الصديق محسن خالد .. لم يتخلص من الحرية .. ولم يهرب إلى المأساة .. فهل كان يتأمل
نجد بالعمق الفلسفي الديني الباطني الذي يتخطى العامة إلى الخاصة بعظمة الدين والأخلاق الذي بعث سيدنا وبنينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارمها .. نجد أنه ليست عظمة الإنسان أساسها في أعماله الخيرة وإنما في قدرته على الاختيار، وكل من يقلل أو يحد من هذه القدرة يحط بقدر الإنسان. وإذا صح أننا نرتفع من خلال المعاناة وننحط بالاستغراق في المتع ، فذلك لأننا نختلف عن الحيوانات. بقراءة أخرى لهذه الحقيقة وبإسقاطها على أي وقائع عن مرحلة متطورة لمجتمع معين أو حضارة معينة , كيف أن السقوط الأخلاقي و الروحي , يحدث وسط الوفرة والفخامة ويضمحلّ الإنسان العميق ولا يبقى سوى الأقزام أخلاقياً , الذين ينتظرون السقوط الذي يقترب حتماً, و تظهر هنا و هناك شخصيات كبيرة و لكنهم أفراد نادرون و غير قادرين في وسط الضعف العام في الفهم العميق من إيصال رسالاتهم , ويبدو حجمهم أكبر وهذا مما يتناقض و الحالة العامة للروح ، هنا في اعتقادي تكمن قصة صديقي العزيز محسن خالد والذي اعرفه جيدا عن قرب فهو ليس من الذين يتلاعبون بالناس ، لديه عمق سحيق في البحث عن المعرفة ، من لم يقرأه بمثل هذا العمق سيلصق به تلك التهمة ...
محسن خالد الذي اعرفه ، يدرك بنفس قدر عمقه في بحثه أن أي تلاعب بالناس حتى ولو كان في مصلحتهم هو أمر لا إنساني ، أن نفكر بالنيابة عنهم وأن تحررهم من مسؤولياتهم والتزاماتهم هو أيضا لا إنساني .. لأننا في كلا الحالتين نصادر حرياتهم ، إذن الحرية هي المبدأ وهي من مهام الدين والفن والفلسفة جميعها تقوم بتوجيه نظر الإنسان إلى التساؤلات والألغاز والأسرار ، وقد يؤدي هذا إلى معرفة ما ، ولكن في أغلب الأحيان يؤدي إلى وعي بجهلنا ، أو إلى تحويل جهلنا الذي لا نشعر به إلى جهل نعرف أنه جهل . هذه المعرفة التي نتحدث عنها يخال لي أن صديقي محسن خالد لمسها في التجربة ، نعم هي تجربة ليست للعامة .. ولم يكن الصديق محسن خالد الذي عرفته عن قرب في مدينة أبو ظبي إلا ذلك الصوفي التي تتجلى عبارات الشاعر المتصوف الفيتو ري في قصيدته ياقوت العرش في المقاطع التالية : دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء والغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء! بالعودة إلى التجربة وما حدث لمحسن خالد وبالرجوع إلى تاريخ الإنسانية من اللحظة التي أنزل فيها أبونا آدم من الجنة إلى الأرض لم يتخلص من الحرية ولم يهرب إلى المأساة ، فهو لا يستطيع أن يكون بريئًا كالحيوان أو الملاك ، إنما كان عليه في أن يختار في أن يكون خيّرًا أو شريرًا ، باختصار أن يكون إنسانًا ، هذه القدرة على الاختيار بصرف النظر عن النتيجة ، هي أعلى شكل من أشكال الوجود الممكن في هذا الكون . التجربة الباطنية أو رحلة التجربة التي يتم فيها اختيار الخاصة تجعل من خائض التجربة في ذاته شكل من إشكال الوجود الممكن في هذا الكون .. هنا وهناك ..
هذا الفهم يعرفه الصديق محسن خالد ن وأهل الخاصة من المجربين وأهل العلم ، لا بد أن يكون وجود عالم آخر ممكنا ، فنحن لا نستطيع أن نعتبر الأبطال المأساويين منهزمين ، بل منتصرين. ولكن منتصرين أين؟ في أي عالم هم منتصرون؟ أولئك الذين فقدوا أمنهم وحريتهم - بل حياتهم - بأي معنى هم المنتصرون؟ من الواضح أنهم ليسوا منتصرين في هذا العالم. إن حياة هؤلاء الأبطال وتضحياتهم بصفة خاصة تغرينا أن نسأل دائما السؤال نفسه: هل للوجود الإنساني معنى آخر؟ معنى مختلف عن هذا المعنى النسبي للوجود؟ أم أن هؤلاء الرجال العظام الشجعان مجرد نماذج فاشلة؟ وهل ينسحب ذلك التساؤل عن الأخلاق كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية لا يمكن تفسيرها تفسيرا عقليا؟ فالسلوك الأخلاقي إما أنه لا معنى له وإما أن له معنى في وجود الله وهذا حديث الخاصة وأهل العلم .. ولكن هيهات للمجتمعات الإسفيرية التي أصبحت قوة مهددة لحرية الإنسانية القدرة على فهم مثل هذا العمق .. أعتقد أن على الخاصة الابتعاد عن مخاطبة العامة بلغة الخاصة كما حدث مع الصديق العزيز محسن خالد فأصبح المستهدف بدون عائق لتأثير هذه القوة الضارية التي لا ضابط لها ، وعليه فإذا كانت الدساتير توضع للحد من سطوة الحكام ، فإن دستوراً جديداً سنحتاج إليه لكبح الخطر الأسفيري الجديد الجامح الذي يهدد بإقامة عبودية فكرية تتجاوز إلى روحية تحطم حرية الإنسان ، فالإنسانية هي التأكيد على الإنسان باعتباره كائناً حراً مسئولاً . ولا شيء يحط من قدر الإنسان أكثر من الإدعاء بعدم مسئوليته . إننا لا نستطيع تفسير الحياة بالوسائل العلمية فقط، لأن الحياة معجزة وظاهرة معاً. والإعجاب والدهشة هما أعظم شكل من أشكال فهمنا للحياة . وأعتقد هذا ما أراد الصديق العزيز محسن خالد أن يعلمه لهؤلاء ، فالأديان جميعها تدعو للتعمق في الله و التسليم والاستسلام له ، والإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه ، فهنيئا لمن خاض تجربة اللحظة الفارقة التي تومض فيها شرارة الوعي الباطني من قوة النفس في مواجهة محن الزمان، من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود ، من حقيقة التسليم لله.. إنه استسلام لله.. ولندرك أن القراءة العميقة في الحضارة تعلم .. و الثقافة تنور. و تحتاج الأولي إلى تعلم, أما الثانية فتحاج إلى تأمل .. فهل كان صديقي العزيز محسن خالد في حالة تأمل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة