تقع الكوة علي شاطئ النيل الابيض الهادي العريض بالجانب الشرقي وهي تتبع لمحافظة القطينة كآخر مدينة كبيرة علي جنوبيها .
عدد سكانها بالتقريب يناهز 10 الف نسمة حرفة الناس بعض زراعة وشي من وظيفة كبير ، النسيج الاجتماعي يغلب عليه أهل الشمال المهاجرين وبعض أهل الجنوب وبعض قبائل السودان الكبير . كيف كانت الكوة وكيف الآن تبدو: لعل من الغرابة أن تكون الكوة في ماضيها القريب ترفل في ثياب الدعة من خدمات مياه نظيفة وتلفون وصحة وتعليم حيث كانت الامور الحياتية تجري علي اليسر الجميل. لكن أناخ الزمان بكلكله عليها فقلب يسرها لأمر صعيب يشيب راس الفطيم ! .
تعاني المدينة من مرض عضوض: - إنهيار منظومة التعليم. - ظلام يجثم عليها رهيب. - هجرة فردية أثرت على المجموع. - بؤس المشفي الوحيد. - فقر مدقع عربيد! .
لا يمكنني ان أتحدث عن الكوة إن لم أستصحب ماضيها فإن الأمور بأضدادها تستبان ، كانت العملية التعليمية بالكوة أرقي ما يكون وقد سبقت المدينة كثيرا من مدن السودان العريقة ، اول مدرسة ابتدائية بها كانت في العام 1903 فانظر يا صاح للمجد العتيق ، كان من تلاميذ المدرسة التي بنيت من الحجر الرخامي الابيض الصقيل الدكتور التجاني الماحي علم الاعلام النجيب.
عرفت الكوة نور العلم في بحر من الظلمات المحيط ، لكن الان تشكو المدينة من حال مذري عجيب المدرسة العتيقة صارت مجلسا للمدينة تدار منه تصاريف الامور ، من شاكلة هذا وبرا وسكرا وشعير! لا يتركون قطمير.
إنهار التعليم جملة واحدة لا كتاب ولا كرسي ولا معلما نجيب .
لما تصعب الحال وضاق الناس ذرعا بالظروف فكر بعضهم بالخروج الي حيث الخرطوم حيث بعض التطور النسبي في العلاج والتعليم والمعاش ، هجر الناس أشجار الجميز وابدلوه بغابات الأسمنت ماتت الطيور في الأوكار وهمد صوت الكنار . رحلة بائسة صوب المجهول إستطعمها الناس علقما في الحلوق ، أحياء عريقة هجرت ولم يتبقي منها إلا ذكري الماضي الجميل ، أسر عريقة خرجت تسبقها دموع الحنان المقبور .
تلك هي الكوة كعروس جميلة لكنها رثة الثياب غبرة تنظر للمجهول بعين تعبة وذهن شارد ، الذين كانوا سبب شقاءها لن يصيبهم خير ولن يرتاح لهم ضمير حتي يشربوا من ذات الكأس الذي سقوه لها ولسوف ترون .
المشفي ( المستحمر )
كان مستشفي الكوة الذي هو اصلا منحة من الاتحاد السوفيتي سابقا الى مدينة الناصر بالجنوب كما يري بوضوح على كمر الحديد ، لا ادري كيف حط رحله هاهنا، لكن الذي اعلمه ان عهدا زاهرا عاشه هذا المشفي في سنينه الاول عهدا كان به الطبيب والكادر والبيئة النظيفة والمطبخ الوسيع ، لكن الزمان قلب له ظهر المجن فأصبح حاله بئيس .
ألحق بالمستشفي عدد 14 منزلا حكوميا مبني بالطوب الأحمر الجميل والكرتون الصقيل بيوت علي نمط الريف الانجليزي حيث الرحابة والسقف المائل ما أجمله في التصريف حين الخريف . لم تمتد أيادي التعمير للبيوت فشاخت ودرست وتكفل بالتدمير اصحاب اليد الخفيف ! فسرق ليلا الخشب الجميل والكمر الغاني المتين فصفر في حيشانا الريح ! .
فقر مدقع عربيد ! ولما مات مشروع ابوهندي الذي كان يرفد المدينة وجزت غابته التي كانت مرتعا ومتكا أتي المدينة زحف صحراوي رهيب تخال الرمال الناعمة الساحفة سحالي ضالة هربت من غول يطاردها! لا مستقر لها إلا عيون تشابه المها وشعر رعته الطبيعة ووجوه حسنة .
أضحي الحال بئيس فهجر الناس أليس وماتت اجمل مدينة خلدها التاريخ فوا حسرتاه علي الزمن الجميل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فضل الصادق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست