|
الدخول الي جنة الفقر
|
هذه خطواتي معكم في جنازة الغنى التي ينطق بها موت الفقراء ببورتسودان مع تحياتي للبورداب. بشير اسماعيل الدخول الى جنة الفقر
حتى الدخول للجنة – الوعد بالغنى والنعيم المقيم - يستعصي مع مثل هذا الفقر غير المعقول .. فبعض الفقر ممكن, من منا لم يعش الفقر عيشة يومية ساخنة ولسنوات عددا؟ كان ففرا فيه بعض المعقولية .. وقيل شيئا من الأيجابية, فقد كان بعض دوافعنا للتضامن, وتجاوز دائرة الضيق في شخصية الفرد الى أفاق وفضاءات ورحابات هي احدى مجامرنا للنقاء والتواصل الحميم الذي لا نزال نعيش عليه ذاكرة تاخذ بيد الفك الأسفل الى ابتسامة تكبر وتتباهى وتزيد اتساعا برغم واقع الغربة والأحزان التي لا تبرح, لا أزال اذكر محمد عبد الرحمن " شقل" الذي كان يسالك مثل امك الحنينة ان كنت اكلت؟ او كيف ستصل الى الحلفاية؟ ويخرت جيبه ليعطيك أخر ما يملك ويذهب وهو راض " اباطه والنجم".
الفقر ليس الفقر ... والغنى ليس هو, انما هو السياق الذي يتوضع ضمنه, فقد كان اهل الصفة فقراء .. ولا يزال زهاد الصوفية بالسودان وطلاب العلم يسمون ب"الفقرا" وهي كلمة تعود بالأصل للفقر, اي فقر هذا الذي يزهق الأرواح مثل البنادق .. اذن فهو البندق. الفقر في زمان هذا الأنقلاب المسمى – ياللسخرية – بالأنقاذ هو جريمة جزاؤها الموت .. هو مظاهرة تشوه التوجه ومشروع الأستقرار الذي وهبته لنا السماء ونحن بعد غافلون.
انه بعض ثمن – مغتصب – لفاتورة التخمة والأكتظاظ و اللظلظة, هو مقدم – ومؤخر – مدفوع لفاتورة الظلم الأجتماعي المحاط بهالات التقديس الألهي ودوائر السيطرة الممركزة, الظلم الذي حول البلاد والعباد لمقاطعات تخص " كيزان الدين" الأنتقائية المرجعية المواتية للتبرير, والتبرير فقط, اذ تغترف من الدين ما يصلح لملء الجيوب وشقها بالأنتفاخ, لا بالحرقة والندب على غرار الجاهلية الأولى, بل بجاهلية كيزانية لا تنتهي – او ترعوي – عن توظيف العلم لخدمة الجهل والقمع ومزيد من الأفقار تحت تبرير " من اعرض عن ذكري فله معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى" طبعا بعد انتحالهم شخصية الأله وحسب تعريفهم الخاص لمن اعرض عن الذكر. فمن هو الأعمى؟ لعلهم يظنون ان يلجوا الجنة اغنياء واذا حدث وان كدر عليهم صفوهم فيها فقراء فحتما سيكونون هم مشردي الجنة حسب التراتبية الأجتماعية التي ينشدون.
الفقر قضية طويلة وشائكة وكثيرة التلافيف والعقد, لذا ليس من الحزم تناولها في مثل هذا العاجل, كما ان معالجتها لا ولن تكون على ايدي هؤلاء الذين ينتظرون – بفارغ الصبر – الفراغ من عزاء ذوي شهداء الفقر كي يمتعوا الأنظار بالمباني الجديدة للحكومة الأقليمية! " هذه قصورهم وهذه قبورهم" ... لمن هذه المباني؟ .. لمن هذه الحكومة؟ للموتى الذين فاتوا ام للموتى الأحياء بغرفة الأنتظار؟ حتما ساكون مخطئا اذا سالت ما اذا كان من الواجب اعانة هؤلاء الفقراء – حتى الموت – بثمن بناء تلك الأرماس الحكومية الفاخرة وعتقهم من معادلات اليد العليا واليد السفلى؟ اظن هؤلاء الحكام يحسبون انهم قد اسهموا في تطوير الأغنية السودانية - على طريقة نمارق- فبدلوا " دايرين نشوف كل الغبش واقفين صفوف" بالقول " دايرين نشوف كل الغبش ميتين كفوف" ما هذا اللطم الخبت " والكفيت" اما يكفي؟ ويا بشرانا ببدء تصدير البترول فقد صرنا دولة نفطية على طريقة " الري النفطي" – اي بالقطارة - فيما يمكن ان تقول الجغرافيا في اعادة تعريف - واردة - من اجل التاصيل.
ايها البورداب الأعزاء ... تعالوا نتناول الفقر – والذي لم يعد مجرد ظاهرة – في السودان بشئ من التحليل المتعمق ونشوف طريقة علمية لحله في سودان المستقبل, ونترك التباكي من قبيل ما فعلت انا في الأسطر الأنفة ..... هذه دعوة
بشير اسماعيل
|
|
|
|
|
|