بالقول ان النظام لم يترك شيئا يمكن أن يخربه القادمون!

    لم تكن المحاولة الانقلابية ساذجة لهذه الدرجة، خاصة أن القائم بها رجل أمن محنك وقدير. لكنها الثقة المفرطة. فقد كان الانقلاب يمثل الحل الوحيد الممكن وبكلفة قليلة، للأزمة السودانية. وهذا هو مخطط الهبوط الناعم (smooth landing) الذي ظلت الدوائر الغربية تقترحه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، خاصة أن قوش قد أسس لعلاقة تعاون جيدة مع الأجهزة الأمنية الغربية، كانت بواكيرها مع تسليم «كارلوس» لفرنسا، ثم دشن التبادل السري للمعلومات مع المخابرات المركزية الأميركية، بحسب تقارير بعض الصحف الأميركية في أيلول/سبتمبر2001. وكان المبعوث الأميركي للسودان السيد ليمان، قد صرح قبل فترة قصيرة بأن بلاده مع التغيير في السودان ولكنها تخشي عليه من مزيد من التفكك والعنف. وقد حذر صراحة، بأنه «يجب التغيير». وأكد دعم الادارة الاميركية للتغيير والإصلاح الحقيقي الذي يعالج أزمة الحكم، وأن بلاده لا ترغب في أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية أو تفكيك السودان. وشدد على أهمية مشاركة جميع الأطراف في التغيير. وأضاف: «قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية يجب أن يكون لديها منبر قومي للإجابة عن كيفية حكم السودان» (ندوة جامعة كولومبيا 10/12/2012). وهذه إشارة للتخلي عن الهبوط الناعم من خلال انقلاب القصر. فقد كان واضحا أن الانقلابيين يعبرون عن اتجاه إسلامي «إصلاحي»، كان قد هزم قبل أيام قليلة في مؤتمر الحركة الإسلامية.

    كانت المحاولة الانقلابية عملا استباقيا لأي انتفاضه شعبية تجمع بين العمل السلمي والمسلح. فالنظام يعيش أزمات متعددة خانقة مما يجعل الدولة غائبة تماما. وهو ظن أن فصل الجنوب يخلصه من عبء كبير، ومن عقبة تمنعه من إقامة دولة إسلامية صافية. لكن فصل الجنوب فاقم من أزمة النظام الاقتصادية بفقدان موارد النفط. وفي الوقت نفسه، لم يتحقق السلام، وظل خطر الحرب قائما، لأن اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) تركت كثيرا من القضايا الحساسة معلقة. أما العملة فقد فقدت قرابة 90 في المئة من قيمتها، ووصل التضخم إلي أكثر من 45 في المئة، وتزايدت أعداد من يعيشون تحت خط الفقر. فالأزمة الاقتصادية يصعب الخروج منها مع الصرف البذخي بالذات على الأمن، والدفاع، ومع تفشي الفساد، وهي كفيلة بتحريك الجماهير غير المسيسة.
    كما أن الأزمة تصاعدت في دارفور، وعاد النظام إلى الأساليب القديمة أي اللجوء للحل الأمني، ما يعني قصف القرى الآمنة والاعتقالات التعسفية. وعادت المحكمة الجنائية الدولية للتهديد بإضافة تهم جديدة للمسؤولين السودانيين. إذ يبدو ان «اتفاقية الدوحة» قد فشلت بسبب عدم عودة النازحين لقراهم. كما أقر التنفيذيون بنقص التمويل لصندوق إعادة الإعمار والتنمية، إذ لم يُبدِ الممولون حماسة واضحة لعدم إكمال عملية نزع السلاح. بل تزايدت الهجمات على قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي. وقبل فترة قصيرة، اتهمت حركة العدالة والحرية الموالية للنظام، الجيش الحكومي بقصف قواتها. وهذا يعني باختصار، ان الحرب في جبهة دارفور سوف تشتعل في أي لحظة. وستجد القوات المسلحة نفسها في وضع لا تحسد عليه. فهي قد انهكت في حروب في جبهات متعددة، مع وجود مليشيات غير نظامية. وقد كشفت الضربة الصهيونية لمصنع «اليرموك» للتصنيع الحربي، عن حقيقة استعدادات القوات المسلحة السودانية.

    وكان النظام يراهن على تماسك الجبهة الداخلية مع ضعف المعارضة. لكن التماسك الداخلي اصابته انشقاقات خطيرة بدءا من المذكرات الاحتجاجية على أداء الحكومة والتي دفع بها إسلاميون، وحتى المحاولة الانقلابية التي ستكون لها تداعيات بعيدة المدى. أما المعارضة، فرغم أنها تمثل الأغلبية العددية، لكن مشكلتها في خطأ الأولويات والآليات.

    بالنسبة للأولويات، فالمعارضة مشغولة أكثر بترتيبات المرحلة الانتقالية ووضع الدستور الانتقالي قبل أن تقوم بإسقاط النظام! وهي في هذه الحالة تهمل البحث عن الآليات الصحيحة والفاعلة لإسقاط النظام. وهذا ما يجعل بعض فصائل المعارضة تفتعل تناقضات مع الجبهة الثورية التي تحمل السلاح في وجه النظام. مع أنه من الممكن أن يسمح لكل فصيل بتحديد وسيلة المقاومة والمعارضة. لكن المشكلة تكمن في وجود فصيل مثل «حزب الامة» بقيادة الصادق المهدي، يصر على فرض استراتيجية «التغيير السلمي بالضغوط» ويخشى أن يعتبره النظام محبذا للعمل المسلح. ومن هنا، وجدت المعارضة المدنية، ممثلة في «قوى الإجماع الوطني» نفسها في مماحكات شلتها عن اختيار الآلية الصحيحة لإسقاط النظام، مع ترك كل الخيارات مفتوحة تتبع ظروفها.
    وسط هذا الارتباك الذي يعيشه النظام والمعارضة، كان لا بد من أن يظهر بديل. وتقدمت القوى الشبابية والطلابية لتقود احتجاجات الصيف الماضي. لكن الانتفاضة توقفت في مهدها لأن القوى السياسية التقليدية لم تسندها. وظل الغضب الشبابي متقدا لكنه كامن. حتى جاءت أحداث قتل طلاب جامعة الجزيرة الأربعة مطلع هذا الشهر الأخير من السنة، بطريقة وحشية وعنصرية في الوقت نفسه. فهم ينتمون إلي إقليم دارفور. واستغل طلاب الجامعات في العاصمة، وجماعة «قرفنا» الشبابية، مناسبة التشييع، للقيام بتظاهرات أعادت للأذهان انتفاضة الصيف الماضي. وفي هذه المرة ظهرت بوادر مناصرة من القوى الممثلة في الإجماع الوطني. ويظل المشهد السوداني مفتوحا ولا يخلو من مفاجآت على الطريقة السودانية.



    -------------------

    الطلاب بأي ذنب قتلوا؟

    بقلم: تاج السر عثمان


    آه ... ماأقسي الجدار
    عندما ينهض في وجه الشروق
    ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
    ليمر النور للاجيال مرة !
    وربما لو لم يكن هذا الجدار ..
    ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
    أمل دنقل
    احداث ديسمبر 2012م
    منذ قيام انقلاب 30 يونيو 1989م قاومت الحركة الطلابية الانقلاب الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية، ومزّق وحدة الوطن، وصادر حقوق الطلاب في الاعاشة والسكن واستقلال الجامعات وحرية النشاط السياسي والنقابي والاكاديمي والفكري في الجامعات، وشجع المليشيات من طلاب المؤتمر الوطني لاستخدام العنف ضد الطلاب. وقدمت الحركة الطلابية التضحيات الجسام من سجن وتشريد وتعذيب واغتيالات سياسية مثل مقتل: محمد عبد السلام، والتاية، وابوالعاص، ومحمد موسي بحر الدين ...الخ). وجاءت الاحداث الأخيرة لتدق ناقوس الخطر بعد مقتل اربعة طلاب من جامعة الجزيرة نتيجة لاعتصام طلاب دارفور بالجامعة بسبب عدم اعفائهم من رسوم التسجيل حسب ماجاء في اتفاقية ابوجا لمدة خمس سنوات، وكانت مداهمة الأمن والاعتقال والتعذيب الوحشي والذي كان نتيجته اغتيال الطلاب الأربعة: محمد يونس نيل حامد، وعادل محمد أحمد حماد ، والصادق عبد الله يعقوب، والنعمان أحمد.

    وجد الحادث استنكارا واسعا من القوي السياسية المعارضة وتنظيمات وروابط الطلاب وتحالف قوي الاجماع الوطني ، ومنظمات حقوق الانسان في الداخل والخارج. وانطلقت مظاهرات الطلاب في العاصمة أيام الأحد 9/12، الاثنين10/12 ، الثلاثاء 11/12 من جامعة الخرطوم والنيلين والسودان والاهلية ، والجامعة الاسلامية وجامعة بحري( جوبا سابقا)، ومجمع شمبات ببحري
    كما جاء في الانباء أن مظاهرات واحتجاجات الطلاب شملت جامعات الاقاليم مثل : الجزيرة، عطبرة، شندي، كريمة، دنقلا، كسلا، الامام المهدي بالجزيرة ابا بولاية النيل الابيض.

    . وتمت مخاطبة طلابية حاشدة في جامعة الخرطوم مساء الاربعاء 12/12 ، ومخاطبة من الطلاب لندوة قوي الاجماع في دار حزب الأمة الخميس 13/13 ، والتي طالب فيها ممثلوا الطلاب بتكوين "لجنة تقصي حقائق محايدة "، و "اسقاط النظام ".
    واجهت السلطة المظاهرات والاحتجاجات بالعنف الوحشي والمفرط: باستخدام الغاز المسيل للدموع والهرواوت وحملات الاعتقالات واستخدام العنف بواسطة مليشيات طلاب المؤتمر الوطني ( الرباطة)، اضافة لمحاولة يائسة لاثارة النعرات العنصرية ضد طلاب دارفور والتي واجهها الطلاب بوعي في هتافاتهم الداوية " لاجهوية ولا عنصرية سودانية مية المية" ، اضافة لتصدي الطلاب والرأي العام لاكاذيب السلطة وبيانات طلاب المؤتمر الوطني والاتحاد العام للطلاب السودانيين التي اشارت الي غرق الطلاب في الترعة التي وجدت فيها جثث الطلاب !!!.

    وتحت تأثير الضغط تراجعت السلطة واعلنت مباشرة التحقيقات في الحادث الذي اودي بحياة الطلاب، ويواصل الطلاب ضغطهم من أجل تكوين لجنة تقصي حقائق محايدة وتقديم الجناة للمحاكمة.
    استمرار للتراكم النضالي حتي اسقاط النظام.

    في مسار التراكم النضالي للحركة الطلابية الذي بدأ في تاريخ السودان الحديث منذ ثورة 1924م ومقاومة الاستعمار والانظمة العسكرية ( نظام عبود ونظام النميري ونظام البشير) حتي نجحت مع بقية الشعب السوداني في تحقيق الاستقلال عام 1956م، وثورة اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس – ابريل 1985م وتواصل المعركة مع بقية القوي لاسقاط النظام الحالي، لايمكن فصل احتجاجات الطلاب الأخيرة عن احداث يونيو ويوليو 2012م التي حاول اعلام نظام الانقاذ الكاذب التقليل منها والتي بدأت مساء السبت 16/6 /2012م من داخليات الطالبات بجامعة الخرطوم وامتدت لتشمل أحياء العاصمة القومية والأقاليم وبقية الجامعات، وشاركت فيها فئات أخري مثل : المحامون والاطباء..الخ، اضافة لمظاهرات السودانيين في الخارج التي نددت بوحشية نظام البشير وانتهاكه لحقوق الانسان، وتضامنا مع انتفاضة الجماهير في الداخل من اجل اسقاط النظام. استمرت الاحداث التي هزت النظام لمدة شهرين وكشفت عن ضعفه وهلعه من مصيره المحتوم الي مزبلة التاريخ،. وكان الانفجار طبيعيا ومشروعا ومتوقعا نتيجة للزيادات الكبيرة في اسعار البنزين والجازولين والسكر وبقية السلع اضافة للضرائب الجديدة الباهظة التي فرضت علي المواطنين، حتي اصبحت الحياة لاتطاق تحت ظل هذا النظام الذي يقتل الطلاب، ويمارس سياسة القمع والتجويع والنهب لثروات البلاد ويكدسها في ايدي قلة من الرأسماليين الطفيليين الاسلامويين، اضافة الي حروب الابادة التي شنها في دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وتمزيقه لوحدة الوطن بفصل جنوب السودان.

    الاحتجاجات والمظاهرات الحالية هي حلقة في سلسلة التراكم النضالي الذي قام به شعب السودان ضد نظام الانقاذ منذ سطوه علي السلطة بانقلاب 30 يونيو 1989م، وسيره في الطريق الرأسمالي القائم علي التحرير الاقتصادي والخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية وخدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات، والذي بدأ باضراب الاطباء في نهاية العام 1989م وعمال السكة الحديد وبقية العاملين والموظفين والمهنيين، وانتفاضات الطلاب والشباب والنساء ، ومقاومة متضرري السدود، وتحالف المزارعين ضد خصخصة مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية وبيع اراضي السودان للأجانب وتدمير القطاع الزراعي في البلاد، ومقاومة الرأسمالية المنتجه الصناعية لتدمير الصناعة الوطنية ، والمفصولين عن العمل من مدنيين وعسكريين، ومقاومة التجمع الوطني الديمقراطي، وبعده تحالف قوي الاجماع الوطني، والحركات في المناطق المهمشة، واسر الشهداء ( شهداء 28 ومضان، وكجبار، والبجا...)، وحركات حقوق الانسان، وتضامن السودانيين في المهاجر مع شعب السودان الذي حاصر وعزل النظام خارجيا، وغير ذلك من التراكم النضالي الذي قام به شعب السودان، ولاشك أن هذا التراكم الكمي من النضال سوف يؤدي الي تحول نوعي بزوال واسقاط النظام واستعادة الحريات الديمقراطية ووقف الحرب وتحسين الاوضاع المعيشية وحل القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان( البترول، الحريات الأربع، مياه النيل...الخ).

