ماذا يحدث حين لا يستطيع الإنسان أن يحقق ولو انتصارا صغيرا في حياته؟ السؤال الذي كان يؤرق آ ميلر

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 02:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عوض الله أحمد الطيب(Elawad Eltayeb)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-20-2005, 00:40 AM

Elawad Eltayeb
<aElawad Eltayeb
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 5319

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ماذا يحدث حين لا يستطيع الإنسان أن يحقق ولو انتصارا صغيرا في حياته؟ السؤال الذي كان يؤرق آ ميلر

    ماذا يحدث حين لا يستطيع الإنسان أن يحقق ولو انتصارا صغيرا في حياته؟
    السؤال الذي كان يؤرق آرثر ميللر؛

    مات آرثر ميللر محاطا فقط بثلاثة أشخاص، شقيقته الممثلة جوان كوبيلاند، وابنته المخرجة السينمائية ربيكا، زوجة الممثل دانيال داي لويس، والرسامة أجنيس بارلي. ربما سيتذكره البعض بصورة زواجه الدراماتيكي غير الموفق من مارلين مونرو، تلك الزيجة التي أطلقوا عليها حينها «اتحاد الجسد والفكر». وربما سيتذكر البعض الآخر، ذلك الليبرالي الراسخ الوفي الذي لم يش بأحد من أصدقائه في عهد المكارثية.

    أما الذي سيرسخ ذكراه إلى الأبد، فهو نصوصه المسرحية، هذا الإرث الثمين الذي أسس له موقعا مهيبا كأعظم درامي في القرن العشرين.

    ولعل أشهر أيقوناته تلك هي «كلهم أبنائي»1947، و«موت بائع متجول» 1949، الحائزة على جائزة بولتيزر، و«البوتقة» 1954، و«مشهد من فوق الجسر» 1955 .

    إن معظم شخصيات ميللر ترفض أنصاف الحلول وتسعى لأن تمنح اسمها «سمعتها» صدى وتأثيرا كبيرين، ضمن سياق الحلم الأميركي، حتى وإن كان ذلك من شأنه أن يخلخل عالمها الأخلاقي والروحي، أو يتأسس على حساب الآخر. وحين تتصادم صورتا الحلم والواقع، تستيقظ تلك الشخصيات من «وهمها» الأميركي، متجهة نحو مسارات الموت، خيارا أفضل ورد فعل وحيد لتلك الخيبة.

    المليونير جو كيلر، بطل «كلهم أبنائي»، صاحب مصنع قطع غيار الطائرات، يبيع قطعاً معطوبة لجناح الطيران الأميركي، يترتب عليها موت الكثير من الطيارين، ومن ضمنهم ولده الأكبر لاري.
    وحين ُتكتشف الفضيحة، يصعد كيلر إلى غرفته ويطلق الرصاص على نفسه.
    إن خطيئة كيلر هي ليست في محاولته أن يضع عائلته في مرتبة عليا في الهرم الاجتماعي، بل في سعيه لتبرئة نفسه من المعصية التي ارتكبها، ومن العناد الذي لا يقاوم في رفضه رؤية العلاقة التي تربط بين ذاته وأعماله، هذا الفصام الذي لا يلتحم. كذلك هو حال ويلي لومان، البائع المتجول الفقير بطل «موت بائع متجول» فهو الآخر كان قد خدعته لعبة صعود السلالم، والذي أصبح ضحية للنظام الهرمي، إثر كشفه حقيقة وعيه الزائف وجوهر ذلك النظام الاقتصادي الذي ضمن، كذباً، النجاح في صعود تلك السلالم.

    إلا ان لومان، ورغم إخفاقه المأساوي، يظل يكافح بعناد، لكن كفاحه ينقلب في الآخر ضده، عندذاك يلجأ إلى الانتحار، ليؤمّن لولده الأكبر الحصول على مبلغ التأمين على حياته وإنقاذ مشروعه التجاري.

    ميللر يضع الضحية لومان والخائن كيلر كنقيضين متقابلين، ليجعل من هذا التناقض مفتاحاً لحل مغاليق آلية الميدان التجاري والصناعي في النظام الرأسمالي. ومع ذلك، ثمة شيء أعمق من ذلك، إنها الروابط الأجتماعية والانسانية تلك التي أسست على قاعدة من الوعي زائف وخداع للنفس. إن الكارثتين اللتين حلتا بجو كيلر هما موت ولده في الحرب وسقوط اسمه في هاوية الفضيحة. أما الحرب وصفقة الغيار المعطوب، فما هي سوى خلفية باهتة إزاء أوجاع النفس.
    أما لومان، فإن سقوطه يكمن في زيف الصورة التي رسمها لنفسه، وإيمانه الأعمى بأوهامه الذاتية. كيلر ولومان، هما ضحيتان برضاهما، رجلان تعلقا بوهم خلقه مجتمعهما، وصوّره لهما على أنه يقين .

    ولدت «البوتقة» في مناخ هستيري أحكمت فيه المكارثية قبضتها الحديدية على عقول أعظم المفكرين والمبدعين الأميركيين، ما دعى ميللر إلى استعارة حكاية ساحرات ساليم تلك التي تتحدث عن المجاعة التي فتكت بأهالي تلك القرية عام 1692، ودفعتهم إلى التمرد ضد السلطة الممثلة بالكنيسة التي أرجعت السبب إلى فعل الشيطان وأعمال السحرة، وادعت أن الوسيلة الوحيدة لوقفها هو محاكمة أولئك السحرة وإبادتهم. لم يستطع ميللر أن يزوغ من عين الرقيب، فقد أدركوا أن محاكمات ساليم ما هي إلا وجه آخر أو مجاز لتلك المحاكم التي أقامتها المكارثية آنذاك في الخمسينات.

    أما «مشهد من فوق الجسر»، فقد كتبت هي الأخرى في ظل المكارثية، بهاجس سياسي وأخلاقي، في ظروف إرهابية غاية في الوحشية، حيث تزامنت مع انهيار شخصيات ثقافية مرموقة أمثال هاورد فاست وريتشارد رايت وجون شتاينبك وأخيرا المخرج السينمائي إيليا كازان الذي وشى بصديقه ميللر نفسه في حضوره واياه اجتماعا للحزب الشيوعي الأميركي. تلك الوشايات التي انتشرت بشكل واسع وسط الناس العاديين وطالت جميع العناصر الديموقراطية واليسارية آنذاك، والتي اعتبرها ميللر خيانة كبرى لا تختلف عن جرائم المكارثية نفسها. إيدي كاربون، بطل المسرحية، يمثل هنا أنموذجا مصغرا لأولئك الوشاة، أما البيئة التي اختارها الكاتب هذه المرة فهي بيئة المهاجرين الإيطاليين على ساحل بروكلين، حيث كاربون، هو الآخر موهوم برؤاه الكاذبة عن نفسه، في أنه مخلص وشريف، لكنه لا يتردد مطلقا في أن يشي بأحد أبناء جلدته من المهاجرين إلى سلطات الهجرة، لدخوله الساحل بشكل غير قانوني بسبب غيرته وحسده من ذلك المهاجر. كاربون يموت أيضاً، لكن هذه المرة على يد ضحيته.

    الواقع، ان ثمة موضوعاً واحداً يكاد يجمع هذه المسرحيات الأربع، وهو أن المجتمع عبارة عن آلة تصنع لنا صورا وهمية، ومصدرا يمدنا بالخرافات والتحاملات، تلك التي تقدم لنا، في معظم الأحيان، الوجوه الكاذبة والقيم الزائفة التي يحملها إنساننا المعاصر.

    واقعية المجاز أم مجازية الواقع

    لجأ ميللر في خريف عمره إلى التعامل ليس مع ما استخف به يوماً وأسماه بـ «واقعية الرصيف»، بل واقعية من نوع آخر، واقعية مشبعة بالمجازات والدلالات العميقة، ومسرحياته الثلاث الأخيرة «مصرع مورغان» و«اليانكي الأخير» و«الزجاج المحطم» هي نموذج ساطع لهذه الواقعية. فيها يعود إلى نمط كتاباته المبكرة تلك الموسومة بـ «المسرحيات العائلية»، التي نسجت حبكاتها من الزيجات المحبطة بين أناس انطفأت في أعماقهم جذوة الحب، أناس ظنوا مرة أنهم يشاركون بعضهم البعض نوعا من القربى في زيجاتهم تلك.

    «اليانكي الأخير» تتناول حياة زيجتين تقعان تحت وطأة حالة من التوتر والقطيعة سببها عدم تكافؤ الاحتياجات واختلاف الأهداف. باتريسا وكارين زوجتان تقيمان في مستشفى للأمراض العقلية، وتعانيان من مرض الاكتئاب. الأولى لا تستطيع التوفيق بين طموحات نشأتها الثرية، وبين حياة زوجها اليانكي المدقعة. أما العجوز كارين فسبب اكتئابها أنها لاتستطيع العيش في عالم زوجها الغارق بالمال والنجاحات التجارية.

    ميللر يسلط الضوء هنا على تمزق الروابط الأسرية كنتيجة للعلاقات الأقتصادية الجديدة، إلا أنه لا يغلق الكوى جميعها، فتراه يسرب شعاعاته هنا وهناك في نسيج الدراما، ويقترح إشاعة روح التسامح المشترك بين ذوي القربى، لأنهم بأمس الحاجة إليه، لكن التسامح ما يفتأ ينجدل بغرائز أخرى مثل تسويغ الذات، حمايتها، أو الحفاظ عليها. فبياتريسا مثلاً، تسعى أن تنتزع من زوجها اعترافاً واحداً، بأنه رجل فاشل وإن قيم اليانكي لم تعد تتماشى ومتطلبات العصر. أما العجوز كارين فمحنتها أنها لم تستطع الإنجاب، ولا تستمتع بعالم المال لأنه يسحق روحها، لذا فهي تركن إلى الإنزواء والوحدة، ولا تغادر المنزل خوفاً من الزنوج، كما تدعي.

    انها شخصيات تعاني من العجز وخيبات الأمل، شخصيات تملكتها الريبة في أنها خُدعت، أو ربما لأنها تعاني من الشعور الدائم بالإثم في أنها أسهمت في حبكة تلك الخديعة.

    أما «الزجاج المحطم»، وهي مسرحيته الأخيرة، فقد استلهم ميللر فكرتها من حادثة كانت محفوظة في ذاكرته منذ ما يقرب الخمسين عاماً، تحكي قصة إمرأة فقدت قدرتها فجأة على السير. المثير في الحكاية، هو أن الأطباء جميعاً لم يعثروا على علة عضوية لشللها، واعتذروا عن إعطائها العلاج المناسب.

    هذه الحادثة شغلت الكاتب لفترة طويلة، حالماً بصياغتها في إطار درامي، إلا أنه «لم يعثر على الطريقة في معالجتها»، حسب قوله، لأن ثمة فجوة كان من الصعب ملؤها! لكن، في تأمله المتواصل للحكاية، اكتشف ميللر وعبر أحد السيكولوجيين، أن زوج تلك المرأة كان يرتدي السواد على الدوام، كما لو أنه في حالة حداد دائم على حياته!

    صورة الزوجة المشلولة، وصورة الزوج المرتدي السواد، امتزجتا فجأة وبعد نصف قرن في رأس ميللر وتدفقتا في إطار واحد، أولاً بعنوان مبكر هو «رجل في ثوب الحداد»، ومن بعد «الزجاج المحطم».

    في هذه المسرحية، ثمة ترميز واضح لأميركا التي تعاني من خلل روحي عميق، وليس من أزمة أقتصادية. أما هذا الشلل الذي ينتشر في جسد هذه القارة، فسببه عقم الروح وموت الحب، والزجاج المحطم هو مجاز لهذا المجتمع الهش السريع الكسر. إن محنة أبطال ميللر تكمن في إحساسهم بأن ثمة خطأ ما، ثمة شيئا مفقودا، في فشلهم في العثور على أثر ما للمعنى، عدم قدرتهم في العثور على مفتاح يحل مغاليق معاناتهم الشخصية، وأخيرا عجزهم الكامل عن تفسير المغزى العميق لتلك الحصارات النفسية والإحباطات، وفشلهم في حل لغز تلك الخديعة.
    حين يصبح الزوجان غريبين عن بعضهما البعض، فهذا الخلل يعكس الصدع الأكبر لميكانيزم المجتمع بأكمله، وهذا بالضبط ما عناه ميللر بـ «القلق العام والعصاب الخاص»!

    إلا أنه، وهو يرصد نمو ذلك الخلل، يسعى في الوقت ذاته إلى البحث عن سبل لعلاجه، منيطا بالمسؤولية للفرد في أن يمارس دوره من دون أستسلام أو يأس، إذعان أو طاعة.

    انطلقت مسرحيات ميللر دائماً من سؤال بسيط: ماذا يحدث حين لا يستطيع الأنسان أن يحقق ولو انتصارا صغيرا في حياته؟ وكاتب مثله يعتقد أننا لسنا بمراقبين مسلوبي الإرادة إزاء مايحدث لنا وما يحدث إزاء التاريخ.

    ثمة من يتخلى عن مسؤوليته، وثمة من يقبل بها، أما الخدعة الكبرى فتكمن في ذلك الإيمان الأعمى بأننا ضعفاء، غير قادرين على التدخل في تحديد مصائرنا الخاصة. هذا «الشلل الأخلاقي والسياسي»، يقول ميللر، هو وحده الذي بإمكانه أن يقوّض العالم.

    نقلا عن جريدة الشرق الأوسط http://aawsat.com/
    الكاتب: علي كامل، [email protected]
    ------------------------------------------------------------------------------------


    ذكريات آرثر ميللر مع عبدة الشيطان في ماساتشوستس..!


    * مات الكاتب المسرحي الأميركي آرثر ميللر منذ أيام قلائل، وقد تميزت أعماله لتجعله دعامة من دعامات المسرح الأميركي المعاصر. كانت له تجارب مثيرة للدهشة، كتب البعض منها وهذه إحداها.
    ومن عجب والبشرية تجتاز مرحلة حضارية علمية متطورة، خاصة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وحتى ما هي عليه الآن ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين، من عجب أن تتناقل وسائل الإعلام أحداثاً لا تكاد تصدق بسبب غرابتها.. أحداثاً مريبة عن السحر والسحرة، وأفاعيل الشيطان، وتلامذته في بقاع كثيرة من الأرض!!
    والأعجب أن ذلك يأتي من أكثر مناطق العالم تحضراً وعلمانية، وإيماناً بالواقع الملموس بعد أن تراجع الإيمان بالغيبيات عندهم. ولنقف في حكايتنا هذه أمام معلمين مهمين:
    الأول: ولاية (ماساتشوستس) الأميركية.
    والثاني: هو الكاتب الشهير آرثر ميللر.

    * ماساتشوستس:

