كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (8)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 00:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-03-2012, 10:51 PM

د. عمرو محمد عباس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (8)

    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل على الرابط (1)
    كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1)
    ‎كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (6) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (6)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (7) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل على الرابط (7)

    الفصل الثالث عشر: الدساتير الديمقراطية المؤقتة والعسكرية الدائمة الرائحة

    لا تنتوى هذة الدراسة فى الخوض فى مسائل الفقة الدستورى فلهذة رجال وعلماء اغنوا السودان و غيره من الدول بعلمهم وهو مجال لا ادعى العلم بة سوى القراءة المعمقة لدراسات الفحول من علماءنا و التسيار فى عالم الانترنت عند تحضير هذة الدراسة. الغرض هنا النظر فى كيف ان الدستور والصراع حولة كان تعبيرا صادقا عن الازمة، فمهام ما بعد الاستقلال من المستعمر (نظام الحكم، الهوية الوطنية ، سياسات التطور الاقتصادي وعدالة اقتسام الموارد) ظلت بلا حلول ومن ثم بقيت من المؤثرات على ديمومة الديمقراطية وان كل وجهات النظر والاراء كانت تتحرى اسر خباء الدستور فى بداية الامر ونهايتة. والامر كذلك فان امر الدستور اخطر من ان نتركة فى ايدى القانونين او السياسيين فقط، فالدستور هو منظم حياة كل البشر فى حيز جغرافى محدد ويهم كل فرد فى الوطن.

    فكل انقلاب ياتى تكون اول قراراتة تعليق الدستور واصدار المراسيم الدستورية المؤقتة لحين يشاء لها الهوى ومن ثم منح الشعب الديمقراطية موديل المجلس المركزى او الحزب الاوحد او الحزب الجامع لوضع الدستور الدائم – والدايم اللة- . ثم تصل روح الشعب الحلقوم فيخرج الى الشارع ويسقط النظام العسكرى ويروح الدستور فى الف داهية ثم يتجمع اهل الحل والعقد ويتفقون على تاجيل النظر فى الدستور حتى انتخاب جمعية تاسيسية ويتبنون دستور 1956 الانتقالى تعديل الثورة المعنية (دستور السودان المؤقت المعدل سنة 1964م) (تعديل) 1966م 1968م، دستور السودان الانتقالي لسنة 1405هـ و يشمل التعديل الصادر في عام1985م و دستور جمهورية السودان الصادر في يوليو 2005م ). تنتخب الجمعية التاسيسية و تمضى السنون و الدستور المقترح يتلوى بين اللجان والعقدة الاساسية هل الدستور اسلامى ام لا و يحدث انقلاب اخر. حدث هذا فى لجنة الدستور بعد الاستقلال ثم بعد اكتوبر 1964 ثم بعد االانتفاضة فى 1985م واخيرا بعد نيفاشا فى 2005.

    ذلك رغم الدعاوى الشائهة عن اتصاف السودانيين بالتسامح، او الاختلاف الذى لايفسد للراى قضية و تعايش الاحزاب فى البيت الواحد وكثير من الترهات السائدة سواء فى السودان او عند الجيران. فما فائدة التسامح الذى لايؤدى لتنازلات واتفاقات و ما جدوى التعايش اذا كان بارتايم وفاولات وضرب تحت الحزام ثم تعذيب و قتل وسحل واغتصاب وبيوت اشباح و قصف بالدانات و الطائرات بين الفينة والاخرى. اصدق الامثال اننا نتراوح عبر السنوات من دستور ديمقراطى مؤقت دائم وعسكرى دائم مؤقت يطير مع الريح عند مغادرة العسكر خشبة المسرح وخلع صولجان الحكم.

    الدستور يرجح انها كلمة فارسية الاصل يُقصد بها الاساس او القاعدة، و عند انتقالها الى العربية حافظت على ذات المعنى . وبصورة مبسطة فان الدستور هو ابو القوانين ولا يجوز ان يخالفه اي قانون اخر. ويليه التشريعات (القونين العادية) و تصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) او من مجالس الثورة، ثم (اللوائح ) و هي التي تنظم العمل في مؤسسات الدولة. و يتم وضع الدساتير اما عن طريق منحة من الحاكم لشعبه او التعاقد او بواسطة جمعية تاسيسية منتخبة من الشعب او لجنة معينة من السلطة الحاكمة.

    ونود هنا ان نوضح لبسا ربما يساور بعضنا من ان الدستور يحتم وجود نوع معين من القوانين وهذا غير صحيح. فقد ينص على ان الشريعة الاسلامية مصدر اساسيى للتشريع - كما فى دساتير مصر، قطر، الكويت، الامارات، اليمن، ليبيا، الاردن- وتؤخذ القوانين من مصادر فرنسية او غربية او محلية. اذن القوانين – خاصة الجنائى- هو المدخل الذى كان يدفع بة تيار الدولة الدينية فى العالم الاسلامى وذلك لاجازة قوانين ومن ثم وضع تفسيرها هم للاسلام والذى تراة التفسير الاوحد الصحيح.
    وهذة قائمة بالدساتير وشبهها: (كل الدساتير ترد فى موقع وزارة مجلس الوزراء http://sudan.gov.sd)
    •الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م
    •الاوامر الدستورية - فترة الحكم العسكري 1958 - 1964م
    •دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964م) وتعديل سنة 1966م وتعديل سنة 1968م
    •(وثيقة رقم 1) امر جمهوري رقم 1 الصادر في 5 مايو 1969م
    •الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 م
    •دستور السودان الانتقالي لسنة 1405هـ و يشمل التعديل الصادر في عام1985م
    •المرسوم الدستوري الخامس ( المجلس الوطني الانتقالي ) لسنة 1991م
    •دستور جمهورية السودان 1998
    •دستور جمهورية السودان يوليو 2005م

    طرحت المذكرة التي قدمها الخريجون للحاكم العام البريطاني عام 1942م اثني عشر مطلبا وكان منها مطلبان يشملان مشاركة السودانيون في تصريف شئون البلاد السياسية بصفة استشارية في بادئ الامر واصدار تصريح مشترك في اقرب فرصة ممكنة من الحكومتين الانجليزية والمصرية يمنح السودان بحدوده الجغرافية حق تقرير مصيره بعد الحرب مباشرة، واحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل حرية التعبير عن ذلك الحق، حرية تامة كما تكفل للسودانيين الحق في تكييف الحقوق الطبيعية مع مصر باتفاق خاص بين الشعبين المصري والسوداني.( فيصل عبد الرحمن علي طه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشان السوداني- دار الامين- القاهرة- 1999م ص 145-146).

    الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م

    بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، فانها قررت اعطاء «المسالة السودانية» الاسبقية بعد مذكرة عاجلة من الحكومة البريطانية تطلب فيها موافقة الحكومة المصرية على الدستور الذي اعدته الادارة البريطانية لمنح حكم ذاتي للسودان بوجود الحاكم العام والادارة البريطانية.. وردت حكومة مصر بضرورة التفاوض للوصول الى اتفاقية ثنائية تلبي تطلعات السودانيين ( فيصل عبد الرحمن علي طه). وفي 12 فبراير 1953م تم توقيع الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان بين الحكومتين المصرية والبريطانية في القاهرة، وبذلك دخل السودانيون مرحلة جديدة، اذ مهدت لانتقال السودان من بلد مستعمر تدير شؤونه ومصيره الحكومة البريطانية الى مرحلة يديره فيها ابناؤه بعد اجراء انتخابات عامة وباشراف دولي لاول برلمان في السودان واختيار حكومة وطنية، ويمتلك السودان حق تقرير مصيره بعد ثلاث سنوات، وهي الفترة الانتقالية، فاما الوحدة او الاتحاد مع مصر او الانفصال او الاستقلال او الانضمام الى مجموعة الكمونولث، ولكن الاهم في اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان انها اكدت على وحدة السودان بحدوده الجغرافية. ( فيصل عبد الرحمن علي طه).

    كون الحاكم العام لجنة من خارج اعضاء الجمعية التشريعية تكونت عضويتها من اغلب الاحزاب السودانية والجنوبيين والمستقلين وفوض لها وضع توصيات لدستور الحكم الذاتي. لم تستطع اللجنة تكملة مهمتها وقد انحلت في جلستها الاخيرة لاختلاف بين اعضائها ولكن توصياتها قد ساعدت الجمعية التشريعية على وضع دستور الحكم الذاتي. وكونت الجمعية لجنة دستور الفترة الانتقالية - الحكم الذاتي -برئاسة القاضى ستانلي بيكر. ومن سخريات القدر ان يكون ذلك الدستور وليدا طبيعيا لمؤسسات قالت عنها الحركة الوطنية السودانية، على لسان الزعيم اسماعيل الازهري، ''لن ندخلها وان جاءت مبراة من كل عيب''.

    استقى روح الدستور من الدساتير الغربية وشكلة ومحتواه من الدستور الهندى وصيغ فى لغة سهلة و مباشرة وذات طابع عام ويتناول مفاهيما اساسية ومبادى عامة، فابو القوانين ليس برنامجا حزبيا، كما سنرى فى معظم الدساتير اللاحقة، وجاء محكم الصياغة ومختصرا ليكون فى متناول الشخص العادى باعتبارة الوثيقة الحقوقية الاهم فى حياته. وهناك اهمية فى صياغة الدستور بشمولية وسهولة واحكام لانها لابد ان تخاطب تطلعات كل فرد فى المجتمع وتحفظ الحق الاعلى لكل طرف وتيار وطيف وتكوين وبنية اجتماعية دون تغول على حقوق الاطراف الاخرى. وكذلك لتحافظ على الديمومة النسبية للدستور، اذ ان هنالك صعوبة فى الاتفاق على الدستور وتعديلها فى النظم الديموقراطية، وتترك التفاصيل والتوضيحات والشروحات للقوانين المختلفة ( التجارى، الجنائى ..الخ) وكذلك للوائح ذات السهولة فى الوضع والقرار والمراجعة.

    نص الدستور على الملامح الاساسية الصالحة لحكم السودان ديمقراطيا: فقد نص على الفصل بين السلطات: استقلال القضاء وجعلة حارسا للدستور، مبدا حكم القانون وتقنين الحريات العامة. الاهم من ذلك انة تفادى ما سيصير الاشكالية التى ستجر الوطن الى الكوارث والدمار، اشكالية مصادر التشريع، وجعلت السلطة التشريعية مصدرا للتشريع. ولم ينص دستور الحكم الثنائي 1953 على طبيعة الدولة لان البلاد كانت لازالت مستعمرة وكذلك لم يعالج قضايا التنوع الثقافى.

    دستور الحكم الثنائي 1953 بعد ادخال التعديلات الملائمة اصبح دستورا للسودان المستقل في 1/1/1956، تم اقرارة فى اجتماع الجمعية التاسيسية وضم الاجتماع ممثلى الاحزاب التقليدية والتى تنهض على تراث دينى عميق فى تاريخها سواء المهدية او الختمية ولكنها لم تجد اى تناقض بين تدينها واشباع الحاجات الروحية فى حياتها او فى مجتمعها، ووضعت فى الفصل الثاني من الدستور تحت بند حرية الدين والراي وحق تاليف الجمعيات: ان يتمتع جميع الاشخاص بحرية الاعتقاد وبالحق في اداء شعائرهم الدينية بحرية بشرط الا يتنافى ذلك مع الاداب او النظام العام او الصحة كما يقتضيها القانون كما لجميع الاشخاص الحق في حرية التعبير عن اراءهم والحق في تاليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون . كما جاء فى الحقوق الاساسية (حق الحرية والمساواة) ان جميع الاشخاص في السودان احرار ومتساوون امام القانون ولا يحرم اي سوداني من حقوقه بسبب المولد او الدين او العنصر او النوع فيما يتعلق بتقلد المناصب العامة او بالاستخدام الخاص او بقبوله في اية وظيفة او حرفة او عمل او مهنة او بمزاولتها . وحكم بة السودان في جميع فترات الحكم الديمقراطى ودستورا للديمقراطية الثانية بعد اكتوبر 1964 (دستور 1956 معدل 1964)، ودستورا للديمقراطية الثالثة بعد مايو. (فدوى محمد الحسن محمد عبده: تاريخ التطورات الدستورية في السودان 1956-1969- عرض فى http://etd.uofk.edu. وقد تعرض ذلك الدستور المؤقت لاتجاهين اساسين ستكون هى القوى الاساسية التى ستشكل الصراع حول الدستور. الاول من اليسار ويتناول
    الشق الاقتصادى الاجتماعى للدستور والثانى يتعلق بالجانب التشريعى للدستور وتتبناة التيارات الاسلامية.

    ومن جانب اخر يقول الشيخ الهدية رحمة اللة: " لقد عملنا قبل الاستقلال مع الاحزاب حتى اذا خرج الاستعمار عهدنا الي احزابنا لتحكّم الشريعة الاسلامية كدستور للبلد، ولكن الاحزاب لم تستجب، وكان من دفوعاتها انها تخاف من عملية التطبيق على اساس ان الجنوب به حوالي ثلاثة ملايين وثني واقلية مسيحية معززة بالتبشير المسيحي، الذي فسح له المستعمر البريطاني المجال. قمنا بالاتفاق مع جماعة الاخوان المسلمين بتكوين "الجبهة الاسلامية للدستور سنة 1956". ولكن لحرص الاحزاب على ابعاد "الدستور الاسلامي" فكروا في تكوين هيئة اسموها "اللجنة القومية للدستور" وعضويتها منتخبة ومختارة من الهيئات والنقابات. وفي اول اجتماع للجنة الدستور - برئاسة القاضي بابكر عوض الله - تقدم العضو احمد خير المحامي باقتراح ان "يكون السودان جمهورية برلمانية" واقترح الممثل للجهة الاسلامية للدستور الاستاذ عمر بخيت العوض العضو ان "يكون السودان جمهورية برلمانية اسلامية. تم عقد الاجتماع الاخير الذي تقرر فيه اللجنة تسمية الجمهورية. فطلب رئيس المجلس من الذين يريدون دستور اسلامي ان يقفوا. فوقف خمسة اعضاء فقط ! ثم طلب من الذين يرفضون الدستور الاسلامي ان يقفوا، فوقف 79 وبذلك سقط تبني الشريعة الاسلامية كاطار حاكم في الدستور، واصبح الحكم في يد الحزبين: الامة والشعب."( مذكرات الشيخ الهدية رحمه الله http://ansar-alsunna.net.

    عندما تسلم عساكر 1958 الحكم من رئيس الوزراء انذاك السيد عبد اللة خليل، كانوا قادة جيش نظامى محترف تربوا لسنوات طويلة على الضبط والربط والاوامر والولاء للحاكم و كان بيانهم الاول هو النموذج الذى ستتنوع منة كافة البيانات الاخرى. ولانهم يعرفون حدودهم ومتصالحين مع النفس اصدروا اوامر دستورية : جمهورية السودان ديمقراطية، السيادة فيها للشعب والمجلس الاعلى للقوات المسلحة هو السلطة التشريعية العليا في السودان و خول لرئيسه جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وقيادة القوات المسلحة السودانية . اما الامر الدستوري رقم (3) لسنة 1958م فقد تم بة تعطيل الدستور المؤقت وحل البرلمان السوداني القائم بموجب احكام الدستور المؤقت للسودان حل جميع الاحزاب السياسية وابطال قيام اي حزب سياسي جديد ولكن تستمر جميع القوانين المعمول بها قبل تعطيل الدستور المؤقت للسودان معمولا بها ما لم تلغ او تعدل بواسطة اية سلطة مختصة .

    بالرحيل العاجل للمغفور لة الامام الصديق المهدى ادى الخطاب المحافظ للامام الهادى المهدى الذى استدعى خطابا اكثر محافظة ومزايدة من الحزب الاتحادى واعطى تيار الدولة الدينية المبررات بدفع قضية الدستور الاسلامى الى صدارة اولويات البرنامج السياسى للدولة. هذا الاتجاة ادى فى نهاية المطاف فى ثمانينات القرن الماضى الى توحيد زعامتا الحزب والطائفة (فى الحزبين) فى زعيم الطائفة. ورغم المميزات النوعية والشخصية التى يتمتع بها الزعيمين الحاليين للحزبين الليبراليين، ورغم ان هناك فروقا فى الممارسة، اذ تمارس اجهزة حزب الامة مؤتمراتها، وانتخابات لجانها واجتماعاتها الدورية وتتعطل جميع اجهزة الاتحادى القيادية، فان دمج قيادة الحزب والطائفة اثر على عمليات صنع القرار داخل الحزبين بشكل حاسم وجعل ممكنات التطور الديمقراطى الداخلى معوقا.

    بدأ من 1964 وعند سقوط النظام العسكرى ستتبنى الانظمة الديمقراطية الدستور الانتقالى لعام 1956 و فى 1985 بعد سقوط نظام المشير نميرى تم تبنى نفس الدستور الانتقالى وجزئيا بعد اتفاقية نيفاشا 2005. ويمكن تفسير هذه الظاهرة ان الثورات والانتفاضات التى تقود لتغيير النظام تقوم بها القوى المدنية المنظمة فى المدن خاصة العواصم وذلك لانها تواجة القوات المسلحة. وفى تلك الفترات يتحلل افراد الشعب من ارتباطاتهم القبلية والطائفية والجهوية ضد عدو مشترك حجر عليهم حقوقهم. وفى هذا الجو المشحون عاطفيا و سياسيا تسيطر التنظيمات ( احزاب، نقابات، منظمات اهلية...الخ) الخفيفة الوزن انتخابيا على الشارع وتقودة. ولانها قوى مدنية ومتعلمة وتعرف حقوقها ومكتسباتها جيدا تعيد البهاء الى دستور 1956 الانتقالى الذى بعموميتة و الحريات فية يمثل افضل المكاسب لديها. هناك جانب اخر فى المسالة يتمثل فى ان الدساتير السودانية منذ 1953 لم يشترك الشعب فى نقاشها، ثانيا ان هذة القوى تاريخيا ليس لديها – والحديث هنا عن مجموع الشعب- ثقافة قانونية كبيرة ولم يبذل اى جهد من قادتها بتعميق مفهوم الدستور وايضا ان التغييرات الكثيرة والمتنوعة - والتى جميعها لم تلامس القضايا الاساسية للوطن - افقدت الدستور المصداقية التى يستحقها.

    ترضخ الاحزاب ثقيلة الوزن الانتخابى، والتى كانت جماهيرها المدنية مشغولة باسقاط النظام وجماهير الارياف التى ترزح تحت مظالم القرون، حتى تعيد ترتيب نفسها لان طبيعة الارتباط بها مختلفة عن القوى المدنية. فغالب بنائها ابنية حديثة مركبة على اساس طائفى، وارتباط جماهيرها بها ايدلوجى وليس تنظيميا كالتكوينات المدنية لذلك تحتاج الى وقت حتى تستعيد زمام المبادرة وتلف جماهيرها حولها وتحول الاساس الايديولوجى الى حركة تنظيمية وبذلك تقلب الطاولة على القوى المدنية وتنتتزع المبأداة خاصة مع الانتخابات النى تجرى سريعا. حدث هذا بالضبط فى اكتوبر 1964 مع جبهة الهيئات.
    وقد تم فى 1964 تبنى الدستور بحذافيرة. كان هذا منطقيا وموضوعيا، فالرجال الذين اجازوا دستور 1956 هم نفس القادة. والقوى الجديدة التى قادت المظاهرات والاضرابات وبرزت بعد اكتوبر وتصدرت الحكم ( اليسار، النقابات وقوى الهامش) كانت تهتم بالشق الاقتصادى الاجتماعى للدستور.

    اما فى ابريل 1985 فقد خاضت جميع الاحزاب معارك النظام لسنوات طويلة وتعلمت من درسها وكانت تتابع حركة الشارع والشعب وتشارك ورغم تفتتها تنظيميا الا انها استفادت من تحالفها مع قوى مدنية عقائدية – الاتجاة الاسلامى – واستطاعت تكوين مجموعاتها التى كانت حكرا على اليسار قبل انقلاب مايو 1969 وسط القوى المدنية واصبحت موجودة فى النقابات والمنظمات المختلفة ولذلك كانت القوى اقرب الى التوازن. ادى هذا للتفكير الاستراتيجى للاحزاب الطائفية فى الانتخابات بعد عام الى تاجيل معركة الدستور . بعد سقوط نظام المشير المغفور لة نميرى اعيد الاعتبار الى دستور 1956 ولكن تم الاحتفاظ بجزء من الدستور الموروث من الحكم العسكرى تحت بند مصادر التشريع - الشريعة الاسلامية والعرف مصدران اساسيان للتشريع والاحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم. ورغم انة كان قد تم دمغ القوانين التى صدرت فى سبتمبر 1983 بالقوانين السيئة السمعة وانها لاتساوى الحبر الذى كتبت بة، الا انه لم تلغ بل جمدت. وكانت الحجة الاساسية ان قوانين مايو ستصفى لاحقا وفى الحقيقة كانت هذة مخارجة لكى لاتضطر احزاب مبنية على الطوائف الدينية ان تخسر المعركة امام تيار الدولة الدينية والذى تعرف جيدا مصادر قوتة وامكانياتة الاقتصادية والحشدية والاختراقية التى بناها طوال عشر سنوات تحت ظل مايو وفى غيابهم جميعا.

    الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 م

    عندما انتهت فصول ما بعد يوليو 1971 كان طبيعيا – فى ظروف الحرب الباردة وضغط حرب الجنوب وتفكيك الناصرية بواسطة الساداتية- ان يتجة النظام سريعا الى اليمين وتؤتى المسالة ثمارها عقب مشاورات سرية وعلنية وبرعاية امبراطور اثيوبيا هيلا سلاسي وفى الثالث من مارس 1972 وقع الرئيس جعفر نميري علي "اتفاقية اديس ابابا " والخاصة بجنوب السودان . اقرت الاتفاقية الحكم الذاتي للاقليم الجنوبي كاقليم واحد مكون من ثلاث ولايات، وبموجب الاتفاقية اقرت دمج قوات حركة الانانيا الجنوبية في صفوف القوات المسلحة السوداني، الامر الذى سيتاخر تنفيذة وعندما جرى تنفيذة قادت للموجة الثالثة من حرب الجنوب وبروز الحركة الشعبية لتحرير السودان . وقد ادت الاتفاقية الى انهاء الحرب وعم الاستقرار في كل الوطن لاول مرة منذ اندلاع التمرد. ولكن الاتفاقية لم تقد الى تغيير جذري في هيكل السياسة السودانية فقد كانت اتفاقية تؤمن لحد ما حقوقا سياسية ديمقراطية فى الجنوب و شمال محروم تماما من هذة الحقوق. وكعادة الديكتاتور العسكرى فى البحث عن الشرعية مع فقدان الشرعية الاخلاقية - سيادة حكم القانون، التزام قواعد الحكم الصالح مثل الاستقامة، الصدق والشفافية - فقد كان التوجة تقنين السلطة الوليدة و تسييجها بالقانون، اى التوجة الى الدستور. وكالعادة ايضا فان الديكتاتور العسكرى يفترض ان النظام الذى انشاة هو دائم وابدى- على الاقل حتى وفاتة.

    عندما تلفت النميرى حولة كان قد التف حولة حواريين امتلات بهم الساحة السودانية، اطراف النخبة السودانية التى تمتطى الاحزاب ذات البناء الطائفى فى سنوات الديمقراطية والالتفاف حول المستبد العادل او الديكتاتور العصرى. توافد على الساحة - مايطلق عليهم بعض الكتاب " افندية السياسة " - كبار رجالات المثقفين والبروفسيرات وحملة الشهادات العليا وتزاحموا على باب السلطان الرئيس القائد. على راس هؤلاء كان ثلاثة من المع واذكى نتاجات النخبة السودانية بعد الاستقلال د. منصور خالد والمغفور لة جعفر محمد علي بخيت والسيد بابكر عوض اللة و عاونهم بدر الدين سليمان وزكى مصطفى وقد شاركهم المغفور لة النذير دفع اللة كرئيس لمجلس الشعب. وسيسيج هؤلاء النظام الجديد بترسانة معمقة من القوانين التى جعلت من النميرى الحاكم المطلق وركزت كل السلطات فى يدية وحرمت كل معارضية من اى نفس. هذة النخبة التى سيصليها د. منصور خالد نارا ذات لهب وقد اختار ان يسحب ظلالة عن بلاط الحاكم و سار فى طرق بعيدة فى سلسة كتبة خاصة النخبة السودانية وادمان الفشل وما بعدها.

    يمكن ان نلاحظ بسهولة اثر الاضطراب الشديد الذى ساد فى تلك السنوات على الدستور فالدولة التى ارادت ان تمضى فى مزايدة الشعارات الاشتراكية التى استند عليها فى انقلابة بداية وتضمنها الدستور فنهلت من دستور الناصرية ومثل القادمون الجدد مركز تاثير، فالجنوب يريد تقنين الاتفاقية فى الدستور. وكان فى بال الحاكم تامين السلطة ووضع كل السلطات تحت قدمية فى لجام محكم. وفى البال ايضا المعارضين الذين يحتمون بالدول التى تدفع نحو الاسلمة و القوى الغربية التى كانت انذاك ترى الاسلام ترياقا ضد خطاب الشيوعية واليسار المستشري فى النطاقين العربى والافريقى.

    لفقهاء ذوى الثقافة الغربية والذين نهلوا من الانظمة الغربية ويودون التعبيرعنها فى هذا الوليد الجديد وتضمين الدستور بعض المفاهيم التى ستقرب النظام اليتيم فى توجههة نحو الغرب فى الانفتاح المرتقب واحلام الرخاء الاقتصادى وقد كانوا فى الانتظار كما نرى فى حديث المغفور لة د. خليل عثمان احد اعمدة الراسمالية السودانية واحد اقطاب السياسة الصناعية السودانية انذاك " "من: السفير، الكويت: الى: وزير الخارجية وبتاريخ: 11-6-: 1969: امس، جاء لزيارتي رجل الاعمال السوداني الذي يعمل هنا، في الكويت، د. خليل عثمان. قال لى انه تحدث مع نميري، زميله في الدراسة. وكسب ثقته، واثر عليه تاثيرا كثيرا. ويريد منه ان يطور السودان بالتعاون مع الغرب، وليس بالتعاون مع الشرق. وقال انه واجه نميري وتسعة من اعضاء مجلس قيادة الثورة. وسالهم في تحدي: لماذا اعترفتم بالمانيا الشرقية؟ ماذا ستقدم لكم دولة شيوعية فقيرة؟ لماذا لا تتعاونون مع اميركا كما يتعاون معها الكويتيون والسعوديون؟ وقال ان نميري طلب منه ان يجرى اتصالات مع البنك الدولي لتمويل مشاريع استثمارية في السودان". كل هذة التيارات كان لها دور فى وضع الدستور الموصوف بالدائم وقد حققت لكل تيار جزءا من مفاهيمة:

    اولا: تركيز السلطة فى يد رئيس الجمهورية: فالنظام جمهورى رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية ويشارك في السلطة التشريعية ويعمل بموجب تفويض مباشر من الشعب عن طريق استفتاء ينظمه القانون. مسئول عن صون الدستور واستقلال الوطن ..... وله في ذلك ان يتخذ الاجراءات وان يصدر من القرارات ما يراه مناسبا وتكون قراراته في هذا االشان ملزمة ونافذة وفق احكامها . دورة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدا من تاريخ اداء القسم ويجوز اعادة انتخاب نفس رئيس الجمهورية لاية دورة او دورات تالية ومتصلة ( اى غير محدودة المرات). وهو يعين رئيس للوزراء كما له حق عزله او قبول استقالته متى ما راى ذلك وكذلك الوزراء. ورئيس الجمهورية هو القائد الاعلى لقوات الشعب المسلحة وقوات الامن وهو الرئيس الاعلى لجميع اجهزة الخدمة العامة ويباشر هذه المهام وفقا للقانون، ويعين ضباط قوات الشعب المسلحة ورؤساء البعثات الدبلوماسية وشاغلي المناصب العليا في الخدمة المدنية و المؤسسات العامة والهيئات وقوات الامن كما له ان يعزلهم وكل ذلك وفقا لما يحدده القانون . ودعوة مجلس الشعب لدورة غير عادية اذا دعت الظروف لذلك وله ان يفض الدورة متى ما تحقق الغرض منها وذلك بالتشاور مع رئيس مجلس الشعب . وكذلك يعين رئيس الجمهورية ويعزل رئيس وقضاة المحكمة العليا وقضاة الاستئناف وقضاة المحاكم الاخرى.

    ثانيا: التنظيم الفرد: " تقوم جمهورية السودان الديمقراطية على اساس تحالف قوى الشعب العاملة المتمثلة في الزراع والعمال والمثقفين والراسماليين الوطنيين والجنود وفق ميثاق العمل الوطني . الاتحاد الاشتراكي السوداني هو التنظيم السياسي الوحيد في جمهورية السودان الديمقراطية.

    ثالثا: ضمن "اتفاقية اديس ابابا "فى الدستور: " يقوم نظام للحكم الذاتي الاقليمي في الاقليم الجنوبي على اساس السودان الموحد وفقا لقانون الحكم الذاتي الاقليمي للمديريات الجنوبية لسنة 1972 والذي يعتبر قانونا اساسيا لا يجوز تعديله الا وفقا للنصوص الواردة فيه"

    رابعا: ضمن بعض افكار الفقهاء ذوى الثقافة الغربية حول الحريات والحقوق والواجبات: " الناس في جمهورية السودان الديمقراطية متساوون امام القضاء والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الاصل او العنصر او الموطن المحلي او الجنس او اللغة او الدين . تكفل للمواطنين حرية الاقامة والتنقل وفق احكام الدستور والقانون . لحياة المواطنين الخاصة حرمة وتكفل الدولة حرية وسرية الرسائل البريدية والبرقية والهاتفية في حدود القانون" . ولكن حوصر هذا بتضمين قانون الاعتقالات "يجوز للسلطة التشريعية بموجب قانون ان تحدد :(ا) الحالات التي يجوز فيها اعتقال اي شخص اعتقالا تحفظيا او تحديد اقامته او منعه من التنقل لاسباب تتعلق بامن الدولة وسلامتها او بالنظام العام او بالاداب او بالصحة العامة او بتوفير الخدمات والمواد الاساسية او بمكافحة التهريب . (ب) مدة او مدد الاعتقال او تحديد الاقامة او المنع من التنقل".

    خامسا: كما تحايل على : " تخضع الدولة لحكم القانون وسيادة القانون اساس الحكم . تكون ولاية القضاء في جمهورية السودان الديمقراطية لهيئة مستقلة تسمى الهيئة القضائية". بمنح رئيس الجمهورية "يعين رئيس الجمهورية ويعزل رئيس وقضاة المحكمة العليا وقضاة الاستئناف وقضاة المحاكم الاخرى على الوجه المبين في الدستور والقانون" .

    سادسا: مصادر التشريع: جاء التشريع فى هذا المجال متراوحا بين القادم الجديد للساحة: الجنوب وبين سحب البساط من الاحزاب الطائفية والتى تتخذ من الاسلام سبيلا للمعارضة فماذا قال الدستور: 1) ساوى بين الشريعة الاسلامية والعرف وجعلهما مصدران رئيسيان للتشريع والاحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم.2) جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لجمهورية السودان الديمقراطية. 3) المساواة فى حقوق الدين" تعامل الدولة معتنقي الديانات واصحاب كريم المعتقدات الروحية دونما تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم في هذا الدستور كمواطنين ولا يحق للدولة فرض اية موانع على المواطنين او مجموعات منهم على اساس العقيدة الدينية . كانت هذة اول مرة ترد فيها الاشارة الى الشريعة كمصدر للتشريع كما ترد فى بعض الدساتير العربية اذ تنص 13 دولة ان الاسلام مصدر التشريع بينما 7 دول تعتبر الاسلام فقط دين الدولة وان دولتها دولة اسلامية بينما لا يشير دستور دولتين بالمرة الى الدين الاسلامي لكن ظلت القوانين السائدة هى قوانين مختلطة. (http://gafsajeune.ahlamontada.com )

    كيف ولد شعار الشريعة الاسلامية والدستور الاسلامى فى السودان

    يمكن ان نقول بلا مبالغة ان تاريخ حياة السودانيين السياسية فيما بعد الاستقلال هو تاريخ صراعهم حول الدستور الاسلامى، ونعنى ان كل القضايا الاساسية التى صنعت التاريخ المعاصر ارتبطت بشكل او باخر بها. وقد تميزت الدعوة الى الشريعة الاسلامية او الدستور الاسلامى فى السودان – كما لاحظ الاستاذ محمد بن المختار الشنقيطي الباحث في مؤسسة قطر للتربية والعلوم والباحث في القضايا الاسلامية بشكل عام مشكلات الحركات الاسلامية في العالم العربي- انة برغم ان الشريعة الاسلامية 90% منها اخلاق وليست قوانين، يعني ليست مجالا يفترض ان تتدخل فيه الدولة بقوة القانون، ولكن الحركات الاسلامية تريد ان تحول كل الاخلاق الى تشريعات. (برنامج قناة الجزيرة في العمق، الاسلام السياسي في العالم العربي- الحركة الاسلامية السياسية في السودان بتاريخ 26/4/2010). كذلك يتوقف يوسف القرضاوى – احد قادة الاخوان المسلمين فى مصر فى الخمسينات - عند الحدود "هذه الحدود هى عشر ايات فلماذا نركز على الايات العشر ونترك ستة الاف وكذا اية؟ " ويرى ان هناك مبررات حتى للتراجع عن الحدود (يوسف القرضاوي فى قناة الجزيرة: الشريعة والحياة: الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر، تاريخ الحلقة: 2/1/2011)

    سوف نتناول قضايا الشريعة الاسلامية والدستور الاسلامى من واقعها العملى كرؤية تطورت والظروف والمحددات الاقتصادية الاجتماعية التى دفعت بها الى الحكم . وعند الاقتراب من مناقشة الدستور الاسلامى نظن انة من الافضل ان نوضح اولا كيف ولد شعار الشريعة الاسلامية و الدستور الاسلامى فى السودان وتاريخ تطورة ولكن من المدخل السياسى، اى كيف تراوحت مواقف الكتل السياسية من الدعوات والتطبيقات المختلفة. وسوف نعرض وجهات نظر ثلاث تيارات اساسية كان لها الباع الاكبر فى هذا الجدال: تيار الدولة الدينية، التيار العلمانى، والاحزاب الاسلامية الليبرالية ولكن داخل كل تيار قد نعرض لاصوات مختلفة جزئيا.

    تيار الدولة الدينية

    يرى الشيخ حسن الترابى فى كتابة الهام الحركة الاسلامية في السودان: التطور .. الكسب .. المنهج فى فصل عهد الظهور الاول (الاعوام 1956م الى 1959م): "وهو عهد ما بعد الاستقلال في السودان، حيث تَمَكَنت نُخبَةُ المتعلمين في مواقع القيادة او الحكم الوطني، وطرحت مسائل تحرير الوطن وتقرير علاقاته، واحتدم الصراع السياسي وشاعت الحريات الديمقراطية. ومع مقدم الاستقلال بدا التخرُّجُ- تخُّرجُ رواد الحركة من الجامعة ليقودوا نصيبًا من حركة الوطن بالاسلام، وحينما باشر الرافد الطلابي الحياة الشعبية كان لابد من ان يَستَوعِب الرافد الشعبي، وكان ما قدمناه من توحيد الحركة الاسلامية تحت لواء التيار الطلابي. واخذ التشكيل الفرعي يمتد في خريطة السودان وانبثّت الشُّعَب حتى غدت الحركة منظومة من محور مركزي وشبكة فرعية ذات ابعاد. وظهرت الدعوة لاول مرة بالصحف وبالخطاب العام ببروز الدعاة القادة في الساحة السياسة الحرة وخوضهم مع الخائضين في القضايا الوطنية. اما القضية الاساسية التي حملتها الدعوة في هذه المرحلة فهي قضية الدستور الاسلامي، وبالطبع لم تكن تلك حملةً دستورية قانونية، بل حملةَ اتصالٍ بالشعب وتذكيرٍ بالنظام الاسلامي وبث للفكر الاسلامي الذي كان متاحًا. واقتضت دواعي هذه الحملة ان تتصل الحركة بعناصر كثيرة من النواب والشعب والساسة، وان تجوب البلاد تُعَبِّئ الشعب باحزابه وطوائفه للدستور الاسلامي، وان ترفع شعارًا عامًا وتُحدث اثرًا، وان تصبح هيئة ذات فعالية للضغط السياسي. واضافت الحركة في هذه المرحلة الى وظائفها التجنيدية والتربوية الطلابية سماتِ هيئة الضغط والتعبئة، اذ اتخذت واجهةً تحالفيةً هي الجبهة الاسلامية للدستور التي وسعت اثرها وروَّجت دعوتها، واذ صاغت جماع دعوتها في شعار سياسي يكون كلمة التداعي المشهورة للجماهير، واذ بسطت حملة شعبية واسعة للتذكير والتبشير بالحكم الاسلامي بمنهج لا يتجاوز الاحزاب لكنه يحاصرها في الاسلام ويحرجها بقبول دعوته".

    ويعرض من جانب اخر الشيخ الهدية رحمة اللة: " لقد عملنا قبل الاستقلال مع الاحزاب حتى اذا خرج الاستعمار عهدنا الي احزابنا لتحكّم الشريعة الاسلامية كدستور للبلد. قمنا بالاتفاق مع جماعة الاخوان المسلمين بتكوين "الجبهة الاسلامية للدستور سنة 1956". ولكن لحرص الاحزاب على ابعاد "الدستور الاسلامي" فكروا في تكوين هيئة اسموها "اللجنة القومية للدستور" وعضويتها منتخبة ومختارة من الهيئات والنقابات."( مذكرات الشيخ الهدية http://ansar-alsunna.net)
    يوضح المغفور لة مولانا حافظ الشيخ الزاكي كيف حاول جيل ما بعد سقوط الدولة المهدية الاسلامية في السودان (1885-1899)، استعادة تطبيق الشريعة فى ثلاث مراحل: " المرحلة الاولى كانت مرحلة الدعوة والمطالبة، وقد قاد هذه المرحلة العلماء والدعاة وشكل هؤلاء العلماء "الجبهة الاسلامية للدستور" واثمرت الحملات التوعوية التي قامت بها هذه الهيئة وعيًا شعبيًّا كبيرًا، مما جعل الساسة انذاك يدرجون تحكيم الشريعة في برامجهم الانتخابية، والمرحلة الثانية كانت مرحلة الصياغة والتشريع، وبدات بعد ثورة اكتوبر ضد الحكم العسكري الاول بالسودان في العام 1964م، واستطاع المطالبون بالدستور الاسلامي تضمين ميثاق الثورة الشعبية انذاك نصًّا يطالب "بـوضع قوانين تتماشي مع تقاليدنا"، وعلى اثر ذلك كونت لجنة قومية للدستور وقامت للدستور بوضع مشروع دستور في 1968م ينص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي لقوانين الدولة. و نص دستور حكومة نميري لسنة 1973 على ان "الشريعة والعرف مصدران رئيسيان للتشريع " "والمرحلة الثالثة: كانت مرحلة التطبيق والتنفيذ، وبدات في عهد الرئيس النميري في سبتمبر 1983م، باعلان النميري تطبيق الشريعة الاسلامية وما تزال مستمرة . (تجربة تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان: حوار مع حافظ الشيخ الزاكي اجراه وليد الطيب.

    اليسار

    سوف نعرض اولا لكيف راى الشهيد عبد الخالق محجوب كيفية ولادة شعار الدستور الاسلامى والذى نشر فى صحيفة اخبار الاسبوع بعد ثورة اكتوبر وحل الحزب الشيوعي وطرح شعار الدستور الاسلامي وقد تناول القضية من جانبها التاريخى و الثقافى " اننى لا انكر ان هذه المناقشات قد ولدت وعيا بين الناس لا سبيل الى انكاره. ولفت الانتباه لاول مرة فى بلادنا بالنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذى اصاب الانسان فى القرن العشرين، وهى مناقشات تعيد الى الاذهان حركة الاصلاح الدينى التى شملت البلدان العربية المتقدمة فى مطلع هذا القرن . وظل السودان بعيدا عنها الا بين دوائر ضيقة اصابت حظا من التعليم والاستنارة" . " المدخل لذلك هو دراسة الظروف التاريخية الملموسة والعوامل السياسية الظاهرة والمستترة التى ولد بينها شعار الدستور الاسلامى ، وبصورة اشمل واكثر دقة تلك الظروف التى ظهر فيها اسم الاسلام كاداة فكرية وكركيزة ايدلوجية للفئات الاجتماعية المالكة والحاكمة فى صراعها ضد القوى الاجتماعية الخارجة عليها مصلحة وعملا".

    وراى ان "هذة الظاهرة جاءت تسلسلا منطقيا او نتيجة لتطور باطنى مر بفتراته المختلفة فى احشاء الفئات الحاكمة واحزابها. لقد ظلت تلك الفئات تعمل تحت ظل النظام البرلمانى حتى نهايته فى عام 1958 دون ان تلجا لنظرية "اسلامية" تستند اليها . ففى قضية الدستور اجمعت القوى السياسية على مسودة دستور 1958، وهى لا تخرج من اطار الدساتير الليبرالية ومن دستور الحكم الذاتى الذى وضعته الادارة البريطانية والقاضى ستانلى بيكر. وفى ميدان جلب الجماهير الى التاييد كانت الفئات الحاكمة تسلك طرقها التقليدية التى بنت عليها مؤسساتها السياسية من قبل. فالطائفية تجلب جماهيرها الى التاييد السياسى لها متوسلة بادواتها القديمة التى ظلت تستخدمها لكسب تاييد تلك الجماهير فى حقل النشاط الاجتماعى ومضاعفة النفوذ الادبى للقادة الطائفيين . مؤلفات مؤسسى الطوائف فيما يختص بالعبادة، وفى نشر الافكار الصوفية بصورة او اخرى هى الاداة الفكرية بين الجماهير والاشكال التنظيمية المختلفة من حلقات الذكر والدراسة ومجموعات المائة والجهادية الخ وهذه الادوات نفسها والتى كانت تستخدم لاغراض المؤسسة الطائفية قبل نشوء الحركة السياسية بصورتها الجديدة. وفى هذا الحد انتهى النظام البرلمانى عام 1958 ". "جاءت ثورة اكتوبر ودفعت بقوى جديدة الى الساحة غيرت المعطيات القديمة ومن ضمنها نظريات التغيير الاجتماعى و قوى ثورية ذات نظرية كاملة فى العمل السياسى " وعند هذه النقطة والزاوية الحادة للتقدم حكم خطى الفئات الاجتماعية المالكة وعجزها وافلاسها فى ملاحقة السير فتفاعلت سلبا مع الظروف الجديدة . فالقوى الطائفية والجماعات المتخلفة ما كان لها من الادوات ماتستطيع به مواجهة تلك الظروف . كما ان مصالحها اثقل من اى رغبة ذاتية فى التغيير. "

    كان هذا ايذانا بدخول متفاعلات جديدة فى راى عبد الخالق محجوب " الاحتماء بالدين وفق المفاهيم السائدة كانت الوسيلة المريحة والممكنة للفئات الاجتماعية التى عجزت عن التفاعل الايجابى مع حركة التغيير الاجتماعى التى تفجرت بعد ثورة اكتوبر 1964 . وهو من هذه الزاوية يمثل رد فعل للصراع السياسى والطبقى الذى افرزته الثورة . ولا تعبر عن تطور اصيل وتسلسل منطقى مقبول لنشاط الفئات الحاكمة .

    " قد يقال ان هذا تقرير وصفى لما حدث ، ولكن الا يحق لنا فى ميدان التنظيم ان نتسائل : وما العيب فى ان تلجا تلك الفئات للاحتماء "بالدين" نظرية لها فى العمل السياسى؟ .. سؤال وجيه نحاول الرد عليه من واقع الحياة السياسية ومن ظروف الصراع الذى تعددت مسالكه وتنوعت صوره بعد ان دخلت بلادنا فترة التغير الاجتماعى . ان المفهوم "الاسلامى" الذى احتمت به الفئات الحاكمة هو الذى يكشف طبيعة تلك الحماية . كما انه يوضح طبيعة الصراع الدائر فى بلادنا وجوهره . وعندما اتحدث عن المفهوم "الاسلامى" فانما اعنى المفهوم السائد او الطاغى . ومن الناحية التاريخية لابد لنا ان نلتفت الى الطريقة التى دخل بها الاسلام الى للسودان وهى طريقة يمكن ان نقول انها بشكل عام طريقة سلمية وهادئة . فقد ظلت المسيحية فى شمال البلاد تشكل سدا امام الفتح الاسلامى لاكثر من ثلاثة قرون . فالفتح الذى يهدم المؤسسات القديمة ويقيم مكانها مؤسسات جديدة يجتث بقدر او اخر المفاهيم والافكار القديمة لم يكن متوفرا على ذلك النحو فى بلادنا . ولهذا يمكن القول بان الفكر الاسلامى دخل السودان مقيدا لوجود مؤسسات قديمة يؤثر عليها ولكنه يتصالح معها . وليس هذا امرا غريبا، فخلافا لبعض البلدان الاسلامية فان الثورة الفكرية للاصلاح الدينى الرامية لتصفية ذلك الخلط ، والتى استهدفت فيما بعد عندما تلاقى العالم الاسلامى مع اوربا وضع الدين مرة اخرى فى مجرى التقدم فان السودان كان حظه ضئيلا. فحركة التطهر الدينى التى قادها الامام محمد احمد المهدى تعثرت ثم سقطت لاسباب عديدة، ليس هذا مجال التصدى لها. كما ان حركة البعث الاسلامى على الصورة الجديدة التمسها قلة من المثقفين السودانيين. ما كان لهم بحكم ظروفهم ان ينقلوها الى داخل المجتمع السودانى . وبذلك تصبح فيها المفاهيم "الاسلامية" السائدة سندا لكل قوى اجتماعية تحاول اخفاء مصالحها الحقيقية او تزين تلك المصالح (جريدة الميدان: الخميس ٦ اغسطس ٢٠٠٩ العدد ٢١٣٤)

    الحزب الاتحادى

    كان اول موقف حول الدستور الاسلامى عبر عنة المغفور لة السيد علي الميرغني بعد احداث معهد المعلمين بتاريخ 20 نوفمبر 1965م قال فية ان المخرج الوحيد للبلاد من هذه الازمات المتلاحقة وحمايتها من هذه الاضطرابات المتتابعة والحفاظ على استقلالها .... انما يكون اولا واخيرا باعلان الجمهورية الاسلامية كنظام للحكم وتلك هي الديمقراطية الحقة واتخاذ الكتاب والسنة دستورا للدولة تستمد منه جميع تشريعاتها . ودعا المواطنين واولي الامر وجميع المصلحين ان يتكاتفوا لاتخاذ الخطوات الايحابية لقيام الجمهورية الاسلامية التي تستند الى التشريع الاسلامي وتقوم على تطبيق الشريعة السمحاء في احكامها وسلوكها وادابها" . كانت هذة اول مرة تطرح فية الجمهورية الاسلامية احد اكثر المصطلحات ارباكا و اضطرابا والذى سيظهر فى الساحة بين حين واخر خاصة مع تراجع التيار السياسى الديمقراطى فى الحزب الوطنى الاتحادى ومن ثم فى

    الحزب الاتحادى الديمقراطى لاحقا.

    عرض عبد الخالق محجوب كيفية تشكل موقف الحزب الوطنى الاتحادى من الدستور الاسلامى "الحزب الوطنى الاتحادى الذى انقسم على طائفة الختمية فى تلك الفترة لم تكن له نظرية اكثر من شعار محاربة الطائفية وهو لم يستطع ان يضع مفهوما اسلاميا او نظرية اسلامية لتحرير الجماهير من الطائفية كما كان يرى قادته. وذلك لان مثل هذه النظرية ربما تعارضت ايضا مع مصدر هام من مصادر تاييده الجماهيرى وهى الطوائف الصغيرة واهل القباب والجماعات الصوفية التى ايدته ورات فيه وسيلة لحمايتها من تغول الطائفتين الكبيرتين . ولا نكون بعيدين عن الحقيقة اذا قلنا بان الحزب الوطنى الاتحادى وقتها اعتمد ايضا على مبدا فصل الدين (عن السياسة) حسب تصوره لهذه القضية. والشعار الكبير الذى حكم العمل الدعائى لذلك الحزب فى تلك الفترة واعنى "سقوط القداسة على اعتاب السياسة كان يحمل فى جوفه هذا المعنى . كما ان مفهوم الحزب الوطنى الاتحادى للدستور كما ظهر فى نشاطه بين الجماهير وفى نشاط مندوبيه فى لجنة الدستور وقتها لم يخرج عن اطار الدمقراطية الليبرالية" (جريدة الميدان: الخميس ٦ اغسطس ٢٠٠٩ / العدد ٢١٣٤)

    حزب الامة

    يوضح الامام الصادق المهدى فى كتابة ميزان المصير الوطني في السودان 2010 مسيرة تيار الدولة الدينية: "حركة التحرير الاسلامي السودانية اولى حركات النخبة الرافعة للشعار الاسلامي تجاوبت مع حركة الاخوان الام وصارت في مرحلة لاحقة فرعا منها تستمد منها الادبيات والشكل التنظيمي. وفي عام 1964 كوّنوا مع اخرين جبهة الميثاق الاسلامي التي اتخذت بقيادة امينها العام د. حسن الترابي شكلا جبهويا شعبويا مخالفا لنهج الاخوان التقليدي، كذلك استصحبت من الشيوعية نهج تنظيمهم للقطاع الحديث من عمال ومهنيين وطلبة ونساء، ومن حزب الامة نهج التنظيم للقطاع الاجتماعي التقليدي، واهمية بناء مؤسسة مالية للكيان السياسي. كانت الجسور بينها وبين الاخرين ممتدة، حتى اننا في اواخر السبعينات كونا معا «جماعة الفكر والثقافة الاسلامية» وضممنا اليها كثيرا من اصحاب التوجه الاسلامي. وكان دستورنا الذي ارتضيناه يوجب مراعاة الالية الديموقراطية في التوجه الاسلامي، وان علينا كذلك، ونحن نتطلع للاسلمة، ان نراعي الوجود الجنوبي المعتبر في التكوين السوداني، وان نراعي كذلك طبيعة دول الجوار ومتطلبات العصر. هذا التوجه الراشد ساعدتهم عليه ثلاثة عوامل هي: ان الحركة الاسلامية السودانية ذات المرجعية الاخوانية حظيت في السودان بمعاملة طيبة لم تجد مثلها في اي مكان اخر، لا سيما في وطنها الاصلي مصر حيث عوملت بقسوة شديدة. ولم تخل من اخطاء".

    يورد الامام الصادق المهدى بداية تسرب الدعوة الى الدستور الاسلامى بعد تسلم الامام الهادى المهدى امامة الانصار وفى ظل انحسار الحركة الاسلامية في الستينات عالميا: " عقد الانصار مؤتمرا في الجزيرة ابا –في اذار(مارس) 1963م وهناك بعيدا عن جواسيس الخرطوم وضعت معالم البرنامج السياسي للمستقبل وتقرر ان يكون الهدف هو بناء مجتمع اسلامي متطور. ومنذ ذلك المؤتمر شرعت قيادة الانصار ثم قيادة حزب الامة فيما بعد تدعو للنهج الاسلامي الذي يلبي تطلعات الشعب السوداني ويلائم تاريخهم".

    وبعد اكتوبر يورد الامام الصادق المهدى المشهد " لقد كانت القوى السياسية السودانية ترفع شعارا اسلاميا لذلك لم يكن مستغربا ان تتجه بعد اسقاط نظام الفريق ابراهيم عبود في 21 تشرين الاول (اكتوبر) 1964م وبعد قيام الجمعية التاسيسية وانصرافها لمهمة وضع دستور البلاد الدائم الى النص على التشريع الاسلامي في الدستور الدائم المقترح. هذ ذا ما تضمنه مشروع دستور 1967م الذي اجازته لجنة دستور قومية واحيل للجمعية التاسيسية لمناقشته.وبينما كان يناقش وقع انقلاب 25 مايو1969م الذي كان في بداية عهده يساري التوجه فمزق "الوريقة الصفراء" اي دستور التشريع الاسلامي مثلما مزق الدستور الديمقراطي المؤقت (دستور 1956 المعدل 1964م) الدستور الذي كانت تحكم به البلاد منذ ثورة اكتوبر". " لقد خاض حزب الامة الانتخابات العامة في 1986م ببرنامج اجازه مؤتمره العام الذي انعقد في فبراير 1986م". يفصل الامام الصادق المهدى برنامج نهج الصحوة. وكان نص نهج الصحوة في هذا الصدد هو الغاء قوانين سبتمبر واصدار قوانين بديلة صحيحة من حيث اسلاميتها وعدالتها. " (مؤتمر جماعة الفكر والثقافة الاسلامية: مستقبل الاسلام في السودان: بقلم: الصادق المهدي: ام درمان- محرم 1403هـ- اكتوبر 1982م

    الطريق الى دستور جمهورية السودان 1998

    عندما امتطت الجبهة القومية الاسلامية سدة الحكم الغت فى المرسوم الدستوري الاول لسنة 1989 العمل بالدستوري الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 1985م ونصبت ثورة الانقاذ الوطني كتعبير عن الشرعية السياسية والدستورية الممثلة للادارة العامة للشعب في جمهورية السودان. ولكن تستمر الهيئة القضائية وسائر المؤسسات الدستورية غير السياسية القائمة قبل العمل بهذا المرسوم، كما تستمر القوانين ويستمر وكلاء الوزارات ومديرو المصالح والمؤسسات والموظفون غير السياسيين القائمون بحكم القانون، وذلك كله حتى يجري فيه اي تعديل وفق احكام هذا المرسوم او القانون.

    اذن استمر العمل بقوانين سبتمبر التى كانت قد سال حبر كثير منذ فرضها النميرى فى سبتمبر 1983 والتى وبرغم اتفاق القوى السياسية – عدا الاخوان المسلمين كما كان اسمهم انذاك- والذى وضعتة فى دستور السودان الانتقالي لسنة 1985: " تلتزم الدولة استجابة لنداء ثورة رجب بتحقيق الاهداف الواردة في الميثاق الوطني وعلى وجه الخصوص :(ا) تصفية اثار النظام المايوي اثار مايو" تعني القوانين التي استنها والمؤسسات التي انشاها والممارسات التي قام بها النظام المايوي خلافا لتقاليد الحكم السليم ، وكذلك الاشخاص الذين عينوا في اي من اجهزة الخدمة العامة بدافع المحسوبية او الذين عينوا في وظائف ممن لا تتوافر فيهم المؤهلات او الخبرة او الكفاءة اللازمة لها او الاشخاص الذين يخشى من بقائهم في وظائفهم تعويق العمل او تدهور الاداء ." ولكن لم تتحقق هذة التصفية وتراوحت المواقف المختلفة للاحزاب تفرد فيها حزب الامة واليسار بموقف واضح.

    اما الاتحادى الديمقراطى- حزب الديمقراطية والليبرالية ففد وقع فى ظل ما وصفة د. عبد الله علي ابراهيم: " وانعزل الاسلاميون في صحبة الاتحادي الديمقراطي وحده عن مؤتمر التجمع الوطني لانقاذ الوطن (مارس 1985) ومؤتمر كوكا دام (مارس 1986) اللذين اجازا ذلك الالغاء. وجاء وقت هجر الاتحاديون موقف التمسك بقوانين سبتمبر في ملابسات غيرتهم من الحركة الاسلامية التي نافستهم في الموقع الثاني في البرلمان وفي الزلفى للسيد الصادق المهدي في حزب الاغلبية ".( د. عبد الله علي ابراهيم: الحركة الاسلامية وشريعة سبتمبر: اعادة اختراع النميري http://www.sudaneseonline.com

    ويوضح الامام الصادق المهدى: " حزبنا كان يريد ان يلغيها ( يقصد قوانين سبتمبر) ، ووقف ضد الغائها الحزب الحليف معانا، وقد قالوا انه لا يمكن الغاؤها الا بعد ان نقدم لها بدائل، وكنا نشتغل في البدائل لكننا اتفقنا على تجميدها كحل وسط، وقد جمدت لفترة ولكني لم يكن لدي ادنى تردد في الغائها الا انني لا استطيع الغاءها باصوات حزب الامة، فهو ليس له اصوات اغلبية، وكان في الجمعية عندما تاتي اي قضية من هذا النوع هناك اصوات الجبهة الاسلامية القومية والاتحادي الديمقراطي، ونعم الاتحادي حليفنا ونحن كنا قد اشترطنا في التحالف بيننا وبينهم انه من اللازم الغاء قوانين سبتمبر ولكنهم لم يوافقوا ولذلك جمدناها ." الصادق المهدي في حوار صريح وبلا رتوش لـ ( الاخبار): الفتاة المجلودة ضربت ضرب غرائب الابل فى http://www.sudaneseonline.com/ ). اما الاسلاميون السياسيون " حين وقعت انتفاضة ابريل 1985 وجدت الحركة الاسلامية نفسها في الجانب الخاسر من التاريخ. وكان من اوضح شواغل الدوائر المتنفذة في الثورة، سواء في التجمع او الحركة الشعبية لتحرير السودان، في مسعاها لازالة اثار مايو، الغاء قوانين سبتمبر 1983 وليس خاف بالطبع الحرج الديني الذي استشعره الاسلاميون وكثير من المسلمين حيال مطلب الغاء شيء من الاسلام، وان جاء بهذا الشئ مخادع كذاب اشر، بحد شرعية ثورية دهرية. فقد بدا ذلك المطلب للاسلاميين كرأي وحكم سلبي لا على تطبيق قاصر او خاطيء للاسلام على يد رئيس مخلوع فحسب بل على الاسلام ذاته من قوى لم يعرف عنها شفقة بالدين.. وكان شرط الغاء قوانين سبتمبر الاسلامية ضمن حزمة شروط خمسة ربما ارادت الحركة الشعبية بها التعجيز لا الحل ".( د. عبد الله علي ابراهيم: اعادة اختراع النميري )

    القوانين التى سيقول عنها احد ابرز القانونيين المنظرين للدستور الاسلامى المغفور لة مولانا حافظ الشيخ الزاكي " منها ادخال قانون امن الدولة ضمن قانون العقوبات الجنائية، وهو قانون يحجر الحريات السياسية، مما اتاح فرصة للمعارضين لاتهام القوانين الاسلامية بانها صيغت من اجل حماية النظام العسكري، وكذلك البدء في تطبيق الشريعة بقانون العقوبات وما فيها من عقوبات حدية جعل من القوانين الاسلامية محل اثارة وجدل عند بعض الناس. وكذلك لجوء رئيس الجمهورية الى تكوين محاكم طوارئ من قانونيين من خارج النظام القضائي اعطى صفة الاستثنائية لهذه الاوضاع، ومنها التشهير بالمحكومين وفقا للقوانين الاسلامية في وسائل الاعلام مما اتاح فرصة للهجوم عليها، ولكن من اكبر السلبيات، ان هذه القوانين صدرت دون شورى واسعة مع القانونيين والسياسيين مما جعل اعلانها مفاجئًا للناس كما جاءت غير محكمة في صياغتها القانونية." (تجربة تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان: حوار مع حافظ الشيخ الزاكي اجراه وليد الطيب فى في 14 مايو 2009م، http://www.tawtheeg.com

    دستور جمهورية السودان 1998

    يتفق كثير من السياسيين والمتابعين للشان السودانى على ان دستور 1998 قد اجيز بطريقة مضطربة وغامضة. وتتفق الاراء انة كانت هناك لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد اتفقت على مسودة دستور للعرض على المجلس الوطنى انذاك ( اسم تلفيقى لما من المفترض انة الجمعية التاسيسية التى تناط بها اجازة الدساتير فى النظم الديمقراطية) لكنه لم ير النور واجيز بدلا منة دستور مختلف.

    كتب على اسماعيل العتباني فى الراي العام عدد السبت 9 يونيو 2005 في عموده : تحت الضوء ما يلي : " الا ان هذا الذي لفه الاجماع هو الدستور الذي كونت له لجنة قومية جامعة برئاسة مولانا خلف الله الرشيد والذي تراضى الشعب السوداني على مسودته (!) ولكن الترابي ابى الا ان يحمل تلك المسودة ويذهب بها الى (وادمدني) لثلاثة ايام عمل فيها تبديلا وتغييرا وترقيعا ورجع بها من هناك بمسودة مغايرة تماما ودفع بها الى مجلسه الوطني. " " ولكن عقلية الدكتور الترابي التي قامت على دستور اسماه الدستور الاسلامي وصاغه بنفسه وفرضه بنفسه ثم لم تمض عليه بضعة اشهر الا واراد ان يعدله باستحداث منصب رئيس وزراء وباستحداث تعديلات في باب الحريات وغيرها خدمة لجدول اعماله الخاص في صراعه مع الرئيس البشير ونائبه الاول وجعل الدستور (ملعبة) ومطية لطموحه السياسي وولهه بالقيادة والسلطان" .

    عن دستور1998 ينوه الاستاذ امين بناني: "انا اقول ان الدستور الحالي بكل صوابه وخطئه هو في الواقع دستور الترابي الذي كتبه بيده واجزناه بالاجماع - كل مقترحاتنا التي تقدمنا بها في تلك الفترة رُفضت وتخلينا عنها طلبا للاجماع حول نصوص وكنا نطمع ان نجمع على تعديله كبرلمانيين وكقوى وطنية - للاسف الدستور من خلال الممارسة برزت فيه كثير من العيوب والثغرات وهي عيوب لا حصر لها." (عبد اللة النعيم: السودان والفداء: بطلان مفهوم الدولة الدينية: فى مشروع مستقبل الشريعة http://sharia.law.emory.edu)

    كما يوضح لنا الاستاذ غازي سليمان ان الحكومة لم تودع مسودة الدستور التي اعدتها لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد واودعت مسودة بديلة، يقول: "اذا كانت بنود المسودة الاصلية تتكون من 206 مواد فان المسودة البديلة التي اودعتها الحكومة امام المجلس تتكون من 145 مادة فقط، اي ان هناك مواد تم اسقاطها جملة وتفصيلا. (عبد اللة النعيم: السودان والفداء: مرجع سابق) . واوضح نفس الراى دكتور منصور خالد على منبر الراي العام، جريدة الراي العام رصد: سلمى التجانى : " هذا الدستور اعد العام 1998 . كان هناك دستوران.. دستور اعدته لجنة قومية برئاسة مولانا خلف الله الرشيد لكنه دخل الدرج وخرج دستور 1998." واورد الامام الصادق المهدي نفس الراى فى كتاب ميزان المصير الوطني في السودان .

    وقد شخص احمد عثمان سياقات الطريق الى دستور جمهورية السودان 1998 " وفي هذا الســياق جاء دسـتور العام 1998 مقننا للدولة الدينيـة عبر احادية مصدر التشريع، وممهدا الطريق لاستيعاب القوى الاخرى بالنظام. ولكنه بالطبع اتى في سياق صراع كبير داخل التنظيم الحاكم وبعد مايقارب العقد من النظام نتيجـة لصراع بين تيارين داخل التنظيم الحاكم اولهما تيار د. الترابي الذي يعمـل وفقـا لـهذا المخطط، والاخر تيـار البشـير الذي لايرى داعيـا لبسط اية حريـة قد تقود لخلخلة النظام الذي تمكن بالفعل وبنى دولته في غياب معارضـة فاعلـة. والاخير راى ان مايقوم به د.الترابي مجرد ترف لاداعي له قد يقود الى فقدان السلطـة وسقوط النظام، باعتبار ان الوضع ليس ناضجا لمثل هكـذا مغامرات. وبهذا الفهم يكون الصراع بالفعل حول الحـريات، ولكن اية حريات؟؟ الحريات التي سوف يمنحها منحا تنظيم قد تمكن وبنى دولته وكسر شوكة خصومه وصاغ دستورا وفقا لتوجهه هو وايدلوجيته السياسية، وبالتالي هي حريات تحت الوصاية وبالقياس الذي يحدده التنظيم الحاكم وتحت رقابته وفي غياب الفرصة للمنافسة الحرة بين من اقصي ومن حكم وبعد اعادة هيكلـة شاملـة للمجتمع ليتناسب مع رؤية د. الترابي وتنظيمه. بالرغم من ذلك لم ير تيار البشير داعيا لمنح هذه الحريات وتعريض النظام للخطر". (احمد عثمان: انقسام الجبهة الاسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وتلاميذه : الحوار المتمدن - العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12)

    اى كان الراى حول طريقة الشروع، المناقشات والاجازة والتى فصلنا فيها سابقا فان القرار نهاية صدر تحت توقيع الفريق الركن عمر حسن احمد البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم في اليوم السادس من ربيع اول 1419 هـ الموافق اليوم الثلاثين من يونيو 1998م ( للسخرية يقول نص الدستور الموجود فى صفحة وزارة الخارجية فى الانترنت فى دساتير السودان السابقة انة صدر عام 1988 http://www.mfa.gov.sd- التحقق يوم 7 يناير 2011). فما هى معالم ها الدستور:

    اولا: لغة الدستور

    يتفرق السودان الى اكثر من 57 و يتحدثون 114 لغة مكتوبة ومنطوقة، 50 منها في جنوب السودان. ورغم ان التوجة العام للدولة السودانية بعد الاستقلال كان فرض العربية كلغة ووسيط ثقافي، سواء بالقوة او بواسطة النظام التعليمى او الحرمان من التطور الوظيفى و الادارى. فقد استطاع السودانيون عبر التمازج والتزاوج و العلاقات التاريخية والجغرافية ان يطوروا لغة قراءة عربية وسيطة تستعمل فى الكتابة الصحفية ونشرات الاخبار وغيرها ذات مصطلحات واضحة متفق عليها وطوروا لهجات تتفرع منها عدة لكنات حسب طريقة لفظ كل منها لمخارج الحروف. ومن ضمن هذة اللهجات عربى جوبا ولهجة غرب السودان وشرقه وشماله حيث تتواجد المجموعات الجنوبية و البجا والنوبيون. وحافظ المسلمون من السودانيون على لغة القران والتى صلوا بها وضمنوها امثالهم ومديحهم و زينوا بها بيوتهم.

    اللغة التى تم استعمالها فى الدستور الجديد كانت مخالفة لهذا الارث، وقد جاءت تعبيرا عن الرغبة الكامنة والايمان المتآصل فى قادتها: " لم يبق الا عندنا مفهوم الشريعة العلوية التى تضبط الحاكم وتضبط الدولة وتنظم علاقات البشر وتؤسس معنى العدالة وتقيم بين الناس القسط" ( كلمة الترابى فى الؤتمر الشعبى العربى والاسلامى، الخرطوم 1991 ). وجاء فى الدستورتحت التدين: " يستصحب العاملون في الدولة و الحياة العامة تسخيرها لعبادة الله ، يلازم المسلمون فيها الكتاب والسنة ، ويحفظ الجميع نيات التدين ، ويراعون تلك الروح في الخطط والقوانين والسياسات والاعمال الرسمية وذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدفع الحياة العامة نحو اهدافها ولضبطها نحو العدل والاستقامة توجها نحو رضوان الله في الدار الاخرة" .

    استيقظ السودانيون ذات يوم فاذا سادة المشروع الحضارى ارادوا وضع قاموس لغوى جديد يعتمد الخلط بين المفاهيم وايراد مفردات و كلمات وصفها على اسماعيل العتباني:" ولكن الترابي ابى الا ان يحمل تلك المسودة ويذهب بها الى (وادمدني) لثلاثة ايام عمل فيها تبديلا وتغييرا وترقيعا ورجع بها من هناك بمسودة مغايرة تماما ودفع بها الى مجلسه الوطني الشئ الذي ادى الى الاستقطاب السياسي الحاد والى فضيحة التوالي السياسي والى فضيحة ادخال مصطلحات مائعة وحمالة اوجه لم يعرفها الفقه الدستوري" (على اسماعيل العتباني فى الراي العام عدد السبت 9 يونيو 2005 في عموده : تحت الضوء).

    ثانيا: الدستور الدائم افتراضيا

    لم يشر الدستور فى ديباجتة او فى عنوانة اذا كان دائما او لا (كان هذا سلوكا ملاحظا فى الاداء السياسى للحركة الاسلامية السودانية وانعكس هذا كمثال عدم تقيدها باسم واحد ولكن التحرك المستمر بين كثير من الاسماء،" الاخوان المسلمين" "جبهة الدستور ‏الاسلامي"، "جبهة الميثاق الاسلامي"، "الحركة الاسلامية في فترة نميري"، "الجبهة الاسلامية ‏القومية"، "المؤتمر الوطني" مما يصعب المسئولية السياسية والمحاسبة التاريخية) . ولكن يدل الروح العام على ان واضعوة اعتبروة القول الفصل فى التاريخ السودانى، ان لم يكن العالم.

    ثالثا:سلطات رئيس الجمهورية

    وحذو النعل بالنعل كما فى دستور 1973 جاء تركيز السلطات فى رئيس الجمهورية "اختصاصات رئيس الجمهورية: يمثل رئيس الجمهورية الحكم والسيادة العليا للبلاد ، يقوم قائدا اعلى لقوات الشعب المسلحة والشرطة والقوات النظامية الاخرى ، ويختص بصيانة امن البلاد من الاخطار وحفظ عزتها ورسالتها ، والاشراف على علاقاتها الخارجية ، ويرعى سيرة القضاء والعدل والاخلاق العامة ، ويرعى المؤسسات الدستورية ، ويعبئ نهضة الحياة العامة ، وله في ذلك الاختصاصات والسلطات الاتية وفق احكام الدستور والقانون" فهو يعين شاغلي المناصب الدستورية الاتحادية رئاسة مجلس الوزراء، يختار ثلاثة مرشحين من قائمة الولاة ويكونون هم المرشحين الذين يقدمون للانتخابات العامة في الولاية و يعين رئيس الجمهورية رئيس القضاء ونوابه وفقا للقانون" .

    رابعا: مصادر التشريع

    كانت حكومة الانقاذ قد تبنت في شهورها الاولى مصادر اخرى للتشريع، فبالعودة الى توصيات مؤتمر الحوار الوطني حول الجنوب، والذي دعت اليه الحكومة حيث وانعقد لمدة ستة اسابيع (من 9 سبتمبر 1989 الى 1 اكتوبر 1989)، والتي تبنتها حكومة الانقاذ في اجتماع عقد بعد انتهاء المؤتمر. وقد اكدت التوصيات المقرة على ان الشريعة الاسلامية والعرف هما المصدران الرئيسيان للتشريع. كما تضمنت التوصيات عن علاقة الدين بالدولة الا يجري النص على ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة، واعتبار السودانيين امة واحدة يجمع بينهم حق المواطنة بما يقتضيه من تجانس وتعايش وتكافؤ، وان تلتزم الدولة باحترام الاديان. حسم مشروع دستور 1968 مصادر التشريع في مصدر وحيد هو الشريعة الاسلامية، اذ نص على: "الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي لقوانين الدولة." "يعتبر باطلا كل نص في اي قانون يصدر بعد اجازة هذا الدستور ويكون مخالفا لاي حكم من احكام الكتاب والسنة الا اذا كانت تلك المخالفة قائمة في جوهرها قبل اجازة الدستور."

    خامسا: حق التنظيم

    " كما يوضح لنا الاستاذ غازي سليمان: " ان الكارثة الحقيقية فى دستور 1998 فهي اسقاط المادة 41-1 من المسودة الاصلية التي تقول "للمواطنين الحق في التجمعات وانشاء التنظيمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية" وينوه الاستاذ غازي الى انه قد تم اسقاط هذه المادة واستعيض عنها بالمادة 27-1 وتقول "للمواطنين حق التوالي والتنظيم لاغراض ثقافية او اجتماعية او مهنية ولا تقيد الا وفق القانون"، وهو ما يراه دليلا واضح على الارتداد عن مبدا اقرار حرية التنظيم السياسي والتداول السلمي للسلطة والرجوع عن التعددية والاصرار على النظام الشمولي". "وضرب غازي سليمان مثلا اخر حول المواد التي تم تغييرها، فالمادة 33 من المسودة الاصلية والتي تتحدث عن حق المواطنين في الامن والطمانينة وعدم التعرض للتعذيب قد تم حذفها جملة وتفصيلا ولم يستعض عنها باي مادة بديلة". اما المادة 35 من المسودة الاصلية التي تتحدث عن ضمانات الاعتقال والتي تقول "يتوجب ابلاغ كل شخص يتم توقيفه واعتقاله باسباب ذلك كتابة ويجب اخطاره باسم الشخص الذي قام بالاعتقال، ويجب ابلاغه سريعا باي تهمة توجه اليه وان يقدم خلال 24 ساعة للمحاكمة او الافراج عنه، ولا يجوز اعتقال الاشخاص الذين ينتظرون المحاكمة، بل يجوز اطلاق سراحهم بضمانات معقولة وغير مرهقة"، وهي نص يتوافق مع الحقوق السياسية والمدنية وحقوق الانسان، تم استبداله بنص فضفاض من المسودة البديلة تحت الرقم 32 يقول "الانسان حر لا يعتقل او يقبض او يحبس الا بقانون يشترط بيان الاتهام وتيسير الافراج واحترام الكرامة في المعاملة". (فى عبد اللة النعيم: موقع مستقبل الشريعة: مرجع سابق)

    اثر انتخاب المشير عمر البشير عام 1996 رئيسا للجمهورية لمدة خمس سنوات وبعد الصراع المتوقع – من دروس التاريخ الطويلة فى العالم وفى تجربة النميرى فى السودان- بين جناحى السلطة العسكرى والمدنى وانقسام الحركة الاسلامية بعد ما يقارب نصف قرن على تاسيسها الى حزبين «المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي في الرابع من رمضان عام 1999م ووقوع ما عرف المفاصلة بين الاسلاميين. حل البشير البرلمان عام 1999 واعلن حالة الطوارئ و تم دثر الدستور ودفنة بعد اقل من عام حتى مجىء دستور 2005 الانتقالى.

    دستور 2005 الانتقالى

    صدر دستور 2005 الانتقالى من خلال الية شبة ديموقراطية وبذلك غيرت البرنامج الحزبى للجبهة الاسلامية القومية المسمى الدستور الدائم 1998 . وان احتفظت فى مصادر التشريع " تكون الشـريعة الاسلامية والاجماع مصدرا للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان. يكون التوافق الشعبي وقيم واعراف الشعب السوداني وتقاليده ومعتقداته الدينية التي تاخذ في الاعتبار التنوع في السودان، مصدرا للتشريعات التي تُسن على المستوي القومي، وتُطبق على جنوب السودان او ولاياته. جاء دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م كنتاج لتوازن قوى متعددة ولاتفاقيات متنوعة ( اتفاقية نيفاشا، الشرق، سلام السودان) واجازة المجلس الوطني في جلسته رقم (24) من دور الانعقاد التاسع بتاريخ 30 جمادي الاولى 1426هـ الموافـق السادس من يوليو 2005م وتكون الدستور من ستة عشر بابا وست جداول ملحقة. وبعكس 1964 و 1985 فقد احتوى هذا الدستور( اذا كان يمكن ان نطلق علية هذا الاسم حقا) وثيقة حقوقية لكنها ايضا احتوت على برنامج عمل تفصيلى للمرحلة الانتقالية لمدة ستة سنوات كحدث غير مسبوق فى تاريخ دساتيرنا.

    اولا: يمكن لنا ان نلاحظ التالى مباشرة ان حجم مادتة كانت تقريبا ثلاثة اضعاف الدساتير الانتقالية والدستور الامريكى وضعفين ونصف الدستور الدائم كما يبرز الجدول:
    الدستور عدد الكلمات الفصول/ الابواب
    الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م 27538 11
    دستور جمهورية السودان المؤقت لسنة1964 م 31179
    الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 38568 13
    دستور السودان الانتقالي لسنة 1985م 28732 12
    دستور جمهورية السودان الصادر بتاريخ 3/29/1998 43709 9
    دستور جمهورية السودان الصادر في يوليو 2005م 106620 17
    الدستور الامريكى 38890

    ثانيا: تم الاتفاق على كافة القضايا التى ضمنت فى الدستور اثناء مفاوضات نيفاشا وكجزء من اتفاقية السلام الشامل. وجاء التفصيل الذى لم يترك شاردة ولا واردة فى مهام الدولة ومسئولياتها وكيفية ادارتها - وجعلها اقرب الى وثائق السياسات والاستراتيجيات الوطنية او وثائق الفريق المشترك لتقويم الاحتياجات للفترة الانتقالية والذى تعدة منظمات الامم المتحد والبنك الدولى للبلدان بعد النزاعات- متعمدا وبارادة سياسية مصممة من طرف الحركة الشعبية لتحرير السودان . ويفسر لنا الدكتور منصور خالد احد ابرز مهندسى الاتفاقية هذا التوجة بانة هندسة دستورية لاعادة تصميم وتشكيل وبناء السودان حتى يصبح وطنا امنا لجميع اهله من بعد ما مسهم من ضراء. ويقول ايضا انة بعد اعتمادة تُدعى اللجنة القومية للدستور لوضع اطار قانوني دستوري لحمته وسداه اتفاقيات السلام من ممثلين من الطرفين الى جانب ممثلين للقوى السياسية الاخرى ومنظمات المجتمع المدني. ويرى د. منصور خالد ان هذا الدستور يعالج كل المشاكل التي كان السودان يعاني منها منذ الاستقلال، قضايا الوحدة، قضايا نظام الحكم واقتسام الثروة (قراءة في ازمة وطن مزمنة ..السودان حلقات نشرت بجريدة الراى العام ؟ .. بقلم: د. منصور خالد)

    ثالثا: هذا الدستور فى الباب الاول: الدولة والدستور والمبادئ الموجهة حيث عالج تعدد الثقافات واللغات و العناصر والاعراق والاديان. ان السودان:وطن واحد جامع تكون فيه الاديان والثقافات مصدر قوة وتوافق والهام. وكذلك قضايا اللغة: جميع الُلغات الاصلية السودانية لغُات قومية يجب احترامها وتطويرها وترقيتها. يجوز لاي هيئة تشريعية دون مستوى الحكم القومي ان تجعل من اي لغة قومية اخرى، لغة عمل رسمية في نطاقها وذلك الى جانب اللغتين العربية والانجليزية. المشكلة ان هذا الدستور الذى عدة رئيس الجمهورية عمر البشير: الاعلان الثانى لاستقلال السودان ووصفة جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان: مولد الجمهورية السودانية الثانية) اتفاق بين شريكين وكغيرها من الاتفاقات ظلت العبرة بالتنفيذ والدستور الذى اريد لة اعادة تصميم وتشكيل وبناء السودان فعل ذلك بتمزيقة الى وطنين.

    لماذا تعثر تشريع الدستور الاسلامى فى عهد دعاة الدستور الاسلامى

    كان بديهيا ان يتجة نظام الانقاذ الى اجازة الدستور الاسلامى، فقد كان الافتراض، ان الذين عملوا طول عمرهم فى هذة الدعوة وقدموا الشهداء وذاقوا السجون والتشريد وكافة انواع الابتلاءات"، انهم قد تجهزوا لهذا التحدى وان فى جعبتهم على الاقل مشروع دستور او مسودة. خاصة وان السودان خاض نقاشا واسعا كانوا مشاركين فية، فى الستينات ابان التحضيرات لوضع الدستور الدائم وكذلك فى نهاية الثمانينات لنفس الفعل. لكن يبدو ان التنظيم الذى استلم السلطة لم يكن جاهزا فقد تاخر وضع الدستور حتى 1998 . ولا نحسب ان الصياغة كانت هى المشكلة، فالدستور جاء اقرب الى منشور يحوى برنامج حزبى رغم ان القائمين عليها جلهم من القانونيين.

    سوف نبدا هذا النقاش بعرض ما امكن من الاطروحات التى حاولت مقاربة هذا الموضوع من عدة وجهات نظر ولكن سنبدأ من تناول التعارض البين الذى حدث فى تسلسلها التاريخى فى الحكم بين ما تنادى بة من قيم العدل والرحمة والتدين و الصدق والتسامح الديني ودولة التنوع وما فاضت بة سنوات الحكم مما جادت بة اقلام كثيرة ممن كانوا داخل نسيج تيار الدولة الدينية.

    وحول هذة النقطة راى د. عبد الله على ابراهيم بؤس عدتها الفكرية حائلا حقيقيا : " وستضع الحركة الاسلامية قدمها في الطريق الصحيح متى اعترفت بفشو ثقافة الغرب وخبرته في فكرها وممارستها. ومما فاقم من هذا الفشو ان الحركة الاسلامية لم تستنبط برنامجا حضاريا اسلاميا بديلا لما تواضع عليه الغرب لبؤس عدتها الفكرية .... ولما كان الفكر لا يحتمل الفراغ فقد تداعى الفكر الغربي ومثاله ليملا هذا الفراغ في مشروع الاسلاميين. (د. عبد الله على ابراهيم: الحركة الاسلامية بين الانفتاح والانغلاق: ورقة قدمت لسمنار "قضايا واشكالات الدولة الاسلامية المعاصرة" مؤسسة فردريش ايبرت بالخرطوم في اغسطس 2006 ).

    وقد تحدث فى هذا فى اشارة لاشكالية العلاقة بين الدولة والتنظيم بعد ازمة المفاصلة، د. التيجاني عبد القادر (احد ابرز الشخصيات التي اسهمت في صياغة مشروع الحركة الاسلامية، وحينما استلمت حركته السلطة بادر بسكب عصارة علمه من اجل تقديم انموذج الدولة الاسلامية، لكن يبدو ان زهده وخبرته مكّناه من تقييم تجربة الاسلاميين في الحكم منذ وقت مبكر والحكم عليها من موقع المراقب الحصيف بعيدا عن التعقيدات التنظيمية الملزمة، لذلك فضل التمرد على سلطة الحركة الاسلامية وربما على التزاماتها التنظيمية طالما انها اصبحت لا تتوافق مع قناعاته، وبحسب افادات المقربين منه فان اول خطوة اتخذها في هذا الاتجاه هي قراره بمغادرة البلاد الى ماليزيا، والثورة ما زالت في سنواتها الاولى، الى ان استقر بدولة الامارات، وظل يتابع ويراقب المشهد السوداني من خارج الحدود، ويقدم قراءته المثيرة للجدل، والحال كذلك حينما كسر حاجز صمت الكتّاب الاسلاميين عندما قام بتقديم رؤية نقدية للدولة عبر سلسلة من المقالات ابتدرها بعنوان: (العسكريون الاسلاميون امناء على السلطة ام شركاء فيها) وختمها بمقالات: (العسكريون الاسلاميون شركاء في السلطة ام مالكون لها)؟ وحظيت هذه الكتابات بردود فعل كبيرة، وربما خضعت للدراسة والنظر من اهل السلطة وقتئذ، خاصة انه نبّه الى سيطرة الامن على دولة الحركة. " ان تجربة الحزب المركزي القابض من خلال لجنة مركزية على الدولة تجربة سياسية طبقت في المعسكر الاشتراكي وهذه التجربة عليها ملاحظات من حيث النظرية والتطبيق وقد اثبت التاريخ عدم جدواها ولا اظن ان احدا في اطار الفكر الاسلامي التقليدي او المعاصر يقول انه اذا نشات دولة اسلامية تكون القبضة فيها للحزب الاسلامي بالطريقة ذاتها التي طبقت في الاتحاد السوفيتي، بل ان ادنى قراءة للتاريخ السياسي الاسلامي تشير الى ان تجربة المسلمين قائمة على مؤسسات المجتمع، اذ ان مؤسسات المجتمع الاقتصادية والتعليمية لها نصيب وافر في ادارة وتنظيم الحياة العامة، وان الدولة الاسلامية لها دور ولكنه ليس الدور الاوحد وان الحزب السياسي له دور ولكنه ليس الدور المركزي القابض مطلقا وان هناك تداخلا وتلاقيا وتلاقحا في بعض الدوائر ولكن لا الدولة تهيمن وتقبض على المجتمع بصورة كاملة ولا المجتمع الاسلامي هو المجتمع الخامل بالصورة التي يخطط لها في كل صغيرة وكبيرة وانما هو مجتمع حي ورائد يتولى كافة شؤون حياته ". (د. التجانى عبد القادر في حوار متجدد لعدد 189 - السبت 12 ابريل 2008 : جريدة الاحداث)
    ولكن يرى د. عمر الخير ان الانقاذ بعد 16 عاما من الانفراد بالسلطة خلصت ان حكم الاسلام ليس في تثبيت نصوص في الدستور وانما في قدرة الداعين له على وضع حلول عملية تحقق مصالح المواطنين والوطن وتحفظ امنهم وسلامتهم ووحدتهم. وانها ترى وبذلك تمثل الدعوة للدستور الاسلامي منتصف الخمسينات من القرن الماضي، ثورة وانقلاب على كل الموروث الغربي الاستعماري في الحكم فى وجة دعوة الشيوعيين باستغلال الحركة الاسلامية للدين في مواجهتهم كتيار علماني يدعو الى فصل الدين عن الدولة. وخلص ان الحركة الاسلامية بعد اكتشافها بمرور الزمن وكثرة التحديات ان المعركة الحقيقية لم تكن في نصوص الدستور ومواده المختلفة بقدر ما كانت في التنافس على كسب تاييد المواطنين للبرنامج الاسلامي من خلال تبني قضاياه وتوفير الخدمات الاساسية له. فالصراع حول الدستور عند د. عمر هو اولوية للقوى السياسية الباحثة عن السلطة ولم يكن في يوم من الايام همّا للمواطن، و مثلت مواد الدستور في اغلب الاحيان مجال صراع بين التيارين العلماني والاسلامي من جانب وبين من هم داخل السلطة وخارجها من الجانب الاخر. (د. عمر الخير ابراهيم: نظرات فى الفكر والممارسة: استاذ العلوم السياسية ــ جامعة سنار بالسودان ( http://www.ashorooq.net)

    يورد الباحث احمد عثمان وفق تحليل مختلف: " فالواضح هو ان الانقسام/ المفاصـلة - على عكس مايقول الكثيرين- ليس صراعا على السلطــة مجردا من البعـد الفكري والايدلوجي، بل هو صراع عليهـا متجذرا في صـلب الخـلاف الفكري حول طبيعــة المشـروع الحضاري الذي نادت به الجبهـة الاسلاميـة القوميـة واليـات استمراره وحمايته". " فمن الواضح ان د. الترابي برغم انه قد بنى التنظيم الاقوى لراس المال الطفيلي في السودان، الا انه استمر في التفكـير كبرجوازي صغير يتارجح مابين شموليــة واستبداد ودعوة للحريات من مواقع السيطرة عبر ثورة تقيض له نشر حرياتـه وبناء مشروعـه من اعلى، في حين ان التيار الاخر من المدنيين والعسكريين داخل التنظيم، قد حسم خياراتـه الفكريـة والعمليـة وربط نفسه لمرة والى الابد براس المال الطفيلي ومصالحه. ومن الطبيعي ان لايقبل راس المال الطفيلي شريكـا او منافسـا او معارضا مهما كان مستوى ضعفـه، وشراستـه في المستوى السياسي، تضاهي وربما تفوق شراستـه في المسـتوى الاقتصادي حيث اغلق الطريق تماما امام الراسمـال المستثمر في العمليات الانتاجيــة وانهكــه تطفلا حتى كاد ان يطيح به تماما". " ولعل هذا ايضا يفسر اكتشافات بعض تلاميذه من مثقفي التنظيم امثال د. الافنــدي المتــاخرة، بان هنالك سوبر تنظيم قائم على تحالف مالي عسكري كان يعمل طوال الوقت داخــل الجبهـة الاسلامية القومية وضد توجهاتها. فوجود سوبر التنظيم المذكور الذي يشكل عصب التنظيم باعتباره الممثل الحقيقي لراس المال الطفيلي الذي سخر التنظيم لمصلحته امر طبيعي. (احمد عثمان: انقسام الجبهة الاسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وتلاميذه : الحوار المتمدن - العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12)

    تناول د. عبد الله على ابراهيم فى مقال شيق هذة الظاهرة من واقع العشوائية ويرى ان الاستاذ صبري الشفيع في كتابه من هو الدكتور حسن الترابي . . ومن هم جماعة الرابع من رمضان؟ (الخرطوم 2006) تعمق في هذه العشوائية واستوفاها. فقال انه وقع في يقين الحركة الاسلامية انه يكفيها ان تدعو لحاكمية الله فتسود بين عشية وضحاها لا يعتورها زمان ولا يصادمها مكان. فقد استقر عند الحركة ان السودان المستقل لم يقم على اصول ثقافته الراسخة بل على سطح نظم مستجلبة مقاليدها بيد شريحة من قيادات متعلمة سماها الترابي يوما "الطبقة الخطية". وهذه عقيدة يلتقي فيها مع الترابي مفكرون معادون للاستعمار مثل فرانز فانون. ولكن الترابي لم يحترز احتراز هؤلاء المفكرين الذين لم يستهينوا بهذه النظم المستجلبة ولا بنفوذها الجبار بين الطبقة الخطية. فالترابي يرى في غربة هذه النظم ضعفا سيعصف بها متى اكتشفنا اصالتنا من جديد. وكأن اصالتنا نفسها قد سلمت من تاثيرات قوية ومتراوحة من هذه النظم السطحية المستجلبة. ووقع الترابي بذلك في خطأ الحركة الوطنية العلمانية التي قال انه ورثها. فقد ظنت تلك الحركة العلمانية ان الاستعمار فترة سطحية لم تعلق بنا منه سوى اوشاب يسيرة ومتى زال صار بوسعنا ان نستانف تاريخنا وكان الاستعمار لم يكن: امة اصلها للعرب او للاسلام ". (د. عبد الله على ابراهيم: الحركة الاسلامية بين الانفتاح والانغلاق)

    جاء الدكتور بيتر نيوت مؤخرا بقول حول المأزق السوداني كان بوسع الحركة الاسلامية استثماره لتنزيل الشريعة الاسلامية بلطف وذكاء وكفاءة لا يجد حتى الخصم اللدود بدا من اعتباره. فقد قال نيوت ان المازق السوداني يكمن في ان الشكوى من فساد قوانين موروثة من الاستعمار مثل السماح قانونا بشرب الخمور او البغاء لا يؤدي الى تغيير تلك القوانين واصلاحها كما في دول اخرى كثيرة بل الى المسارعة في الدعوة الى تغيير طبيعة الدولة اي الى اسلمتها (د. عبد الله على ابراهيم: الحركة الاسلامية بين الانفتاح والانغلاق)

    ويتناول د. عبد الوهاب الافندي التناقض الصارخ بين الشعارات والممارسة منذ البداية " ولكن التصدع العلني للحركة الاسلامية كشف فوق ذلك عن انهيار اخلاقي شامل لم يكن الانشقاق سوى اخر حلقاته. فقد كانت الحركة افرغت نفسها من محتواها الاخلاقي حين داست على محظورات كثيرة في سبيل الوصول الى السلطة والتمسك بها، فيما يشبه العملية الانتحارية. وعليه فان الانشقاق لم يكن هو السبب في سقوط الحركة، بل مجرد الاعلان عنه. " ومهما يكن فان الراي العام لم يكن في حاجة لشهادة الاسلاميين على انفسهم حتى يقتنع بانهم بعيدون عن الالتزام بما الزموا انفسهم به من اتباع لقيم الاسلام. فقد شهد الناس من الاسلاميين اثرة في امور المال والسلطان، واقصاء لمن خالف او شك في ولائه. وقد تطور الامر بحيث ان غالبية الاسلاميين قد وجدوا انفسهم بدورهم في خانة المشكوك في ولائهم، حيث اصبح الولاء المطلوب ليس لله ورسوله وقيم الاسلام، بل لمن بيدهم الامر. وفي هذا الصدد فان التشكك فيمن يعتقد فيهم صدق التوجه الاسلامي يكون اكبر لانهم على الارجح لن ينصاعوا لكل ما يطلب منهم من امور قد تخالف ضمائرهم." د. عبد الوهاب الافندي: الممكن والمستحيل في انقاذ الانقاذ (www.sacdo.com

    وربما ساعد مواقف الحركة الاسلامية السودانية من الدولة الوطنية، المواطنة والوحدة الوطنية على تباين موقفها لوصفة بالانتهازية السياسية كما اوضح د. عمر الخير ابراهيم " قبول الحركة الاسلامية السودانية وكثير من الحركات الاسلامية الاخرى لنموذج الدولة الوطنية يلزمها القبول بمبدا الوطنية والقطرية وما يترتب عليهما من حقوق وواجبات محلية ودولية " فقد قبلت الحركة الاسلامية السودانية، مبكرا، فكرة المواطنة ونموذجها المتمثل في الدولة الوطنية كاساس يتيح لها المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية ويهيئ لها من بعد، الانطلاق الى مراقي تحقيق الوحدة الاسلامية للمسلمين. فقد ادركت الحركة ان الواقع السياسي والاجتماعي الموروث لن يكون من السهل تغييره ما لم يتم الاعتراف به اولا. وان القدوم الى الواقع بنصوص مثالية لن يفلح في احداث النقلة المرادة له، بل قد يسهم في خلق جفوة بين الحركة والمجتمع يصعب معالجتها وتعود نتائجها سلبا على الاسلام كعقيدة دينية لاحقا. " وربما كان هذا يفسر لنا مشاركة الحركة الاسلامية ـــ عبر واجهاتها السياسية المختلفة ـــ في خوض كل الانتخابات التي تمت في كل الانظمة الديمقراطية. بل شارك الاسلاميون في كيانات المعارضة التي كونت لمحاربة الانظمة العسكرية التي اسقطت الحكومات الحزبية المنتخبة وحكمت البلاد بالقوة العسكرية ــ (نظام عبود/ نظام النميري) ـــ مطالبة بعودة الديمقراطية والنظام الديمقراطي. (د. عمر الخير ابراهيم: نظرات فى الفكر والممارسة، جامعة سنار بالسودان ( http://www.ashorooq.net)

    رغم ان قوانين الشريعة الاسلامية السودانية ( المعروفة بقوانين سبتمبر 1983 السيئة السمعة ) لا تنسب بشكل مباشر لحركة الترابي كما يعبر عنها شخصيا (وكان اخر هذا العهد هو عهد الشريعة في السودان. ولم يكن تطبيق الشريعة في حسبان الحركة وهي تُصالح النظام، وانما توخت رخصة الحرية لتبنى قاعدتها وقوتها وفق المقتضيات الاستراتيجية الجديدة، لانها لم تكن ترجو الاصلاح الاسلامي الا بتمكنها في السودان. لكن تعاظم الحركة – ببركة هذه الحرية وبفضل استراتيجية التطوير الجادة – وَلَّدَ تيارًا اسلاميًا دفع النظام لتبنى الشريعة – ربما ليصادر شعبية الحركة لصالحه. ولئن كانت الشريعة في عهد مايو ليست الا برنامج تشريع، فان الحركة قد وجهتها بوجه اعمق واشمل، اذ اتخذها موضوع تعبئة عامة فاحدثت انفعالات شعبية شديدة ايقظت وعى الناس الديني والتزامهم الايماني وعززت التزام الدولة بسياسات الاسلام.

    فعولت الحركة – من بعد القانون الشرعي – على التعبئة الجماهيرية وفقًا لاستراتيجيتها التي كانت تستهدف بناء الحركة الشعبية الاسلامية، فكانت هذه التعبئة هي التمهيد للمرحلة التالية ) ولكنها وقفت ورائها بشكل قوي وفعال اثناء الحكم العسكري المايوي كما استعملت هذه القوانين في ابتزاز وتعطيل وتسويف كافة المحاولات لكل القضايا المعلقة للوطن من مشكلة الجنوب والحرب الدائرة حولها و تصفيه اثار النظام المايوي وبناء نظام وطني وديمقراطي بعد سقوط النظام .

    عود على بدء

    في يوم 10/12/1955م اجتمع مندوبون لجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبشير، وجماعة المحافظة على القران، وجماعة انصار السُنة المحمدية، وممثلون للانصار والختمية لتأسيس الجبهة الإسلامية للدستور، واختير الأخ عمر بخيت العوض سكرتيرا للجبهة، وقد كان عمر بخيت مساعدا للرشيد الطاهر في المكتب الإداري حينذاك. وانطلقت الجبهة تقيم الندوات في انحاء السودان وترسل الوفود للأقاليم للدعوة للدستور الإسلامي، كما اتصلت بالسيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، اللذان باركا الدعوة دون ان يقدما لها ما يتطلبه الموقف من الجهد والتحرك والتأييد.( حسن عبد الحميد: تننقيب في ذاكرة الحركة الاسلامية الشيخ عيسى مكي عثمان أزرق، http://www.ikhwansd.com/conver/2011/1/Eisa.htm )

    وبعد أكتوبر 1964م وأثناء فترة الديمقرطية الثانية واصل الإخوان المسلمون جهودهم الرامية لإقرار دستور إسلامي، وكوّنوا لذلك جبهة عريضة باسم جبهة الميثاق الإسلامي لتواصل جهود جبهة الدستور الإسلامي في التبشير بالدستور الإسلامي، وكانت الجبهة عريضة ضمت في عضويتها بالإضافة إلى الإخوان المسلمين كلا من السلفيين والصوفية، وفي البرلمان الثاني للديمقراطية الثانية برلمان 1968م قطعت جبهة الميثاق شوطا واسعا في طريق إقرار الدستور الإسلامي، وتمكنت من إقناع الحزبين الكبيرين بمسودة الدستور الإسلامي التي قطعت شوطا واسعا في نقاشها بالجمعية التأسيسية واجتازت مرحلة القراءة الثانية تمهيدا لإجازتها إلى ان جاءت الانقاذ في العام 1989م ببرنامجها الإسلامي المعلن فقامت بتثبيت القوانين الإسلامية، وان كانت مسألة الدستور الإسلامي لا زالت مكان نقاش وجدل واسع إلى الان. (حسن عبد الحميد: جبهة الدستور الإسلامي.. لحظات الميلاد، جريدة الصحافة ،التاريخ: 1-مارس-2012 العدد:6682 ).

    الامر الشديد الغرابة ان نجد ان هناك هذا الخلاف المتسع ان دستورى 1998 و2005 في رأي الكثير من الإسلاميين لم يكونا دستورين إسلاميين. وقد عارضتهما بعض الجماعات الإسلامية والعلماء كالإخوان المسلمين ـ الإصلاح، وحزب التحرير. ونحتار نحن الداعين لعلمانية واضحة فى الدستور والتى اتفق على تسميتها بالدولة المدنية الديمقراطية من ان اهل المشروع لايتفقون حول الدعوة بعد اكثر من ست عقود من الدعوة واكثر من 20 عاما والشعب السودانى فى رحاب الشريعة وظل المشروع الحضارى. فقد عادت جبهة الدستور الإسلامي الى الوجود و اتفقوا على ان يكون الشيخ أبو زيد محمد حمزة رئيس جماعة انصار السنة المحمدية بالسودان رئيسا للجبهة، والشيخ صادق عبد الله عبد الماجد أمينا عاما، .. وغيرهم. وقد أعلنت جبهة الدستور الإسلامي عن نفسها في مؤتمر تأسيسي بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات بالخرطوم يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من فبراير 2012م.

    وربما نجد بعض التفسير فى الاراء التى تناوات هذا التحرك فقد قال الدكتور علي السيد المحامي بان جبهة الدستور الإسلامي الحالية كوّنتها نفس الاطراف التي كونت جبهة الدستور عام 1968م، موضحا انه اطلع على المسودة الحالية ويعتبر ألا جديد فيها، مضيفا انها من ناحية الحريات والديمقراطية أسوأ من مسودة 68، وبها علاقات غامضة وصياغات ركيكة، ويعتقد الدكتور علي السيد انه لا يوجد شيء اسمه الدستور الإسلامي، بل هناك مبادئ عامة تتمثل في الحرية والعدالة والمساواة، وان ما عدا ذلك اجتهادات، ، مؤكدا ان الدولة لا تؤمن ولا تكفر، ولا يمكن ان تكون هناك دولة إسلامية وأخرى ماركسية، ولكن هناك سياسات عامة، مشيرا إلى ان السودان لا زال به مسيحيون ووثنيون والدستور الإسلامي يثير مشاعر الناس، مضيفا ان الدستور يحتاج إلى علماء اجتماع وسياسة وقانون وليس مجموعة مشايخ يجلسون ليقولوا ان هذا دستور إسلامي.

    الدكتور ناصر السيد ذكّر بان صحيفة المدينة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة بمختلف مكوناتها كانت الدستور الذي يضمن لكل الأطراف حقوقها وواجباتها، وان جبهة الدستور الإسلامي ملتزمة بذلك كله وما تلاه من تجارب فقهية وانسانية وعملية لا سيما السودانية مثل كفالة الحريات والفصل بين السلطات وإقامة المؤسسات التشريعية والعدلية التي تؤكد وتحرس هذه المبادئ العظيمة.

    الشيخ صديق علي البشير أكد انه لما كان تحكيم الشريعة الإسلامية من مقتضيات الإيمان ولوازم الإسلام ودليل محبة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وأصلا من أصول عقيدة المسلمين، سعى علماء المسلمين ودعاتهم إلى انجاز دستور إسلامي خال من العيوب والندوب، وأضاف ان مسودة الدستور الإسلامي قد حسمت هوية السودان لصالح الإسلام وحصرت مصادر التشريع على المصادر الشرعية ونصت على حاكمية الله وسيادة الشريعة، مؤكدا ان هذا المشروع أهلي غير حكومي شارك فيه رموز من كل الطيف الإسلامي فعبر بصورة عملية على وحدة المسلمين وجاء مسنودا بقاعدة شعبية كبيرة، مؤملا ان يتحول إلى دستور دائم للسودان ليحقق أشواق المسلمين.

    لكن الامين السياسى لحزب المؤتمر الشعبى كمال عمر عبدالسلام وجه انتقادات شديدة اللهجة للجبهة الوليدة «جبهة الدستور الاسلامى» ووصف افكارها ومقترحاتها بالشمولية، وان مكوناتها تضم مجموعات وافراد بعيدة عن الدستور وثقافة الحقوق ، وزاد ان مقترح المجموعة لايحمل من الاسلام الا الاسم وان الدستور الاسلامى لايناقش بهذه الطريقة .ونفي انضمام حزبه لها وقال فى تصريح صحفى ان المؤتمر الشعبى صاحب مبادئ ومواقف واضحة للجميع بلا مزايدة، مؤكدا ان حزبه لايمكن ان يمضى فى الاعداد لدستور لحكم السودان بشكل انفرادى او تكتل اقصائى، مشددا على انه لايمكن وضع دستور فى ظل النظام الحالى وتابع «الدستور تصنعه القوى السياسية فى اطار ترتيبات دستورية للفترة الانتقالية.

    من جهته اكد نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي عبدالله حسن احمد ان مشاركته فى الاجتماع التأسيسى للجبهة تمت بصفة شخصية وفقا للدعوة التى وصلته من الجهة المنظمة، وان ماطرح فى المداولات عبارة عن مشروع قابل للنقاش والحذف والاضافة وغير ملزم للحضور مهما كانت صفات مشاركتهم، وان من وقع على المشروع لم يقصد المباركة والتأييد بل فتح نافذة للتدوال والحوار حول الدستور مجددا تمسك الشعبى بخطه الداعم للحريات وقيام نظام ديمقراطى حقيقى يهيىء المناخ لوضع دستور يلبى تطلعات الشعب السودانى بمختلف معتقداته ودياناته واعراقه. (حسن عبد الحميد: الدستور الإسلامي، صراع الأمس واليوم، الصحافة، التاريخ: 1-مارس-2012 العدد:6682 )

    ويرى الأمين العام لهيئة شؤون الانصار د. عبد المحمود أبو ان جبهة الدستور الإسلامي قامت ناقصة لانها تمثل شرائح ليس لها أغلبية في المجتمع.. وان الجانب السلفي الذي يأخذ بظواهر النصوص دون مراعاة للمقاصد وفقه الواقع، غالباً عليها - حسب تعبيره - وقال: هناك شرائح مهمة في المجتمع لديها تجربة في الحكم مثل الانصار والختمية وغالبية الطرق الصوفية، وهي ليست جزءاً منها. وعن الحديث الدائر حول أهلية السودان لتطبيق الشريعة بعد الانفصال، يقول «أبو»: هذه المجموعة اعتقدت انه بعد فصل الجنوب أصبح الشمال على قلب رجل واحد، وهذا ليس صحيحاً، لان النزاع في السودان قد زاد، ما يجعل الناس في ظل هذه الصراعات من غير المقبول ان يتحدثوا عن الدستور، فكان من الأفضل توجيه هذه الجهود لإصلاح النظام السياسي. ويمضي أبو بالقول: ان تسمية الدستور بالإسلامي في هذا الوقت غير مناسبة، لان هنالك شريحة كبيرة تنادي بالدولة المدنية العلمانية، فالمطلوب أولاً الاتفاق على طبيعة الدولة ثم يأتي الدستور معبراً عن مكونات هذا المجتمع.. ويضيف: ان كلمة (دستور) وضعية، والمسلمون مرجعيتهم القران الكريم والسنة. ويرى «أبو» انه من الواجب التريث لاستصحاب كل الآراء حتى يكون الدستور معبراً عن التنوع السوداني بكل دقة. وعما يريدونه في شؤون الانصار، قال: نحن نريد دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية دينية تواكب المستجدات وتراعي حقوق غير المسلمين وتتلاءم مع النظام الدولي الحديث. (جبهة الدستور الإسلامي تعود إلى الساحة .. بوجوه جديدة..!، الاهرام اليوم، 2012/03/02 )

    الطريف انة بعد ان تم التوقيع على البيان التأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي للمطالبة بتطبيق الدستور الإسلامي وتطبيق الشريعة وتوعية المسلمين. أكدت ان الحكومة «شاءت أم أبت» سيكون الدستور الإسلامي حاكماً للبلاد. وقال الأمين العام لجبهة الدستور الإسلامي الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد ان فعلت ذلك سنقدم لها كل ما نملك وان لم تفعل فان الشعب ستكون له كلمته. ومن جهة ثانية هدد القيادي بالحزب الاتحادي «الأصل» عمر حضرة بانه سيستقيل من عمله ومن الطائفة الختمية ومن الحزب إذا لم توافق تلك الكيانات على الدستور الإسلامي، وقال ليس لدينا خيار سوى تطبيق الشريعة، وسنرفع للبشير الدستور الإسلامي ونقول له إذا لم تطبقه سنخلعك. (جبهة الدستور الإسلامي تعود إلى الساحة .. بوجوه جديدة..!، الاهرام اليوم، 2012/03/02 )

    ليس من الصعب تحليل هذة المواقف فاذا اخذنا مواقفها مجتمعة فهى ترنو لتجربة الدعوة السلفية فى مصر والتى انتقلت من مساجدها الى برزخ السياسة بيسر وسلاسة بعد ان تمتعت برضا النظام طوال تاريخها. يستشعر كل المجتمعين ان الانقاذ تلفظ انفاسها بين ضغوط الداخل والخارج والحروب الاهلية. الفرق فى تجربة السودان ان الذى سيسقط ليس من انظمة العلمانية الاقصائية ولكن نظام الدولة الدينية الاقصائى. كافة المجتمعين ينعمون برضا السلطة ويخشون ان يصبحوا اهدافا للسخط الشعبى والمحاسبة عند سقوط النظام. ان افضل الخيارات هى اعادة الحياة لدستور اسلامى بعد نزعة من سادتة القدامى باعتبارة مختلفا عن دستور الترابى. هذا يعطيهم ميزتين الاستمرار فى الحياة فى عهد جديد وفى السياسة بحلل جديدة، كما يحلل وضعهم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de