    * لقد اكدت الأحداث بسالة وشجاعة المتظاهرين والشباب والطلاب أمام القمع المفرط للمظاهرات، كما اكدت محافظة المتظاهرين علي الممتلكات العامة ، واتضح للجميع أن المخربين هم "مليشيات المؤتمر الوطني " الرباطة" الذين استخدموا "المدي" و"السواطير" و"السيخ"..الخ في ضرب المتظاهرين العزل واشاعوا الفوضي والتخريب لتبرير القمع الوحشي للمظاهرات، ومارسوا ابشع الانتهاكات لحقوق الانسان.

    *لقد وجدت ممارسات النظام المفضوحة والمنافية لحقوق الانسان من القمع الوحشي للمظاهرات والتعذيب للمعتقلين السياسيين، استنكارا واسعا في كل انحاء العالم.
    وأخيرا ، فان هذا النظام الذي اورث شعب السودان الذل والهوان والمسغبة ومزّق وحدة البلاد بفصل جنوب السودان واشعل حروب الابادة في دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وفرّط في سيادة البلاد الوطنية ونهب ثرواتها لمصلحة فئة رأسمالية اسلاموية ضيّقة، قد آن الأوان لاسقاطه ورحيله ، واستعادة الحرية والديمقراطية والسلام والوحدة والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة واقامة دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق.

    [email protected]
                  

12-21-2012, 08:01 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مهمة فى الشان السودانى ....كتاب ..ومقالات مختارة (Re: الكيك)

    إلى متى يستطيع السودان أن يحتمل أزمته الحالية؟


    محجوب محمد صالح




    12-21-2012 09:10 AM

    محجوب محمد صالح


    المشهد السياسي في السودان مرتبك ومربك في آن واحد وليس ذلك مستغربا في بلد تحاصره مشاكل سياسية وآمنية وإقتصادية بالغة التعقيد وقد انفرد بإرادته فصيل واحد من فصائل العمل السياسي على مدى ربع قرن من الزمان دون مشاركة حقيقية في السلطة والثروة ودون إسهام من أي طرف آخر في صناعة القرار وظل التعامل مع الأزمات الموروثة والمستجدة بيد مجموعة قليلة من المسيطرين على أزمة الأمور دون توسيع دائرة المشاركة حتى داخل المجموعة الحاكمة نفسها.


    لقد ظل كثير من المعلقين والمحللين يراهنون على قدرة السودان في إحداث مفاجاءات اللحظة الأخيرة والخروج من الأزمات بأقل الخسائر عندما تضيق حلقات الأزمة ولكن يبدو أن هذه القدرة قد تآكلت وانتهى عمرها الإفتراضي خاصة في مواجهة أزمة شاملة وعلى كافة المستويات ولن يعالجها إلا تغيير شامل يخاطب جذور المشاكل لا التصدى لمجرد اعراضها او مظاهرها السطحية وهذه تحتاج الى نشاط جماعى وإلى رؤية مشتركة والى تنظيم محكم وإلا فإن عقد الوطن سينفرط ولا تستطيع أي دولة أن تحتمل تبعات حروب داخلية محتدمة على مدى سنوات على أرضها وتهديدات بحروب خارجية مع دول الجوار وفقر تتسع رقعته وهوة تفصل بين عامة الشعب والقلة المتنفذة التى احتكرت الثروة والسلطة وأزمة اقتصادية تحاصر المواطن فتزيده فقرا وتضعف قدرته فى الحصول على أبسط مقومات الحياة.

    لقد استحكمت الأزمة وضاقت حلقاتها إذ يواجه النظام الحاكم الآن:

    أولاً: يواجه حروباً ساخنة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تستنزف موارد بلد يعاني من أزمة إقتصادية خانقة والقليل الذي يتيسر له يذهب للصرف على هذه الحروب العبثية التي تنخر في جسد الوحدة الوطنية ولن تحل مشكلة بل تزيد الصراع الداخلي وتخلق من المرارات مايسمم مستقبل الوحدة الوطنية.

    ثانياً: أفتقد السودان جزءاً عزيزاً من الوطن بإنفصال الجنوب وكان المبرر أن إنفصالاً يحقق سلاماً أفضل من وحدة تورث حرباً أهلية – لكن الأمر إنتهى إلى الإنفصال والحرب معاً ومازالت نذر الحرب بين الدولتين تلوح في الأفق نتيجة سياسات ورؤى قاصرة لن يعود إستمرارها إلا إلى المزيد من الأزمات.

    ثالثاً: الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد هبطت بقيمة العملة السودانية إلى أكثر من النصف وزادت من معدلات التضخم بنسبة كبيرة والقت على كاهل المواطن أعباء لاطاقة له بها وفي نفس الوقت فأن الأموال القليلة المتاحة للدولة صار أكثرها يذهب للأمن ولتمويل هذه الحرب العبثية على حساب الخدمات الضرورية وبهذا تكون الحكومة قد ألقت بكل تبعات سياساتها القاصرة على كاهل موطن لاحول له ولا قوة.

    رابعاً: النظام نفسه بات محاصراً من داخل صفوفه ومن خارجها فهو خارجيا يواجه خلافات مستعرة مع الجنوب رغم توقيع اتفاقات عديدة كان من شأنها أن تخلق واقعاً جديداً وعلاقات أكثر إستقرار مع دولة تربطنا بها أطول حدودنا الخارجية لكن المناورات قصيرة الآجل مازالت حتى الآن تجهض مشروع التعايش السلمي وتجعل التهديد بالعودة لمربع الحرب قائما – وثمة بؤر صراع معقدة مثل أبيي مازالت تستعصي على الحل وتلوح في أفقها بوادر الحرب – وهذه القضايا أدت إلي زيادة حدة المواجهة للحكومة مع المجتمع الدولي وقرارات صادرة من مجلس الأمن أخرها القرار 2046 الذي (دوّل) القضية باكملها وفق مقترح أفريقي يحظي بتأييد دول المنطقة. وكأنما المهددات الخارجية وحدها لاتكفي فإن الصراع الداخلي قد بلغ ذروته – وقد ظل هذا النظام منذ نشأته يواجه صراعاً سياسياً مع القوى السياسية الداخلية ظل تعالجه المناورات قصيرة المدى كما يواجه حركات مسلحة توسعت الآن بدخول ولايتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان –حلبة الصراع المسلح رغم أن حل أزمتها سلمياً كان متاحاً عبر إتفاقية توصل إليها النظام نفسه ثم تنكر لها ورفضها مفضلاً عليها المغامرة العسكرية التي دفعنا ومازلنا ندفع ثمنها الغالي والأسوأ من هذا أنها ستخلف مرارات تسمم أجواء المستقبل.

    خامساً: وتكتمل حلقة الأزمات بهذا الصراع المحتدم داخل صفوف النظام نفسه وهو صراع يواجه النظام بأكبر وأخطر تحدياته الداخلية – وقد عبر هذا الصراع عن نفسه سياسياً في مؤتمر الحركة الإسلامية رغم الحصار الذي تعرض له مؤتمر الحركة – لكنه عاد وعبر عن نفسه عسكرياً عبر محاولتين إنقلابيتين خلال الشهور القليلة الفائتة- الأولى تم معالجتها والتكتم عليها بحسب رواية دكتور نافع والثانية انفجرت جهراً بإعلان رسمي من الحكومة ومازال التحقيق حولها دائراً ومازالت التسريبات تشير إلى تعاطف جهات عسكرية أخرى مع معتقلي تلك المحاولة.

    هذا الوضع وبهذه الدرجة من الاحتقان لايمكن أن يستمر ولابد من حدوث تغيير ولا يستطيع أحد أن يتكهن بالشكل الذي سيتخذه ذلك التغيير لأن المشهد مفتوح على كافة الاحتمالات بما في ذلك أن تاخذ الجماعة الحاكمة نفسها زمام المبادرة بإحداث تغيير (محسوب ومبرمج) إذا ما اقتنعت بأن الحصار قد بلغ مداه لكن الشئ المؤكد هو أن عناصر هذه المعادلة باتت كثيرة ومتشعبة والاحتمالات مفتوحة وأن الاحتقان الداخلي قد بلغ مداه ولايمكن أن يستمر لأكثر مما استمر.

    [email protected]
    العرب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de