    * ما أكثر ذكريات الأميركيين الأوائل في ماساتشوستس ومدنها وقراها، بل وبراريها وسهولها وجبالها، وأحراشها وغاباتها..
    منذ 1928 والكاتب آرثر ميللر كان يتجول في هذه الأماكن بحثا عن الأصول لكثير من الأساطير، والأحداث الغامضة التي لم يتمكن أحد من إيجاد تفسير لها حتى الآن.
    وقد كتب ميللر مسرحية بعنوان: (سحرة مدينة سالم)، وعندما سُئل عما كان هو نفسه يؤمن بالأساطير الكثيرة.. والتي تحرى عنها وخاض بنفسه تجاربها في كل المدن والقرى الواقعة على شواطئ المحيط الأطلسي، كتب تجربته قائلاً:
    «إنني كنت أريد أن أضع يدي على التبريرات الواقعية لتلك الظواهر الغامضة وغير الطبيعية.. لقد كانوا يمارسون السحر».
    ولكن الأدلة الأكثر واقعية التي اكتشفها، وهي أن هناك هيمنة لممارسات شيطانية تكاد تجتاح منطقة الغابات وقرى الساحل في داخل ولاية ماساتشوستس وتحديداً في المنطقة المسماة: (الأنهار الثلاثة).
    * والوقوف على ما كتبه آرثر ميللر عن تجربته الخاصة، يضع قارئها في متاهات لا أول لها ولا آخر، لما احتوت عليه من أسرار وألغاز لا زالت مبهمة وغامضة حتى الآن..!
    خواطر آرثر ميللر!!
    كتب ميللر يقول:
    «أجلس فوق ربوة عالية..
    وحدي.. تحتي واد فسيح.. ملتقى ثلاثة أنهار.. السماء زرقاء صافية.. ولكني أشعر أنني انتزعت من عالمي الحقيقي الواقعي انتزاعا.. كل ما حدث يراود عقلي وخيالي، كأنه حلم.. لا يمكن أن يتشكل في عالمنا الحديث.. عالم الطائرات.. والغواصات.. ووسائل الاتصال.. والإعلام المتطور!!..
    أيمكن أن يحدث ذلك حقاً في عالم يرفض في إصرار وغضب أحياناً تصديق ما سوف أحكي؟!!
    * إنني محاط بأصوات مواء قطط..!! عقلي ينكر أنني سمعت ذلك المواء في جوف الريح.. ولكنني لا أستطيع أن أصم أذني حتى هذه اللحظة عن ذلك المواء..
    إني لا أسمع ذلك المواء فقط بين عويل الريح!!.. بل أحسه يتسلل إلى كياني من كل مكان..
    * أذكر كحلم مهزوز، يوم خرجت من بيتي في هوليوود، وليس معي إلا حقيبة ثياب وحقيبة أوراق صغيرة تحوي بعض الكراسات التي اعتدت أن أدون فيها ملاحظاتي وأفكاري.. وكنت أنوي أن أقضي إجازة في منطقة منعزلة في وسط ريف ماساتشوستس.
    * ركبت قطاراً متجهاً إلى سبرينجفيلد، وفي ذهني فندق معين اعتدت ان ألجأ إليه طلباً للخلوة والعزلة والتأمل.
    ***
    * وبدأت الملامح الأولى للخيوط التي تشابكت فيما بعد عند آرثر ميللر وهو في المقصورة التي جلس فيها في القطار، حيث كان يشاركه شاب وشابة يترامقان في حب، وقد تشابكت أيديهما، ونظراتهما أيضاً.. وبجانبهما على المقعد الثالث رجل أشيب ينظر إليهما في ضيق!!.
    ومرت فترة زمنية على ميللر أثناء سير القطار، تصور خلالها أن قطة صغيرة ملساء الشعر، تحتك به!! وهو جالس على كرسيه!!
    فنظر حوله، فلم يجد أثراً لتلك القطة، لكنه كان يسمع مواء..!
    وإذا بالعجوز الذي يجاوره يعلق:
    ـ يبدو أن البقاء في هذه المقصورة أصبح غير مستحب!!
    فيستفسر آرثر ميللر منه عن السبب، فيجيبه العجوز بعصبية:
    ـ يجدر بي أن أترك المقصورة فورا!!
    ـ لماذا؟!.. بسبب مواء القطة التي لا نراها؟!
    ـ (كأنما يحادث نفسه) ـ مواء قطة؟!!.. ما معنى هذا؟!!.
    ألا ترى هذين الشابين ماذا يفعلان، ثم تقول لي مواء قطة!!.. يبدو أنك أكثرت من الشراب!!
    ـ تعني أنك لم تسمع مواء قطة؟!
    ـ يبدو أنني في مقصورة مليئة بالغرائب!!
    ويخرج العجوز من المقصورة وهو يردد كلمات تعبر عن تبرمه!!
    * ويبقى ميللر يعاني من شدة صوت مواء القط الذي أصبح يحاصره، حتى أنه لم يعد يسمع شيئاً سواه!!
    وعندما وقف القطار في محطة قرية صغيرة، نظر من النافذة فقرأ لافتة كتب عليها اسم المدينة (بولدزفيل)، وواضح أن جمال الطبيعة فيها خلاب، مما شجعه على تغيير اتجاهه والنزول فيها، فهو يبحث عن الهدوء!!
    وما أن سار لبضع دقائق، حتى وقع بصره على فندق أنيق صغير، فاتجه إليه، حيث رحبت به صاحبة الفندق التي تقف في بهو الاستقبال.. واختارت له غرفة تطل على البحيرة من جهة، وعلى الغابة من الجهة الأخرى..
    وأصابته الدهشة عندما قالت له صاحبة الفندق:
    * إنني أعرف ما يريد النزلاء الأغراب، خاصة إذا كانوا من الفنانين والكتاب، فأنا اخترت لك غرفة رقم (5) التي ستشعر فيها تماماً كأنك في بيتك وبلدتك، وبالمناسبة، النظام هنا هو النوم المبكر، لأنه كما تعلم أكثر العادات فائدة وصحة للجسد.. فأهلاً بك في بيتك..

    * حوادث مريبة

    كتب ميللر ـ فيما بعد ـ:
    «.. وفي غرفتي.. جلست كالذاهل، أحسست فجأة أنني إنسان انسلخ من ماضيه.. من أنا؟!.. من أين جئت؟!.. ولماذا نزلت في هذه القرية؟!.. بل.. بل.. حاولت جهدي أن أذكر اسمي، وخيل إليّ أنني فقدت حافظة أوراقي في القطار.. ثم.. ثم.. هذه السيدة، صاحبة الفندق؟!.. لماذا كانت تنظر إلي هكذا؟!.. يا إلهي.. إنها حتى لم تطلب أوراقي للتأكد من شخصيتي!!.. كأنها تعرفني منذ زمن طويل.. كأنها تعرف كل شيء عني..
    وبينما كانت هذه الأفكار تحيط بي من كل جانب، حتى خارت قواي، فنمت نوماً عميقاً وطويلاً..
    في اليوم التالي.. خرجت إلى سوق القرية، لأشتري أقلاماً وورقاً، لاحظت أن البائع يبيعني بطريقة آلية.. فهذا الرجل يستوي عنده أن يبيع أو لا يبيع!!
    ثم خيل اليّ انه ينظر اليّ نظرات مختلسة، كأنه يراقبني!!..
    وخرجت الى الشارع مرة اخرى، راودني هذا الشعور العجيب.. بأن كل من أمرّ بهم في القرية يراقبونني!.. لماذا؟.. لا بد أن هناك سرا لهذه الظاهرة!
    وهناك ظاهرة اخرى غريبة لفتت انتباهي، وهي ان جميع اهل هذه القرية، يسيرون في رشاقة اشبه ما تكون برشاقة القطط! بل انهم يشابهون القطط في اشياء كثيرة!!
    كانوا مثلا يفضلون السير في محاذاة الحوائط وليس في وسط الشوارع!!
    وحينما كنت أتناول طعام الافطار، كنت اراقب مديرة الفندق البدينة تجلس الى مكتبها، فخيل اليّ انها اقرب المخلوقات الى قط كبير، جاثم قرب الحائط يتحفز للانقضاض في اي لحظة على فأر اصابه الرعب، فلا يستطيع الفرار.. مستسلما لمصيره!
    *أما مواء القط الذي بدأ يحيط بي منذ ان بدأت اسمعه في مقصورة القطار، فإنه قد اصبح بالنسبة لي امرا عاديا وطبيعيا.. فأجواء القرية وطرقاتها.. توحي بمنطقية مواء قطط، يصدر من هنا او هناك، حتى وان لم أر اية قطة تسير في الطريق..
    ولكنني اخذت اربط بين ما كنت اسمعه في القطار وانا داخل المقصورة، وما اسمعه الآن من مواء في كل مكان اقصده في القرية.

    المجنون:

    كانت الساعة الثالثة بعد الظهر، فاتجهت الى حديقة عامة.. لاحظت ان رجلا كان يتبعني.. كلما التفت اليه اسرع وتوارى خلف الاشجار..
    ولما توغلت داخل الحديقة سمعته ينادي:
    ـ ارجع.. ارجع.. ايها المجنون!!.. اطعني!!.. عد من حيث اتيت!!..
    استدرت ناحيته، وقلت بصوت مرتفع نسبيا:
    ـ اقترب وتحدث اليّ كما يتحدث الرجل الى الرجل، بدلا من لعبة الاستخفاء المقيتة..!.. كأنك.. ويقترب الرجل مني، وكأنه يستحثني لاتمام جملتي التي لم اكملها تأدبا.
    ـ كأنك ماذا؟!.. قلها.. لماذا ترددت؟!
    ـ كأنك طفل يمارس لعبة الاستخفاء!
    ـ كلا.. كلا.. ليس هذا ما اردت ان تقوله!!.. انك منافق!!.. ولكنك ستدفع ثمن نفاقك هذا..!!.. وجبنك ايضا!!..
    *وانطلق الرجل الى ان اختفى من الحديقة.. كان يعدو بسرعة عجيبة، وخفة مذهلة،.. كأنه..!!.. كأنه..!! كأنه ماذا؟!.. لم اجد الصفة المناسبة!
    بعد ان تجولت في مشارف الغابة وراء الفندق، عدت الى غرفتي وقد سيطر على تفكيري مشهد الرجل الذي صادفته في الحديقة..
    وفي اليوم الثاني حرصت على الذهاب الى الحديقة، وقد اخترت نفس الوقت الذي جئت فيه يوم أمس..
    واذا بالرجل يسير ورائي، وعلى بعد أمتار مني.. وكلما التفت اليه كان يختبئ وراء الشجر!!
    حاولت ان اقترب منه، واتحدث اليه.. و.. عندما اقتربت منه صاح بي:
    ـ كلا.. كلا.. لا تقترب مني..!!.. ارجوك..
    ـ حسنا لن اقترب.. هل تجيب عن اسئلتي؟!
    ـ اتمنى ذلك.. لكن ارجوك ان تأخذ بنصيحتي..!!.. وإلا ضاعت منك فرصة؟!!..!
    ـ فرصة؟!.. من انت؟!.. يخيل اليّ اني اعرفك!
    ـ لن اجيب عن هذا السؤال.. سلني عن اي شيء آخر.. واسرع.. اسرع.!!..
    ـ لِمَ تريدني ان اسرع؟!
    ـ لأنها ستأتي الى هنا حتما!!..
    ـ من هي؟!
    ـ (في ذعر).. ستقتلني لو رأتني معك.. (يبكي).. ليتها تقتلني!!.. ليتها تقتلني!!.. ارجوك لا تقترب مني اكثر..!!
    ـ لا تخف.. فلن يأتيك اذى مني..!!
    ـ يا مسكين.. انك لا تملك ان تؤذيني او لا تؤذيني!!.. انصحك ان تأخذ حاجياتك من الفندق، وتغادر القرية.. اتخذ نفس الطريق الذي جئت منه!!
    ـ لماذا تريدني ان اترك القرية؟!!
    ـ الم تفهم بعد؟!.. الم تحس بالخطر؟!!.. استمع لي ايها المسكين.. ان كل لحظة تمر عليك في هذه القرية (ثم يلتفت حوله يمنة ويسرة.. ويصيح).. يا للسموات!!.. ها هي اقبلت.. الم اقل لك؟!.. الم اقل لك..؟!
    ثم عاد ادراجه مهرولا وهو يردد:
    ... ستقتلني!!.. ستقتلني!!.. كما ستقتلك بعدي.. لقد جاءوا بها من اجلك ايها المسكين..!!.. انها خلفك!!..
    وتلفت خلفي حيث اشار الرجل الهارب المذعور، فرأيت: فتاة مقبلة نحوي، تحمل في يدها حقيبة ثياب.. كانت على وجهها الجميل ابتسامة رقيقة..

    * الحسناء:

    * وحينما اقتربت مني فاجأتني بالقول:
    ـ أكان هذا المجنون يضايقك؟!
    ـ كلا..
    ـ هل تقابلت معه مصادفة؟!
    ـ بل أنا الذي كنت أبحث عنه، اذ انه قال لي في أول لقاء لي به أشياء غامضة!!.. اردت ان اسأله عنها.. وعن اشياء اخرى كثيرة.. كثيرة تثير دهشتي في هذه القرية..!!
    ـ مثل ماذا..؟!
    ـ هل انت من اهل هذه القرية يا آنسة؟!
    ـ اجل.. كنت في بلدة مجاورة اقضي بعض المهام مع صديقات لي.. ثم عدت!!..
    والآن قل لي: ما هي الاشياء المثيرة التي اثارت انتباهك، والتي كنت تتوقع ان ذلك الرجل المجنون سيوضحها لك؟!..
    ـ هل في استطاعتك ان تفسري لي بعض تلك الظواهر؟!..
    ـ قاطعتني بخفة ومرح..
    ـ ولماذا تتعب نفسك في التفكير.. من الواضح انك غريب عن قريتنا، وانك جئت الى هنا بحثا عن الهدوء والعزلة.. فلماذا لا تستمتع بإجازتك، من دون ان تشغل نفسك بما لا يجدي..؟!
    ـ انت على حق يا آنسة.. ولكن الرجل الذي فر هاربا فور ان رآك.. قال اشياء عجيبة؟!
    ـ وهل يقول المجانين غير الاشياء العجيبة.. ايها السيد، احسب اننا لو بقينا اكثر في هذه الحديقة، فسيدخل علينا الظلام..
    ـ يا لغبائي.. كيف اترك شابة جميلة رقيقة مثلك، تحمل حقيبتها الثقيلة، وانا اقف من دون ان احملها عنك؟!.. اين بيتك في هذه القرية..؟!
    ـ (بمرح) بيتي؟!! لنقل انه قريب من الفندق الذي تقيم فيه..!!
    ـ وكيف عرفت انني اقيم في فندق؟!
    ـ بديهي يا سيدي.. غريب عن القرية فأين تقيم؟!.. إلا في الفندق الوحيد فيها..؟!
    * وبينما كنا نسير وانا حامل حقيبتها، قلت:
    ـ يخيل اليّ ان الرجل المجنون لم يغادر الحديقة.. كأني اراه يتلصص بين الاشجار.. لقد اصيب بحالة من الرعب فور ان رآك!!
    ـ لا تجعله يفسد عليك اجازتك.. فقريتنا جميلة وستروق لك.. بدون ادنى شك!!
    ـ لكن يخيل اليّ ان اهلها يراقبونني.. اعني ان هذا احساسي.. ايضايقك يا آنسة احساسي هذا..؟!
    ـ كلا.. كلا.. بل يهمني ان اعرف من اين جاءك هذا الاحساس، هل من ان سلوك اهل القرية نحوك يختلف عما الفته في مدينتك!!..
    ـ سأضرب لك بعض الأمثلة: انا كاتب وصحافي ومؤلف مسرحي ايضا.. كنت اشتري بعض الاوراق والادوات المكتبية.. وكان البائع يختلس اليّ النظر من طرف خفي!!..
    ـ ألا ترى يا سيدي ان هذا امر طبيعي في قرية صغيرة كهذه..؟!.. رجل غريب وسيم، فمن الطبيعي ان يثير فضول الناس!!..
    .. سيدي يبدو انك واسع الخيال..
    ـ اذا كنت واسع الخيال حقا.. فماذا تقولين في طريقة السير السريعة الرشيقة التي يمشي بها..!! (فجأة) اهذا معقول؟!!
    ـ ماذا تعني يا سيدي؟!
    ـ اعني ايتها الجميلة ان مشية الناس هنا اشبه بمشية القطط..!!
    ـ انك حقا كاتب واسع الخيال.. والآن اعد لي حقيبتي فقد اقتربت من داري، كان بودي ان يطول حديثنا.. على اية حال، لا تستمع الى ما يقوله ذلك المجنون فيشوش افكارك.. ومن الافضل ألا تحاول انت البحث عنه..!!

    نقلا عن جريدة الشرق الأوسط http://aawsat.com/
    20/2/2005م
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de