|
|
 ورحلت خديجة (البريدو) ...مدرسة السلام ،الحنان والإيمان
|
رسالة الي روح امي
ورحلت خديجة (البريدو) ...مدرسة السلام ،الحنان والإيمان
اليوم ،مضي اربعون يوما منذ إلتحاق والدتي خديجة عبد الله محمد على "البريدو" بالرفيق الأعلي ،ذاك الرحيل الذي دوي فجأة وحل كالصاعقة علينا ،حينما ودعناك أنا وزوجتي و إبني باسق و باهر صباح الخميس 23 أغسطس ونحن نهم بالعودة الي الخرطوم من ربك حيث أمضينا معك أياما جميلة لم نكن ندري إنها الأخيرة وقد كنت على أتم الصحة و العافية ، وكنا على موعد أن أعود بعد ايام لاصطحبك الي الخرطوم ولكن ياأمي إن موعد القدر و لقاء الله كان مضروبا ليتحقق قبل موعدنا "فانا اريد و انت تريد و الله يفعل ما يريد "...انها ارادة ذوالجلال و الإكرام و لا حول و لا قوة الا به.. فكان صباح الأحد26 اغسطس اي بعد ثلاثة ايام من فارقنا ليشهد على انزلاقك على سراميك الحمام واصابة الراس ليحدث نزيفا بالمخ لتسلمي روحك الطاهرة بالخرطوم صباح الثلاثاء 28 اغسطس... فانا يا امي افتقدك كثيرا ولكن ليس بيدي غير التمسك بالصبر و الدعاء لك بالفردوس الأعلي ..فالام كما تعلمون اخوتي مستودع الحياة وسر قدسيتها ومصدر الإلهام وبوتقة الصهر للمحبة و المودة والتآزر بين الإخوة ...فقد كنت لي يا امي مدرسة فريدة اتعلم فيها كل يوم وفي كل محادثة تلفونية معك ... وكم كنت قلقلة حينما أتاخر عن مهاتفتك كل صباح فحتي ابني الصغير اعتاد ان ابدأ يومي بكلمة " صباح الخير يا امي كيف اصبحت " فيأتي الي بالتلفون ويقول :"يا بابا اضرب لحبوبة" فحتي خبر دخولك الي مستشفي ربك اثر اصابتك كان الفضل يرجع الي ابني "باهر" ابن العامين الذي حمل الي التلفون لاتصل ... وكان النبأ المشؤم ....لك الرحمة والفردوس الأعلي ...فرحيلك عنا لا يعوضه شئ ولكن هي ارداة الله ...فانت يا امي كنت لي و لغيرى مدرسة للنبل و التسامي و التسامح و الصفح على من يجور ويظلم الآخرين حينما تقولين "سامحهم و خليهم على الله" ...وكم هي تلك الكلمات وكانما ترن الآن في اذني ..ودوما تقولين المامات ما انضمن "...لكل من يجرؤ على التهكم او السخرية او الشماته على من اصابه شئ...مذكرة بان ما يحل بشخص ما من مصيبة يمكن ان تحل بغيره او من يتهكم او يسخر ...وحينما تقولين "الكضب عدم الاكيدة "..ما هو الا حث للناس على التحري و التدقيق قبل الكلام او اتخاذ موقف معين لان التسرع و العجلة قد توقع الانسان في فخ الحرج وربما الفتنة ...وكم كنت مؤمنة بان الانسان جوهر و ليس مظهر ومن اطيب اللحظات كلما تآنسان تضربين المثل بالعبارة المنسوبة لحدي الفنانات ذات الصوت الجميل التي ما ان رأهاها احدهم قال بالله الزولة دي صاحبة هذا الصوت الجميل ..!فقالت له " أهم شئ الزول يكون بسام و نظافة الاجسام و الجمال اقسام "،فهذه العبارة جسدت معني الحضارة و الايمان و الثقافة ..فالتبسم في وجه اخيك كما تعلمون صدقة كما قال المصطفي صلي الله عليه و سلم و النظافة من الايمان اما الجمال فهو مسالة خاضعة للنسبية ومفاهيم متباينة ...ولا انسي ابدا ولن انسي حينما تزجرين وتحذرين من يحاول الحديث عن اي شخص غائب وتقولي " سيرة الناس ما كويسة الكلام دا ماصاح"...وللاسف اضحي مجتمعنا السوداني اليوم يمسي و يصبح على اكل لحم بعضه البعض ولم يبق منه الا العظم وحتي هذا العظم لم يسلم فقد استمرأ الكثيرون" كد "عظام الاخرين بعدما انتهوا من لحمهم ..."ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه و هو ميتا "...ومن يتمادي في التعدي على حقوق غيره كنت دوما تطلبين لهم الهداية "الله يهدهم "...لقد كنت يأمي مدرسة للسلام ترفضين كل اشكال العنف من حروب و المشاكل بين الناس و المحاكم واتذكر حينما رفضتي لي الإلتحاق بالكلية الحربية وقلت لي "يودوك الجنوب عشان تقتل الناس"...واذكر ايضا حينما طلبت مني العفو عن الشرطيين الذين حاولا ابتزازي و الإفتراء علي و زوجتي فعفوت عنهم بشرط الاعتراف و قول الحقيقة امام المحكمة و لكنهما حنثا فانصفتني المحكمة بالفصل و الغرامة و السجن لهم ...