|
أدب التغافل
|
وصلني هذا الموضوع من صديق عزيز عن طريق الإيميل. ورأيت مشاركته معكم: أدب التغافل: الشيخ : هاشم محسن باصرة
لماذا سمي حاتم الأصم بذلك؟
القدوة الرباني أبو عبد الرحمن حاتم بن عنوان بن يوسف البلخي ، الواعظ الناطق له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم ، كان يقال له " لقمان هذه الأمة " .
قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم. انتهى. [ مدارج السالكين ج2ص344 ] .
هذا الأدب الذي وقع من حاتم الأصم يمكن أن نسميه "أدب التغافل" ، وهو من أدب السادة، أما السوقة فلا يعرفون مثل هذا الآداب ، ولذلك تراهم لدنو همتهم يحصون الصغيرة ، ويجعلون من الحبة قبة ، ومن القبة مزاراً ، وهؤلاء وإن أظهروا في الإحصاء على الآخرين فنون متنوعة من ضروب الذكاء والخداع ، ولكنه ذكاء أشبه بإمارات أهل الحمق والترق الذين تستفزهم الصغائر عند غيرهم ، ولا يلقون بالا للكبائر عند أنفسهم،و أمثال هؤلاء لا يكونون من السادة في أقوامهم الذين عناهم الشاعر بقوله: ليس الغبي بسيد في قومه **** لكن سيد قومه المتغابي
قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } [ التحريم:3 ] .
وقال الحسن : "ما استقصى كريم قط قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض " [ تفسير القرطبي ج18 ص188] .
وقال الشاعر :
أحب من الأخوان كل مواتي **** وكل غضيض الطرف عن هفوات
ومن هذه المواقف الجلية في أدب التغافل ، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد. [ تاريخ مدينة دمشق ج:40 ص:401 ] .
ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
فلقد كان في قدرة الأمير أن يأمره بإبعاد نصل سيفه عن قدمه، وليس هنالك من ملامة عليه، أو على الأقل أن يبعد الأمير قدمه عن نصل سيفه، ولكنه أدب التغافل حتى لا يقطع على الرجل حديثه، وبمثل هذه الأخلاق ساد أولئك الرجال.
من كان يرجو أن يسود عشيرة **** فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن إساءة من أساء **** ويحلم عند جهل الصــــاحب
-- إنتهى --
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أدب التغافل (Re: Elawad Eltayeb)
|
الأخ العوض
تحية و سلام
Quote: فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته. |
أهناك أخلاق تعلو على عظمة الأخلاق هذه ؟؟ لا أظن .. ليت حكامنا يقرأون هذا ..
شكرا للإيراد النص
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أدب التغافل (Re: Elawad Eltayeb)
|
الاخ / العوض
لك التحية والشكر علي إشراكنا في موضوع: أدب التغافل ، وهو بالفعل من الآداب الكريمة التي تزين حياة الانسان إذا ما تمّ سلوكها بقدرٍ ووفق أحوال معينة ؛ أي أن يكون التحلِّي بها في الوقت والحال المناسبين دون إفراط ، وإلآ اعقبتها حسرة !
فأدب التغافل ، يقتضي توافر ثلاث معطيات : مانِحَه (المتغافل، وليس بغافل) وممنوحه : وهو المخطئ بفعل مــا ، و الواقعة (محل التغافل) . وفي رأيِّ ، أنّ المُعطي الثالث في تنوّع طبيعته وحالاته المتخالفة ، يُعتبر الاساس الذي ينبني عليه تعريف هذا السلوك ، وتحديد ما إذا كان " أدب تغافل " محمود ، أو كان مجرّد مدارة منهوجة لدى الكثيرين في وسط اجتماعي معيّن ، او هوَ مداجاة -نِفاق اجتماعي - أو ربما يكون : غفلة / هوان /دم بارد / عدم عِبـَّيْر وماهمـّانا! إلخ ......
ولنحاول ان نتباحث في بعض الامثلة التالية :
إذا قام أحد أقربائي/جيراني/معارفي ، بضرب أحد مِمَّن يُعَدُّون أبناء لي ؛ وكنتُ قد لمحت مصادفة هذا الصنيع ، وفي إمكاني التصدِّي المضمون العاقبة ، وأيضافي إمكاني التغافل ؟ أفَيَكون هنا " أدب تغافل" إذا تغافلت ؟ أم أنّ الأمر يتوقّف علي فعالية الضربة ، وما إذا كانت تأديبية في ظاهرها ، إنتقامية في باطنها ؟
إذا تصادف ان مررت علي " حقل زراعي " لأحد النّاس ، ولمحت ،من بعيد، أحدهم من ذوي الشهرة باللّف والدوران والهيَجان والمغالاة في الخصومة ، قد تسبّب في تحوير ري ِّ حقل ذاك المسكين لصالح حقل المتسبّب ذات نفسه ، وكان بإمكاني التغافل عنه ، وايضا بإمكاني ، التصدِّي له ببعض الخوض معه في اللجاجة والمباغضة ، أقلَّه ح يطلِّعني " قِويويل " او ربما حاسد وحاقد و و و .. أهاهنا إن تغافلت ، أيمكنني ان أُبرِّر هذا من باب " أدب التغافل" ؟
إذا كنتُ قريبا من منتدى، مسجد، نادي، فسحة عامة برّة في السّهلة ، وكان " أحد رُسل البعث الحضاري الكيزاني " يلهب آذان المستمعين المساكين بِصِياتٍ نارية في تبخيس الحرية والديمقراطية ويسيئ لكل الشخصيات التاريخية السودانية ممّا يتوهّّمهم خصومه ، ويسئ لكثيرين من بني وطننا ناعتا لهم بالكفر والصليبية وأنهم خوارج! وكان بإمكاناتي المداجاة ، والدخول في حالةٍ ظاهرها السِّتر علي هذا المتقوّل بغير حق ، وجوهرهاالتستـُّر علي نفسي من مشاكله ومشاكل قومه في التعاون/سكّر التموين! /اللجنة الشعبية/تنسيق الدفاع الشعبي/الاتحاد العام للطلآب السودانيين/أمن الولاية!/ الامن الوطني! أو حتى الحسن صاقعة النجم ، شيخ القيفة في كافوري ! والقيفة في المنشية ؛ وأيضا كان في إمكاني الجهر بما أراه أنّه الحقيقة وفضحه وملاواته ، ولكن بثمن ليس ميسورا ولا تُدرى عواقبه ! أفَأكون هاهنا قد سلكت ما اصطلحنا عليه " أدب التغافل " ؟؟
للزاهد ، حاتم الاصم ، أن يتغاضي بالصمم عن سماع " صوت " المرأة ، دون أن يلقِ بالا لنعته بالأصم ! ، وللإعرابي الجسور قتيبة ابن مسلم الباهلي ، أن يتحمّل دخسة سيف ، فَلطالما أعمل السيوف بحقِّ وغير حقِّ في الخرز والترك وأهل سمرقند تحت إمرة الحجّاج بن يوسف . ولِيَقُل الشاعر : ليس الغبي بسيـِّد قومه ، فإنّما أعذب الشعر ، أكذبه .. فهذه كلّها-إن صحّت - من الممكن ان توصف بأنها " أدب تغافل" يُحمد فاعله.. أمّا أمثلتي أعلاه ، وعلي الرغم من أنّ الأفعال الواردة بها ، من المُستساغات " عرفيا في مجتمعنا " ومن المتعارف علي أنّها لا ترقى للجُنحة القانونية فهل من الممكن ان نستصوب فيها " أدب التغافل" ؟
مع الود ،،/
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أدب التغافل (Re: ود الشيخ)
|
شكرا يا أبو جودة على مداخلتك. ولا يهمك فالتكرار يعلم الشطار. وتكرارك تسبب في رفع البوست.
وقصدي من إيراد أدب التغافل التركيز على التقوى ولين الجانب عن قوة وليس ضعفا. وغني عن القول أن المتغافل هنا هو طرف أصيل وليس وكيلا. أي أنه هو المتضرر الأول والأخير (الوحيد) وتنازل بتغافله عن رد الضرر الذي وقع عليه وانتصر لتقواه ولين جانبه.
وأتفق معك في أن ما أوردته لا يقع ضمن أدب التغافل... وأظنه يقع تحت باب (الساكت عن الحق شيطان أخرس).
ودمت.
| |
|
|
|
|
|
|
|