كنت دوما تنادين بالتكاتف بين الإخوة و الحنية فيما بينهم " خليكم حنان " وتحثين من حولك على التعاون و التعاضدد... لقد كنت محبوبة وسط الناس اينما حللت حتي لقبوك بـ"خديجة البريدو" وكم كنت تتضايقين من "الجفا"- "الجفاء " الذي بدا يسيطر على بعض العلاقات بفعل مشاغل الحياة و تغير ايقاعها تحت ارغام ضغوطها ودورانها الرتيب ...انت يا امي مدرسة التلاحم الاجتماعي و التعاون بين الناس بمختلف مشاربهم تعلمنا منك وكل من حولنا عمليا حفظ حق الجار ..حينما اسمعك تقولين "جارك القريب ولا ود امك البعيد "..هذا دليل انك كنت تقديسين رابطة الجيرة لانها وضعت في مصاف رابط الدم وابن الام لما لها من دلالة عميقة جدا ...وكانما اسمعك الآن تقولين " الرسول وصي على الجار "..."الزول ما يشيل حق زول " درس في العفة و الأمانة و تحري الحلال الطيب في كل شئ ...وكم هو مجتمعنا اليوم في حاجة ملحة لمثل هذه الدروس ..فقد اضحي الحد الفاصل بين الحلال و الحرام بالكاد يري ان لم نجزم بانه صار عند البعض بالمقلوب بمعني ان الحلال حرام و الحرام حلال ..!وكنت كلما رأيت من دارت عليه الدنيا واثقلته الحياة بمطالبها و هوتحت وطأة الهم تواسيه وتخففي عنه قائلة " الهم بعيشتو اكفر " فانها تذكرة للتمسك بالإيمان و الانتفاض والتقدم في دروب الحياة دون الاكتراث للعقبات و العراقيل و ما يحل من محن ...لا تريدين للانسان المؤمن الاستسلام للهم و الركون وندب الحظ و الإكتآب ..بل النهوض و الخوض في الحياة بثقة اكبر في عون الله ورعايته...
وكلما حلت مصيبة بشخص ما وفقد عزيز بان ما حدث "ما غالي على رب العالمين" ...تحضينهم على الصبر وبان من ذهب ليس بغال على رب الناس ..انها مدرسة الصبر على البلاء و المصائب فالحمد لله تشربت منك هذه الخصلة النادرة في هذا الزمان فالناس اليوم اكثر هلعا و عجلة لنيل كل شئ و لا يصبرون على شئ وخاصة حينما يفقدون ما يحبوبنه من مال او وظيفة او موت احد لهم فقد درج البعض على اقامة مهرجانات للنحيب و العويل و الثكيل بل ابتدعت جماعات في الاونة الاخير ة بدعة مذمومة وهي ما يسمي "بالبكايات " هن نساء يؤجرن بمقابل مالي للبكاء على اي شخص "ويحرروا البكاء " فقط علي ذوي المتوفي مدهن بمعلومات عن عمله و عمره و اسمه و اي صفات يريد ذويه ايصالها للناس ...
نظافة المكان و الماكل و الملبس
كنت دوما تشددين على ان يكون الانسان حريصا على نظافة مكان عمله و ملبسه و جسمه و مأكله ...للاسف الشديد بات معتادا اهمال نظافة مكان العمل لاعتقاد من يعمل بذاك المكتب بانها ليست من صميم عمله بل يراها البعض بانها تقليل من مكانتهم وحط من شانهم فالحمد لله لا اجد حرجا او تقليلا من شاني حينما اقوم بتنظيف مكان عملي بل اجد متعة و راحة شديدة كلما اقوم بذلك بنفسي ...
الطموح
رغم اقترابك من عتبة الثامنين الا انك كنت تعجين بالنشاط و الحيوية ...لقد كنت تتمعين بذاكرة حفظ قلما تتوفر هذه الايام حتي لدي الاطفال تقومين الليل والناس نيام وتحفظين القرآن عندما يتلي عليك او تسمعينه لقد كنت في دعاء مستمر للجميع بالصحة و العافية وفتح ابواب الرزق واستقرار البلاد وكلما يتحتدم القتال في مكان ما في السودان تقولي "الناس ديل لو خلو الحرب دي و قعدوا زرعوا ما احسن ؟!" .
عشت بسلام وهدوء وسعادة وطهر و نقاء ورحلت كذلك بهدوء وسلام وطهر و نقاء ..ففي تلك اللحظة التي اسلمت فيها روحك الي بارئها و انا واقف الي جانبك القنك الشهادة كنت هادئة وكأنما غفوت بهدوء رهيب ...وحتي أخر لحظة وانا بالمقابر كانت نفسي تحدثني بانك سوف تستفيقين من غفوتك الهادئة تلك وظللت مركزا لاحظ حركة ولكن هيهات ...
لك الرحمة ادعو الله ان يجعل قبرك روضة من رياض الفردوس وإنا لله و إنا اليه راجعون .
|
|
 
|
|
|
|
محمد شرف الدين
ALGARADABI
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست